[FONT=Times New Roman,Times,serif]
[/FONT]
[FONT=Times New Roman,Times,serif][/FONT]
[FONT=Times New Roman,Times,serif]عملية شد الحبل الأخيرة بين القاهرة وواشنطن لم تنته رغم السماح يوم 29 فبراير لحوالي 16 متهما أمريكيا وغربيا في قضية التمويل غير الشرعي لمنظمات غير حكومية بمصر بمغادرة البلاد قبل صدور الأحكام القضائية والبت سواء بتجريمهم أو تبرئتهم.
إذا كان الرأي العام المصري يواصل التفاعل مع القضية، فإن الدوائر السياسية في واشنطن تسعى لمعاقبة الأطراف التي ترى أنها تجرأت على محاسبة المؤسسات الأمريكية والتي وضعت بهذا السلوك وغيره حجر عثرة أمام المخططات الموضوعة في دوائر القرار بالعاصمة الأمريكية لركوب حركة التحول في مصر، وتحويلها إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقة حسب قاموس المحافظين الجدد.
لتسقط المعونة
يوم الجمعة 16 مارس 2012 إقتحم متظاهرون، حواجز أسمنتية تحيط بمقر السفارة الأمريكية بحي «غاردن سيتي» المجاور لميدان التحرير وسط القاهرة وطالبوا بطرد السفيرة آن باترسون.
وردد المتظاهرون، هتافات «واحد إتنين.. المتهمين راحو فين» و»تسقط المعونة الأمريكية»، مطالبين بطرد باترسون وبقطع العلاقات مع أمريكا، إحتجاجا على «التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لمصر»، وبإعادة إعتقال الأمريكيين المتهمين قضية إدارة منظمات غير حكومية وتلقي أموال من الخارج والقيام بأنشطة سياسية غير مرتبطة بعمل المجتمع المدني وعدم الحصول على التصاريح اللازمة من السلطات المصرية واستئناف محاكمتهم.
وكان المتهمون الستة عشر ومن بينهم نجل وزير النقل الأمريكي قد غادروا القاهرة بعد أن دفع كل منهم مبلغ مليوني جنيه «حوالي330 ألف دولار» على سبيل الكفالة على ذمة القضية، حتى يصدر قرار من النائب العام المصري بالسماح لهم بمغادرة البلاد.
وتسبَبت القضية المتهم فيها 19 أمريكيا وغربيا «كان ثلاثة منهم خارج مصر»، من بين 43 متهما مصريا وأجنبيا في توتر العلاقات المصرية الأمريكية، بخاصة بعد تهديد نواب بارزين فيالكونغرس الأمريكي بقطع المعونة السنوية عن مصر والتي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
في غضون ذلك سعت نانسي بيلوسي عضو مجلس النواب الامريكي إلى التخفيف من شأن الخلاف مع مصر واعتبرته «حجر عثرة عابر في الطريق» لا ينبغي أن يعوق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وقالت بيلوسي التي كانت تزور مصر عند وقوع المظاهرة على رأس وفد يضم اربعة مشرعين آخرين إن الولايات المتحدة ستواصل دعم مصر ما دامت المساعدات تدعم استقرار البلاد، «وايا كان موضوع المنظمات الحقوقية فإنه لا يجب ان يكون عقبة امام الامكانيات المستقبلية بين البلدين».
المعروف أنه من بين المنظمات المتهمة مؤسسة فريدوم هاوس، وإنترناشيونال ريبابليكان إنستيتيوت، وناشيونال ديموكراتيك إنستيتيوت.
وذكرت بيلوسي للصحفيين عقب محادثات مع مسؤولين مصريين «لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الشعب المصري ونريد دعم نجاحه. لا نريدها ان تقف مشكلة المنظمات في طريق ذلك».
واضافت بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب «قوة واستقرار مصر يخدمان مصلحتها ومصلحة المناطق المحيطة بها وكذلك الولايات المتحدة. ما دامت تلك المساعدات تدعم هذا سنواصل تقديمها بالتأكيد».
وقال المشرعون الامريكيون إن الولايات المتحدة تؤيد مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 3200 مليون دولار بعد أزمة سياسية واقتصادية على مدى عام.
نفاق دبلوماسي
ملاحظون أشاروا إلى أن جزء من تصريحات بيلوسي ليس أكثر من نفاق دبلوماسي، لأن هناك الكثير من المعطيات التي تثبت أن واشنطن تعمل بجد على زعزعة استقرار مصر، وأن مسؤولين في أجهزة أمنية وعسكرية أمريكية وإسرائيلية شاركوا شخصيا أو شجعوا في عمليات التخريب وإثارة الشغب وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة منذ بدء الأزمة في 25 يناير 2011.
وقد ذكرت مصادر مصرية مطلعة ان التحقيقات مع المتهمين بقضية التمويل الاجنبي تشير الى علاقات لتلك المنظمات وتشكيلات فلسطينية وعربية أهلية مشابهة. واوضحت المصادر ان شخصيات مصرية وفلسطينية وعربية شكلت محورا مركزيا في تمويل الهيئات والمنظمات المذكورة، كما أثبتت التحقيقات أن هناك روابط مع مؤسسات محسوبة على أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي، أو شركات الأمن الخاصة من أمثال «بلاك ووترز» التي بدلت أسمها إلى «خدمات أكسي».
وكانت التحقيقات وتحريات المخابرات العامة والأمن الوطنى المصري فى القضية المعروفة بـ»التمويل الأجنبى» قد كشفت للإعام عن مفاجئات، من بينها أن 7 موظفين فى المنظمات تقدموا باستقالات متوازية بعد بدء الأمن المصري مداهمة مقرات المنظمات الموصوفة بغير الحكومية، وقد ذكر هؤلاء أمام جهات التحقيق إنهم اكتشفوا أن بعض المنظمات كانت تقوم بتصرفات مريبة، لا تتفق مع معايير عمل منظمات المجتمع المدنى. وذكروا إنهم أجروا مثلا «استطلاعات رأى»، وصفوها بـ»الغريبة وذات طابع تجسسي»، كما أقروا إنهم أرسلوا تقارير سرية إلى مراكز رئيسة فى واشنطن والسفارة الأمريكية بالقاهرة.
واعترف المتهمون، فى التحقيقات، التى أجراها المستشاران سامح أبوزيد وأشرف العشماوى قاضيا التحقيق، بأن تلك الوقائع كانت فى تكليفات من المركز الرئيسى، ولا علاقة لهم بنتائجها، وكشفت التحقيقات عن تلقى عدد كبير من الأحزاب التى تم إنشاؤها بعد أحداث 25 يناير2011 دعما من المنظمات.
الدعم لمن ؟
التحقيقات أفادت كذلك أن المنظمات المتورطة كان من ضمن أهدافها الأساسية دعم عدد كبير من الأحزاب السياسية التى تم إنشاؤها حديثا. وأفادت تحريات جهاز الأمن الوطنى والمخابرات العامة واعتراف المتهمين أنفسهم بأنه تم عقد مئات الدورات التدريبية لممثلى أحزاب على كيفية حشد ناخبين لصالحهم فى الانتخابات البرلمانية، خاصة فى المناطق الشعبية وجمع الأصوات وتحسين صورتهم وصورة أحزابهم أمام الإعلام فى مصر والخارج، وكيفية التواصل مع الوسائل الإعلامية، وفى سبيل ذلك أحضرت تلك المنظمات مدربين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هؤلاء دخلوا إلى البلاد بتأشيرات سياحية. تبين كذلك أن بعض ممثلى الأحزاب تم تسفيرهم إلى دول أوروبية أو الولايات المتحدة تحت غطاء تبريرات كثيرة مثل الزيارات العائلية أو العلاج إلى غير ذلك حتى لا تشك في أمرهم الأجهزة الأمنية المصرية. الهدف الحقيقي للسفريات كان الحصول في الدورات التدريبية التي تنظم، على أحدث أساليب عمليات حشد الجماهير للتظاهر وطبع اللافتات والشعارات وتوزيع المنظمين داخل التظاهرات حتى يتسنى دفعها إلى التواجه مع قوات الأمن وكيفية تسخين المظاهرات والاعتصامات حتى تقود إلى صدامات يجب تسجيلها وتوثيقها ليتم استخدامها إعلاميا.
