البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

[الرياضي]

نشاطات الذكرى المئوية السادسة لرحلات تشنغ خه البحرية


كتبهابلال عبد الهادي ، في 16 نيسان 2012 الساعة: 17:50 م



رسول السلام من الصين

​

مقدمة
يصادف عام 2005 ذكرى مرور ستمائة عام على أول رحلة بحرية قام بها البحار الصيني تشنغ خه. ففي الفترة ما بين عام 1405 وعام 1433، قاد تشنغ خه أسطوله الضخم في الرحلات السبع البحرية اعتمادا على تقنية الملاحة المتقدمة والجرأة العظيمة والإرادة القوية، بحيث وصل برحلته المشهورة إلى البحر الأحمر وساحل إفريقيا الشرقي، وزار أكثر من 30 دولة ومنطقة في آسيا وإفريقيا، وقام مع مختلف الدول بالنشاطات التجارية المتبادلة المنفعة والتبادلات الودية.
عندما وصل تشنغ خه مع أسطوله إلى الدول المختلفة ، قام بالتبادلات الواسعة النطاق كتبادل في الأفكار الدينية والتقويم وفن المعمار والطب والملاحة وصنع السفن، مما ساعد على دفع تبادل الزيارات الودية بين الصين ومختلف الدول الأخرى وربط الحضارة الصينية بحضارات العالم، وكما عبر عن حسن نية الشعب الصيني في التعايش السلمي مع شعوب بلدان العالم.
إن رحلات تشنغ خه البحرية عمل عظيم لا مثيل له في تاريخ الصين و في تاريخ ملاحة العالم. وتعتبر استكشافا ملاحيا ناجحا في مسيرة تقدم الحضارة البشرية وجهودا مبذولة لربط حضارة الصين بالحضارات الأخرى.
ومن خلال هذا المعرض ستتعرف شعوب بلدان العالم على عزيمة الشعب الصيني في شخضية تشنغ خهالذي لا يهاب و لا يخاف منقهر الطبيعة و الصعوبات والمشقات، و قيم الأمة الصينية المتمثلة في محبة السلام والسعي وراء التقدم والارتقاء بروح منفتحة.
P3
1- أسطورة عن التبادل بين الشرق والغرب
وبداية لتبادل الحضارات القديمة
يرجع التاريخ الطويل للتبادل الثقافي بين الصين و دول العالم إلى قدم الزمان.
نشأت قومية هان من قوميةهواشيا التي قامت على الدمج المتواصل بين القوميات المتعددة. يقصد بقومية هواشيا القوميات التي كانت تقطن منطقة السهول الوسطى بحوض النهر الأصفر وأنشأت هناك أسرات ملكية مثل أسرة شيا وأسرة شانغ وأسرة تشو، وشهد المستوي الاقتصادي والثقافي للمنطقة التي كانت تقطنها هذه القوميات تطورا نسبيا بالمقارنة مع المناطق الأخرى، فدخلت هذه المنطقة – أول منطقة في الصين – المجتمع الطبقي، بحيث تم تأسيس أول دولة فيها. وتعتبرفترة أسرة شيا (القرن21 ق.م – القرن 16 ق.م) حتى فترة أسرة الربيع والخريف (770 ق.م –476 ق.م) من أهم الفترات التي تم فيها تشكيل مختلف القوميات التي تقطن حول منطقة ثقافة السهول الوسطى. وكانت ثقافة هذه القوميات ذات الميزات المحلية الخاصة بها تتبادل وتندمج مع ثقافة السهول الوسطى خلال عملية تطورها، مما أثر ذلك في تشكيل قومية هان وتطورها فيما بعد.
لقد أوضحت معلومات علم الآثار التي اكتشفت في الشرق والغرب وجود التبادلات بين الشرق والغرب في فترة أسرة تشين (القرن 21 ق.م – عام 221 ق.م ). وعلى سبيل المثال، اكتشفت المرآة البرونزية والمنسوجات الحريرية الصينية المصنوعة خلال الفترة ما بين القرن الخامس قبل الميلاد والقرن الرابع قبل الميلاد في مقبرة بازيريك بسفح جبل آلتاي في روسيا، وهذا يدل على أن أبناء قومية البداوة في الشمال والشمال الغربي مثل أبناء قومية شيونغنو وقومية يويهتشي وقومية سجيتاي (قوميات قديمة) قد لعبوا دورا رئيسيا في التبادل بين الثقافات الشرقية والغربية خلال زمن طويل .

P4
الزيارات المتبادلة بين مختلف القوميات في فترة أسرة هان الغربية والشرقية
خلال فترة أسرة هان الغربية والشرقية (عام 206 ق.م – عام 220 م )، سمى الصينيون المنطقة الواقعة في غرب ممر يويمن في قانسو (في شمال غربي دونهوانغ بقانسو اليوم) وممر يانغقوان (في جنوب ممر يويمن وبالقرب من قودونغتان في جنوب غربي دونغهوان بقانسو اليوم) منطقة غربية. وفي عام 138 قبل الميلاد، أصدر الإمبراطور وو دي أمرا بإرسال تشانغ تشيان كرسول إلى هذه المنطقة ، مما شق "طريق الحرير" المشهور في العالم. وبعد ذلك، ازدادت التبادلات بين أسرة هان وبلدان المنطقة الغربية يوما بعد يوم ، وجاء الرسل والتجار من مختلف دول المنطقة الغربية إلى الصين بالتتابع، كما سافر الرسل و الرهبان الصينيون إلى بلدان المنطقة الغربية للاستفادة منها. وكانت في تلك المنطقة تختلف ثقافة بلد عن بلد آخر ، بحيث جاء الرسل والتجار منها بثفافتهم القومية التقليدية إلى الصين، فأثرت ثقافتهم تأثيرا بالغا في ثقافة الصين مثلما مثل تأثير ثقافة الصين في ثقافتهم.
P5

