يا شباب هذه الأمة العظام . يا من اخترتم الآخرة على الدنيا , والموت على المذلة والكرامة على العبودية لغير الله . أناديكم وأنتم تحت القصف والدمار . وحيث لا خيار لكم إلا الموت . أناديكم حتى تنالوا الشهادة الحقيقية أن تعوا إلى هذه المقاتل الستة التي تحولكم من الجنة إلى النار , فتجتنبوها لتكونوا من الشهداء
هذه المقاتل الستة هي :
1- القتال تحت راية جاهلية .
2- معصية الله والرسول.
3- التنازع والخلاف .
4- معصية الأمير .
5- الغلول .
6- الرياء.
وسنتناول في هذه الحلقات الست هذه المقاتل واحدة تلو الأخرى .
المقتلة الأولى : القتال تحت راية جاهلية
والراية الجاهلية هي القتال للصد عن سبيل الله . والقتال لحرب الإسلام وحرب شريعة الإسلام ( من قتل تحت راية عُمّية ينصر العصبية . ويغضب للعصبية فقتلته جاهلية ) صحيح الجامع الصغير –ح 6442
( ومن قتل تحت راية عميَّة يغضب للعصبية ويقاتل للعصبية فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها , لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني ) رواه مسلم .
وبمقدار ما نجد باب النار مغلقاً جداً كما في هذا الحديث . نجد باب الجنة فسيحاً مفتوحاً لكل من يقاتل في سبيل الله .
هذا السبيل حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل :
(يا رسول الله : الرجل يقاتل حمية , والرجل يقاتل شجاعة , والرجل يقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله ؟
قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه مسلم ,واحمد
أ. الدفاع عن المستضعفين قتال في سبيل الله
{ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا (75)}(النساء)
ب. القتال ضد الظلم والظالمين هو في سبيل الله :
قال صلى الله عليه وسلم ( من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ) صحيح الجامع الصغير /ح 6445
والحديث ( من قتل دون ماله مظلوماً فله الجنة) صحيح الجامع الصغير ح 6447.
جـ. المقتولون تحت القصف والدمار :
( من فصل في سبيل الله فمات , أو قتل , أو وفصته فرسه أو بعيره, أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد , وإن له الجنة ) صحيح الجامع الصغير (حسن) ح 6413
د. نية القتل في سبيل الله :
( من قاتل في سبيل الله فواق ناقة . فقد وجبت له الجنة . ومن سأل الله القتل في سبيل الله من نفسه صادقاً ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ) صحيح الجامع الصغير /ح/ 6416 .
هـ. المجروحون والمصابون والمنكوبون في سبيل الله :
(ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة . فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت , لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء ) صحيح الجامع الصغير ح/ 6416 .
فتحديد النية لك أيها المقاتل العظيم مهم جداً وخطير جداً وبين أن تلقى ربك شهيداً مرضياً عنك أو تلقاه ولست من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتبعث مع الظالمين ويذهب دمك رخيصاً بلا دنيا ولا آخرة .
وإلى اللقاء في المقتلة الثانية التي تحبط العمل , ولا تدفع الأجل .وتقود إلى النار عوضاً عن الجنة ..
أيها المجاهدون العظام . يا قادة المجاهدين لكم من عوامل النصر ثلاثة . الثبات : وهذا ما تقدمونه للعالم كله { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا } .
ذكر الله كثيرا : فلا نراكم يا سادة الأمة وقادتها إلا وأنتم تكبرون مع كل نصر ومع كل محنة . وتعلنون للبشرية أن لا ناصر لكم إلا الله . ولن تركعوا إلا لله . وتجيبون نداء ربكم في الاستعداد للموت . لبيك يا الله وتعلنون كلمة التوحيد : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
الصبر : على كل معاناة الظالمين وتدميرهم وجرائمهم وتعلمون أن العالم كله قد تخلى عنكم وهو يتلهى بكم . وأنتم صامدون صابرون تعلنون للدنيا أن لا تراجع عن إسقاط الظالمين ولو خسرتم أقصى غاية الجود أولادكم وأهلكم وأبناءكم ونساءكم . فإذا ضحيتم بالروح فماذا يغلو عن الروح ؟ والجود بالنفس أغلى غاية الجود .
