جرائــــــم دون عقــــــاب
يوم 19 مارس 1962، أعلن الجنرال راؤول صالون، وهو أحد قادة منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' عن شروع أنصار الجزائر الفرنسية في ''عملية المدينة الميتة''، كتكملة لسياسة ''الأرض المحروقة'' التي دعا إليها الرجل الثاني في المنظمة الإرهابية جان- جاك سوزيني. وبالفعل قام إرهابيو ''أو. آ. آس'' باغتيال مئات الجزائريين، والأوروبيين الذين ساندوا استقلال الجزائر. وقد ولدت منظمة الجيش السري رسميا سنة 1961 في مدريد التي فر إليها عناصر مناهضة للرئيس شارل ديغول، وعلى رأسهم النائب بيار لاغايرد. وتعتبر هذه المنظمة حركة متمردة وإرهابية أرادت الاحتفاظ بالجزائر الفرنسية، أسّسها قادة عسكريون فشلوا في الانقلاب على ديغول في أفريل .1961 ومن زعمائها الجنرال راؤول صالون، بيار لاغايرد، جان جاك سوزيني والجنرال جوهو، والعقيد غودار. ويحاول هذا الملف إبراز حجم جرائم هذه المنظمة الإرهابية التي بقيت دون عقاب وحظي زعمائها بعفو من ديغول سنة 1968، بينما أقدمت بعض البلديات التي تنتمي إلى اليمين المتطرف مؤخرا بتشييد نصب تذكاري لبعضهم. ورفض الجانب الجزائري كتابة تاريخ هذه المرحلة لأسباب سياسية يتحدث عنها الرائد عز الدين في حواره مع ''الخبر''.
كانوا من قادة منظمة الجيش السري
جرائم ''طاسو'' اليوناني و''بن إيشو'' الإسرائيلي في وهران
شكّلت عملية اغتيال 15 عاملة نظافة جزائرية في 11 ماي 1962 ذروة وحشية منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' في إطار سياسة الأرض المحروقة لفرض منطق ''الجزائر الفرنسية'' بالتفجيرات والسطو على البنوك واغتيالات حصدت أرواح 410 جزائري و487 جريح، من 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية .1962 وترسّخ مشهد يد الطفلة خديجة جياري في يد والدها عبد القادر، التي عثر عليها ضمن بقايا الضحيتين إثر التفجير الإجرامي بساحة ''طحطاحة'' بوهران في 28 فيفري ,1962 نهائيا في مخيلة كل من عايشوا هذه الحقبة الدموية تحت إمضاء منظمة الجيش السري، بقيادة دمويين، كاليهودي ''ياية بن إيشو''، الغجري'' بانشو''، أتناز اليوناني صاحب مقهى ''كافي ريش'' (تيمفاد حاليا) وميشيليتي وآخرون، الذين شكّلوا ''نقابة إجرام'' كما سماها جون فرانسوا غافوري. ومن سخرية التاريخ أن يجد الدموي أتناز جيورجيوبولس ''طاسو'' نفسه عضوا في لجنة التعويض، كممثل المرحلين أو نشطاء منظمة الجيش السري بناءا على مرسوم أمضاه جون بيبير رافاران بمقتضى المادة 13 من قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار الفرنسي. للتذكير، فإن ''طاسو'' هو مؤسس المنطقة الثالثة لمنظمة الجيش السري بوهران وهو من استقبل الجنرال إيدمون جوهو خلال هروبه إلى وهران. وألقت فرق الموت بكل قواها في ''معركة وهران'' من أجل فرض سيناريوهات ''واهية'' للحفاظ على المنطقة الغربية تحت لواء ''الجزائر الفرنسية'' ووهران كعاصمة لها، وهو ما يفسر مواصلة المنظمة لعملياتها الإجرامية رغم اتفاق 18 مارس بين ممثلي الأفالان وجان جاك سوزيني أحد قادة ''أو. آ. آس'' القاضي بوقف القتال نهائيا وتوقيف الجنرال ''جوهو'' ومساعده ''كاملان'' في 20 مارس بوهران من طرف الجنرال ''جوزيف كاتز''. هذا الأخير اعترف في كتابه ''شرف جنرال'' بأنه ''كان يخفي الحصيلة الحقيقية لضحايا منظمة الجيش السري في وهران بعد اتفاقيات إيفيان خوفا من خرق اتفاق وقف إطلاق النار''. لكن خلال محاكمة الجنرال جوهو في 12 أفريل 1962 كشف الجنرال ''أرتيس'' في شهادته عن السجل الدموي للمنظمة، وتحدث عن وجود 1190 عملية تفجيرية، 109 هجوم مسلح أسفر عن 137 قتيل من بينهم 15 عاملة نظافة بالمسدس والخنجر و385 جريح''.
من جهتها، أحصت مصالح الشرطة بين الفترة الممتدة بين 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية 1962 ''66 قتيلا وسط السكان الأوروبيين، من بينهم ضباط سامين في الجيش الفرنسي و36 جريح و 410 قتيل و487 جريح بين الجزائريين''.