الانتقال التاريخي في فترة أسرة وي وأسرة جين ​

​

في فترة أسرتي وي وجين والأسرات الجنوبية والشمالية (220– 589م)، نشبت الحروب في منطقة السهول الوسطى الصينية ، فانتقل عدد غير قليل من القوميات الكبيرة والشخصيات المثقفة إلى غرب النهر الأصفر بالتتابع لتجنب اضطرابات الحرب، الأمر الذي أدى إلى رفع المستوى الثقافي بمنطقة ممر خهشي الذي يعتبر مكانا للزيارات المتبادلة بين الصين والغرب رفعا لا مثيل له في التاريخ. ثم تأسست أسر ووليانغ الملكية (320 –439م) بالتتابع في المنطقة الشمالية الغربية، وتجمع فيها عدد كبير من الأكفاء. وبفضل ارتفاع المستوى الثقافي ووجود الأكفاء في هذه المنطقة، تم إرساء أساس للمعارف والعلوم صالح لقبول الثقافات الأخرى وتسهيل لنقل تلك الثقافات إلى منطقة السهول الوسطى. ومنذ تأسيس أسرة جين حتى الأسرات الجنوبية والشمالية، كان يجري تبادل الحضارات بين الشرق والغرب واندماجهما دون انقطاع.
P6
حضارة فترة أسرة تانغ المزدهرة وتبادلها مع حضارة الغرب
بعد تأسيس أسرة تانغ الملكية (618-907م)، اندمجت القوميات باستمرار، واتسعت مناطق قطنها، واتحدت الأنظمة السياسية والأيديولوجيات والثقافات، فتقوت أسرة تانغ وتطور الإنتاج وازدهر المجتمع. و تعد فترة أسرة تانغ من أكثرالفترات التاريخية انفتاحا على الخارج ، فازدادت التبادلات بين الصين والبلدان الأجنبية الأخرى ازديادا أكثر. وأصبح "طريق الحرير" الذي يبدأ من تشانغآن (مدينة شيآن بقاطعة شنشي اليوم) عاصمة أسرة تانغ شرقا مخترقا قلب قارة آسيا ليصل إلى قسطنطينة (اسطنبول في تركيا اليوم) عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية غربا طريقا سالكا لا مثيل له في التاريخ، فانتقل حرير وخزفيات الصين وغيرهما من البضائع إلى الغرب عبر هذا الطريق، وفي نفس الوقت، دخلت المجوهرات والعقاقير والتوابل من الغرب إلى الصين. وبالتالي اتسع تأثير ثقافة أسرة تانغ على نطاق بعيد. وتوافد التجار والرحالة والطلاب الأجانب إلى الصين، واستوطن بعض التجار مناطق الصين المختلفة، بينما سافر الحرفيون الصينيون إلى شبه الجزيرة العربية لمزاولة الإنتاج اليدوي.
P7
تطور الثقافة والعلوم في أسرة سونغ الملكية
احتلت ثقافة وعلوم أسرة سونغ (960-1279م) مثل علم الفلك والرياضيات والطب والأدوية والميكانيكا والبارود والبوصلة والطباعة بالحروف المتحركة وصنع السفن وغيرها مكانة الصدارة في العالم، وأحرزت نتائج ممتازة كثيرة. كما تطور الأدب وعلم التاريخ والفلسفة والفنون، وبلغ كله المستوى الجديد، وظهر كثير من العلماء والمبدعين والمؤرخين والفلاسفة والأدباء والرسامين والشعراء، ويعتبر بعض روائع أعمالهم كنزا من كنوز الثقافة العالمية . لقد قدمت حضارة الصين الباهرة هذه مساهمات عظيمة في دفع تطور العلوم والتكنولوجيا وتقدم الحضارة البشرية في العالم.
P8
إنجازات عظيمة في التبادل الثقافي بين الصين والمناطق الغربية في أسرة يوان
في أسرة يوان (1279 –1368م)، ازدهرت التجارة بين الصين والبلدان الأجنبية وتطورت المواصلات البحرية بشكل أكبر بفضل تقدم الملاحة واختراع البوصلة في الصين. وبفعل تطور المواصلات، توارد الأجانب إلى الصين لمزاولة التجارة والتبشير، كما حملوا فن ونظرية الرسم والأدوات الموسيقية لبلدان غربي أوروبا وفن المعمار الإسلامي إلى الصين مما وفر المحتويات الفنية الصينية . وفي ناحية العلوم، انتقل الفلك والرياضيات وعلم التقويم والطب وعلم المدافع وما إلى ذلك من البلدان العربية إلى الصين بالتتابع، الأمر الذي دفع تقدم علوم الفلك والتقويم في الصين.
وانتقل البارود والبوصلة اللذان اخترعتهما الصين في أسرة يوان إلى أوروبا في نفس الفترة، مما حسن الملاحة في أوروبا وأدى إلى اكتشاف عالم جديد وخطوط ملاحية جديدة. وقد ساعد انتقال الطباعة والعملة الورقية والمعداد الصينية على تعميم التعليم والدراسات الأكاديمية ودفع تطور الثقافة والمالية والتجارة في أوروبا.
P9
الرحال ماركو بولو وصل إلى الصين
الرحال العظيم الإيطالي ماركو بولو هو الرحال المشهور في العصور الوسطى وصل من الغرب إلى الصين وعرّف الصين الواسعة الأطراف والغنية بالثروات الطبيعية إلى الأوروبيين في تاريخ العالم بكتابه ذي التأثير الأكبر.
وصل الرحال الإيطالي إلى الصين في عام 1275، وأقام في دادو (بكين اليوم) لمدة أكثر من 10 سنوات، وتجول في مختلف مناطق الصين والدول المجاورة. وعاد إلى بلده في عام 1291 بعد إقامته وتجوله في الصين حوالي 17 سنة، وألف كتاب ((رحلات ماركو بولو)) الذي سجل فيه ما رآه وسمعه في الصين. وفي الواقع أن هذا الكتاب يضم رحلاته في بلدان آسيا، وأهم محتوياتها هو الوصف التفصيلي لأحوال الطبيعة والمجتمع في الصين، وسجل بمقالاته الكثيرة ثروات الصين المتوفرة وأحوال مدنها التجارية ومنشآت المواصلات الجيدة وبنايات القصور الفاخرة. وبعد نشر هذا الكتاب، انتشر على نطاق واسع خلال أكثر من 700 سنة، وجدير بالذكر أن هذا الكتاب يمتاز بالقيمة التاريخية الهامة حول تاريخ الجغرافيا وتاريخ آسيا وثقافة الصين وثقافة الغرب في العصور الوسطى والقديمة، وبإثارة اهتمام واشتياق الغرب إلى الشرق. فقد قرأ هذا الكتاب الأمير البرتغالي الرحال المشهور هنري والرحال الإيطالي كولمبوس الذي عزم على القيام بالرحلة إلى الشرق.
P10
التبادل بين الصين والبلدان الأجنبية في عهد أسرة مينغ
في عهد أسرة مينغ (1368-1644م)، كانت نشاطات التبادل الخارجي كثيرة، فقد نص نظام التجارة على الترحيب بمختلف البلدان الأجنبية في التجارة مع الصين، وذلك لسد حاجة التبادل الاقتصادي الواقعة. وبالنسبة للبضائع المنقولة بواسطة السفن الأجنبية سمحت حكومة أسرة مينغ للشعب بتجارتها في أسواق متخصصة بعد أن اشترت بعضها. وعلاوة على ذلك، بادرت أسرة مينغ بإرسال الوفود إلى مختلف البلدان المجاورة للزيارة مثل اليابان وكوريا شرقا وبلدان الخليج العربي والبحر الأحمر غربا ومنغوليا شمالا وجزر جنوب آسيا الشرقي جنوبا، وقد تركت الصين الغنية وقوتها القوية تأثيرات هائلة في هذه المناطق.
P11
2- طريق الحرير
نشأة "طريق الحرير"
في عام 1877، أطلق العالم الجغرافي الألماني F.Von Richthofen على طريق المواصلات لتجارة الحرير بشكل رئيسي فيما بين الصين في أسرة هان وبين الجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند اسم "طريق الحرير". ويقصد بـ" طريق الحرير" هو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من إفريقيا وأوروبا، وبواسطة هذا الطريق، كان تجري التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات.
إن الصين أول دولة تزرع التوت وتربي ديدان القز وتنتج المنسوجات الحريرية في عالم العصور القديمة، وتعتبر المنسوجات الحريرية الصينية من أهم المنتجات التي تقدم لشعوب العالم حتى اليوم، وينتشر الحرير الصيني في كل العالم، ويعد من مساهمات الشعب الصيني للحضارة العالمية . وعلى الرغم من تسمية بعض أجزاء "طريق الحرير" بـ "طريق اليشم"و" طريق الأحجار الكريمة" و"طريق الدين البوذي" و"طريق الفخاريات والخزفيات"، ولكن في الأخير لا يمكن تبديل اسم "طريق الحرير".
P12
انتقال الحضارة المادية عبر "طريق الحرير" إلى الخارج
بدأ الغرب يعرف الصين من انتقال الحرير الصيني عبر "طريق الحرير" إلى الخارج. في عهد أسرة تانغ، بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة، وازدادت أساليب نسجه وزخرفته. وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة مينغ تقاليد كثرة أنواعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة تانغ، فاجتذبت تجار مختلف بلدان العالم بنوعيتها الممتازة. وعندما وصل الحرير الممتاز النوعية والزاهي الألوان إلى الغرب أعجب به الغربيون شديد الإعجاب، فقد مدح الشاعر الروماني ويجير الحرير الصيني بأنه أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت. ومع انتقال الحرير الصيني إلى الخارج، عرف الغربيون الحرير كما عرف الصين. و في العصور القديمة أصبح الحرير الصيني بضاعة انتقلت وبيعت إلى مكان أبعد ووصل حجمها التجاري إلى الأعلى وبلغ سعرها الأغلى وربحها الأكثر تدريجيا في التجارة العالمية. وإلى جانب الحرير، أعجبت بلدان الغرب بخزفيات الصين ومنتجاتها اللكية ذات الجاذبية الشرقية.
وفي "طريق الحرير"، كانت الثقافة المادية متبادلة، فقد حمل شعوب مختلف بلدان أوروبا وآسيا منتجاتهم المتنوعة إلى الصين أيضا.
P13
الحضارة المادية الخارجية في "طريق الحرير"
بعض النباتات والمنتجات التي نراها دائما في سوق الصين اليوم هي مستوردة من الخارج مثل الفلفل والجزر والبصل والبطيخ وما إلى ذلك، وقد ورد في السجلات التاريخية الصينية القديمة أن هذه النباتات والمنتجات جاءت أكثرها من المناطق الغربية التي خارج حدود الصين آنذاك . ومنذ بداية عهد أسرة هان، لم ينتقل بعض النباتات إلى الصين فحسب، بل انتقلت بعض الأوعية الزجاجية من روما والرقص والموسيقى والأكروبات من المناطق الغربية إلى الصين أيضا. ومنذ عهد أسرتي وي وجين حتى عهد أسرتي سوي وتانغ، انتقلت الموسيقى والرقص والأطعمة والملابس ذات الميزات الخاصة من آسيا الغربية والوسطى إلى الصين مع دخول أهل "سوته " المنتمي الى سلسلة الثقافة الفارسية الى الصين بأعداد كبيرة . فإن شق "طريق الحرير" وبقاءه على مدى زمن طويل قد ساهما مساهمات هامة في تبادل الثقافة المادية والثقافة الروحية بين الصين والمناطق الغربية.
P14
الأديان والفنون على "طريق الحرير"
مع كثرة تبادل التجارة بين الشرق والغرب، ازدادت تأثيرات حضارتهما المتبادلة يوما بعد يوم. وفي الوقت الذي يجري فيه تبادل الثقافة المادية، تنوعت النتائج الثقافية التي جلبها "طريق الحرير". فقد انتقل الدين البوذي، باعتباره من الأديان الثلاثة الكبرى في العالم، إلى الصين في نهاية عهد أسرة هان الغربية (206 ق.م – 8م)، وشهد تطورا في فترة أسرتي سوي وتانغ (581 –907م) وتغلغل بين صفوف الشعب، وليس ذلك فحسب، بل أسس كبار الرهبان الصينيين مدارس بوذية صينية . و بفضل التأثيرات البوذية المباشرة وغير المباشرة يمكن رؤية المعابد القديمة والكهوف البوذية في مختلف مناطق الصين اليوم. وجدير بالإشارة إلى أن الكهوف البوذية بجوانب "طريق الحرير" مثل كهوف موقاو في دونهوان وكهوف يويلين في آنشي وكهوف جبل مايجي في تيانشيوي وكهوف يونقانغفي داتونغ وكهوف لونغمن في لوهيانغ وغيرها من الكهوف المشهورة تجسد اندماج الأساليب الفنية الشرقية والغربية وروح الدين البوذي، وهذا دليل قاطع على تبادل ثقافة الشرق والغرب على "طريق الحرير". وقد جلب انتشار الدين البوذي في أرجاء الصين تأثيرا عميقا وواسعا في ثقافتها وروح الصينيين، ومن هنا ، بدأت ثقافة الصين تستفيد من الثقافات الخارجية الأخرى.
P15
نشأة "طريق الحرير" البحري
تشكل "طريق الحرير" البحري منذ عهد أسرة هان. رغم أن مختلف البلدان تفصلها المحيطات والبحار ، ولكنها أصبحت طريقا بحريا سالكا بعد أن استوعب الناس تقنية صنع السفن وتقنية الملاحة. وكان مصدر البضائع المنقولة إلى الخارج عبر "طريق الحرير" مثل حرير القز والمنسوجات الحريرية يقع في مناطق جنوب نهر اليانغتسي والمناطق الساحلية، وكانت هذه المناطق قاعدة لصنع السفن أيضا، فاستطاعت تموين البضائع وأدوات النقل إلى وراء البحار. ويشكل ذلك عوامل اجتماعية وأسسا مادية لشق "طريق الحرير" البحري في عهد أسرة هان. وقد شق الإمبراطور وو دي (140ق.م –87ق.م) في أسرة هان "طريق الحرير" البحري، وبدأت التجارة مع روما عن طريق الهند عبر البحار، وتمت إقامة العلاقات التجارية مع الخارج وزيادة الأسواق الخارجية وخطوط المواصلات البحرية، فتشكل "طريق الحرير" البحري تدريجيا في عهد أسرة هان.
P16
تطور "طريق الحرير" البحري
منذ عهد أسرة تانغ (618-907م ) صار طريق الملاحة في بحر الصين الجنوبي ابتداءا من مدينة كانتون طريقا سالكا هاما لـ"طريق الحرير" البحري. وقد لعب هذا الطريق دورا هاما في دفع تبادل المواد والثقافات بين مختلف البلدان إلى جانب نقل الحرير إلى ما وراء البحار. كانت بلدان جنوب آسيا الشرقية وآسيا الجنوبية والغربية وأوروبا ترسل رسلا إلى الصين عبر الطريق البحري لطلب الصداقة وتجارة الحرير معها، وهكذا كان الحرير كبضاعة تجارية هامة تنتقل إلى مختلف البلدان بلا انقطاع.
كانت أرباح التجارة البحرية من مصادر الضرائب الهامة للحكومة وقتذاك. وأنشأت أسرة تانغ وأسرةسونغ وأسرة يوان هيئات خاصة بإدارة تجارة الصادرات والواردات في كانتون(قوانغتشو اليوم) ومينغتشو(نينغبوه اليوم) وتشيوانتشو (مدينة الزيتون) باعتبارها مدنا تجارية مشهورة واقعة في سواحل بحر الصين الشرقي والجنوبي، وقدمت للتجار الأجانب الآتين إلى الصين للتجارة معاملات تفضيلية على قدر الإمكان. وقد أصبح "طريق الحرير" جسرا لنقل الصداقة والربط بين حضارة الشرق وحضارة الغرب.
P17
3- ثمار يانعة لحضارة الصين
مملكة الحرير
قبل آلاف السنين ، عندما انتقل الحرير الصيني إلى أوروبا عبر "طريق الحرير"، لم يكن ما انتقل معه إلا الأقمشة والملابس الحريرية الجميلة فحسب، بل انتقلت حضارة الشرق القديمة والزاهية أيضا، ومنذ ذلك الوقت، أصبح الحرير رمزا لنشر حضارة الشرق. وقد اكتشف أقدم المنسوجات الحريرية في أطلالليانغتشو الثقافية التي يرجع تاريخها إلى ما قبل 4700 عام تقريبا.
كان في الصين أسطورة عن الحرير، التي تروي أنه في قديم الزمان، انتصر الإمبراطور الأصفر على تشي يو، وقدمت "إلهة ديدان القز" للإمبراطور الأصفر حرير القز تعبيرا عن احترامها له. وأمر الإمبراطور الأصفر بنسج الحرير وخياطة الملابس به، وبعد لبسها شعر بالراحة. وبدأت تبحث لي تسو زوجة الإمبراطور الأصفر عن ديدان القز وتقطف التوت لتربيتها. وفيما بعد، سمى الشعب لي تسو "إلهة ديدان القز" والإمبراطور الأصفر "إله نسج الحرير". وقد أصبح اقتطاف التوت وتربية ديدان القز ونسج الحرير عملا من الأعمال الأساسية التي يزاولها عامة الشعب في المجتمع الصيني القديم على مدى عدة آلاف سنة .
إن الصين مصدر تربية ديدان القز ونسج الحريروهما من أهم الإنجازات في الاستفادة من الألياف في عصور الصين القديمة. وفي العصر الحجري الحديث، اخترعت الصين نسج الحرير وفن الصباغة، ومع تحسين ماكينات النسيج ورفع فن الصباغة فيما بعد، تزداد أنواع المنسوجات الحريرية يوما بعد يوم، لتشكل نظاما متكاملا للنسيج والصباغة، فاحتلت الصين في عصورها القديمة مركزا أولا بين بلدان العالم في نسج الحرير وفن الصباغة.
P18
معرفة الصين بواسطة الحرير
في القرن الأول قبل الميلاد، عندما ظهر الحرير في روما، سماه الرومانيون "سيريس". فلقد مر انتقال الحرير مثله مثل الأقمشة النفيسة بعمليات عديدة لتوصيله إلى روما، وقد تكون هذه التسمية جاءت من كلمة " سي " في اللغة الصينية التي تعني الحرير والتي تحولت على ألسنة التجار الي كلمة " سيريس " وبداية الأمر ما عرف الرومانيون شيئا عن مصدر الحرير، واعتقدوا أنه من إنتاج دولة الحرير البعيدة عنهم، بل عرفوا أن في مكان أبعد دولة تكتنفها الأسرار تصنع الحرير وتسمي " شينا " ( China ) ، وبسبب مراحل انتاج الحرير المحاطة بالأسرار ونوعيته الممتازة ، لقي الحرير ترحيبا حارا من قبلهم. إن الحرير أول البضائع في التبادلات بين الصين والغرب، والحرير مثل الأقمشة الأحمر اللون والمنتجات الزجاجية الراقية وما إلى ذلك من الكماليات، استخدم في البداية في الزينة والزخرفة، واستخدم فيما بعد في تغليف حشايا الكراسي، ثم في صنع الملابس أخيرا. وبالمقارنة مع قماش الكتان والصوف، يتحلى الحرير بميزة الليونة والراحة، لذا يحبه الرجال والنساء حبا كبيرا.
P19
دولة الخزفيات
الخزفيات من اختراعات الصين. بدأت تصنع الصين الخزفيات منذ قديم الزمان، ففي عهد أسرة شانغ الملكية (القرن 21 ق.م – القرن 16 ق.م) من المجتمع العبودي، ظهر في الصين أول الخزفيات، ثم تطورت حتى تصبح من المنتجات الرمزية للصين. الخزفيات في الزمن البعيد كانت مطلية بالمينا الزرقاء والصفراء أو المينا الصفراء والخضراء، فسميت "الخزفيات الخضراء". وبعد عهد أسرة سويوعهد أسرة تانغ (581 –907م) دخلت الصين فترة مزدهرة لصنع الخزفيات، فبدأت تشتهر "فخاريات أسرة تانغ المموهة بالألوان" في ما وراء البحار. وفي عهد أسرةسونغ (960 –1279م)، ظهرت خمسة قمناء مشهورةو من الخزفيات الفريدة. وفي عهد أسرة سونغ وعهد أسرة يوان (960 –1368م)، شهدت خزفيات الصين رواجا عظيما في آسيا وإفريقيا وأوروبا، وأصبحت من الحاجيات اليومية الهامة البديلة من الفخاريات والأدوات النحاسية والزجاجية. وفي عهد أسرة مينغ (1368–1644م)، أحرز فن صنع الخزفيات تقدما كبيرا، وتم إنتاج كميات كبيرة من الخزفيات الملونة بالألوان المتعددة مثل اللون الأخضر والأزرق والأحمر والأبيض .. الخ، ومنها الخزف الأزرق والأبيض المشهور وهو خزف رمزي لأسرة مينغ. وقد أصبحت هذه الخزفيات المطلية بالألوان الزاهية والمتعددة هدايا نفيسة للتبادلات بين الدول.
P20
موطن الشاي
إن الصين موطن الشاي وأول دولة تنتجه و أول شعب يشربه. و يرجع تاريخ إنتاج شاي الصين إلى آلاف سنين ، ومعظم الدول المنتجة للشاي في العالم قد استوردت نبات الشاي وأنواعه من الصين من حيث الأساس، كما أرسلت المبعوثين إلى الصين لتعلم زراعة نباتات الشاي وصنعه، ثم طورت إنتاج الشاي فيها. في عهد أسرة سونغ الجنوبية (1127–1279م)، ورد في كتاب((سجلات منغليانغ)) بتأليف وو تسي مو "أن ما لا ينقص كل أسرة هو الحطب والأرز والزيت والملح والصلصة والخل والخمر والشاي". وفي عهد أسرة يوان (1279 –1368م) حذف "الخمر"، وأصبح ما لا ينقص كل أسرة "سبعة أشياء". وفي عهد أسرة تانغ(618 –907م)، ظهرت أنواع كثيرة مشهورة من الشاي مع انتشار عادة شربه. وقد احتل كتاب ((الشاي)) بتأليف لو يوي الأستاذ المشهور المتذوق للشاي – أول كتاب خاص بالشاي في العالم حينذاك - وكتاب ((حول نقع الشاي)) بتأليف تشانغ يو شين – أول كتاب خاص بعلاقة الشاي ونوعية الماء في العالم بعهد أسرة تانغ - احتلا مكانة هامة في تاريخ ثقافة العالم. وبعد أسرة تانغ، أصبحت المنسوجات الحريرية والخزفيات والشاي منتجات هامة في التجارة الخارجية والتبادل الثقافي بين الصين وبلدان العالم. وفي عهد أسرة مينغ، كانت هذه المنتجات الصينية أيضا من الصادرات الثمينة والمحببة إلى الناسفي البلدان الأجنبية عبر "طريق الحرير" البحري.
P21
4- رسول الحضارة
تشانغ تشيان رائد "طريق الحرير"
تشانغ تشيانمن أبناء محافظة تشنغقو بمقاطعة شنشي دبلوماسي ومستكشف مشهور في فترة أسرة هان الغربية (206 ق.م – 8م)، وهو رائد "طريق الحرير" الشهير داخل الصين وخارجها. ونقل ثقافة الصين المتقدمة حينذاك وفن تربية ديدان القز ونسج الحرير وصهر الحديد وصنع الورق وفن الإنتاج الزراعي المتقدم إلى المناطق الغربية، وعاد بالموسيقى والرقص والفنون والعنب والرمان والثوم والبطيخ والجوز وغير ذلك من منتجات المناطق الغربية الخاصة إلى الصين.
بعد أن وحدت أسرة تشين وأسرة هان الصين، تجمعت القوة القوية في منطقة السهول الوسطى، وفي عهد أسرة هان، بعث الإمبراطور وو دي (140 ق.م –87ق.م) الموهوب البعيد النظر برسوله تشانغ تشيان إلى مناطق غرب الصين . واستوعب تشانغ تشيان كل الأحوال السياسية والجغرافية في المناطق الغربية بعد تغلبه على المشقات والمخاطر. وفيما بعد بعث من طرف الإمبراطور وو دي مرة أخرى إلى هناك. وبفضل رحلتيه، أقامت الصين علاقات تجارية مع مختلف دول المناطق الغربية. وكانت سجلات تشانغ تشيان أول تسجيل من الصينيين عن العالم الخارجي ، وقد أنهى كتاب ((السجلات التاريخية – عن دايوان)) وكتاب ((هانشو – عن المناطق الغربية)) اللذان ألفهما سما تشيان وبان تشاووضما سجلات تشانغ تشيان انطباعات أسطورية في أذهان الصينيين عن العالم الغربي. وقبل سفر تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية، كانت الزيارات المتبادلة بينها والصين موجودة، وبعد سفره إلى هناك، ازداد حجم التبادلات ومستواها ازديادا كبيرا. و لهذه اكتسبت رحلات تشانغ تشيان أهمية تاريخية كبيرة .
P22
الجنرال بان تشاو الذي "رمى قلمه وحمل السلاح"
بان تشاو (32 –102م) جنرال ودبلوماسي مشهور في عهد أسرة هان الشرقية. وفي عام 73م ، قاد 36 جنديا في سفر إلى مناطق غرب الصين ، وتغلب بذكائه على قومية شيونغنو في بلاد ساسان قرب لوب نور، وحظي بالإعجاب من ملك ساسان، فترك قومية شيونغنو وأصبح من أبناء أسرة هان. وقدم بعض الموظفين مآثر بان تشاو والآخرين إلى البلاط، وطلبوا إرساله إلى المناطق الغربية لحمايتها. وقاد بان تشاو أكثر من 30 جنديا أصليا في السفر إلى المناطق الغربية مرة أخرى. وحظيت تصرفات باو تشاو العادلة بتأييد من أبناء بلد شوله. فأقام قاعدة هناك. وفي عام 94 م ، استولى بان تشاو أخيرا علىيانبنغ وويشيوي وويلي التي كانت تحت حكم قومية شيونغنو، واستطاعت أسرة هان الشرقية ضم المناطق الغربية لتكون تحت إدارتها. وحظي بان تشاو بلقب وظيفة "دينغيوانهو" (رئيس إدارة المناطق النائية) وأطلق عليه اسم "بان دينغيوان " في التاريخ . عاش بان تشاو في المناطق الغربية أكثرمن 31 سنة خلالها قام بتهدئة الاضطرابات الداخلية والمقاومة ضد الغزو الخارجي وحماية أمن المناطق الغربية و"طريق الحرير".
P23
الرسول قان ينغ
كان بان تشاو قد أرسل نائبه قان ينغ إلى الإمبراطورية الرومانية خلال فترة سفره إلى المناطق الغربية، وهذا يعد أبعد اكتشاف قام به الصينيون في العصور القديمة. وكان قان ينغ مبعوثا من أسرة هان الشرقية. وفي بداية عهد أسرة هان الشرقية (25 –220م)، قاد بان تشاو 36 جنديا للسفر إلى المناطق الغربية، وجعل مختلف البلدان فيها تحت إدارة أسرة هان، ونجح في حماية "طريق الحرير". ومن أجل إقامة العلاقات مع دول المناطق الغربية، أرسل بان تشاو نائبه قان ينغ كرسول إلى الإمبراطورية الرومانية في عام 97 م. سافر قان ينغ من تشيوتسي (كوتشار في شينجيانغ اليوم) وعبر تياوتشي (العراق اليوم) وآنشي (إيران اليوم) حتى وصل إلى الخليج الفارسي. كانت آنشي تمارس التجارة مع الإمبراطورية الرومانية بحرير هانومنسوجات هان الحريرية دائما، فلا ترغب في أن تشق أسرة هان طريقا تجاريا مؤديا إلى روما مباشرة، فوصفت مشقات عبور البحار أمام قان ينغ، فما كان منه إلا العودة إلى الصين. ورغم أنه لم يصل إلى روما، لكن هذا السفر زاد من معرفة الصينيين عن مختلف دول آسيا الوسطى.
P24
صورة البحار تشنغ خه
P25
5- الرسول الدبلوماسي البارز تشنغ خه
سيرة حياة تشنغ خه
ولد تشنغ خه في عام 1371 ، اسم عائلته "ما" واسمه الأصلي سان باو، وهو من أبناءكونيانغ فييوننان (محافظة جيننينغ في مدينة كونمينغ اليوم)،. وآمن بالدين الإسلامي، ودرس الشريعة الإسلامية منذ صغره. وأدي جده وأبوه فريضة الحج إلى بيت الله في مكة المكرمة، وعرفا أحوال المناطق النائية ومختلف الدول فيما وراء البحار. ومن خلال حديث جده وأبيه انبثقت الفضولية الشديدة في قلب تشنغ خه الشاب نحو العالم الخارجي، وتركت طبيعة أبيه المتمثلة في النزاهة وحسن النية والصدق وعدم السعي وراء رد الجميل انطباعات لا تمحى في ذهنه. وبعد أن استولت أسرة يوان على يوننان، ذهب تشنغ خه مع جيش يوان إلى نانجينغ، وتم خصيه هناك لينضم إلى فئة خصيان القصر، وذهب إلى بكين ليعمل في القصر الإمبراطوري.
P26
نشأة تشنغ خه
عندما عمل تشنغ خه في القصر الإمبراطوري، لاحظ أميره ذكاء وكفاءة ومواهب هذا الصبي واجتهاده في الدراسة والعمل، وحظي تشنغ خه ثقة أميره، ثم اختير ليعمل حارسا للإمبراطور تشو دي. وبرزت أخلاقه الحميدة وكفاءته ومواهبه، وفي "معركة جينغنان" المتواصلة التي دامت أربع سنوات، رافق تشو ديليقاتل معه على الجهات العديدة متجشما الجرح والموت، وسجل كثيرا من المآثر، وأصبح من الأبطال الذين ساعدوا في استيلاء تشو دي على الحكم واعتلاء العرش. وبعد أن اعتلى تشو دي العرش، قام بترقية هؤلاء الأبطال الذين رافقوه لمدة طويلة، ومنهم تشنغ خه، ومنحه اسما جديدا هو تشنغ خه وجعله من أهم معاونيه، وبسبب أن اسم تشنغ خه الأصلي "سان باو"، سماه الناس "الخصي سان باو" أيضا.

