قراءة في الخلفية التاريخية لتطور القوة البحرية
الكاتب: ملازم أول مهندس/ عبد اللطيف قائد الجبري
إن
ما تشهده القوة البحرية اليوم من توسع وتطور سواء في العتاد والوسائل أو
في التكنولوجيا المستخدمة في كافة الأنظمة المتعلقة بمفاهيم العمليات
البحرية Naval Operations concepts لا يعد تحولاً عصرياً اقتضته طبيعة
الصراعات المعاصرة أو القفزة الرقمية التي يشهدها عالمنا اليوم فحسب ولكن
تاريخ استخدام البحر كساحة قتال وتطويره لوسائل فرض هيبته البحرية قديم قدم
تطوير الإنسان للمراكب البحرية والتي ما لبث أن إتخذها وسيلة يقاتل من على
ظهرها ونحن إذا ما تتبعنا تاريخ تطور القوة البحرية قد نحتاج إلى أكثر من
كتاب لتناول ذلك ولكن سوف أحاول في هذه الوقفة التطرق إلى أهم الأحداث التي
أسهمت في الوصول إلى المعتاد والقوة البحرية المعاصرة والتي أصبحت تشكل
محوراً استراتجياً بالغ الأهمية.
إستراتيجيا
قبل
دخول وتطور المدافع البحرية وتطوير سفن بحرية ذات قدرة كافية على حمل
المدافع الجوية في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت المعارك البحرية
تعتمد على استخدام المجانيق وعلى العمليات القتالية من على ظهر السفينة
،ففي العصر القديم للإغريق والإمبراطورية الرومانية كانت المعارك البحرية
تتمثل في استخدام مراكب طويلة ضيقة تتحرك بواسطة فريق من الرجال الذين
يقومون بالتجديفoarsmen وكانت هذه المراكب تستخدم لضرب وإغراق المراكب
البحرية المعادي أو القدوم إلى جوار مراكب العدو وبالتالي يقوم العنصر
البشري بمهاجمة العدو يدا بيد.
استمر
مفهوم القوه البحرية على هذا المنوال حتى العصور الوسطى إلى أن تطورت
المدافع والسفن وأصبحت الأخيرة قادرة على حمل عدد من المدافع الكبيرة وتوفر
أمكانية أعادة التحميل أو التذخير السريع للمدافع لإعادة استخدامها أكثر
من مره في نفس المعركة وتاريخياً تعتبر القوة البحرية التابعة للسلالة
الحاكمة على الهند في القرون الوسطى الكولا
Chola Dynasty
من
أقوى القوى البحرية في المحيط الهندي في ذلك الوقت وإذا ما اتجهنا جنوبا
فقد أظهرت سيرلانكا القديمة قوتها البحرية من حين إلى أخر فقد كانت تقوم
بالعديد من الحملات العسكرية إلى جنوب شرق آسيا والقيام بالعديد من الغارات
البرمائية على الدولة المجاورة لها الهند ،وفي الإطار الأسيوي فقد عرفت
البحرية الصينية منذ فترة سلالة كين
Qin Dynasty الحاكمة 221–207م
(أول
إمبراطورية عظيمة في الصين) ولكن أول ظهور لها كقوة رسميه كان من عهد
سوثرن سونج في القرن الثاني عشر مزامنة مع ثورة صناعة ودخول البارود في
التطبيقات العسكرية .
