حادثة الأول من أبريل ( طائرة التجسس الأمريكية في قبضة الصين)
تاريخ عسكري
ضجت وسائل الإعلام العالمية في الأول من أبريل من العام 2001م بخبر اصطدام مقاتلة صينية
من طراز "J-8 land" مع طائرة تجسس أمريكية من طراز "EP-3E"
فوق جزيرة " هاينان" الصينية
والذي
نتج عنه تحطم الطائرة الصينية وغرقها وفقدان طيارها وهبوط الطائرة
الأمريكية اضطراريا في مطار جزيرة : هاينان" الصينية وسلامة طاقمها المكون
من 24 فرداً .
وقد تسببت هذه الحادثة بنشوب أزمة سياسية بين
الصين والولايات المتحدة الأمريكية مرت بكثير من المحطات والمنعطفات الحرجة
قبل أن يتنازل كل طرف عن جزء من حقوقه التي يرى على ضوءها أن موقفه هو
الصواب وما دونه هو الخطأ وقبل أن يحقق كل طرف أهدافه الخاصة به .
جزيرة هاينان .... بؤرة الصراع :
"هاينان
" هي عبارة عن جزيرة تقع في جنوب الصين وقد تحولت منذ العام 1999م إلى
قاعدة عسكرية للصواريخ ، كما شهدت تطوراً هائلاً في قدرات الصين
الإستراتيجية لمواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة ، وأظهرت الصين فيها
تعاظماً ملحوظاً في قدراتها الفضائية والعسكرية والاستخباراتية .
خاصةً
وأن هذه الجزيرة تقع جغرافياً قريباً من خط الاستواء وهو ما يسهل عملية
وضع الأقمار الاصطناعية الصينية في الفضاء ، ومن الناحية البحرية تم تزويد
هذه الجزيرة بالغواصات وقوات بحرية عملاقة لتحري التحركات الأمريكية على
البحار نظراً لموقع هذه الجزيرة الهام .
البداية :
هذه
الأعمال التي تجري على الجزيرة الصينية لفتت أنظار الإدارة الأمريكية
الأمر الذي جعلها تخطو خطوات سريعة وجادة في تقنياتها وبرامجها الفضائية
استعدادا لمواجهة هذا التنين (العملاق الأصفر) الذي يتضخم عاماً بعد عام .
من
هنا ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث جدياً في إنشاء برامج لبناء جيل
جديد من أقمار التجسس لتحوي أربعة وعشرون قمراً فضائياً تجسسياً .
وبدأ
بالفعل المكتب الأمريكي للاستطلاع بتطبيق ذلك البرنامج الذي وصلت تكلفته
حوالي "25" مليار دولار أمريكي نظراً لدقة تطور الأجهزة الملحقة به من
رادارات وتلسكوبات وآلات تصوير ، والتي لها القدرة على التقاط الصور أكثر
بعشرين مرة من الشبكة التي كانت مستخدمة في حينه ، وقد شاركت بريطانيا في
هذا المشروع الحيوي .
وما حادثة الأول من أبريل إلا دليلاً صريحاً على المجهودات الأمريكية المستمرة في هذا الاتجاه .
الحادثة :
في
الأول من أبريل 2001م حلقت طائرة استطلاع أمريكية من طراز "EP-3E" وهي
طائرة ضمن قوة الأسطول البحري الأمريكي المرابط في سواحل تايوان معلنةً
ومنذ أول يوم في ذلك العام وفي بداية ولاية الرئيس الأمريكي بوش الابن أن
القرن 21 هو عصر التجسس والمعلومات والتصوير الفضائي .. بل عصر الفضاء
بمعناه الشامل .
وبينما كانت طائرة التجسس الأمريكية تمارس الهواية
المفضلة بتنفيذ أعمال التجسس التي اعتادت على ممارستها كل يوم رصدتها أعين
التنين الصيني حيث لم تكن المرة الأولى التي ترصد فيها مثل هذه الطائرات
فهي عملية أصبحت شبة يومية ، بل أصبحت الصين تعرف أن أراضيها وحدودها أصبحت
مستهدفة وبشكل مستمر من قبل طائرات الاستطلاع الأمريكية .
