مجلة الجيش- العدد 213
1-3-2003
التعديلات والتطويرات مستمرة نحو الأفضل
طال التطوير والتحديث تصميمات أنظمة الطائرات كافة, وخاصة المقاتلات والعموديات, ولم يغفل أي جانب منها حتى الأنظمة المساعدة خارج الطائرة كالمعدات والتجهيزات الأرضية التي تستخدم في إعداد الطائرة أو تدريب الطيارين. كما ظهر أخيراً اهتمام واضح بتجهيزات ومهمات الطيار الخاصة والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتسهيل مهمته في قيادة الطائرة, وأصبحت وتيرة التعديل والتطوير في هذه المعدات أكثر إرتفاعاً من ذي قبل لتوفير أفضل الظروف لنجاحه, حتى أن أبسط المهمات الشخصية للطيار غدت مجالاً خصباً لهذه التطويرات.
تجهيزات الطيارين
إن مجرد تواجد طيار أو أكثر في الطائرات عموماً, وفي المقاتلات والطائرات العمودية على وجه الخصوص, يستلزم وجود مجموعة من المعدات والأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها إلا في حالة الطيران الآلي. والغرض الأساسي لهذه المعدات هو مساعدة الطيار في قيادته للطائرة مع تأمين سلامته, عبر تزويد حجرة القيادة بكل ما يحتاجه من أنظمة توازن الضغط أو الإتصالات أو الشاشات لعرض المواقف القتالية التي تمهد له إتخاذ القرارات المناسبة. وتتضمن المعدات أيضاً, وبالدرجة نفسها من الأهمية, وسائل لإنقاذ حياته في الحالات الطارئة التي تتعرض لها طائرته, وتوصله سالماً الى الأرض, وتساعده على مجابهة أي صعاب أو مشاكل قد يتعرض لها, الى حين وصول وحدات البحث والإنقاذ المكلفة بالتقاطه لتعيده الى وحدته. فالطائرة, مهما كانت تكاليفها, يمكن تصنيع العديد منها بل وأحدث منها, ولكنّ الطيارين بخبراتهم العالية وتدريباتهم المكلفة هم العنصر الأثمن الذي يستغرق إعداد بدائل عنهم زمناً طويلاً وتكاليف عالية.
وحتى نبيّن حجم هذه المعدات, نقول أن أوزانها تبلغ حوالى 30% من وزن الطائرة, وتكاليفها تصل الى 40% من تكاليف تصنيعها, الأمر الذي يمكن توفيره فيما لو كانت قيادة هذه الطائرة تتم آلياً كما في الطائرات بدون طيار. وتنقسم هذه المعدات الى ثلاث مجموعات رئيسة هي: تجهيزات تدخل في التركيب البنائي للطائرة, ومعدات مساعدة إضافية للطيار, وأخيراً أدوات الطيار الشخصية.
التجهيزات الموجودة بتركيب الطائرة البنائي
يدخل ضمن هذه التجهيزات أنظمة نجاة الطيارين ومعدات معادلة الضغط ومجموعة الشاشات والعدادات ومقود الطائرة وغطائها الفقاعي, ومن أهمها للطيار كرسيه القاذف.
● الكرسي القاذف EJECTION SEAT)) :
يمثل هذا الكرسي للطيار قارب النجاة الذي يحمله بعيداً عن سفينته الغارقة, فهو سيُقذَف خلال لحظات قصيرة بعيداً عن طائرته التي تتعرض لإصابة مباشرة أو عطل مفاجئ, وخلال ثوان معدودة يهبط الطيار بمظلته الى الأرض آمناً. ويتكون النظام المتكامل من مقعد للطيار يجلس عليه ويقوم بأداء واجباته. ويحافظ المقعد على صحة وسلامة ظهر الطيار واستقامته طوال فترة الطيران, ويضمن أفضل وضع لجميع أجزاء جسمه. ويثبت الطيار نفسه عليه بحزام مقعد متقاطع قوي Seat Belt)) يؤمن له تثبيتاً كاملاً أثناء تنفيذ المناورات الحادة. وهناك أنواع مشهورة من هذه الكراسي, منها الأميركي Ace - 11)) والأوروبي (مارتن بيكر) وبعض الطرازات الأخرى MK - 16)) . ويجري تحديث أجزاء الكراسي باستمرار حسب أحدث الدراسات الإحصائية, وحتى زوايا تثبيت الأرجل والدعسات والضغوط اللازمة لحركتها تخضع لهذه التعديلات للوصول للوضع الأفضل للطيار, وتحديد زوايا استقامة الظهر ومدى إرتفاع مسند الرأس وانسيابيته, خاصة في الطائرات ذات المدى الطويل أو العالية السرعة, وتوجد “خرطوشة القذف” Ejection or Boosting Cartridge) ) تحت المقعد.
تحتوي بعض المقاعد ضمن أجزائها على أجهزة إرسال تطلق إشارة إستغاثة آلياً فور الإنطلاق من الطائرة, ليتمكن الباحثون عن الطيار أو الحطام من سرعة تحديد موقع الحادث لبدء إجراءات البحث والإنقاذ.
ولاستخدام الكرسي, على الطيار إتخاذ قرار يعتبر من أصعب قرارات حياته المصيرية, حينما يقوم بجذب يد التشغيل بعد نزع فتيل الأمان (الذي يوجد في بعض الكراسي), ولا بد له من إتخاذ الوضع المناسب للقذف بإلصاق ركبتيه مع بعضهما وإبقاء ظهره مستقيماً باستقامة الكرسي ورأسه للخلف ملتصقة بالمسند, وأي خطأ في هذه الأوضاع قد يتسبب في إحداث إصابات في عظمه قد تكون مميتة نتيجة تعرضه للحركات التسارعية الحادة التي تحدث له, والإرتفاع المناسب للقذف هو في حدود 5000 متر. وفي بعض الطائرات قام المصممون بالإستعاضة عن الكرسي القاذف بتجهيز الطائرة بفتحة إنزلاق في أسفلها ينزلق منها الطيار, ثم يستخدم مظلته, مثل الطائرة “سكاي نايت 3 آر دوغلاس” Douglas Sky Night 3R)) .
