الخليج العربي مسرح حرب المحاكاة الإفتراضية وهشيم نارها النووية!

إنضم
3 فبراير 2012
المشاركات
112
التفاعل
12 0 0
الخليج العربي مسرح حرب المحاكاة الإفتراضية وهشيم نارها النووية!


“ليس «للحرب الافتراضية» وجود مادي ملموس على أرض الواقع، لكنها تُحاكي هذا الواقع تماماً، وهي حرب بلا دماء لكونها صراعاً بين الموجات والالكترونيات والبرمجيات فقط، وجنودها يعملون من لوحات المفاتيح وأزرار الكومبيوتر. وميادين القتال فيها الأسلاك والفضاء الالكتروني، وربما الهواء، وأسلحتها فيروسات الكمبيوتر، والنبضات الالكترونية، أو إشارات الليزر، وطلقات معلوماتية مُعدّة بشكل يمكنها من أن تحدث تدميراً جوهرياً في بعض مظاهر البنية الأساسية للعدو.” كمال مساعد.



في ذات الوقت الذي يشهد انخفاض حدّة الخطاب الداعي لشنّ هجمات عسكرية استباقية ضد المنشآت النّووية الإيرانية، في مقابل عودة الحديث عن ضرورة تصعيد وتفعيل حملة العقوبات الاقتصادية والسياسية والتهديد باستخدام ضغوطات أخرى ضد طهران من شأنها إضعاف النظام الإيراني وإجباره على الإذعان والتخلّي عن برنامجه النووي، يُطالعنا تقرير إستراتيجي أمريكي مُسرّب يؤكّد بأنّ الخيار العسكري كان ولا يزال محلّ تمحيص ودراسة وتقويم لجدواه وحجمه ومضاعفاته، بانتظار الساعة الصفر.

هذا ما نقله مارك مازيتي، Mark Mazzetti وتوم شانكر، Thom Shanker، في تقريرهما لصحيفة نيويورك تايمز، The New York Times، عن مسؤولين أمريكيين، آثروا التستّر عن هويتهم، كشفوا أن البنتاغون كان قد أجرى، خلال هذا الشهر وعلى مدى أسبوعين كاملين، في سرية وتكتّم، “مُحاكاة حرب” افتراضية، وذلك للوقوف على إمكانات وسبل سرعة وحجم رد القوات الأمريكية من جهة، ولإجراء تقييم للانعكاسات والمضاعفات التي يمكن أن تتمخّض عن ضربة عسكرية استباقية مُحتملة قد يشنّها الكيان الصهيوني على المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية، من جهة أخرى.

“لعبة” المحاكاة الافتراضية التي أُجريت هي جزء من نظم التدريب الحديثة، القائمة على ما بات يُعرف بـــــ”الحروب الإفتراضية، Virtual Wars”، التي يُقام خلالها بتجارب وتدريبات تستشرف شكل وأسلوب وأدوات الحروب المستقبلية، حدّا من الكلفة وبحثا عن مزيد الفاعلية. إلى جانب استعمال شبكة ما يُسمّى بالمشبّهات، Simulators، يتمّ أيضا استخدام التطبيقات العسكرية مع توظيف لكلّ تكنولوجيات الواقع الافتراضي من معلوماتية وبرماجيات حواسيب متطوّرة وشبكات الاتصال الحديثة ونظم المعلومات وما يسمّى بالذّكاء الاصطناعي، Artificial Intelligence، أو النُّظم الخبيرة، Expert Systems، وذلك من أجل خلق عوالم افتراضية قريبة من واقع مسارح العمليات العسكرية قصد التدريب والدراسة لمدى جاهزية القوات والتحسين من قدرتها على التعامل الحيني واستنباط النتائج، والقيام بتحليل قاعدة بياناتها، واكتساب الخبرة العملية التفاعلية، Interactive.

