الإسلام المحجوب بأهله ...!!!
حسام مقلد
حسام مقلد
مع تقدم العلوم والمعارف الإنسانية تطورت أساليب ووسائل نشر الأفكار والثقافات، وتنوعت طرق وفنون تسويق المذاهب والعقائد والديانات، وصارت الدعوة إلى الحوار والتسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي... عنواناً عريضاً ومدخلا واسعاً لكسب القلوب وغزو العقول، ودغدغة العواطف والمشاعر، والتأثير في الناس، وكسب تعاطفهم، والسيطرة على ميولهم وتوجهاتهم، ونشر المِلل والنِّحل، وترويج كل أنماط السلوك المختلفة... ورغم انحراف أهل الأديان الأخرى ـ غير الإسلام ـ وزيغهم وضلالهم وبطلان معتقداتهم، وتشتتهم وتفرقهم وتناحر فرقهم ومذاهبهم فيما بينها... إلا أنهم يجيدون عرض بضاعتهم وإظهار أنفسهم بمظهر إنساني رحيم، ويدَّعون أنهم دعاة خير وسلام ومحبة وعدل ومساواة ورحمة للبشرية جمعاء...!!
بينما على النقيض من ذلك يُصَوَّرُ الإسلام على أنه دين عنف وغِلظة، ويزعم أعداؤه زوراً وبهتاناً وافتراءً من عند أنفسهم أنه دين نُشِر بالسيف، وتجرأ بابا الفاتيكان بندكت السادس بوصم الإسلام بهذه الفِرية، وراح هو وأذنابه يغمزون الإسلام ويشوهون صورته بأساليب وطرق مختلفة، كان من بينها الرسوم المسيئة للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسي هذا الرجل أو تناسى تاريخ أوربا حالك الظلمة الذي يستحق بجدارة أن يوصف بأنه تاريخ الاستعمار والاستعلاء والتعصب، وسرقة الشعوب ونهب خيراتها واستنزاف ثرواتها... والمثير للسخرية حقاً أن أوربا صاحبة التاريخ العريق في الإبادة الجماعية واستعباد البشر وإراقة دماء الملايين منهم، وسَوْقِهم إلى حتْفِهم في الحروب المدمرة والصراعات المريرة تَصِمُ الإسلام بالعنف والقهر، وتزعم أنه دين غير متسامح، وأن أتباعه إرهابيون غلاظ الأكباد قساة القلوب...!!
في الواقع لا يمكن لأي إنسان منصف وموضوعي أن يجادل في أن هناك مؤامرة خبيثة تدور على الإسلام والمسلمين، وقد زادت حدة تلك المؤامرة الشريرة وتسارعت وتيرتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي البائد، حيث اتخذ الغربُ الإسلامَ والمسلمين عدواً استراتيجياً له... واستُخْدِمَ بعضُ المسلمين مِخلَبَ قطٍ في أيدي الغرب الذي استطاع بآلته الإعلامية الجبارة وسطوته الاقتصادية والسياسية والعسكرية أن يشوه الإسلام ويسَوِّقَه باعتباره دين عنف وقسوة، ونجح أعداءُ الإسلام إلى حد كبير في أن يصنعوا عداوة حقيقية للإسلام والمسلمين لدى شعوب العالم الأخرى خاصة شعوب الغرب...!!