P27
أساس مآثر تشنغ خه
سجل تشنغ خهمآثر عظيمة بفضل وجود الفرص الفريدة والظروف المناسبة الجيدة،. كان من أهم معاوني أميره، وله فرص كثيرة للتعامل مع كبار موظفي الطبقة الحاكمة، فاتسع بعد نظره وازدادت معارفه، وهذا إلى جانب أنه شاب مستقيم يتحدث مع أميره بقلب مفتوح ويتشاور معه فيما يخص شؤون الدولة الهامة وتعلم منه مهارة إدارة الشؤون السياسية والعسكرية وأساليب معالجة المشاكل المختلفة. وهذا كله جعل الإمبراطور تشو دي يضع أول اختياره في تشنغ خه ليكون رسولا وقائدا في الرحلات البحرية، لأن لا أحد يجاري تشنغ خه في القصر من حيث الذكاء والكفاءة والملامح.
P28
كفاءة تشنغ خه الفريدة
تشنغ خه بحار أكثر بروزا في تاريخ الصين. وأظهر كفاءته في كل القضايا العظيمة التي قام بها طول حياته إظهارا تاما، إذ برز في الأعمال الملاحية والدبلوماسية العسكرية والمعمارية وما إلى ذلك.
منذ بداية عهد يونغ ليه، تحول تشنغ خه إلى الملاحة وفقا لأوامر الإمبراطور تشو دي. وفي الفترة الأولى لرحلات تشنغ خه البحرية، بدأ يدرس ويحلل خريطة الملاحة ومواقع النجوم وفن عبور المحيطات والسجلات الأجنبية المختلفة حول عبور البحار والفلك والجغرافيا وعلم البحار وقيادة السفن وإصلاحها. وخلال الفترة ما بين عام يونغ له الثالث (عام 1405) من عهد أسرة مينغ حتى عام شيوان ده (عام 1433)، قاد تشنغ خه أسطوله الضخم في رحلاته السبع البحرية مرورا بجنوب آسيا الشرقي والمحيط الهندي إلى مناطق آسيا وإفريقيا وأقصاها إلى البحر الأحمر وساحل إفريقيا الشرقي، وزار أكثر من 30 دولة ومنطقة في آسيا وإفريقيا. لقد أظهر حجم أسطوله الضخم وعدد مرافقيه الكبير ومستوى تنظيمه الرفيع وتقدم فنه الملاحي وطول رحلاته، أظهر ذلك كله قوة دولة أسرة مينغ وكفاءة تشنغ خه في القيادة والإدارة.
P29
6- شق طريق الحضارة
عهد رحلات تشنغ خه البحرية
قام تشنغ خه برحلاته البحرية في القرن الخامس عشر. وخلال 30 سنة الأولي من هذا القرن، بدأت بعض دول الشرق والغرب الواقعة في طرفي البر الأوراسي تستكشف المحيطات والبحار في وقت متزامن . وممثل النشاطات الاستكشافية في الشرق تشنغ خه، وممثلها في الغرب هنري الأمير البرتغالي الذي استكشف حول ما في ساحل إفريقيا الغربي، وهذه النشاطات في الشرق والغرب ترمز إلى تحويل نشاطات البشرية من البر إلى المحيط. وقد دفعت تجارب الملاحة للبشرية خلال مئات السنين الماضية الي تغيرات واضحة للملاحة في بداية القرن الخامس عشر، وزادت من معرفة قيمة البحار ودورها في الحياة. ولكن الأساس الاجتماعي لبدء الرحلات البحرية في الشرق والغرب مختلف، وهذا الاختلاف يربط بالخلفية الاجتماعية لرحلات تشنغ خه البحرية، ومن خلال عهد رحلات تشنغ خه البحرية في بداية القرن الخامس عشر، يمكن اعتبار عهده عهدا لتحول نشاطات البشرية من البر إلى البحار واعتبار رحلات تشنغ خه عملا عظيما مع العلم بأنه في ذلك العهد لا توجد القوة المحركة، كما أن عالم البحار والمحيطات عالم مجهول.
P30
الخلفية الاجتماعية لرحلات تشنغ خه البحرية
في عهد أسرة مينغ (1368 –1644م) دخلت الصين فترة المجتمع الإقطاعي الأخيرة، وفي بداية هذا العهد كانت الصين دولة قوية ، بحيث احتلت مركز الصدارة في كثير من المجالات، و خاصة أن الصين في بداية القرن الخامس عشر الفترة التي قام فيها تشنغ خهبرحلاته البحرية تعيش في "وضع سلام مزدهر" نظرا لأن بداية عهد أسرة مينغ من أفضل الفترات التاريخية ازدهارا في عصور الصين القديمة. وجدير بالذكر أن الإمبراطور تشو دي إمبراطور "عبقري بعيد النظر" نجح في إتمام سلسلة من الأحداث التاريخية الهامة في تاريخ الصين منها رحلات تشنغ خه البحرية وترميم القناة الكبيرة وتأليف ((موسوعة يونغ له)) وإنشاء الهيئات الإدارية ونقل العاصمة إلى بكين. وبالإضافة إلى ذلك، قام الإمبراطوريونغ له، وفقا لتغير الوضع، بتعديل سياسة الدولة الخارجية، واتخذ سياسة الانفتاح على الخارج وحسن الجوار، وربط استقرار الصين وتطورها بالعالم وخاصة ببيئة الدول المجاورة محاولا لخلق وضع سلام وإستقرار طويل الأمد. وكانت رحلات تشنغ خه البحرية هي من الإجراءات الهامة لهذه السياسة الخارجية، واتفقت مع طلبات تطور الوضع السياسي والاقتصادي في بداية عهد أسرة مينغ.
P31
الازدهار الاجتماعي في أسرة مينغ
كانت الصين في بداية عهد أسرة مينغ دولة قوية. وبفضل استقرار الحكم ، شهد المجتمع تطورا في مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال، تجاوز تطور الزراعة عهود الأسرات الملكية الأخرى من حيث وسائل الإنتاج والمردود، وقد حرر ذلك عددا أكثر من الأيدي العاملة، مما دفع تطور الحرف اليدوية والتجارة، ومن ثم ظهرت بداية الرأسمالية مع ازدهار التجارة والسوق،.
في عهد أسرة مينغ، كثرت التبادلات الخارجية. و في أواخر عهدها جاء ماتيرو سيتي المبشر الإيطالي إلى الصين، فبدأت تندمج الأفكار والعلوم والتكنولوجيا الشرقية والغربية بعضها ببعض، وأخذ الصينيون يعرفون العالم أكثر وأكثر . وقد أحرزت الصين في عهد أسرة مينغ منجزات عظيمة في الثقافة والأفكار والأدب والفن وعلم الفلك والرياضيات والزراعة والطب وعلم الجغرافيا وغيرها من العلوم والتقنيات. وأصبحت الخزفيات الزرقاء والبيضاء ومباخر شيوانده وغيرها من منتجات الحرف اليدوية أشغالا فنية ذات قيمة يستدعي لجمعها واقتنائها.
P32
الأدب والفن في أسرة مينغ
شهد الاقتصاد التجاري في أواسط وأواخر أسرة مينغ تطورا لا مثيل له في التاريخ، وأصبحت الروايات والمسرحيات الكلاسيكية التي تعكس حياة عامة الشعب تيارا رئيسيا لأدب وفن أسرة مينغ. وارتفع مستوى الأدب والفن مثل العلوم والتقنيات إلى مرحلة حديثة على أساس وراثة المنجزات السابقة، وتطورت الروايات والمسرحيات والخط والرسم، ونشرت روائع الأعمال الأدبية الكلاسيكية مثل روايات ((قصص الممالك الثلاث)) و((أبطال على شاطئ البحيرة)) و((الحج إلى الغرب)). وورث الرسم في أسرة مينغ روح الرسم التعبيري لأسرة يوان، ومن الرسامين المشهورين شن تشو، ون تشنغ مينغ، و"أسرات وو الثلاث" و"مدرسة وو للرسم" في أواسط أسرة مينغ، ودونغ تشي تشانغ، شيوي وي في أواخر أسرة مينغ، وتشن هونغ شو في نهاية العهد .
إن ((موسوعة يونغ له)) التي تم تأليفها في عهد تشنغ تسو في أسرة مينغ ترمز إلى أعلى منجزات تأليف الكتب في عصور الصين القديمة. وإنها أكبر مجموعة كتب حجما في تاريخ الصين، وأول موسوعة كبيرة الحجم معترف بها في العالم حتى اليوم.
P33
العلوم والتكنولوجيا في عهد أسرة مينغ
وصل تطور العلوم والتكنولوجيا في أسرة مينغ إلى درجة عالية مرموقة نتيجة الازدهار والاستقرار الاجتماعي، وبرز كثير من العلماء والأطباء ومنهم لي شي تشن ، سونغ ين شينغ، شيوي شيا كه، شيوي قوانغ تشي. وكتاب ((الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية)) للمؤلف لي شي تشن كتاب الطب التقليدي يرمز إلى أكبر الإنجازات في عصور الصين القديمة. ووصف هذا الكتاب أشكال العقاقير وصفا تفصيليا، واحتوى على مضامين وطرق استخدامها والعلاج بها، فهو كتاب ذو قيمة ثمينة في علوم الطب والأدوية. وسجل كتاب ((استغلال أعمال الطبيعة)) للمؤلف سونغ ين شينغ جميع أساليب الإنتاج الزراعي واليدوي، وفيه أكثر من 200 رسم نفيس لعملية صنع أدوات الإنتاج كلها، فهو أيضا موسوعة لم يسبقها مثيل في الصين. واحتوى كتاب ((سجلات رحلات شيوي شيا كه)) على 600 ألف مقطع صيني، وسجل هذا الجغرافي أحوال الجبال والأنهار والتضاريس خلال 30 سنة من الرحلات والسفر، وهو مؤلف علمي وثقافي هام في عصور الصين القديمة ومؤلف ذو قيمة بحثية في دراسة تاريخ تطور الجغرافيا الصيني. ولخص كتاب ((موسوعة الزراعة)) للمؤلف شيوي قوانغ تشي تجاربه وبحوثه الزراعية التي بحث فيها طول عمره ، وجمع الكتاب المعلومات الزراعية واشتمل على السياسة والأنظمة الزراعية والحقول والري والتربة والأسمدة وتصنيع الأطعمة والغزل والنسيج والحرف اليدوية .. الخ. وتناول الكتاب كمية كبيرة من الرسوم القيمة، ليصبح كتابا يجمع كافة العلوم والتكنولوجيا المستخدمة في مجال الزراعة في عصور الصين القديمة.
P34
إجراءات الانفتاح على الخارج
بدأت تزيد أسرة مينغ من النشاطات الخارجية، وترحب بنيتها الصادقة بمجيء رسل الدول الأجنبية للتجارة. وكانت لا تجبي الضرائب من الجزية التي قدمتها الدول الأجنبية للإمبراطور، بل تعطيها هدايا أكثر. وفي ناحية أخرى قامت بوضع النظم التجارية، وتحسينها وتعديلها لسد حاجات التبادل الاقتصادي. وسمحت للسوق الشعبية المتخصصة بتجارة البضائع التي حملتها السفن الآتية من خارج الصين و لا يستثني عن ذلك الأسرة الحاكمة آنذاك فهي أيضا كانت تشتري من هذه البضاعة و كانت حكومة مينغ تهتم في المبادرة إلى إرسال الوفود لزيارة الدول المجاورة.
P35
7- عمل عظيم لا مثيل له في تاريخ الصين
عهد استكشاف البحار الواسعة النطاق
منذ القرن الخامس عشر، بدأت البشرية أعمال استكشاف المحيطات والبحار، ومن أجل زيادة معرفة الانسان بالبر والبحر في العالم كله، قامت البشرية بهذه الأعمال الاستكشافية التي تعتبر حدثا هاما في تاريخ علم الجغرافيا. ومن بين هؤلاء البحارة والرواد تشنغ خه، وهو أول من قام بهذه الأعمال الاستكشافية عن طريق رحلاته البحرية، وبعد مائة سنة تقريبا، ظهر البحارة المستكشفون من أمثال فاسكو داغاما الذي وصل إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح، وكريستوفر كولمبوسالذي اكتشف قارة أمريكا، وفيرانو دي ماغاهيسالذي قام بالرحلات حول الكرة الأرضية لأول مرة.
يعد تشنغ خه من رائدي استكشاف البحار الواسعة النطاق، ودفع عمله الاستكشافي خطى معرفة البشرية بالمحيطات والبحار وتقدم العلوم والتكنولوجيا، وعالج كثيرا من المسائل التي تواجهها الملاحة، كما دفع تطور علم الفلك والرياضيات وعلم الجغرافيا وعلم البحار.
P36
المقارنة بين عدد السفن الصينية والغربية وأنواعها
إن حجم سفنتشنغ خهوأسطوله أكبر من حجم أسطولكولمبوس وأسطول داغاما بعشرات الأضعاف، وعدد مرافقيه يكثر من عدد مرافقيهما بعشرات إلى مائة ضعف، كما أن حمولة كل سفينة من سفن تشنغ خه ومسافته الملاحية أكبر من حمولة كل سفينة من سفنهما ومسافتهما الملاحية بكثير.
ويضم أسطول تشنغ خه في كل رحلة أكثر من 200 سفينة عموما، ومنها أكثر من 60 سفينة كبيرة ومتوسطة وضخمة، وطول أكبر السفن من نوع باوتشوان مائة وأربعون مترا تقريبا وعرضها ستون مترا، وحمولتها ألف وخمسمائة طن.
أما أسطول كولمبوس الذي قاده في رحلة الاستكشاف من أسبانيا إلى أمريكا في عام 1492 فهو يضم 3 مراكب شراعية فقط، وبلغت حمولة أكبرها "سفينة سان ماريا" 120 طنا، وطولها 34 مترا وحمولة المركبين الصغيرين 60 طنا و50 طنا لكل على حدة. وأكبر أسطول قاده كولمبوس في رحلاته كان لا يتجاوز 17 مركبا، وحمولة أكبرها 200 طن تقريبا. وتكون أسطول داغاما في رحلاته البحرية عام 1497 من 4 سفن جديدة، وطول سفينة القائد 80 قدما وحمولتها 120 طنا تقريبا. وكان أكبر أسطول قاده داغاما في الملاحة متكونا من 20 سفينة فقط. وعندما قام فيرانو دي ماغاهيس بالرحلات البحرية حول الكرة الأرضية في عام 1519، ضم أسطوله 5 مراكب شراعية، وحمولة أكبرها "سفينة سان أنطوني" 120 طنا وأصغرها "سفينة سان دياكو" 75 طنا فقط.
P37
التأثيرات التاريخية للنشاطات الملاحية
لقد أظهرت رحلات تشنغ خه البحرية مبادرة الصين في ممارسة الاتصالات الخارجية التقليدية إلى حد أكبر، وبلغت تأثيرات أسرة مينغ في دول جنوب آسيا الشرقي الذروة. وتعتبر رحلات تشنغ خه عملا يدهش العالم في أوائل القرن الخامس عشر، وتجاوز حجم رحلاته حجم رحلات البحارة الأوروبيين التي جرت بعد قرن تقريبا بغية "الاكتشاف الجغرافي الواسع النطاق". إن تشنغ خه رائد للملاحة من حيث مستوى الملاحة ومنجزاتها بالمقارنة مع البحارة الأوروبيين، وتركت رحلاتهتأثيرات هامة في تاريخ الصين حتى في تاريخ العالم، ولعبت دورا كبيرا في توصيل الطرق البحرية بين الشرق والغرب وتوثيق العلاقات والتبادلات الودية الصينية والأجنبية ودفع التبادلات الثقافية والاقتصادية.
P38
8- دوافع وتحضير الرحلات البحرية
أسس وشروط الرحلات البحرية البعيدة
في أوائل عهد أسرة مينغ، و بجهود كبيرة تم إنعاش الاقتصاد الزراعي وتطور الاقتصاد الاجتماعي لمدة أكثر من 30 سنة، وشهدت الحرف اليدوية تقدما كبيرا، وارتفع مستوى التعدين والصهر والغزل والنسيج وصنع الفخاريات والطباعة ارتفاعا متفاوتا. ولقيت المنسوجات الحريرية والخزفيات الصينية ترحيبا من قبل دول أوروبا الكثيرة، وكسبت سمعة جيدة، فازدادت الحاجة إليها ازديادا مطردا. وبفضل تطور صناعة السفن وتقدم فن الملاحة في أسرة مينغ (ذلك يضم استخدام البوصلة وجمع التجارب الملاحية وزيادة المعارف الملاحية) ونهضة وتطور الصناعة والتجارة، قدم كل ذلك أساسا اقتصاديا وهيأ شروطا مادية جيدة لتحضير تشنغ خه رحلاته البحرية.
P39
التبادلات السلمية مع دول ما وراء البحار
حدثت رحلات تشنغ خه البحرية، كعمل عظيم في أوائل أسرة مينغ،أي في عهد يونغ له وعهد شيوان ده على وجه التحديد ، ليدل ذلك على أن لهذا الحدث خلفية تاريخية ودوافع عصرية خاصة. فقد كان الصينيون يريدون سبر غور البحار بإلحاح منذ زمن بعيد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك طلبات لتعزيز الاتصالات مع مختلف الدول وتوسيع التجارة معها بفضل وضع أوائل أسرةمينغ الجيد والمزدهر والتجارة المتطورة. وأصبح تطور التجارة البحرية استمرارا للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي، وبعد عشرات السنين لتأسيس أسرة مينغ، اتخذت الصين سياسة الانفتاح على العالم الخارجي والتجارة المتبادلة مع الدول الأخرى تماشيا مع تطور وحاجات الوضع، وأصبح تحديد نمط دبلوماسي على أساس إقامة العلاقات السلمية حاجة العصر. ورحلات تشنغ خه البحرية السبع مع أسطوله الضخم هي من الإجراءات الهامة للتبادلات السلمية مع دول ما وراء البحار.
P40
تحقيق هدف النهضة التجارية
تحقيق هدف النهضة التجارية عبر التجارة الخارجية هو من سياسات أسرةمينغ. تميز الحرير والخزفيات والشاي والأدوات الحديدية والأشغال الفنية والحاجيات اليومية من المنتجات الصينية بسمعة جيدة حينذاك ، وأرسى ذلك الأساس المادي لتطوير التجارة الخارجية مع الدول الأجنبية.
على الرغم من أن عبور المحيط الهندي محفوف بمخاطر كبيرة، لكن الشجعان الشرقيين والغربيين واصلوا اكتشاف الطريق البحري، وقد دفعت طلبات التجارة وتطور فن الملاحة السريع وارتفاع مستوى صناعة السفن تنمية المواصلات البحرية دفعا قويا، وجلبت ازدهار التجارة أيضا. وفي عهد الممالك الثلاث (220 –280م)، وصلت السفن الصينية التجارية إلى الهند وبلاد الفرس. وفي عهد أسرة تانغ وأسرة سونغ (618 –1279م)، كان الصينيون يخرجون إلى بحر الصين الجنوبي بكثرة. فانتقل الحرير والخزفيات والشاي الي البلدان المختلفة باعتبارها البضائع الرئيسية المتبادلة مع الدول الأجنبية عبر النقل البحري. وقد بلغت التجارة البحرية في عهد أسرة مينغ ذروة الازدهار بواسطة رحلات تشنغ خه البحرية.
P41
تثبيت نظام السلام على البحار
في عهد أسرة مينغكان الوضع مضطربا في ساحل جنوب الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي وأرخبيل جنوب البحر ، وطغى القراصنة هنالك، وكانوا يؤثرون على وضع السلام عبر البحر. وهذا لم يسئ سمعة حكام أسرة مينغ فحسب، بل لا يفيد توطيد وضع أسرةمينغ وتطوره أيضا. وكان أول مهمة لرحلات تشنغ خهالبحرية وسياسته الدبلوماسية هما إبادة القراصنة ومعالجة التناقضات بين مختلف دول جنوب آسيا الشرقي وجنوبها وخلق وضع سلام في منطقة هذه الدول.
P42
9- صناعة السفن التي سبقت العالم
صناعة السفن في عصور الصين القديمة
في عهد أسرة تشين وأسرة هان (221 ق.م – 220 م )، أصبحت صناعة السفن ذات حجم ، وبلغ فن صنع السفن مستوى عاليا نسبيا. وكان عمال ترسانة السفن قد استوعبوا كل العمليات التكنولوجية لصنع السفن الكبيرة الحجم، وجمعوا التجارب الكثيرة. فامتازت الصين في ذلك الوقت بقدرة على بناء السفن الكبيرة الحجم. وفي عهد أسرة سونغ، دفعت الاختراعات الأربعة و ارتفاع مستوى الحرف اليدوية مزيدا من تطور تقنية بناء السفن والملاحة، وفي فترة أسرتي سونغ الشمالية والجنوبية، تجاوز مستوى وحجم بناء السفن في الصين مستوى وحجم بنائها في مناطق العالم الأخرى. وفي عهد أسرة يوان، بلغ المستوى التقني الصيني لبناء السفن المركز الأول في العالم. وقد وصف ماركو بولو والرحال العربي البارز ابن بطوط أحوال السفن الصينية، وذلك كله يدل على أن صناعة السفن الصينية في فترة أسرتي سونغ ويوانمشهورة في العالم من حيث الحجم الكبير ودقة التركيب والمتانة وسلامة السير .
P43
تكنولوجيا بناء السفن الممتاز
تمثل التكنولوجيا المتقدمة في بناء السفن لأسرة مينغ في زيادة حجم جسم السفن المستخدمة في الملاحة. فقد ورد في كتاب ((تاريخ أسرة مينغ – سيرة حياة تشنغ خه)): " أن سفينة تشنغ خه (باوتشوان) رقم 63 طوله 150 مترا وعرضه 60 مترا تقريبا." تنقسم سفن تشنغ خه في رحلاته البحرية إلى 5 أنواع: باوتشوان، سفن التموين، سفن نقل الحبوب ، سفن الركاب والسفن الحربية. وحجم باوتشوان أكبر، يصل عمقه 12 مترا، وغاطسه 8 أمتار، وحمولته 800 طن (أكبر حمولة لباوتشوان في الأسطول 1500 طن) وله 9 سوار و4 سطوح . ويعني باوتشوان الاسم الكامل لأسطول تشنغ خه، ويشتمل على كل الأنواع من السفن المختلفة الحجم، و هي أكبر سفينة في أسطول تشنغ خه والسفن الكبيرة والمتوسطة المذكورة في مختلف الكتب التاريخية. يساوي "تشي" (وحدة الطول) في عهد أسرة 0.311 متر اليوم تقريبا، وعرض باوتشوان 56 مترا تقريبا، ومثل هذه السفينة الكبيرة لم تكن موجودة إلا في الصين حينذاك. وهذا دليل على أن الصين سبقت العالم في بناء السفن.
P44
10- القدرة الملاحية الأولى في العالم
تاريخ الملاحة الطويل
تقع الصين في شمال غربي المحيط الهادي، ويبلغ طول سواحلها أكثر من 18000 كيلومتر، ومناطقها البحرية واسعة مترامية الأطراف، ومنذ ظهور أثر قدم الإنسان في البر الصيني، ظل يحافظ الصينيون على علاقة لا تنفصل عن البحار والمحيطات. وتماشيا مع تطور العصر والمجتمع، تعززت قدرة الناس على قهر الطبيعة واستغلالها . وقد مرت معرفة الانسان بالبحار والملاحة بمراحل من المعرفة السطحية إلى الأعمق والتمشي مع تطور العصر.
تاريخ الصين الملاحي التقليدي طويل، فقبل 7000 سنة، صنع الكادحون الصينيون كانو لعبور البحر، وقبل 3000 سنة، صنعوا المراكب الخشبية كأداة مواصلات، وبعد مرور السنين حتى عهد أسرة مينغ، تطورت تكنولوجيا الملاحة الصينية نحو الملاحة العابرة القارات، ومن ذلك نعرف أن رحلات تشنغ خه البحرية الصعبة والمعقدة التي لم يشهدها التاريخ تمت على أساس خبرات التاريخ الطويل.
P45
الخبرات والتكنولوجيات الملاحية المتقدمة
خلال عمليات الممارسات الطويلة ، اخترع قدماء الصينيين تدريجيا تكنولوجيات ملاحية وأساليب الملاحة ، وتتمثل أساليب الملاحة في تحديد موقع السفن وتعديل اتجاهها وضمان سلامة الملاحة طبقا لأسباب متعددة مثل شكل الجبل والبحر والجزر وعمق البحر والصخور تحت البحر ولون البحر والنباتات البحرية و إجراء التحليل الشامل لها .
لقد استوعب أسطول تشنغ خه في رحلاته السبع كل التكنولوجيات الملاحية المتقدمة وامتلك أحسن الأجهزة الملاحية حينذاك، وفي البحر الواسع، نجحت هذه الرحلات البحرية بالاعتماد على البوصلة التي أبدعت في عهد أسرة سونغ وغيرها من الأجهزة والتكنولوجيات المتقدمة التي لا تتأثر بتقلبات الجو والمناخ .
P46
خريطة تشنغ خه الملاحية
((خريطة تشنغ خه الملاحية)) هي برهان مادي هام لرحلات أسطولتشنغ خه البحرية. وفي الخريطة الخطوط الملاحية التي تشتمل على البدء من نانجينغ والإبحار في نهر اليانغتسي ثم السير في البحر نحو الاتجاه الجنوبي والوصول إلى بلاد ليوشان (مالديف اليوم) مرورا بشبه جزيرة تشوننان وشبه جزيرة ماليزيا ومضيق ملقا وشيلانشان (سري لانكا اليوم). ومن هنا تنقسم الخطوط إلى خطين ملاحين أوله يعبر المحيط الهندي للوصول إلى ساحل إفريقيا الشرقي، والثاني يعبر البحر العربي من بلاد مالديف للوصول إلى هورمس. وفي الخريطة الرسوم المائية التقليدية الصينية الواضحة للجبال والجزر والجسور والمعابد والمدن وما إلى ذلك لتوضيحها وسهولة تمييزها . وفي الخريطة أكثر من 530 اسما لأماكن مختلفة تشتمل على سواحل آسيا وإفريقيا وأكثر من 30 دولة ومنطقة. ومجموعة الخطوط الملاحية أكثر من 50 خطا وبجانبها علامات وأرقام تعد معلومات ملاحية قيمة لتحديد موقع الأسطول. وهذا يبرهن خبرات ملاحة الصين الوفيرة والدرجة الرفيعة لمستوى التكنولوجيات الملاحية الصينية حينذاك.
P47
البوصلة ذات 48 اتجاها
إن البوصلة القديمة المستخدمة في أسطول تشنغ خه ذات 24 سمتا يساوي كل سمت منها 15 درجة للبوصلة الحديثة، وفي البوصلة إبرة واحدة تشير إلى سمت واحد بدقة. وبسبب تثبيت زاوية السمت، يمكن الاشارة الي الدرجات بين السمتين – للحصول على نصف مجموع درجات السمتين، وهذا يسمى أسلوب "معدل الاثنين".
و لإحتواء البوصلة لـ 24 سمتا يساوي كل سمت منها 15 درجة، يمكنها أن تشير إلى 48 اتجاها.
استوعب أسطول تشنغ خه علم الفلك أيضا، ويمكن تحديد مواقع النجوم، ثم تحديد موقع الأسطول، فتشكلت مجموعة فعالة من التكنولوجيات الملاحية عن طريق "النظر إلى مواقع النجوم لعبور البحار".
P48
المقارنة بين البحارة المستكشفين في دول العالم المختلفة
عام 1405 – عام1433: رحلات تشنغ خه الصيني البحرية
عام 1492: وصل البحار الإيطالي كريستوفر كولمبوس إلى أمريكا بعد عبور المحيط الأطلنطي
عام 1498: شكل البحار البرتغالي المشهور فاسكو داغاما أسطولا ضخما، وانطلق من ميناء لشبونة، ووجد طريقا ملاحيا بعد عبور دياش، ووصل إلى رأس الرجاء الصالح في نوفمبر نفس العام، ثم أبحر شمالا وشق طريقا ملاحيا جديدا من أوروبا الغربية إلى الهند.
عام 1519: نجح البحار البرتغالي فيرانو دي ماغاهيس مع أسطوله في القيام برحلة حول الكرة الأرضية، ودل على أن شكل الكرة الأرضية مستدير، وشق طريقا ملاحيا يؤدي إلى الشرق.
عام 1768: أبحر البحار المستكشف والمهندس الرسام للخرائط جميس كوك إلى أستراليا، ووسع منطقة نفوذ الإمبراطورية البريطانية.
P49
11- أسطول تشنغ خه
الأسطول الضخم
أنشأ تشنغ خه أكبر أسطول الذي لا مثيل له في العالم في رحلاته البحرية. يضم أسطول تشنغ خهفي كل رحلة بحرية 63 سفينة كبيرة ومتوسطة رئيسية والسفن المتنوعة الأخرى، ليتراوح مجموع هذه السفن بين مائة و مائتين سفينة. وفي رحلته الأولى، بلغ مجموع السفن أكثر من مائتي سفينة وعدد مرافقيه نحو 28 ألف نسمة، ويعتبر مثل هذا الأسطول أكبر وأكمل أسطول تجهيزا في العالم في القرن الخامس عشر.