ومع
دخول المدافع كسلاح للسفن البحرية تطلب الأمر زيادة مساحة سطح هذه السفينة
لحمل أكبر عدد من المدافع مما جعل مستحيلاً لاستخدام المجاديف الكبيرة
لدفع هذه السفن ومن ثم كان الاعتماد على استخدام الأشرعة،وقاد التطور
المتزايد في صناعة السفن الكبيرة المحملة بالمدافع إلى التوسع المتزايد في
القوى البحرية الأوربية وخاصة اسبانيا والبرتغال والتي كانت في القرن
السادس عشر وبداية القرن السابع عشر المسيطرة على هذا المجال وساعدت على
توسع عصر الاستكشاف والاستعمار، وشهد هذا العصر عدد من الصراعات البحرية
التي دفعت بالقوى البحرية إلى المضي قدما في درب التطوير والتحديث ولعل
أهمها عندما قام الملك فيليب ملك اسبانيا بإرسال الأسطول البحري أرمادا
Spanish Armada المشهور تاريخياَ في عام 1588 لغزو انجلترا
وكان
الأسطول يتكون من 130 سفينة إلإ أن هذا الأسطول مني بهزيمة كبيرة من السفن
الانجليزية المحملة بالمدافع الكبيرة وكان لهذه الهزيمة أثرها في إعادة
ترتيب وترميم شامل للبحرية الاسبانية ومع بداية القرن السابع ظهرت قوة
بحرية أخرى في القارة الأوربية هي هولندا بعد أخذت أجزاء واسعة من القسم
الشرقي للمملكة البرتغالية وبدأت بتحدي الهيمنة البحرية الاسبانية الواسعة
في ذلك الوقت ومع بداية العام 1620م بداء المهاجمون الهولنديون بشن الغارات
البحرية وبعد عدد من المعارك البحرية استطاعت البحرية الهولندية أخيراً
كسر الهيمنة البحرية الطويلة للبحرية الاسبانية في معركة الدونز
Battle of the Downs في 1639م .
انجلترا
ظهرت هي الأخرى كقوة بحرية في منتصف القرن السابع في أول حرب نشبت بينها
وبين هولندا إلا أن الانتصارات المتتالية لهولندا في الحرب الثانية
والثالثة أكسب هولندا سيادة واسعة على البحار خلال العصر الذهبي لهولندا،
كما استطاعت البحرية الفرنسية إحراز بعض الانتصارات الهامة مع نهاية القرن
السابع عشر إلا أن تركيز فرنسا على تطوير قواتها البرية أدى إلى إهمال
قوتها البحرية الأمر الذي ساعد على ظهور البحرية الملكية البريطانية كقوة
صاعد في المنطقة سواء من حيث الحجم أومن حيث الكفاءة وخاصة فيما يتعلق
بالتكتيك والخبرة الطويلة التي بدأت منذ 1695م واستطاعت خلال القرن الثامن
عشر فرض سيطرتها على البحرية الفرنسية بانتصارات حققتها خلال الحرب مع
فرنسا على التركة الاسبانية (1701ـــ1714) وخلال حرب السنوات السبع
(1754ــ1763) ،ومع دخول القرن التاسع عشر ظهرت البحرية الملكية البريطانية
كقوة جبارة ابتداءً من تفوقها الساحق في معركة ترافلاجر
Battle of Trafalgar في 1805م
وكان لكافة المعارك السابقة دورها في تطوير مفاهيم وتكتيكات القوه البحرية وتحقيق إستراتيجية السيادة البحرية .
المرحلة التالية من تطور العتاد البحري
كانت
مع بداية استخدام الصفيح المعدني على جسم السفن بالإضافة إلى تطور محركات
الدفع البخارية والتي دفعت إلى سباق تسلح شمل تدريع السفن وتطوير الأسلحة
والقدرة النارية وأول السفن المدرعة التي ظهرت كانت
الفرنسية FS Gloire
والبريطانية HMS Warrior
،
تبع ذلك التطور الأخر الذي شهدته السفن البحرية وهو الأبراج المتحركة
والتي مكنت الأسلحة من حرية الحركة والتهديف بغض النضر عن وضعية السفينة.
وظهور البحرية الروسية كثالث أقوى قوة بحرية
كان
خلال الحرب اليابانية الروسية1904–1905 والتي تحولت إلى كارثة على الجيش
الروسي بشكل عام وقواته البحرية بشكل خاص فبالرغم من أن كلا الجيشين لم
يفتقدا إلى الشجاعة إلا أن القوات الروسية منيت بالهزيمة على أيدي
اليابانيين في معركة بورت آرثر
Battle of Port Arthur
ولأول
مرة تستخدم الألغام لأغراض هجومية كان في ذلك الوقت وفقدت كافة سفن أسطول
البلطيق الحربية التي أرسلت إلى الشرق البعيد في معركة تسشيما
Battle of Tsushima البحرية في 27-29 مايو 1905م
عندما
أرسلت سفن أسطول البلطيق الروسية لتنظم إلى السرب الروسي في المحيط الهادي
المحاصر في بورت ارثر شمال شرق الصين واستطاع اليابانيون إغراق السفن
البحرية الروسية مما دفع الروسيين إلى إعادة التفكير في وسائل فرض سيطرتهم
البحرية . الخطوة الأخرى التي أدت إلى تعبير مفاهيم القدرة البحرية هي عند
ما أطلقت المملكة المتحدة السفينة الحربية المدرعة HMS Dreadnoughtفي عام
1906
ولم
يتوقف الطموح البحري عند هذا الحد بل توسعت آفاقه لتشمل الغواصات فبدءاً
من تجارب عدد من المخترعين أمثال ديفيد بشنل و روبرت فلتون في القرن الثامن
عشر والتاسع عشر بداء تطوير الغواصات لأغراض عسكرية في أواخر القرن التاسع
عشر ومع نهاية الحرب العالمية الأولى استطاعت الغواصات أن تثبت كفاءتها
كسلاح بحري فعال ذو مقدرة وفعالية قتالية عالية ومع دخول الحرب العالية
ظهرت الغواصات الألمانيةU-boats
كسلاح فتاك خلال المعارك .
أما التحول الآخر في مجال تطوير العتاد البحري
فقد ظهر مع دخول ما يعرف بحاملات الطائرات Aircraft Carrier ففي معركة ترناتو Tarantoفي 1940
ثم
في بيرهابر في 1941 أظهرت حاملات الطائرات مقدرتها وكفائها في توجيه ضربات
قاتلة لسفن العدو خارج مجال رؤية ومدى السفن السطحية ثم في معركة خليج
ليتى
Battle of Leyte Gulf
والتي
تعد أكبر معركة بحرية في التاريخ كما أنها تعد أيضاً آخر معركة لعبتا
السفن الحربية الدور الرئيسي فيها ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت
حاملات الطائرات هي العتاد البحري الأكثر سيطرة إلى يومنا هذا .
وشهدت الحرب العالمية الثانية أيضاً ظهوراً للولايات المتحدة الأمريكية
كأكبر
قوه بحرية في العالم بحصيلة تزيد على أكثر من 70 % من مجموع السفن الحربية
الكبيرة التي يزيد وزنها عن 1000طن وخلال بقية القرن العشرين حافظت
البحرية الأمريكية USNعلى نسبه من السفن البحرية الكبيرة أكثر مما تملكه
بقيت السبعة عشر قوه بحرية الأكبر في العالم يليها في الترتيب البحرية
الملكية البريطانية والتي تحتل المرتبة الثانية كما أنها تتميز بأنها تعد
الدولة الوحيدة خارج الولايات المتحدة الأمريكية القادرة على بناء حاملات
الطائرات العملاقة يزيد وزنها عن 70، 000طن .
