معركة الأرك ( 591 هـ-1195 م )
قرر ألفونسو الثامن ملك قشتالة أن يحمل على عاتقه مهمة دحر الأمراء الموحدين من بلاد الأندلس، فراح يغزو مناطقهم، يعيث في بسطائها ويهاجم قواعدها متحديا خليفة الموحدين في المغرب بدعوته إلى الحرب ! غضب الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور من تجبر الملك الإسباني واستخفافه بقوته فراح يعبئ الجيوش ثم عبر مضيق جبل طارق فانضمت إليه العساكر الأندلسية، فتألف منها جميعاً جحفل جرار تقدره بعض الروايات بستمائة ألف مقاتل.
كان الخليفة المنصور يرمي في زحفه إلى مساورة طليطلة عاصمة مملكة قشتالة الإسبانية فبلغه أن ألفونسو الثامن حشد جيوشه بين قرطبه وقلعة رباح بالقرب من حصن الأرك فقصد إلى لقائه، ولما صار منه على مسافة يومين عقد مجلساً للشورى مع كبار القواد وأصحاب الرأي، فأشار عليه القائد الأندلسي أبو عبدالله بن صناديد بتوحيد القيادة وخطة القتال، وأن تقوم الجيوش النظامية بمجابهة الإسبان وأن تبقى القوات غير النظامية المجاهدة قريبة، فإذا تساجل القتال فاجأت العدو بهجوم مفاجئ.
ابتدأت معركة الأرك في 19 يونيو 1195م، واسم الأرك الذي سميت به المعركة اشتق تعريبا من كلمة ألاركوس الإسبانية التي تعني الأقواس وهو اسم تلة قامت عليها الحرب. أمام هجوم الموحدين المفاجئ تراجع الأسبان مكرهين وانهزموا إلى التلال يتحصنون وأبى الخليفة الموحدي أن ينتهي النهار قبل إحراز النصر كاملاً فجمع الجيش ومشى إلى التلال مع القوات الأندلسية فدافع الأسبان ما استطاعوا، حتى لم يبق منهم إلا فضلة يسيرة خشيت أن تخسر ملكها، فأكرهته على الانكفاء منقذه حياته. ثم اقتحم المسلمون حصن الأرك فاستولوا عليه، وهاجموا قلعة رباح فامتلكوها، وانتهت المعركة بانكسار ساحق للقشتاليين.
إن موقعة الأرك قد أوقعت هيبة الموحدين في نفوس الملوك الأسبان، فأسرعت مملكتا "ليون" ونافرا إلى محالفة الخليفة المنصور، وهما في تأخرهما عن نجدة ألفونسو القتشتالي أسهما في إيصاله إلى هذه النتيجة الفاجعة. حاصر أبو يوسف يعقوب المنصور مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الإسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس. ثم إن ألفونسو نفسه التمس من المنصور الهدنة... وقد رضى المنصور بمهادنته بعدما بلغه خبر اندلاع ثورة قام بها بعض القبائل بالمغرب... فعاد إلى مراكش وقضى على الفتنة وانصرف إلى إصلاح شؤون البلاد بالمغرب الكبير.