لأسطول تشنغ خه 5 أنواع من السفن، والنوع الأول هو "باوتشوان" الذي اتسع لأكثر من ألف نسمة، وهو أكبر السفن في العالم حينذاك. والثاني هو "ماتشوان" - سفينة التموين السريع . والثالث هو "ليانغتشوان" سفينة نقل الحبوب واللوازم. والرابع هو "تسوهتشوان" – سفينة الركاب (السكن). والخامس هو "تشانتشوان" – السفينة الحربية. وذلك بالإضافة إلى "شيويتشوان" – السفينة الإضافية لتخزين اللوازم والماء العذب. وهذا الأسطول أسطول ضخم متعدد الأنواع ومتكون من سفن شحن البضائع وسفن نقل اللوازم والحبوب وسفن القتال وسفن السكن باعتبار "باوتشوان" السفينة الرئيسية والسفن الأخرى إضافية.
P50
التركيبات التنظيمية الدقيقة
يشتمل أسطول تشنغ خه على 4 هيئات وظيفية كبيرة:
(1) مركز القيادة: أعضاؤه رئيس الخصية ونائبه والخصيان الآخرون. وهو هيئة مركزية لقيادة كل من الملاحة والشؤون الدبلوماسية والقتال والتجارة وغير ذلك من الأعمال الهامة.
(2) مركز الملاحة: هو مسؤول عن سلامة الملاحة وإرساء وإقلاع السفن ورفع وانزال الأشرعة والتجديف والأرصاد الجوية وصنع وإصلاح الأدوات الحديدية والخشبية والأجهزة.
(3) مركز الشؤون الخارجية والداخلية: هو مسؤول عن الشؤون الخارجية والمراسيم والتموين والترجمة وشراء اللوازم والحساب وإعداد مسودة التقارير والوقاية من الأمراض وعلاجها.
(4) مركز الحماية العسكرية: مسؤول عن سلامة السفن في الملاحة وفي المراسي، والدفاع والمقاومة ضد القوات المسلحة المعتدية والقراصنة.
في رحلات تشنغ خه البحرية، لا يمكن نقصان هذه الوظائف المتعددة الخدمات، وإلا فتؤثر أي مشكلة في أداء الوظيفة في خطة الرحلات، مما قد يؤدي إلى خسائر الأسطول صغيرة أو كبيرة.
P51
خريطة الخطوط الملاحية المستخدمة في رحلات تشنغ خه البحرية
P52
12- رحلات تشنغ خه السبع البحرية
أشرعة السفن ترفرف على سطح البحر
خلال 28 سنة من عام 1405 إلى عام 1433، لم تكد تنقطع رحلات تشنغ خه السبع البحرية، ومر أسطوله في كل رحلة بالدول الكبيرة والصغيرة في جنوب آسيا وقرب الهند، الأمر الذي عزز العلاقات بين الصين وهذه الدول وخاصة العلاقات السياسية والاقتصادية المتبادلة. وفيما بعد توافد رسل الدول الأجنبية إلى الصين، وفي ذلك الوقت، كانت أشرعة السفن ترفرف على سطح بحر الصين الجنوبي، وتزداد التبادلات بين الصين والدول الأخرى مع مرور الأيام، ولم يعد يركب الرسل الأجانب سفن تشنغ خهفقط عندما يسافرون إلى الصين. فخلال رحلات تشنغ خه البحرية، تمت إبادة القراصنة في جيوقانغ (إندونيسيا اليوم)، فتوطدت الاتصالات بين دول المنطقة وأصبحت الطرق البحرية طرقا سالكة.
رحلات تشنغ خه السبع البحرية من الإجراءات الدبلوماسية السلمية للصين، وهي تختلف عن رحلات كولمبوس لاكتشاف أمريكا والتي جلبت المصائب للشعب المحلي اختلافا كبيرا. وقد دفعت رحلات تشنغ خه التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين ودول آسيا وإفريقيا، ونشرت ثقافة الصين الرائعة وأجرت التجارة المتبادلة المنفعة مع تلك الدول. وحظيت هذه التبادلات السلمية بالترحيب من الدول التي وصل تشنغ خه إليها، مما عزز العلاقات الودية بين أسرة مينغ ومختلف دول آسيا وإفريقيا.
P53
المنجزات الجديدة في تحديد الخطوط الملاحية وجمع التجارب الملاحية
لقد أحرز تشنغ خه منجزات جديدة في تحديد الخطوط الملاحية وجمع التجارب الملاحية ، واحتل خط تشنغ خه الملاحي الذي يبدأ من المحيط الهادي الغربي ويخترق المحيط الهندي ويصل إلى شرقي إفريقيا مركز الصدارة في تاريخ الملاحة العالمي. وكانت رحلاته البحرية باستخدام المراكب الخشبية وبالاعتماد على قوة الرياح تحتاج إلى التغلب على كل الأنواع من الصعوبات وإلى فن الملاحة وفن صنع السفن والخبرات الملاحية واستيعاب المعارف البحرية والجرأة وروح الاستكشاف، وهذا كله أرسى أساسا للملاحة التي قام بها الصينيون فيما بعد. وقبل أسرة يوان، كانت الخطوط الملاحية للصين تقتصر على الإبحار علي خط سواحل البحر، وحجم وعدد السفن وعدد المرافقين ومرات الملاحة ومدة الإبحار كل هذا أقل بكثير من أسطول تشنغ خه ورحلاته .
P54
تشكيل شبكة المواصلات البحرية
لقد شقت رحلات تشنغ خه البحرية السبع واستكشافه خطوط المواصلات البحرية، مما شكل شبكة مواصلات بحرية متكاملة . ووصلت رحلاته الثلاثة الأولى إلى شرقي الهند وأقصاها إلى قولي – ميناء هام للتجارة بين الشرق والغرب في العصور القديمة، ووصلت رحلته الرابعة إلى غربي آسيا ومناطق شرقي إفريقيا. وشملت خطوط تشنغ خه الملاحية الرئيسية 56 خطا طول كلها 15000 ميل، ومثال ذلك، تم شق خط من قولي وليوشان إلى مقديشو في الصومال وبولاوا، وماليندي في كينيا، ثم الإبحار إلى الجنوب والوصول إلى ميناء موزمبيق وميناء سوفالا، وقيل إن فريق السفن من أسطول تشنغ خه اجتاز منطقة الإعصار البحري في جنوب إفريقيا. وانطلاقا من زاوية تاريخ تطور الملاحة، تمتاز خطوط تشنغ خه البحرية بالتجديد، وهذا أرسى أساسا متينا للملاحة المقبلة.
P55
الروح الاستكشافية الجريئة
في عهد رحلات تشنغ خه البحرية، ومع تطور المجتمع الإقطاعي الصيني الممتد نحو ألفي سنة، طلب العصر من الشعب أن يحطم الخط الفاصل بين المناطق المختلفة والقوميات المختلفة من حيث الحياة المادية والحياة الروحية، وفي هذه الخلفية، بدأ تشنغ خه رحلاته البحرية وعمله الاستكشافي.
رحلاتتشنغ خه السبع البحرية هي تحول هام من "طريق الحرير البري " إلى "طريق الحرير البحري"، وهي كذلك معجزة في تاريخ الملاحة. إن تشنغ خه بحار يمتاز بالروح الجريئة والعطاء والروح الاستكشافية النادرة. وقد فتحت رحلاته قرنا كاملا شهد عمليات الإبحار في مشارق العالم ومغاربه . وبمحاذاة الطرق الملاحية التي شقها تشنغ خه، سافر عدد كبير من الصينيين إلى الدول الأجنبية، وبفضل استكشاف البحار المستمر في الشرق والغرب، تجمعت البشرية أخيرا في عالم واحد .
P56
13- التبادل الحضاري
زيارات عديدة لبلد تشانتشنغ (تشامبا) القديم
يقع بلد تشانتشنغ في منطقة وسط فيتنام وجنوبها ، ومساحته صغيرة وسكانه قليلون، وكانوا يعيشون على صيد الأسماك، وطعامهم الرئيسي الأرز ولحم الغنم. وهذا البلد زاره أسطول تشنغ خهمرات عديدة. وكان على تشنغ خه أن يختار ميناء جيدا لإرساء سفنه في رحلات، وبلد تشانتشنغ هو محطة ترحيل مناسبة. وفي عام يونغ له الثالث (عام 1405م)، غادرتشنغ خهتشانغله بمقاطعة فوجيان وبدأ رحلته الأولى، بحيث وصل إلى تشانتشنغ – محطته الأولى، وفي رحلاته السبع مر بها خمس مرات . وقد ورد في سجلات تاريخ أسرة مينغ أن أسطول تشنغ خه زار تشانتشنغ مرات عديدة، مما جعل الصين تقيم علاقات الصداقة مع شعب هذا البلد. كما يعكس شكل بنايات القصر في تشانتشنغ مدى تأثرها ببنايات الصين، وهذا بالطبع له علاقة وثيقة برحلات تشنغ خه البحرية.
P57
العلاقات الودية مع سومطرا
بلد سومطرة محطة تالية لأسطول تشنغ خه بعد إبحاره من بلد جاوا غربا. واسمه القديم شيويوندانا، وهو الآن بلد صغير في شمال غربي جزيرة سومطرة لإندونيسيا، وموقعه الجغرافي ممتاز جدا، وكل السفن التي تبحر نحو الشرق أو الغرب لا بد أن تمر به إذا عبر مضيق ملقا، فهو بلد هام تجاريا .
كما أن سومطرة محطة ترحيل هامة لأسطول تشنغ خه. فعندما قامتشنغ خهبرحلاته البحرية نحو الاتجاهات المختلفة لزيارة عشرات البلدان والمناطق، أرسى سفنه في سومطرة دائما لإتمام التموين الأخير، ثم قسم أسطوله إلى عدة فروع للقيام بالزيارات .
كان بلاط أسرة مينغ يهتم إهتماما بالغا بتطوير العلاقات الودية مع سومطرة، وبفضل رحلات تشنغ خه البحرية إلى هذا البلد تعزز مزيد من العلاقات الودية بين الصين وبينه.
P58
الاتصالات الودية مع بلد نانبري
نانبري (يقع في شمال غربي سومطرة وفي إندونيسيا اليوم) بلد صغير إسلامي يبلغ عدد سكانه أكثر من ألف عائلة ورغم ذلك، فإنه همزة وصل للمواصلات البحرية الشرقية والغربية . كانت تقدم لأسرة مينغ مساعدات قوية في تطوير المواصلات البحرية الشرقية والغربية وتعزيز الاتصالات بالعالم الإسلامي. وفي رحلة تشنغ خه الأولى، اهتم بهذا البلد الصغير وزاره زيارة ودية رسمية.
P59
بلد يتدين بالبوذي
شيانلوه اسم تايلاند قديما ، وبلد تايلاند مشهور بإنتاج الياقوت الأحمر والياقوت الأزرق واليشم والحلي الذهبية والفضية، وحظيت حلي الألماس المنحوتة على يدي الحرفيين المحليين بترحيب أكثر. وكلما وصل أسطول تشنغ خه إلى هذا البلد، تبادل الأحجار الكريمة المحلية بالمنسوجات الحريرية والخزفيات الصينية التي أثرت تأثيرا مباشرا في تحسين ورفع نوعية حياة الشعب التايلاندي، كما أثرت الفنون المعمارية والمنقوشات الحجرية الصينية في البناء التايلاندي تأثيرا كبيرا.
P60
الاتصالات مع شيلانشان
شيلانشان جزيرة سري لانكا اليوم، واسمها القديم بلد شيتسي أوسنغجيالوه. وهي مركز التجميع والتوزيع التجاري المشهور، ومحطة ترحيل ملاحية في القرن الخامس عشر. وشيلانشان أرض بوذية مقدسة مشهورة، وشعبها يؤمن بالدين البوذي، وفيها كثير من المعابد، ويعتز شعبها بثقافتها البوذية المعروفة بتاريخها الطويل . احترم تشنغ خه ومرافقوه فضائل السلف البوذي ورجوا الحصول على العناية والحماية من السلف البوذي، وكلما وصلوا إلى شيلانشان، قدموا للمعابد البخور وأجروا النشاطات البوذية، و تبرعوا لبناء معبد اسمه معبد فوهقوانغ.
وبفضل النشاطات البوذية التي قام بها تشنغ خه، ازدادت الصداقة بين الشعبين الصيني والشيلانشاني، وهذا أرسى أساسا جيدا للاتصالات المستقبلية. وبما أن معابد شيلانشان مكان تجمع للحجاج البوذيين والتجار والرسل من مختلف الدول، رأوا صدق البوذيين الصينيين من خلال نشاطات تشنغ خه البوذية، مما وسع التأثيرات الصينية في الخارج. كما أنشأ تشنغ خه نصبا منقوشا باللغات الصينية والتاميرية والفارسيةفي شيلانشان محفوظا الآن في متحف سيري لانكا، وهو من الآثار التاريخية الثمينة للاتصالات الودية بين البلدين .
P61
أسطول تشنغ خه أدى فريضة الحج في مكة المكرمة
بلد تيانفانغ (سماه الصينيون هكذا في العصور القديمة) اسم مكة المكرمة القديم في السعودية اليوم. بلد تيانفانغ بلد إسلامي عظيم ومشهور في المناطق الغربية، وهومولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومكة المكرمة أرض مقدسة للإسلام ومصدر الإسلام. ونظرا لوجود عدد كبير من البلدان التي تؤمن بالإسلام في المناطق الغربية في عهد أسرةمينغ أرسل تشنغ خه - المسلم الورع - ليقود رحلاته البحرية إلى هذه البلدان لزيادة التبادلات والصداقة بينها وبين الصين بالاعتماد على الاعتقاد الديني الواحد. وكان تشنغ خه كمسلم مؤمن يتشوق إلى زيارة هذه الأرض الإسلامية المقدسة لأداء فريضة الحج فيها باعتبار ذلك أمنية يتمنوها كل المسلمين الصادقين. وقد أدى تشنغ خه فريضة الحج في بيت الله في مكة. وفي عهد أسرة مينغ لعبت زيارته لهذه البلدان الإسلامية دورا هاما في زيادة الصداقة بينها وبين الصين.
P62
14- التجارة والزيارات
إعداد كامل لمزاولة التجارة مع البلدان الأخرى
من خلال الرحلات البحرية، طور تشنغ خه الاتصالات بين الصين والبلدان الأجنبية تطويرا كبيرا، وكسبت الصين سمعة جيدة بواسطة جهود تشنغ خه المستمرة. ثم عملت حكومة مينغ على نشر الحضارة المادية والحضارة الروحية الصينية في ما وراء البحار و تطوير النشاطات الدبلوماسية والتجارية المختلفة الأنواع بين الصين والبلدان الأجنبية عن طريق الرحلات البحرية، وذلك لمعرفة تلك البلدان بحضارة الصين القديمة والباهرة معرفة أكثر، وبالتالي توطيد اتصالاتها بالصين – هذا البلد الحضاري القديم في الشرق – عن طريق التجارة لأن ذلك متفق مع المصالح الطويلة الأمد لشعوب مختلف البلدان ومطلب حتمي لتطور التاريخ أيضا. لقد دفعت رحلات تشنغ خه البحرية المعاملات التجارية بين الصين ومختلف دول آسيا وإفريقيا، وازدهار "طريق الحرير" البحري فيما بينها.
P63
التبادلات مع بلد آدان
بلد آدان هو عدن في اليمن اليوم، ويقع في مصب البحر الأحمر الجنوبي، وهو ميناء هام للتجارة الدولية في غربي آسيا بالعصور القديمة. بلد آدان بلد مزدهر وغني بالمنتجات، وفيه عدد لا يحصى من النباتات والأحياء والحيوانات النادرة والنفيسة ومنها الزرافة التي سماها الصينيون "تشيلين" في العصور القديمة. وكانت الحرف اليدوية والتجارة وصناعة معالجة الذهب والفضة فيه متطورة، إذ أن الحلي الذهبية والفضية جميلة رائعة ومشهورة في دول غربي آسيا. وأقام تشنغ خه التجارة معه بصورة مكثفة .
بدأت أسرة مينغ التجارة الرسمية مع دولة آدان في عام يونغ له الرابع عشر (عام 1416م). وبعد عدة زيارات ودية، قام وفد تشنغ خه بالتبادلات التجارية الواسعة النطاق معه، وجلب له كمية كبيرة من المنسوجات الحريرية والخزفيات وغيرها من المنتجات الصينية الخاصة المحببة إلى شعبه. وأصدر ملك آدان مرسوما ينص على التجارة مع الأسطول الصيني طليقة من كل قيد، ويمكن إجراء تجارة أفضل المجوهرات لنا.
P64
التجارة مع بلد زفار
بلد زفار هو عمان اليوم،يقع في ساحل جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية، وهو ميناء تجاري مشهور منذ القدم ومركز تجمع التجار من مختلف الدول. وفي عام يونغ له التاسععشر (عام 1424 م)، زار الصين الرسل من بلد زفار مع الرسل من بلد آدان وبلد لاسا، ومع تعزيز العلاقات الودية بين البلدين وتحت مساعدة ملك زفار، مارس تشنغ خه وأسطوله النشاطات التجارية الواسعة النطاق مع شعب زفار.
و في ذلك الوقت كان للشعب الصيني ولشعوب مختلف الدول الأجنبية مطلب زيادة التجارة، ودعت حكومة زفار وحكومات الدول الأخرى شعوبها إلى ممارسة التجارة مع وفد تشنغ خه بقدر الإمكان أيضا. وتمثلت التجارة بين وفد تشنغ خه وبلد زفار أساسا في تبديل اللبان والسولع والودح وغير ذلك من التوابل والأعشاب الطبية بالحرير والخزفيات واللوازم اليومية الصينية، وتميزت هذه التجارة بطابع "التجارة الشعبية".
P65
التبادلات مع الهند
خلال 28 سنة من عام 1405 إلى عام 1433، وصل تشنغ خه مع أسطوله إلى أكثر من 30 دولة في رحلاته السبع البحرية منها بلد قولي وبلد شياوقهلان وبلد كتشي وغيرها من البلدان التابعة للهند اليوم، وعززت زيارة تشنغ خه لهذه البلدان التبادلات السياسية والثقافية بينها وبين الصين. وبالإضافة إلى ذلك، جلب تشنغ خه لشعبها المنتجات الصينية مثل المنسوجات الحريرية الملونة والخزفيات الزرقاء والبيضاء والمسك والزئبق والحصير وبعض النقود الذهبية والفضية والبرونزية. وعاد إلى الصين من الهند بالأقمشة المختلفة الأنواع والتوابل والأحجار الكريمة والفلفل والمرجان وأغطية اللحاف المختلفة الألوان والجوز الهندي وكوثل الكاشو وقرون الكركدن. ووفرت هذه التبادلات التجارية بين الطرفين حياة شعبي البلدين. وحتى اليوم يمكن رؤية بعض خزفيات أسرة مينغ الزرقاء والبيضاء في بلد كتشي، وما زال يستخدم الصيادون هناك "شبكة صيد السمك الصينية". وهذا كله يرجع بلا شك إلى الرحلات التي قام بها تشنغ خه البحرية.
P66
التجارة مع بلد تيانفانغ
بلد تيانفانغ (مكة المكرمة الإسلامية اليوم) غني بالمنتجات الزراعية والموارد الطبيعية المختلفة الأنواع، ومنها الفهد والأيل النباح وقرون الكركدن والذهب والفضة وقرون الغزال وما إلى ذلك. وقد ترك هذا البلد الجميل والغني انطباعات عميقة في ذهن تشنغ خه في رحلته الرابعة البحرية، ولذلك أرسل تشنغ خه المبعوثين إلى هناك ومعهم المسك والخزفيات الصينية وغير ذلك من المنتجات الصينية الخاصة للتجارة، واشترى المبعثون الصينيون منه النفائس والمجوهرات و"تشيلين" (الزرافة) والأسد والنعامة.
وبواسطة وصول الرسل الصينيين إلى هناك، شعر ملك تيانفانغ وملك دولة مدنا بقوة وازدهار الصين هذه الدولة الشرقية الكبيرة في عهد أسرة مينغ، فقرر بعث الرسل مع الرسل الصينيين لزيارة الصين. وفي عام شيوان ده الثامن (عام 1433)، أرسل ملك تيانفانغ رسله إلى الصين ومعهم "تشيلين" والفيل والخيل، واستقبلهم الإمبراطور تشو تشان جي لأسرة مينغ شخصيا في بوابة فنغتيان، وقبل الهدايا من بلد تيانفانغ بسرور، ثم قدم لملك تيانفانغ ولهم هدايا سخية.
P67
15- الزيارات الودية
زيارة ملك بوهني للصين لأول مرة
في رحلة تشنغ خه البحرية الأولى، وصل إلى بلد بوهني (بروني اليوم) للزيارة. وفي عام يونغ له السادس (عام 1408)، زار الصين ملك بوهني مع محظيته وإخوانه وأخواته برفقة وزرائه.
أبدى الإمبراطور تشو دي لأسرة مينغ حماسه الكبيرة تجاه زيارة ملك بوهني للصين، لأنه أول ملك أجنبي يزور الصين في ذلك العهد ، واستقبله الإمبراطور تشو دي واجتمع ملك بوهني بكبار الموظفين في بلاط أسرةمينغ، وأجريت النشاطات الدبلوماسية الواسعة النطاق.
وقدر الإمبراطورتشو ديتطور علاقات الصداقة بين البلدين تقديرا عاليا واهتم بها اهتماما بالغا. ومن الأسف الشديد أن ملك بوهني توفي في دار تونغهوي بأكتوبر نفس العام، وقبل وفاته عبر عن مشاعره الصادقة والحنين نحو الصين. وعبر الإمبراطور تشو دي عن التعازي العميقة بوفاته، ولم يذهب إلى الديوان الإمبراطوري لمعالجة شؤون الدولة مدة 3 أيام وأصدر أمرا بدفنه في مدينة نانجينغ الصينية. وقد نفذ تشنغ خه بصدق في رحلاته البحرية السياسة الخارجية المتمثلة في "التمتع المشترك بالسلامة والسعادة" مع دول ما وراء البحار.
P68
زيارة ملك سولو للصين
في عهد يونغ له الخامس عشر (عام 1417)، قاد ملك سولو (الجزء من الفيليبين الآن، تقع في أرخبيل سولو) وفدا يضم أكثر من 340 فردا منهم أهله ومرافقوه في زيارة الصين، باعتبارها زيارة مقابل زيارة تشنغ خه لبلده . وخلال فترة بقاء ضيوف سولو الكرام في بكين ، حظوا باستقبال عالي الدرجة. وبعد انتهاء الزيارة الناجحة، عاد الملك بمشاعر الشعب الصيني المفعمة بالمحبة العميقة نحو شعب سولو، ولكن من الأسف الشديد أن الملك توفي مرضا في طريق عودته. وفي الترتيبات الجنائزية للملك، إهتم الإمبراطور تشو دي بكل كبير وصغير بنفسه، وأقام له أعلى المراسيم الجنائزية التي أنفق فيها كمية كبيرة من المال والمواد. وخلال زيارة الوفد للصين، قامت حكومة مينغ بالترتيبات المفصلة منذ البداية حتى النهاية معبرة عن رغبتها في التبادل الصادق مع شعب سولو، ولم تنته هذه الرغبة بسبب وفاة ملك سولو، بل ازدادت الصداقة بين شعبي البلدين.
P69
زيارة ملك مالاجيا للصين
بلد مالاجيا في عهد أسرة مينغهو ملقا اليوم، وقد مر به تشنغ خه في رحلاته السبع البحرية. وكسب مالاجيا استقلالا تحت تأييد الصين في ذلك الوقت، ولم يعد يتعرض للاضطهاد والظلم من قبل بلد شيانلوه. وفي عام يونغ له التاسع (عام 1411)، قاد ملك مالاجيا وفدا يضم أكثر من 540 فردا منهم عقيلته ووزراؤه المرافقون حاملا معهم اللآلئ والعقيق واللجأة والمرجان والكراكي والأقمشة والقرد الأسود والأيل النباح الأبيض راكبا سفينة تشنغ خه لزيارة الصين، وذلك للتعبير عن شكره لها .
استقبل الإمبراطور تشو دي لأسرة مينغ ملك مالاجيا استقبالا حارا. وبواسطة هذه الزيارة، شعر الملك ووزراؤه بسياسة أسرة مينغ الخارجية الودية بصورة عميقة. وحتى اليوم، بقيت في ملقا آثار تشنغ خهومخلفاته والقصص الكثيرة عنه.
P70
الحيوانات النادرة والنفيسة التي قدمتها دول الجنوب الغربي للصين
في عام يونغ له الرابع عشر (عام 1416)، أراد الإمبراطور تشو ديلأسرة مينغنقل العاصمة إلى بكين بعد عودة تشنغ خه إثر انتهاء رحلته الرابعة بوقت قصير، وقام بتفقد بكين بنفسه، ومنذ ذلك الحين، بدأت الأعمال التحضيرية والمعمارية الواسعة النطاق في العاصمة الجديدة. ومن أجل إظهار فخر ومهابة القصر الإمبراطوري الذي يتفق مع مكانة الصين – الدولة الشرقية الكبيرة في أسرة مينغ، احتاج القصر الجديد لزيادة كمية كبيرة من النفائس والمجوهرات، واحتاج القصر الداخلي إلى كمية كبيرة من الحيوانات النادرة أيضا. وفي رحلة تشنغ خه الرابعة، شق طريقا بحريا بين الصين وإفريقيا، فبعث بلد ماليندي بالرسل إلى الصين ليقدم لها "تشيلين" (الزرافة). وقد أوضح كل ذلك أن لأسرة مينغ الرغبة في إقامة العلاقات الودية الطويلة الأمد مع الدول الأخرى وتنفيذ سياسة الانفتاح و"التمتع المشترك بالسلامة والسعادة" مع كل الدول في خارج الصين. وفي عام يونغ له الخامسعشر (عام 1417) الذي يجري فيه بناء العاصمة الجديدة، قام تشنغ خه برحلته الخامسة البحرية وفقا لأوامر الإمبراطور للزيارات الودية وبغية الحصول على الحيوانات النادرة والنفيسة التي لا توجد في الصين و التي يمكن الحصول عليها بالمال القليل من الدول الأخرى التي تكثر فيها ، و إذا قدمتها الدول الأجنبية للصين بادلتها الأخيرة بالهدايا الثمينة ، فتعززت العلاقات الودية بينها وبين الصين أيضا.
إن تقديم بعض دول الجنوب الغربي الحيوانات النادرة النفيسة كهدايا إلى الصين ، عكس من ناحية المنجزات الكبيرة التي أحرزتها أسرة مينغ في تطوير المواصلات البحرية على أساس قوتها السياسية والاقتصادية . وهذا تجسد في قصائد الوزراء المدنيين لأسرةمينغأيضا، وجعل الناس يشعرون برغبة الصين في النهضة وإقامة العلاقات الودية مع كل الدول.
P71
الصداقة تبقى على البحر
إن رحلات تشنغ خه السبع البحرية من الإجراءات الدبلوماسية السلمية الداعية الي حسن الجوار، ودفعت التبادلات الثقافية والاقتصادية بين الصين ومختلف دول آسيا وإفريقيا، وعملت على نشر حضارة الصين الباهرة، وعززت النشاطات التجارية المتبادلة المنفعة مع كل الدول. وكسبت الصين بالتبادلات السلمية ترحيب شعوب كل الدول، وقوت العلاقات الودية بين أسرة مينغ ومختلف دول آسيا وإفريقيا. وقد عززالحج إلى بيت الله في مكة المكرمة العلاقات والتبادلات بين الصين ومختلف الدول الساحلية في آسيا وإفريقيا. وحتى اليوم، ما زالت الشعوب في كثير من دول آسيا وإفريقيا تحمل الذكريات الجميلة عن الرسول الودي الصيني تشنغ خه، وما زالت تحتفظ بعض الدول كثيرا من آثاره التاريخية. ففي جزيرة جاوا بإندونيسيا مدينة سان باو لونغ ومعبد سان باو، وفي تايلاند معبد سان باو وبرج سان باو، وفي متحف كولومبو عاصمة سري لانكا نصب أنشأه تشنغ خه.
P72
16- مآثر تشنغ خه في رحلاته البحرية
دفع الدبلوماسية السلمية
قبل رحلات تشنغ خه البحرية ، كان الوضع الإقليمي حول الصين مضطربا، وطغى القراصنة في مناطق جنوب آسيا الشرقي وبحر جنوب آسيا، وكانت المواصلات البحرية غير مضمونة. وهذه العناصر غير المستقرة أثرت في سلامة مناطق الصين الجنوبية وصورة أسرة مينغ في العالم واستقرارها وتطورها. ومنذ بداية رحلات تشنغ خه البحرية، توسط وخفف من التناقضات بين مختلف الدول وحافظ على سلامة المواصلات البحرية ، مما ضمن استقرار الصين ومناطق جنوب آسيا الشرقي وجنوبها والسلامة على البحر، ورفع سمعة أسرة مينغ. ومن ذلك يمكن أن نعرف أن هدف رحلات تشنغ خه البحرية هي أداء رسالة السلام ودفع الدبلوماسية السلمية وتحقيق السلام.

