الصراع على الشرق الأوسط: الغاز أولاً
لم يكن استهداف سورية بعيداً من الصراع على الغاز في العالم والشرق الأوسط.
ففي وقت بدا فيه أن ثمة تداعٍ في دول اليورو وسط أزمة اقتصادية أمريكية بالغة الدقة أوصلت أمريكا إلى حجم دين عام مقداره 14.94 تريليون دولار، أي بنسبة 99.6% من الناتج الإجمالي في وقت وصل فيه النفوذ الأمريكي إلى حد ضعيف جداً في مواجهة قوى صاعدة كالصين والهند والبرازيل بات واضحاً أن البحث عن مكمن القوة لم يعد في الترسانات العسكرية النووية وغير النووية، إنما هناك ... حيث توجد الطاقة. وهنا بدأ الصراع الروسي – الأمريكي يتجلى في أبرز عناصره.
لقد تلمس الروس بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أن الصراع على التسلح قد أنهكهم وسط غياب عن عوالم الطاقة الضرورية لأي دولة صناعية، فيما كان الأمريكيون يتحركون في مناطق النفط عبر عدة عقود مكنتهم من النمو ومن السيطرة على القرار السياسي الدولي بلا منازعات كبيرة. ولهذا تحرك الروس باتجاه مكامن الطاقة (النفط والغاز). وعلى اعتبار أن القسمة الدولية لا تحتمل المنافسة في قطاعات النفط كثيراً، عملت موسكو على السعي إلى ما يشبه (احتكار) الغاز في مناطق إنتاجها أو نقلها وتسويقها على نطاق واسع.
كانت البداية عام 1995 حين رسم بوتين استراتيجية شركة غاز بروم لتتحرك في نطاق وجود الغاز من روسيا فأذربيجان فتركمانستان فإيران (للتسويق) وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط (مؤخراً)، وكان من المؤكد أن مشروعي السيل الشمالي والسيل الجنوبي سيكونان وسام الاستحقاق التاريخي على صدر فلاديمير بوتين من أجل عودة روسيا إلى المسرح العالمي ومن أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه ولكن بأولوية أكبر لصالح الأول. وهنا كان على واشنطن أن تسارع إلى تصميم مشروعها الموازي (نابوكو) لينافس المشروع الروسي على قسمة دولية على أساسها سيتعين القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً.
يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
واضح أن روسيا قد قرأت الخارطة وتعلمت الدرس جيداً فسقوط الاتحاد السوفياتي كان بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته، لتضخ إلى البنى الصناعية المال والطاقة، وبالتالي البقاء. ولذلك تعلمت أن لغة الطاقة القادمة إلى القرن الواحد والعشرين على الأقل هي لغة الغاز.
بقراءة أولية لخارطة الغاز نراها تتموضع في المناطق التالية من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك:
1. روسيا، انطلاقاً من فيبورغ (Vyborg) وبيري غوفيا (Beregovya).
2. الملحق الروسي: تركمانستان.
3. المحيط الروسي القريب والأبعد: أذربيجان وإيران.
4. المقنوص من روسيا: جورجيا.
5. منطقة شرق المتوسط (سورية ولبنان).
6. قطر ومصر.
على هذا سارعت موسكو للعمل على خطين استراتيجيين الأول التأسيس لقرن روسي – صيني (شنغهايي) يقوم على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي من ناحية والسيطرة على منابع الغاز من ناحية أخرى.
وبناء عليه، فقد أسست لمشروعين أولهما هو مشروع السيل الجنوبي وثانيهما هو مشروع السيل الشمالي وذلك في مواجهة مشروع أمريكي لاقتناص غاز البحر الأسود وغاز أذربيجان؛ وهو مشروع نابوكو.
سباق استراتيجي بين مشروعين للسيطرة على أوروبا من ناحية وعلى مصادر الغاز من ناحية أخرى:
• المشروع الأمريكي نابوكو: ومركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه فيما موقعه المخزِّن هو (تركيا) ومساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفانيا فإيطاليا. وكان من المقرر أن يمر باليونان، إلا أنه تم غض الطرف عن هذا كرمى لتركيا.
• المشروع الروسي في شقيه الشمالي والجنوبي والذي يقطع الطريق عبر التالي:
أ- السيل الشمالي: وينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة ومن فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق دون المرور ببيلاروسيا، وهو ما خفف الضغط الأمريكي عليها.
ب- السل الجنوبي: ويمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا ويتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.
المفروض أن مشروع نابوكو كان من المقرر أن يسابق المشروعين الروسيين إلا أن الأوضاع التقنية قد أخرت المشروع إلى عام 2017 بعد أن كان مقرراً عام 2014، مما جعل السباق محسوماً لصالح روسيا، في هذه المرحلة بالذات، ما يستدعي البحث عن مناطق دعم رديفة لكل من المشروعين وتتمثل في:
1) الغاز الإيراني الذي تصر الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ليمر في خط مواز لغاز جورجيا (وإن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في أرضروم (Erzurum) في تركيا.
2) غاز منطقة شرق المتوسط (إسرائيل ولبنان وسورية).
وبالقرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في شهر تموز/يوليو 2011 تصبح سورية هي بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني، وهو فضاء استراتيجي – طاقي يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان. وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح بها لسنين طويلة خلت؛ الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة وبروز دور لفرنسا التي تعتبر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية ومصالح لا تموت، وهو دور ينسجم مع طبيعة الغياب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية ما يعني أن فرنسا تريد أن يكون لها دور في عالم (الغاز) حيث اقتطعت لنفسها بوليصة تأمين صحي بخصوصه في ليبيا وتريد بوليصة تأمين على الحياة به في كل من سورية ولبنان.
في هذا الوقت تشعر تركيا أنها ستضيع في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع نابوكو متأخر ومشروعا السيل الشمالي والسيل الجنوبي يستبعدانها وفيما غاز شرق المتوسط قد بات بعيداً من نفوذ نابوكو وبالتالي تركيا.
تاريخ اللعبة:
من أجل مشروع السيل الشمالي والسيل الجنوبي أسست موسكو شركة غازبروم في أوائل النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين. واللافت أن ألمانيا التي تريد أن تخلع عنها أسوار ما بعد الحرب العالمية الثانية قد هيأت نفسها لتكون طرفاً وشريكاً لهذا المشروع، إن من حيث التأسيس أو من حيث مآل الأنبوب الشمالي أو من حيث مخازن السيل الجنوبي التي تقع في المحيط الجرماني وتحديداً النمسا.
المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم الكسي ميلر في مؤتمر صحافي حول مشروع شركة جازبروم
غازبروم:
تأسست شركة غازبروم بالتعاون مع صديق ألماني لموسكو يدعى (هانز جوشيم غوينغ) الذي شغل منصب نائب رئيس سابق لشركة صناعة الغاز والنفط الألماني وهو الذي أشرف على بناء شبكة خطوط الأنابيب التابعة لشركة (GDR). وقد ترأس غازبروم (حتى شهر تشرين الأول/أوكتوبر 2011) فلاديمير كوتينيف (وهو سفير روسي سابق في ألمانيا).
