الحروب لا تتم فقط بالجيوش والأسلحة، ولا تدور في ميادين القتال وحدها، فربما تكون الحرب الفعلية هي المرحلة الأخيرة في تطور الصراع عبر سنوات طويلة.
الحرب تتم أولاً داخل الرؤوس، وتقوم العقول بصياغة نصها الثقافي والأيديولوجي قبل أن يقوم الجنود بإطلاق النيران في ميادين القتال، وربما يكون بناء أيديولوجية الحرب أهم من امتلاك أشد الأسلحة فتكاً وتدريب العسكريين على استخدامها.
ومشكلتنا الأساسية أننا لم نحاول أن ندرس بعمق التاريخ الأيديولوجي لصراعنا الطويل مع إسرائيل، وربما لعبت السلطات العربية دورها في تقليل امكانيات المفكرين العرب في دراسة الأفكار والرموز التي استخدمتها إسرائيل في احتلال فلسطين والهيمنة على المنطقة.
السلطات العربية عملت على توجيه وسائل الإعلام للتركيز على قضايا أقل أهمية، وتقديم تغطية ناقصة ومحدودة للأحداث، لأن الدراسة المتعمقة للأيديولوجية الإسرائيلية تشكل إدانة غير مباشرة للسلطات العربية التي قامت بتقليل قدرة الأمة على إنتاج الأفكار والرموز التي تواجه بها الحرب الثقافية الإسرائيلية والغربية.
ولكن لماذا فعلت السلطات العربية ذلك؟ إن الأفكار والرموز التي كان يمكن أن تواجه بها الأمة إسرائيل ذات طابع إسلامي، لكن السلطات العربية لا تريد هذه الأفكار والرموز لأنها ترى فيها خطراً على النظم العلمانية.
إن هذا الاتجاه لابد أن يتوقف، ولذلك أدعو العلماء والباحثين العرب إلى مرحلة جديدة من الكفاح العلمي والثقافي يتمثل في دراسة أيديولوجية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبناء منظومة الأفكار والرموز التي يمكن أن تستخدمها الأمة العربية في مواجهة هذه الأيديولوجية وإدارة الحرب الثقافية ضد إسرائيل.
واعتقد أن تلك مرحلة مهمة في تاريخ كفاحنا لتوحيد الأمة وتحرير فلسطين وبناء النهضة وتحقيق التقدم على أساس مشروع حضاري إسلامي.
إن الأفكار والرموز أخطر من الأسلحة والقنابل والجيوش، حيث يمكن أن تلعب دورا مهما في تحقيق النصر، ولقد كانت تلك الأفكار والرموز من أهم الوسائل والأسلحة التي استخدمتها الأمة طوال تاريخها لتحقيق الانتصارات الكبرى، وبناء الحضارة الإسلامية.
تاريخ الأيديولوجيا
يقول الكاتب الإسرائيلي ران هاكوهين إن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لا يتمثل فقط في رصد أحداث العدوان الإسرائيلي والمعاناة الفلسطينية ولكنه تاريخ الأيديولوجيا التي قام عليها هذا الاحتلال، وتاريخ الأفكار والقصص التي قام المجتمع الإسرائيلي بفبركتها لتبرير مشروعه الاستعماري، هذه القصص والأفكار يجب أن تخضع لدراسة تاريخية توضح كيفية تطورها، واستخدامها طبقاً للظروف التاريخية، وتأثيرها، وأساليب تقديمها في وسائل الإعلام.
الهدف من دراسة تاريخ الأفكار التي تستخدم في تبرير الأحداث وفي شرعنة الاحتلال يتمثل في زيادة القدرة على مواجهة هذه الأفكار ومعرفة كيف تقوى تلك الأفكار في ظروف تاريخية معينة، وتموت في ظل ظروف أخرى، وكيف يمكن مواجهتها بأفكار جديدة.
يقول ران كوهين إن الخطاب الإسرائيلي قد استخدم منظومة من الأفكار والرموز والقصص ذات الطابع الديني والسياسي، وقام بتوظيفها لصالح فرض الاعتراف بإسرائيل على العالم، ومنع الدول من توجيه النقد لإسرائيل.
يعرض ران كوهين لتطور فكرة تم استخدامها بشكل واسع والترويج لها، وهي أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة قد انتهى، وأن الفلسطينيين أصبحوا أحرارا يستطيعون أن يفعلوا بحياتهم ما يريدون، ولم يعد لإسرائيل شأن بهم.
هذه الخرافة أصبحت شائعة منذ انسحاب إسرائيل من غزة، لكن جذور هذه الفكرة تعود إلى اتفاقيات أوسلو، حيث روج اليسار الإسرائيلي لفكرة أن الدولة الفلسطينية موجودة.
هذه الخرافة تمثل الرغبة الإسرائيلية الدائمة في الإنكار، فالمجتمع الإسرائيلي يقدم للفلسطينيين اعترافا بوجود افتراضي، بينما ينكر هذا المجتمع الوجود الفلسطيني سواء على المستوى الفعلي أو الافتراضي.
إن إسرائيل تريد أن تسجن الفلسطينيين وراء جدار سميك، وتجعل العالم ينساهم، وهذا يمثل بالنسبة لإسرائيل حلا جميلا حيث يموت الفلسطينيون جوعا داخل سجنهم الذي يمكن أن يطلق عليه دولة.
نحن هنا وهم هناك
يستمر ران كوهين في استعراض بعض الأفكار التي قامت عليها أيديولوجية الاحتلال الإسرائيلي واستخدمت في تبريره ومن أهمها شعار السلام المعقد الذي أطلقه إيهود باراك وهو: «نحن هنا وهم هناك»، دون تحديد لعلاقات القوة بين هنا وهناك.
لكن ذلك يقدم على إنكار إسرائيل لوجود الفلسطينيين والشيء الوحيد الذي أصبح يذكر الإسرائيليين بوجود الفلسطينيين هو عمليات المقاومة.
الإسرائيليون يريدون أن ينسوا وجود الفلسطينيين، وأن يرغموا العالم على نسيانهم بحيث يظلون هناك داخل السجن.
لكن صواريخ القسام تذكرهم دائما بوجود الفلسطينيين، وتذكر العالم أن إسرائيل قد فرضت حصارا شاملا على قطاع غزة حيث يعيش 1.5 مليون فلسطيني وهم لا يستطيعون الوصول إلى البحر، حيث منعت إسرائيل إعادة بناء ميناء غزة، وهم لا يستطيعون الاتصال بالعالم عن طريق الجو حيث دمرت إسرائيل مطار غزة ومنعت إعادة بنائه، كما سيطرت إسرائيل على المعابر.
وإسرائيل ترغم المجتمع الدولي على فرض حصار شامل على غزة منذ انتصار حماس في الانتخابات، وبذلك تتحكم إسرائيل في وصول الأغذية للفلسطينيين.
السجان ليس مسؤولا
أما الضفة الغربية فإنها ليست أفضل حالا من غزة، حيث تعيش القرى الفلسطينية تحت الحصار الإسرائيلي ولا يستطيع الفلسطينيون الانتقال بين هذه القرى، أو الاتصال ببعضهم.
الحقيقة هي أن الفلسطينيين مسجونون داخل جدران قاسية تحت نظام شيطاني من نقاط التفتيش والحواجز على الطرق، والمستوطنون الإسرائيليون يحيطون بهم، ويتم تعريضهم لرعب مستمر ويعيشون في خوف دائم من هجمات الجيش الإسرائيلي وهكذا فإن الاستعمار الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية لم ينته، ولكن تم إنكاره.. لقد أصبح هذا الاحتلال أشد سوءا وخطورة في الوقت الذي يجري فيه الترويج لخرافة أن الاحتلال قد انتهى ونحن هنا وهم هناك، وذلك ليتم صرف الانتباه عن الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وإبعاد المسؤولية عن إسرائيل، بحيث لا تتحمل نتائج هذه الكارثة.
هذه هي بعض الأفكار التي قامت إسرائيل بترويجها لخداع العالم، وبهدف إبعاد المسؤولية عن الاحتلال، ولقد استخدمت هذه الأفكار كوسيلة لإنكار الوجود الفعلي للشعب الفلسطيني، ولإجبار دول العالم على المشاركة في جريمة حصار الفلسطينيين وتجويعهم، وفي نزع الشرعية عن عمليات المقاومة خاصة إطلاق الصواريخ.
وهكذا يتم تبرير الاحتلال على المستوى الرمزي والثقافي، وتبرير العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لذلك أدعو الصحفيين العرب إلى التفكير في استخدام المصطلحات والرموز والأفكار والخرافات التي تروجها إسرائيل، ومواجهة الحرب الثقافية التي تشنها إسرائيل على الأمة.
الحرب تتم أولاً داخل الرؤوس، وتقوم العقول بصياغة نصها الثقافي والأيديولوجي قبل أن يقوم الجنود بإطلاق النيران في ميادين القتال، وربما يكون بناء أيديولوجية الحرب أهم من امتلاك أشد الأسلحة فتكاً وتدريب العسكريين على استخدامها.
ومشكلتنا الأساسية أننا لم نحاول أن ندرس بعمق التاريخ الأيديولوجي لصراعنا الطويل مع إسرائيل، وربما لعبت السلطات العربية دورها في تقليل امكانيات المفكرين العرب في دراسة الأفكار والرموز التي استخدمتها إسرائيل في احتلال فلسطين والهيمنة على المنطقة.
السلطات العربية عملت على توجيه وسائل الإعلام للتركيز على قضايا أقل أهمية، وتقديم تغطية ناقصة ومحدودة للأحداث، لأن الدراسة المتعمقة للأيديولوجية الإسرائيلية تشكل إدانة غير مباشرة للسلطات العربية التي قامت بتقليل قدرة الأمة على إنتاج الأفكار والرموز التي تواجه بها الحرب الثقافية الإسرائيلية والغربية.
ولكن لماذا فعلت السلطات العربية ذلك؟ إن الأفكار والرموز التي كان يمكن أن تواجه بها الأمة إسرائيل ذات طابع إسلامي، لكن السلطات العربية لا تريد هذه الأفكار والرموز لأنها ترى فيها خطراً على النظم العلمانية.
إن هذا الاتجاه لابد أن يتوقف، ولذلك أدعو العلماء والباحثين العرب إلى مرحلة جديدة من الكفاح العلمي والثقافي يتمثل في دراسة أيديولوجية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبناء منظومة الأفكار والرموز التي يمكن أن تستخدمها الأمة العربية في مواجهة هذه الأيديولوجية وإدارة الحرب الثقافية ضد إسرائيل.
واعتقد أن تلك مرحلة مهمة في تاريخ كفاحنا لتوحيد الأمة وتحرير فلسطين وبناء النهضة وتحقيق التقدم على أساس مشروع حضاري إسلامي.
إن الأفكار والرموز أخطر من الأسلحة والقنابل والجيوش، حيث يمكن أن تلعب دورا مهما في تحقيق النصر، ولقد كانت تلك الأفكار والرموز من أهم الوسائل والأسلحة التي استخدمتها الأمة طوال تاريخها لتحقيق الانتصارات الكبرى، وبناء الحضارة الإسلامية.
تاريخ الأيديولوجيا
يقول الكاتب الإسرائيلي ران هاكوهين إن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لا يتمثل فقط في رصد أحداث العدوان الإسرائيلي والمعاناة الفلسطينية ولكنه تاريخ الأيديولوجيا التي قام عليها هذا الاحتلال، وتاريخ الأفكار والقصص التي قام المجتمع الإسرائيلي بفبركتها لتبرير مشروعه الاستعماري، هذه القصص والأفكار يجب أن تخضع لدراسة تاريخية توضح كيفية تطورها، واستخدامها طبقاً للظروف التاريخية، وتأثيرها، وأساليب تقديمها في وسائل الإعلام.
الهدف من دراسة تاريخ الأفكار التي تستخدم في تبرير الأحداث وفي شرعنة الاحتلال يتمثل في زيادة القدرة على مواجهة هذه الأفكار ومعرفة كيف تقوى تلك الأفكار في ظروف تاريخية معينة، وتموت في ظل ظروف أخرى، وكيف يمكن مواجهتها بأفكار جديدة.
يقول ران كوهين إن الخطاب الإسرائيلي قد استخدم منظومة من الأفكار والرموز والقصص ذات الطابع الديني والسياسي، وقام بتوظيفها لصالح فرض الاعتراف بإسرائيل على العالم، ومنع الدول من توجيه النقد لإسرائيل.
يعرض ران كوهين لتطور فكرة تم استخدامها بشكل واسع والترويج لها، وهي أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة قد انتهى، وأن الفلسطينيين أصبحوا أحرارا يستطيعون أن يفعلوا بحياتهم ما يريدون، ولم يعد لإسرائيل شأن بهم.
هذه الخرافة أصبحت شائعة منذ انسحاب إسرائيل من غزة، لكن جذور هذه الفكرة تعود إلى اتفاقيات أوسلو، حيث روج اليسار الإسرائيلي لفكرة أن الدولة الفلسطينية موجودة.
هذه الخرافة تمثل الرغبة الإسرائيلية الدائمة في الإنكار، فالمجتمع الإسرائيلي يقدم للفلسطينيين اعترافا بوجود افتراضي، بينما ينكر هذا المجتمع الوجود الفلسطيني سواء على المستوى الفعلي أو الافتراضي.
إن إسرائيل تريد أن تسجن الفلسطينيين وراء جدار سميك، وتجعل العالم ينساهم، وهذا يمثل بالنسبة لإسرائيل حلا جميلا حيث يموت الفلسطينيون جوعا داخل سجنهم الذي يمكن أن يطلق عليه دولة.
نحن هنا وهم هناك
يستمر ران كوهين في استعراض بعض الأفكار التي قامت عليها أيديولوجية الاحتلال الإسرائيلي واستخدمت في تبريره ومن أهمها شعار السلام المعقد الذي أطلقه إيهود باراك وهو: «نحن هنا وهم هناك»، دون تحديد لعلاقات القوة بين هنا وهناك.
لكن ذلك يقدم على إنكار إسرائيل لوجود الفلسطينيين والشيء الوحيد الذي أصبح يذكر الإسرائيليين بوجود الفلسطينيين هو عمليات المقاومة.
الإسرائيليون يريدون أن ينسوا وجود الفلسطينيين، وأن يرغموا العالم على نسيانهم بحيث يظلون هناك داخل السجن.
لكن صواريخ القسام تذكرهم دائما بوجود الفلسطينيين، وتذكر العالم أن إسرائيل قد فرضت حصارا شاملا على قطاع غزة حيث يعيش 1.5 مليون فلسطيني وهم لا يستطيعون الوصول إلى البحر، حيث منعت إسرائيل إعادة بناء ميناء غزة، وهم لا يستطيعون الاتصال بالعالم عن طريق الجو حيث دمرت إسرائيل مطار غزة ومنعت إعادة بنائه، كما سيطرت إسرائيل على المعابر.
وإسرائيل ترغم المجتمع الدولي على فرض حصار شامل على غزة منذ انتصار حماس في الانتخابات، وبذلك تتحكم إسرائيل في وصول الأغذية للفلسطينيين.
السجان ليس مسؤولا
أما الضفة الغربية فإنها ليست أفضل حالا من غزة، حيث تعيش القرى الفلسطينية تحت الحصار الإسرائيلي ولا يستطيع الفلسطينيون الانتقال بين هذه القرى، أو الاتصال ببعضهم.
الحقيقة هي أن الفلسطينيين مسجونون داخل جدران قاسية تحت نظام شيطاني من نقاط التفتيش والحواجز على الطرق، والمستوطنون الإسرائيليون يحيطون بهم، ويتم تعريضهم لرعب مستمر ويعيشون في خوف دائم من هجمات الجيش الإسرائيلي وهكذا فإن الاستعمار الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية لم ينته، ولكن تم إنكاره.. لقد أصبح هذا الاحتلال أشد سوءا وخطورة في الوقت الذي يجري فيه الترويج لخرافة أن الاحتلال قد انتهى ونحن هنا وهم هناك، وذلك ليتم صرف الانتباه عن الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وإبعاد المسؤولية عن إسرائيل، بحيث لا تتحمل نتائج هذه الكارثة.
هذه هي بعض الأفكار التي قامت إسرائيل بترويجها لخداع العالم، وبهدف إبعاد المسؤولية عن الاحتلال، ولقد استخدمت هذه الأفكار كوسيلة لإنكار الوجود الفعلي للشعب الفلسطيني، ولإجبار دول العالم على المشاركة في جريمة حصار الفلسطينيين وتجويعهم، وفي نزع الشرعية عن عمليات المقاومة خاصة إطلاق الصواريخ.
وهكذا يتم تبرير الاحتلال على المستوى الرمزي والثقافي، وتبرير العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لذلك أدعو الصحفيين العرب إلى التفكير في استخدام المصطلحات والرموز والأفكار والخرافات التي تروجها إسرائيل، ومواجهة الحرب الثقافية التي تشنها إسرائيل على الأمة.