ممر العواصم
وأدلى الموظفون المستقيلون بأسماء مسؤولين من الخارج كانوا يعقدون لقاءات مع مصريين في عواصم أوروبية وخاصة أثينا وروما وباريس ومدريد، وذكروا إن المسؤولين فى المنظمات الأمريكية المتورطة فى القضية، كانوا يعرضون ملخصاً للتقارير المنجزة في مصر ونشاط تنظيماتهم على مسؤولين فى السفارة الأمريكية بالقاهرة رغم تنافى ذلك مع معايير عمل منظمات المجتمع المدنى الغير حكومية، لأنها يجب أن تكون مستقلة عن الدولة التى تتبعها أو الموجود بها المركز الرئيسى وإلا كان ذلك اختراقا مباشراً للشؤون الداخلية فى مصر.
المستشاران سامح أبوزيد وأشرف العشماوى صرحا للإعلام أن المنظمات الأجنبية محل الاتهام ليست جمعيات أو مؤسسات أهلية بل هى منظمات دولية، مراكزها الرئيسية فى دول أجنبية خارج مصر ولها العديد من الفروع على مستوى دول العالم، وإن التحقيقات أثبتت أن ما قامت به هذه المنظمات على أرض مصر من خلال الفروع التى افتتحتها وأدارتها دون ترخيص من الحكومة المصرية هو نشاط سياسى بحت لا صلة له بالعمل الأهلى.
وأضاف القاضيان أن أقوال الشهود وإقرارات المتهمين جاءت أيضا لتدل على عدم احترام المتهمين الأجانب العاملين فى تلك المنظمات للقوانين المصرية المنظمة للإقامة والعمل فى مصر لأنهم كانوا يعملون بتأشيرات سياحية. كما خالفوا قوانين الضرائب بعدم تسجيل النشاط وعدم تسديد ضرائب عما يتقاضاه العاملون فيها من رواتب ومكافآت. وأشارا إلى أن من بين الأدلة التى أسفر عنها تفتيش مقار تلك المنظمات وجود ملايين الدولارات والجنيهات فى بعض المعاهد بالإضافة إلى حوالات وكعوب شيكات بملايين الجنيهات لأشخاص بأسماء ثنائية مصريين وأجانب.
وقد أكدت التحريات أن التمويل الأجنبى اتخذ بعدا جديدا عقب أحداث 25 يناير 2011، وكان يهدف إلى التأثير على توجيه العملية السياسية فى مصر.
وأعلن القاضيان أن هناك أجزاء من التحقيقات تم فصلها فى تلك القضية نظرا لوجود وقائع أخرى يجرى التحقيق فيها ومتورط فيها عدد من المصريين.
مصادر موثوقة أفادت أن هناك أدلة على عمليات تهريب أسلحة ومسلحين وأجهزة تجسس وتواصل عبر الأقمار الصناعية.
كما تبين أن مؤسسة «آفاز» العالمية التي لها مكاتب رئيسية في واشنطن ولندن زودت عددا من المصريين بمعدات بث فضائية وهواتف تمكنهم من إختراق أي حظر أو قطع إتصال قد تقوم بها السلطات. وقام تقنيون في مؤسسات أمنية غربية بتحوير وتزوير مشاهد عن مظاهرات ومواجهات لتستخدم في وسائل إعلام فاق عددها يوميا 600، بعض المشاهد تم كذلك استكمالها في استديوهات ومواقع تصوير موجودة في عدة مناطق من العالم بينها فلسطين المحتلة.
مصادر ألمانية أشارت إلى أن المعدات الحديثة جدا التي جري الحديث عنها تكلف ملايين الدولارات ولا توجد إلا في حوزة أجهزة الاستخبارات والأمن الغربية وليست متوفرة في الأسواق، وهذا ما يفرض تعونا وتنسيقا بين تلك الأطراف.
الطابور الخامس
يوم 8 مارس 2012 أضافت وثيقة جديدة لموقع «لويكيليكس» الذي نشر مئات آلاف الوثائق السرية الأمريكية، دليلا جديدا للكيفية التي تستخدم بها واشنطن منظمات تدعي الاستقلال عن الحكومات لخرق سيادة الدول. الوثيقة كشفت عن تمويل أجنبي تلقاه المركز المصري لحقوق المرأة الذي ترأس مجلس إدارته المحامية نهاد أبو القمصان. وأفادت الوثيقة أن التمويل جاء من الاتحاد الأوروبي، علاوة على ما يسمى مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، إضافة إلى تمويلات من مؤسسات خاصة وتمويلات من الخارجية الإيطالية.
البرقية التي وقعها المسؤول السياسي بالسفارة سنة 2009 ديفد برنز قالت إن نهاد أبو القمصان مرشحة هي السفارة لجائزة «الشجاعة النسائية العالمية» لعام 2010 والتي تقدمها الخارجية كل عام.
الحرب الاقتصادية
مصادر رصد غربية وشرقية تشير إلى أنه بعد تقلص القدرة الأمريكية على زعزعة الاستقرار الداخلي في مصر، وتيقظ الجماهير إلى حجم الأخطار التي تواجه بلادهم، تركز ثقل الابتزاز الأمريكي على الجانب الإقتصادي. فزيادة على الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد المصري منذ يناير 2011 والتي فاقت حسب بعض التقديرات 46 مليار دولار، لم تتلق مصر منذ أكتوبر 2010 أي مساعدات من الولايات المتحدة، بالاضافة إلى أن واشنطن تضغط أو تحرض بعض الدول المانحة لمصر على تجميد تعاونها، وتشجع الدول والشركات الكبرى التي لها مصالح أو إرتباطات واسعة مع الولايات المتحدة على عدم شراء السلع المصرية أو تقديم تسهيلات إئتمانية للشركات والمؤسسات المصرية العامة والخاصة.
يوم فاتح مارس 2012 نقلت وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ» عن وزير المالية المصري ممتاز السعيد وصفه تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بشأن التزام الرياض بدعم مصر بنحو 3750 مليون دولار بأنها مجرد «تصريحات دبلوماسية» عن اتجاه مستقبلي لم يرق إلى التنفيذ حتى الآن.
وأكد ممتاز السعيد إن الوزارة لم تتلق مساعدات أو شيكات من السعودية بخلاف المنحة التي بادرت الرياض بتحويلها بقيمة 500 مليون دولار لدعم الميزانية، في مايو 2011.
وأضاف أن الحكومة «ترحب بجميع المساعدات من الدول العربية الشقيقة والصديقة طالما كانت غير مشروطة»، لكنه أشار إلى «عدم تفعيل هذه المساعدات التي وعدت بها الدول لدعم الاقتصاد المصري في ظل الأزمة الراهنة».
من جانبه صرح رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري «ان وعود المساعدات المالية لمصر سواء عربية او غربية لم يتحقق منها شيء».