يستطيع الكرسي القاذف تأمين نجاة الطيار من طائرة متوقفة على الأرض في حال إندلاع حريق فيها مثلاً, وعموماً يعمل الكرسي بسرعات من صفر الى 600 عقدة, وعلى ارتفاعات من صفر الى 50000 قدم. ولولا تكاتف الشركات الصانعة ومراكز طب الطيران ومراكز الدراسات والأبحاث, لدراسة تصميمات الكرسي القاذف ومعرفة التأثيرات الفيزيولوجية التي تحدث للطيارين فور استخدامهم له, واوضاعهم في الجو بعد تركهم طائراتهم المتزنة الضغط, لما أمكن التقليل من أخطاره وجعل استخدامه ممكناً وآمناً.
● تجهيزات حجرة قيادة الطائرة:
لكي تهيء تصميمات حجرة القيادة أفضل الظروف لاستخدام الطيارين, فإنها تخضع لتجارب تصميمية لتتناسب الى أقصى حد مع مطالب وإمكانيات الطيار البشرية. فمثلاً غطاء حجرة القيادة يكون بدون إطار ومصنوع من زجاج عالي الشفافية وذي قوة وصلابة عاليتين, ويؤمن رؤية واضحة للطيار بدون إنكسارات حادة وبزوايا مفتوحة وحماية كافية, ويتحمل ضغوط السرعات والمناورات الحادة, ولا يسرب الأشعة الضارة للطيارين.
ويمكن في بعض الطائرات من خلال نوافذ زجاجية سفلى أن يشاهد الطيار الأرض تحته, وعند انخلاع الغطاء أثناء قذف الطيار خارج الطائرة, لا بد أن تؤمن فتحته خروج الطيار بسلام وبدون ارتطام أي جزء من جسمه بجوانب الفتحة.
وتحيط بحجرة القيادة تدريعات قوية لحماية الطيارين من الإصابات المباشرة للرشاشات الخفيفة. وتؤمن شاشات وعدادات الطائرة للطيار رؤية واضحة لبياناتها وبألوان لا تؤذي العين وبدرجة تباين عالية, خصوصاً أن ظروف الرؤية تختلف طبقاً لتوقيتات الطيران وأحوال واتجاهات أشعة الشمس. وكثير من هذه الشاشات متعدد الوظائف, فيمكن للطيار أن يشاهد عليها أكثر من بيان بطريقة متتابعة حتى لا تزدحم حجرة القيادة أمامه بشاشات متعددة, وينقّل الطيار بصره عليها بدون تركيز؛ ومنها ما هو رقمي أو بالمؤشر, أو مجرد شاشة عرض أو مسح راداري أو تصويري تلفزيوني, وهذا يعني عناية خاصة بمرشحات الحماية Screen Filters)) لضمان عدم تسرب أي إشعاعات ضارة الى أعين الطيارين.
وهناك بعض المؤشرات الصوتية التي تطلق إنذاراتها لتنبيه الطيارين في الأحوال الطارئة, كنقص الوقود أو زيوت التبريد أو زيادة الضغط وحرارة المحرك, أو الإنذار بوجود عطل بالمحرك. وقد يصاحب أصوات هذه الإنذارات أضواء تنبيه حمراء لتوجيه أنظار الطيارين لخطورة الموقف.
ويبقى من التجهيزات في حجرة القيادة ما يختص بمهام الطيار الأساسية, مثل وسائل تشغيل كاميرات الإستطلاع وتنشيط أنظمة التسليح حتى تظهر أمامه البيانات الضرورية لإتخاذ قراره بالإشتباك وإختيار نوع التسليح الذي سيستخدمه. وتضمن أنظمة التسليح القيام بذلك, بدون أن يرفع الطيار يده عن مقود الطائرة أو يمدها في حركة بعيدة عنه أو يوجه رأسه بدون وعي يميناً ويساراً. وهناك أيضاً عصا القيادة أحادية أو ثنائية المقبض, والتي تتجمع فيها معظم عناصر السيطرة على محركات وأسطح توجيه الطائرة, وتوجد فيها بعض أزرار إطلاق معدات التسليح.
وأخيراً, تقدمت شركة “سيميولا” (Simula Inc)الأميركية بتعديلات تتمثل في تصنيع حقيبة هوائية (Air Bag) توضع في المقاتلات وتنتفخ آلياً عند حدوث إرتطام مفاجئ للطائرة أو هبوط إضطراري, لتحمي الطيارين من الإصابات التي قد تصيبهم نتيجة اصطدام رؤوسهم أو جذوعهم, وقد اثبتت احصائيات استخدام هذا النظام أن الإصابات المميتة قلت بنسبة 25% والإصابات الخطرة بنسبة 50%.
معدات الطيار المساعدة
تتكون هذه المجموعة من معدات متنوعة خاصة بالطيار, وتشمل بزة الطيران وخوذة العرض وقناع تنظيم التنفس ومظلته التي ستحمله الى الأرض وبعض السترات الواقية من الرصاص.
● بزة الطيران:
لقد تطورت خلال السنوات الأخيرة بزات الطيران ولم تعد مجرد بزات من القماش العادي, بل أصبحت محكمة توازن الضغط حول أجساد الطيارين, فتمكنهم من أداء المناورات الحادة بدون خوف من أي اغماءات أو اعتصام للابصار قد يعتريهم عند تعرض أجسامهم لضغوط التسارع العالية, سواء كان ذلك أثناء تدريبهم أو أثناء طيرانهم القتالي.
وقد طوّرت شركة “ماكدونال دوغلاس” إحدى تصميمات هذه البزات ووضعت حولها من الداخل كيساً “قربة” من الماء, فعندما تسحب قوى التسارع الدم ناحية القدمين بعيداً عن القلب والمخ, فإن هذه القربة تقوم بدفع الدم عكسياً الى المخ والقلب ومراكز الجسم الحساسة مثل عضلات العيون وأطراف الأصابع, فلا يعاني الطيارمن أي إضطراب. وبعض هذه البزات تؤمن حماية كاملة ضد الحريق, والبعض الآخر عازل حراري لجسم الطيار Hypothermal Jackets)) فلا ترتفع درجة حرارته من الداخل, ويتمكن من أداء واجباته في الحالات الطارئـة. وتسمى هذه المجموعة من البزات والملابـس الخاصة: “مجموعة الوقايـة والمحافظـة على الحياة”
(Life Support And Survival Equipment), ومنها ما يقي الطيارين برودة المناطق القطبية, وقد يضاف الى هذه المجموعة الأجهزة والمعدات الخاصة بأقنعة التنفس والخوذ ومعدات العرض والرؤية.