الحرب الإفتراضية السرّية التي كُشف سرّها لصحيفة نيويورك تايمز، تأتي ضمن إطار إحدى أهم تدريبات القيادة الوسطى، Central Command، للتخطيط وإعداد السيناريوهات، تحمل إسم “نظرة داخلية أو نظرة من الداخل، Internal Look”، وتُفعّل حوالي مرتين في السنة لدراسة وتقييم ردة فعل مراكز القيادة وهيئة الأركان والوحدات العسكرية المنتشرة بالمنطقة تجاه مختلف الأحداث العالمية الطارئة. وقد تولّى القائمون على هذا البرنامج، الإشراف على الإعداد والتحضير لأغلب الحروب التي شهدتها منطقتنا. بالعودة إلى موقع غلوبال سيكيوريتي، Global Security، يُطالعنا ما مفاده أن “نظرة داخلية” كمنظومة ليست وليدة اليوم، فقد تمّ اعتمادها منذ أيام الحرب الباردة لإعداد سيناريو يحول دون استيلاء الاتحاد السوفييتي على آبار النفط الإيرانية. كما استخدمها أيضا الجنرال تومي فرانكس، Tommy Franks، في شهر ديسمبر من سنة 2002، وذلك لإختبار مدى جاهزية وحداته أيام إعداده لغزو العراق. وها هي تُفعّل من جديد في ظلّ ما تعيشه المنطقة من توتّر يُنذر بوخيم العواقب. فالنتائج التي أفرزتها حرب المحاكاة، وكما كان ولا يزال يتوقّع أغلب الخبراء والمحلّلون والإستراتيجيون العسكريون، كانت مُفزعة. إذ أظهرت أنّها “ستؤدّي إلى حرب إقليمية واسعة وستجرّ الولايات المتحدة للتورّط فيها وستخلّف مئات القتلى من الأمريكيين”. هذا ما يؤكّده تقرير نيويورك تايمز الذي أوضح أن “تلك التدريبات صُمّمت لاختبار الاتصالات العسكرية الداخلية والتنسيق بين المسؤولين في البنتاغون ومقرّات القيادات العسكرية المنتشرة عقب الضربة الإسرائيلية. وفي النهاية، أكدت التدريبات لدى المسؤولين العسكريين طبيعة الضربة الإسرائيلية التي لا يمكن التكهّن بها أو السيطرة عليها، وكذلك الرد الإيراني المحتمل.” الجنرال جيمس ماتيس، James Mattis، قائد القوات الأمريكية بالشرق الأوسط والخليج وجنوبي غربي آسيا، القلق من نتائج حرب المحاكاة، التي كشفت أن الضربة الصهيونية لن تفعل أكثر من إعاقة المشروع الايراني لمدة سنة فحسب، دون معرفة حجم الخسائر في ظل غياب معطيات موثوقة عن البرنامج النووي الإيراني، كان الأبلغ حين وصّف تداعيات هجمة صهيونية على إيران بقوله: ” إن الضربة الأولى التي تقوم بها إسرائيل ربما تنطوي على عواقب وخيمة في المنطقة وحتى بالنسبة لأميركا”!

لئن أصرّ المسؤولون الأمريكيون على أنّ هذه الخطوة، ليست إلاّ مجرّد “تمارين افتراضية روتينية”، وأنّ نتائج قاعدة بياناتها للإستئناس وليست المصدر الوحيد لتقديرات صنّاع القرار واستراتيجيي العسكرية الأمريكية، وعليه وجب عدم قراءتها على أنّها تندرج في إطار تدريب عسكري أو مناورة ميدانية، إلاّ أنّ رسائل الطمأنة لا تخفي الحقائق التالية:

· أنّ الولايات المتّحدة سلّمت بأحقّية الكيان في شنّ الهجمات الإستباقية وإن منفردا ودون سابق إنذار،

· أنّ وزارة الدفاع الأمريكية على يقين من أنّ إقدام الكيان على هذه الخطوة سيشعل فتيل “حرب إقليمية واسعة”،

· أن الأمريكيين وعلى الرّغم من مخاوفهم تكبّد خسائر جسيمة في صفوف قواتهم، إلاّ أن ذلك لن يحول دون تورّطهم في خوضها نصرة للكيان و”وأمنه المقدّس”، عملا بوصية نائب الرئيس الامريكي السابق، ديك تشيني، Dick Cheney ، القائل “إن أمريكا ستتردّد في شنّ حرب ضد إيران، ولكنّها لا تستطيع منع إسرائيل اذا ما أقدمت عليها، فستهرع لحمايتها”؟