تصنيف السفن الحربية
تاريخياً
طورت السفن البحرية في الأساس لأغراض عسكرية فالبرعم من أن طابع التجارة
كان هو السائد على طبيعة وظائف السفن إلا أن أدوارها العسكرية كبيرة وساهمت
في محورة القوة البحرية اليوم وحتى تلك السفن التي لم يتم بناءها للقيام
بمهام عسكرية مثل سفن galleon الغليون
(
سفن شراعية ضخمة استخدمت منذ القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر كسفن
حربية وسفن تجارية) والسفن التجارية المسلحة إبان الحرب العالمية استخدمت
لأغراض قتالية وخلال العقود الماضية أصبحت السفن البحرية أكثر تخصصاً عما
قبل فأصبحت تشمل سفن الإمداد وسفن الإصلاح وحاملات الوقود وسفن نقل الجنود
بالإضافة إلى سفن الدعم اللوجستي والسفن الحربية .
وتختلف السفن الحربية بطبيعتها عن السفن المدنية
من
حيث التصميم والبناء والغرض كما أنها تسلح بعدد كبير من أنظمة الأسلحة
وساهمت تكنولوجيا تطوير محركات الدفع في جعلها أكثر سرعة ومرونة كما تطورت
كفاءة المحركات بشكل كبير سواء فيما يتعلق بالوقود أو عدد البحارة العاملين
على السفن ففي الحرب العالمية الثانية كان الحاجة إلى إعادة التعبئة
بالوقود تتكرر بشكل كبير أما اليوم فقد أصبح بإمكان السفن إن تقطع مسافات
كبيره بدون الحاجة إلى أعاده التعبئة بالوقود بالإضافة إلى أن غرف المحرك
أصبحت تتطلب من (4ــ5) أشخاص للعمل عليها اعتماداً على نوع السفينة على عكس
السفينة القديمة التي تتطلب أكثر من (12) فرداً لتشغيل المحرك وأصبحت
المجموعات البحرية الضاربةNaval strike groups تتبع بسفن دعم وتزويد
بالوقود والذخائر والمؤن وأصبحت هي والسفن الحربية قادرة على البقاء في
البحر لفترة طويلة تصل إلى شهور .
يتغير تصنيف السفن البحرية من وقت إلى أخر
ولا يوجد تصنيف دولي لذلك فمثلاً بحسب النظام الذي تستخدمه البحرية الأمريكية فان السفن البحرية تصنف إلى
• حاملات الطائرات Aircraft carrier
وهي
عبارة عن سفن تخدم كمطارات محمولة بحراً صمت بشكل أساسي للقيام بعمليات
قتالية بواسطة الطائرات والتي تقوم بشن الهجمات الجوية على أهداف إما بحرية
أو برية .
• سفن حربية كبيرة Surface combatant
ثقيلة
مسلحة وهي عبارة عن سفن حربية صممت في الأساس للاشتباك مع القوات المعادية
في البحار المفتوحة وفي المحيطات ويشمل هذا التصنيف أنواعاً مختلفة من
البوارج الحربي والطاردات والمدمرات والفرقاطات.
• الغواصات Submarine
وتشمل الغواصات ذاتية الحركة بغض النظر عن الدور الذي تقوم به سواء القتال أو المساعدة أو كمركبات للأبحاث والتطوير.
• سفن الخفر الحربية Patrol Combatant
وهي
سفن قد توسع مهامها عن حماية السواحل وتمتلك ميزات البقاء في البحر لفترة
طويلة والحفاظ على القدرة على القيام بعمليات لـ 48 ساعة بدون الحاجة إلى
الدعم .
• العمليات الحربية البرمائية Amphibious Warfare
وتشمل
سفن لديها القدرة على القيام بعمليات الهجوم البرمائي كما أن مميزاتها
تمكنها من القيام بالعمليات لفترة طويلة في البحار المفتوحة .
• السفن الحربية اللوجستية Combat Logistics
وتقوم بعمليات إعادة دعم وتزويد كافة سفن الأسطول البحري .
• عمليات الألغام Mine Warfare
وتشمل سفن مهمتها الرئيسية الألغام في مياه المحيطات والبحار المفتوحة .
• الدفاع السواحلي Coastal Defense
ويشمل سفن مهمتها الرئيسية الدفاع عن السواحل وحمايتها .
يتبع...