● قنـاع الأوكسيجـين ومنظـم التنفس:
قناع الأوكسيجين ضروري لتزويد الطيارين بما يحتاجونه من أوكسيجين طوال فترة الطيران. وبصرف النظر عن الإرتفاعات العالية التي يطيرون فيها ولا يتوفر فيها أوكسيجين, فالأقنعة تساعد رئة الطيار على مقاومة الآثار السلبية لعدم توفر الأوكسيجين وتتوافق مع ضربات القلب والدورة التنفسية للطيار, الذي يمكنه أيضاً التحدث بوضوح تام. ويتعدل ضغط القناع حسب إيقاع نفس الطيار والتسارعات التي يتعرض لها, وبالتالي يحفظ له معدلاً ثابتاً للتنفس.
وقد تغلبت هذه الأقنعة على المشاكل التي كان يعاني منها الطيارون بفقدان التهوئة, وأعراض أمراض انخفاض الضغط وضعف الرؤية والشعور بعدم التوازن. وقد أكدت الإحصائيات أنه باستخدام هذه الأقنعة, قلّت معدلات الحوادث الناتجة عن مشاكل نقص الأوكسيجين Hypoxia)), وأن الحوادث التي تحصل بسبب الأقنعة, تكون في استخدام خاطئ لها أو حدوث أعطال بها.
● أنظمة العرض على خوذة الطيار:
لم تعد خوذة الطيار مجـرد غطــاء للــرأس يضعه على رأســه لحمايته, ويمكن توصيل سماعات الأذن به أو ميكروفون يتكلم الطيار من خلاله, بل أصبـحـت أنظمــة للعرض متكاملــة (Helmet Mounted Display(Systems. وتحتوي الخوذات في هذه الحالة على شـاشـة لأنبــوب إشعـاع كاتــودي
(CathodRay Tube Screen) مكتملة الألوان وثلاثية الأبعاد, ويستخدمها الطيار أثناء الطيران العادي, ولكن الإستخدام الأمثل لها يكون أثناء الطيران المنخفض لفترة طويلة أو أثناء مراحل الإطباق على الهدف وتسديد ما لدى الطيار من تسليح صاروخي, وغالباً ما تكون القيادة آلية, ولا تزن مثل هذه الخوذات بكل هذه التجهيزات سوى 2.5 كلغ.
وهناك أنظمة أخرى تعرف بـ”عين القط” Cat-Eye)) , وفيها أغطية ونظارات للرؤية الليلية ملائمة لكل العمليات الجوية, وهذا النظام يجمع صورة ألكتروبصرية من أنبوب مكثف الصورة العادي (التقليدي) ويعرضها على مجمع شفاف أمام كل عين, وقد يكون بمقياس رسم 1/1, وبالتالي يتطابق هذا مع المشهد الحقيقي المرئي بالعين
المجردة. ويسمح النظام بالرؤية خلال الليل وتظهر فيه الأهداف بوضوح تام. كما أن النظام البصري الشفاف المركب على الخوذة يسمح للطيار بالرؤية بصورة واضحة, ويؤمن له رؤية محيطية مستمرة وبدون انقطاع بما فيها من رؤية جانبية, فيبقى الطيار ملماً في جميع مراحل الطيران بما يدور حوله, وبزوايا مفتوحة تصل الى 50 درجة لكل جانب, ويؤمن أيضاً رؤية ليلية واضحة مع تقوية الرؤية النهارية. وقد ترتبط أنظمة الخوذات مع أقنعة التنفس أو تكون منفصلة, وعموماً فكلاهما ينفصل آلياً عن الطيار بعد قذفه من الطائرة لبدء هبوطه بمظلته الشخصية.
● مظلة الطيار:
تتوقف حياة الطيارين بعد قذفهم خارج طائراتهم على إنفتاح مظلتهم والتي تحقق لهم الهبوط السليم حتى سطح الأرض. والمظلات الحديثة للطيارين قماشها من النايلون الخفيف الوزن والقوي الشد, وتنفتح بعد ثوان معدودة من إنفصال الطيار عن كرسيه حتى لا تشتبك فيه, علماً بأن الكرسي له مظلة خاصة به تحقق له الإتزان. ويوجد من هذه المظلات ما يكون مرتبطاً بالطيار من الخلف أو الأمام أو من الجوانب حسب نوع المظلة وطبيعة الطائرة, وعلى الطيار أن يوجه أشرطتها توجيهاً بسيطاً ليتمكن من تفادي خطوط الكهرباء العالية الجهد وأي مرتفعات حادة القمم أو المناطق المزدحمة وغير الآمنة. وعموماً يختار ما أمكن مناطق منبسطة وهادئة, وعليه تحرير نفسه بسرعة والتخلص من مظلته وطويها بسرعة ومحاولة إخفائها. وفي أحوال الهبوط فوق الأشجار, عليه قطع الأشرطة بسكينه, أما في أحوال الهبوط فوق الماء فلا بد له من الغطس وتحرير نفسه منها ثم الصعود بعيداً عنها, فقد تسبب له الغرق لو علق بها. وهناك بعض المهمات المساعدة للطيار مثل سترة الإنقاذ البحري (عوامة) وتكون بألوان فوسفورية لتسهل رؤيته ليلاً أو نهاراً, وهناك بعض السترات الواقية من الرصاص ويلبسها الطيار في أحوال خاصة حسب المهمة التي سيقوم بها والأخطار المتوقع أن يصادفها.
مهمات الطيار وأدواته الشخصية
أدوات الطيار الشخصية هي التي تكون معه داخل جيوب بزته ويستخدم بعضها أثناء الطيران ومعظمها على الأرض, سواء في الأحوال العادية أو بعد هبوطه سالماً بمظلته, وتشمل: أدوات الملاحة وتحديد الموقع وأجهزة الإتصال اليدوية وخراطيش الإنقاذ, وتسليحه الشخصي وباقي أدواته الشخصية.
● الأدوات الملاحية للطيار:
لا بد من توفّر أدوات ملاحة مع الطيار, سواء أثناء تواجده في الطائرة أو بعد هبوطه على الأرض. فالأولى تؤمن له (ضمن تركيب حجرة القيادة) ملاحة جيدة ووصولاً دقيقاً الى أهدافه, وتساعده الثانية على تحديد موقعه ومعرفة اتجاهاته. وهناك أنواع عدة من أدوات الملاحة, منها الحديث الذي يمكّن الطيار وعبر استخدام الأقمار الصناعية من تحديد إحداثيات موقعه لأقرب 10 أمتار أو أدق من ذلك, ومنها العادي كالبوصلات وأجهزة تحديد الإرتفاعات. وقد تحتوي ساعة الطيار على هذه الإمكانيات, ما يتيح له فرصة مقارنة المعلومات والبيانات لديه لتأكيدها؛ وتواجد خريطة بمقياس رسم مناسب للأراضي التي يحلق فوقها ضروري لتحركه على الأرض وتحديد المناطق الآمنة.
