رد الأوهام فيما أثير حول جمع القرآن
الدكتور جمال الحسيني أبوفرحة
الدكتور جمال الحسيني أبوفرحة
لقد أعلن الله تعالى في كتابه العزيز أنه مجموع في الصحف في قوله تعالى: { إن علينا جمعه وقرآنه(17)}(القيامة) ومن ثمة لم يجد الصحابة حرجًا في جمعه في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
فعن عبيد بن السبَّاق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "أرسل إليّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبوبكر رضي الله عنه، إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقرَّاء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقرَّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبوبكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. ... فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما". رواه البخاري.
وفي قول زيد بن ثابت: "أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر على ما أوهم، وإنما طلب القرآن متفرقًا ليعارض بالمجتمع عند من بقى ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكون في أنه جمع على ملإ منهم.
وأما قول زيد: "فتتبعت القرآن أجمعه ...... حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره" أي لم أجدها مكتوبة مع أحد ممن كان في طبقة خزيمة ممن تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بغير واسطة، وممن لم يجمع القرآن كله، فلم يكن يكتفي بالحفظ دون الكتابة. . أما أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل؛ فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل على ذلك متظاهرة، منها ما روى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "جمعت القرآن فقرأت به في كل ليلة". . رواه ابن ماجه في سننه، وأحمد في المسند.
ثم إنه لما كان القرآن قد (أنزل على سبعة أحرف (سبعة قراءات) كلها كاف شاف ) رواه أحمد، ,أبو داود، والنسائي. . تسهيلا وتيسيرا لقراءته، وكثرت الفتوحات، وتفرق الصحابة في الأمصار، ومع كل منهم قراءة من السبع المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ أهل تلك الجهات التي ذهب إليها الصحابة عنهم قراءتهم اختلفت قراءات الأمصار؛ وبالرغم من أن كلا منها صحيحة، إلا أن ذلك كان ذريعة لفتنة بدت بوادرها؛ فعن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمنية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أي يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم؛ ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بكل ما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. . راجع ابن حجر: فتح الباري.
وقول عثمان: "فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" أي نزل أولا بلسان قريش أحد الأحرف السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلا وتيسيرا . . فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولا بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه ولكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم. . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ) رواه البخاري. . وكل من هذه الأحرف كما أنه متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم يغني عن غيره ولا يؤدي إلى أدنى اختلاف في المعنى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" رواه البخاري. . فلا وجه للمقارنة هنا بين الأحرف السبعة وتعدد الأناجيل التي بيد النصارى. . ورأى القاضي عياض وجماعة من أهل العلم أن لفظ السبعة يطلق على إرادة التكثير في الآحاد ولا يراد العدد المعين.
وأما أن عثمان قال : "أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بكل ما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق". . فإنما فعل ذلك بعد أن استشار كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة، قال: "قال عليّ: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا؛ فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا على ملإ منا؛ قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك؛ وهذا يكاد أن يكون كفرا! قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت.
قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في صورتها في المصحف.
والسياق هنا وما سبق من نصوص يدل على أن فقدها إنما كان في المكتوب الذي عند حفصة لا في كل مكتوب ومحفوظ عند المسلمين، ولما وجدها عند خزيمة اكتفى بشهادة مكتوب خزيمة مع شهادة محفوظه هو ومن كان معه من الرهط القرشيين، ولم يتتبع الآية في مكتوب ومحفوظ بقية المسلمين، وما اعترض أحد من من المسلمين على نسخة عثمان؛ فدل ذلك على موافقتها محفوظهم ومكتوبهم.
أما قول زيد بن ثابت: "فألحقناها في صورتها في المصحف" فيؤكد الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي، أما الإجماع فنقله غير واحد، منهم الزركشي في البرهان، وأما النصوص فمنها النصوص الدالة على قراءته صلى الله عليه وسلم لسور عديدة بمشهد من الصحابة. . ومنها التحدي الذي وجهه القرآن لأعدائه بأن يأتوا بسورة من مثله. . وغير ذلك من النصوص كثير. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
للمزيد انظر: الزركشي: البرهان، وابن حجر: فتح الباري.