توسيع التجارة مع الدول الأجنبية
في عهد أسرة مينغ كانت التجارة الرسمية من المهمات الرئيسية لرحلات تشنغ خه البحرية، وهذه التجارة أجريت تحت إشراف حكومتي الطرفين، وهي طريقة هامة لتوسيع التجارة مع الدول الأجنبية. كان تشنغ خه يشحن الهدايا الصينية في سفنه، وإلى جانب ذلك، يشحن النقود البرونزية والحرير والخزفيات والأدوات الحديدية وغيرها من المنتجات الصينية الخاصة، ويمكن إجراء التجارة بالنقود البرونزية، ولكن معظمها بالمقايضة. وعندما وصل أسطول تشنغ خه إلى بلد قولي في حدود الهند، كان الوكلاء المحليون مسؤولين عن شؤون التجارة ينقلون البضائع إلى بورصة البضائع ليتم تسعيرها تحت إشراف الموظفين من الطرفين، وبعد تسعيرها، يصفق الطرفان بيديهما تعبيرا عن اتمام الاتفاق على الصفقة دون التراجع عن وعدهما. وقد أصبحت هذا النوع من التجارة الودية حديث مدح على لسان المحليين. وخلال الرحلات البحرية، وسع تشنغ خه التجارة مع الدول الأجنبية ملتزما بمبدأ المساواة والرغبات والتبادل بالتساوي، مما جسد بعض مبادئ الصين الأساسية في التجارة الدولية على أساس ثقافتها التقليدية.
P74
التجارة الشعبية النشيطة
ظهرت التجارة الشعبية مع التجارة الرسمية الواسعة النطاق خلال رحلات تشنغ خه البحرية، و كانت تجري هذه التجارة بين التجار وعامة الشعب. وقد دفعتها وشجعتها الخطوط الملاحية التي شقها تشنغ خه. وحمل الضباط والجنود في أسطولتشنغ خهبعض البضائع الصينية للمقايضة في طريقهم، وأحب عامة الشعب في دول جنوب آسيا الشرقي الحرير والخزفيات والأدوات وغير ذلك من المنتجات الصينية ، وما إن وصل أسطول تشنغ خه إلى الميناء، بادروا إلى متن أسطوله بتجديف القوارب أو إلى الميناء للتجارة، وطلب بعضهم من الضباط والجنود الصينيين أن يذهبوا إلى السوق المحلي للتجارة. ومن الصادرات الصينية الخزفيات والحرير والشاي والمنتجات اللكية والمعدنية والنقود البرونزية، ومن الواردات المجوهرات واللآلئ والتوابل والفلفل والعقاقير والحيوانات النادرة والنفيسة.