هذه عناصر النصر الثلاثة قد استكملتموها بحمد الله .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } ،
{ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم تفلحون }.
وهناك ثلاثة أخر من عوامل النصر :
{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } ،
{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس } ،
{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }.
إذن امتلكتم ثلاثة عناصر من عناصر النصر . الثبات , ذكر الله كثيرا , الصبر :: ولا تزالوا بحاجة إلى ثلاثة أخرى :
طاعة الله والرسول , وعدم التنازع , والخروج الخالص لله.. وإذا امتلكتم هذه العناصر الثلاثة فسترون نصر الله قريب . وتفرحون بنصر الله، وهذه المقدمة تقودنا إلى :
المقتلة الثانية :معصية الله والرسول
فالله تعالى امتحن جنده حزب الله وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت المحنة بالجيش كله لخطيئة عشرات من الأفراد في الجيش المصطفى مع الرسول المصطفى .
{ وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين (151])(آل عمران).
لقد كانت أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة بالثبات على الجبل لا تحتمل التأويل والاجتهاد وتذكير قائدهم عبد الله بن جبير . بها حجة على المتذرعين منهم بالجهل (( من حديث البراء رضي الله عنه قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً – عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعاً وقال لهم :
( إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم , وإن رأيتمونا ظهرنا على عدونا وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ) قال : فهزموهم , لقد فات النصر على المسلمين ووقعت المحنة . وقتل سبعون صحابياً استشهدوا في سبيل الله . لمعصية قليل من الرماة اجتهدوا وقالوا :
(قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت سوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن .
فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة , أي قوم الغنيمة . ظهر أصحابكم فماذا تنظرون ؟
قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة .
فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً , فأصابوا منا سبعين رجلاً--) وهذه المحنة القاسية , وهؤلاء الشهداء السبعون هم بعد عفو الله عن المؤمنين وإلا لكانت هزيمة لا تنتهي إلا باحتلال المدينة
{ ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين }, حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائد الجيش . وهو سيد البشر . والجيل الذين معه هم خيرة الخلق وصفوته فقد نزلت بهم المحنة .
ومن حديث أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد , وشج في رأسه . فجعل يسلت الدم عنه وهو يقول : { كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ) . فأنزل الله عز وجل : { ليس لك من الأمر شي } صحيح البخاري .
إنها المقتلة الثانية : معصية الله تعالى ورسوله . والتي تؤخر النصر أو نقضي عليه أو تدخل المقاتل النار وهو يضحي بحياته , ويحسب نفسه أنه من الشهداء المجاهدين , وتحوله من الجنة إلى النار { وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان (196) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (197) }( آل عمران).
{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }.
فلا بد من الاتفاق على قائد ابتداء يتفق الجميع على طاعته , أما إذا بقي التفرق والشحناء وحرص كل شخص على القيادة . فستكون الهزيمة بصريح قول الله تعالى:
{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }
فلن يكفي الصبر والثبات والاستعداد للموت . بل لا بد من قائد تطيعه الفصائل كلها وتبقى الشورى مستمرة بين القيادات . وتخضع الأقلية للأكثرية . فقد أمر الله تعالى نبيه بالشورى . وليس بحاجة لرأي أحد , وهو مسدد بالوحي , ومع ذلك قال الله تعالى له :
{ فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } ,
لكن بعد الشورى فالطاعة هي التي تحكم { فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }
إنها المقتلة الثالثة التي تذهب الريح وتقضي على النصر .
ففي بدر قال الله تعالى للمؤمنين { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } أما في أحد وحين وقع التنازع وانتُزع النصر من المؤمنين فقال الله تعالى لهم :
{ حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصاكم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين }.