تصريح مثير لجان جاك سوزيني
''الدولة الفرنسية تعاونت مع منظمة الجيش السري''
نادم على اغتيال الروائي مولود فرعون
جاء في الكتاب الذي أعدّه الصحفي الفرنسي برتران لوجوندر مع جان جاك سوزيني، أحد العقول المدبرة لمنظمة ''أو. آ. آس'' الإرهابية، والذي نشرت صحيفة ''ليبراسيون'' بعض من صفحاته، أن الدولة الفرنسية التي كان من الواجب عليها ''ضرب معاقل منظمة الجيش السري ومحاربتها''، كانت تعمل وتتواطأ معها من أجل تصفية عدد من المناضلين الجزائريين سواء كانوا منخرطين في جبهة التحرير الوطني أو مجرد متعاونين معها.
وقال سوزيني صراحة في رده على أسئلة لوجوندر: ''وصلتنا معلومات عن أعدائنا وهم المتعاطفين مع جبهة التحرير الوطني سواء كانوا مسلمين أو أوروبيين، من قبل مصالح الشرطة الفرنسية في الجزائر''.
وعن سؤال حول ما إذا كانت منظمة الجيش السري بمثابة متعاون فرعي لمصالح الشرطة للقيام بالمهام القذرة، قال سوزيني: ''حين تتمكن القوى النظامية من إلقاء القبض على عميل تابع للأفالان ولا تعثر بشأنه على ما يجعله يمثل أمام المحكمة، لا بد أن يتكفل طرف معيّن بإعدامه''، في إشارة ضمنية إلى أن المنظمة الإرهابية تكفلت بتصفية عدد من الجزائريين دون محاكمتهم. وأضاف الرجل الثاني في منظمة ''أو. آ. آس'' أن مصالح الشرطة الفرنسية كانت ترسل لهم أسماء لمتعاطفين مع الثورة لتصفيتهم، رغم أنها كانت مكلفة في الواقع بمحاربتها. وقال: ''قد يبدو هذا عبارة عن مفارقة، لكن بالنسبة إليهم كان الأمر يعتبر من بين الحلول الممكنة لضرب عدو مشترك''. وذكر سوزيني أن التعاون بين أنصار الجناح العسكري لتيار الجزائر الفرنسية، ومصالح الشرطة الفرنسية يعود إلى معركة الجزائر، واعتبر أن عناصر موالية للشرطة كانت ترسل لهم قوائم بأسماء فدائيين يجب تصفيتهم. وأضاف: ''منذ أن عجزت الدولة الفرنسية عن تنفيذ الحلول الراديكالية المطروحة، كان لزاما علينا أن نحل محل الدولة، فكل حروب المقاومة مرت على هذه المرحلة''. يذكر أن جان جاك سوزيني ولد بالجزائر العاصمة سنة 1933، وهو مناضل يميني متطرف، شغل منصب رئيس الجمعية العامة للطلبة الجزائريين، فر إلى اسبانيا بعد إخفاق انقلاب الجنرالات الفرنسيين على الجنرال ديغول سنة,1961 وهناك أسّس رفقة الجنرال راؤول صالون وبيار لاغايارد وجوزيف أورتيز منظمة الجيش السري، فحكم عليه بالإعدام، لكن الجنرال ديغول قرر العفو عنه سنة .1968
وفي عام 2008 قال سوزيني في حوار مع مجلة ''لوبوان'' الفرنسية إنه ''نادم على عملية اغتيال الروائي مولود فرعون، واعتبر ذلك بالخطأ الجسيم''.