عن موقع الفسطاط
فعن عبيد بن السبَّاق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "أرسل إليّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبوبكر رضي الله عنه، إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقرَّاء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقرَّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبوبكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. ... فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما". رواه البخاري.
وفي قول زيد بن ثابت: "أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر على ما أوهم، وإنما طلب القرآن متفرقًا ليعارض بالمجتمع عند من بقى ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكون في أنه جمع على ملإ منهم.
وأما قول زيد: "فتتبعت القرآن أجمعه ...... حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره" أي لم أجدها مكتوبة مع أحد ممن كان في طبقة خزيمة ممن تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بغير واسطة، وممن لم يجمع القرآن كله، فلم يكن يكتفي بالحفظ دون الكتابة. . أما أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل؛ فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل على ذلك متظاهرة، منها ما روى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "جمعت القرآن فقرأت به في كل ليلة". . رواه ابن ماجه في سننه، وأحمد في المسند.
ثم إنه لما كان القرآن قد (أنزل على سبعة أحرف (سبعة قراءات) كلها كاف شاف ) رواه أحمد، ,أبو داود، والنسائي. . تسهيلا وتيسيرا لقراءته، وكثرت الفتوحات، وتفرق الصحابة في الأمصار، ومع كل منهم قراءة من السبع المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ أهل تلك الجهات التي ذهب إليها الصحابة عنهم قراءتهم اختلفت قراءات الأمصار؛ وبالرغم من أن كلا منها صحيحة، إلا أن ذلك كان ذريعة لفتنة بدت بوادرها؛ فعن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمنية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أي يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم؛ ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بكل ما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. . راجع ابن حجر: فتح الباري.
وقول عثمان: "فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" أي نزل أولا بلسان قريش أحد الأحرف السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلا وتيسيرا . . فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولا بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه ولكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم. . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ) رواه البخاري. . وكل من هذه الأحرف كما أنه متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم يغني عن غيره ولا يؤدي إلى أدنى اختلاف في المعنى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" رواه البخاري. . فلا وجه للمقارنة هنا بين الأحرف السبعة وتعدد الأناجيل التي بيد النصارى. . ورأى القاضي عياض وجماعة من أهل العلم أن لفظ السبعة يطلق على إرادة التكثير في الآحاد ولا يراد العدد المعين.
وأما أن عثمان قال : "أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بكل ما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق". . فإنما فعل ذلك بعد أن استشار كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة، قال: "قال عليّ: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا؛ فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا على ملإ منا؛ قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك؛ وهذا يكاد أن يكون كفرا! قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت.
قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في صورتها في المصحف.
والسياق هنا وما سبق من نصوص يدل على أن فقدها إنما كان في المكتوب الذي عند حفصة لا في كل مكتوب ومحفوظ عند المسلمين، ولما وجدها عند خزيمة اكتفى بشهادة مكتوب خزيمة مع شهادة محفوظه هو ومن كان معه من الرهط القرشيين، ولم يتتبع الآية في مكتوب ومحفوظ بقية المسلمين، وما اعترض أحد من من المسلمين على نسخة عثمان؛ فدل ذلك على موافقتها محفوظهم ومكتوبهم.
أما قول زيد بن ثابت: "فألحقناها في صورتها في المصحف" فيؤكد الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي، أما الإجماع فنقله غير واحد، منهم الزركشي في البرهان، وأما النصوص فمنها النصوص الدالة على قراءته صلى الله عليه وسلم لسور عديدة بمشهد من الصحابة. . ومنها التحدي الذي وجهه القرآن لأعدائه بأن يأتوا بسورة من مثله. . وغير ذلك من النصوص كثير. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
للمزيد انظر: الزركشي: البرهان، وابن حجر: فتح الباري.
عن موقع الفسطاط