والحق أنه ليس بمستغرب أن تفعل أوربا ذلك وعلى رأسها الفاتيكان فمن أظهر مصالِحهم تشويه صورة الإسلام، وصرف الناس عنه، وتشكيكهم فيه، وبث الرعب في قلوبهم منه ومن أتباعه... فذلك كله وأكثر مُتَوقَّع منهم لكن ماذا عنا نحن المسلمين؟!! نعم ماذا عنا نحن؟!! ماذا نصنع للدعوة إلى ديننا وإظهار عظمته ونبله وبيان حاجة البشرية الماسة إليه؟!! لقد ازداد تفرقنا وتشرذمنا، وتصارعنا وتنازعنا، وتوزعتنا الأهواء فِرَقًا شتى، وجماعات لا حصر لها...!! وتخندق كل فريق في موقعه، وبدلا من أن نقدم الإسلام العظيم للعالم بقيمه الراقية ومثله النبيلة ومبادئه السامية وأخلاقه الرفيعة... نقف موقف الدفاع، ونتلقى الضربات من كل مكان، لقد تغير العالم كثيراً ونحن كما نحن نكتفي بردات الفعل البائسة الضعيفة الواهنة، ولا نحاول انتهاج أي استراتيجيات بديلة، بل ونزيد من تشويه صورتنا داخليا وخارجيا، ونساهم ـ دون وعي منا ـ في ترسيخ ما يُشَاع عنا من خلال سلوكياتنا وتعاملاتنا المختلفة والتي اتسمت في الآونة الأخيرة بالفساد والاضطراب والبعد عن أخلاقيات الإسلام وتعاليمه السامية، وبمهارة نحسد عليها نَصْرِفُ الناس عن التدين الحقيقي الذي يُهذِّب الأخلاق، ويُشَذِّب الطباع، ويبثُّ الثقة في النفوس الوالِهة الهالعة والقلوب المرتجفة الواجِفة ...!!
إن نظرة عجلى إلى واقعنا الإسلامي دولا ومجتمعات وأسراً وأفراداً تؤكد أننا بحاجة ماسة إلى صحوة إسلامية حقيقية أبعد وأعمق أثرا من صحوة اللحى والثياب القصيرة ـ وهذا مهم ولا شك باعتباره مظهراً طيباً، وسمتاً إسلامياً واضحاً ومطلوباً يعكس الالتزام بالسُّنة والتمسك بها ـ نحن بحاجة إلى صحوة إسلامية في السلوكيات والتعاملات اليومية، صحوة تركز على قيم الإسلام الخالدة ومفاهيمه الحضارية الراقية التي رسخها رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفوس أصحابه الكرام ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ ففتحوا بها القلوب والعقول قبل أن يفتحوا الدول والبلدان...!!
إن أي راصد موضوعي منصف يرصد تعاملاتنا في المنزل والعمل والشارع وفي مختلف ميادين الحياة يجد الكثير والكثير من التجاوزات والانحرافات... ويتساءل في دهشة: أين البنية الأخلاقية والقيمية التي دعا إليها الإسلام، وجسَّدها الرسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابتُه الأجلاء ـ رضوان الله عليهم ـ واستحقوا بها أن يكونوا خير أمة أُخْرِجَت للناس { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران:110)؟!
لقد ابتليت المجتمعات الإسلامية في عصور التخلف والضعف التي مرت بها عبر تاريخها الطويل ببلاء شديد الخطورة ـ ولاسيما في هذا العصر ـ وهو قلةُ النضج والوعي، حيث نجد أن قطاعات واسعة وشرائح كبيرة من المسلمين تعاني من قصور شديد في فهم دينها العظيم الخالد، والتوقف عند الشكل فقط والاهتمام المبالغ فيه بالظاهر، دون عناية كافية بتطهير الباطن، أو الاهتمام بأعمال القلوب والعبادات الخفية التي بين العبد وبين ربه جل وعلا...!!
لقد اختُزِل الإسلامُ الذي يُقدَّم للناس اليوم ـ في أغلب الأحيان ـ في مسائل تقليدية معينة قُتِلت بحثاً، وأُهمِل الحديث في أمور أخرى شديدة الأهمية، مثل: بناء الذات، وتهذيب الطباع، وصقل الشخصية، وتربية الأبناء، وبناء الأجيال على أسس إيمانية راسخة، ودعائم إسلامية متينة تحث على: عمارة الكون، وإتقان العمل، والإخلاص والصدق والوفاء، والسعي لإسعاد النفس وإسعاد الآخرين، وإدخال البهجة والسرور إلى قلوب الناس، ورسم البسمة على شفاههم، وبث روح الأمل والتفاؤل في نفوسهم، والدعوة إلى الخير والهدى والرشاد بين صفوفهم، ونشر الحب والمودة والتآخي بينهم... وتعليمهم الصبر والعفو والتسامح، وضرب القدوة العملية لهم في قوة العزيمة وعلو الهمة والتحلي بمكارم الأخلاق وجميل الصفات...!!