وفي
هذه المرة اختلف الأمر كثيراً فبعد أن قام قائد طائرة الاستطلاع ( أو
بالأصح التجسس) الأمريكية بالدخول إلى الحدود الإقليمية الصينية إذا
بطائرتين صينيتين تحاصرانه من الجانبين الأيمن والأيسر وبصورة تبدو عليها
ملامح الغيرة والتحدي لهذا السفور الأمريكي الفاضح والذي تعدى على جميع
المواثيق والمعاهدات الدولية ولم يراعي أي خصوصيات سيادية للأراضي الصينية .
وأثناء عملية الحصار المحكم على الطائرة الأمريكية وبعد
محاولات يائسة من قبل طاقم الطائرة لمحاولة الإفلات من هذا الحصار بإجراء
مناورات وحركات جوية يحاول من خلالها تخويف الطائرتين الصينيتين .
أزداد
الطياران الصينيان حماساً وتحدياً وهو ما دفع بأحدهما لأن يقترب أكثر من
الطائرة الأمريكية لتضييق المسافة الفاصلة بينهما وإجبار الطائرة الأمريكية
على الهبوط .
هذا الإجراء الانتحاري أدى إلى اصطدام الطائرة
المقاتلة الصينية بمروحة أحد أجنحة الطائرة الأمريكية عند محاولة الطيار
الأمريكي الميلان بزاوية معينة وهو ما أدى إلى تحطم الطائرة الصينية
وانشطارها إلى نصفين وغرقها وموت وفقدان الطيار الصيني ، وحدوث أضرار وخلل
في توازن الطائرة الأمريكية أضطرها للهبوط في مطار جزيرة "هاينان" الصينية
ترافقها الطائرة الصينية الأخرى والتي كان طيارها على أهبة الاستعداد
لتنفيذ أي أوامر هجومية في حق الطائرة الأمريكية التي تسببت في مقتل زميله
إذا ما حاول طاقم الطائرة الأمريكية الفرار .
وما إن حطت
الطائرة الأمريكية على أرض مطار جزيرة " هاينان" العسكري حتى حاصرتها
القوات الصينية والتي كانت في جاهزية عالية من الاستعداد طالبةً من طاقمها
الــ"24" أن يخرجوا من الطائرة ويسلموا أنفسهم والذي لم يستمر طويلاً حتى
سلم الطاقم نفسه .
وضجت وسائل الإعلام بهذا الخبر وظهرت بوادر
أزمة سياسية قوية بين الجانبين من خلال تصريحات كل طرف ، وتبادل الطرفان
التهديدات المختلفة وازداد الغليان في الشارع الصيني على هذا التحدي
الأمريكي الذي سار ضحيته طيار صيني مع طائرته وانتهاك للأراضي الصينية وهو
ما دفع بالحكومة الصينية إلى أن تتشدد في موقفها ومنذ الوهلة الأولى
للحادثة .
يقابل ذلك قلق كبير لدى الإدارة الأمريكية بمصير طاقم
طائرتها وأسرارها العسكرية التي وقعت في قبضة الصين وخوف لدى الطاقم
المحتجز جعل من التصريحات الأمريكية أكثر تشنجاً وفزعاً .
وقد
حاولت الإدارة الأمريكية التقليل من أهمية وحجم المعلومات التي وقعت في
أيدي الصين مؤكدين بأن طاقم الطائرة قد نفذ مهمته في تحطيم الأجهزة وحذف
البيانات والمعلومات كاملة على أكمل وجه ، وأن الصينيين لم يتمكنوا من
الحصول على شيء بل أنهم لم يجرؤا على الدخول إلى الطائرة لأنها تعتبر جزء
من السيادة الأمريكية ودخولها يعتبر تعدي على هذه السيادة ، وظلت أقمارهم
الاصطناعية وعلى مدار الساعة ترصد موقع الطائرة أولاً بأول خشية أن يقوم
الصينيون بأي نزع أو نقل لأجهزة الطائرة .
ولكن الدلائل تؤكد بأن
الصينيين كانوا على أهبة الاستعداد لاستقبال هذا الضيف الذي طالما تمنوا
لقائه ، وما أن حطت الطائرة على مطار الجزيرة واستسلم طاقمها وتم نقلهم حتى
مارس الصينيون احترافهم المشهود له بنقل الأجهزة وأخذ صورة كاملة عن
الطائرة ومحتوياتها ومعلوماتها وإن كانت منقوصة إلا أنها معلومات غير عادية
وهي البداية التي سوف يصلون بها إلى التكنولوجيا الأمريكية في هذا الجانب
مما يسهل على العقول الصينية " تقليدها" بل وإتقانها وهو ما يمتاز به
الصينيون عن غيرهم .