● أجهزة الإتصالات اللاسلكية اليدوية:
توجد أجهزة لاسلكية خاصة بالطيارين تمتاز بصغر الحجم والقدرة العالية, ومنها ما هو مشفّر ومنها العادي. ويقوم الطيار بالإتصال بوحدته, وقد يكتفي بجهاز إرسال خاص صغير للغاية يطلق إشارات استغاثة بصورة آلية ومتكررة دورياً, هي عبارة عن إشارات رقمية مشفّرة تحتوي على بيانات موقع الهبوط ورمز خاص بالطيار, فيتجه إليه فريق البحث والإنقاذ مستعيناً بهذه البيانات.
● التسليح الشخصي:
التسليح الشخصي للطيار ضروري, فتواجد مسدس صغير معه خفيف الوزن وفعّال ومؤثر, الى جانب سكين خاص, قد يكون فيهما نجاته من أخطار الغابات التي يهبط عليها. فالسكين يساعده في تحرير نفسه من أشرطة مظلته التي تعيق حركته بإشتباكها في الأشجار أو القمم الجبلية, بالإضافة طبعاً لتوفير دفاع نفسي له ضد أي عدائيات قد يتقابل معها. وقد يتم تسليح الطيارين بأكثر من ذلك عندما يكون من المتوقع تعرضه لعدائيات حادة بعد هبوطهم على الأرض.
ولأهمية المحافظة على عيون الطيارين, خصصت شركة صناعة النظارات قطاعات منها لتصنيع نظارات خاصة بالطيارين. فالنظارة تحمي العين من مجموعة من الأشعة الضارة, مثل الوهج الشمسي الذي يؤدي الى إرهاقها والأشعة فوق البنفسجية
( Ultra Violet) التي تسبب العمى الثلجي المؤقت, وكذلك الأشعة تحت الحمراء وغيرها من الأشعة الحارقة والضارة. ونظارات الطيارين لا بد لها من مواصفات خاصة لتؤمن حماية للعين بدون أي اعراض أو مشاكل جانبية, فإطارها يجب أن يكون دقيقاً وعدستها كبيرة كي لا تحجب مجال الرؤية, ويجب عدم استعمال العدسات المستقطبة Polarized Lenses))فبعضها يتحول لونها ببطء وتحتاج لدقائق لثبات اللون, وأي مشاكل تنتج من انعكاس الضوء على أسطح الرمال أو المياه والثلج يجب التغلب عليها, لذلك فإن نظارات الطيارين لا بد من التصريح الطبي لها لضمان تناسبها معهم. وحتى لا تترك القوات الجوية الأميركية هذا الموضوع للاجتهاد الشخصي للطيارين, فإنها ونظراً لأهمية هذا الموضوع, وحّدت ما يلبسه الطيارون اعتباراً من العام 1958, وأصبح طياروها يرتدون نظارة خاصة طورت بواسطة مركز طب الطيران لديهم (Flight Goggles Glasses F.G. 58) , وهي ذات لون رمادي طبيعي معتم للضوء بدرجة ثابتة ولها فعالية عالية في حجب الأشعة الضارة, ويلبسها الطيار أثناء الطيران أو على الأرض, كما أن هذه القوات الجوية صممت خوذات خاصة ركبت عليها هذه العدسات وتميّز بها طيارو المقاتلات الأميركية.
● ساعات الطيارين:
تخصص بعض شركات صناعة الساعات طرازات خاصة يستعملها أصحاب المهن الخاصة مثل الغوص والطيران. وساعات الطيران الحديثة تساعدهم كثيراً وتعطيهم معلومات هامة يحتاجون إليها, فهي تحدد لهم الإتجاه والإرتفاع والسرعة وتتوفر بصورة رقمية أو مؤشرات عادية (Analogue Or Digital Display) وهناك تصميمات تجمع بين النوعين وتتحمل الصدمات والتسارعات وقوى الجاذبية والمغنطة وضغط المياه حتى عمق 100 متر. كما تحتوي على ساعة ايقاف عادية
(StopWatch)وامكانية العد العكسي Counter Down Timer))وتعمل بنظام الكرونوغراف Chronograph))وغلافها من التيتانيوم المقاوم. وإضافة الى ذلك, فهي سهلة القراءة وأرقامها كبيرة وبدرجة تباين عالية خاصة أثناء الليل. وهناك شركات عالمية تخصصت في مثل هذه الأنواع وتنتجها منذ أكثر من 50 سنة.
● أدوات الأغراض الشخصية العامة:
إضافة الى الأدوات الشخصية السابق ذكرها, هناك مجموعة أخرى يستعملها الطيارون وتحرص وحداتهم على تجهيزهم بها, وهي على الرغم من بساطتها, تؤثر بصورة أساسية في نجاتهم. فتواجد صفيحة الهوية المعدنية تتيح لمن يجد الطيار أن يتعرف عليه إذا ما كان فاقداً للوعي أو مصاباً إصابات خطيرة. كما أن تواجد مبالغ مالية مناسبة من عملات الدول التي يطير فوقها يؤمن له توفير بعض المواد التي يحتاجها أو لإغراء من يجده على المحافظة عليه لمكافأته في حالة عثور وحدته عليه بمبلغ أكبر. وتواجد كيس صغير فيه وجبة خاصة يضمن له الحصول على سعرات حرارية يحتاجها لحين العثور عليه بواسطة فرق البحث والإنقاذ, وأدوات الإسعاف الأولية وحقن المواد المضادة للتلوث وكيس صغير يحتوي على رداء واق خفيف للتلوث الكيميائي, كلها أدوات بسيطة ولكنها قد تمنحه الحياة, وحتى الأحذية الخاصة بالطيارين فهي ذات نوعية خاصة ولا تضغط على أقدام الطيار أو أصابعه ولا تسبب إنحباساً للدم في أجزاء منها, وتتكامل مع بزات الطيران في توفير الضغط المناسب حول جسم الطيار.