في أعقاب ذلك أكد وزير الخارجية السعودي ان بلاده ملتزمة بتقديم كامل حزمة المساعدات المالية التي تعهدت بها لدعم مصر.
ضرب القوات المسلحة
حجب المعونة الأمريكية يمس في المقام الأول الجيش المصري وقدراته على الإبقاء على جاهزيته. الساسة الأمريكيون يتلاعبون ويناورون فيما يخص إستئناف ضخ الأموال ويؤكدون أنه قادمة قريبا. فمثلا اعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 16 مارس 2012 ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد تتخذ قرارا «خلال الأيام المقبلة» بشان التأكيد على التقدم الحاصل في مصر في اتجاه ما تسميه «الديموقراطية»، وهي خطوة لازمة للاستمرار في تقديم المساعدات.
بموجب قانون جديد، على هيلاري كلينتون «التأكيد» رسميا أمام نواب الكونغرس على التقدم الذي تحرزه مصر على صعيد بعض المعايير التي تصنفها واشنطن بالديموقراطية في سبيل الافراج عن المساعدات.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند «لم يتخذ أي قرار حتى اللحظة»، واشارت إلى ان كلينتون وفريقها يجرون مشاورات مع اعضاء في الكونغرس ومع مصريين من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى مراكز فكرية ومنظمات غير حكومية أمريكية. تعقيبا صرح أحد كبار المسؤولين الأمريكيين: «لقد أتى الأمر مبكرا عما كان يريده البعض».
غير أن مسؤولين نافذين داخل الإدارة الأمريكية يؤكدون ضرورة تأجيل هذا الأمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2012. خطورة الأمر هو أن مصر تواجه في غضون شهري أبريل ومايو 2012 فرضية التخلف عن سداد عقود دفاع، أكثرها مبرم مع شركات أمريكية مصنعة للسلاح.
موازاة مع عملية الخنق الإقتصادية سجلت عد تحركات موجهة كذلك نحو حشد زخم لمنع تزود القاهرة بالمعدات العسكرية، وهكذا حذرت منظمة العفو الدولية يوم 15 مارس 2012 من تسلم مصر شحنة أسلحة بدعوى إمكانية استخدام السلطات المصرية هذه الأسلحة ضد متظاهرين.
القاهرة نفت أن تكون شحنة الأسلحة الموجودة على متن سفينة متوجهة إلى قناة السويس تعود لها. ونفى الملحق العسكري في السفارة المصرية في واشنطن اللواء محمد الكشكي أن تكون الأسلحة موجهة إلى بلاده، مشددا على أنها ملك «دولة آسيوية» تصلها عبر قناة السويس.
وأوضحت مصادر مصرية أن السفينة وتدعى «أم في سيبر سغراشت» وترفع علم هولندا غادرت مرفأ أمريكيا عسكريا في ولاية كارولاينا الجنوبية متجهة إلى بور سعيد شمال مصر وعلى متنها «حمولة من الأسلحة والذخائر وأجهزة التفجير في إتجاه دولة آسيوية».
التمزيق
الضغط الاقتصادي ليس سوى أحد جوانب الحملة.
منذ بداية سنة 2012 سجل تركيز على نشر عوامل الفتنة الطائفية والمناطقية والفئوية، زيادة على دعوات مفتوحة لتطبيق النظام الفدرالي، ليس بالمقاييس والمفاهيم الألمانية أو الأمريكية بل بمقاييس تسمح بتمزيق وحدة الدولة.
بتكليف من عدة مؤسسات أمريكية حكومية وخاصة، قام المؤرخ «برنارد لويس» الذي ولد في لندن سنة 1916 وهو مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة، صهيوني الانتماء وأمريكي الجنسية، تخرج في جامعة لندن سنة 1936 وعمل مدرسا للدراسات الشرقية الافريقية، بوضع مخططه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الترابية لمجموعة من الدول العربية والإسلامية، وذلك بدعوى ضمان أكبر استقرار وإزدهار لدول المنطقة وتطورها نحو النظم الديمقراطية، مبررا موقفه بأن عملية رسم حدود تلك الدول لم تقم على أسس موضوعية تراعي مصالح الشعوب.
من الدول التي ركز عليها المؤرخ وأستاذ الدراسات الشرقية الافريقية بجامعة لندن، العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج وأقطار فيشمال أفريقيا.
وللتذكير فإن لويس ألف حوالي 20 كتابا عن الشرق الأوسط من بينها «العرب في التاريخ» و»الصدام بين الاسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث» و»أزمة الاسلام» و»حرب مندسة وإرهاب غير مقدس».
وقد كرمه «ديك تشيني» نائب الرئيس السابق بوش الإبن في مجلس الشؤون العالمية في فيلادلفيا حيث ذكر تشيني ان لويس جاء ليكون مستشاراً لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط.
فيما يخص مصر نصح لويس بتقسيم مصر إلى أربع دويلات هي:
- دويلة سيناء شرق الدلتا.
- الدويلة القبطية وعاصمتها الاسكندرية، تمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط.
- دويلة النوبة، المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية وعاصمتها أسوان.
- دويلة مصر الاسلامية وعاصمتها القاهرة وتضم الجزء المتبقي من مصر.
الأطماع في سيناء
في عددها الأسبوعي الثاني لشهر مارس 2012 نشرت مجلة «تايم» الامريكية تحقيقاً يركز على أن بدو شبه جزيرة سيناء يستنجدون بتدخل أمريكي لحمايتهم.
جاء في التحقيق وفي إشارة إلى قضية المنظمات الأمريكية: «بعد أقل من بضعة أسابيع على القرار بشأن واحدة من أكثر الأزمات جدية في العلاقات الأمريكية المصرية منذ عقود قد يضطر المسؤولون الأمريكيون للتعامل مع أزمة أخرى.
إن البدو وهم تاريخيا قبائل متنقلة يعتبرون انفسهم مختلفين عن المصريين في البر الرئيسي، يشكون من معدلات البطالة المرتفعة، والتمييز المؤسساتي والبنية التحتية الضعيفة. قال مسعد أبو فجر، وهو ناشط ومدون بدوي بارز: «ليست هناك دولة على الإطلاق في سيناء، ليس هناك أي ملامح للدولة في سيناء، باستثناء الخدمات الاستخباراتية».
وفي معظم اللقاءات التي اجرتها مجلة «تايم» مع البدو حملوا احتجاجاتهم لعرضها على المجتمع الدولي. ويقول ابو فجر «يريدون ان تصل شكواهم الى العالم أجمع لأن الحكومة المصرية ليست كفؤا لايجاد حل لها».
مخاوف إسرائيلية
خلال شهر أكتوبر 2011 ذكر الموقع الأمني الإسرائيلي «تيك ديبكا» أن العميد في جيش الاحتياط ورئيس المجلس القومي الإسرائيلي السابق عوزي ديان دعا إلى القيام بعملية عسكرية داخل سيناء، بحجة أنه آن الأوان لاسترداد الجيش قدرته على العمل في تلك المنطقة وصياغة واقع ملائم لمصالح إسرائيل.
الموقع أشار إلى اجتماع عقده قائد هيئة الأركان العسكرية بيني غانتس مع ضباط هيئة الأركان لبحث الوضع في جنوب إسرائيل، والمناطق المحاذية لمصر.
