عمليات القوات الخاصة في المفهوم الاميركي
الحرب اللاتناسقية (IW) مفهوم سلطت عليه الاضواء في الفكر العسكري المعاصر،
وهو ينطوي على نظرة لطالما شكلت اساس بناء القوات الخاصة الاميركية.
لقد اسس الكونغرس قيادة القوات الخاصة الاميركية (USSOCOM) منذ اكثر من ٢٢
سنة، وهي من القيادات الاساسية في القوات المسلحة، وتتولى ١٠ سلطات عسكرية
ضمن رئاسات اركان القوات المسلحة توفير مواردها. ان قوات العمليات الخاصة
يعتمد عليها وهي جاهزة للتدخل الفوري في مواجهة اي تهديدات للامة الاميركية
ولمصالحها الحيوية.ومنذ هجمات ايلول الاسود وابان ثماني سنوات في الحرب الطويلة الامد ضد
الارهاب باتت قيادة العمليات الخاصة الاميركية (USSOCOM)، اكثر القيادات
الاميركية النشطة عالميا والمسلطة عليها الاضواء استراتيجيا. تعزز هذه
القيادة عمل القوات الاميركية وتساعد على تطوير وحدات من القوات الخاصة في
الجيوش الحليفة والدول الصديقة. وبوصفها قيادة مقاتلة تنسق "USSOCOM" وتخطط
عملياتها مع وزارة الدفاع الاميركية في مواجهة التنظيمات المتطرفة
والمتشددة. وتلك القيادة مستعدة دوما لاستخدام قوات العمليات الخاصة في اي
مكان في العالم حسب توجيهات رئيس الولايات المتحدة او وزير الدفاع. وبصورة
مختصرة ابان خوض حروب الولايات المتحدة الاميركية، تقرر قيادة
"USSOCOM"كيفية تحضير قوات العمليات الخاصة وتوصي بمكان وزمان وطريقة
استخدامها بالتعاون مع قوات تقليدية اخرى لدعم السياسة الدفاعية الاميركية.
وقد ادى الالتزام العملاني للقوات الاميركية على المستوى العالمي في زيادة
الطلب على قوات العمليات الخاصة.
تعرف قوات SOF قوات العمليات الخاصة على نطاق واسع بأنها قوات المهام
الصعبة وداعمة الامن الوطني الاميركي، تنجح حيث يخفق الآخرون في حل الازمات
بالتعاون والعمل الوثيق مع الآخرين ومن خلالهم كما تحرص على عدم تعريض
حياة الاميركيين الآمنين للخطر. هناك بعض الحقائق في هذا المفهوم الا انه
مبالغ فيه بعض الشيء وذلك لامرين اولا لان قوات "SOF" بطبيعة تكوينها
محدودة العدد، ولا تستطيع التواجد على مسارح العمليات كافة في الخارج
كالقوات المسلحة التقليدية. وثانيا عدا القدرة على العمل مع قوات مسلحة
لبلدان صديقة او ميليشيات لقبائل موالية، تتطلب نزاعات اليوم من القوات
الخاصة مهارات متنوعة ضرورية تتلاءم وطبيعة عملها كما تسمح لها بالاندماج
ضمن القوات المسلحة المولجة الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وشركائها حول
العالم.
الحرب والبيئة المعاصرة وتطور مفهوم السيادة
سيطرت الحروب الاهلية والنزاعات المذهبية والتنافس بين الشعوب والدول
على مر العصور والتاريخ ورغم استخدام كلمة "الحرب اللاتناسقية" على نطاق
واسع مؤخرا فهي لا تستقيم سوى حين تجري مقارنتها بالحروب التقليدية بين
دولة واخرى كالتي حصلت في القرن الماضي، وتلاها ٤٠ سنة من الحرب الباردة
بين الشرق والغرب، هنا يظهر الفارق بين الحرب التقليدية واللاتناسقية. ان
المفهوم التاريخي لكلمة "حرب"، هي النزاع بين الشعوب النابع من أثنيات
"Ethnics" اجتماعية متنافسة ذات موارد شحيحة نسبيا. هذا، وتساعد دراسة
معمقة للبيئة المعاصرة على فهم الطلب المتزايد على قوات العمليات الخاصة،
ولماذا ينبغي ان تتجه القوات المسلحة الاميركية برمتها نحو الدفاع عن
التراب الوطني.