وتلت ذلك أيام ذات حمى سياسية شديدة تبادل
فيها الطرفان التصريحات ، ففي مقابل الموقف الصيني الثابت والقوي والمتمثل
في عدم الإفراج عن الطاقم الطائرة الأمريكية وإصرارها على أن تقدم
الولايات المتحدة الأمريكية اعتذاراً رسمياً للشعب الصيني على هذا التعدي
الذي نتج عنه مقتل طيار صيني وتحطم طائرته والذي نعته الجماهير الصينية
بالشهيد في مقابل ذلك كان موقف الإدارة الأمريكية متصلب ومتشدد ، بل أنهم
حملوا الطيار الصيني الخطأ بأنه هو الذي اقترب من طائرتهم حتى فقد السيطرة
على طائرته واصطدم ومن ثم فقد تسبب في هلاك نفسه وطائرته وألحق أضرار كبيرة
بطائرتهم التي كانت تمارس مهامها خارج الحدود الصينية حسب قولهم .
وقد
لوح الكونجرس الأمريكي بعدد من أوراق الضغط التي يمكن أن يستخدمها ضد
الصين ومن ذلك الورقة التايوانية وورقة الاقتصاد والتجارة العالمية وورقة
الحقوق والحريات في الصين .
ولكن موقف الصين ظل متماسكاً
وقوياً في المطالبة في أن تقدم أمريكيا اعتذاراً رسمياً للصين في مقابل أن
تقوم الصين بإطلاق طاقم الطائرة الأربعة والعشرون ، وأن ذلك هو السبيل
الوحيد لحل هذه المشكلة .
وقدمت بعد ذلك الولايات المتحدة
الأمريكية وعلى لسان الرئيس جورج دبليو بوش اعتذاراً رسمياً للصين وتكرر
ذلك الاعتذار أكثر من مرة على لسان بعض المسئولين الأمريكيين والذي على
ضوءه أطلقت الصين سراح الطاقم وأبقت على الطائرة
حيث رفض الصينيون
الإفراج عنها إلا بشروط أخرى وذلك بعد المحاولات الأمريكية لإقناع الجانب
الصيني بأن يتم إرسال فريق فنيين ومختصين ليتم إصلاح الأضرار التي لحقت
بالطائرة وتجهيزها لتقلع من مطار الجزيرة وتعود إلى حيث ترابط ضمن الأسطول
البحري الأمريكي .
وقد اعتبر الصينيون حكومةً وشعباً ذلك قمةً في السخرية والعنجهية الأمريكية بأن يسمح لهذه الطائرة المعتدية أن تقلع وتحلق مرةً أخرى فوق الأراضي الصينية.
هذا
الموقف والسخط في الشارع الصيني دفع الحكومة الصينية بأن ترفض هذا الطلب
الأمريكي وأن تشترط على أمريكا أن يتم نقل هذه الطائرة بعد تفكيكها جواً
عبر وسيط ثالث يقوم بعملية الشحن إلى الجهة التي تحددها الولايات المتحدة
الأمريكية.
ولم
تجد أمريكا خياراً آخر غير الخضوع مرة أخرى للشروط الصينية والتي يبدو
أنها أسلوب عقابي لواشنطن بسبب ما أحدثته هذه الطائرة وطاقمها .
وعلى
ضوء ذلك أنزلت وزارة الدفاع الأمريكية مناقصة عالمية أمام شركات النقل
الجوي لإرسال طائرة أو أكثر إلى جزيرة " هاينان" الصينية لتقوم بنقل
الطائرة وأجزاءها المفككة إلى اليابان وذلك في طريق عودتها إلى الولايات
المتحدة الأمريكية حيث كانت اليابان مساندة رئيسية في مواقفها للإدارة
الأمريكية خلال هذه الأزمة .
وبعد أن رست المناقصة على طائرة النقل الأكبر في العالم أنتوف " 124 " الروسية
تم
تفكيك الطائرة لتعود إلى أمريكا وهي مقطعة الأوصال ، ومكسورة الجناحين
تاركةً رسالة واضحة مفادها أن التنين الصيني أراد أن يهين هذا الصلف
الأمريكي حتى اللحظات الأخيرة لحل هذه الأزمة .
وهكذا انتصرت الصين حكومةًً وشعباً لكرامتهم التي حاول الأمريكان انتهاكها على مرمى ومسمع من الجميع .
فهل وعت الإدارة الأمريكية ذلك الدرس ؟؟؟
تاريخ عسكري
ضجت وسائل الإعلام العالمية في الأول من أبريل من العام 2001م بخبر اصطدام مقاتلة صينية
من طراز "J-8 land" مع طائرة تجسس أمريكية من طراز "EP-3E"
فوق جزيرة " هاينان" الصينية
والذي
نتج عنه تحطم الطائرة الصينية وغرقها وفقدان طيارها وهبوط الطائرة
الأمريكية اضطراريا في مطار جزيرة : هاينان" الصينية وسلامة طاقمها المكون
من 24 فرداً .
وقد تسببت هذه الحادثة بنشوب أزمة سياسية بين
الصين والولايات المتحدة الأمريكية مرت بكثير من المحطات والمنعطفات الحرجة
قبل أن يتنازل كل طرف عن جزء من حقوقه التي يرى على ضوءها أن موقفه هو
الصواب وما دونه هو الخطأ وقبل أن يحقق كل طرف أهدافه الخاصة به .
جزيرة هاينان .... بؤرة الصراع :
"هاينان
" هي عبارة عن جزيرة تقع في جنوب الصين وقد تحولت منذ العام 1999م إلى
قاعدة عسكرية للصواريخ ، كما شهدت تطوراً هائلاً في قدرات الصين
الإستراتيجية لمواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة ، وأظهرت الصين فيها
تعاظماً ملحوظاً في قدراتها الفضائية والعسكرية والاستخباراتية .
خاصةً
وأن هذه الجزيرة تقع جغرافياً قريباً من خط الاستواء وهو ما يسهل عملية
وضع الأقمار الاصطناعية الصينية في الفضاء ، ومن الناحية البحرية تم تزويد
هذه الجزيرة بالغواصات وقوات بحرية عملاقة لتحري التحركات الأمريكية على
البحار نظراً لموقع هذه الجزيرة الهام .
البداية :
هذه
الأعمال التي تجري على الجزيرة الصينية لفتت أنظار الإدارة الأمريكية
الأمر الذي جعلها تخطو خطوات سريعة وجادة في تقنياتها وبرامجها الفضائية
استعدادا لمواجهة هذا التنين (العملاق الأصفر) الذي يتضخم عاماً بعد عام .
من
هنا ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث جدياً في إنشاء برامج لبناء جيل
جديد من أقمار التجسس لتحوي أربعة وعشرون قمراً فضائياً تجسسياً .
وبدأ
بالفعل المكتب الأمريكي للاستطلاع بتطبيق ذلك البرنامج الذي وصلت تكلفته
حوالي "25" مليار دولار أمريكي نظراً لدقة تطور الأجهزة الملحقة به من
رادارات وتلسكوبات وآلات تصوير ، والتي لها القدرة على التقاط الصور أكثر
بعشرين مرة من الشبكة التي كانت مستخدمة في حينه ، وقد شاركت بريطانيا في
هذا المشروع الحيوي .
وما حادثة الأول من أبريل إلا دليلاً صريحاً على المجهودات الأمريكية المستمرة في هذا الاتجاه .
الحادثة :
في
الأول من أبريل 2001م حلقت طائرة استطلاع أمريكية من طراز "EP-3E" وهي
طائرة ضمن قوة الأسطول البحري الأمريكي المرابط في سواحل تايوان معلنةً
ومنذ أول يوم في ذلك العام وفي بداية ولاية الرئيس الأمريكي بوش الابن أن
القرن 21 هو عصر التجسس والمعلومات والتصوير الفضائي .. بل عصر الفضاء
بمعناه الشامل .
وبينما كانت طائرة التجسس الأمريكية تمارس الهواية
المفضلة بتنفيذ أعمال التجسس التي اعتادت على ممارستها كل يوم رصدتها أعين
التنين الصيني حيث لم تكن المرة الأولى التي ترصد فيها مثل هذه الطائرات
فهي عملية أصبحت شبة يومية ، بل أصبحت الصين تعرف أن أراضيها وحدودها أصبحت
مستهدفة وبشكل مستمر من قبل طائرات الاستطلاع الأمريكية .
وفي
هذه المرة اختلف الأمر كثيراً فبعد أن قام قائد طائرة الاستطلاع ( أو
بالأصح التجسس) الأمريكية بالدخول إلى الحدود الإقليمية الصينية إذا
بطائرتين صينيتين تحاصرانه من الجانبين الأيمن والأيسر وبصورة تبدو عليها
ملامح الغيرة والتحدي لهذا السفور الأمريكي الفاضح والذي تعدى على جميع
المواثيق والمعاهدات الدولية ولم يراعي أي خصوصيات سيادية للأراضي الصينية .
