يشهد العالم تحولاً في المناهج الاقتصادية ليعمل على استثمار رأس المال البشري ورأس المال الفكري إذ يعتمد على صناعة ثروة جديدة قائمة على إنتاج وتوليد ونشر المعرفة، وقد أدركت الجامعات أنه إلى جانب رسالتها العلمية والتعليمية التي تقدمها للمجتمع فإنه يمكنها أن تلعب دوراً استراتيجياً من خلال تأسيس الواحات العلمية في رفع القيمة النوعية للأبحاث والباحثين. وتشير التجارب العالمية إلى أن الواحات العلمية هي الأداة المثالية لتحول الدول نحو اقتصاد المعرفة خاصة تلك التي تحتوي على تكتلات صناعية ذات تقنية عالية وتكون ضمن أو بالقرب من الجامعات.
وانسجاماً مع توجه خطة التنمية الثامنة في المملكة نحو بناء اقتصاد المعرفة كأولوية إستراتيجية لتعزيز البحث العلمي والإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته عالمياً وتنويع موارده وتقليص الاعتماد على الموارد البترولية، أنشأت جامعة الملك سعود مشروع وادي الرياض للتقنية ليكون مشروعاً إستراتيجياً لها لتتمكن من الاستثمار الأمثل لإمكاناتها العلمية والبحثية وإيجاد بيئة محفزة وجاذبة للشركات الاستثمارية وتعزيز الحصيلة المعرفية والمهارية للطلاب والاستفادة من رأس المال البشري ورأس المال المعرفي والفكري للجامعة.
وجامعة الملك سعود في سعيها لتأسيس شركة وادي الرياض تنسجم مع التوجهات الدولية للجامعات المتميزة. إدراكاً منها لأهمية إنتاج المعرفة في بناء الاقتصاديات الوطنية ومدى تأثيرها في التنمية الشاملة والمستدامة فمن خلال استقراء ودراسة للتجارب العالمية التي تؤكد أن 57 % من الاقتصاد العالمي هو اقتصاد معرفي يعمل على إنتاج المعرفة وتوليدها وتصديرها بحيث يكون لها انعكاسات اقتصادية وبما يحقق تنمية مستدامة للأجيال القادمة. ومن هذا المنطلق فإن صدور موافقة مقام مجلس الوزراء الموقر على تأسيس شركة وادي الرياض يسهم في تمكين جامعة الملك سعود من تحقيق أهدافها للإسهام في التنمية الشاملة للوطن من خلال تطوير عمليات البحث العلمي والتطبيقي في الجامعة وتهيئة بيئة جاذبة لصناعة الأبحاث وتطوير صناعات قائمة على المعرفة وتقديم خدمات بحثية عالية القيمة للمجتمع في مجالات الكيماويات والبتروكيماويات والطاقة والمياه والأغذية والدوائيات وتقنية المعلومات والاتصالات والمواد، وتدريب وتطوير مهارات الطلاب وإيجاد بيئة جاذبة للعلماء والباحثين العاملين في المشاريع والمراكز والمعاهد البحثية للجامعة. وكل ذلك يسهم في تحويل منتجاتها ومشاريعها البحثية إلى واقع استثماري يحقق عوائد اقتصادية تعزز تنوع التكوين الاقتصادي للمملكة وتمكن معايير التنافسية الدولية لاستثماراتها، كما أنها تحقق عائداً اقتصادياً للجامعة يمكنها من تطوير مجال الأبحاث والريادة والتنافس عالمياً.
مقر شركة وادي الرياض
وجامعة الملك سعود باعتبارها الجامعة الأم في المملكة أخذت مبادرة تأسيس ذراع استثماري لإدارة الواحات العلمية في الجامعات السعودية من خلال تأسيس شركة وادي الرياض وتأمل الجامعة بأن يكون وادي الرياض للتقنية إن شاء الله تعالى نموذجاً متميزاً ورائداً للواحات العلمية التي تسهم من خلاله في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بما يخدم الاقتصاد الوطني وبما يساعد على إرساء الاقتصاد المعرفي في المملكة، واستثمار إمكانات الجامعة المعرفية والفكرية ومواردها الذاتية في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المعرفي، لا سيما وأن الجامعة اتجهت إلى تفعيل الجانب البحثي فيها بتأسيسها لجملة من المبادرات المتميزة في إنشاء كراسي البحوث ومراكز التميز البحثي ومعامل الأبحاث العالمية والمعاهد البحثية كمعهد الملك عبد الله لتقنية النانو، ومعهد الأمير سلطان للتقنيات المتقدمة ويتوافر لها أكثر من ( 5000 ) باحث وخبير كما أنها تتميز بشمولية تخصصاتها العلمية والتطبيقية والبحثية إضافة إلى بنية تحتية وتجهيزات تصل قيمتها لأكثر من ( 70 ) مليار ريال وشبكة تحالفات مع أفضل الجامعات ومراكز البحث العالمية.
إستراتيجية جامعة الملك سعود في إنشاء شركة وادي الرياض:
أولاً: جامعة الملك سعود في سعيها لتأسيس شركة وادي الرياض تنسجم مع التوجهات الدولية للجامعات المتميزة وكذلك مع ما شرعت به المملكة من توجه مماثل في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
ثانياً: قيام شركة متخصصة في استثمار الإبداع وتنمية الابتكارات وتطوير التقنية وتحويل مخرجات البحث العلمي إلى واقع ملموس يعد أمراً ضرورياً لتحقيق توجهات خطة التنمية الثامنة التي نصت على: "إنشاء الحدائق العلمية في الجامعات ومراكز الأبحاث، وتوجيه المزيد من الاهتمام لتشجيع التمويل المشترك وبرامج الأبحاث المشتركة بين الصناعة ومؤسسات القطاع العام،وقيام حاضنات الأعمال بهدف تحويل نتائج الأبحاث إلى تطبيقات تجارية وصناعية" وهذا ما فعلته واحات العلوم على المستوى العالمي حتى تحصل على المرونة اللازمة في الشراكة مع القطاع الصناعي واستثمار إنتاجها الفكري وتنمية مواردها.