· أنّ النتائج التي أفرزتها المحاكاة تعزّز وتدعم موقف بعض مسؤولي البيت الأبيض ورجالات وزارة الدفاع وعناصر الوكالات الاستخبارية الرافضين والمحذّرين من حجم التداعيات الخطيرة للمغامرة غير مأمونة العواقب بالنسبة للولايات المتحدة،

· أنّ المصالح الأمريكية الحيوية بالمنطقة وتحالفاتها العسكرية والأمنية والإقتصادية، كما أمن وسلامة من يستقوون بها ويفتحون لها الموانئ والقواعد والمجال الجوي، ليسوا بنفس قيمة التزام الإدارة الأمريكية غير المشروط بوجود وسلامة وتفوّق الكيان الصهيوني النوعي والإستراتيجي.

هل تكون رسالة عيد النيروز التاريخية التي وجّهها أوباما إلى القادة والشعب الإيرانيين بمناسبة حلول السنة الفارسية، مُعلنا فيها “بداية جديدة” ومبدأ “الإحترام المتبادل”، وحرصه على أن تتبوّأ إيران “المكانة التي تستحقّها داخل المجتمع الدولي”، من وحي نتائج حرب محاكاة “النظرة الداخلية”؟ هل يتّعض العسكريون الأمريكيون بالنتائج وبتحذير الجنرال جيمس ماتيس قبل أن يسبق السيف العذل وتكتوي المنطقة باللهيب النووي؟ وأخيرا لهؤلاء الذين لم يرد ذكرهم، وهم من يشكّلون المسرح والديكور الافتراضي والواقعي، وهشيم النار في حال اندلعت أم الحروب، إخوتنا بالخليج العربي، أما آن لهم أن يقولوا كلمتهم وهم المعنيون أيضا بما يُدار في الغرف المظلمة؟

بين عوالم وزارة الدفاع الأمريكية الإفتراضية ومسارح الخليج العربي الواقعية، محض مسافة، تختزلها كبسة زرّ على لوحة تحكّم في مكان ما، من غرفة ما، داخل مقرّ قيادة ما…أما آن لنا أن نعي؟

*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

المراجع:

1- راجع الدراسة القيمة التي أعدّها كمال مساعد، تحت عنوان: “الحرب الافتراضية وسيناريوهات محاكاة الواقع”، عن مجلة “الجيش” اللبنانية، عدد: 253، أوت 2006، والمنشورة على الموقع الرسمي للجيش اللبناني على الرابط التالي: http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=11575 <http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?ln=ar&id=11575>

2- مقال، مارك مازيتي وتوم شانكر، Mark Mazzetti and Thom Shanker ، ” U.S. War Game Sees Perils of Israeli Strike Against Iran”، الصادر بالنيويورك تايمز، New york Times، بتاريخ: 19-03-2012، الوصلة التالية: http://www.nytimes.com/2012/03/20/w...k-on-iran.html?_r=1&scp=1&sq=iran war &st=cse <http://www.nytimes.com/2012/03/20/world/middleeast/united-states-war-game-sees-dire-results-of-an-israeli-attack-on-iran.html?_r=1&scp=1&sq=iran%20war%20&st=cse>

3- تقرير يديعوت تحت عنوان: ” US war game simulates aftermath of Israeli strike on Iran”، المنشور بتاريخ: 20-03-2012، على الرابط التالي: http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4205207,00.html <http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4205207,00.html>

4- مقال موران أزولاي، Moran Azulay ، بعنوان: ” ‘Israel must show sensitivity to US reality over Iran strike’”، الصادر بيديعوت أحرنوت، بتاريخ: 19-03-2012، على الرابط التالي: http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4204905,00.html <http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4204905,00.html>

5- تقرير جيريزالام بوست، The Jerusalem Post، تحت عنوان: “ ‘Israeli strike on Iran would cost US lives’”، المنشور بتاريخ: 20-03-2012، على الرابط التالي: http://www.jpost.com/LandedPages/PrintArticle.aspx?id=262539 <http://www.jpost.com/LandedPages/PrintArticle.aspx?id=262539>




المصدر

http://bit.ly/I4x3LJ
 
عودة
أعلى