جهاز المخابرات الباكستاني IsI
يعتبر جهاز المخابرات الباكستانية (ISI)، الفرع الرئيسي، والأكثر قوة ونفوذاً بين وكالات الأمن الباكستانية الرئيسية الثلاث. ويعتبر الجهاز مسؤولاً عن جمع وتحليل وتصنيف وأرشفة المعلومات الاستخبارية الداخلية والخارجية، إضافة إلى القيام بعملية التنسيق السلس بين وكالات الأمن الباكستانية الرئيسية الثلاث وفروعها المختصة.
يقوم جهاز المخابرات الباكستانية بتجميع المعلومات الاستخبارية عن طريق التنصت، الاعتراض، رصد ومراقبة الاتصالات، الحملات، ومهام جمع المعلومات خلال فترة الحرب.إضافة إلى جمع المعلومات، فإن الجهاز يعتبر مسؤولاً عن تدريب العناصر، أمن البرنامج النووي الباكستاني، وأمن الشخصيات الهامة. كذلك يعتبر جهاز المخابرات الباكستانية القوة الخفية التي ظلت موجودة وتعمل دائماً وراء الأنشطة السياسية الباكستانيه والتفاعلات الإقليمية والدولية المرتبطة بها.حتى انه يقال عن الاستخبارات الباكستانيه دوله داخل دوله.
جهاز المخابرات الباكستانية (ISI)- معطيات الخبرة التاريخية:
بعد نيل باكستان لاستقلالها عن بريطانيا في عام 1947م، تم إنشاء جهازي استخبارات أطلق عليهما اسما:
- جهاز المخابرات (IB)- Intelligence Bnreau).
- المخابرات العسكرية (MI)- Military Intelligence).
وقد أدى ضعف أداء المخابرات العسكرية (MI)، خلال الحرب الباكستانية- الهندية التي اندلعت في عام 1947م، إلى إنشاء مديرية استخبارات الخدمات البينية المشتركة (ISI) في عام 1948م. وأوكل أمر هذه المديرية إلى ضباط تم تجميعهم من فروع الخدمة العسكرية الثلاثة الرئيسية: القوات البرية، والبحرية، والجوية. بحيث يكون مجال تخصص المديرية هو: جمع وتحليل المعلومات، وإعداد تقديرات الموقف الاستخباري الخارجي والداخلي فيما يتعلق بالشؤون العسكرية وغير العسكرية.
وكانت أنشطة المديرية تركز على إقليم كشمير، والمحافظات الباكستانية الشمالية الغربية، ولكن خلال فترة حكم الرئيس الباكستاني أيوب خان تم توسيع نطاق اختصاصات المديرية، وأصبح مجال تركيزها يقوم على أساس اعتبارات حماية المصالح الباكستانيه، وتعقب المعارضة السياسية، وحماية الدور العسكري للجيش الباكستاني
تمت إعادة تنظيم مديرية المخابرات الباكستانية في عام 1966 بعد الفشل الاستخباري في الحرب الباكستانية- الهندية الثانية التي اندلعت عام 1965م، ثم أعقب ذلك في عام 1969م إجراء المزيد من التحديثات والتطويرات في المديرية.
فقد جهاز المخابرات الباكستانيه (ISI) أهميته خلال فترة نظام ذو الفقار على بوتو، والذي كان من أشد الأعداء المنتقدين لدور الجهاز في الانتخابات الباكستانية العامة التي تم إجراؤها في عام 1970م، وأدت إلى نشوء المزيد من الخلافات والنزاعات بين الباكستانيين بشكل ترتب عليه انفصال باكستان الشرقية ضمن دولة مستقلة أصبحت الآن تُعرف باسم بنغلاديش.
عادت الأهمية للجهاز مرة أخرى في عام 1977 بعد قيام نظام الرئيس الباكستاني الجنرال ضياء الحق، والذي وسع مهام الجهاز ليكون مسؤولاً عن مراقبة الحركات الشيوعية، ثم أعقب ذلك توسيعه بقدر أكبر ليكون مسؤولاً عن رصد ومراقبة الحركات والمنظمات الشيعية في المنطقة بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.