ثالثاً: حققت جامعة الملك سعود عبر تاريخها الكثير من الإنجازات العلمية والإبداعية التي سجلت كبراءات اختراع أو نشرت في المجلات والمؤتمرات العلمية الدولية المتخصصة. إلا أنها لم تتمكن قط من استثمار هذه المخرجات وتحويل تلك الثروات المعرفية إلى عوائد مالية للجامعة والمبدعين وذلك لافتقارها إلى الصيغة القانونية المناسبة لهذا الدور.
رابعاً: انطلاقاً من الأهداف المرسومة لمشروع وادي الرياض للتقنية في جامعة الملك سعود، وفي ضوء الخيارات الاستثمارية المتاحة للوادي، فإن ( شركة وادي الرياض ) تتولى إدارة مشروع وادي الرياض للتقنية على أساس الشراكة بين القطاع الحكومي المتمثل في جامعة الملك سعود والقطاع الخاص المتمثل في الشركات المحلية والعالمية المتميزة ( Public Private Partnership).
خامساً: تم اعتماد مشروع وادي الرياض للتقنية وتحديد توجهاته وإستراتيجياته بناء على دراسات متعددة نفذتها مجموعة من بيوت الخبرة العالمية ومنها معهد ستانفورد للأبحاث ( SRI ) الذي أعد دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع وادي الرياض للتقنية بتكليف من جامعة الملك سعود وتوضح الدراسة على سبيل التفصيل النهج المناسب لهيكلة وتنظيم أداة تخطيطية مشتركة لتحمل مسؤولية تنمية وتطوير مشروع الوادي، وتقدم عرضاً تفصيلياً لتجارب واقعية لنجاحات بعض من الواحات العلمية العالمية وذلك لتسليط الضوء على ملامحها التأسيسية الرئيسية، وكان من أهم نتائج الدراسة:
أن جامعة الملك سعود تمتلك قاعدة بحثية قوية ومتنامية يمكن أن تشكل إطاراً ودعماً جوهرياً للأنشطة التي يتبناها وادي الرياض للتقنية،هذه القدرات والإمكانات البحثية توجد على وجه الخصوص في كليات الصيدلة والطب والعلوم والحاسب والمعلومات والهندسة وعلوم الأغذية والزراعة.
وقد تركزت القدرة البحثية المتنامية في مجالات محددة هي البتروكيماويات والهندسة الكيمائية والمركبات الكيمائية والمعلوماتية الحيوية.
التركيز على تقنيات الكيماويات والمواد والتقنيات الزراعية والحيوية والبيئية وشركات وخدمات الاتصالات والمعلومات تعد بمثابة محرك للتطوير المستقبلي للوادي.
يحتاج الوادي لأن يصبح أكثر من مجرد موقع تستقر فيه الشركات القائمة بالفعل، وبذلك فهو يحتاج إلى أن يصبح مشاركاً في تعزيز الأفكار والمعرفة، وناقلاً إياها إلى فرص تطويرية منتجة وذلك بتبني سلسلة من الخدمات والبرامج كدعم استباقي لتنمية هذه المشروعات وتأهيلها تجاريا.
الوضع التنافسي للوادي بين نظرائه في المنطقة وكذلك إستراتيجيته نحو التعاون يمثلان عاملاً مهما في تحديد جدواه واستدامته على المدى البعيد.
هناك حاجة إلى إنشاء إطار تخطيطي تنفيذي وهيكل قيادي لإدارة وتوجيه عملية تنمية الوادي، هذا الإطار يتضمن الإعداد لسلسة من الوثائق التخطيطية للشركات، تتضمن خطة العمل والإستراتيجية التجارية والخطة المالية والإجراءات التنفيذية.
ينبغي أن يدار الوادي على اعتبار انه استثمار من أجل الربح، هذا الاستثمار المشترك يجب أن يعمل كالموجه للوادي، بالإضافة إلى عدد من الأمور التنموية البارزة.
سادساً: تلتزم الشركة بتنفيذ الإستراتيجية الخاصة بوادي الرياض للتقنية وفق ما تقرره الجهات المختصة وتشرع في ذلك فور صدور الموافقة على تأسيس الشركة.
سابعاً: تقوم الشركة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للإسهام في تنفيذ إستراتيجية المشروع وذلك بدعوة الشركات والمراكز البحثية المحلية والعالمية الرائدة في مجال التقنية والبحث العلمي للاستثمار في المشروع سواء بمفردها أو بالمشاركة معها وذلك للعمل كمطورين مع مراعاة المجالات البحثية التي تم اعتمادها للوادي.
الميزة التنافسية للوادي:
تعزيز التنافس الاقتصادي والاستثماري لوادي الرياض للتقنية على مستوى المملكة والخليج العربي هو الضمان الوحيد لاستمرارية تدفق الاستثمارات وجذب مجموعات العمل من الشركات والأفراد.
ولهذا سيستهدف الوادي استقطاب مزيج متجانس من الشركات التجارية وشركات ومراكز الأبحاث. ولأهمية تعزيز عامل الجذب التجاري في دفع عجلة تأسيس المجتمع المعرفي، سيتم إعطاء نسبة كبيرة لجذب رأس المال المعرفي للشركات التجارية؛ مع الاحتفاظ بنسبة أقل لمراكز البحث والأنشطة الأكاديمية ذات العلاقة.