جرائم منظمة الجيش السري الفرنسية خلّفت 1100 ضحية
هجرة جماعية ليهود تلمسان نحو إسرائيل ما بين 1961 و1962
توصّل الباحث الجزائري صادق بن قادة في دراسة علمية إلى أن الجرائم البشعة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري الفرنسية ''أو.أ.أس'' خلّفت أزيد من 1100 ضحية من المدنيين الجزائريين بوهران بين 1961 و1962. وقد وصل رعب وصدى هذه الجرائم إلى كل المنطقة الغربية من الوطن ومنها مدينة تلمسان في الجوار الوهراني. قال المناضل الوطني الحاج عمر العشعاشي لـ ''الخبر''، إن الرعب الذي خلّفته جرائم منظمة الجيش السري على مستوى مدينة وهران، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 1962 بلغ صداه مدينة تلمسان وسكن الخوف سكان المدينة من مختلف الجاليات، مسلمين، يهود، معمّرين وإسبان وتحدّث عن الرعب الذي كانت تسبّبه منبّهات سيارات الإسعاف ودوريات الجيش والشرطة التي كانت لا تتوقف وكيف امتلأت مصلحة حفظ الجثث بمستشفى تلمسان بالموتى من ضحايا عمليات الاغتيال التي كانت تقوم بها عناصر منظمة الجيش السري.وأضاف العشعاشي إن اثنين من زبائن محل بيع السيارات الذي كان يملكه والده بطريق لوريط شرق تلمسان، قتلا ومنهم الشاب المثقف المرحوم عبد القادر خالد وكان ذلك في شهر ماي من سنة .1962 فبعد أن أصلح سيارته كان ينوي التوجه نحو وهران، فأخبره الحاج عمر بخطورة الطريق وأخفى عنه دلو البنزين من أجل تعطيله، ولكنه أصر على المغادرة. وفي المساء وصل خبر اغتياله بمدخل مدينة وهران ليعود جثمانه إلى تلمسان. ويضيف الحاج عمر أنه كان أول جثمان يدفن وعليه علم الجزائر المستقلة في جنازة مهيبة وسط دهشة المعمّرين. وأضاف العشعاشي: ''لقد كانت لحظات رهيبة بمستشفى تلمسان الذي اكتظ بالجرحى والموتى''. مضيفا: ''لقد شاهدت بعيني كيف سكن الرعب الجالية المسيحية واليهودية التي كانت متواجدة بالمدن الكبرى خاصة وهران وتلمسان وكيف تزاحموا على محطات القطار والموانئ والمطارات في هجرة جماعية. وكانت أكبر هجرة للجالية اليهودية من سكان تلمسان نحو إسرائيل وكانوا معمّرين من أصول يهودية ومن مزدوجي اللسان يتكلمون العربية والفرنسية''.
الرائد عز الدين
''خلافاتي مع السلطة خلال أزمة صيف 1962 حالت دون كتابة جرائم ''أو. آ. آس''
''العقيد يوسف الخطيب ـ سي حسان ـ صرح أنه هو من حرر الجزائر العاصمة وهذا غير صحيح''
يعتقد رابح زراري (الرائد عز الدين) العضو السابق في القيادة العامة لأركان الجيش إلى جانب العقيد هواري بومدين، أن خلافاته السياسية مع السلطة والتي برزت خلال صيف 1962، حالت دون كتابة تاريخ جرائم منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس''. وقال الرائد عز الدين في حوار مع ''الخبر''، أن الحكومة المؤقتة كلّفته ببعث المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة لحماية المواطنين من عمليات الإبادة التي شرعت فيها المنظمة الإرهابية.
هل يمكن القول أن منظمة الجيش السري عبارة عن تنظيم حل محل ''اليد الحمراء''؟
لا يمكن القول إن منظمة الجيش السري ''آو. آ. آس'' ظهرت كبديل لمنظمة إرهابية سابقة تدعى الحمراء، فالأقدام السوداء منذ أن حلوا بالجزائر تميزوا بالتعنت ورفضوا كل الحلول والإصلاحات التي تسمى تقدمية بالنسبة للجزائريين، لقد اتسموا بالتمرد، وآخر تنظيم متمرد أوجدوه هو منظمة الجيش السري التي ولدت في اسبانيا ومن أعطاها التنظيم الذي عرفناه خلال الحرب هم بيار لاغايريد، جان جاك سوزيني، جوزيف أورتيز والجنرال صالون.
الحكومة المؤقتة كلّفتني بمحاربة ''أو.آ.آس''
مباشرة بعد استقالتك من قيادة أركان الجيش انتقلت إلى الداخل وكلفت من قبل الحكومة المؤقتة بحماية الجزائريين من جرائم منظمة الجيش السري، كيف خططتم لضرب هذه المعاقل؟
كلفت بإعادة بعث المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة الثانية. آنذاك وجدت نفسي في طرابلس، وكنت عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. خلال هذا الاجتماع قدمت استقالتي من قيادة الأركان العامة للجيش. انسحبت بعد أن تأكدت من وجود تلاعب يؤدي إلى خيار منطق القوة. فقدمت استقالتي. وقلت للمسؤولين أعتقد أنني سأكون أكثر نفعا وفائدة في الجزائر العاصمة لمحاربة فلول منظمة الجيش السري، بالأخص بعد أن بلغتنا أخبار عن المجازر الفظيعة التي كانت ترتكبها المنظمة المذكورة في العاصمة. غادرت طرابلس رفقة عمر أوصديق عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وبوعلام أوصديق الذي كان مسوؤل جهاز الدعاية والإعلام في الولاية الرابعة، والنقيب علي لونيسي، ومصطفى البليدي. وصلنا إلى الولاية الرابعة وأدركنا أنه لم يعد يوجد أي شيء بإمكاننا فعله في الجبال، لأن الجيش الفرنسي غادرها وتوجه إلى المدن حيث كان يوجد عدة اضطرابات. وعليه تحصلنا على تكليف من مجلس الولاية الرابعة بدخول العاصمة بعد إخبار الحكومة المؤقتة، وهذه الأخيرة كلفتني بمحاربة منظمة الجيش السري وبعث منطقة الجزائر المستقلة الثانية، بعد الأولى التي كان يسيّرها ياسف سعدي.