يتطلب تحديد معالم البيئة المعاصرة الحالية معطيات دقيقة عن العالم
المعقد الذي نعيش فيه. فمثلا يبلغ تعداد الولايات المتحدة الاميركية نحو
٣٠٧ ملايين نسمة اي اقل من ٥ في المائة من مجموع سكان العالم مما يعني ان
الاحداث الكبيرة المصيرية سوف تقع في بقية انحاء العالم حيث غالبية السكان
العظمى سواء ارادت الولايات المتحدة ذلك او لم ترده.
لم تعد كلمة "السيادة" في عصرنا الحالي تعني بلدا حرا له قدرة الدفاع
عن سيادته كما كان عليه الحال ابان ال ١٠٠٠ عام الماضية من التاريخ الحديث،
فلو عرّفنا اليوم السيادة على انها بلدا مصانة حدوده بسواعد ابنائه، فكيف
يمكن صيانة السيادة الثقافية، والاقتصادية والاعلامية؟ وهل يمكن الدفاع
عنها وصونها؟
بالاضافة خلفت "العالمية" "Globalisation" التي نعيشها توترات في صفوف
البلدان النامية وبلدان العالم الثالث، مما ادى الى عدم استقرار اقليمي
وتوترات سياسية على مستوى العالم.
ان النظرة الجديدة الى السيادة هي انها في الواقع غير محددة بحدود
جغرافية، ولكن اتجاهات الشعوب فالجريمة، والنزوح، والتطرف والتنافس على
إمتلاك الموارد كلها امور قد تدفع الشعوب نحو اختلاق النزاعات التي قد تصل
الى حد الحروب. وبنتيجة "العالمية" السائدة حاليا لم تعد كلمة سيادة تعني
ابدا ما كانت تعنيه في الماضي اي شعب مستقل قادر على الدفاع عن ارضه.
ان انماط الحروب المعروفة تقليديا بحروب اخماد الثورات او غير
التقليدية، كلها توضع حاليا تحت مظلة الحروب "اللاتناسقية" او الحروب
"الهجينية" في محاولات لشرح معنى تلك العمليات العسكرية بشكل افضل في
البيئة "العالمية" الجديدة. وانه لمن السذاجة بمكان اعتبار الحرب مشكلة
مؤقتة يمكن حلها بالعمليات العسكرية الناجحة. لانه في العديد من انحاء
العالم حيث النزاعات قائمة هذا ليس هو الحال. كتب وزير الدفاع الاميركي في
هذا الخصوص يقول: "ما يعرف بالحرب على الارهاب هو في الواقع تمديد لحرب في
كل انحاء العالم تشن بمفهوم عمليات لاتناسقية وهي حرب بين من هم شديدو
التطرف والمعتدلون".
وبغض النظر عن كيفية تعريف حروب المتشددين والارهابيين فلها قاسم
مشترك، وهو ان من يشنوها لن يواجهوا القوات العسكرية للولايات المتحدة
الاميركية بشكل مباشر. مما يعني ان الولايات المتحدة سوف تتعرض لهجمات في
عقر دارها كما حصل في ايلول الاسود بطرق قد تفاجىء حيطة ويقظة قواتها
العسكرية. ومن جهة اخرى من الواضح انه لا يمكن الاعتماد على الحشود
العسكرية لتوفير الحلول في حال النزاعات السياسية، اذ ان مجرد وجود الحشود
العسكرية دون ارادة الشعوب، سوف يحمل في طياته بالتأكيد مفهوم الاحتلال.
وبالتالي يصبح من المؤكد ان التورط في مثل هذه النزاعات يتطلب الالتزام
مسبقا بالاستعداد الطويل الامد قبل ان يبدأ القتال. ومهما كانت قدرة
الولايات المتحدة في مواجهة الاخطار بسرعة فائقة، تبقى الطريقة الوحيدة
للتخلص من عدو غير تقليدي او تحييده بالانتصار عليه قبل ان يبدأ القتال.
وينبغي على الدولة المستهدفة من قبل الارهابيين، الحصول على اجماع شعبها
للتخلص من اعدائها وازالة الظروف التي تثير وتعزز تصرفاتهم العدائية.