وأثناء عملية الحصار المحكم على الطائرة الأمريكية وبعد
محاولات يائسة من قبل طاقم الطائرة لمحاولة الإفلات من هذا الحصار بإجراء
مناورات وحركات جوية يحاول من خلالها تخويف الطائرتين الصينيتين .
أزداد
الطياران الصينيان حماساً وتحدياً وهو ما دفع بأحدهما لأن يقترب أكثر من
الطائرة الأمريكية لتضييق المسافة الفاصلة بينهما وإجبار الطائرة الأمريكية
على الهبوط .
هذا الإجراء الانتحاري أدى إلى اصطدام الطائرة
المقاتلة الصينية بمروحة أحد أجنحة الطائرة الأمريكية عند محاولة الطيار
الأمريكي الميلان بزاوية معينة وهو ما أدى إلى تحطم الطائرة الصينية
وانشطارها إلى نصفين وغرقها وموت وفقدان الطيار الصيني ، وحدوث أضرار وخلل
في توازن الطائرة الأمريكية أضطرها للهبوط في مطار جزيرة "هاينان" الصينية
ترافقها الطائرة الصينية الأخرى والتي كان طيارها على أهبة الاستعداد
لتنفيذ أي أوامر هجومية في حق الطائرة الأمريكية التي تسببت في مقتل زميله
إذا ما حاول طاقم الطائرة الأمريكية الفرار .
وما إن حطت
الطائرة الأمريكية على أرض مطار جزيرة " هاينان" العسكري حتى حاصرتها
القوات الصينية والتي كانت في جاهزية عالية من الاستعداد طالبةً من طاقمها
الــ"24" أن يخرجوا من الطائرة ويسلموا أنفسهم والذي لم يستمر طويلاً حتى
سلم الطاقم نفسه .
وضجت وسائل الإعلام بهذا الخبر وظهرت بوادر
أزمة سياسية قوية بين الجانبين من خلال تصريحات كل طرف ، وتبادل الطرفان
التهديدات المختلفة وازداد الغليان في الشارع الصيني على هذا التحدي
الأمريكي الذي سار ضحيته طيار صيني مع طائرته وانتهاك للأراضي الصينية وهو
ما دفع بالحكومة الصينية إلى أن تتشدد في موقفها ومنذ الوهلة الأولى
للحادثة .
يقابل ذلك قلق كبير لدى الإدارة الأمريكية بمصير طاقم
طائرتها وأسرارها العسكرية التي وقعت في قبضة الصين وخوف لدى الطاقم
المحتجز جعل من التصريحات الأمريكية أكثر تشنجاً وفزعاً .
وقد
حاولت الإدارة الأمريكية التقليل من أهمية وحجم المعلومات التي وقعت في
أيدي الصين مؤكدين بأن طاقم الطائرة قد نفذ مهمته في تحطيم الأجهزة وحذف
البيانات والمعلومات كاملة على أكمل وجه ، وأن الصينيين لم يتمكنوا من
الحصول على شيء بل أنهم لم يجرؤا على الدخول إلى الطائرة لأنها تعتبر جزء
من السيادة الأمريكية ودخولها يعتبر تعدي على هذه السيادة ، وظلت أقمارهم
الاصطناعية وعلى مدار الساعة ترصد موقع الطائرة أولاً بأول خشية أن يقوم
الصينيون بأي نزع أو نقل لأجهزة الطائرة .
ولكن الدلائل تؤكد بأن
الصينيين كانوا على أهبة الاستعداد لاستقبال هذا الضيف الذي طالما تمنوا
لقائه ، وما أن حطت الطائرة على مطار الجزيرة واستسلم طاقمها وتم نقلهم حتى
مارس الصينيون احترافهم المشهود له بنقل الأجهزة وأخذ صورة كاملة عن
الطائرة ومحتوياتها ومعلوماتها وإن كانت منقوصة إلا أنها معلومات غير عادية
وهي البداية التي سوف يصلون بها إلى التكنولوجيا الأمريكية في هذا الجانب
مما يسهل على العقول الصينية " تقليدها" بل وإتقانها وهو ما يمتاز به
الصينيون عن غيرهم .