إننا بحاجة مُلِحَّة إلى أن نتبنى خطاباً إسلامياً جديداً يركز على الجانب العملي والسلوكي أكثر من تركيزه على التنظير والإطالة في شرح وتوضيح الإطار الفكري للأيدلوجية الإسلامية، وبيان حرصها على مصلحة البشر في كل مكان وزمان؛ فالناس اليوم بحاجة إلى رؤية الإنسان الصالح الذي يقدم للآخرين بسلوكياته وتعاملاته الأسوة الحسنة والقدوة العملية الطيبة، ويكون بمثابة داعية صامت يتمتع بنقاء السيرة، وسلامة الصدر، وحسن الطوية، وطيب المعشر ... ويتوِّج ذلك بالتزام صادق بدينه ومبادئه، وامتثال حقيقي بما يؤمن به من قيم وفضائل، وينعكس ذلك كله في جميع تعاملاته مع الناس؛ فيكون له تأثير كبير فيمن حوله بسلوكه الراقي، وحسن خلقه، وترفُّعِه عن الصغائر في محيطه الأسري والاجتماعي والعملي... بين أهله وأقاربه وزملائه وأصدقائه.
ولأوضح التناقض الكبير بين سلوكياتنا وبين قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه العظيمة سأسوق النماذج والأمثلة التالية:
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ...
بالقطع كلنا سمع هذا الحديث ولو مرة واحدة في حياته، والسؤال الآن هو: أين نحن من المعاني الجليلة التي يحملها هذا الحديث الشريف؟! وما تفسير كل ما نجده في حياتنا من: تصارع وتنافس، وتقاطع وتدابر، وتشاجر وتشاحن، وتحاسد وتباغض...؟! كم من الأرحام تقطع بسبب الحسد والحقد وقلة العمل بهذه المعاني النبيلة السامية !! وكم من الخلافات والصراعات تنشأ بيننا لأتفه الأسباب!! وكم من الرذائل والفواحش والجرائم ترتكب!! أين ذلك كله من حب الخير للناس؟!! مع علمنا أنه بمقتضى هذا الحديث الشريف لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه...!!
ولأضرب مثلا آخر من واقعنا العملي فمن المألوف في علاقاتنا الاجتماعية أننا لا نجيد غالباً الإفصاح عن مشاعرنا الإيجابية المتدفقة تجاه الآخرين إلا في أضيق الحدود أو في أوقات نادرة قليلة، ونظن أن ذلك يقْدَحُ في هيبتنا ويُنقِص من قدرنا عند الناس، أو يجرِّئُهم علينا... ،وهذه النظرة تفقدنا الاستمتاع بمشاعر الحب في الله، وهي واحدة من أرق وأنبل المشاعر الإنسانية، ولنقارن ذلك السلوك بفعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال:
" كنت جالساً عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ مر رجلٌ ، فقال رجلٌ جالسٌ من القوم: يا رسول الله إني لأحب هذا الرجل، قال:
( هل أعلمتَه ذلك؟)
قال: لا، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( قم فأعلِمْه )،
قال: فقام إليه الرجل فقال: يا هذا والله إني لأحبك في الله،
قال الرجل :أحبك الذي أحببتني له " رواه البخاري وأحمد.
وقل ما شئت عن بعدنا الكبير عن حسن الظن وسلامة الصدر، وافتراضنا في الناس سوء النية، والتعامل معهم بكل حذر وخوف وتوجس بناءً على الظن السيئ إلى أن يثبت العكس، ولننظر إلى السلبيات الكثيرة التي تنجم عن ذلك من تجسس وتحاسد وتباغض... ولنتأمل واقعنا ونقارنه بالحديث الآتي: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ـ وأشار إلى صدره ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله ) رواه البخاري ومسلم.