شرعنا في تنظيم العاصمة، والتكليف بالمهمة كان بحوزتي كان ينص على ما يلي: عز الدين أنت مكلف باستتباب الأمن. لا تستجيب لاستفزازات منظمة الجيش السري. عليكم بتوخي الحذر، لأن المنظمة الإرهابية سوف تتعمد تحريض وإثارة الجزائريين وتدفع بهم إلى الموت، قصد حملها على النزول نحو الأحياء الفرنسية والدفع في اتجاه انضمام الجيش الفرنسي إلى صفوف ''آو.آ .آس'' ووضع اتفاقيات ايفيان على المحك. تلك كانت مهمتنا. علما أن عدد القتلى بين صفوف الجزائريين كان يصل إلى أكثر من خمسين قتيل في اليوم. كانت المنظمة تقتل بشكل منظم. اليوم تقدم على اغتيال النساء الجزائريات، وفي اليوم الموالي أصحاب مهنة معينة، وهكذا دواليك. وفي بعض الأحيان كان عدد القتلى يصل المائة في اليوم الواحد.
ما هي القوة الضاربة التي مكنتكم من القضاء على إرهابيي منظمة الجيش السري؟
النساء الجزائريات لعبن دورا كبيرا في محاربة منظمة الجيش السري. هؤلاء النساء كن يعملن لدى العائلات الفرنسية، إلى حد بروز ثقة لدى هؤلاء الأوربيين، وقمنا باستغلال هذه الثقة وقامت أجهزتنا الاستعلاماتية بالاتصال بهم لأنهن يعرفن تحركات أفراد تلك العائلات المشبوهة. كانت تصلنا المعلومات بشكل منظم ودقيق، وهكذا تمكننا من تحديد مكان تواجد الجنرال راؤول صالون، وقمنا بإشعار مصالح الدرك الفرنسي ومصالح ''فيتاليس كروس'' الذي كان يشغل منصب حاكم مدينة الجزائر، وكذا مصالح عبد الرحمن فارس بروشي نوار (بومرداس)، لم يكن بمقدورنا التوجه إلى مكان اختبائه وإلقاء القبض عليه، هؤلاء النساء لعبن إذن دورا فعالا، تنقلهن كان سهلا لأن الأوروبي الذي كن يعملن عنده هو من كان يتوجه إلى مشارف الحي الشعبي الذي تسكن به لينقلها بسيارته إلى غاية منزله. فلو فعلت ذلك بمفردها، فإن إرهابيي منظمة الجيش السري كانوا سيقتلونها. وهذه التحركات هي التي سمحت لنا بمعرفة أماكن تواجد عدد كبير من عناصر المنظمة المذكورة.
كنا نقوم بعمليات انتقائية ضد قيادات المنظمة الإرهابية وضد أعضائها الفاعلين، من بينهم ديلغرد قائد كومندو ''ديلتا'' الفظيع
هل وجدت اشتباكات مباشرة معهم؟
نعم، لأن مواطنينا كانوا يتابعون أخبار التفجيرات والقتل الذي كان يطالهم يوميا وعن كثب، ولو بقينا مكتوفي الأيدي بدون أي ردة فعل، فإن مواطنينا كانوا يفقدون ثقتهم فينا، كنا نقوم بعمليات انتقائية ضد قيادات المنظمة الإرهابية وضد أعضائها الفاعلين، من بينهم ديلغرد قائد كومندو ''ديلتا'' الفظيع، والذي ألقي عليه القبض وأعدم بعد المحاكمة.
''أو.آ.آس'' هي التي دفعت بالأوروبيين الى الهروب
لم يكتف أعضاء منظمة الجيش السري بقتل الجزائريين فقط، بل حتى الأوروبيين، لماذا؟
يشاع إلى اليوم أننا نحن من روّج شعار ''الحقيبة أو القبو''. هذا غير صحيح، نحن كنا نعمل وفق احترام بنود اتفاقيات إيفيان، وبعضها كان ينص على احترام أملاك وحياة الأقلية الأوروبية، لأن الأموال والخبرة والمؤسسات الصغيرة كانت موجودة بين أيديهم، لكن منظمة الجيش السري شرعت في سياسة الأرض المحروقة وكانت تدمّر كل شيء، بينما كنا نحن نفكّر في كيفية إبقاء كل مظاهر الحياة مستمرة بعد الإمضاء على اتفاقيات ايفيان. في الحقيقة لم نكن نرغب في أن يرحل هؤلاء الأوروبيين، فمنظمة الجيش السري هي التي دفعت بهم في اتجاه الانتحار الجماعي، فعمقت فارق الهوة بيننا وبينهم. كنا نعتقد أن رحيلهم لن يكون في مصلحتنا. لكنهم رحلوا. وكانوا يعتقدون أننا سنغرق بدونهم، وهذا لم يحدث، لقد استمرت مظاهر الحياة، ونجحنا في تنظيم الدخول المدرسي بشكل يوحي بأن معجزة قد حصلت. وقد تحقق كل ذلك بفضل تعبئة جميع المواطنين .
ما هي الخطة التي وضعوها لحرق الجزائر العاصمة؟
كانوا يرغبون في حرق الجزائر العاصمة عن آخرها بوضع متفجرات، لكنهم عجزوا، لأن كل المغارات كانت بين أيدي جيش التحرير الوطني والفدائيين. لما جرت المفاوضات بين منظمة الجيش السري وعبد الرحمن فارس، رفضنا المشاركة باسم المنظمة المستقلة الثانية، جاءنا كريم بلقاسم رفقة العقيد محند أولحاج وقدّمنا رأينا، وكنا نعلم أن منظمة الجيش السري لن تتمكن من حرق العاصمة كما كانت تنوي، لأننا تمكنّا من التحكم في الوضع بشكل نهائي، فلماذا التفاوض معها إذن؟ لقد خسروا كل شيء، وكانوا في الأصل يرغبون في الحفاظ على بعض المكاسب، وكان جاك شوفالييه وجان بيار بيني، وبعض كبار الملاك يريدون تقديم تصوّر مغاير فأرادوا الضغط علينا، لكننا رفضنا مسايرة أفكارهم.
وهل نفّذتم عمليات عسكرية أم بقيتم متمسكين بمهامكم؟
كانت العائلات الجزائرية تتابع أخبار موت أبنائها، ولم يكن بإمكانها فعل أي شيء. بينما كنا نحن نكتفي باختطاف الرؤوس لمحاكمتها ثم إعدامها. وهذا لم يكن يعرفه المواطنين، أرادوا ذات مرة النزول إلى الأحياء الأوروبية للأخذ بالثأر، لكننا قمنا بمنعهم. وفي يوم 14 ماي 1962 قمنا بعملية عسكرية. أطلقنا النار على مقاهي ومطاعم يتردد عليها عناصر من منظمة الجيش السري وأوقعنا عشرين قتيلا. فصرح أمحمد يزيد بأن الأفالان ليس هو من نفّذ العملية، وجماعة عبد الرحمان فارس بروشي نوار قالت نفس الشيء. وفي اليوم الموالي عقدت ندوة صحفية، وصرحت بأننا نحن من نفّذ العملية ولجأت إلى حيلة وخدعة، فقلت أنا المسؤول عن المنطقة المستقلة وعضو مجلس الولاية الرابعة وعضو قيادة أركان الجيش عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وباسم كل هذه الهيئات نفذت العملية لأن اتفاقيات إيفيان لم تحترم.
بعد الاستقلال أعطوا حصصا لكل الولايات، ياسف سعدي أخذ حصته، فيدرالية فرنسا أخذت حصة بدورها، الجميع أخذ حصته إلا المنطقة المستقلة الثانية
ديغول عاد الى السلطة بفضل ''الأقدام السوداء''
وما هي علاقة الجنرال ديغول بمنظمة الجيش السري؟
فرض هؤلاء الأقدام السوداء على فرنسا طبيعة السياسة الواجب اتباعها بشأن الجزائر منذ الغزو. وخلال الحرب ضغطوا على السلطات الرسمية الفرنسية. إن الأقدام السوداء شكّلوا لوبي قوي وعنيف. ديغول عاد إلى السلطة بفضل هذا اللوبي، ظنوا أنه سيدعم سياستهم، لكنه خيّب آمالهم. نحن عرفنا ديغول مرتين في 1945 وكلّفنا 42 ألف قتيل وعرفناه بعد 13 ماي، حيث جاء بأكبر العمليات العسكرية، ضرب المجاهدين في الجبال وألحق بهم خسائر جسيمة، لكنه عجز عن القضاء على الثورة. لقد عانينا كثيرا في عهد ديغول وعرفنا حتى النابلم في عهـده. لقـد أخذنا الاستقلال بالقوة، ولم يمنح لنا من قبل ديغول، كما يردد بعض الشباب اليوم للأسف الشديد. نحن البلد العربي الوحيد الذي نزع الاستقلال من بلد محتل، أما باقي الشعوب العربية فقد منح لها الاستقلال.
ولماذا لا نعثر عن كتابات بشأن دوركم خلال هذه المرحلة الحساسة؟
سمعت العقيد سي حسان ـ يوسف الخطيب ـ يقول في فيلم وثائقي لبنيامين ستورا يقول إنه حرّر الجزائر العاصمة، مثلما حرّر الجنرال لوكلير باريس. هذا الكلام غير صحيح، علينا أن نكفّ على تزييف التاريخ. لقد دخل حسن الخطيب العاصمة وكانت مُحررة بشكل نهائي، وأعضاء المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة الثانية، هي التي قامت بذلك.
هل تعرفون اليوم عدد ضحايا منظمة الجيش السري؟
لا نعرف، لأن تاريخ 1962 تم حذفه، والدور الذي قمنا به تعرّض للتزييف والحذف بدوره. 1962 تاريخ المنطقة المستقلة لم يكتب. في 1962 بعثوا لنا برسائل لكي نحضر اجتماعا أخيرا للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، لما وصلنا الاستدعاء أجبناهم، وقلنا لماذا لا يجري الاجتماع في الجزائر العاصمة، اقتداء بالمؤتمر الأول للثورة الذي جرى في إيفري (الصومام) حتى تحضره الإطارات التي تكوّنت في السجون والجبال والمدن، وإطارات فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني حتى نتمكن من الوصول إلى برلمان ومنه تخرج حكومة جزائرية، لكنهم رفضوا طبعا.
بعد الاستقلال أعطوا حصصا لكل الولايات، ياسف سعدي أخذ حصته، فيدرالية فرنسا أخذت حصة بدورها، الجميع أخذ حصته إلا المنطقة المستقلة الثانية، لأنني تجرأت خلال اجتماع المجلس الوطني للثورة في طرابلس، وقلت أنني أختلف معهم، وأنني متمسك بالشرعية. لست مع الانقلابات. لقد انزعج مني بومدين كثيرا. سافرت إلى تونس ذات مرة للقاء بن خدة، فمسكني أحمد بن بلة من ذراعي، وقال لي: ''أنت هو الرائد عز الدين''، قلت له: ''نعم''، فقال: ''أريد أن أتحدث معك على انفراد''. وأراد أن يستدرجني إلى مكان منزو، لكني رفضت وقلت له ''إن الكلام بيننا يكون أمام الجميع''، ورفضت السير معه. نحن الآن في 2012 لا نملك أي ممثل في المنظمة الوطنية للمجاهدين، التاريخ كتبته السلطة بواسطة ممحاة، وإلى اليوم يعتبرون أنني مصدر إزعاج بالنسبة إليهم لأنني صاحب مبادئ، ولم يتوصل أي شخص شراء ذمتي.
قاموا بإبعادكم سياسيا، وقاموا بمحو، بشكل غير مباشر، جرائم منظمة الجيش السري؟
قاموا بمحو نضال الشعب الجزائري، لقد مات منا عدد كبير، وسلمنا العاصمة بدون إرهابيي منظمة الجيش السري. وهذا تعرض للمحو الكامل. اليوم حين ألتقي بالفدائيين أبكى نظرا لصعوبة أوضاعهم.
عين تموشنت لم تسلم من مجازر منظمة الجيش السري
ذكر الحاج هواري بوعكة، الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بعين تموشنت لـ''الخبر''، أن المنطقة الثالثة عانت من ويلات الأعمال الإرهابية لمنظمة الجيش السري بعد اتفاق وقف إطلاق النار خلال عام 1962، حيث كانت عاصمة الولاية عين تموشنت انطلاق أول عملية إجرامية نفذتها المنظمة التي أنشأها الجنرال ''صالون''، وذلك بوسط المدينة شارع أول نوفمبر الآن.
فاجأت سيارة من نوع ''جيب'' كان عليها بعض المسلحين من المنظمة المواطنين الجزائريين الذين كانوا جالسين خارج مقهى السابح المدعو مجدوب، حيث قام المجرمون برمي كل من كان خارج المقهى بوابل من الرصاص بطريقة عشوائية، مما أسفر عن إصابة العديد من المواطنين الجزائريين وقتل شخص من أولاد سيدي بوعزة حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا. وأضاف المتحدث أن يقظة مواطني حمام بوحجر حالت دون تنفيذ المجرمين لمجزرة حقيقية كانت تستهدف سجن شابر الذي كان يضم 680 معتقل، إذ انتقلت عناصر من اللفيف الأحمر قدموا من سيدي بلعباس على متن مروحية في صفة رهبان بتواطؤ من إدارة السجن للقضاء على جميع المساجين الذين كانوا بداخله. وذكر الحاج هواري أن وزراة المجاهدين راسلتهم من أجل هذا السجن قصد تصنيفه كمعتقل وطني لما شاهده من تعذيب وقتل في حق الجزائريين، ليتم القضاء أيضا على عضو مجموعة القائد سيكو بغدادي رميا بالرصاص دون شفقة، حيث كانت عائدة محملة بمواد مختلفة اقتنتها من السوق. وأضاف محدث ''الخبر''، أن منظمة الجيش السري قامت بتخريب بعض المنشآت الحيوية كانت متواجدة بالمنطقة، التي فقدت حوالي خمسة آلاف شهيد، ما بين مسجل في السجل الذهبي، منهم 185 شهيد وآخرين مفقودين، كما أنجبت المنطقة أحد الأوائل الذين استشهدوا في الثالث من نوفمبر، وهو الشهيد برحو قادة بالقرب من جبل سيدي قاسم ببلدية تارقة، إلى جانب عضو مجموعة الـ22 الذين خططوا للثورة التحريرية المجاهد أحمد بوشعيب الذي وافته المنية خلال شهر جانفي الماضي.
http://www.elkhabar.com/ar/autres/dossiers/283635.html
يوم 19 مارس 1962، أعلن الجنرال راؤول صالون، وهو أحد قادة منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' عن شروع أنصار الجزائر الفرنسية في ''عملية المدينة الميتة''، كتكملة لسياسة ''الأرض المحروقة'' التي دعا إليها الرجل الثاني في المنظمة الإرهابية جان- جاك سوزيني. وبالفعل قام إرهابيو ''أو. آ. آس'' باغتيال مئات الجزائريين، والأوروبيين الذين ساندوا استقلال الجزائر. وقد ولدت منظمة الجيش السري رسميا سنة 1961 في مدريد التي فر إليها عناصر مناهضة للرئيس شارل ديغول، وعلى رأسهم النائب بيار لاغايرد. وتعتبر هذه المنظمة حركة متمردة وإرهابية أرادت الاحتفاظ بالجزائر الفرنسية، أسّسها قادة عسكريون فشلوا في الانقلاب على ديغول في أفريل .1961 ومن زعمائها الجنرال راؤول صالون، بيار لاغايرد، جان جاك سوزيني والجنرال جوهو، والعقيد غودار. ويحاول هذا الملف إبراز حجم جرائم هذه المنظمة الإرهابية التي بقيت دون عقاب وحظي زعمائها بعفو من ديغول سنة 1968، بينما أقدمت بعض البلديات التي تنتمي إلى اليمين المتطرف مؤخرا بتشييد نصب تذكاري لبعضهم. ورفض الجانب الجزائري كتابة تاريخ هذه المرحلة لأسباب سياسية يتحدث عنها الرائد عز الدين في حواره مع ''الخبر''.
كانوا من قادة منظمة الجيش السري
جرائم ''طاسو'' اليوناني و''بن إيشو'' الإسرائيلي في وهران
شكّلت عملية اغتيال 15 عاملة نظافة جزائرية في 11 ماي 1962 ذروة وحشية منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس'' في إطار سياسة الأرض المحروقة لفرض منطق ''الجزائر الفرنسية'' بالتفجيرات والسطو على البنوك واغتيالات حصدت أرواح 410 جزائري و487 جريح، من 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية .1962 وترسّخ مشهد يد الطفلة خديجة جياري في يد والدها عبد القادر، التي عثر عليها ضمن بقايا الضحيتين إثر التفجير الإجرامي بساحة ''طحطاحة'' بوهران في 28 فيفري ,1962 نهائيا في مخيلة كل من عايشوا هذه الحقبة الدموية تحت إمضاء منظمة الجيش السري، بقيادة دمويين، كاليهودي ''ياية بن إيشو''، الغجري'' بانشو''، أتناز اليوناني صاحب مقهى ''كافي ريش'' (تيمفاد حاليا) وميشيليتي وآخرون، الذين شكّلوا ''نقابة إجرام'' كما سماها جون فرانسوا غافوري. ومن سخرية التاريخ أن يجد الدموي أتناز جيورجيوبولس ''طاسو'' نفسه عضوا في لجنة التعويض، كممثل المرحلين أو نشطاء منظمة الجيش السري بناءا على مرسوم أمضاه جون بيبير رافاران بمقتضى المادة 13 من قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار الفرنسي. للتذكير، فإن ''طاسو'' هو مؤسس المنطقة الثالثة لمنظمة الجيش السري بوهران وهو من استقبل الجنرال إيدمون جوهو خلال هروبه إلى وهران. وألقت فرق الموت بكل قواها في ''معركة وهران'' من أجل فرض سيناريوهات ''واهية'' للحفاظ على المنطقة الغربية تحت لواء ''الجزائر الفرنسية'' ووهران كعاصمة لها، وهو ما يفسر مواصلة المنظمة لعملياتها الإجرامية رغم اتفاق 18 مارس بين ممثلي الأفالان وجان جاك سوزيني أحد قادة ''أو. آ. آس'' القاضي بوقف القتال نهائيا وتوقيف الجنرال ''جوهو'' ومساعده ''كاملان'' في 20 مارس بوهران من طرف الجنرال ''جوزيف كاتز''. هذا الأخير اعترف في كتابه ''شرف جنرال'' بأنه ''كان يخفي الحصيلة الحقيقية لضحايا منظمة الجيش السري في وهران بعد اتفاقيات إيفيان خوفا من خرق اتفاق وقف إطلاق النار''. لكن خلال محاكمة الجنرال جوهو في 12 أفريل 1962 كشف الجنرال ''أرتيس'' في شهادته عن السجل الدموي للمنظمة، وتحدث عن وجود 1190 عملية تفجيرية، 109 هجوم مسلح أسفر عن 137 قتيل من بينهم 15 عاملة نظافة بالمسدس والخنجر و385 جريح''.
من جهتها، أحصت مصالح الشرطة بين الفترة الممتدة بين 19 مارس تاريخ وقف إطلاق النار لغاية الفاتح من جويلية 1962 ''66 قتيلا وسط السكان الأوروبيين، من بينهم ضباط سامين في الجيش الفرنسي و36 جريح و 410 قتيل و487 جريح بين الجزائريين''.