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :
فأنكرنا ذلك فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى . إن الله عز وجل يقول في يوم أحد { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } ويقول ابن عباس والحس القتل إلى قوله : { حتى إذا فشلتم إلى قوله ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين }- عنى بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم بموقع ثم قال : احموا ظهورنا فإذا رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا وإذا رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا . وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن : 1 ـ الجماعة . 2- والسمع . 3- والطاعة. 4- والهجرة . 5- والجهاد في سبيل الله ) صحيح الجامع الصغير / ح/ 1724
حكم من فارق الجماعة:
( فإنه من فارق الجماعة قيد شبر . فقد خلع ربعة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ) صحيح / ح / 1724
حكم من دعوا بدعوى الجاهلية :
( ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم , وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله ) صحيح/ح/ 1724
أبو عبيدة أمين الأمة يتنازل عن الإمرة لعمرو بن العاص المسلم الجديد :
في غزوة ذات السلاسل يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح أمين الأمة مدداً لعمرو بن العاص ( فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده فبعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم ابو بكر وعمر رضوان الله عليهما وقال لأبي عبيدة حين وجهه لا تختلفا فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه قال له عمرو بن العاص إنما جئت مدداً لي فقال لي أبو عبيدة يا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ( لا تختلفا ) وأنت إن عصيتني أطعتك
قال أي عمرو فأنا أمير عليك وإنما أنت مدد لي
قال : فدونك . فصلى عمرو بن العاص بالناس)
فأمين الأمة الرجل الثالث في الإسلام يتنازل عن قيادة الجيش لعمرو بن العاص ابن الستة شهور في الإسلام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أبا عبيدة : لا تختلفا . فقال أبو عبيدة لعمرو ولئن عصيتني لأطيعنك
عمرو بن العاص الذي كان قائد المشركين في الخندق وقال المسلمون عنه : صلى بالناس وهو جنب ولم يمر عليه بضعة أشهر في الإسلام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تختلفا { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين }.
{ حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين } .
عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله . ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني .
رواه أحمد (2/313 ) ومسلم (6/24) .
فمعصية الأمير هي معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ومعصية لله تعالى , وهي تدخل الجندي النار ولو قتل في سبيل الله .
عمرو بن العاص نموذجاً :
وهو الأمير الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمرة على جيش فيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة , فقد أصدر أوامره بعد إشعال النار في الجيش . والمسلمون يكادون يموتون برداً فواسطوا أبا بكر كي يشعلوا النار لاتقاء هذا البرد , فماذا كانت النتيجة ؟
( من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل (اسم الغزوة ) فسأله أصحابه أن يوقدوا ناراً فمنعهم فكلموا أبا بكر , فكلمه في ذلك , فقال : لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها . قال: فلقوا العدو فهزمهم (هزم العدو )
فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم , فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم , وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد . فحمد أمره .
فقال : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟
قال : عائشة
قلت من الرجال ؟
قال : أبوها .
قلت ثم من ؟
قال: عمر . فعد رجالاً فخفت أن يجعلني , فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم ) الترمذي والبخاري مختصراً رقم 2662 .
فطاعة عمرو بن العاص الأمير مقدمة على طاعة خير الأمة بعد نبيها أبي بكر وعمر .
وفي رواية الحاكم عن بريدة :
( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على سرية فيها أبو بكر وعمر . فلما انتبهوا إلى مكان الحرب أمرهم أن لا يوقدوا ناراً , فغضب عمر بن الخطاب , وهم أن يأتيه فنهاه أبو بكر وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب , فهدأ عنه ) سبل الهدى والرشاد 6/ 264
لا تجوز المخالفة ولو كان الدافع لها الحماس للنصر والرغبة في الشهادة: حتى لو كان الحماس للنصر والرغبة في الشهادة فلا تجوز مخالفة الأمير ، فالأمير يعرف متى يقاتل وكيف يقاتل ؟
فقد يتظاهر الأمير بالهزيمة ويوهم العدو بالانسحاب لتحقيق نصر أكبر وهدف أعظم , فلا بد من طاعته ومعصيته هي معصية لله سبحانه .