وقد وقعت الشركة صفقات نوعية ومريحة جداً مع شركات ألمانية وعلى رأسها الشركات المتعاونة مع السيل الشمالي كشركة (E.ON) العملاقة للطاقة وشركة (BASF) العملاقة للكيميائيات، حيث تأخذ شركة (E.ON) تفضيلات لشراء كمية من الغاز على حساب شركة غازبروم عندما ترتفع أسعار الغاز، مما يعتبر بمثابة دعم (سياسي) لشركات الطاقة الألمانية.
وقد استفادت موسكو من تحرر أسواق الغاز الأوروبية من الاحتكار لإرغام تلك الأسواق على فك الارتباط بين شبكات التوزيع ومنشآت الإنتاج. هذا الاشتباك بين روسيا وبرلين يطوي صفحة من العداء التاريخي ليرسم صفحة أخرى من التعاون على أساس الاقتصاد والتنصل من ثقل تنوء به ألمانيا وهو ثقل أوروبة المتخمة بالديون والتابعة للولايات المتحدة، فيما ترى ألمانيا أن المجموعة الجرمانية (ألمانيا والنمسا والتشيك وسويسرا) هي الأولى بأن تشكل نواة أوروبة لا أن تتحمل النتائج المترتبة على قارة عجوز وعملاق آخر يتهاوى.
وتشمل مشاريع غازبروم المشتركة مع ألمانيا مشروع وينغاز المشترك مع وينترشال أحد فروع (BASF) وهي أكبر منتج للنفط والغاز في ألمانيا وتسيطر على 18% من سوق الغاز حيث نالت ألمانيا حصصاً غير مسبوقة في الأصول الروسية؛ إذ تسيطر شركتا (BASF) و (E.ON) على ربع حقول غاز يوزنو – روسكويا التي ستقدم معظم الإمدادات لمشروع السيل الشمالي في وقت ليس من قبيل الصدفة أو مجرد المحاكاة أن تكون نظيرة غازبروم الروسية في ألمانيا تدعى غازبروم الجرمانية والتي توسع مجالها لتمتلك 40% من شركة (Centrex) النمساوية المخصصة لخزن الغاز والتي لها في قبرص امتداد نوعي حيث لا يبدو أن تركيا ستكون راضية عنه. وهي تفتقد متحرقة لدور متأخر في شركة غاز نابوكو حيث يفترض أن تبدأ بتخزين وتسويق وتمرير (31) مليار متر مكعب من الغاز وصولاً إلى (40) مليار متر مكعب – لاحقاً – في مشروع يرهن أنقرة أكثر فأكثر لقرارات واشنطن والناتو دون أن يكون لها الحق في أن تصر على الدخول إلى الاتحاد الأوروبي الذي لفظها مرات عدة!
وواقع الحال أن الصلات الاستراتيجية عبر الغاز تجعل الصلات أكثر استراتيجية في قطاعات السياسة حيث يمتد تأثير موسكو على الحزب الاجتماعي الديموقراطي الألماني في ويستفاليا شمالي نهر الراين حيث توجد القاعدة الصناعية الرئيسة لفرعي شركتي (RWE) للكهرباء المرتبطة مع روسيا بوثاقة (E.ON).
وهذا التأثير يعترف به الجميع في ألمانيا إذ أن رئيس قسم سياسات الطاقة في حزب الخضر هانس جوزيف فيل قد أكد أن أربعة شركات ألمانية على صلة بروسيا تلعب دوراً في صياغة سياسة الطاقة الألمانية عبر شبكة معقدة جداً تقوم بالضغط على الوزراء وتحتكر الرأي العام وذلك عبر هيئة العلاقات الاقتصادية الشرق أوروبية التي تمثل الشركات الألمانية والتي على اتصال وثيق بأعمال تجارية في روسيا ودول كتلة الاتحاد السوفياتي السابق.
هنا، فإن ما يجعل ثمة صمت (لا بد منه) تتبعه ألمانيا إزاء ما يجري من نفوذ روسي متسارع، أساس هذا الصمت الاعتراف بأن ثمة ضرورة لتحسين ما يسمى (أمن الطاقة) في أوروبة.
اللافت أن ألمانيا باتت تعتبر أن سياسة (التمرير) المقترحة من الاتحاد الأوروبي لتغطية أزمة اليورو ستعيق الاستثمارات (الألمانية – الروسية) بشكل طويل الأمد. وهذا السبب ما – يقف مع غيره من الذرائع – وراء التمهل الألماني في إنقاذ اليورو المثقل بديون الأوروبيين ... بخلاف ألمانيا وكتلتها الجرمانية التي تستطيع تحملها وحدها دون غيرها.
وفي كل مرة يعاند فيها الأوروبيون ألمانيا وسياستها مع روسيا (الطاقية) تؤكد برلين على أن خطط أوروبة (يوتوبية) غير قابلة للتنفيذ وقد تدفع روسيا لبيع غازها في آسيا. وهذا سيطيح بالأمن الطاقي في أوروبة.
وواقع الحال أن هذا الاشتباك الروسي – الألماني لم يكن من النوع الساذج عندما استثمر (بوتين) تراث الحرب الباردة من وجود روسي للناطقين بالروسية في ألمانيا والبالغ عددهم ثلاثة ملايين وهم يشكلون ثاني أكبر جماعة بعد الأتراك، إضافة إلى شبكة من المسؤولين الألمان الشرقيين الذين تم توظيفهم لرعاية الشركات الروسية في ألمانيا ومصالحها، فضلاً عن عدد من عملاء جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي السابق ومنهم على سبيل المثال مدير جرمانيا غازبروم لشؤون الموظفين وشؤون التمويل، ومدير اتحاد (السيل) المالي هاينس وورينغ، وهو ضابط سابق في جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي والذي نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أنه قدم لبوتين حين كان في جهاز الأمن الروسي (KGB) المساعدة لتوظيف جواسيس في مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية.
ولكن للإنصاف، فإن واقع الحال يقول: إن استثمار روسيا للعلاقات السابقة لم يكن فجاً بل كان لمصلحة ألمانيا ككل، الأمر الذي لم يجعل الصدام ممكناً باعتبار أن المصلحة بين الطرفين متحققة دون هيمنة.
* السيل الشمالي:
يشكل مشروع السيل الشمالي عنصر الربط الرئيس بين روسيا وألمانيا. وتبلغ تكلفة خط الأنابيب 4.7 مليار يورو وقد تم تدشينه مؤخراً . وعلى الرغم من أنه يصل روسيا بألمانيا إلا أن إدراك الأوروبيين أن هذا المشروع سيكون جزءاً من الأمن الطاقي قد جعل هولندا وفرنسا تسارعان لإعلانه مشروعاً أوروبياً، حتى أن (ليندر) في لجنة العلاقات الاقتصادية لأوروبة الشرقية سرعان ما أعلن دون أي خجل أو تردد: "إن هذا مشروع أوروبي وليس ألمانياً، ولن نسمح لألمانيا أن تعتمد اعتماداً كبيراً على روسيا". وهو تصريح يدلل على الخشية من النفوذ الروسي المتنامي في ألمانيا، إلا أنه ليس أكثر من هذا إذ أن مشروع السيل الشمالي يعكس هيكلياً خطة موسكو وليس خطة الاتحاد الأوروبي.
سيتمكن الروس من إيقاف إيصال الطاقة إلى بولندة ودول أخرى حسبما يشاؤون وسيتمكنون من بيع الغاز لمن يدفع أكثر. لكن أهمية ألمانيا بالنسبة لروسيا تكمن عملياً في أنها تشكل نقطة لانطلاق استراتيجيتها عبر القارة حيث تمتلك جرمانيا غازبروم أسهماً في ما لا يقل عن خمسة وعشرين مشروعاً مشتركاً في بريطانيا وإيطاليا وتركيا وهنغاريا وغيرها. وهو ما يهيئ فعلياً للقول إن غازبروم ستصبح (بعد قليل) أكبر شركات العالم إن لم تصبح أكبرها إطلاقاً.
لم يكتف قادة غازبروم ببناء مشروعهم هذا، إلا أنهم تداخلوا مع مشروع غاز نابوكو الذي سيتأخر – كما قلنا – حتى عام 2017 معتبرين أنه مشروع يشكل تحدياً كبيراً إذا قامت الشركة غازبروم التي تمتلك 30% من مشروع لبناء خط أنابيب رئيس ثان يصل إلى أوروبة على خط نابوكو (نفسه) وهو مشروع تعلن فيه غازبروم عن تشابك سياسي، أو لنقل بصراحة، مزاودة سياسية بهدف إظهار عضلاتها من خلال إيقاف العمل بخط نابوكو أو تعطيله.
والحقيقة أن موسكو لم تكتف بذلك، فقد سارعت لشراء غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر مناقصة لإبعاده عن العمل بخط أنابيب نابوكو مستخدمة كل أنواع السخرية السياسية – الاقتصادية – الاستراتيجية بآن من واشنطن.
* رسم خارطة أوروبة .. ومن ثم العالم:
في سياق كل ما سبق، تشغّل غازبروم منشآت للغاز في النمسا وذلك في المحيط الاستراتيجي الجرماني، كما أنها تؤجر منشآت في بريطانيا وفرنسا. إلا أن منشآت التخزين المتزايدة في النمسا ستكون محوراً لرسم الخارطة الطاقية لأوروبة في جزء هام إذ أنها ستزود الأسواق السلوفانية والسلوفاكية والكرواتية والهنغارية والإيطالية وبعضاً من الألمانية بالتضافر مع مخزن أُعِدَّ حديثاً يدعى (كاترينا) تقوم شركة غازبروم ببنائه بالشراكة مع ألمانيا لتوريد الغاز إلى مراكز أوروبة الغربية.
وقد أقامت شركة غازبروم مشروع منشأة تخزين مشترك مع صربيا لتصدير الغاز إلى البوسنة والهرسك وجزء من النمسا فضلاً عن صربيا نفسها. وقد أجريت دراسات لجدوى اقتصادية لعدد من مشاريع التخزين المماثلة في جمهورية التشيك ورومانيا وبلجيكا وبريطانيا وسلوفاكيا وتركيا واليونان وحتى فرنسا. وبهذا ستحصن موسكو موقعها كمزود لـ 41% من احتياجات أوروبة للغاز ما يعني تغييراً جوهرانياً في علاقات الشرق بالغرب على المديين القريب والمتوسط أولاً ثم البعيد ثانياً. وهو ما يعني تراجعاً للنفوذ الأمريكي أو صداماً يُهيَّأ له في أحد جوانبه بالتضافر مع اعتبارات الدرع الصاروخي لتأسيس نظام عالمي جديد سيكون (الغاز) في صلب عوامل تشكيله. وهذا ما يفسر حجم الصراع في منطقة شرق المتوسط على الغاز الجديد في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط.
رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، على اليمين ، والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم ألكسي ميلر ، اليسار ،
* نابوكو في مأزق:
صممت نابوكو لنقل الغاز من تركيا إلى النمسا عبر 3900 كم ولتمرير 31 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من منطقة (الشرق الأوسط) وقزوين إلى الأسواق في أوروبة. ولعل اللهاث الأمريكي – الفرنسي (الناتوي) وراء حسم الأمور في منطقة شرق المتوسط وتحديداً سورية ولبنان يكمن في ضرورة تأمين أوضاع هادئة وموالية لاستثمار ونقل الغاز وهو ما ردت عليه سورية بتوقيع عقد لتمرير الغاز من إيران إلى سورية عبر العراق، وهو الغاز اللبناني والسوري محور الصراع من أجل إما إلحاق هذا الاحتياطي بغاز نابوكو أو بغاز بروم وبالتالي السيل الجنوبي.
يتألف اتحاد شركة غاز نابوكو من شركة (RWE) الألمانية وشركة (OMV) النمساوية وشركة بوتكس التركية وشركة بلغاريا القابضة للطاقة البلغارية وشركة ترانزغاز الرومانية.
التكاليف الأولية لهذا المشروع المنافس لغازبروم، والتي قدرت قبل خمس سنوات بـ 11.2 مليار دولار وستحقق أسعار غاز أقل من المشروع الروسي، سترتفع بسبب التأخير حتى عام 2017 إلى 21.4 مليار دولار مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاح هذا المشروع الاقتصادي خصوصاً مع استنفاذ شركة غازبروم عقد الصفقات في أكثر من مكان لتطويق نابوكو التي ستقات على القدرة الفائضة للغاز من تركمانستان ، خصوصاً وأن اللهاث الرئيس الضائع الأثر وراء غاز إيران يُبعد حلم نابوكو عن أن يكون ذا قيمة واقعية. وهذا أحد أسرار الصراع على إيران التي زادت في التحدي عبر اختيار العراق وسورية مساراً لغازها أو لجزء أساسي منه على الأقل.
وهكذا، لا يعود لنابوكو من خيار إلا إمدادات حقل شاه دنيز الأذربيجاني لن تكون إلا المصدر شبه اليتيم لمشروع يبدو أنه متعثر منذ البداية من خلال تسارع صفقات ونجاحات موسكو في شراء مصادر نابوكو من ناحية، والصعوبة في إحراز تغيرات جيوسياسية في كل من إيران وشرق المتوسط (سورية ولبنان) في وقت تسارع فيه تركيا لحجز حصتها في مشروع نابوكو سواء لجهة توقيعها عقداً مع أذربيجان لشراء ستة مليارات متر مكعب من الغاز عام 2017 أو لجهة السعي لوضع اليد على سورية ولبنان إما لعرقلة مرور النفط الإيراني أو لنيل حصة في الثروة الغازية اللبنانية أو السورية أو لكليهما معاً. فيما يبدو السباق ضارياً على حجز مقعد في النظام الدولي الجديد ... عبر الغاز وأشياء أخرى تمتد من الخدمات العسكرية الصغيرة إلى القبب الاستراتيجية للدرع الصاروخي.
ولعل أكثر ما يشكل خطراً على نابوكو هو أن تقوم روسيا بقتل ودفن الأخير من خلال التفاوض على عقود أكثر أفضلية وتنافسية لإمدادات الغاز لتصب في غازبروم بسيليها الشمالي والجنوبي وقطع الطرق عن أي نفوذ (طاقي) وسياسي لأمريكا أو أوروبة في كل من إيران وشرق المتوسط، فضلاً عن أن تكون غازبورم من أهم مستثمري أو مشغلي حقول الغاز حديثة العهد في كل من سورية ولبنان، إذ لم يكن اختيار التوقيت في 16/8/2011 عابراً كي تعلن وزارة النفط السورية عن اكتشاف بئر غاز في منطقة قارة وسط سورية وقرب حمص بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً دون أي حديث عن غاز البحر الأبيض المتوسط.
لقد خفف مشروعا السيل الشمالي والجنوبي من أهمية السياسة الأمريكية التي بدا أنها تتراجع إلى الخلف فيما تراجعت آثار الكُره الكامنة بين دول اوروبة الوسطى وروسيا، إلا أن بولندة لا يبدو أنها ستخرج من اللعبة سريعاً. ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للتراجع، إذ أنها أعلنت في أواخر تشرين الأول 2011 عن التحول المتمثل في سياسات الطاقة بسبب اكتشاف مناجم الغاز الحجري في أوروبة لتقليل الاعتماد على روسيا ... والشرق الأوسط. ولكن يبدو أن هذا أملاً بعيد المنال أو المدى إذ ثمة العديد من الإجراءات قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري من مصادر غير تقليدية كمناجم الغاز الحجري الموجود في الصخور على عمق آلاف الأقدام تحت الأرض ويمكن الحصول عليه بكسر الصخور واستخدام مياه عالية الضغط بالتكسير الهيدروليكي بضخ عالي الضغط للسوائل والرمال في بئر لإطلاق الغاز. ولكن السؤال يطرح نفسه بالمخاوف البيئية من تأثير تقنيات التكسير على المخزون الجوفي ذاته.
الصين على الخط:
يشكل التعاون الروسي – الصيني في مجال الطاقة القوة الموجهة للشراكة الاستراتيجية الصينية – الروسية، وهو ما يراه الخبراء رائزاً يقف وراء الفيتو المشترك لصالح سورية في مجلس الأمن.
إن التعاون في مجال الطاقة هو (شحم) تسريع الشراكة بين العملاقين والأمر يتعدى إمداد الغاز بأفضليات للصين إلى المشاركة في توزيعه عبر (بيع الأصول والمنشآت الجديدة) ومحاولات السيطرة المشتركة على الإدارات التنفيذية لشبكات توزيع الغاز حيث تقدم موسكو حالياً عرضاً بالمرونة في أسعار إمدادات الغاز شريطة أن يسمح لها بالدخول إلى الأسواق الصينية المحلية لأن الأرباح تكمن في الداخل الصيني. ولهذا تم الاتفاق على أن الخبراء الروس والصينيون يستطيعون العمل سوية في الاتجاهات التالية:
"تنسيق استراتيجيات الطاقة في البلدين والتنبؤ ورسم السيناريوهات المستقبلية وتنمية البنية التحتية للسوق وفعالية الطاقة ومصادر الطاقة البديلة".
وهنالك فضلاً عن التعاون في الطاقة مصالح استراتيجية أخرى تتمثل في التصور المشترك الروسي – الصيني في مخاطر المشروع الأمريكي المسمى بالدرع الصاروخي ذلك أن واشنطن تشرك اليابان وكوريا الجنوبية في ذلك المشروع. ولا تكتفي بذلك بل إنها وجهت دعوة إلى الهند في أوائل شهر أيلول/سبتمبر 2011 من أجل أن تصبح الهند شريكاً في البرنامج نفسه. كما تتقاطع مخاوف موسكو وبكين من تحرك واشنطن لإعادة إحياء استراتيجية آسيا الوسطى المدعو (طريق الحرير) وهو نفس توجه مشروع آسيا الوسطى الكبير الذي طرحه جورج بوش الأب لدحر النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى بالتعاون مع تركيا لحسم الموقف في أفغانستان عام 2014 وترتيب النفوذ (الناتوي) هناك والإشارات المتزايدة لرغبة أوزبكستان للقيام بدور المضيف لناتو في هذا المشروع. وهنا يقدر بوتين بأن ما يمكن أن يحبط غزو الغرب بشكل أساسي للرواق الخلفي الروسي لآسيا الوسطى هو اتساع الفضاء الاقتصادي الروسي المشترك مع كازاخستان وبيلاروسيا بالتعاون مع بكين بالنسبة لكازاخستان.
هذه الصورة لآليات الصراع الدولي تفسح في المجال أمام رؤية جانب من عملية تشكيل النظام العالمي الجديد على أرضية الصراع على النفوذ العسكري وعلى أرضية (القبض) على روح العصر: الطاقة وعلى رأسها الغاز.
الغاز السوري:
مع بدء اسرائيل عام 2009 استخراج النفط والغاز بات واضحاً أن حوض المتوسط قد أصبح داخل اللعبة وأن سورية إما إلى هجوم عليها أو إلى سلام في المنطقة لأن عصر الطاقة النظيفة هو القرن الواحد والعشرين.
المعلومات المتوافرة تقول إن هذا الحوض هو الأثرى في العالم بالغاز حيث يؤكد معهد واشنطن أن سورية ستكون الدولة الأغنى وأن الصراع بين تركيا وقبرص سيستعر نظراً لعدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو (رغم أن موسكو وقعت عقداً في 28/12/2011 مع أنقرة اتفقاً لتمرير جزء من السيل الجنوبي عبر أراضيها).
إن معرفة السر الكامن في الغاز السوري سيفهم الجميع حجم اللعبة على الغاز لأن من يملك سورية يملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيت روسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين)، والأهم من يملك الدخول عبرها إلى الغاز يملك العالم خصوصاً أن القرن المقبل هو قرن الغاز. وبتوقيع دمشق اتفاقاً لتمرير الغاز الإيراني عبر العراق إليها ومن ثم للبحر المتوسط يكون الفضاء الجيوسياسي انفتح والفضاء (الغازي) قد أغلق على غاز نابوكو شريان الحياة وقال: "إن سورية هي مفتاح الزمن القادم".
المصدر :
http://www.aqarcity.com/t2799897.html
لم يكن استهداف سورية بعيداً من الصراع على الغاز في العالم والشرق الأوسط.
ففي وقت بدا فيه أن ثمة تداعٍ في دول اليورو وسط أزمة اقتصادية أمريكية بالغة الدقة أوصلت أمريكا إلى حجم دين عام مقداره 14.94 تريليون دولار، أي بنسبة 99.6% من الناتج الإجمالي في وقت وصل فيه النفوذ الأمريكي إلى حد ضعيف جداً في مواجهة قوى صاعدة كالصين والهند والبرازيل بات واضحاً أن البحث عن مكمن القوة لم يعد في الترسانات العسكرية النووية وغير النووية، إنما هناك ... حيث توجد الطاقة. وهنا بدأ الصراع الروسي – الأمريكي يتجلى في أبرز عناصره.
لقد تلمس الروس بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أن الصراع على التسلح قد أنهكهم وسط غياب عن عوالم الطاقة الضرورية لأي دولة صناعية، فيما كان الأمريكيون يتحركون في مناطق النفط عبر عدة عقود مكنتهم من النمو ومن السيطرة على القرار السياسي الدولي بلا منازعات كبيرة. ولهذا تحرك الروس باتجاه مكامن الطاقة (النفط والغاز). وعلى اعتبار أن القسمة الدولية لا تحتمل المنافسة في قطاعات النفط كثيراً، عملت موسكو على السعي إلى ما يشبه (احتكار) الغاز في مناطق إنتاجها أو نقلها وتسويقها على نطاق واسع.
كانت البداية عام 1995 حين رسم بوتين استراتيجية شركة غاز بروم لتتحرك في نطاق وجود الغاز من روسيا فأذربيجان فتركمانستان فإيران (للتسويق) وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط (مؤخراً)، وكان من المؤكد أن مشروعي السيل الشمالي والسيل الجنوبي سيكونان وسام الاستحقاق التاريخي على صدر فلاديمير بوتين من أجل عودة روسيا إلى المسرح العالمي ومن أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه ولكن بأولوية أكبر لصالح الأول. وهنا كان على واشنطن أن تسارع إلى تصميم مشروعها الموازي (نابوكو) لينافس المشروع الروسي على قسمة دولية على أساسها سيتعين القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً.
يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
واضح أن روسيا قد قرأت الخارطة وتعلمت الدرس جيداً فسقوط الاتحاد السوفياتي كان بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته، لتضخ إلى البنى الصناعية المال والطاقة، وبالتالي البقاء. ولذلك تعلمت أن لغة الطاقة القادمة إلى القرن الواحد والعشرين على الأقل هي لغة الغاز.
بقراءة أولية لخارطة الغاز نراها تتموضع في المناطق التالية من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك:
1. روسيا، انطلاقاً من فيبورغ (Vyborg) وبيري غوفيا (Beregovya).
2. الملحق الروسي: تركمانستان.
3. المحيط الروسي القريب والأبعد: أذربيجان وإيران.
4. المقنوص من روسيا: جورجيا.
5. منطقة شرق المتوسط (سورية ولبنان).
6. قطر ومصر.
على هذا سارعت موسكو للعمل على خطين استراتيجيين الأول التأسيس لقرن روسي – صيني (شنغهايي) يقوم على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي من ناحية والسيطرة على منابع الغاز من ناحية أخرى.
وبناء عليه، فقد أسست لمشروعين أولهما هو مشروع السيل الجنوبي وثانيهما هو مشروع السيل الشمالي وذلك في مواجهة مشروع أمريكي لاقتناص غاز البحر الأسود وغاز أذربيجان؛ وهو مشروع نابوكو.
سباق استراتيجي بين مشروعين للسيطرة على أوروبا من ناحية وعلى مصادر الغاز من ناحية أخرى:
• المشروع الأمريكي نابوكو: ومركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه فيما موقعه المخزِّن هو (تركيا) ومساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفانيا فإيطاليا. وكان من المقرر أن يمر باليونان، إلا أنه تم غض الطرف عن هذا كرمى لتركيا.
• المشروع الروسي في شقيه الشمالي والجنوبي والذي يقطع الطريق عبر التالي:
أ- السيل الشمالي: وينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة ومن فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق دون المرور ببيلاروسيا، وهو ما خفف الضغط الأمريكي عليها.
ب- السل الجنوبي: ويمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا ويتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.
المفروض أن مشروع نابوكو كان من المقرر أن يسابق المشروعين الروسيين إلا أن الأوضاع التقنية قد أخرت المشروع إلى عام 2017 بعد أن كان مقرراً عام 2014، مما جعل السباق محسوماً لصالح روسيا، في هذه المرحلة بالذات، ما يستدعي البحث عن مناطق دعم رديفة لكل من المشروعين وتتمثل في:
1) الغاز الإيراني الذي تصر الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ليمر في خط مواز لغاز جورجيا (وإن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في أرضروم (Erzurum) في تركيا.
2) غاز منطقة شرق المتوسط (إسرائيل ولبنان وسورية).
وبالقرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في شهر تموز/يوليو 2011 تصبح سورية هي بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني، وهو فضاء استراتيجي – طاقي يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان. وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح بها لسنين طويلة خلت؛ الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة وبروز دور لفرنسا التي تعتبر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية ومصالح لا تموت، وهو دور ينسجم مع طبيعة الغياب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية ما يعني أن فرنسا تريد أن يكون لها دور في عالم (الغاز) حيث اقتطعت لنفسها بوليصة تأمين صحي بخصوصه في ليبيا وتريد بوليصة تأمين على الحياة به في كل من سورية ولبنان.
في هذا الوقت تشعر تركيا أنها ستضيع في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع نابوكو متأخر ومشروعا السيل الشمالي والسيل الجنوبي يستبعدانها وفيما غاز شرق المتوسط قد بات بعيداً من نفوذ نابوكو وبالتالي تركيا.
تاريخ اللعبة:
من أجل مشروع السيل الشمالي والسيل الجنوبي أسست موسكو شركة غازبروم في أوائل النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين. واللافت أن ألمانيا التي تريد أن تخلع عنها أسوار ما بعد الحرب العالمية الثانية قد هيأت نفسها لتكون طرفاً وشريكاً لهذا المشروع، إن من حيث التأسيس أو من حيث مآل الأنبوب الشمالي أو من حيث مخازن السيل الجنوبي التي تقع في المحيط الجرماني وتحديداً النمسا.
المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم الكسي ميلر في مؤتمر صحافي حول مشروع شركة جازبروم
غازبروم:
تأسست شركة غازبروم بالتعاون مع صديق ألماني لموسكو يدعى (هانز جوشيم غوينغ) الذي شغل منصب نائب رئيس سابق لشركة صناعة الغاز والنفط الألماني وهو الذي أشرف على بناء شبكة خطوط الأنابيب التابعة لشركة (GDR). وقد ترأس غازبروم (حتى شهر تشرين الأول/أوكتوبر 2011) فلاديمير كوتينيف (وهو سفير روسي سابق في ألمانيا).
وقد وقعت الشركة صفقات نوعية ومريحة جداً مع شركات ألمانية وعلى رأسها الشركات المتعاونة مع السيل الشمالي كشركة (E.ON) العملاقة للطاقة وشركة (BASF) العملاقة للكيميائيات، حيث تأخذ شركة (E.ON) تفضيلات لشراء كمية من الغاز على حساب شركة غازبروم عندما ترتفع أسعار الغاز، مما يعتبر بمثابة دعم (سياسي) لشركات الطاقة الألمانية.
وقد استفادت موسكو من تحرر أسواق الغاز الأوروبية من الاحتكار لإرغام تلك الأسواق على فك الارتباط بين شبكات التوزيع ومنشآت الإنتاج. هذا الاشتباك بين روسيا وبرلين يطوي صفحة من العداء التاريخي ليرسم صفحة أخرى من التعاون على أساس الاقتصاد والتنصل من ثقل تنوء به ألمانيا وهو ثقل أوروبة المتخمة بالديون والتابعة للولايات المتحدة، فيما ترى ألمانيا أن المجموعة الجرمانية (ألمانيا والنمسا والتشيك وسويسرا) هي الأولى بأن تشكل نواة أوروبة لا أن تتحمل النتائج المترتبة على قارة عجوز وعملاق آخر يتهاوى.
وتشمل مشاريع غازبروم المشتركة مع ألمانيا مشروع وينغاز المشترك مع وينترشال أحد فروع (BASF) وهي أكبر منتج للنفط والغاز في ألمانيا وتسيطر على 18% من سوق الغاز حيث نالت ألمانيا حصصاً غير مسبوقة في الأصول الروسية؛ إذ تسيطر شركتا (BASF) و (E.ON) على ربع حقول غاز يوزنو – روسكويا التي ستقدم معظم الإمدادات لمشروع السيل الشمالي في وقت ليس من قبيل الصدفة أو مجرد المحاكاة أن تكون نظيرة غازبروم الروسية في ألمانيا تدعى غازبروم الجرمانية والتي توسع مجالها لتمتلك 40% من شركة (Centrex) النمساوية المخصصة لخزن الغاز والتي لها في قبرص امتداد نوعي حيث لا يبدو أن تركيا ستكون راضية عنه. وهي تفتقد متحرقة لدور متأخر في شركة غاز نابوكو حيث يفترض أن تبدأ بتخزين وتسويق وتمرير (31) مليار متر مكعب من الغاز وصولاً إلى (40) مليار متر مكعب – لاحقاً – في مشروع يرهن أنقرة أكثر فأكثر لقرارات واشنطن والناتو دون أن يكون لها الحق في أن تصر على الدخول إلى الاتحاد الأوروبي الذي لفظها مرات عدة!
وواقع الحال أن الصلات الاستراتيجية عبر الغاز تجعل الصلات أكثر استراتيجية في قطاعات السياسة حيث يمتد تأثير موسكو على الحزب الاجتماعي الديموقراطي الألماني في ويستفاليا شمالي نهر الراين حيث توجد القاعدة الصناعية الرئيسة لفرعي شركتي (RWE) للكهرباء المرتبطة مع روسيا بوثاقة (E.ON).
وهذا التأثير يعترف به الجميع في ألمانيا إذ أن رئيس قسم سياسات الطاقة في حزب الخضر هانس جوزيف فيل قد أكد أن أربعة شركات ألمانية على صلة بروسيا تلعب دوراً في صياغة سياسة الطاقة الألمانية عبر شبكة معقدة جداً تقوم بالضغط على الوزراء وتحتكر الرأي العام وذلك عبر هيئة العلاقات الاقتصادية الشرق أوروبية التي تمثل الشركات الألمانية والتي على اتصال وثيق بأعمال تجارية في روسيا ودول كتلة الاتحاد السوفياتي السابق.
هنا، فإن ما يجعل ثمة صمت (لا بد منه) تتبعه ألمانيا إزاء ما يجري من نفوذ روسي متسارع، أساس هذا الصمت الاعتراف بأن ثمة ضرورة لتحسين ما يسمى (أمن الطاقة) في أوروبة.
اللافت أن ألمانيا باتت تعتبر أن سياسة (التمرير) المقترحة من الاتحاد الأوروبي لتغطية أزمة اليورو ستعيق الاستثمارات (الألمانية – الروسية) بشكل طويل الأمد. وهذا السبب ما – يقف مع غيره من الذرائع – وراء التمهل الألماني في إنقاذ اليورو المثقل بديون الأوروبيين ... بخلاف ألمانيا وكتلتها الجرمانية التي تستطيع تحملها وحدها دون غيرها.
وفي كل مرة يعاند فيها الأوروبيون ألمانيا وسياستها مع روسيا (الطاقية) تؤكد برلين على أن خطط أوروبة (يوتوبية) غير قابلة للتنفيذ وقد تدفع روسيا لبيع غازها في آسيا. وهذا سيطيح بالأمن الطاقي في أوروبة.
وواقع الحال أن هذا الاشتباك الروسي – الألماني لم يكن من النوع الساذج عندما استثمر (بوتين) تراث الحرب الباردة من وجود روسي للناطقين بالروسية في ألمانيا والبالغ عددهم ثلاثة ملايين وهم يشكلون ثاني أكبر جماعة بعد الأتراك، إضافة إلى شبكة من المسؤولين الألمان الشرقيين الذين تم توظيفهم لرعاية الشركات الروسية في ألمانيا ومصالحها، فضلاً عن عدد من عملاء جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي السابق ومنهم على سبيل المثال مدير جرمانيا غازبروم لشؤون الموظفين وشؤون التمويل، ومدير اتحاد (السيل) المالي هاينس وورينغ، وهو ضابط سابق في جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي والذي نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أنه قدم لبوتين حين كان في جهاز الأمن الروسي (KGB) المساعدة لتوظيف جواسيس في مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية.
ولكن للإنصاف، فإن واقع الحال يقول: إن استثمار روسيا للعلاقات السابقة لم يكن فجاً بل كان لمصلحة ألمانيا ككل، الأمر الذي لم يجعل الصدام ممكناً باعتبار أن المصلحة بين الطرفين متحققة دون هيمنة.
* السيل الشمالي:
يشكل مشروع السيل الشمالي عنصر الربط الرئيس بين روسيا وألمانيا. وتبلغ تكلفة خط الأنابيب 4.7 مليار يورو وقد تم تدشينه مؤخراً . وعلى الرغم من أنه يصل روسيا بألمانيا إلا أن إدراك الأوروبيين أن هذا المشروع سيكون جزءاً من الأمن الطاقي قد جعل هولندا وفرنسا تسارعان لإعلانه مشروعاً أوروبياً، حتى أن (ليندر) في لجنة العلاقات الاقتصادية لأوروبة الشرقية سرعان ما أعلن دون أي خجل أو تردد: "إن هذا مشروع أوروبي وليس ألمانياً، ولن نسمح لألمانيا أن تعتمد اعتماداً كبيراً على روسيا". وهو تصريح يدلل على الخشية من النفوذ الروسي المتنامي في ألمانيا، إلا أنه ليس أكثر من هذا إذ أن مشروع السيل الشمالي يعكس هيكلياً خطة موسكو وليس خطة الاتحاد الأوروبي.
سيتمكن الروس من إيقاف إيصال الطاقة إلى بولندة ودول أخرى حسبما يشاؤون وسيتمكنون من بيع الغاز لمن يدفع أكثر. لكن أهمية ألمانيا بالنسبة لروسيا تكمن عملياً في أنها تشكل نقطة لانطلاق استراتيجيتها عبر القارة حيث تمتلك جرمانيا غازبروم أسهماً في ما لا يقل عن خمسة وعشرين مشروعاً مشتركاً في بريطانيا وإيطاليا وتركيا وهنغاريا وغيرها. وهو ما يهيئ فعلياً للقول إن غازبروم ستصبح (بعد قليل) أكبر شركات العالم إن لم تصبح أكبرها إطلاقاً.
لم يكتف قادة غازبروم ببناء مشروعهم هذا، إلا أنهم تداخلوا مع مشروع غاز نابوكو الذي سيتأخر – كما قلنا – حتى عام 2017 معتبرين أنه مشروع يشكل تحدياً كبيراً إذا قامت الشركة غازبروم التي تمتلك 30% من مشروع لبناء خط أنابيب رئيس ثان يصل إلى أوروبة على خط نابوكو (نفسه) وهو مشروع تعلن فيه غازبروم عن تشابك سياسي، أو لنقل بصراحة، مزاودة سياسية بهدف إظهار عضلاتها من خلال إيقاف العمل بخط نابوكو أو تعطيله.
والحقيقة أن موسكو لم تكتف بذلك، فقد سارعت لشراء غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر مناقصة لإبعاده عن العمل بخط أنابيب نابوكو مستخدمة كل أنواع السخرية السياسية – الاقتصادية – الاستراتيجية بآن من واشنطن.
* رسم خارطة أوروبة .. ومن ثم العالم:
في سياق كل ما سبق، تشغّل غازبروم منشآت للغاز في النمسا وذلك في المحيط الاستراتيجي الجرماني، كما أنها تؤجر منشآت في بريطانيا وفرنسا. إلا أن منشآت التخزين المتزايدة في النمسا ستكون محوراً لرسم الخارطة الطاقية لأوروبة في جزء هام إذ أنها ستزود الأسواق السلوفانية والسلوفاكية والكرواتية والهنغارية والإيطالية وبعضاً من الألمانية بالتضافر مع مخزن أُعِدَّ حديثاً يدعى (كاترينا) تقوم شركة غازبروم ببنائه بالشراكة مع ألمانيا لتوريد الغاز إلى مراكز أوروبة الغربية.
وقد أقامت شركة غازبروم مشروع منشأة تخزين مشترك مع صربيا لتصدير الغاز إلى البوسنة والهرسك وجزء من النمسا فضلاً عن صربيا نفسها. وقد أجريت دراسات لجدوى اقتصادية لعدد من مشاريع التخزين المماثلة في جمهورية التشيك ورومانيا وبلجيكا وبريطانيا وسلوفاكيا وتركيا واليونان وحتى فرنسا. وبهذا ستحصن موسكو موقعها كمزود لـ 41% من احتياجات أوروبة للغاز ما يعني تغييراً جوهرانياً في علاقات الشرق بالغرب على المديين القريب والمتوسط أولاً ثم البعيد ثانياً. وهو ما يعني تراجعاً للنفوذ الأمريكي أو صداماً يُهيَّأ له في أحد جوانبه بالتضافر مع اعتبارات الدرع الصاروخي لتأسيس نظام عالمي جديد سيكون (الغاز) في صلب عوامل تشكيله. وهذا ما يفسر حجم الصراع في منطقة شرق المتوسط على الغاز الجديد في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط.
رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، على اليمين ، والرئيس التنفيذي لشركة غازبروم ألكسي ميلر ، اليسار ،
* نابوكو في مأزق:
صممت نابوكو لنقل الغاز من تركيا إلى النمسا عبر 3900 كم ولتمرير 31 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من منطقة (الشرق الأوسط) وقزوين إلى الأسواق في أوروبة. ولعل اللهاث الأمريكي – الفرنسي (الناتوي) وراء حسم الأمور في منطقة شرق المتوسط وتحديداً سورية ولبنان يكمن في ضرورة تأمين أوضاع هادئة وموالية لاستثمار ونقل الغاز وهو ما ردت عليه سورية بتوقيع عقد لتمرير الغاز من إيران إلى سورية عبر العراق، وهو الغاز اللبناني والسوري محور الصراع من أجل إما إلحاق هذا الاحتياطي بغاز نابوكو أو بغاز بروم وبالتالي السيل الجنوبي.
يتألف اتحاد شركة غاز نابوكو من شركة (RWE) الألمانية وشركة (OMV) النمساوية وشركة بوتكس التركية وشركة بلغاريا القابضة للطاقة البلغارية وشركة ترانزغاز الرومانية.
التكاليف الأولية لهذا المشروع المنافس لغازبروم، والتي قدرت قبل خمس سنوات بـ 11.2 مليار دولار وستحقق أسعار غاز أقل من المشروع الروسي، سترتفع بسبب التأخير حتى عام 2017 إلى 21.4 مليار دولار مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاح هذا المشروع الاقتصادي خصوصاً مع استنفاذ شركة غازبروم عقد الصفقات في أكثر من مكان لتطويق نابوكو التي ستقات على القدرة الفائضة للغاز من تركمانستان ، خصوصاً وأن اللهاث الرئيس الضائع الأثر وراء غاز إيران يُبعد حلم نابوكو عن أن يكون ذا قيمة واقعية. وهذا أحد أسرار الصراع على إيران التي زادت في التحدي عبر اختيار العراق وسورية مساراً لغازها أو لجزء أساسي منه على الأقل.
وهكذا، لا يعود لنابوكو من خيار إلا إمدادات حقل شاه دنيز الأذربيجاني لن تكون إلا المصدر شبه اليتيم لمشروع يبدو أنه متعثر منذ البداية من خلال تسارع صفقات ونجاحات موسكو في شراء مصادر نابوكو من ناحية، والصعوبة في إحراز تغيرات جيوسياسية في كل من إيران وشرق المتوسط (سورية ولبنان) في وقت تسارع فيه تركيا لحجز حصتها في مشروع نابوكو سواء لجهة توقيعها عقداً مع أذربيجان لشراء ستة مليارات متر مكعب من الغاز عام 2017 أو لجهة السعي لوضع اليد على سورية ولبنان إما لعرقلة مرور النفط الإيراني أو لنيل حصة في الثروة الغازية اللبنانية أو السورية أو لكليهما معاً. فيما يبدو السباق ضارياً على حجز مقعد في النظام الدولي الجديد ... عبر الغاز وأشياء أخرى تمتد من الخدمات العسكرية الصغيرة إلى القبب الاستراتيجية للدرع الصاروخي.
ولعل أكثر ما يشكل خطراً على نابوكو هو أن تقوم روسيا بقتل ودفن الأخير من خلال التفاوض على عقود أكثر أفضلية وتنافسية لإمدادات الغاز لتصب في غازبروم بسيليها الشمالي والجنوبي وقطع الطرق عن أي نفوذ (طاقي) وسياسي لأمريكا أو أوروبة في كل من إيران وشرق المتوسط، فضلاً عن أن تكون غازبورم من أهم مستثمري أو مشغلي حقول الغاز حديثة العهد في كل من سورية ولبنان، إذ لم يكن اختيار التوقيت في 16/8/2011 عابراً كي تعلن وزارة النفط السورية عن اكتشاف بئر غاز في منطقة قارة وسط سورية وقرب حمص بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً دون أي حديث عن غاز البحر الأبيض المتوسط.
لقد خفف مشروعا السيل الشمالي والجنوبي من أهمية السياسة الأمريكية التي بدا أنها تتراجع إلى الخلف فيما تراجعت آثار الكُره الكامنة بين دول اوروبة الوسطى وروسيا، إلا أن بولندة لا يبدو أنها ستخرج من اللعبة سريعاً. ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للتراجع، إذ أنها أعلنت في أواخر تشرين الأول 2011 عن التحول المتمثل في سياسات الطاقة بسبب اكتشاف مناجم الغاز الحجري في أوروبة لتقليل الاعتماد على روسيا ... والشرق الأوسط. ولكن يبدو أن هذا أملاً بعيد المنال أو المدى إذ ثمة العديد من الإجراءات قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري من مصادر غير تقليدية كمناجم الغاز الحجري الموجود في الصخور على عمق آلاف الأقدام تحت الأرض ويمكن الحصول عليه بكسر الصخور واستخدام مياه عالية الضغط بالتكسير الهيدروليكي بضخ عالي الضغط للسوائل والرمال في بئر لإطلاق الغاز. ولكن السؤال يطرح نفسه بالمخاوف البيئية من تأثير تقنيات التكسير على المخزون الجوفي ذاته.
الصين على الخط:
يشكل التعاون الروسي – الصيني في مجال الطاقة القوة الموجهة للشراكة الاستراتيجية الصينية – الروسية، وهو ما يراه الخبراء رائزاً يقف وراء الفيتو المشترك لصالح سورية في مجلس الأمن.
إن التعاون في مجال الطاقة هو (شحم) تسريع الشراكة بين العملاقين والأمر يتعدى إمداد الغاز بأفضليات للصين إلى المشاركة في توزيعه عبر (بيع الأصول والمنشآت الجديدة) ومحاولات السيطرة المشتركة على الإدارات التنفيذية لشبكات توزيع الغاز حيث تقدم موسكو حالياً عرضاً بالمرونة في أسعار إمدادات الغاز شريطة أن يسمح لها بالدخول إلى الأسواق الصينية المحلية لأن الأرباح تكمن في الداخل الصيني. ولهذا تم الاتفاق على أن الخبراء الروس والصينيون يستطيعون العمل سوية في الاتجاهات التالية:
"تنسيق استراتيجيات الطاقة في البلدين والتنبؤ ورسم السيناريوهات المستقبلية وتنمية البنية التحتية للسوق وفعالية الطاقة ومصادر الطاقة البديلة".
وهنالك فضلاً عن التعاون في الطاقة مصالح استراتيجية أخرى تتمثل في التصور المشترك الروسي – الصيني في مخاطر المشروع الأمريكي المسمى بالدرع الصاروخي ذلك أن واشنطن تشرك اليابان وكوريا الجنوبية في ذلك المشروع. ولا تكتفي بذلك بل إنها وجهت دعوة إلى الهند في أوائل شهر أيلول/سبتمبر 2011 من أجل أن تصبح الهند شريكاً في البرنامج نفسه. كما تتقاطع مخاوف موسكو وبكين من تحرك واشنطن لإعادة إحياء استراتيجية آسيا الوسطى المدعو (طريق الحرير) وهو نفس توجه مشروع آسيا الوسطى الكبير الذي طرحه جورج بوش الأب لدحر النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى بالتعاون مع تركيا لحسم الموقف في أفغانستان عام 2014 وترتيب النفوذ (الناتوي) هناك والإشارات المتزايدة لرغبة أوزبكستان للقيام بدور المضيف لناتو في هذا المشروع. وهنا يقدر بوتين بأن ما يمكن أن يحبط غزو الغرب بشكل أساسي للرواق الخلفي الروسي لآسيا الوسطى هو اتساع الفضاء الاقتصادي الروسي المشترك مع كازاخستان وبيلاروسيا بالتعاون مع بكين بالنسبة لكازاخستان.
هذه الصورة لآليات الصراع الدولي تفسح في المجال أمام رؤية جانب من عملية تشكيل النظام العالمي الجديد على أرضية الصراع على النفوذ العسكري وعلى أرضية (القبض) على روح العصر: الطاقة وعلى رأسها الغاز.
الغاز السوري:
مع بدء اسرائيل عام 2009 استخراج النفط والغاز بات واضحاً أن حوض المتوسط قد أصبح داخل اللعبة وأن سورية إما إلى هجوم عليها أو إلى سلام في المنطقة لأن عصر الطاقة النظيفة هو القرن الواحد والعشرين.
المعلومات المتوافرة تقول إن هذا الحوض هو الأثرى في العالم بالغاز حيث يؤكد معهد واشنطن أن سورية ستكون الدولة الأغنى وأن الصراع بين تركيا وقبرص سيستعر نظراً لعدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو (رغم أن موسكو وقعت عقداً في 28/12/2011 مع أنقرة اتفقاً لتمرير جزء من السيل الجنوبي عبر أراضيها).
إن معرفة السر الكامن في الغاز السوري سيفهم الجميع حجم اللعبة على الغاز لأن من يملك سورية يملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيت روسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين)، والأهم من يملك الدخول عبرها إلى الغاز يملك العالم خصوصاً أن القرن المقبل هو قرن الغاز. وبتوقيع دمشق اتفاقاً لتمرير الغاز الإيراني عبر العراق إليها ومن ثم للبحر المتوسط يكون الفضاء الجيوسياسي انفتح والفضاء (الغازي) قد أغلق على غاز نابوكو شريان الحياة وقال: "إن سورية هي مفتاح الزمن القادم".
المصدر :
http://www.aqarcity.com/t2799897.html