وعما ينتشر في مجتمعاتنا من الأخلاق الفاسدة والسلوكيات السيئة حدث ولا حرج ...!! وكلنا يعلم ما آلت إليه أحوال الكثيرين منا ـ إلا من رحم ربي ـ نعم كلنا يلمس بشاعة الأخلاقيات التي نمارسها في البيت والشارع والعمل والحدائق والأندية، بل وفي المساجد أيضا، حيث تنتشر آفات كثيرة كالغلظة والفظاظة والجفاء، والغيبة والنميمة، والسعاية والوشاية والوقيعة بين الناس، وتسود الأنانية وتنتشر الأثرة وحب الذات والانتصار للنفس بالحق أو بالباطل، أما مشاعر الآخرين ومطالبهم النفسية فهي آخر ما نفكر فيه ـ إن حدث وفكرنا ...!! ـ لنستدعِ ذلك كله ولنقارن بينه وبين القيم والفضائل ومكارم الأخلاق التي في الأحاديث التالية:
• عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( أكمل المؤمنين أيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) رواه الطبراني وصححه الألباني.
• وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
( إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم ) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه.
• وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) أخرجه الشيخان البخاري ومسلم.
• وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال:
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون )
قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟
قال : ( المتكبرون ) أخرجه الترمذي.
• وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال:
قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟
قال: ( كل مخموم القلب صدوق اللسان )
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد ) رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني.
• وعن ضمرة بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
أما عن تعاملاتنا المالية والتجارية وسائر تعاملاتنا المادية الأخرى فقل ما شئت...!! فكلنا ـ إلا من رحم ربي ـ نحب أخذ أكثر من حقنا في البيع والشراء لا فرق في ذلك بين البائع أو المشتري، فكلاهما حريص على أخذ حقه وزيادة...، وكل طرف يغتنم أي فرصة تسنح له لالتهام الآخر، وضاعت الثقة، وافتقدت الأمانة ـ في أغلب الأحيان ـ ونتعامل مع بعضنا بعيدا تماما عن آداب الإسلام الراقية، وكأننا نسينا قول الله تعالى:
{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} (المطففين)
هذا ناهيك عن الديون والقروض والمواريث ... وما أدراك ما المواريث؟!! وما يحدث فيها من أكل لحقوق النساء بدعاوى مختلقة لا أصل لها ... فأين ذلك كله من الأحاديث التالية:
• عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) رواه البخاري.
• وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) متفق عليه.
• وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( خيركم أحسنكم قضاء ) متفق عليه.
ولم يكتفِ الإسلام بتنظيم الجوانب المادية والحديث عنها وحسب، بل حثنا هذا الدين العظيم الخالد الذي ارتضاه الله لعباده ديناً ونظَّم من خلاله كل شؤون حياتهم ـ حثنا على الاهتمام بالجوانب النفسية الرقيقة والنواحي الوجدانية المرهفة التي قد لا يلتفت إليها الكثيرون ولا يتنبه لأهميتها إلا ذوو البصائر، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ) رواه البخاري ومسلم والترمذي، وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه مسلم.
وبعد: فأين نحن من ذلك كله؟ وأين واقعنا من هذه القيم الراقية والمثل والمبادئ العظيمة؟! ولِمَ لا نقدِّم هذا الإسلام الرائع بطريقة عملية جذابة من خلال سلوكنا المهذب وتعاملاتنا الراقية ... حقا نحن كغيرنا من الأمم لنا مزايانا وعيوبنا، لكن الآداب والأخلاق الحسنة والسلوكيات العملية الفاضلة هي أهم ما ينقصنا في الآونة الأخيرة، وهي وحدها عنوان الأمة ومظهرها العام أمام من يحكم لها أو عليها؛ فالآخرون لا يحكمون علينا بكلامنا وأحاديثنا النظرية عن الأخلاق والقيم... بمقدار ما يحكمون علينا بسلوكنا العملي في الشارع وأخلاقنا العملية في المواقف والتجمعات المختلفة... وحريٌّ بنا ألا نحجب الإسلام عن العالم بأفعالنا الرديئة وسلوكياتنا السيئة، بل نجتهد لبيان الوجه المشرق للإسلام الخالد من خلال التصرفات الراقية، والتعاملات النزيهة الشفافة القائمة على الود والاحترام ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن.