( قال محمد بن عمر : وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له نهيك بن مرداس فأبعد . وقوي المسلمون على الحاضر , وقتلوا من قتلوا واستاقوا نعماً وشاء , وتفقد غالب ( أمير الجيش ) أسامة بن زيد , فجاء أسامة بعد ساعة من الليل , فلامه الأمير لائمة شديدة . وقال : ألم تر إلى ما عهدت إليك؟
قال : خرجت في إثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم في حتى إذا دنوت منه قال : لا إله إلا الله .
فقال الأمير : أأغمدت سيفك ؟
فقال : لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب ( الموت )
فقال : بئس ما فعلت وما جئت به تقتل امرأً يقول لا إله إلا الله .
فندم أسامة وأسقط في يده ) سبل الهدى والرشاد 6/226
وفي رواية أسامة رضي الله عنه :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة . فأدركت رجلاً فقال : لا إله إلا الله . فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟
قلت : يا رسول الله : إنما قالها خوفاً من السلاح .
قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟
فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) صحيح السيرة النبوية 366/367 .
جريمة المخالفة : وجريمة قتل المستسلم الآمن :
( فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه . وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه . وسلبه بعيره ومتيعه ( المتاع القليل ) .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمحلم : أقتلته بعد ما قال آمنت بالله ؟
قال يا رسول الله : إنما قالها متعوذاً .
قال أفلا شققت عن قلبه ؟
قال لم يا رسول الله ؟
قال : لتعلم أصادق هو أم كاذب
فقال محلم : استغفر لي يا رسول الله .
فقال : لا غفر الله لك
فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه . فما مضت سابعة حتى مات , وفي حديث ابن اسحق : فما لبث أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد لفظته الأرض . عادوا فحفروا له فأصبح وقد لفظته الأرض – فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له .
فقال : إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم . ولكن الله تعالى يريد أن يعظكم
فأخذوا برجليه فألقوه في بعض الشعاب وألقوا عليه الحجارة ) سبل الهدى والرشاد للصالحي 6/ 294- 296 .
الغلول :هو أن تأخذ من الغنائم شيئاً قبل أن يوزعها الأمير على الجند
{ وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون (161)}(آل عمران).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وشناراً )
فقام رجل معه كبة من شعر فقال : إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر
فقال : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك .
فقال الرجل : يا رسول الله أما إذا بلغت ما أرى فلا أرى لي بها ونبذها ) صحيح السيرة النبوية / ص 452
قصة الرجل الذي غل في سبيل الله
(من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر .
فذكروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا على صاحبكم
فتغيرت وجوه الناس لذلك.
فقال : إن صاحبكم غل في سبيل الله .
ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين ) صحيح السيرة النبوية ص 347 واللفظ لأبي داود .
أبن اللتبية على الصدقات :
من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال :
أستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له : ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله أثنى عليه ثم قال : ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أنه حتى ينظر . أيهدى إيه أم لا ؟ . والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيراً له رغاءً أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا غفر لي بعضه ثم قال : اللهم هل بلغت ؟ مرتين ) البخاري / ح رقم 925
فلا حق إذن لأحد في الغنائم حتى لو كان هو الذي حازها وجمعها فهو غلول يقود إلى نار جهنم
إن الشملة لتشتعل عليه ناراً :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط . ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له : مدعم أهداه إليه أحد بني الضباب . فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء سهم غائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس : هنيئاً له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لتشتعل عليه ناراً
فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراكٍ أو شراكين فقال : هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك أو شراكان من نار ) فتح الباري شرح صحيح البخاري / ح/ 4234 .
عصابة تعصب بها رأسك :
(و نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار يوم القيامة )
فباع يومئذ فروة ( وزير المالية النبوي ) المتاع فأخذ عصابة فعصب بها رأسه ليستظل بها من حر الشمس ثم رجع إلى منزله وهي عليه . فذكر فخرج فطرحها وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : عصابة من نار عصبت بها رأسك
فهذا هو وزير المالية وقد استعمل عصابة ليقي نفسه حر الشمس . وهو يعمل في بيع الغنائم ويخبر عنها المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم فلا يكون الجواب : إنا سنعطيك أمثال أمثالها . ونتقاسم الثروة معاً . إنما كان الجواب ( -- عصابة من نار عصبت بها رأسك ) المغازي للواقدي 2/680 – 681 .