ما أن عاد السلطان يعقوب المنصور إلى المغرب، حتى أعاد الإفرنج تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم، بينما زاد التناحر والتحارب مماليك الطوائف. كما تميزت هذه الفترة باستعانة المسلمين بالإسبان على إخوانهم المسلمين وبالتالي صار الإسبان يضربون بعض هذه المماليك ببعضها. سقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت اشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الإسبان بمعونة حلفائهم من أمراء المماليك. وكان ممن اشترك في الحصار ابن الأحمر مؤسس دولة بني الأحمر في غرناطة. وأخيراً فتحت اشبيلية أبوابها للإسبان فبدأت المجازر المؤلمة. وقد رثى الشعراء سقوط اشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الأبيات للشاعر موسى بن هارون:
فكم أسارى غدت في القيد موثقةً تشكو من الذل إقداماً لها حُطما
وكم صريع رضيع ظل مختطفاً عن أمه فهو بالأمواج قد فُطِما
يدعو الوليد أباه وهو في شغل عن الجوابِ بدمع سال وانسجما
فكم ترى والهاً فيهم ووالهةً لا يرجع الطرف إن حاولته الكلما
في كل حين ترى صرعى مجدّلةً وآخرين أسارى خطبهم عظما
حاول الموحدون أن يحافظوا جهد الإمكان على التواجد المغربي بالأندلس لصد هجمات المسيحيين إلا أنهم لم يحرزوا نفس نجاح المرابطين. لقد عبرت جيوشهم مرارا، لكن تحطمت حملة الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن ضد القشتاليين تحت أسوار وبذة (567 هـ – 1172 م.)، وتحطمت حملته ثانية ضد البرتغاليين تحت أسوار شنترين (580 هـ – 1184)، ولم تبرز الجيوش الموحدية بالأندلس إلا في معركة الأرك في عهد يعقوب المنصور (609 هـ – 1195 م). غير أن هذا النصر الذي أكسب الموحدين هيبة في بلاد النصارى بإسبانيا لم يلبث أن محت معالمه آثار هزيمة العقاب (609 هـ – 1212 م) بعد ذلك.
وقد جاء السقوط المتسارع لممالك الطوائف نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 1212م بين الإسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من أرض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين الأيوبي، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب أبي يوسف الذي عبر إلى الأندلس، إلاّ أن تعسفه وسوء إدارته أدت إلى انفضاض مسلمي الأندلس عنه عند أول هجوم للإسبان في تلك المعركة، فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الإسبان. وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين أنذرت بنهاية الحكم الإسلامي بالأندلس.
في عهد المرينيين سيتراجع المغرب تدريجيا عن الأندلس إلى أن سقطت كلها في يد الإسبان. وقد اجتاز يعقوب بن عبدالحق المريني في فترة ملكه الممتدة بين (656 هـ و685 هـ - 1258 م و1286 م) إلى الأندلس أربع مرات لكنه لم يحصل في الأخير على نتائج تذكر.
المصدر : موقع الحوار www.ahewar.org
قرر ألفونسو الثامن ملك قشتالة أن يحمل على عاتقه مهمة دحر الأمراء الموحدين من بلاد الأندلس، فراح يغزو مناطقهم، يعيث في بسطائها ويهاجم قواعدها متحديا خليفة الموحدين في المغرب بدعوته إلى الحرب ! غضب الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور من تجبر الملك الإسباني واستخفافه بقوته فراح يعبئ الجيوش ثم عبر مضيق جبل طارق فانضمت إليه العساكر الأندلسية، فتألف منها جميعاً جحفل جرار تقدره بعض الروايات بستمائة ألف مقاتل.
كان الخليفة المنصور يرمي في زحفه إلى مساورة طليطلة عاصمة مملكة قشتالة الإسبانية فبلغه أن ألفونسو الثامن حشد جيوشه بين قرطبه وقلعة رباح بالقرب من حصن الأرك فقصد إلى لقائه، ولما صار منه على مسافة يومين عقد مجلساً للشورى مع كبار القواد وأصحاب الرأي، فأشار عليه القائد الأندلسي أبو عبدالله بن صناديد بتوحيد القيادة وخطة القتال، وأن تقوم الجيوش النظامية بمجابهة الإسبان وأن تبقى القوات غير النظامية المجاهدة قريبة، فإذا تساجل القتال فاجأت العدو بهجوم مفاجئ.
ابتدأت معركة الأرك في 19 يونيو 1195م، واسم الأرك الذي سميت به المعركة اشتق تعريبا من كلمة ألاركوس الإسبانية التي تعني الأقواس وهو اسم تلة قامت عليها الحرب. أمام هجوم الموحدين المفاجئ تراجع الأسبان مكرهين وانهزموا إلى التلال يتحصنون وأبى الخليفة الموحدي أن ينتهي النهار قبل إحراز النصر كاملاً فجمع الجيش ومشى إلى التلال مع القوات الأندلسية فدافع الأسبان ما استطاعوا، حتى لم يبق منهم إلا فضلة يسيرة خشيت أن تخسر ملكها، فأكرهته على الانكفاء منقذه حياته. ثم اقتحم المسلمون حصن الأرك فاستولوا عليه، وهاجموا قلعة رباح فامتلكوها، وانتهت المعركة بانكسار ساحق للقشتاليين.
إن موقعة الأرك قد أوقعت هيبة الموحدين في نفوس الملوك الأسبان، فأسرعت مملكتا "ليون" ونافرا إلى محالفة الخليفة المنصور، وهما في تأخرهما عن نجدة ألفونسو القتشتالي أسهما في إيصاله إلى هذه النتيجة الفاجعة. حاصر أبو يوسف يعقوب المنصور مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الإسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس. ثم إن ألفونسو نفسه التمس من المنصور الهدنة... وقد رضى المنصور بمهادنته بعدما بلغه خبر اندلاع ثورة قام بها بعض القبائل بالمغرب... فعاد إلى مراكش وقضى على الفتنة وانصرف إلى إصلاح شؤون البلاد بالمغرب الكبير.
ما أن عاد السلطان يعقوب المنصور إلى المغرب، حتى أعاد الإفرنج تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم، بينما زاد التناحر والتحارب مماليك الطوائف. كما تميزت هذه الفترة باستعانة المسلمين بالإسبان على إخوانهم المسلمين وبالتالي صار الإسبان يضربون بعض هذه المماليك ببعضها. سقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت اشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الإسبان بمعونة حلفائهم من أمراء المماليك. وكان ممن اشترك في الحصار ابن الأحمر مؤسس دولة بني الأحمر في غرناطة. وأخيراً فتحت اشبيلية أبوابها للإسبان فبدأت المجازر المؤلمة. وقد رثى الشعراء سقوط اشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الأبيات للشاعر موسى بن هارون:
فكم أسارى غدت في القيد موثقةً تشكو من الذل إقداماً لها حُطما
وكم صريع رضيع ظل مختطفاً عن أمه فهو بالأمواج قد فُطِما
يدعو الوليد أباه وهو في شغل عن الجوابِ بدمع سال وانسجما
فكم ترى والهاً فيهم ووالهةً لا يرجع الطرف إن حاولته الكلما
في كل حين ترى صرعى مجدّلةً وآخرين أسارى خطبهم عظما
حاول الموحدون أن يحافظوا جهد الإمكان على التواجد المغربي بالأندلس لصد هجمات المسيحيين إلا أنهم لم يحرزوا نفس نجاح المرابطين. لقد عبرت جيوشهم مرارا، لكن تحطمت حملة الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن ضد القشتاليين تحت أسوار وبذة (567 هـ – 1172 م.)، وتحطمت حملته ثانية ضد البرتغاليين تحت أسوار شنترين (580 هـ – 1184)، ولم تبرز الجيوش الموحدية بالأندلس إلا في معركة الأرك في عهد يعقوب المنصور (609 هـ – 1195 م). غير أن هذا النصر الذي أكسب الموحدين هيبة في بلاد النصارى بإسبانيا لم يلبث أن محت معالمه آثار هزيمة العقاب (609 هـ – 1212 م) بعد ذلك.
وقد جاء السقوط المتسارع لممالك الطوائف نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 1212م بين الإسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من أرض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين الأيوبي، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب أبي يوسف الذي عبر إلى الأندلس، إلاّ أن تعسفه وسوء إدارته أدت إلى انفضاض مسلمي الأندلس عنه عند أول هجوم للإسبان في تلك المعركة، فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الإسبان. وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين أنذرت بنهاية الحكم الإسلامي بالأندلس.
في عهد المرينيين سيتراجع المغرب تدريجيا عن الأندلس إلى أن سقطت كلها في يد الإسبان. وقد اجتاز يعقوب بن عبدالحق المريني في فترة ملكه الممتدة بين (656 هـ و685 هـ - 1258 م و1286 م) إلى الأندلس أربع مرات لكنه لم يحصل في الأخير على نتائج تذكر.
المصدر : موقع الحوار www.ahewar.org