إن الطيار يعتبره جميع المتعاملين في مجال الطيران العنصر البشري الثمين في الطائرة, ما يفرض على مصمميها ضرورة الإهتمام بالتجهيزات والمعدات التي تساعده في أداء مهامه وتضمن سلامته وتقوم بإنقاذه عند تداعي الطائرة, وعندما يشمل ذلك أدواته الشخصية باعتبارها أدوات مهنية, ويجعلها تلقى نصيبها من العناية في التحديث والتطوير, فإنه لا بد وأن ينعكس ذلك إيجاباً على الطيارين بتفانيهم في أداء واجباتهم ورفع مستواهم لخدمة قواتهم الجوية التي تذود عن أوطانهم.
المراجع
● أعداد متفرقة من إصدارات منظمة الطيران المدني الدولية “إيكاو”.
● Internet.data.net
1-3-2003
طال التطوير والتحديث تصميمات أنظمة الطائرات كافة, وخاصة المقاتلات والعموديات, ولم يغفل أي جانب منها حتى الأنظمة المساعدة خارج الطائرة كالمعدات والتجهيزات الأرضية التي تستخدم في إعداد الطائرة أو تدريب الطيارين. كما ظهر أخيراً اهتمام واضح بتجهيزات ومهمات الطيار الخاصة والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتسهيل مهمته في قيادة الطائرة, وأصبحت وتيرة التعديل والتطوير في هذه المعدات أكثر إرتفاعاً من ذي قبل لتوفير أفضل الظروف لنجاحه, حتى أن أبسط المهمات الشخصية للطيار غدت مجالاً خصباً لهذه التطويرات.
تجهيزات الطيارين
إن مجرد تواجد طيار أو أكثر في الطائرات عموماً, وفي المقاتلات والطائرات العمودية على وجه الخصوص, يستلزم وجود مجموعة من المعدات والأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها إلا في حالة الطيران الآلي. والغرض الأساسي لهذه المعدات هو مساعدة الطيار في قيادته للطائرة مع تأمين سلامته, عبر تزويد حجرة القيادة بكل ما يحتاجه من أنظمة توازن الضغط أو الإتصالات أو الشاشات لعرض المواقف القتالية التي تمهد له إتخاذ القرارات المناسبة. وتتضمن المعدات أيضاً, وبالدرجة نفسها من الأهمية, وسائل لإنقاذ حياته في الحالات الطارئة التي تتعرض لها طائرته, وتوصله سالماً الى الأرض, وتساعده على مجابهة أي صعاب أو مشاكل قد يتعرض لها, الى حين وصول وحدات البحث والإنقاذ المكلفة بالتقاطه لتعيده الى وحدته. فالطائرة, مهما كانت تكاليفها, يمكن تصنيع العديد منها بل وأحدث منها, ولكنّ الطيارين بخبراتهم العالية وتدريباتهم المكلفة هم العنصر الأثمن الذي يستغرق إعداد بدائل عنهم زمناً طويلاً وتكاليف عالية.
وحتى نبيّن حجم هذه المعدات, نقول أن أوزانها تبلغ حوالى 30% من وزن الطائرة, وتكاليفها تصل الى 40% من تكاليف تصنيعها, الأمر الذي يمكن توفيره فيما لو كانت قيادة هذه الطائرة تتم آلياً كما في الطائرات بدون طيار. وتنقسم هذه المعدات الى ثلاث مجموعات رئيسة هي: تجهيزات تدخل في التركيب البنائي للطائرة, ومعدات مساعدة إضافية للطيار, وأخيراً أدوات الطيار الشخصية.
التجهيزات الموجودة بتركيب الطائرة البنائي
يدخل ضمن هذه التجهيزات أنظمة نجاة الطيارين ومعدات معادلة الضغط ومجموعة الشاشات والعدادات ومقود الطائرة وغطائها الفقاعي, ومن أهمها للطيار كرسيه القاذف.
● الكرسي القاذف EJECTION SEAT)) :
يمثل هذا الكرسي للطيار قارب النجاة الذي يحمله بعيداً عن سفينته الغارقة, فهو سيُقذَف خلال لحظات قصيرة بعيداً عن طائرته التي تتعرض لإصابة مباشرة أو عطل مفاجئ, وخلال ثوان معدودة يهبط الطيار بمظلته الى الأرض آمناً. ويتكون النظام المتكامل من مقعد للطيار يجلس عليه ويقوم بأداء واجباته. ويحافظ المقعد على صحة وسلامة ظهر الطيار واستقامته طوال فترة الطيران, ويضمن أفضل وضع لجميع أجزاء جسمه. ويثبت الطيار نفسه عليه بحزام مقعد متقاطع قوي Seat Belt)) يؤمن له تثبيتاً كاملاً أثناء تنفيذ المناورات الحادة. وهناك أنواع مشهورة من هذه الكراسي, منها الأميركي Ace - 11)) والأوروبي (مارتن بيكر) وبعض الطرازات الأخرى MK - 16)) . ويجري تحديث أجزاء الكراسي باستمرار حسب أحدث الدراسات الإحصائية, وحتى زوايا تثبيت الأرجل والدعسات والضغوط اللازمة لحركتها تخضع لهذه التعديلات للوصول للوضع الأفضل للطيار, وتحديد زوايا استقامة الظهر ومدى إرتفاع مسند الرأس وانسيابيته, خاصة في الطائرات ذات المدى الطويل أو العالية السرعة, وتوجد “خرطوشة القذف” Ejection or Boosting Cartridge) ) تحت المقعد.
تحتوي بعض المقاعد ضمن أجزائها على أجهزة إرسال تطلق إشارة إستغاثة آلياً فور الإنطلاق من الطائرة, ليتمكن الباحثون عن الطيار أو الحطام من سرعة تحديد موقع الحادث لبدء إجراءات البحث والإنقاذ.
ولاستخدام الكرسي, على الطيار إتخاذ قرار يعتبر من أصعب قرارات حياته المصيرية, حينما يقوم بجذب يد التشغيل بعد نزع فتيل الأمان (الذي يوجد في بعض الكراسي), ولا بد له من إتخاذ الوضع المناسب للقذف بإلصاق ركبتيه مع بعضهما وإبقاء ظهره مستقيماً باستقامة الكرسي ورأسه للخلف ملتصقة بالمسند, وأي خطأ في هذه الأوضاع قد يتسبب في إحداث إصابات في عظمه قد تكون مميتة نتيجة تعرضه للحركات التسارعية الحادة التي تحدث له, والإرتفاع المناسب للقذف هو في حدود 5000 متر. وفي بعض الطائرات قام المصممون بالإستعاضة عن الكرسي القاذف بتجهيز الطائرة بفتحة إنزلاق في أسفلها ينزلق منها الطيار, ثم يستخدم مظلته, مثل الطائرة “سكاي نايت 3 آر دوغلاس” Douglas Sky Night 3R)) .