يشار إلى أن مخططين صهاينة كانو قد اعتبروا أن تحويل سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين خاصة من غزة هو أحد الحلول التي يجب التعامل معها بجدية أكبر دون انتظار لتطورات مستقبلية خاصة بعجز قطاع غزة عن إستيعاب مزيد من السكان نتيجة للنمو الديمغرافي.
تقرير إسرائيلي آخر أعده مركز فرانكلين بيغين سنة 2011 تحدث عن تصاعد قلق الأوساط العسكرية والسياسية والاقتصادية الصهيونية من الاهتمام المصري المتنامي خاصة منذ سنة 2004 بسيناء وإنعكاسه على الاستثمارات المصرية التي تدفقت على شبه الجزيرة الصحراوية، مما يؤسس لقيام مجتمعات حديثة في شبه الجزيرة ستكون محاور ارتكاز سكاني في المنطقة مستقبلاً.
وقد حذر عدد من المسؤولين الصهاينة من أن نجاح القاهرة في تشجيع الانتقال الطوعي للسكان من سهل وادي النيل إلى سيناء سيلغي الفراغ الذي طالما استفادت منه تل أبيب، وسيثبت للمصريين المتمسكين بالعيش قرب مجرى نهر النيل أنه يمكنهم توفير حياة رغيدة بعيدا عن مناطق تركزهم المعتادة.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ذكرت كذلك أن تضخم سكان سيناء إلى خمسة ملايين مع نهاية سنة 2018 كما يأمل مخططو مشاريع التنمية سيشكل خطرا كبيرا على إسرائيل.
ويكشف التقرير أن إسرائيل عرضت منذ سنوات على الرئيس المصري حسني مبارك ضخ استثمارات في وسط وشمال سيناء لإيجاد رصيد لصالح تل أبيب، إلا أن ذلك قوبل بالرفض ليس من الحكومة المصرية فقط بل من شخصيات ومستثمرين مصريين موجودين في المنطقة.
مشروع الوطن البديل
في منتصف شهر يناير 2011 نشر مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية في تل أبيب، تقريرا لمستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق، اللواء احتياط كيؤرا أيلاند، عرض فيه مشروعا إسرائيليا لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى إطار دراسة أعدها نشرت فى 37 صفحة من القطع الكبير بعنوان: «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين».
جاء في التقرير «نجحت إسرائيل بجهود سرية خاصة فى إقناع الولايات المتحدة بالضغط على مصر والأردن للاشتراك فى حل إقليمى للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة.
كانت عملية الانسحاب الأحادى من غزة عام 2005 هى الخطوة الأولى فى هذا الاتجاه. وبمجىء الرئيس اوباما آن الأوان لتنفيذ الخطوة التالية فى المشروع، غير أن مسؤولا رفيعا ومؤثرا فى الإدارة الأمريكية سبق أن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلى، قال للمسؤولين فى تل أبيب: «انتظروا عندما يأتى خلف مبارك».
وأكد اللواء أيلاند، وهو أحد صناع القرار المؤثرين فى إسرائيل، عند عرض مشروع التسوية المقترح، على أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، ولكنه مسؤولية 22 دولة عربية أيضا.
وأوضح أيلاند أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام «تلك» المساحة الضيقة من الأراضى مع الفلسطينيين لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلى فى مقتل من ناحية، ويتجاهل الواقع فى الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذى يحول دون إخلاء 290 ألف مستوطن من «بيوتهم» لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجى، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التى تمثلها الضفة بالنسبة للشعب الإسرائيلى.
الدولة القبطية
يوم 7 مايو 2011 وبتأييد وتحريض من منظمات أمريكية دينية وسياسية طالب العشرات من الاقباط الذين تجمعوا امام السفارة الامريكية بالقاهرة بتدخل اجنبي لحمايتهم، بدعوى أن الجيش وجهاز الأمن فشل في حمايتهم.
بابا الكنيسة القبطية شنودة الثالث الذي وافته المنية يوم السبت 17 مارس 2012، رفض في حينها ومعه غالبية الأقباط دعوات الحماية الدولية أو دعوات الانفصال.
رغم ذلك وخلال شهر أغسطس 2011 نشرت عدة وسائل إعلامية أمريكية بتوسع خبر إعلان قيام «دولة الأقباط المستقلة فى مصر» وكان ذلك فى نفس يوم الإعلان الرسمى لقيام دولة جنوب السودان بعد انفصالها عن الشمال، وذكرت صحيفة الوفد المصرية التي نقلت بدورها الخبر أنه قد تم «انتخاب» بعض الأشخاص مؤسسين لهذه الدولة القبطية وذكرت أربعة أسماء منهم المستشار موريس صادق، الذى أسقطت الحكومة المصرية عنه الجنسية المصرية قبلها ببضعة أسابيع. هذا الشخص اعتاد إرسال مئات الرسائل الإلكترونية على مدى حوالى العامين تحمل «أخبارا» و»أفكارا» وصورا وآراء مليئة بالتناقضات والاتهامات والشتائم والبذاءات الفكرية والعنصرية ضد المسلمين بشكل عام وضد الإسلام نفسه، ثم انضم إلى القس الأمريكي المتطرف تيرى جونز الذى حرق نسخا من القرآن الكريم في مكان عام بكنيسة بولاية فلوريدا، وراح يسير معه فى مظاهرات فى بعض المدن الأمريكية واصفا نفسه بأنه من «زعماء الأقباط». ثم أخذ فى رسائله التالية يصب المديح والثناء على دولة إسرائيل وزعمائها وسياساتها مؤكدا أنها ضامن الاستقرار في المنطقة.
ويشار أنه قبل 25 يناير 2011 كان دائم الهجوم على الرئيس مبارك ونظامه. ويذكر الملاحظون أن رسائله تحمل دائما إسم الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية وهي المؤسسة التي أسسها بمساعدة أمريكية شبه رسمية. وقبل هذا وبعده سجل أن رسائله حثت على تقسيم مصر وطلب الحماية الدولية لأقباط مصر، وأحيانا إلى طلب فرض الوصاية الدولية على مصر.
وكثيرا ما كان يعود فى خطابه إلى عصر عمرو بن العاص، ليقول أن مصر محتلة من جانب المسلمين. الواقع أن هذا هو نموذج للفكر الأصولى الذى يصر دائما على العودة إلى الماضى السحيق مقيما فى أجوائه وأزمنته محاولا ان يلوى عنق التاريخ مغيرا مساره لكى يجئ على هوى أوهامه المتعصبة طائفيا أو دينيا.
الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية تقوم حاليا على نقل المعركة إلى أرض العدو ليس بالضرورة عبر الأسلحة التقليدية أو حتى النووية. الاختراق الآن يتم من خلال حروب الطابور الخامس ومخططات أجهزة الإستخبارات لتدمير الدول من الداخل وإنهاكها في إضطرابات وحروب أهلية داخلية مما يؤدي إلى ضعفها وإفلاسها ومن ثم يمكن تفكيكها. هذا ما يظهر على أرض الواقع من تدمير المنطقة لخلق واقع سايكس بيكو جديد. الحقيقة هي أن جيل هذه الأمة العربية الإسلامية قد حكم عليه وربما دون إرادته، أن يخوض حربا على الهوية الوطنية، على الشعور بوحدة الانتماء إلى الأرض والتاريخ المشترك. إنها حرب على المستقبل.