حقبة ثمانينيات القرن الماضي، خلال فترة الغزو السوفييتي لأفغانستان تضخمت مهام جهاز المخابرات الباكستانيه، بسبب التحالف الباكستاني- الأمريكي الذي نما واشتد عوده في المنطقة، على النحو الذي أدى إلى قيام شراكة استراتيجية بين جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، أصبح جهاز المخابرات الباكستانية يقوم بدور الوكيل (البروكسي) في تنفيذ العمليات الاستخبارية نيابة عن ولصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية داخل أفغانستان، إيران، جمهوريات آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفييتي آنذاك، والهند التي كانت حليفة للاتحاد السوفييتي.
جهاز المخابرات الباكستانية (ISI)- الهيكل التنظيمي:
تقع مكاتب رئاسات الجهاز حالياً في العاصمة الباكستانيهإسلام آباد، وتطلق على رئيس الجهاز تسمية المدير العام، والذي يشترط أن يكون حاملاً لرتبة الجنرال في الجيش الباكستاني.
للمدير العام ثلاثة نواب يعملون تحت إشرافه المباشر، باعتبارهم المسؤولين عن ثلاثة مجالات منفصلة هي: المجال السياسي، المجال الخارجي، المجال العمومي.
عناصر الجهاز الأساسية يتم تجنيدها من قوات البوليس، والعناصر شبه العسكرية، إضافة إلى بعض الوحدات المتخصصة التي يتم تكوينها من عناصر الجيش الباكستاني، والقوات الخاصة.
يتكون جهاز المخابرات الباكستانيه (ISI) من 7 أقسام هي:
- الاستخبارات المشتركة- (JIX): وتقوم بالتنسيق بين الأقسام والفروع والدوائر.
- جهاز الاستخبارات المشتركة (JIB):
وهو الجزء الأكبر في جهاز المخابرات الباكستانية، إضافة إلى أنه يمثل القسم الأكبر قوة ونفوذاً في أنشطة الجهاز، وتتبع لهذا القسم ثلاثة فروع هي: فرع العمليات الخاصة بالهند، فرع عمليات مكافحة الإرهاب، فرع حماية الشخصيات.
-جهاز المخابرات المضادة المشترك (JCIB):
ويعمل تحت هذا الجهاز الكثير من الدبلوماسيين الباكستانيين، ويهتم هذا الجهاز بجمع المعلومات الاستخبارية عن: الشرق الأوسط، جنوب آسيا، الصين، أفغانستان، دول آسيا الوسطى، ويُقال بأن أنشطة هذا القسم أصبحت تتضمن افريقيا، أمريكا اللاتينية، وأوروبا.. وتؤكد الكثير من الدلائل بأن هذا القسم قد تم تكوينه واستحداثه بواسطة خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، (CIA) ليكون بمثابة نسخة ثانية من الإدارة المسؤولة عن أنشطة المخابرات المضادة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
- المخابرات المشتركة الشمالية (JIN):
وهو القسم المسؤول عن منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، وأيضاً يقع تحت مسؤولية هذا القسم متابعة تحركات القوات المسلحة الهندية والحركات السياسية والمسلحة داخل منطقة جامو وكشمير.
- المخابرات المشتركة المتنوعة (JIM): وهو القسم المسؤول عن مهام التجسس والتغلغل السري والمراقبة والرصد خلال فترة الحرب.
- جهاز استخبارات الإشارة المشترك (JSIB): وينقسم إلى ثلاثة فوع تعمل حصراً في مجال اعتراض الرسائل السلكية واللاسلكية ، وذلك في مهام: رصد عملاء العدو، عمليات الاستطلاع الالكتروني اللاسلكي والتصوير، أمن الاتصالات والإشارة.
- الاستخبارات التقنية المشتركة: وهو القسم المسؤول عن الأعمال الهندسية والفنية وما شابه ذلك.
• أبرز عمليات جهاز المخابرات الباكستانية (ISI):
- شن الحرب السرية داخل الهند، وذلك عن طريق تخطيط وتنفيذ الكثير من الصراعات الاثنية والطائفية داخل المدن والمناطق الهندية.
- شن الحرب السرية داخل أفغانستان، وذلك عن طريق دعم حركات المقاومة الإسلامية للوجود العسكري السوفييتي وللحكومات الأفغانية اليسارية آنذاك.
- شن الحرب السرية داخل الصين، وذلك عن طريق دعم حركات مسلمي الايغور الانفصالية داخل منطقة سينكيانج الموجودة في أقصى غرب الصين.
- شن الحرب السرية داخل الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك عن طريق دعم الحركات الانفصالية التي كان ناشطة في منطقة آسيا الوسطى التي تضم كازاخستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، وتركمانستان.
- التجسس على البعثات الدبلوماسية الأجنبية الموجودة في باكستان.
- الدخول في أكبر شراكة استخبارية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ووكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA)، والبنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية).
- تنفيذ العديد من العمليات الاستخبارية النوعية، والتي كانت في معظمها بالمشاركة مع أجهزة المخابرات الأمريكية، مثل: إدارة شبكات تهريب الأسلحة، تبييض الأموال، عمليات تهريب المخدرات، والمواد النووية المحظورة.
جهاز المخابرات الباكستانية (ISI)- النطاق الحيوي ومجالات العمل:
المجهود الرئيسي الحالي لجهاز المخابرات الباكستانية (ISI)، يرتبط بقدر كبير بالمجهود الرئيسي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ووكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA)، ويمكن رصد اتجاهات هذا المجهود على النحو الآتي:
- الاتجاه الشمالي:
يعمل جهاز المخابرات الباكستانية على دعم وتعزيز وإسناد جهود الحرب ضد الإرهاب التي تخوضها أمريكا وقوات الناتو حالياً في أفغانستان، وقد استطاع هذا الجهاز، تقديم الكثير من المعلومات عن أفغانستان والحركات الإسلامية في أفغانستان وآسيا الوسطى، بل وداخل باكستان نفسها خصوصاً في منطقة القبائل ووزيرستان الشمالية والجنوبية، وبلوشستان إلى أجهزة المخابرات الأمريكية، كذلك استطاع هذا الجهاز اعتقال 700 مقاتل عربي في مناطق الحدود الباكستانية- الأفغانية، وقام بتسليمهم لمسؤول محطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي قامت بنقلهم إلى المتعقلات السرية في قاعدة السيلية بقطر، وغيره من معتقلات ومراكز الاستجواب التي تشرف عليها أجهزة الأمن العربية المتحالفة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومن أبرزها: المخابرات المصرية، والأردنية، ثم تم نقل هؤلاء المعتقلين لاحقاً إلى سجن غوانتانامو، وإلى السجون السرية التابعة للمخابرات الأمريكية في بلدان شرق أوروبا، مثل: بلغاريا، وبولندا، وتشيكيا.. الأمر الذي أدى انكشافه إلى فضيحة السجون السرية وعمليات نقل السجناء السرية التي نفذتها بعض شركات الطيران التجارية الخاصة لمصلحة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
- الاتجاه الجنوبي والجنوبي- الشرقي:
وتعمل المخابرات الباكستانية بالتعاون مع وكالة المخابرات الأمريكية في كافة بلدان جنوب شرق آسيا، خاصة وأن عناصر المخابرات الباكستانية أكثر قدرة من عناصر المخابرات الاسترالية والنيوزيلندية والكورية الجنوبية واليابانية في اختراق بلدان جنوب شرق آسيا المسلحة مثل أندونيسيا وماليزيا وسلطنة بروناي وبنغلاديش والتغلغل فيها.. وقد لعبت المخابرات الباكستانية دوراً هاماً في القضاء على الحركات الإسلامية الموجودة هناك، مثل تنظيم أبو سياف الإسلامي.. وغير ذلك.
كذلك تقوم المخابرات الباكستانية بدعم اضطرابات السيخ في إقليم البنجاب الهندي المجاور لباكستان، وأيضاً في الحرب الأهلية الدائرة في سيريلانكا بين السنهال (بوذيين يسيطرون على الحكم) والتاميل (هندوس معارضون للنظام.)
- الاتجاه الشرقي:
تقوم المخابرات الباكستانية بالتعاون مع وكالة المخابرات الأمريكية بدعم حركة متمردي الايغور الإسلامية التي تنشط داخل إقليم سبكيانج الصيني وذلك من أجل فصل الإقليم وتكوين دولة إسلامية مستقلة في غرب الصين.
- الاتجاه الغربي:
وبدأ هذا الاتجاه يكتسب أهمية بقدر أكبر خاصة في فترة الحرب الأمريكية ضد الإرهاب التي بدأت بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، ويمتد النطاق الحيوي لجهود اهتمامات المخابرات الباكستانية بما يشمل إيران، بلدان الخليج العربي، الشرق الأوسط، شمال افريقيا، والقرن الافريقي.
ويتركز مجال اهتمام المخابرات الباكستانية على جمع المعلومات الاستخبارية الخاصة بهذه المنطقة إما بشكل مباشر عن طريق العناصر الباكستانية المنتشرة في هذه المناطق، وبالذات في الخليج العربي حيث الوجود الباكستاني البشري المكثف أو بطريق غير مباشر عن طريق تقارير بعثات الدبلوماسية الباكستانيه التي ترصد المنطقة، أو عن طريق المعتقلين العرب الذين يتم استجوابهم بواسطة المخابرات الباكستانية.
تقوم المخابرات الباكستانية حالياً بالتعاون مع المخابرات الأمريكية بعملية شن الحرب السرية ضد إيران، عن طريق استخدام الحركات السنية المعارضه الموجودة في إقليم بلوشستان الشرقية ودفعهم لتنفيذ العمليات المسلحة داخل إيران عن طريق الانتقال من بلوشستان الشرقية (الموجودة في باكستان) والتغلغل في بلوشستان الغربية (الموجودة في إيران).. وقد بدأت معدلات هذه العمليات تزداد في الفترة الأخيرة.
ويقال بأن المخابرات الباكستانية استطاعت تجميع الكثير من المعلومات عن المنشآت والأوضاع الإيرانية الداخلية خلال الفترة السابقة، وهي معلومات وبيانات أصبحت متاحة للأمريكيين في الوقت الحالي.
وعموماً: برغم الارتباط القوي والتحالف الاستراتيجي بين جهاز المخابرات الباكستانية (ISI)، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ووكالة الامن القومي الأمريكي (NSA)، والبنتاغون، فإن هناك الكثير من الشكوك حول مصداقية جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) في هذه الشراكة، وذلك بسبب انكشاف الكثير من الأدلة على وجود الكثير من الروابط، التي أكدت على أن جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) ظل يقوم خلال فترة عملياته السرية المشتركة مع الأجهزة الأمريكية، بعمليات سرية أخرى خاصة به، ويعتقد بأن أبرزها يتمثل في الآتي:
- تقديم المعونات السرية للبرنامج النووي الإيراني.
- إجراء المزيد من المفاوضات والاتصالات السرية بزعماء القاعدة.
- تورط عناصره في عمليات تهريب الأسلحة وتمرير المعلومات لحركة طالبان وتنظيم القاعدة.
- تورط عناصره في عمليات تحويل الأموال داخل أمريكا لعناصر القاعدة التي يقال بأنها نفذت هجمات الحادي عشر من أيلول وبالذات المصري محمد عطا.
وحتى الآن لم يظهر أي تفسير أو تحليل للعلاقات والروابط الاستثنائية التي ظل يقوم بها جهاز المخابرات الباكستانية (ISI).. هل هي بإيعاز وتكليف أمريكي من أجل تحريك الأحداث والوقائع في اتجاه معين، أم أنها عمليات سرية باكستانية خالصة تهدف إلى الالتفاف والمناورة وتحقيق بعض المكاسب التكتيكية المؤقتة خصماً من حساب الشركاء الأمريكيين.