وتلت ذلك أيام ذات حمى سياسية شديدة تبادل
فيها الطرفان التصريحات ، ففي مقابل الموقف الصيني الثابت والقوي والمتمثل
في عدم الإفراج عن الطاقم الطائرة الأمريكية وإصرارها على أن تقدم
الولايات المتحدة الأمريكية اعتذاراً رسمياً للشعب الصيني على هذا التعدي
الذي نتج عنه مقتل طيار صيني وتحطم طائرته والذي نعته الجماهير الصينية
بالشهيد في مقابل ذلك كان موقف الإدارة الأمريكية متصلب ومتشدد ، بل أنهم
حملوا الطيار الصيني الخطأ بأنه هو الذي اقترب من طائرتهم حتى فقد السيطرة
على طائرته واصطدم ومن ثم فقد تسبب في هلاك نفسه وطائرته وألحق أضرار كبيرة
بطائرتهم التي كانت تمارس مهامها خارج الحدود الصينية حسب قولهم .
وقد
لوح الكونجرس الأمريكي بعدد من أوراق الضغط التي يمكن أن يستخدمها ضد
الصين ومن ذلك الورقة التايوانية وورقة الاقتصاد والتجارة العالمية وورقة
الحقوق والحريات في الصين .
ولكن موقف الصين ظل متماسكاً
وقوياً في المطالبة في أن تقدم أمريكيا اعتذاراً رسمياً للصين في مقابل أن
تقوم الصين بإطلاق طاقم الطائرة الأربعة والعشرون ، وأن ذلك هو السبيل
الوحيد لحل هذه المشكلة .
وقدمت بعد ذلك الولايات المتحدة
الأمريكية وعلى لسان الرئيس جورج دبليو بوش اعتذاراً رسمياً للصين وتكرر
ذلك الاعتذار أكثر من مرة على لسان بعض المسئولين الأمريكيين والذي على
ضوءه أطلقت الصين سراح الطاقم وأبقت على الطائرة
حيث رفض الصينيون
الإفراج عنها إلا بشروط أخرى وذلك بعد المحاولات الأمريكية لإقناع الجانب
الصيني بأن يتم إرسال فريق فنيين ومختصين ليتم إصلاح الأضرار التي لحقت
بالطائرة وتجهيزها لتقلع من مطار الجزيرة وتعود إلى حيث ترابط ضمن الأسطول
البحري الأمريكي .
وقد اعتبر الصينيون حكومةً وشعباً ذلك قمةً في السخرية والعنجهية الأمريكية بأن يسمح لهذه الطائرة المعتدية أن تقلع وتحلق مرةً أخرى فوق الأراضي الصينية.
هذا
الموقف والسخط في الشارع الصيني دفع الحكومة الصينية بأن ترفض هذا الطلب
الأمريكي وأن تشترط على أمريكا أن يتم نقل هذه الطائرة بعد تفكيكها جواً
عبر وسيط ثالث يقوم بعملية الشحن إلى الجهة التي تحددها الولايات المتحدة
الأمريكية.
ولم
تجد أمريكا خياراً آخر غير الخضوع مرة أخرى للشروط الصينية والتي يبدو
أنها أسلوب عقابي لواشنطن بسبب ما أحدثته هذه الطائرة وطاقمها .
وعلى
ضوء ذلك أنزلت وزارة الدفاع الأمريكية مناقصة عالمية أمام شركات النقل
الجوي لإرسال طائرة أو أكثر إلى جزيرة " هاينان" الصينية لتقوم بنقل
الطائرة وأجزاءها المفككة إلى اليابان وذلك في طريق عودتها إلى الولايات
المتحدة الأمريكية حيث كانت اليابان مساندة رئيسية في مواقفها للإدارة
الأمريكية خلال هذه الأزمة .
وبعد أن رست المناقصة على طائرة النقل الأكبر في العالم أنتوف " 124 " الروسية
تم
تفكيك الطائرة لتعود إلى أمريكا وهي مقطعة الأوصال ، ومكسورة الجناحين
تاركةً رسالة واضحة مفادها أن التنين الصيني أراد أن يهين هذا الصلف
الأمريكي حتى اللحظات الأخيرة لحل هذه الأزمة .
وهكذا انتصرت الصين حكومةًً وشعباً لكرامتهم التي حاول الأمريكان انتهاكها على مرمى ومسمع من الجميع .
فهل وعت الإدارة الأمريكية ذلك الدرس ؟؟؟