في هذا القطر تستهدف طائفة، وفي قطر آخر تستهدف الدين. وفي كل الحالات هي تستهدف وحدة الشعب في كل بلد عربي، من العراق إلى المغرب وموريتانيا، ومن البحرين إلى اليمن والسودان والصومال، والبقية تأتي.[/FONT]
[/FONT]
[FONT=Times New Roman,Times,serif][/FONT]
[FONT=Times New Roman,Times,serif]عملية شد الحبل الأخيرة بين القاهرة وواشنطن لم تنته رغم السماح يوم 29 فبراير لحوالي 16 متهما أمريكيا وغربيا في قضية التمويل غير الشرعي لمنظمات غير حكومية بمصر بمغادرة البلاد قبل صدور الأحكام القضائية والبت سواء بتجريمهم أو تبرئتهم.
إذا كان الرأي العام المصري يواصل التفاعل مع القضية، فإن الدوائر السياسية في واشنطن تسعى لمعاقبة الأطراف التي ترى أنها تجرأت على محاسبة المؤسسات الأمريكية والتي وضعت بهذا السلوك وغيره حجر عثرة أمام المخططات الموضوعة في دوائر القرار بالعاصمة الأمريكية لركوب حركة التحول في مصر، وتحويلها إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقة حسب قاموس المحافظين الجدد.
لتسقط المعونة
يوم الجمعة 16 مارس 2012 إقتحم متظاهرون، حواجز أسمنتية تحيط بمقر السفارة الأمريكية بحي «غاردن سيتي» المجاور لميدان التحرير وسط القاهرة وطالبوا بطرد السفيرة آن باترسون.
وردد المتظاهرون، هتافات «واحد إتنين.. المتهمين راحو فين» و»تسقط المعونة الأمريكية»، مطالبين بطرد باترسون وبقطع العلاقات مع أمريكا، إحتجاجا على «التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لمصر»، وبإعادة إعتقال الأمريكيين المتهمين قضية إدارة منظمات غير حكومية وتلقي أموال من الخارج والقيام بأنشطة سياسية غير مرتبطة بعمل المجتمع المدني وعدم الحصول على التصاريح اللازمة من السلطات المصرية واستئناف محاكمتهم.
وكان المتهمون الستة عشر ومن بينهم نجل وزير النقل الأمريكي قد غادروا القاهرة بعد أن دفع كل منهم مبلغ مليوني جنيه «حوالي330 ألف دولار» على سبيل الكفالة على ذمة القضية، حتى يصدر قرار من النائب العام المصري بالسماح لهم بمغادرة البلاد.
وتسبَبت القضية المتهم فيها 19 أمريكيا وغربيا «كان ثلاثة منهم خارج مصر»، من بين 43 متهما مصريا وأجنبيا في توتر العلاقات المصرية الأمريكية، بخاصة بعد تهديد نواب بارزين فيالكونغرس الأمريكي بقطع المعونة السنوية عن مصر والتي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
في غضون ذلك سعت نانسي بيلوسي عضو مجلس النواب الامريكي إلى التخفيف من شأن الخلاف مع مصر واعتبرته «حجر عثرة عابر في الطريق» لا ينبغي أن يعوق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وقالت بيلوسي التي كانت تزور مصر عند وقوع المظاهرة على رأس وفد يضم اربعة مشرعين آخرين إن الولايات المتحدة ستواصل دعم مصر ما دامت المساعدات تدعم استقرار البلاد، «وايا كان موضوع المنظمات الحقوقية فإنه لا يجب ان يكون عقبة امام الامكانيات المستقبلية بين البلدين».
المعروف أنه من بين المنظمات المتهمة مؤسسة فريدوم هاوس، وإنترناشيونال ريبابليكان إنستيتيوت، وناشيونال ديموكراتيك إنستيتيوت.
وذكرت بيلوسي للصحفيين عقب محادثات مع مسؤولين مصريين «لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الشعب المصري ونريد دعم نجاحه. لا نريدها ان تقف مشكلة المنظمات في طريق ذلك».
واضافت بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب «قوة واستقرار مصر يخدمان مصلحتها ومصلحة المناطق المحيطة بها وكذلك الولايات المتحدة. ما دامت تلك المساعدات تدعم هذا سنواصل تقديمها بالتأكيد».
وقال المشرعون الامريكيون إن الولايات المتحدة تؤيد مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 3200 مليون دولار بعد أزمة سياسية واقتصادية على مدى عام.
نفاق دبلوماسي
ملاحظون أشاروا إلى أن جزء من تصريحات بيلوسي ليس أكثر من نفاق دبلوماسي، لأن هناك الكثير من المعطيات التي تثبت أن واشنطن تعمل بجد على زعزعة استقرار مصر، وأن مسؤولين في أجهزة أمنية وعسكرية أمريكية وإسرائيلية شاركوا شخصيا أو شجعوا في عمليات التخريب وإثارة الشغب وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة منذ بدء الأزمة في 25 يناير 2011.
وقد ذكرت مصادر مصرية مطلعة ان التحقيقات مع المتهمين بقضية التمويل الاجنبي تشير الى علاقات لتلك المنظمات وتشكيلات فلسطينية وعربية أهلية مشابهة. واوضحت المصادر ان شخصيات مصرية وفلسطينية وعربية شكلت محورا مركزيا في تمويل الهيئات والمنظمات المذكورة، كما أثبتت التحقيقات أن هناك روابط مع مؤسسات محسوبة على أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي، أو شركات الأمن الخاصة من أمثال «بلاك ووترز» التي بدلت أسمها إلى «خدمات أكسي».
وكانت التحقيقات وتحريات المخابرات العامة والأمن الوطنى المصري فى القضية المعروفة بـ»التمويل الأجنبى» قد كشفت للإعام عن مفاجئات، من بينها أن 7 موظفين فى المنظمات تقدموا باستقالات متوازية بعد بدء الأمن المصري مداهمة مقرات المنظمات الموصوفة بغير الحكومية، وقد ذكر هؤلاء أمام جهات التحقيق إنهم اكتشفوا أن بعض المنظمات كانت تقوم بتصرفات مريبة، لا تتفق مع معايير عمل منظمات المجتمع المدنى. وذكروا إنهم أجروا مثلا «استطلاعات رأى»، وصفوها بـ»الغريبة وذات طابع تجسسي»، كما أقروا إنهم أرسلوا تقارير سرية إلى مراكز رئيسة فى واشنطن والسفارة الأمريكية بالقاهرة.
واعترف المتهمون، فى التحقيقات، التى أجراها المستشاران سامح أبوزيد وأشرف العشماوى قاضيا التحقيق، بأن تلك الوقائع كانت فى تكليفات من المركز الرئيسى، ولا علاقة لهم بنتائجها، وكشفت التحقيقات عن تلقى عدد كبير من الأحزاب التى تم إنشاؤها بعد أحداث 25 يناير2011 دعما من المنظمات.
الدعم لمن ؟
التحقيقات أفادت كذلك أن المنظمات المتورطة كان من ضمن أهدافها الأساسية دعم عدد كبير من الأحزاب السياسية التى تم إنشاؤها حديثا. وأفادت تحريات جهاز الأمن الوطنى والمخابرات العامة واعتراف المتهمين أنفسهم بأنه تم عقد مئات الدورات التدريبية لممثلى أحزاب على كيفية حشد ناخبين لصالحهم فى الانتخابات البرلمانية، خاصة فى المناطق الشعبية وجمع الأصوات وتحسين صورتهم وصورة أحزابهم أمام الإعلام فى مصر والخارج، وكيفية التواصل مع الوسائل الإعلامية، وفى سبيل ذلك أحضرت تلك المنظمات مدربين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هؤلاء دخلوا إلى البلاد بتأشيرات سياحية. تبين كذلك أن بعض ممثلى الأحزاب تم تسفيرهم إلى دول أوروبية أو الولايات المتحدة تحت غطاء تبريرات كثيرة مثل الزيارات العائلية أو العلاج إلى غير ذلك حتى لا تشك في أمرهم الأجهزة الأمنية المصرية. الهدف الحقيقي للسفريات كان الحصول في الدورات التدريبية التي تنظم، على أحدث أساليب عمليات حشد الجماهير للتظاهر وطبع اللافتات والشعارات وتوزيع المنظمين داخل التظاهرات حتى يتسنى دفعها إلى التواجه مع قوات الأمن وكيفية تسخين المظاهرات والاعتصامات حتى تقود إلى صدامات يجب تسجيلها وتوثيقها ليتم استخدامها إعلاميا.