بينما على النقيض من ذلك يُصَوَّرُ الإسلام على أنه دين عنف وغِلظة، ويزعم أعداؤه زوراً وبهتاناً وافتراءً من عند أنفسهم أنه دين نُشِر بالسيف، وتجرأ بابا الفاتيكان بندكت السادس بوصم الإسلام بهذه الفِرية، وراح هو وأذنابه يغمزون الإسلام ويشوهون صورته بأساليب وطرق مختلفة، كان من بينها الرسوم المسيئة للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونسي هذا الرجل أو تناسى تاريخ أوربا حالك الظلمة الذي يستحق بجدارة أن يوصف بأنه تاريخ الاستعمار والاستعلاء والتعصب، وسرقة الشعوب ونهب خيراتها واستنزاف ثرواتها... والمثير للسخرية حقاً أن أوربا صاحبة التاريخ العريق في الإبادة الجماعية واستعباد البشر وإراقة دماء الملايين منهم، وسَوْقِهم إلى حتْفِهم في الحروب المدمرة والصراعات المريرة تَصِمُ الإسلام بالعنف والقهر، وتزعم أنه دين غير متسامح، وأن أتباعه إرهابيون غلاظ الأكباد قساة القلوب...!!
في الواقع لا يمكن لأي إنسان منصف وموضوعي أن يجادل في أن هناك مؤامرة خبيثة تدور على الإسلام والمسلمين، وقد زادت حدة تلك المؤامرة الشريرة وتسارعت وتيرتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي البائد، حيث اتخذ الغربُ الإسلامَ والمسلمين عدواً استراتيجياً له... واستُخْدِمَ بعضُ المسلمين مِخلَبَ قطٍ في أيدي الغرب الذي استطاع بآلته الإعلامية الجبارة وسطوته الاقتصادية والسياسية والعسكرية أن يشوه الإسلام ويسَوِّقَه باعتباره دين عنف وقسوة، ونجح أعداءُ الإسلام إلى حد كبير في أن يصنعوا عداوة حقيقية للإسلام والمسلمين لدى شعوب العالم الأخرى خاصة شعوب الغرب...!!
والحق أنه ليس بمستغرب أن تفعل أوربا ذلك وعلى رأسها الفاتيكان فمن أظهر مصالِحهم تشويه صورة الإسلام، وصرف الناس عنه، وتشكيكهم فيه، وبث الرعب في قلوبهم منه ومن أتباعه... فذلك كله وأكثر مُتَوقَّع منهم لكن ماذا عنا نحن المسلمين؟!! نعم ماذا عنا نحن؟!! ماذا نصنع للدعوة إلى ديننا وإظهار عظمته ونبله وبيان حاجة البشرية الماسة إليه؟!! لقد ازداد تفرقنا وتشرذمنا، وتصارعنا وتنازعنا، وتوزعتنا الأهواء فِرَقًا شتى، وجماعات لا حصر لها...!! وتخندق كل فريق في موقعه، وبدلا من أن نقدم الإسلام العظيم للعالم بقيمه الراقية ومثله النبيلة ومبادئه السامية وأخلاقه الرفيعة... نقف موقف الدفاع، ونتلقى الضربات من كل مكان، لقد تغير العالم كثيراً ونحن كما نحن نكتفي بردات الفعل البائسة الضعيفة الواهنة، ولا نحاول انتهاج أي استراتيجيات بديلة، بل ونزيد من تشويه صورتنا داخليا وخارجيا، ونساهم ـ دون وعي منا ـ في ترسيخ ما يُشَاع عنا من خلال سلوكياتنا وتعاملاتنا المختلفة والتي اتسمت في الآونة الأخيرة بالفساد والاضطراب والبعد عن أخلاقيات الإسلام وتعاليمه السامية، وبمهارة نحسد عليها نَصْرِفُ الناس عن التدين الحقيقي الذي يُهذِّب الأخلاق، ويُشَذِّب الطباع، ويبثُّ الثقة في النفوس الوالِهة الهالعة والقلوب المرتجفة الواجِفة ...!!