يستطيع الكرسي القاذف تأمين نجاة الطيار من طائرة متوقفة على الأرض في حال إندلاع حريق فيها مثلاً, وعموماً يعمل الكرسي بسرعات من صفر الى 600 عقدة, وعلى ارتفاعات من صفر الى 50000 قدم. ولولا تكاتف الشركات الصانعة ومراكز طب الطيران ومراكز الدراسات والأبحاث, لدراسة تصميمات الكرسي القاذف ومعرفة التأثيرات الفيزيولوجية التي تحدث للطيارين فور استخدامهم له, واوضاعهم في الجو بعد تركهم طائراتهم المتزنة الضغط, لما أمكن التقليل من أخطاره وجعل استخدامه ممكناً وآمناً.
لكي تهيء تصميمات حجرة القيادة أفضل الظروف لاستخدام الطيارين, فإنها تخضع لتجارب تصميمية لتتناسب الى أقصى حد مع مطالب وإمكانيات الطيار البشرية. فمثلاً غطاء حجرة القيادة يكون بدون إطار ومصنوع من زجاج عالي الشفافية وذي قوة وصلابة عاليتين, ويؤمن رؤية واضحة للطيار بدون إنكسارات حادة وبزوايا مفتوحة وحماية كافية, ويتحمل ضغوط السرعات والمناورات الحادة, ولا يسرب الأشعة الضارة للطيارين.
ويمكن في بعض الطائرات من خلال نوافذ زجاجية سفلى أن يشاهد الطيار الأرض تحته, وعند انخلاع الغطاء أثناء قذف الطيار خارج الطائرة, لا بد أن تؤمن فتحته خروج الطيار بسلام وبدون ارتطام أي جزء من جسمه بجوانب الفتحة.
وتحيط بحجرة القيادة تدريعات قوية لحماية الطيارين من الإصابات المباشرة للرشاشات الخفيفة. وتؤمن شاشات وعدادات الطائرة للطيار رؤية واضحة لبياناتها وبألوان لا تؤذي العين وبدرجة تباين عالية, خصوصاً أن ظروف الرؤية تختلف طبقاً لتوقيتات الطيران وأحوال واتجاهات أشعة الشمس. وكثير من هذه الشاشات متعدد الوظائف, فيمكن للطيار أن يشاهد عليها أكثر من بيان بطريقة متتابعة حتى لا تزدحم حجرة القيادة أمامه بشاشات متعددة, وينقّل الطيار بصره عليها بدون تركيز؛ ومنها ما هو رقمي أو بالمؤشر, أو مجرد شاشة عرض أو مسح راداري أو تصويري تلفزيوني, وهذا يعني عناية خاصة بمرشحات الحماية Screen Filters)) لضمان عدم تسرب أي إشعاعات ضارة الى أعين الطيارين.
وهناك بعض المؤشرات الصوتية التي تطلق إنذاراتها لتنبيه الطيارين في الأحوال الطارئة, كنقص الوقود أو زيوت التبريد أو زيادة الضغط وحرارة المحرك, أو الإنذار بوجود عطل بالمحرك. وقد يصاحب أصوات هذه الإنذارات أضواء تنبيه حمراء لتوجيه أنظار الطيارين لخطورة الموقف.
ويبقى من التجهيزات في حجرة القيادة ما يختص بمهام الطيار الأساسية, مثل وسائل تشغيل كاميرات الإستطلاع وتنشيط أنظمة التسليح حتى تظهر أمامه البيانات الضرورية لإتخاذ قراره بالإشتباك وإختيار نوع التسليح الذي سيستخدمه. وتضمن أنظمة التسليح القيام بذلك, بدون أن يرفع الطيار يده عن مقود الطائرة أو يمدها في حركة بعيدة عنه أو يوجه رأسه بدون وعي يميناً ويساراً. وهناك أيضاً عصا القيادة أحادية أو ثنائية المقبض, والتي تتجمع فيها معظم عناصر السيطرة على محركات وأسطح توجيه الطائرة, وتوجد فيها بعض أزرار إطلاق معدات التسليح.
وأخيراً, تقدمت شركة “سيميولا” (Simula Inc)الأميركية بتعديلات تتمثل في تصنيع حقيبة هوائية (Air Bag) توضع في المقاتلات وتنتفخ آلياً عند حدوث إرتطام مفاجئ للطائرة أو هبوط إضطراري, لتحمي الطيارين من الإصابات التي قد تصيبهم نتيجة اصطدام رؤوسهم أو جذوعهم, وقد اثبتت احصائيات استخدام هذا النظام أن الإصابات المميتة قلت بنسبة 25% والإصابات الخطرة بنسبة 50%.
معدات الطيار المساعدة
تتكون هذه المجموعة من معدات متنوعة خاصة بالطيار, وتشمل بزة الطيران وخوذة العرض وقناع تنظيم التنفس ومظلته التي ستحمله الى الأرض وبعض السترات الواقية من الرصاص.
● بزة الطيران:
لقد تطورت خلال السنوات الأخيرة بزات الطيران ولم تعد مجرد بزات من القماش العادي, بل أصبحت محكمة توازن الضغط حول أجساد الطيارين, فتمكنهم من أداء المناورات الحادة بدون خوف من أي اغماءات أو اعتصام للابصار قد يعتريهم عند تعرض أجسامهم لضغوط التسارع العالية, سواء كان ذلك أثناء تدريبهم أو أثناء طيرانهم القتالي.
وقد طوّرت شركة “ماكدونال دوغلاس” إحدى تصميمات هذه البزات ووضعت حولها من الداخل كيساً “قربة” من الماء, فعندما تسحب قوى التسارع الدم ناحية القدمين بعيداً عن القلب والمخ, فإن هذه القربة تقوم بدفع الدم عكسياً الى المخ والقلب ومراكز الجسم الحساسة مثل عضلات العيون وأطراف الأصابع, فلا يعاني الطيارمن أي إضطراب. وبعض هذه البزات تؤمن حماية كاملة ضد الحريق, والبعض الآخر عازل حراري لجسم الطيار Hypothermal Jackets)) فلا ترتفع درجة حرارته من الداخل, ويتمكن من أداء واجباته في الحالات الطارئـة. وتسمى هذه المجموعة من البزات والملابـس الخاصة: “مجموعة الوقايـة والمحافظـة على الحياة”
(Life Support And Survival Equipment), ومنها ما يقي الطيارين برودة المناطق القطبية, وقد يضاف الى هذه المجموعة الأجهزة والمعدات الخاصة بأقنعة التنفس والخوذ ومعدات العرض والرؤية.