ويقول وزير الدفاع الاميركي: "ان الحرب اللاتناسقية هي: "صراع عنيف بين
الدولة ومجموعات من الافراد تريد الحصول على النفوذ والتأثير على الشعوب
المعنية". ويضيف الوزير: "تصبح الحرب اللاتناسقية سياسية في هدفها ومحلية
في طبيعتها. وهنا ينبغي التركيز على مساعدة الشعوب لعيش كريم افضل وليس
الاستيلاء على مساحات الارض او السيطرة المادية".
وهذه اشارة واضحة لكيفية خوض الحروب اللاتناسقية ونوعية القوات التي تخوضها.
قيادة العمليات الخاصة ونشاطاتها
انشأت قيادة العمليات الخاصة الاميركية في الثلث الاول من العام ١٩٨٧
في قاعدة MacDill لسلاح الجو في فلوريدا. اسست وزارة الدفاع الاميركية
القيادة الموحدة الجديدة لتنفيذ توصية الكونغرس باعادة تنظيم وزارة الدفاع
في العام ١٩٨٦. وقد طلب الكونغرس آنذاك انشاء قيادة جديدة مهمتها تحضير
قوات العمليات الخاصة وتجهيزها لتتولى القيام بالمهام الموكلة اليها،
بالاضافة الى وضع خطط العمليات الخاصة وتنفيذها، الى جانب تطوير التدريب
ومراقبة الجهوزية، واعطى الكونغرس تلك القيادة ميزانيتها الخاصة على اساس
انها قوة رئيسية تستمد نفقاتها من وزارة الدفاع مباشرة. وبالاضافة بات
لقيادة العمليات الخاصة القدرة على تطوير وشراء نظمها الخاصة ومعداتها
والحصول على الخدمات اللازمة لعملياتها.
تضم قيادة العمليات الخاصة الاميركية USSOCOM حاليا ٥٤٠٠٠ رجل مسحوبة
من قوات الاحتياط، ومن الحرس الوطني، والبحرية، والطيران، وجنود من مشاة
البحرية، مع مدنيين يعملون في مختلف مراكز قيادات القوات الخاصة الموزعة
ضمن كل فروع القوات المسلحة الاميركية الاربعة.
اما قيادة العمليات الخاصة المشتركة فتتولى تحضير،
وتجهيز، ونشر قوات الوحدات الخاصة للقيام بالنشاطات التالية.
- العمليات المباشرة: تنفيذ عمليات الاستيلاء او التدمير او الاسر او
استعادة افراد او معدات في فترات وجيزة الى جانب القيام بعمليات هجومية في
مناطق محرمة.
- عمليات الاستكشاف الخاصة: للحصول على معلومات تتعلق بقدرات،
ونوايا ونشاطات العدو.
- شن حرب لا تناسقية: من خلال عمليات تستهدف قوات معادية منظمة،
ومجهزة، وموجهة ومدعومة من قوى خارجية.
- دعم الدفاع الداخلي للدول الاجنبية: توفير الدعم وسائر اوجه المساندة
للحكومات الاجنبية الحليفة وقواتها المسلحة لتتمكن من تدعيم وتفعيل امنها
القومي .
- عمليات تتعلق بالشأن المدني: وضع أسس العلاقات مع الدول التي تعمل
فوق ارضها او الحفاظ عليها ان وجدت او التأثير عليها ايجابا ودعم العلاقات
بين السلطات المدنية والقوات التقليدية الاميركية والشعب في مناطق النزاع
لتسهيل العمليات العسكرية الاميركية.
- مكافحة الارهاب: منع او ردع الارهاب ثم الرد عليه اذا ما قام بهجمات، بعمليات مناسبة.
- نشاطات سيكولوجية: توفير معلومات حقيقية ليس فيها غش او خداع ابان
المؤتمرات الصحافية مما يؤثر ايجابا على تصرف الشعب تجاه العمليات العسكرية
الاميركية الخاصة.
- عمليات تقصّي المعلومات والتشويش على العدو: تحقيق التفوق في هذا
الاطار بالتشويش على معلومات العدو وبثه اللاسكي بنوع خاص يعزز الفعالية
القتالية ويحمي نظم الاتصالات وبث المعلومات العائدة للولايات المتحدة
والبلدان الحليفة.
- الحرص على منع انتشار اسلحة الدمار الشامل: اما بتحديد مكانها، او الاستيلاء عليها،
او تدميرها، او استعادتها، او ابطال مفعولها.
- مساعدة قوات الامن: تعزيز ودعم قوات الامن في الدولة المضيفة او قوات
الامن التابعة للحكومة الشرعية المحلية في المنطقة من خلال العمل المشترك
مع الحكومات او وزارات الدفاع او المنظمات الدولية.
- عمليات مواجهة الانقلابات: دحر الانقلابات من خلال الاجراءات
العسكرية او شبه العسكرية او السياسية او الاقتصادية او السيكولوجية او من
خلال الاجراءات المدنية. هذا الى جانب قيام قوات العمليات الخاصة بمهام
يحددها رئيس البلاد او وزير الدفاع.
ان المروحة الواسعة في التنوع لعمليات القوات الخاصة سواء أكانت تلك
التي أجريت على مر التاريخ ام تلك المحددة فرضيا في هذا المقال وهي تعني
تحديات جدية لوحدات العمليات الخاصة وما ينبغي ان تكون عليه تلك القوات من
جهوزية وفعالية وتدريب حتى تتمكن من انجاز هذا الطيف الواسع من المهام.
وطبقا لمفهوم العقيدة المشتركة تتم العمليات الخاصة لتحقيق اهداف
عسكرية او سياسية او دولية او اقتصادية باستخدام قدرات عسكرية لا تلائم
بشكل عام القوات التقليدية يعني ذلك، ان العمليات الخاصة تدخل ضمن مجموعة
العمليات العسكرية ولكنها تختلف عنها بحجم ودرجة المجازفة العددية
والسياسية، وبتقنية العمليات، وطريقة استخدام العتاد والنظم، وتتميز
باستقلالها عن دعم القوات الصديقة، كما انها تعتمد على الذكاء العملاني
للافراد والمعدات المتطورة. يتم تنظيم وتجهيز وتدريب ونشر القوات الخاصة
(SOF) من خلال قيادة العمليات الخاصة الاميركية لتلبي المتطلبات المحددة
لقادة القوات في المناطق البعيدة عن الولايات المتحدة حول العالم. وان
الجزء الاساسي من مهمة تلك القيادة هي توفير قوات عمليات خاصة قادرة على
حماية الولايات المتحدة ومصالحها. ان قيادة (USSOCOM) تعتبر مصدر توفير قوة
يعتمد عليها مثل قيادة الجيش او الطيران او غيرها. اما الجزء الاساسي من
مهمة قيادة (USSOCOM) فهو تنسيق وتخطيط العمليات على المستوى العالمي
لمواجهة الشبكات الارهابية الدولية. وتوكل الى قيادة (USSOCOM) مسؤولية
تنسيق وتخطيط عمليات القوات الخاصة على المستوى العالمي في مواجهة الشبكات
الارهابية بالتنسيق مع قيادات اخرى، مثل قيادات افرع القوات المسلحة
الاميركية كافة، والوكالات الحكومية الاميركية. كما تقوم هذه القيادة ايضا
بالتدقيق في خطط العمليات ثم تراجعها وتنسقها وتحدد الاولويات من بينها
وترفع توصياتها الى القيادة المشتركة ووزير الدفاع حول كيفية تعيين الموارد
اللازمة لتلبية الطلب الدائم والمتزايد على عمليات القوات الخاصة حول
العالم. وباختصار فان جهد التنظيم مع القيادات الاخرى ينصب على كيفية
استخدام قدرات القيادات الاخرى وخبراتها لتطوير قدرات وزارة الدفاع
الاميركية للقيام بالحملة على الارهاب من خلال القوات الخاصة.
ومن الخطأ الشائع القول بأن قيادة (USSOCOM) تخطط لعمليات القوات
الخاصة وتنفذها على مستوى العالم. انما في الواقع، نادرا ما يحصل ذلك،
فقيادة (USSOCOM) لا تنسق او تقود عمليات معينة للقوات الخاصة فذلك من مهام
قادة العمليات في مسرح القتال. فهم الذين يمارسون سلطة توزيع قوات
العمليات الخاصة التي تحت امرتهم. فمثلا في افغانستان يحرص القادة
الميدانيون على استمرارية الجهود المتواصلة للتنسيق بين قيادات القوات
الخاصة المنتشرة في هذا البلد. وتجدر الاشارة الى ان طبيعة قتال القوات
القبلية هناك ووعورة الارض وتواتر العمليات لا يتلاءم مع خطط ووسائط الحرب
التقليدية.