إن نظرة عجلى إلى واقعنا الإسلامي دولا ومجتمعات وأسراً وأفراداً تؤكد أننا بحاجة ماسة إلى صحوة إسلامية حقيقية أبعد وأعمق أثرا من صحوة اللحى والثياب القصيرة ـ وهذا مهم ولا شك باعتباره مظهراً طيباً، وسمتاً إسلامياً واضحاً ومطلوباً يعكس الالتزام بالسُّنة والتمسك بها ـ نحن بحاجة إلى صحوة إسلامية في السلوكيات والتعاملات اليومية، صحوة تركز على قيم الإسلام الخالدة ومفاهيمه الحضارية الراقية التي رسخها رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفوس أصحابه الكرام ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ ففتحوا بها القلوب والعقول قبل أن يفتحوا الدول والبلدان...!!
إن أي راصد موضوعي منصف يرصد تعاملاتنا في المنزل والعمل والشارع وفي مختلف ميادين الحياة يجد الكثير والكثير من التجاوزات والانحرافات... ويتساءل في دهشة: أين البنية الأخلاقية والقيمية التي دعا إليها الإسلام، وجسَّدها الرسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابتُه الأجلاء ـ رضوان الله عليهم ـ واستحقوا بها أن يكونوا خير أمة أُخْرِجَت للناس { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (آل عمران:110)؟!
لقد ابتليت المجتمعات الإسلامية في عصور التخلف والضعف التي مرت بها عبر تاريخها الطويل ببلاء شديد الخطورة ـ ولاسيما في هذا العصر ـ وهو قلةُ النضج والوعي، حيث نجد أن قطاعات واسعة وشرائح كبيرة من المسلمين تعاني من قصور شديد في فهم دينها العظيم الخالد، والتوقف عند الشكل فقط والاهتمام المبالغ فيه بالظاهر، دون عناية كافية بتطهير الباطن، أو الاهتمام بأعمال القلوب والعبادات الخفية التي بين العبد وبين ربه جل وعلا...!!
لقد اختُزِل الإسلامُ الذي يُقدَّم للناس اليوم ـ في أغلب الأحيان ـ في مسائل تقليدية معينة قُتِلت بحثاً، وأُهمِل الحديث في أمور أخرى شديدة الأهمية، مثل: بناء الذات، وتهذيب الطباع، وصقل الشخصية، وتربية الأبناء، وبناء الأجيال على أسس إيمانية راسخة، ودعائم إسلامية متينة تحث على: عمارة الكون، وإتقان العمل، والإخلاص والصدق والوفاء، والسعي لإسعاد النفس وإسعاد الآخرين، وإدخال البهجة والسرور إلى قلوب الناس، ورسم البسمة على شفاههم، وبث روح الأمل والتفاؤل في نفوسهم، والدعوة إلى الخير والهدى والرشاد بين صفوفهم، ونشر الحب والمودة والتآخي بينهم... وتعليمهم الصبر والعفو والتسامح، وضرب القدوة العملية لهم في قوة العزيمة وعلو الهمة والتحلي بمكارم الأخلاق وجميل الصفات...!!