تطوير القضية البحرية
البحر فضاء للإنتاج والحياة للبشرية، ويؤثر في المجتمع البشري تأثيرا بالغا، كما يتعلق ببقاء الأمة الصينية وتطورها وازدهارها. وقد خلق سلف الشعب الصيني ثقافة لونغشان وثقافة باييويه البحرية، وفي بداية القرن الخامس عشر، دفعت رحلات تشنغ خه البحرية الواسعة النطاق القضية البحرية الصينية القديمة إلى الأعلى، وقدمت للحضارة البحرية البشرية مساهمات عظيمة. ومهدت الخطوط الملاحية بين آسيا وإفريقيا والتي شقها تشنغ خه طريقا ملاحيا للنشاطات الملاحية التي قام بها الغربيون فيما بعد. وعندما وصل البحار البرتغالي داغاما، بالسير بمحاذاة ساحل إفريقيا الغربي والمرور برأس الرجاء الصالح، إلى ساحل الهند، أخبره الشعب المحلي بأن الصينيين وصلوا إلى هنا مرات عديدة قبل عشرات السنين. وتحت مساعدة ملاح عربي، وصل إلى الهند بسهولة عن طريق الخطوط الملاحية التي شقها أسطول تشنغ خه.

استكشاف البحار وتخطيطها
قام تشنغ خه باستكشاف المحيط الهادي الغربي والمحيط الهندي، وجمع وإستوعب كثيرا من المعطيات البحرية، وعلى هذا الأساس تم رسم ((خريطة تشنغ خه الملاحية)) وهذه النشاطات الاستكشافية للبحار كانت أبكر من النشاطات المماثلة الأولى المسجلة في العالم والتي قام بها الأسطول البريطاني "المتحد" خلال الفترة ما بين عام 1872 وعام 1876 بأكثر من 400 سنة. وفي نفس الوقت، قام تشنغ خه بالتحقيقات حول المناطق الملاحية، واختار تشانتشنغ ومالاجيا وجيوقانغ وقولي وهورمس وغير ذلك من الأماكن كمنطقة رئيسية للتبادلات حسب ما استوعبه من المعارف البحرية، وهذا يفيد توسيع المواصلات البحرية ومناطق التجارة.
P77
17- إلهام من روح تشنغ خه
تطوير الروح الاستكشافية للأمة الصينية
يعد تشنغ خه من أعظم البحارة والمستكشفين في تاريخ البشرية. و لقد زار أكثر من 30 دولة ومنطقة في آسيا وإفريقيا، وقاد أسطوله في زيارة مناطق البحر الأحمر وإفريقيا الشرقية، ومهد طرقا ملاحية من الصين إلى هذه المناطق. وفي الظروف التاريخية وقتذاك، وخلال مدة 30 سنة القصيرة، قاد تشنغ خه أسطوله في الرحلات السبع البحرية بإرادة قوية وجرأة نادرة ، ونشر الحضارة وتعايش في سلام مع شعوب العالم، ولذا تعد رحلاته مبادرة ريادية ناجحة خلال مسيرة تطور حضارة البشرية، وتجربة لربط حضارة الأمة الصينية بالحضارات الأخرى. وإن هذا دليل على محبة الشعب الصيني للسلام وتقدم حضارة الأمة الصينية وازدهارها .
لقد برهنت رحلات تشنغ خه قيم الشعب الصيني المتمثلة في عدم الهياب أمام الصعوبات والمشقات وقهر الطبيعة، وبرهنت عزيمتهم في الخروج من بلادهم إلى العالم لإجراء التبادلات الثقافية. وقد جسدت روح تشنغ خه قيم الأمة الصينية في الانفتاح والتقدم والسعي وراء السلام والصداقة، كما أدت هذه الروح دور تطوير الحضارة البشرية. فلم تكن مآثره ملكا للصين وحدها بل ملكا للعالم بأسره .