وباختصار تقوم قيادة (USSOCOM) بانشاء قوات (SOF) ثم تدرس وتوصي
بالاماكن والظروف التي ينبغي استخدام هذه القوات فيها، وتحدد اولوية
المعدات والنظم المستخدمة وكل ذلك بعد دراسة متأنية لطبيعة التهديد وتحديد
افضل طريقة للاشتباك به. ثم تتسلم القيادات الميدانية هذه القوات بكامل
تجهيزاتها وعتادها وتستخدمها قتاليا بالطرق التقليدية او من خلال عمليات
الحرب اللاتناسقية.
قدرات الحرب اللاتناسقية والطاقات البشرية
ان القيام بعمليات غير مباشرة لاكتساب مزايا الحرب غير التقليدية على
الاعداء، ليس جديدا على القوات الخاصة، فالحرب الغير التقليدية ومواجهة
الارهاب، والثورات، والتململ المدني، والعمليات النفسية وتعزيز الدفاع
الداخلي للبلدان الخارجية كلها نشاطات اساسية تدخل ضمن عمليات القوات
الخاصة. هذا وتتعاون قوات العمليات الخاصة مع القوات المسلحة التقليدية من
خلال وزارة الدفاع في حال ظهور بوادر حرب لاتناسقية في الافق. وفي هذه
الحالة ينبغي على القوات على الارض فهم احاسيس شعوب الدول التي تنفذ
العمليات على ارضها وليس التركيز على احتلال الارض فحسب.
كما يفترض التنسيقبين عمليات القوات الخاصة والقوات التقليدية،
وعدم الاكتفاء بالعمل على الا تتضارب تلك العمليات،
بل ايضا وضع آليات عمل تجعل عمليات الحرب
اللاتناسقية تنسجم مع نشاطات وزارة الدفاع ومع الجهود الدبلوماسية التي
يبذلها شركاء الولايات المتحدة لدعم مصالح هذه الاخيرة والدول الشركاء معها.
وهنا تبرز مسؤولية قيادة (USSOCOM) في التأكد من ان قوات (SOF) ممتازة
التدريب والتجهيز ومنتشرة في الاماكن والاوقات المناسبة لتقوم بالمهام
الصحيحة من خلال عمليات فتاكة او غير فتاكة يجرونها في بيئات معقدة وغير
مألوفة لديهم.
وباختصار تتطلب العمليات الخاصة تدريبا ذهنيا مكثفا يرتكز اساسا على
الذكاء المتقد للافراد، ولياقتهم البدنية وقدرتهم على ردات الفعل المدروسة
والتوقع بدقة لمدى تأثير العمليات على الخصم، فيتخذون قراراتهم، وكيفية
توجيه ضرباتهم لاحقا خصوصا في اطار عمليات محدودة في مناطق صغيرة نسبيا.
ان تعقيد البيئة الاستراتيجية الراهنة تفرض ان يتحلى افراد القوات
الخاصة (SOF) بأعلى مستويات الخبرة القتالية مع مستوى ثقافي عال فضلا عن
مهارات دبلوماسية. ومن هنا تبرز اهمية العامل البشري الملائم لهذه القوات
فهو اهم من السلاح والعتاد وبالتالي فالنوعية اهم في هذا الاطار من الكمية،
فما فائدة السلاح دون الافراد الملائمين لتشغيله. ولا ننسى اخيرا اهمية
المهارات اللغوية لافراد (SOF) الذين سوف يضطرون الى اقامة علاقات انسانية
مع قوات وشعوب اجنبية من خلال اللغات طبعا.
موارد الحرب اللاتناسقية
لا يمكن تعزيز القوات الخاصة اكثر من ٣ الى ٥ بالمائة سنويا، فهذه
القوات القليلة نسبيا يتوجب ان تدرب وتطور وتجهز ضمن التكوينات التنظيمية
والتدريبية المحدودة لقوات (SOF)، ولكن النمو على هذا النحو، لا يكفي
الحاجة المتنامية لقوات SOF في شتى مسارح العمليات حول العالم. أما الحل
خارج منشآت التدريب والتجهيز الخاصة ب (SOF) فيكون بتعزيز تلك القوات من
خلال تطوير قدرات عسكرية ضمن فروع القوات المسلحة التقليدية تستخدم لدعم
القوات الخاصة مباشرة. اما القدرات المفروض تطويرها وتقديمها للقوات الخاصة
فتشمل مجالات الحركية والاستشعار الجوي، والخدمات الطبية في الميدان،
والخدمات اللوجستية خصوصاً في المناطق البعيدة، والتخطيط الهندسي،
والانشاءات، والاستخبار، ومتخصصون في بيئات وشعوب المناطق التي تعمل فيها
قوات (SOF).
هذا، بالاضافة الى مترجمين، وخبراء اتصالات، وفرق من ال*** المدربة
لإكتشاف الممنوعات والمصابين والقتلي، واخصائيين في الدعم الجوي القريب،
وقوات أمن وغيرهم مما يسمح لقوات (SOF) في التركيز بشكل افضل على مهامها
الأساسية. ولهذه التعزيزات على مستوى الوحدة او الفصيل بعيداً عن المراكز
الرئيسية لقوات (SOF) تأثيراً مباشراً في دعم وحدات SOF في المناطق التي
تعمل فيها خارج الوطن.
وينبغي على جميع فروع القوات المسلحة والمتعهدين العاملين معها ان
يوفروا حاجات القوات الخاصة في اسرع وقت ممكن ولكن ليس أبعد من اسبوعين بعد
دخولها الى مناطق عملياتها البعيدة.
وبالاضافة الى ميزانية القوات الخاصة (SOF) الأساسية لرفع مستوى
جهوزيتها الى الحد الأقصى، ينبغي الاستثمار سريعاً من مجالي أحدث
التكنولوجيا والحلول الناجزة لجهة تطوير المعدات والنظم القتالية والتدريب.
كما يجب ان تؤدي سياسة الانفاق والتخطيط الى توقع الاحتياجات المستقبلية
لتلك القوات. ولأن ميزانية قوات SOF المحدودة موجهة خصوصاً لشراء المعدات
الخاصة بتلك القوات وتطويرها فان قيادة (USSOCOM) تعتمد بدرجة كبيرة على
برامج الشراء العائدة للقوات المسلحة بشكل عام لتلبية مطالب (SOF) من مختلف
المعدات والنظم القتالية.
الالتزام بالنجاح
المشاكل التي على القوات الخاصة (SOF) ووزارة الدفاع الاميركية
الاستعداد لمواجهتها منشأها عدم قدرة بعض الدول على التعامل مع تحديات
بالغة التعقيد او الاستجابة الى احتياجات وتطلعات شعوبها. تتفاقم حدة هذه
التحديات بتزايد عدد المعارضين لسياسة الدولة من ذوي الاهداف الاستراتيجية
المغايرة لسياسة الحكم. وفي عالم مترابط تسوده شبكات الاتصالات والانترنت.
تتفشى هذه التحديات وتنتشر بسرعة.
ورمن خلال "الفراغ" الذي تخلقه الحكومات الضعيفة او الفاشلة، يتزايد
نفوذ المعارضين على الشعوب البسيطة اما بتلبية حاجاتهم الأساسية او رفع
الظلم عنهم، وفي العديد من الحالات باخافتهم واحياناً اخضاعهم بصورة وحشية.
وحين تفشل الحكومات في تلبية مطالب شعوبها سوف تحصد الكراهية وتتجه الشعوب
نحو خيارات تلبي حاجاتها الفورية للبقاء. وفي أفضل السيناريوهات قد تتحول
الشعوب نحو مؤسسات خيرية غير حكومية، او تنخرط في مجموعات دينية متسامحة،
او مؤسسات تقليدية او دينية محلية، او قد تنخرط في صفوف الارهابيين، او
المنظمات الاجرامية التي تمولها وتساندها دول ديكتاتورية معارضة للأنظمة
الديمقراطية. ومن المعلوم ان نفوذ مجموعات ارهابية كالقاعدة وطالبان وحماس
وحركة تحرير دلتا النيجر وغيرها، يتنامى بسرعة وفي بعض الحالات يستقطب
خيارات الشعوب التي تخفق حكوماتها في تلبية متطلباتها ورفع الظلم عنها. اما
الرد على هذه التحديات فيتطلب عمل طويل الأمد للمؤسسات الحكومية المتخصصة
للدول الديمقراطية الفنية كالادارة الأميركية وسائر مؤسساتها كالمنظمة
الأميركية للتنمية الاقتصادية للدول الفقيرة. وهكذا يتم تعزيز ودعم مصداقية
واحترام الحكومات الشرعية لهذه الدول لدى شعوبها.
والى جانب التغييرات المطلوبة السالفة الذكر ينبغي ان يتم تغيير كيفية
تنظيم وتدريب القوات العسكرية الاميركية وعلى الجميع الاستثمار في تعزيز
قدرات الحرب اللاتناسقية وتشجيع الافراد اللامعين في هذا المضمار، على
المضي في عطائهم. ولكن للأسف هذا الاستثمار لم يعد له وجود منذ زمن بعيد.
ولاستعادة المبادرة يجب حسب رأي الخبراء ارسال اعداد من العاملين في القوات
المسلحة للعيش في البلدان الخارجية التي قد ينطلق منها الارهاب، لفترات
طويلة من الزمن بهدف صقل مهاراتهم التخصصية. وبفضلهم تكتسب الولايات
المتحدة ثقة هذه الشعوب ومصداقيتها وحين تؤمن بها وبشركائها الشعوب، تقاتل
الى جانبها وتهزم الارهاب.
وللتخصصات الاكاديمية اهميتها الكبيرة في رفع فعالية افراد القوات
الخاصة فعلم "Anthropology" وهو البحث في الجنس البشري وتطوره وأعرافه
وعاداته ومعتقداته مثلاً، في اهم هذه التخصصات التي تساعد افراد القوات
الخاصة على العيش مع الشعوب الأخرى، وكسب ثقتها والتعامل الفعال معها.
وهكذا بفضل ثقافتها تصبح القوات الخاصة ليست معدة للقتال فحسب بل لمساعدة
الدول في تثبيت حكوماتها والحفاظ على استقرارها. الى ذلك فخبرة المقيمين من
القوات الخاصة في الدول المعنية تمكنهم من مواجهة اي سيناريوات امنية
طارئة قد تفاجئها. من هنا يتضح ان كل تلك المزايا ينبغي ان تتحلى بها كل من
القوات الخاصة والقسم الأكبر من أفراد المؤسسة العسكرية الأميركية التي
يدخل في صميم عملها توفير مروحة واسعة من سيناريوات القدرات العسكرية مع
الحد الأوفر لأوسع طيف ممكن من النزاعات المحتملة.
ان المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة وأهمها الارهاب، هي اكبر من
وزارة الدفاع الأميركية منفردة. التطلب يشمل الدولة الأميركية بل ويتخطاها
الى النطاق العالمي. وعلى الولايات المتحدة ان تمتلك القدرة على العمل مع
ومن خلال الآخرين في السعي المتواصل لقطف ثمار الحملة العالمية على الارهاب
حتى لو كان ذلك في غاية التقصير. ولتحقيق هذه الغاية يقتضي الأمر اكثر من
جعل الولايات المتحدة دولة يحتذى بها لجهة التمسك بالديمقراطية واحترام
الشعوب الأخرى لأن الكلمات والأفعال وحدها غير كافية لتبرير وجود القوات
الاميركية في بلدان بعيدة لفترات طويلة. ولذلك على افراد القوات المنتشرة
خارج الولايات المتحدة ان تعيش كما يعيش الوطنيون في بلادهم وان يتفهموا
ويتجاوبوا مع اهتمامات السكان الأصليين ومخاوفهم. وذلك اذا اردنا ان يقبل
الآخرون مساعدتنا لحل ازماتهم. وذلك يتطلب من القوات الاميركية حيث هي
منتشرة الحكمة والمثابرة وطول البال علماً أن مثل هذه المقاربة للنجاح في
مساعدة الآخرين لطالما كانت في قلب اهتمامات القوات الخاصة الأميركية
وينبغي ان تبقى حجر الزاوية لدعم قدرات عسكريينا مستقبلاً. لأن انتصارات
الغوسوف تترجم بنجاح الآخرين من نبذ الارهاب واكتساب الأمن والاستقرار،
بينما فشلهم فسوف يعني بالتأكيد فشلنا الذريع والقرار في الحالتين لنا
وينبغي اتخاذه فوراً.
المصدر
مجلة الدفاع العربي .