ممر العواصم
وأدلى الموظفون المستقيلون بأسماء مسؤولين من الخارج كانوا يعقدون لقاءات مع مصريين في عواصم أوروبية وخاصة أثينا وروما وباريس ومدريد، وذكروا إن المسؤولين فى المنظمات الأمريكية المتورطة فى القضية، كانوا يعرضون ملخصاً للتقارير المنجزة في مصر ونشاط تنظيماتهم على مسؤولين فى السفارة الأمريكية بالقاهرة رغم تنافى ذلك مع معايير عمل منظمات المجتمع المدنى الغير حكومية، لأنها يجب أن تكون مستقلة عن الدولة التى تتبعها أو الموجود بها المركز الرئيسى وإلا كان ذلك اختراقا مباشراً للشؤون الداخلية فى مصر.
المستشاران سامح أبوزيد وأشرف العشماوى صرحا للإعلام أن المنظمات الأجنبية محل الاتهام ليست جمعيات أو مؤسسات أهلية بل هى منظمات دولية، مراكزها الرئيسية فى دول أجنبية خارج مصر ولها العديد من الفروع على مستوى دول العالم، وإن التحقيقات أثبتت أن ما قامت به هذه المنظمات على أرض مصر من خلال الفروع التى افتتحتها وأدارتها دون ترخيص من الحكومة المصرية هو نشاط سياسى بحت لا صلة له بالعمل الأهلى.
وأضاف القاضيان أن أقوال الشهود وإقرارات المتهمين جاءت أيضا لتدل على عدم احترام المتهمين الأجانب العاملين فى تلك المنظمات للقوانين المصرية المنظمة للإقامة والعمل فى مصر لأنهم كانوا يعملون بتأشيرات سياحية. كما خالفوا قوانين الضرائب بعدم تسجيل النشاط وعدم تسديد ضرائب عما يتقاضاه العاملون فيها من رواتب ومكافآت. وأشارا إلى أن من بين الأدلة التى أسفر عنها تفتيش مقار تلك المنظمات وجود ملايين الدولارات والجنيهات فى بعض المعاهد بالإضافة إلى حوالات وكعوب شيكات بملايين الجنيهات لأشخاص بأسماء ثنائية مصريين وأجانب.
وقد أكدت التحريات أن التمويل الأجنبى اتخذ بعدا جديدا عقب أحداث 25 يناير 2011، وكان يهدف إلى التأثير على توجيه العملية السياسية فى مصر.
وأعلن القاضيان أن هناك أجزاء من التحقيقات تم فصلها فى تلك القضية نظرا لوجود وقائع أخرى يجرى التحقيق فيها ومتورط فيها عدد من المصريين.
مصادر موثوقة أفادت أن هناك أدلة على عمليات تهريب أسلحة ومسلحين وأجهزة تجسس وتواصل عبر الأقمار الصناعية.
كما تبين أن مؤسسة «آفاز» العالمية التي لها مكاتب رئيسية في واشنطن ولندن زودت عددا من المصريين بمعدات بث فضائية وهواتف تمكنهم من إختراق أي حظر أو قطع إتصال قد تقوم بها السلطات. وقام تقنيون في مؤسسات أمنية غربية بتحوير وتزوير مشاهد عن مظاهرات ومواجهات لتستخدم في وسائل إعلام فاق عددها يوميا 600، بعض المشاهد تم كذلك استكمالها في استديوهات ومواقع تصوير موجودة في عدة مناطق من العالم بينها فلسطين المحتلة.
مصادر ألمانية أشارت إلى أن المعدات الحديثة جدا التي جري الحديث عنها تكلف ملايين الدولارات ولا توجد إلا في حوزة أجهزة الاستخبارات والأمن الغربية وليست متوفرة في الأسواق، وهذا ما يفرض تعونا وتنسيقا بين تلك الأطراف.
الطابور الخامس
يوم 8 مارس 2012 أضافت وثيقة جديدة لموقع «لويكيليكس» الذي نشر مئات آلاف الوثائق السرية الأمريكية، دليلا جديدا للكيفية التي تستخدم بها واشنطن منظمات تدعي الاستقلال عن الحكومات لخرق سيادة الدول. الوثيقة كشفت عن تمويل أجنبي تلقاه المركز المصري لحقوق المرأة الذي ترأس مجلس إدارته المحامية نهاد أبو القمصان. وأفادت الوثيقة أن التمويل جاء من الاتحاد الأوروبي، علاوة على ما يسمى مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، إضافة إلى تمويلات من مؤسسات خاصة وتمويلات من الخارجية الإيطالية.
البرقية التي وقعها المسؤول السياسي بالسفارة سنة 2009 ديفد برنز قالت إن نهاد أبو القمصان مرشحة هي السفارة لجائزة «الشجاعة النسائية العالمية» لعام 2010 والتي تقدمها الخارجية كل عام.
الحرب الاقتصادية
مصادر رصد غربية وشرقية تشير إلى أنه بعد تقلص القدرة الأمريكية على زعزعة الاستقرار الداخلي في مصر، وتيقظ الجماهير إلى حجم الأخطار التي تواجه بلادهم، تركز ثقل الابتزاز الأمريكي على الجانب الإقتصادي. فزيادة على الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد المصري منذ يناير 2011 والتي فاقت حسب بعض التقديرات 46 مليار دولار، لم تتلق مصر منذ أكتوبر 2010 أي مساعدات من الولايات المتحدة، بالاضافة إلى أن واشنطن تضغط أو تحرض بعض الدول المانحة لمصر على تجميد تعاونها، وتشجع الدول والشركات الكبرى التي لها مصالح أو إرتباطات واسعة مع الولايات المتحدة على عدم شراء السلع المصرية أو تقديم تسهيلات إئتمانية للشركات والمؤسسات المصرية العامة والخاصة.
يوم فاتح مارس 2012 نقلت وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ» عن وزير المالية المصري ممتاز السعيد وصفه تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بشأن التزام الرياض بدعم مصر بنحو 3750 مليون دولار بأنها مجرد «تصريحات دبلوماسية» عن اتجاه مستقبلي لم يرق إلى التنفيذ حتى الآن.
وأكد ممتاز السعيد إن الوزارة لم تتلق مساعدات أو شيكات من السعودية بخلاف المنحة التي بادرت الرياض بتحويلها بقيمة 500 مليون دولار لدعم الميزانية، في مايو 2011.
وأضاف أن الحكومة «ترحب بجميع المساعدات من الدول العربية الشقيقة والصديقة طالما كانت غير مشروطة»، لكنه أشار إلى «عدم تفعيل هذه المساعدات التي وعدت بها الدول لدعم الاقتصاد المصري في ظل الأزمة الراهنة».
من جانبه صرح رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري «ان وعود المساعدات المالية لمصر سواء عربية او غربية لم يتحقق منها شيء».
في أعقاب ذلك أكد وزير الخارجية السعودي ان بلاده ملتزمة بتقديم كامل حزمة المساعدات المالية التي تعهدت بها لدعم مصر.
ضرب القوات المسلحة
حجب المعونة الأمريكية يمس في المقام الأول الجيش المصري وقدراته على الإبقاء على جاهزيته. الساسة الأمريكيون يتلاعبون ويناورون فيما يخص إستئناف ضخ الأموال ويؤكدون أنه قادمة قريبا. فمثلا اعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 16 مارس 2012 ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد تتخذ قرارا «خلال الأيام المقبلة» بشان التأكيد على التقدم الحاصل في مصر في اتجاه ما تسميه «الديموقراطية»، وهي خطوة لازمة للاستمرار في تقديم المساعدات.
بموجب قانون جديد، على هيلاري كلينتون «التأكيد» رسميا أمام نواب الكونغرس على التقدم الذي تحرزه مصر على صعيد بعض المعايير التي تصنفها واشنطن بالديموقراطية في سبيل الافراج عن المساعدات.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند «لم يتخذ أي قرار حتى اللحظة»، واشارت إلى ان كلينتون وفريقها يجرون مشاورات مع اعضاء في الكونغرس ومع مصريين من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى مراكز فكرية ومنظمات غير حكومية أمريكية. تعقيبا صرح أحد كبار المسؤولين الأمريكيين: «لقد أتى الأمر مبكرا عما كان يريده البعض».
غير أن مسؤولين نافذين داخل الإدارة الأمريكية يؤكدون ضرورة تأجيل هذا الأمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2012. خطورة الأمر هو أن مصر تواجه في غضون شهري أبريل ومايو 2012 فرضية التخلف عن سداد عقود دفاع، أكثرها مبرم مع شركات أمريكية مصنعة للسلاح.
موازاة مع عملية الخنق الإقتصادية سجلت عد تحركات موجهة كذلك نحو حشد زخم لمنع تزود القاهرة بالمعدات العسكرية، وهكذا حذرت منظمة العفو الدولية يوم 15 مارس 2012 من تسلم مصر شحنة أسلحة بدعوى إمكانية استخدام السلطات المصرية هذه الأسلحة ضد متظاهرين.
القاهرة نفت أن تكون شحنة الأسلحة الموجودة على متن سفينة متوجهة إلى قناة السويس تعود لها. ونفى الملحق العسكري في السفارة المصرية في واشنطن اللواء محمد الكشكي أن تكون الأسلحة موجهة إلى بلاده، مشددا على أنها ملك «دولة آسيوية» تصلها عبر قناة السويس.
وأوضحت مصادر مصرية أن السفينة وتدعى «أم في سيبر سغراشت» وترفع علم هولندا غادرت مرفأ أمريكيا عسكريا في ولاية كارولاينا الجنوبية متجهة إلى بور سعيد شمال مصر وعلى متنها «حمولة من الأسلحة والذخائر وأجهزة التفجير في إتجاه دولة آسيوية».
التمزيق
الضغط الاقتصادي ليس سوى أحد جوانب الحملة.
منذ بداية سنة 2012 سجل تركيز على نشر عوامل الفتنة الطائفية والمناطقية والفئوية، زيادة على دعوات مفتوحة لتطبيق النظام الفدرالي، ليس بالمقاييس والمفاهيم الألمانية أو الأمريكية بل بمقاييس تسمح بتمزيق وحدة الدولة.
بتكليف من عدة مؤسسات أمريكية حكومية وخاصة، قام المؤرخ «برنارد لويس» الذي ولد في لندن سنة 1916 وهو مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة، صهيوني الانتماء وأمريكي الجنسية، تخرج في جامعة لندن سنة 1936 وعمل مدرسا للدراسات الشرقية الافريقية، بوضع مخططه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الترابية لمجموعة من الدول العربية والإسلامية، وذلك بدعوى ضمان أكبر استقرار وإزدهار لدول المنطقة وتطورها نحو النظم الديمقراطية، مبررا موقفه بأن عملية رسم حدود تلك الدول لم تقم على أسس موضوعية تراعي مصالح الشعوب.
من الدول التي ركز عليها المؤرخ وأستاذ الدراسات الشرقية الافريقية بجامعة لندن، العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج وأقطار فيشمال أفريقيا.
وللتذكير فإن لويس ألف حوالي 20 كتابا عن الشرق الأوسط من بينها «العرب في التاريخ» و»الصدام بين الاسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث» و»أزمة الاسلام» و»حرب مندسة وإرهاب غير مقدس».
وقد كرمه «ديك تشيني» نائب الرئيس السابق بوش الإبن في مجلس الشؤون العالمية في فيلادلفيا حيث ذكر تشيني ان لويس جاء ليكون مستشاراً لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط.
فيما يخص مصر نصح لويس بتقسيم مصر إلى أربع دويلات هي:
- دويلة سيناء شرق الدلتا.
- الدويلة القبطية وعاصمتها الاسكندرية، تمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط.
- دويلة النوبة، المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية وعاصمتها أسوان.
- دويلة مصر الاسلامية وعاصمتها القاهرة وتضم الجزء المتبقي من مصر.
الأطماع في سيناء
في عددها الأسبوعي الثاني لشهر مارس 2012 نشرت مجلة «تايم» الامريكية تحقيقاً يركز على أن بدو شبه جزيرة سيناء يستنجدون بتدخل أمريكي لحمايتهم.
جاء في التحقيق وفي إشارة إلى قضية المنظمات الأمريكية: «بعد أقل من بضعة أسابيع على القرار بشأن واحدة من أكثر الأزمات جدية في العلاقات الأمريكية المصرية منذ عقود قد يضطر المسؤولون الأمريكيون للتعامل مع أزمة أخرى.
إن البدو وهم تاريخيا قبائل متنقلة يعتبرون انفسهم مختلفين عن المصريين في البر الرئيسي، يشكون من معدلات البطالة المرتفعة، والتمييز المؤسساتي والبنية التحتية الضعيفة. قال مسعد أبو فجر، وهو ناشط ومدون بدوي بارز: «ليست هناك دولة على الإطلاق في سيناء، ليس هناك أي ملامح للدولة في سيناء، باستثناء الخدمات الاستخباراتية».
وفي معظم اللقاءات التي اجرتها مجلة «تايم» مع البدو حملوا احتجاجاتهم لعرضها على المجتمع الدولي. ويقول ابو فجر «يريدون ان تصل شكواهم الى العالم أجمع لأن الحكومة المصرية ليست كفؤا لايجاد حل لها».
مخاوف إسرائيلية
خلال شهر أكتوبر 2011 ذكر الموقع الأمني الإسرائيلي «تيك ديبكا» أن العميد في جيش الاحتياط ورئيس المجلس القومي الإسرائيلي السابق عوزي ديان دعا إلى القيام بعملية عسكرية داخل سيناء، بحجة أنه آن الأوان لاسترداد الجيش قدرته على العمل في تلك المنطقة وصياغة واقع ملائم لمصالح إسرائيل.
الموقع أشار إلى اجتماع عقده قائد هيئة الأركان العسكرية بيني غانتس مع ضباط هيئة الأركان لبحث الوضع في جنوب إسرائيل، والمناطق المحاذية لمصر.
يشار إلى أن مخططين صهاينة كانو قد اعتبروا أن تحويل سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين خاصة من غزة هو أحد الحلول التي يجب التعامل معها بجدية أكبر دون انتظار لتطورات مستقبلية خاصة بعجز قطاع غزة عن إستيعاب مزيد من السكان نتيجة للنمو الديمغرافي.