إننا بحاجة مُلِحَّة إلى أن نتبنى خطاباً إسلامياً جديداً يركز على الجانب العملي والسلوكي أكثر من تركيزه على التنظير والإطالة في شرح وتوضيح الإطار الفكري للأيدلوجية الإسلامية، وبيان حرصها على مصلحة البشر في كل مكان وزمان؛ فالناس اليوم بحاجة إلى رؤية الإنسان الصالح الذي يقدم للآخرين بسلوكياته وتعاملاته الأسوة الحسنة والقدوة العملية الطيبة، ويكون بمثابة داعية صامت يتمتع بنقاء السيرة، وسلامة الصدر، وحسن الطوية، وطيب المعشر ... ويتوِّج ذلك بالتزام صادق بدينه ومبادئه، وامتثال حقيقي بما يؤمن به من قيم وفضائل، وينعكس ذلك كله في جميع تعاملاته مع الناس؛ فيكون له تأثير كبير فيمن حوله بسلوكه الراقي، وحسن خلقه، وترفُّعِه عن الصغائر في محيطه الأسري والاجتماعي والعملي... بين أهله وأقاربه وزملائه وأصدقائه.
ولأوضح التناقض الكبير بين سلوكياتنا وبين قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه العظيمة سأسوق النماذج والأمثلة التالية:
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ...
بالقطع كلنا سمع هذا الحديث ولو مرة واحدة في حياته، والسؤال الآن هو: أين نحن من المعاني الجليلة التي يحملها هذا الحديث الشريف؟! وما تفسير كل ما نجده في حياتنا من: تصارع وتنافس، وتقاطع وتدابر، وتشاجر وتشاحن، وتحاسد وتباغض...؟! كم من الأرحام تقطع بسبب الحسد والحقد وقلة العمل بهذه المعاني النبيلة السامية !! وكم من الخلافات والصراعات تنشأ بيننا لأتفه الأسباب!! وكم من الرذائل والفواحش والجرائم ترتكب!! أين ذلك كله من حب الخير للناس؟!! مع علمنا أنه بمقتضى هذا الحديث الشريف لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه...!!
ولأضرب مثلا آخر من واقعنا العملي فمن المألوف في علاقاتنا الاجتماعية أننا لا نجيد غالباً الإفصاح عن مشاعرنا الإيجابية المتدفقة تجاه الآخرين إلا في أضيق الحدود أو في أوقات نادرة قليلة، ونظن أن ذلك يقْدَحُ في هيبتنا ويُنقِص من قدرنا عند الناس، أو يجرِّئُهم علينا... ،وهذه النظرة تفقدنا الاستمتاع بمشاعر الحب في الله، وهي واحدة من أرق وأنبل المشاعر الإنسانية، ولنقارن ذلك السلوك بفعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال:
" كنت جالساً عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ مر رجلٌ ، فقال رجلٌ جالسٌ من القوم: يا رسول الله إني لأحب هذا الرجل، قال:
( هل أعلمتَه ذلك؟)
قال: لا، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( قم فأعلِمْه )،
قال: فقام إليه الرجل فقال: يا هذا والله إني لأحبك في الله،
قال الرجل :أحبك الذي أحببتني له " رواه البخاري وأحمد.
وقل ما شئت عن بعدنا الكبير عن حسن الظن وسلامة الصدر، وافتراضنا في الناس سوء النية، والتعامل معهم بكل حذر وخوف وتوجس بناءً على الظن السيئ إلى أن يثبت العكس، ولننظر إلى السلبيات الكثيرة التي تنجم عن ذلك من تجسس وتحاسد وتباغض... ولنتأمل واقعنا ونقارنه بالحديث الآتي: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ـ وأشار إلى صدره ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله ) رواه البخاري ومسلم.