وأدرك هذا الجيل مفهوم الحلال والحرام في الغنائم وأدرك أن الغلول . وهو أخذ شيء من المغنم قبل أن تفرز أو تقسم إنما هو العار والشنار في الدنيا . والنار يوم القيامة , و رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل له ذلك حتى تقسم الغنائم , وكما قال عليه الصلاة والسلام يوم غنائم حنين ( ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه , فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى ثم رفعها فقال :
( ليس من هذا الفيء شيء , ولا هذه إلا بالخمس والخمس مردود عليكم فردوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وشناراً ) صحيح السيرة النبوية /ص/452 .
أول الناس يقضى عليه يوم القيامة :
( إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به – فعرفه نعمه فعرفها , قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت . قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فعرفه نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال كذبت , ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه , وأعطاه من أصناف المال كله . فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل يحب أن يُنفق بها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) صحيح مسلم / ح / 1905 .
إنما الأعمال بالنيات :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . صحيح البخاري ح/2549 , وصحيح مسلم ح/ 1907 .
نية الشهادة شهادة :
( من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) صحيح مسلم / ح/ 1909 .
من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في الجنة :
( حدثنا أبو موسى الأشعري أن رجلاً أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن هي في سبيل الله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله ) . صحيح مسلم ح1904, البخاري ح/281 و ح/3136 .
وفي رواية : ( وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) صحيح مسلم ح/ 150 – 1904 .
ومن لم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية :
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ " ) صحيح مسلم / ح / 1910 .
فهما في الوزر سواء وفي الأجر سواء :
عن عمرو بن سعد الأنماري .. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء ) الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي وغيري تركته وشركه ) صحيح مسلم ح/ 2985 .
إن الله يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر :
(عن خالد بن زيد قال : كنت راميا أرامي عقبة بن عامر فمر بي ذات يوم فقال : يا خالد اخرج بنا نرمي فأبطأت عليه فقال : يا خالد تعال أحدثك ما حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقول لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ، صانعه الذي احتسب في صنعته الخير ومتنبله ، والرامي ارموا واركبوا ، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وليس من اللهو إلا ثلاثة ، تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته زوجته ، ورميه بنبله عن قومه ، ومن علم الرمي ثم تركه ، فهي نعمة كفرها ") . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " " وله شاهد على هذا الاختصار صحيح على شرط مسلم .
حبسهم العذر :
(عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزاة فقال: ( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض )
وفي رواية : ( إلا شركوكم في الأجر )(17) رواه مسلم.
ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: ( رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلي الله عليه وسلم فقال:
( إن أقواماً بالمدينة خلفنا، ما سلكنا عبا، ولا واديا إلا وهم معنا ، حبسهم العذر )
من لم يغز :
عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قال يزيد بن عبد ربه في حديثه قبل يوم القيامة ) أبو داوود بإسناد صحيح ح/ 2503 .
فيا أسادنا العظام قد رأيتم طريق الجنة وطريق النار والمقاتل الستة فاختاروا أيها شئتم . وثقوا أننا معكم في قلوبنا وأرواحنا لكن حَرمَنا من أوطاننا وجهادنا من نرجو أن يحرم الله عليه الجنة .
منذ اعوام طويلة ونحن واثقون إن شاء الله أنكم ستكملون الطريق . وتستلموا منا الراية . ونرجو الله تعالى أن يحقق نصره و موعوده بكم حين عجزنا نحن ذلك , فأنتم قد اصطفاكم الله تعالى لحملها . والله معكم ولن يتركم أعمالكم .
سدد الله خطاكم وجمعكم على قلب أقوى وأتقى رجل منكم .