تقرير إسرائيلي آخر أعده مركز فرانكلين بيغين سنة 2011 تحدث عن تصاعد قلق الأوساط العسكرية والسياسية والاقتصادية الصهيونية من الاهتمام المصري المتنامي خاصة منذ سنة 2004 بسيناء وإنعكاسه على الاستثمارات المصرية التي تدفقت على شبه الجزيرة الصحراوية، مما يؤسس لقيام مجتمعات حديثة في شبه الجزيرة ستكون محاور ارتكاز سكاني في المنطقة مستقبلاً.
وقد حذر عدد من المسؤولين الصهاينة من أن نجاح القاهرة في تشجيع الانتقال الطوعي للسكان من سهل وادي النيل إلى سيناء سيلغي الفراغ الذي طالما استفادت منه تل أبيب، وسيثبت للمصريين المتمسكين بالعيش قرب مجرى نهر النيل أنه يمكنهم توفير حياة رغيدة بعيدا عن مناطق تركزهم المعتادة.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ذكرت كذلك أن تضخم سكان سيناء إلى خمسة ملايين مع نهاية سنة 2018 كما يأمل مخططو مشاريع التنمية سيشكل خطرا كبيرا على إسرائيل.
ويكشف التقرير أن إسرائيل عرضت منذ سنوات على الرئيس المصري حسني مبارك ضخ استثمارات في وسط وشمال سيناء لإيجاد رصيد لصالح تل أبيب، إلا أن ذلك قوبل بالرفض ليس من الحكومة المصرية فقط بل من شخصيات ومستثمرين مصريين موجودين في المنطقة.
مشروع الوطن البديل
في منتصف شهر يناير 2011 نشر مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية في تل أبيب، تقريرا لمستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق، اللواء احتياط كيؤرا أيلاند، عرض فيه مشروعا إسرائيليا لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى إطار دراسة أعدها نشرت فى 37 صفحة من القطع الكبير بعنوان: «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين».
جاء في التقرير «نجحت إسرائيل بجهود سرية خاصة فى إقناع الولايات المتحدة بالضغط على مصر والأردن للاشتراك فى حل إقليمى للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة.
كانت عملية الانسحاب الأحادى من غزة عام 2005 هى الخطوة الأولى فى هذا الاتجاه. وبمجىء الرئيس اوباما آن الأوان لتنفيذ الخطوة التالية فى المشروع، غير أن مسؤولا رفيعا ومؤثرا فى الإدارة الأمريكية سبق أن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلى، قال للمسؤولين فى تل أبيب: «انتظروا عندما يأتى خلف مبارك».
وأكد اللواء أيلاند، وهو أحد صناع القرار المؤثرين فى إسرائيل، عند عرض مشروع التسوية المقترح، على أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، ولكنه مسؤولية 22 دولة عربية أيضا.
وأوضح أيلاند أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام «تلك» المساحة الضيقة من الأراضى مع الفلسطينيين لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلى فى مقتل من ناحية، ويتجاهل الواقع فى الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذى يحول دون إخلاء 290 ألف مستوطن من «بيوتهم» لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجى، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التى تمثلها الضفة بالنسبة للشعب الإسرائيلى.
الدولة القبطية
يوم 7 مايو 2011 وبتأييد وتحريض من منظمات أمريكية دينية وسياسية طالب العشرات من الاقباط الذين تجمعوا امام السفارة الامريكية بالقاهرة بتدخل اجنبي لحمايتهم، بدعوى أن الجيش وجهاز الأمن فشل في حمايتهم.
بابا الكنيسة القبطية شنودة الثالث الذي وافته المنية يوم السبت 17 مارس 2012، رفض في حينها ومعه غالبية الأقباط دعوات الحماية الدولية أو دعوات الانفصال.
رغم ذلك وخلال شهر أغسطس 2011 نشرت عدة وسائل إعلامية أمريكية بتوسع خبر إعلان قيام «دولة الأقباط المستقلة فى مصر» وكان ذلك فى نفس يوم الإعلان الرسمى لقيام دولة جنوب السودان بعد انفصالها عن الشمال، وذكرت صحيفة الوفد المصرية التي نقلت بدورها الخبر أنه قد تم «انتخاب» بعض الأشخاص مؤسسين لهذه الدولة القبطية وذكرت أربعة أسماء منهم المستشار موريس صادق، الذى أسقطت الحكومة المصرية عنه الجنسية المصرية قبلها ببضعة أسابيع. هذا الشخص اعتاد إرسال مئات الرسائل الإلكترونية على مدى حوالى العامين تحمل «أخبارا» و»أفكارا» وصورا وآراء مليئة بالتناقضات والاتهامات والشتائم والبذاءات الفكرية والعنصرية ضد المسلمين بشكل عام وضد الإسلام نفسه، ثم انضم إلى القس الأمريكي المتطرف تيرى جونز الذى حرق نسخا من القرآن الكريم في مكان عام بكنيسة بولاية فلوريدا، وراح يسير معه فى مظاهرات فى بعض المدن الأمريكية واصفا نفسه بأنه من «زعماء الأقباط». ثم أخذ فى رسائله التالية يصب المديح والثناء على دولة إسرائيل وزعمائها وسياساتها مؤكدا أنها ضامن الاستقرار في المنطقة.
ويشار أنه قبل 25 يناير 2011 كان دائم الهجوم على الرئيس مبارك ونظامه. ويذكر الملاحظون أن رسائله تحمل دائما إسم الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية وهي المؤسسة التي أسسها بمساعدة أمريكية شبه رسمية. وقبل هذا وبعده سجل أن رسائله حثت على تقسيم مصر وطلب الحماية الدولية لأقباط مصر، وأحيانا إلى طلب فرض الوصاية الدولية على مصر.
وكثيرا ما كان يعود فى خطابه إلى عصر عمرو بن العاص، ليقول أن مصر محتلة من جانب المسلمين. الواقع أن هذا هو نموذج للفكر الأصولى الذى يصر دائما على العودة إلى الماضى السحيق مقيما فى أجوائه وأزمنته محاولا ان يلوى عنق التاريخ مغيرا مساره لكى يجئ على هوى أوهامه المتعصبة طائفيا أو دينيا.
الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية تقوم حاليا على نقل المعركة إلى أرض العدو ليس بالضرورة عبر الأسلحة التقليدية أو حتى النووية. الاختراق الآن يتم من خلال حروب الطابور الخامس ومخططات أجهزة الإستخبارات لتدمير الدول من الداخل وإنهاكها في إضطرابات وحروب أهلية داخلية مما يؤدي إلى ضعفها وإفلاسها ومن ثم يمكن تفكيكها. هذا ما يظهر على أرض الواقع من تدمير المنطقة لخلق واقع سايكس بيكو جديد. الحقيقة هي أن جيل هذه الأمة العربية الإسلامية قد حكم عليه وربما دون إرادته، أن يخوض حربا على الهوية الوطنية، على الشعور بوحدة الانتماء إلى الأرض والتاريخ المشترك. إنها حرب على المستقبل.
في هذا القطر تستهدف طائفة، وفي قطر آخر تستهدف الدين. وفي كل الحالات هي تستهدف وحدة الشعب في كل بلد عربي، من العراق إلى المغرب وموريتانيا، ومن البحرين إلى اليمن والسودان والصومال، والبقية تأتي.[/FONT]