جيرة أبي دُلَف/أحمد الجدع

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,765
التفاعل
17,882 113 0
جيرة أبي دُلَف

أحمد الجدع

محافظة على سلامة المجتمع الإسلامي وتماسكه فقد حث الإسلام على مراعاة الجار والبر به ، وقد أكد على ذلك رسول الوحي جبريل عليه السلام ، وقد كرر جبريل عليه السلام الوصية بالجار على رسول الله حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .

والأحاديث النبوية التي تتعلق بالجيران فيما بينهم كثيرة ، وقد تشدد على جار السوء واعتبره بلاءً من البلاء .
وعلى المسلم أن يراعي مصالح جاره وعواطفه فلا يؤذيه حتى بقتار قدره كما قال عليه السلام ، فإذا ما تم ذلك عاش المجتمع بسلام ووئام .

ومما يروى في رعاية الجار ما روته الأخبار من أن أحد المسلمين أصابته حاجة فعرض بيته للبيع ، فجاء تجار العقار لشرائه ، وقالوا له : كم تطلب في بيتك من ثمن ، فقال عشرة آلاف دينار ، فقالوا له : إن بيتك لا يساوي أكثر من خمسة آلاف ، فقال : نعم ، وجيرة أبي دلف بخمسة آلاف أخرى .
وعندما سمع أبو دلف مقولة جاره أسرع إليه ودفع له خمسة آلاف دينار وفّى بها دينه وقال له : بارك الله لك في بيتك، فقد وهبته لك .

نعم ، هذه قصة جارين مسلمين ، أحدهما غني موسر والآخر فقير ركبه دين ، وإذا دلت هذه القصة على شيء فإنها تدل على تماسك المجتمع الإسلامي وصلابته .
وبعد ، من هو أبو دلف هذا ؟

القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن معاوية بن خزاعي بن عبد العزى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم.
واحد من مشاهير رجالات بني عجل بن لجيم، وقد يكون أشهرهم، كان فارساً جواداً كريماً شاعرا ، وقلما يجمع كل ذلك شخص واحد.
قال أبو الفرج في الأغاني: "ومحله من الشجاعة وعلو المحل عند الخلفاء، وعظم الغَناء في المشاهد، وحسن الأدب ، وجودة الشعر، محل ليس لكبير أحد من نظرائه".
وكان أبو دلف من قادة الدولة العباسية، حارب الخوارج في موقعة السرادن ، وهزمهم ،كما قاتل بابك الخرمي.
وكان أبو دلف مقصد الشعراء ، يمدحونه وينالون جوائزه، وكانت قصائدهم فيه عالية البلاغة، إلا أن أرفع هذه القصائد وأعظمها شهرة قصيدة علي بن جبلة التي قال فيها هذين البيتين اللذين خلدا أبا دلف وجعلا أسمه وذكره على كل لسان:

إنما الدنيا أبو دلف * بين مغزاه ومحتضره
فإذا وليّ أبو دلف * ولت الدنيا على أثره​

ومن أبياتها الحسان قوله:

يا دواء الأرض إن فسدت * ومديل اليسر من عسره
كل من في الأرض من عرب * بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة * يكتسيها يوم مفتخره​

ويروى أن أبا دلف كان يسير مع أخيه معقل بن عيسى، وهما إذ ذاك بالعراق إذ مرّا بامرأتين تتماشيان، فقالت إحداهما لصاحبتها: هذا أبو دلف،
قالت الأخرى: ومن أبو دلف؟
قالت الأولى: الذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف * بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف * ولت الدنيا على أثره​

فلما سمع ذلك أبو دلف بكى ، فقال له أخوه معقل: مالك يا أخي تبكي؟
قال: لأني لم أقض حق عليّ بن جبلة.
قال: أولم تعطه مئة ألف درهم لهذه القصيدة؟
قال: والله يا أخي ما في قلبي حسرة تقارب حسرتي على أني لم أكن أعطيته مئة ألف دينار، والله لو فعلت ذلك لما كنت قاضياً حقه.

أقول:صدق أبو دلف، فلولا هذه القصيدة لما ذكر أبو دلف في كل كتاب أُلف في الأدب والشعر، ولما ذكر في كل مجلس عقد للأدب والشعر.
أبو دلف القاسم بن عيسى مفخرة من مخافر بني عجل بن لجيم ومفخرة من مخافر بكر بن وائل ، ومفخرة من مفاخر العرب والمسلمين .

يا أبا دلف ، ليت لنا ألفاً مثلك..... وأكثر

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
عودة
أعلى