قناع الأوكسيجين ضروري لتزويد الطيارين بما يحتاجونه من أوكسيجين طوال فترة الطيران. وبصرف النظر عن الإرتفاعات العالية التي يطيرون فيها ولا يتوفر فيها أوكسيجين, فالأقنعة تساعد رئة الطيار على مقاومة الآثار السلبية لعدم توفر الأوكسيجين وتتوافق مع ضربات القلب والدورة التنفسية للطيار, الذي يمكنه أيضاً التحدث بوضوح تام. ويتعدل ضغط القناع حسب إيقاع نفس الطيار والتسارعات التي يتعرض لها, وبالتالي يحفظ له معدلاً ثابتاً للتنفس.
وقد تغلبت هذه الأقنعة على المشاكل التي كان يعاني منها الطيارون بفقدان التهوئة, وأعراض أمراض انخفاض الضغط وضعف الرؤية والشعور بعدم التوازن. وقد أكدت الإحصائيات أنه باستخدام هذه الأقنعة, قلّت معدلات الحوادث الناتجة عن مشاكل نقص الأوكسيجين Hypoxia)), وأن الحوادث التي تحصل بسبب الأقنعة, تكون في استخدام خاطئ لها أو حدوث أعطال بها.
لم تعد خوذة الطيار مجـرد غطــاء للــرأس يضعه على رأســه لحمايته, ويمكن توصيل سماعات الأذن به أو ميكروفون يتكلم الطيار من خلاله, بل أصبـحـت أنظمــة للعرض متكاملــة (Helmet Mounted Display(Systems. وتحتوي الخوذات في هذه الحالة على شـاشـة لأنبــوب إشعـاع كاتــودي
(CathodRay Tube Screen) مكتملة الألوان وثلاثية الأبعاد, ويستخدمها الطيار أثناء الطيران العادي, ولكن الإستخدام الأمثل لها يكون أثناء الطيران المنخفض لفترة طويلة أو أثناء مراحل الإطباق على الهدف وتسديد ما لدى الطيار من تسليح صاروخي, وغالباً ما تكون القيادة آلية, ولا تزن مثل هذه الخوذات بكل هذه التجهيزات سوى 2.5 كلغ.
وهناك أنظمة أخرى تعرف بـ”عين القط” Cat-Eye)) , وفيها أغطية ونظارات للرؤية الليلية ملائمة لكل العمليات الجوية, وهذا النظام يجمع صورة ألكتروبصرية من أنبوب مكثف الصورة العادي (التقليدي) ويعرضها على مجمع شفاف أمام كل عين, وقد يكون بمقياس رسم 1/1, وبالتالي يتطابق هذا مع المشهد الحقيقي المرئي بالعين
● مظلة الطيار:
تتوقف حياة الطيارين بعد قذفهم خارج طائراتهم على إنفتاح مظلتهم والتي تحقق لهم الهبوط السليم حتى سطح الأرض. والمظلات الحديثة للطيارين قماشها من النايلون الخفيف الوزن والقوي الشد, وتنفتح بعد ثوان معدودة من إنفصال الطيار عن كرسيه حتى لا تشتبك فيه, علماً بأن الكرسي له مظلة خاصة به تحقق له الإتزان. ويوجد من هذه المظلات ما يكون مرتبطاً بالطيار من الخلف أو الأمام أو من الجوانب حسب نوع المظلة وطبيعة الطائرة, وعلى الطيار أن يوجه أشرطتها توجيهاً بسيطاً ليتمكن من تفادي خطوط الكهرباء العالية الجهد وأي مرتفعات حادة القمم أو المناطق المزدحمة وغير الآمنة. وعموماً يختار ما أمكن مناطق منبسطة وهادئة, وعليه تحرير نفسه بسرعة والتخلص من مظلته وطويها بسرعة ومحاولة إخفائها. وفي أحوال الهبوط فوق الأشجار, عليه قطع الأشرطة بسكينه, أما في أحوال الهبوط فوق الماء فلا بد له من الغطس وتحرير نفسه منها ثم الصعود بعيداً عنها, فقد تسبب له الغرق لو علق بها. وهناك بعض المهمات المساعدة للطيار مثل سترة الإنقاذ البحري (عوامة) وتكون بألوان فوسفورية لتسهل رؤيته ليلاً أو نهاراً, وهناك بعض السترات الواقية من الرصاص ويلبسها الطيار في أحوال خاصة حسب المهمة التي سيقوم بها والأخطار المتوقع أن يصادفها.
مهمات الطيار وأدواته الشخصية
أدوات الطيار الشخصية هي التي تكون معه داخل جيوب بزته ويستخدم بعضها أثناء الطيران ومعظمها على الأرض, سواء في الأحوال العادية أو بعد هبوطه سالماً بمظلته, وتشمل: أدوات الملاحة وتحديد الموقع وأجهزة الإتصال اليدوية وخراطيش الإنقاذ, وتسليحه الشخصي وباقي أدواته الشخصية.
● الأدوات الملاحية للطيار:
لا بد من توفّر أدوات ملاحة مع الطيار, سواء أثناء تواجده في الطائرة أو بعد هبوطه على الأرض. فالأولى تؤمن له (ضمن تركيب حجرة القيادة) ملاحة جيدة ووصولاً دقيقاً الى أهدافه, وتساعده الثانية على تحديد موقعه ومعرفة اتجاهاته. وهناك أنواع عدة من أدوات الملاحة, منها الحديث الذي يمكّن الطيار وعبر استخدام الأقمار الصناعية من تحديد إحداثيات موقعه لأقرب 10 أمتار أو أدق من ذلك, ومنها العادي كالبوصلات وأجهزة تحديد الإرتفاعات. وقد تحتوي ساعة الطيار على هذه الإمكانيات, ما يتيح له فرصة مقارنة المعلومات والبيانات لديه لتأكيدها؛ وتواجد خريطة بمقياس رسم مناسب للأراضي التي يحلق فوقها ضروري لتحركه على الأرض وتحديد المناطق الآمنة.
● أجهزة الإتصالات اللاسلكية اليدوية:
توجد أجهزة لاسلكية خاصة بالطيارين تمتاز بصغر الحجم والقدرة العالية, ومنها ما هو مشفّر ومنها العادي. ويقوم الطيار بالإتصال بوحدته, وقد يكتفي بجهاز إرسال خاص صغير للغاية يطلق إشارات استغاثة بصورة آلية ومتكررة دورياً, هي عبارة عن إشارات رقمية مشفّرة تحتوي على بيانات موقع الهبوط ورمز خاص بالطيار, فيتجه إليه فريق البحث والإنقاذ مستعيناً بهذه البيانات.
● التسليح الشخصي:
التسليح الشخصي للطيار ضروري, فتواجد مسدس صغير معه خفيف الوزن وفعّال ومؤثر, الى جانب سكين خاص, قد يكون فيهما نجاته من أخطار الغابات التي يهبط عليها. فالسكين يساعده في تحرير نفسه من أشرطة مظلته التي تعيق حركته بإشتباكها في الأشجار أو القمم الجبلية, بالإضافة طبعاً لتوفير دفاع نفسي له ضد أي عدائيات قد يتقابل معها. وقد يتم تسليح الطيارين بأكثر من ذلك عندما يكون من المتوقع تعرضه لعدائيات حادة بعد هبوطهم على الأرض.
ولأهمية المحافظة على عيون الطيارين, خصصت شركة صناعة النظارات قطاعات منها لتصنيع نظارات خاصة بالطيارين. فالنظارة تحمي العين من مجموعة من الأشعة الضارة, مثل الوهج الشمسي الذي يؤدي الى إرهاقها والأشعة فوق البنفسجية
( Ultra Violet) التي تسبب العمى الثلجي المؤقت, وكذلك الأشعة تحت الحمراء وغيرها من الأشعة الحارقة والضارة. ونظارات الطيارين لا بد لها من مواصفات خاصة لتؤمن حماية للعين بدون أي اعراض أو مشاكل جانبية, فإطارها يجب أن يكون دقيقاً وعدستها كبيرة كي لا تحجب مجال الرؤية, ويجب عدم استعمال العدسات المستقطبة Polarized Lenses))فبعضها يتحول لونها ببطء وتحتاج لدقائق لثبات اللون, وأي مشاكل تنتج من انعكاس الضوء على أسطح الرمال أو المياه والثلج يجب التغلب عليها, لذلك فإن نظارات الطيارين لا بد من التصريح الطبي لها لضمان تناسبها معهم. وحتى لا تترك القوات الجوية الأميركية هذا الموضوع للاجتهاد الشخصي للطيارين, فإنها ونظراً لأهمية هذا الموضوع, وحّدت ما يلبسه الطيارون اعتباراً من العام 1958, وأصبح طياروها يرتدون نظارة خاصة طورت بواسطة مركز طب الطيران لديهم (Flight Goggles Glasses F.G. 58) , وهي ذات لون رمادي طبيعي معتم للضوء بدرجة ثابتة ولها فعالية عالية في حجب الأشعة الضارة, ويلبسها الطيار أثناء الطيران أو على الأرض, كما أن هذه القوات الجوية صممت خوذات خاصة ركبت عليها هذه العدسات وتميّز بها طيارو المقاتلات الأميركية.
● ساعات الطيارين:
تخصص بعض شركات صناعة الساعات طرازات خاصة يستعملها أصحاب المهن الخاصة مثل الغوص والطيران. وساعات الطيران الحديثة تساعدهم كثيراً وتعطيهم معلومات هامة يحتاجون إليها, فهي تحدد لهم الإتجاه والإرتفاع والسرعة وتتوفر بصورة رقمية أو مؤشرات عادية (Analogue Or Digital Display) وهناك تصميمات تجمع بين النوعين وتتحمل الصدمات والتسارعات وقوى الجاذبية والمغنطة وضغط المياه حتى عمق 100 متر. كما تحتوي على ساعة ايقاف عادية
(StopWatch)وامكانية العد العكسي Counter Down Timer))وتعمل بنظام الكرونوغراف Chronograph))وغلافها من التيتانيوم المقاوم. وإضافة الى ذلك, فهي سهلة القراءة وأرقامها كبيرة وبدرجة تباين عالية خاصة أثناء الليل. وهناك شركات عالمية تخصصت في مثل هذه الأنواع وتنتجها منذ أكثر من 50 سنة.
● أدوات الأغراض الشخصية العامة:
إضافة الى الأدوات الشخصية السابق ذكرها, هناك مجموعة أخرى يستعملها الطيارون وتحرص وحداتهم على تجهيزهم بها, وهي على الرغم من بساطتها, تؤثر بصورة أساسية في نجاتهم. فتواجد صفيحة الهوية المعدنية تتيح لمن يجد الطيار أن يتعرف عليه إذا ما كان فاقداً للوعي أو مصاباً إصابات خطيرة. كما أن تواجد مبالغ مالية مناسبة من عملات الدول التي يطير فوقها يؤمن له توفير بعض المواد التي يحتاجها أو لإغراء من يجده على المحافظة عليه لمكافأته في حالة عثور وحدته عليه بمبلغ أكبر. وتواجد كيس صغير فيه وجبة خاصة يضمن له الحصول على سعرات حرارية يحتاجها لحين العثور عليه بواسطة فرق البحث والإنقاذ, وأدوات الإسعاف الأولية وحقن المواد المضادة للتلوث وكيس صغير يحتوي على رداء واق خفيف للتلوث الكيميائي, كلها أدوات بسيطة ولكنها قد تمنحه الحياة, وحتى الأحذية الخاصة بالطيارين فهي ذات نوعية خاصة ولا تضغط على أقدام الطيار أو أصابعه ولا تسبب إنحباساً للدم في أجزاء منها, وتتكامل مع بزات الطيران في توفير الضغط المناسب حول جسم الطيار.
إن الطيار يعتبره جميع المتعاملين في مجال الطيران العنصر البشري الثمين في الطائرة, ما يفرض على مصمميها ضرورة الإهتمام بالتجهيزات والمعدات التي تساعده في أداء مهامه وتضمن سلامته وتقوم بإنقاذه عند تداعي الطائرة, وعندما يشمل ذلك أدواته الشخصية باعتبارها أدوات مهنية, ويجعلها تلقى نصيبها من العناية في التحديث والتطوير, فإنه لا بد وأن ينعكس ذلك إيجاباً على الطيارين بتفانيهم في أداء واجباتهم ورفع مستواهم لخدمة قواتهم الجوية التي تذود عن أوطانهم.
المراجع
● أعداد متفرقة من إصدارات منظمة الطيران المدني الدولية “إيكاو”.
● Internet.data.net