وعما ينتشر في مجتمعاتنا من الأخلاق الفاسدة والسلوكيات السيئة حدث ولا حرج ...!! وكلنا يعلم ما آلت إليه أحوال الكثيرين منا ـ إلا من رحم ربي ـ نعم كلنا يلمس بشاعة الأخلاقيات التي نمارسها في البيت والشارع والعمل والحدائق والأندية، بل وفي المساجد أيضا، حيث تنتشر آفات كثيرة كالغلظة والفظاظة والجفاء، والغيبة والنميمة، والسعاية والوشاية والوقيعة بين الناس، وتسود الأنانية وتنتشر الأثرة وحب الذات والانتصار للنفس بالحق أو بالباطل، أما مشاعر الآخرين ومطالبهم النفسية فهي آخر ما نفكر فيه ـ إن حدث وفكرنا ...!! ـ لنستدعِ ذلك كله ولنقارن بينه وبين القيم والفضائل ومكارم الأخلاق التي في الأحاديث التالية:
• عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( أكمل المؤمنين أيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) رواه الطبراني وصححه الألباني.
• وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
( إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم ) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه.
• وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) أخرجه الشيخان البخاري ومسلم.
• وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال:
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون )
قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟
قال : ( المتكبرون ) أخرجه الترمذي.
• وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال:
قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟
قال: ( كل مخموم القلب صدوق اللسان )
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد ) رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني.
• وعن ضمرة بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
أما عن تعاملاتنا المالية والتجارية وسائر تعاملاتنا المادية الأخرى فقل ما شئت...!! فكلنا ـ إلا من رحم ربي ـ نحب أخذ أكثر من حقنا في البيع والشراء لا فرق في ذلك بين البائع أو المشتري، فكلاهما حريص على أخذ حقه وزيادة...، وكل طرف يغتنم أي فرصة تسنح له لالتهام الآخر، وضاعت الثقة، وافتقدت الأمانة ـ في أغلب الأحيان ـ ونتعامل مع بعضنا بعيدا تماما عن آداب الإسلام الراقية، وكأننا نسينا قول الله تعالى:
{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} (المطففين)
هذا ناهيك عن الديون والقروض والمواريث ... وما أدراك ما المواريث؟!! وما يحدث فيها من أكل لحقوق النساء بدعاوى مختلقة لا أصل لها ... فأين ذلك كله من الأحاديث التالية:
• عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) رواه البخاري.
• وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) متفق عليه.
• وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( خيركم أحسنكم قضاء ) متفق عليه.
ولم يكتفِ الإسلام بتنظيم الجوانب المادية والحديث عنها وحسب، بل حثنا هذا الدين العظيم الخالد الذي ارتضاه الله لعباده ديناً ونظَّم من خلاله كل شؤون حياتهم ـ حثنا على الاهتمام بالجوانب النفسية الرقيقة والنواحي الوجدانية المرهفة التي قد لا يلتفت إليها الكثيرون ولا يتنبه لأهميتها إلا ذوو البصائر، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ) رواه البخاري ومسلم والترمذي، وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه مسلم.
وبعد: فأين نحن من ذلك كله؟ وأين واقعنا من هذه القيم الراقية والمثل والمبادئ العظيمة؟! ولِمَ لا نقدِّم هذا الإسلام الرائع بطريقة عملية جذابة من خلال سلوكنا المهذب وتعاملاتنا الراقية ... حقا نحن كغيرنا من الأمم لنا مزايانا وعيوبنا، لكن الآداب والأخلاق الحسنة والسلوكيات العملية الفاضلة هي أهم ما ينقصنا في الآونة الأخيرة، وهي وحدها عنوان الأمة ومظهرها العام أمام من يحكم لها أو عليها؛ فالآخرون لا يحكمون علينا بكلامنا وأحاديثنا النظرية عن الأخلاق والقيم... بمقدار ما يحكمون علينا بسلوكنا العملي في الشارع وأخلاقنا العملية في المواقف والتجمعات المختلفة... وحريٌّ بنا ألا نحجب الإسلام عن العالم بأفعالنا الرديئة وسلوكياتنا السيئة، بل نجتهد لبيان الوجه المشرق للإسلام الخالد من خلال التصرفات الراقية، والتعاملات النزيهة الشفافة القائمة على الود والاحترام ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن.
التعديل الأخير: