أردوغان.. فقاعة الهواء شارفت على الانفجار
أردوغان الظاهرة التي ملأت دنيا الإسلاميين في الوطن العربي وشغلت ناسهم، حتى غدوا يلهجون بذكر "تجربته الديمقراطية الفريدة" و"فتوحاته" الاقتصادية التي ترقى في رأيهم إلى مصاف "المعجزة"، ويحاولون التقرب منها والانتساب إليها باشتقاق أسماء لأحزابهم من اسم حزبه.. أردوغان هذا لا يبدو اليوم، وقد راكم من الأخطاء السياسية الفادحة التي بدأت تنعكس سلبا على موقع تركيا الإقليمي والدولي، وعلى وضعها الداخلي، أكثر من "نجم" لموسم سياسي واحد، أو شهاب عابر بسماء السياسة الدولية لن يلبث أن يهوي ليحترق على أطرافها.
فالرجل الذي يحاول اليوم استكمال "مجده" السياسي على أنقاض أصدقائه من الديكتاتوريين العرب لا يختلف عنهم، حسب البعض، سوى في القشرة الخارجية.
فمواقفه المسرحية، وخبطاته الإعلامية، التي كثيرا ما جلبت له الأضواء، واستمالت إلى صفه طبقات من الشارعين الإسلامي والعربي، لم تألف العيش خارج ظل "القائد الملهم البطل المخلّص"، لا تختلف في خوائها عن المواقف المسرحية الهزلية لمعمر القذافي وهو يهذي في المناسبات العربية، والمحافل الدولية، بـ"قصص" سوريالية من نسج خياله المريض..
كما لا يعدم البعض أوجها للشبه بين أردوغان وصديقة السابق بشار الأسد، في ديكتاتوريته وادعائه الشغف بالإصلاح.
فزعيم "العدالة والتنمية" حسب العارفين بطبيعة شخصيته ليس عميق الإيمان بالديمقراطية، وهو بطبيعة انتمائه الإسلامي، يؤمن بالديمقراطية لمرة واحدة، أي التي ترفع الى السلطة ولا تُنزل عنها.
وبما أن رسوخ المؤسسات الديمقراطية في تركيا يجبر أردوغان على الانصياع لنواميس اللعبة الديمقراطية وقواعدها، فإنه يحتفظ بديكتاتوريته داخل حزبه وفي سلوكه الشخصي.
فالرجل القادم أصلا من ميادين كرة القدم والمشهور ببراعته في العراك، يُعتبر "فتوّة" الحزب الذي يهابه زملاؤه ويتجنبون مواقفه الحادة وردات فعله المفاجئة والعنيفة.
ويؤكد عارفون بخبايا "العدالة والتنموية" أن أردوغان كثيرا ما تخطى القوانين واللوائح التنظيمية للعدالة والتنمية واستخدم منطق القوة والضغط أثناء صعوده السريع إلى مواقع القيادة.
ديكتاتورية أردوغان بدأت تثير حفيظة معارضيه، وعنه يقول كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، إنه ينتهج نفس سياسات الرئيس السوري بشار الأسد، فهما وجهان لعملة واحدة، موضحا أن "السياسات التي يتبعها تخدم أهداف تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية المتطرفة وحزب العمال الكردستاني"، ومعتبرا أنه يفعل في تركيا مثلما يفعل الأسد في سوريا؛ يقيّد الحريات ويفرض الرقابة على وسائل الإعلام، ويضع المعارضين في السجون ويستخدم قوات الأمن ضد شعبه".
أردوغان في هذه الجوانب لا يختلف عن معمر القذافي وبشار الأسد، بالطبع، مع مراعاة الفارق في الذكاء وبراعة الأداء المسرحي.
براعة الأداء هذه بلغت ذروتها في يناير 2009 على منبر منتدى دافوس حين تصيد رجب طيب أردوغان لحظة تسلط الأضواء العالمية على المنتدى ليشن أمام الكاميرات وعلى المباشر على صديقه الرئيس الإسرائيلي شمعون بريز هجوما كلاميا مفاجئا عكس طبيعة شخصية أردوغان الاندفاعية والانتهازية أكثر مما عكس موقفا سياسيا ذا فائدة عملية وتأثير في الواقع.
يومها ركب أردوغان مركبا مضمون الوصول إلى قلوب الجماهير الإسلامية والعربية، مركب القضية الفلسطينية، حين انسحب أمام عدسات الكاميرا من جلسة يشارك فيها رئيس إسرائيل شمعون بيريز قائلا "حينما يتعلق الأمر بالقتل فأنتم تعرفون جيدا كيف تقتلون، وأنا أعرف جيدا كيف قتلتم أطفالا على الشواطئ".
لا أحد بالطبع يستطيع الجدال في الحقيقة التي نطق بها أردوغان يومها بشأن ولوغ إسرائل في دماء الفلسطينيين، وهي حقيقة مستقرة يعلمها القاصي والداني، ولم يكتشفها أردوغان، ولكن الجدل كله ينصب حول التوظيف السياسي لتلك المأساة من قبل زعيم "العدالة والتنمية" الإسلامي.
فأردوغان، كان يستطيع ببساطة أن يقاطع الجلسة التي يشارك فيها من يعتبره قاتل أطفال.. وهو لو شاء الانتصار حقا لهؤلاء الأبرياء لوجد ألف طريقة للضغط الديبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل الشريك التجاري لتركيا برقم معاملات وصل منذ حوالي عقد من الزمان إلى 2.1 مليار دولار وواصل نوه السنوي بمعدل سنوي يقارب 15 بالمئة فضلا عن التنسيق العسكري والاستخاباراتي.
لكنها متطلبات المسرح، لا تقل عن خشبة وأضواء وجمهور وممثل، وهو هنا أردوغان الذي تولى بنفسه كتابة السيناريو والإخراج.
أردوغان يبدو اليوم وقد راكم من الأخطاء بسياساته التي تقوم على الابهار، أشبه بفقاعة هواء بلغت أقصى درجات انتفاخها وشارفت على الانفجار، وتركيا بدأت تملّ جبة الإسلاميين الفضفافة وتحنّ لمعطف أحفاد أتاتورك.