نشر ثقافة الصين
خلال رحلاته البحرية، قام تشنغ خه بالتجارة مع البلدان الأجنبية، كما كان من أهم أعماله هو نشر ثقافة الصين المتقدمة بحيث كانت التنمية الاجتماعية في بعض دول جنوب آسيا الشرقي وجنوبها وإفريقيا وقتئذ متخلفة نسبيا، واشتاقت هذه الدول إلى معرفة حضارة الأمة الصينية. وقد نشر تشنغ خه بنجاح كبير حضارة الصين – المراسم والتشريفات وأفكار كونفوشيوس والتقويم ونظام المقاييس والمكاييل والموازين وفنون الزراعة والصناعة والبناء والنقش والطب والملاحة وصنع السفن، وربط بين حضارة الصين وحضارات العالم، فسجل صفحة مشرقة في تاريخ التبادلات الثقافية الصينية – الأجنبية.



P79
الدعوة إلى التعايش السلمي العالمي
في أوائل عهد أسرةمينغ، كان ظهور الوفود الدبلوماسية بحجم كبير ومرات عديدة إلى خارج الصين برا وبحرا ظاهرة لا مثيل لها في التاريخ وهي تشكل اكتشافا من الصينيين للمناطق الغربية في العصور القديمة، وظهر في نفس الوقت اشتياق الغرب إلى الحضارة الشرقية، وهذا ينتسب إلى الحوار بين مختلف الحاجات المادية، والحوار بين مختلف الحضارات أيضا. كانت أسرة مينغ تعمل على إنهاض الثقافة التقليدية الشاملة في الداخل، وتوسيع نطاق الاتصالات بالأسلوب الدبلوماسي في الخارج على أساس "التعايش السلمي"، وقد أوضحت هذه الأفكار والأعمال أن الصين لا تريد الهيمنة حتى وهي في عهد أسرة مينغ المزدهر والقوية، كما أوضحت هذه بذاتها أن الصين تدعو إلى التنمية السلمية منذ القدم.

دفع الحضارة البشرية
قبل 600 سنة، قاد تشنغ خه أكبر أسطول في رحلاته البحرية من الشرق المشرق إلى الغرب، وبعد 600 سنة، عاد احترام تشنغ خه وذكراه من الغرب الممتلك الحضارة المزدهرة إلى الشرق الناهض. وابتداء من رحلاته البحرية حتى اليوم، يبلغ عدد آثار تشنغ خه أكثر من 30 أثرا في مختلف دول جنوب آسيا الشرقي، وتتعلق رحلاته بظهور دولة ماليزيا بشكل وثيق، وفي الصومال قرية تشنغ خه حتى اليوم، وفي كينيا يدعي بعض الأبناء بأنهم خلف الصينيين جيلا بعد جيل منذ أكثر من 500 سنة.
اتسعت سفينة القائد تشنغ خه "باوتشوان" لأكثر من 500 فرد، وبلغ عدد الأفراد في الأسطول كله أكثر من 27000 نسمة، وعدد السفن أكثر من 200 سفينة، وكان هذا الرقم القياسي بقى لمدة 500 سنة، ولم يُحطَم حتى نشوب الحرب العالمية الأولى. وقد امتلكت الأمة الصينية الحضارة البحرية المتفوقة في العالم التي بلغت الذروة في زمن رحلات تشنغ خه البحرية، إنها أزهى صفحات سجلتها الأمة الصينية في استكشاف البحار بالعصور القديمة. وعند إحياء ذكري الأسلاف ، انبثق فينا الشعور بالعظمة والكرامة والصدر الرحب مثل البحر المترامي الأطراف.

 

[الرياضي]

رد: البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

معلومات وحقائق جديدة موثقة تدحض ماكان شائعاً..!
" المسلم " تشنغ خه مكتشف أمريكا وليس كولومبس!
History International كشفت هذه الحقيقة في فيلم وثائقي تجاوز الــ 120 دقيقة وأنتجته شبكة sun التلفازية ا

GMT 13:00:00 2007 الخميس 19 يوليو
معد الشمري


[align=justify]معد الشمري من دبي: تعود الناس سماع إجابة واحدة مؤكدة للسؤال المطروح: من هو مكتشف القارة الأمريكية؟ نعم: كريستوفر كولومبس من أكتشف القارة الأمريكية، وكان ذلك في العام 1492. عالم متغير لا يعترف بالثوابت، يرفض التقليدي، ويكسر جليد الخرافات والحقائق الغير مدعومة بأدلة مُوثقة.. عالم فيه البحث عن الحقيقة مستمر دون انقطاع..عالم استمر فيه اعتقاد الناس طيلة الــ514 عاماً الماضية، بإن مكتشف العالم الجديد هو كريستوفر كولومبوس، غير أن محطة التلفاز الأمريكيةHistory International فجرت قنبلة تاريخية، يوم الأثنين الماضي، بعرضها حقائق ومعلومات جديدة حول شخصية مكتشف القارة الأمريكية، وعلى غير المتوقع ظهر أسم أمير البحار المسلم الصيني تشنغ خه، بديلاً عن كريستوفر كولومبس الذي طالما ردد الأمريكيون أسمه، وتفاخروا بمعرفة مُكتشف بلادهم.

الحقائق التاريخية الجديدة التي دحضت ماكان سائداً في السابق، كشفت النقاب عنهاHistory International من خلال فيلم وثائقي وصلت مدة عرضه أكثر من ساعتين. تناول الفيلم الذي أنتجته شبكة صن التلفازية، قصة المكتشف الصيني تشنغ خه، وركز الفيلم على كون تشنغ هو مكتشف القارة الأمريكية خلال بعثة استكشافية قام بها عام 1421. عرضُ الفيلم الوثائقي جاءَ احتفالاً بمرور 600 سنة على مغامرة تشنغ البحرية الأولى 1406 في المحيط الهندي والمحيط الهادي الجنوبي والتي قاد فيها تشنغ طاقماً مكوناً من 27800 رجل من الضباط والجنود والملاحين والمترجمين والعلماء على متن أكبر أسطول في العالم في ذلك الوقت، حيث تألف الأسطول من 62 سفينة.

وتناول الفيلم بعض الحقائق التي سبق وأكدها المؤرخون من قبل، حيث قالوا إن الأسطول التابع لتشنغ وصل إلى أمريكا قبل وصول كولومبس بحوالي 70 عاما؛ ودلل المؤرخون على صحة كلامهم بخرائط ملاحية واختبارت للحمض النووي DNA للسكان الأصليين لقارة أمريكا الشمالية.
كما استعرض الفيلم مواضيع الجدل القائمة، وترك المجال مفتوحاً للمزيد من الدراسات، دون الخوض في تفاصيل الإجابات المتوفرة لذلك الجدل القديم المتجدد.

من جانبها قالت وكالة شينخوا الصينية للأنباء إن فريق إنتاج الفيلم أمضى سنة كاملة في الصين، قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة ليقضي سنة أخرى لتكملة الجزء المتبقي من الفيلم.

ويُعد تشنغ خه واحداً من أعظم الملاحين في التاريخ، فقد سجل خلال رحلاته إلى المحيط الهندي إنجازات ومساهمات كبيرة في ميادين عدة مثل تجديد الإبرة المغناطيسية ورسم خريطة العالم.

ولد ما سان باو وهو الأسم الحقيقي لتشنغ عام 1371 ميلادية، لعائلة فقيرة مسلمة بمقاطعة يوننان غرب الصين، وسبق لوالده وجده أن سافرا إلى مكة المكرمة للحج. نشأ تشنغ مُنذ طفولته نشأة إسلامية، بيد أن البعض يقول إن تشنغ ظل يؤمن ويعتقد بالبوذية لفترة طويلة من حياته.. في الـ12 من عمره اختطفه عساكر أسرة مينغ الملكية التي حكمت الصين قرابة 300 سنة وجعلوه خصيا في حاشية الأمبراطور تشو دي.

قام تشنغ بسبع رحلات استكشافية في الفترة ما بين عامي 1405 و1433. ويقف تشنغ على قدم المساواة إن لم يكن قد سبق عمالقة البحار الكبار من أمثال البرتغالي دياس بارتولوميو الذي وصل في رحلته البحرية إلى رأس الرجاء الصالح عام 1488، والبرتغالي فاسكو دي غاما الذي التف حول رأس الرجاء الصالح، واجتاز المحيط الهندي عام 1497.

يذكر أن عدداً من العلماء بقيادة عالم الأحياء الألماني دومينيك جورلتز، بدأوا منذ أيام، رحلة أستكشافية في محاولة لإثبات أن الحضارتين الأمريكية والمتوسطية قد عبرتا المحيط الأطلسي قبل فترة طويلة من الرحلة الشهيرة لكريستوفر كولمبوس عام 1492. المستكشف الذي وعلى مدار قرن من الزمان دار جدل كبير حول أصله ومثواه الأخير، حيث يشكك مؤرخون في النظرية التقليدية القائلة بإنه جاء من مدينة جنوة الايطالية. ويؤمن البعض الآخر بمقولة انه كان يهوديا اسبانيا، فيما يقول آخرون إنه كان يونانيا أو من الباسك أو ربما كان برتغاليا على الأرجح.

قد تكون رحلة فريق جورلتز، بالإضافة إلى الفيلم الوثائقي الجديد الذي سيعرض ويوزع خارج الولايات المتحدة، بداية حقيقية لتصحيح الكثير من الحقائق المغلوطة التي ظلت ردحاً من الزمن تُردد على الألسن بكثرة، دون أن تكون هنالك وقفة للتأمل في ما هو سائد، ولمعالجة الأخطاء الأزلية المتكررة.

 

[الرياضي]

رد: البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

العالم يفتخر بزيارة تشنغ خه له
وهو للاسف مجهول عربيا

تشنغ خه، أمير البحر المسلم المجهول عربيا!​

حسين إسماعيل

عندما زرت مدينة نانجينغ، حاضرة مقاطعة جيانغسو، جنوبي الصين التق يت البروفيسور ليو ينغ شن، رئيس معهد الدراسات الآسيوية بجامعة نانجينغ، أمين عام ونائب رئيس الجمعية الوطنية الصينية لدراسات أسرة يوان- المغول، الذي حدثني عن مساجد المدينة موضحا أن أكبرها هو المسجد الذي بناه، خلال فترة أسرة مينغ (1368-1644)، البحار الصيني تشنغ خه الذي قاد أسطولا ضخما أتم سبع رحلات استكشافية بحرية إلى المناطق الواقعة غرب الصين، وقال إن هذا المسجد مازال موجودا إلى اليوم.

وقد قرأت عن تشنغ خه من قبل كمجرد بحار صيني، لم يكن يرقى في ظني إلى البحارة المستكشفين من أمثال كريستوفر كولمبوس وفرناند ماغلان وفاسكو داغاما، كما لقنتنا كتبنا الدراسية. فلو أنك سألت تلميذا عربيا عن مكتشف العالم الجديد لروى لك القصة الكاملة لكولمبوس ولقال كثيرا عن استكشاف ماغلان للطريق الجديد إلى الهند. ولكن ما ينبغي أن نعلمه عن هذا المستكشف الصيني المسلم جدير بأن يدفعنا إلى الدعوة إلى إعادة كتابة مقررات التاريخ والجغرافيا في المناهج العربية، بل والدعوة إلى إعادة تثقيف وتنوير القائمين على برامج المسابقات في محطات الإذاعة والتلفزة العربية، لأسباب نراها وجيهة، لا تخص السيد تشنغ خه والصينيين فحسب بل وتمس تاريخ وحضارة ومساهمات المسلمين وذوي الأصول العربية، وتتصدى لدعوات تتردد هنا وهناك بأن الوجود الإسلامي في أي مكان يكون مصدر قلق وتوتر أو كما حذر البعض من أن وجود العرب بكثرة في جنوب الصين (عشرة آلاف وفقا لما قاله وزير التجارة الصيني بو شي لاي) يمكن أن يشكل بؤر إرهاب.

الاختلاف بين أمير البحر الصيني المسلم تشنغ خه وغيره من البحارة الأوروبيين أن الأول في رحلاته السبع عبر المحيطات والبحار كان رسول سلام؛ يقيم صداقات ويتبادل الهدايا والثقافة والمعرفة والمعلومات، بينما الآخرون كانوا قراصنة بحر استعماريين لم يتورعوا عن تسخير كل شيء وأي شيء لخدمة أغراضهم الاستعمارية؛ فقد سعى ماغلان إلى اكتشاف طريق جديد إلى الهند، ليس للتعرف على أهل وثقافة هذه البلاد وإقامة صداقات معها وإنما لنهب ثرواتها واحتلال أرضها. ويقول الباحث البريطاني جافين منزيس، مؤلف كتاب " الصين اكتشفت العالم عام 1421" إن ماغلان استعان في رحلاته البحرية بالخرائط الصينية التي رسمت بناء على معلومات رحلات تشنغ خه. أما كولمبوس فقد فتح الباب للاستعمار الأوروبي للقارة الأمريكية والقضاء على سكانها الأصليين من الهنود الحمر. ليس مهما من الذي اكتشف القارة الجديدة أولا، فتأكيد جافين منزيس أن تشنغ خه اكتشف أمريكا قبل كولمبوس بسبعين عاما وأن كولمبوس استخدم الخرائط التي رسمها تشنغ خه للوصول إلى أمريكا عام 1492، قد يضيف معلومة تاريخية جديدة ولكن الأكثر أهمية من هذا هو الهدف الذي سعى إليه كل منهما في رحلته.

إن الصين تحتفل هذه الأيام بذكرى مرور ستمائة عام على أول رحلة قام بها تشنغ خه في عام 1405، وهذه مناسبة يجب أن يُحتفل بها عربيا وإسلاميا أيضا، فبعض المصادر تُرجع أصول أمير البحر الصيني إلى أبناء قحطان، كما أن حقيقة صدق عقيدته ليست محل شك، برغم الكتابات التي ذهبت إلى أنه آمن بالبوذية والطاوية، فهو الذي بنى المساجد وهو الذي أدى والده وجده فريضة الحج إلى بيت الله في مكة، ولم يثبت أنه أقام معبدا بوذيا أو طاويا، ولكن من المؤكد أنه كان يحترم عقائد الآخرين ويقيم علاقات طيبة مع الجميع ولذا سادت مشاعر الود والاحترام والتقدير بينه وبين الذين تعاونوا معه في رحلته. لقد ولد تشنغ خه، وهذا ليس اسمه الحقيقي، في مقاطعة يوننان، تلك البقعة التي أنجبت أعظم علماء الإسلام وشهدت أكثر الأحداث الإسلامية فخرا، ومرارة أيضا، في تاريخ الصين، فهي المقاطعة التي تحتضن مدرسة مينغده الإسلامية التي أرسلت دفعتين من طلابها في ثلاثينات القرن الماضي للدراسة بالأزهر الشريف، وكان من بينهم ما يون تينغ ومحمد مكين ما جيان ونا شيون وعبد الرحمن نا تشونغ، وهي المنطقة التي تعتز بحاكمها، في فترة أسرة يوان، المسلم ذي الأصول العربية، السيد الأجل شمس الدين، المعروف صينيا باسم شمس الدين ساي يان.

ولد ما مينغ خه، الذي حمل اسم تدليل في طفولته هو ما سان باو، وعُرف فيما بعد باسم تشنغ خه، عام 1371 لأسرة مسلمة من قومية هوي، وهي القومية الرمز للمسلمين الصينيين. عندما بلغ ما سان باو الثانية عشرة من العمر، ونظرا لفقر أسرته، انتقل الصغير ما إلى بكين، التي كانت تسمى آنذاك منطقة يان، للعمل في "إدارة الشؤون الداخلية" للبلاط الإمبراطوري، وتم توزيعه إلى قصر الأمير تشو دي، أحد أفراد أسرة مينغ الإمبراطورية (1368-1644).

وقد خضع هذا الصبي المسلم لنظام العبيد الذي كان معمولا به في قصور البلاط، حيث تم خصيه لينضم إلى فئة خصيان القصر ذوي المكانة الاجتماعية الوضيعة. غير أن أميره، الذي أصبح إمبراطورا للصين عام 1405، لاحظ ذكاء وكفاءة هذا الصبي ومواهبه الملاحية فقربه منه ومنحه اسما جديدا هو تشنغ خه وجعله من أهم معاونيه. وشب الفتى عن الطوق وبرزت كفاءته واشتد عوده. الإمبراطور الجديد الذي حمل اسما إمبراطوريا هو تشنغ تسو، أصدر مرسوما بتكليف تشنغ خه بإعداد أسطول بحري يقوم بجولة في البحار الغربية، والتي قصد بها المياه الدولية الواقعة غرب الصين في المحيط الهندي. لم يكن هدف الإمبراطور من الرحلة هو إبراز قوة جيشه وعظمة بلاده فحسب بل البحث عن الإمبراطور هوي الهارب إلى خارج الصين وتصفية القوى الموالية للإمبراطور الهارب والقرصنة والقوة اليابانية في البحر الخ، وإقامة علاقات مع الدول الواقعة على الخط البحري بجنوب غربي الصين، وكسب قلوب الشعوب، في سبيل تهيئة بيئة سلمية دولية يمكن للصين أن تحقق فيها القوة والاستقرار لأبناء الشعب وتحقيق الانفتاح البحري على الخارج من خلال التبادل التجاري والاقتصادي والثقافي مع الدول الآسيوية والأفريقية.

بعد أن أصدر الإمبراطور أوامره بدأ الشاب المسلم على الفور إجراءات تنفيذ المرسوم الإمبراطوري بأن بعث عددا من مساعديه إلى مدينة نانجينغ ومقاطعات جيانغسو وتشجيانغ وفوجيان وجيانغشي وهونان وقوانغدونغ، وكلها مناطق ساحلية، لمعاينة صناعة السفن للأغراض المختلفة. وكانت الصين في ذلك الزمان تمتلك اكبر ناقلة جنود بحرية في العالم. تقول السجلات التاريخية إن طول هذه السفينة كان مائة وخمسين مترا وعرضها ستين مترا وتبلغ حمولتها ألف طن. واستدعى الأدميرال تشنغ خه المتخصصين في الملاحة من أنحاء الصين لمرافقته في رحلته التي بدأت في الحادي عشر من يوليو عام 1405. وبلغ عدد البحارة على متن سفن الأسطول الضخم 27800 ، منهم عسكريون ومترجمون وأدباء وعلماء وأطباء وغيرهم. كان أسطولا مهيبا تكون من 62 سفينة بضائع ومجوهرات و700 سفينة خيول و300 سفينة جنود و100 سفينة حربية. وحملت السفن بكميات هائلة من المنسوجات الحريرية والعقاقير التقليدية الصينية. انطلق أسطول تشنغ خه من ميناء ليوجيا القريب من مدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو، ومر بنهر اليانغتسي متجها نحو بحر الصين الشرقي ثم إلى المحيط الهادي والمحيط الهندي. وصل الأسطول إلى فيتنام وسومطرا وسيلان وغيرها. وقد تعرض الأسطول في رحلته هذه لهجوم قراصنة البحر، ولكن الأدميرال تشنغ خه أفلت منهم بل وأسر عددا من القراصنة! في أكتوبر عام 1407عاد تشنغ خه بأسطوله مظفرا إلى الصين ومعه مبعوثون من دولة جاوا وغيرها لتقديم احترامهم لإمبراطور أسرة مينغ وعشرات السفن محملة بالمنتجات النفيسة التي حصل عليها تشنغ خه من الخارج عن طريق التبادل التجاري، فخلع عليه الإمبراطور العديد من الألقاب ومنحه الكثير من الهدايا.

في النصف الثاني من عام 1407 قام تشنغ خه برحلته البحرية الثانية على خط مشابه لخط رحلته الأولى، لمدة سنتين. وفي صيف عام 1409، قام برحلته الثالثة. كان مركز الرحلة لا يزال في المحيط الهندي، وأقام تشنغ خه سور مدينة على شكل سياج وضع داخله مستودعات بحيث كان بمثابة مركز ترانزيت للتجارة البحرية في ملقا. وفي رحلة عودته من كلكتا، وقعت معركة بينه وبين ملك سيلان، وعاد تشنغ خه منتصرا.

بأوامر من الإمبراطور تشنغ تسو قام تشنغ خه بالرحلة الرابعة في نوفمبر1412يث واصل أسطوله رحلته إلى الغرب حتى وصل إلى ساحل أفريقيا الشرقي وعاد تشنغ خه إلى بلاده عام 1415، وعادت فرق السفن الفرعية بعد سنة من عودته.

في مايو 1417 قام تشنغ خه برحلته الخامسة، وكانت مهمته الرئيسية هي حماية واصطحاب مبعوثي 19 دولة ليعودوا إلى بلدانهم. وصل أسطوله إلى أقصى جنوب ساحل أفريقيا الشرقي. وفي يوليو 1421 قام تشنغ خه برحلته البحرية السادسة لاصطحاب مبعوثي 16 دولة إلى بلدانهم. وصل أسطوله إلى ميناء ممباسي في غينيا وإلى الصومال. وفي بداية عام 1431، أمر الإمبراطور شيوان تسونغ، الذي ورث عن جده الإمبراطور تشنغ تسو الطموح، بأن يقوم تشنغ خه بالرحلة البحرية السابعة. استغرقت هذه الرحلة أكثر من ثلاث سنوات، زار أسطول تشنغ خه خلالها نحو عشرين بلدا، وبعث من معه لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة.

على مدى ثماني وعشرين عاما، هي الفترة التي استغرقتها الرحلات البحرية السبع لتشنغ خه، وصل البحارة الصينيون إلى منطقة الخليج والبحر الأحمر والسواحل الشرقية لأفريقيا بل وكما يقول جافين منزيس، وصلوا إلى الشواطيء الأمريكية.

في سني عمره الأخيرة اختار أمير البحر المسلم مدينة نانجينغ، وتحديدا في مكان يسمى جينغهاي بسفح جبل شيتسي، حيث أقام هناك حتى فاضت روحه عام 1435 عن عمر يناهز الرابعة والستين.

الصين اليوم / أغسطس 2005 /
المصدر : شبكة الصين
http://arabic.china.org.cn/culture/archive...ent_2188110.htm

 

[الرياضي]

رد: البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

الموضوع متاخر نوعا ما على موعده اوالذكرى السنوية له
على كل حال معرفته خير من نسيانه

 

[eltounsi]

رد: البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

جزاك الله كل الخير

 

[الزعيم]

رد: البحار والمستكشف المسلم تشنخ خه قائد اعظم اسطول وارمادة في تاريخ الصين

الاسكندناف يقولون انهم اول من اكتشف امريكا
والهنود يقولون نفس الشيئ حتى اللبنانيين يقولون ان الفينيقيين اول من اكتشفها
وقال العرب ايضا ذلك
ثم ضهر لنا تشانغ هذا
ولا ننسى هنود بولينيزيا


والنتيجة اذا استثنينا دول الفايكنغ البقية دول عالم ثالث
وامريكا قوة عظمى

حدثوني ان التخلف الذي نعيشه اليوم واتركوا الاطلال لعمرو بن كلثوم