تصريح مثير لجان جاك سوزيني
''الدولة الفرنسية تعاونت مع منظمة الجيش السري''
نادم على اغتيال الروائي مولود فرعون
جاء في الكتاب الذي أعدّه الصحفي الفرنسي برتران لوجوندر مع جان جاك سوزيني، أحد العقول المدبرة لمنظمة ''أو. آ. آس'' الإرهابية، والذي نشرت صحيفة ''ليبراسيون'' بعض من صفحاته، أن الدولة الفرنسية التي كان من الواجب عليها ''ضرب معاقل منظمة الجيش السري ومحاربتها''، كانت تعمل وتتواطأ معها من أجل تصفية عدد من المناضلين الجزائريين سواء كانوا منخرطين في جبهة التحرير الوطني أو مجرد متعاونين معها.
وقال سوزيني صراحة في رده على أسئلة لوجوندر: ''وصلتنا معلومات عن أعدائنا وهم المتعاطفين مع جبهة التحرير الوطني سواء كانوا مسلمين أو أوروبيين، من قبل مصالح الشرطة الفرنسية في الجزائر''.
وعن سؤال حول ما إذا كانت منظمة الجيش السري بمثابة متعاون فرعي لمصالح الشرطة للقيام بالمهام القذرة، قال سوزيني: ''حين تتمكن القوى النظامية من إلقاء القبض على عميل تابع للأفالان ولا تعثر بشأنه على ما يجعله يمثل أمام المحكمة، لا بد أن يتكفل طرف معيّن بإعدامه''، في إشارة ضمنية إلى أن المنظمة الإرهابية تكفلت بتصفية عدد من الجزائريين دون محاكمتهم. وأضاف الرجل الثاني في منظمة ''أو. آ. آس'' أن مصالح الشرطة الفرنسية كانت ترسل لهم أسماء لمتعاطفين مع الثورة لتصفيتهم، رغم أنها كانت مكلفة في الواقع بمحاربتها. وقال: ''قد يبدو هذا عبارة عن مفارقة، لكن بالنسبة إليهم كان الأمر يعتبر من بين الحلول الممكنة لضرب عدو مشترك''. وذكر سوزيني أن التعاون بين أنصار الجناح العسكري لتيار الجزائر الفرنسية، ومصالح الشرطة الفرنسية يعود إلى معركة الجزائر، واعتبر أن عناصر موالية للشرطة كانت ترسل لهم قوائم بأسماء فدائيين يجب تصفيتهم. وأضاف: ''منذ أن عجزت الدولة الفرنسية عن تنفيذ الحلول الراديكالية المطروحة، كان لزاما علينا أن نحل محل الدولة، فكل حروب المقاومة مرت على هذه المرحلة''. يذكر أن جان جاك سوزيني ولد بالجزائر العاصمة سنة 1933، وهو مناضل يميني متطرف، شغل منصب رئيس الجمعية العامة للطلبة الجزائريين، فر إلى اسبانيا بعد إخفاق انقلاب الجنرالات الفرنسيين على الجنرال ديغول سنة,1961 وهناك أسّس رفقة الجنرال راؤول صالون وبيار لاغايارد وجوزيف أورتيز منظمة الجيش السري، فحكم عليه بالإعدام، لكن الجنرال ديغول قرر العفو عنه سنة .1968
وفي عام 2008 قال سوزيني في حوار مع مجلة ''لوبوان'' الفرنسية إنه ''نادم على عملية اغتيال الروائي مولود فرعون، واعتبر ذلك بالخطأ الجسيم''.
جرائم منظمة الجيش السري الفرنسية خلّفت 1100 ضحية
هجرة جماعية ليهود تلمسان نحو إسرائيل ما بين 1961 و1962
توصّل الباحث الجزائري صادق بن قادة في دراسة علمية إلى أن الجرائم البشعة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري الفرنسية ''أو.أ.أس'' خلّفت أزيد من 1100 ضحية من المدنيين الجزائريين بوهران بين 1961 و1962. وقد وصل رعب وصدى هذه الجرائم إلى كل المنطقة الغربية من الوطن ومنها مدينة تلمسان في الجوار الوهراني. قال المناضل الوطني الحاج عمر العشعاشي لـ ''الخبر''، إن الرعب الذي خلّفته جرائم منظمة الجيش السري على مستوى مدينة وهران، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 1962 بلغ صداه مدينة تلمسان وسكن الخوف سكان المدينة من مختلف الجاليات، مسلمين، يهود، معمّرين وإسبان وتحدّث عن الرعب الذي كانت تسبّبه منبّهات سيارات الإسعاف ودوريات الجيش والشرطة التي كانت لا تتوقف وكيف امتلأت مصلحة حفظ الجثث بمستشفى تلمسان بالموتى من ضحايا عمليات الاغتيال التي كانت تقوم بها عناصر منظمة الجيش السري.وأضاف العشعاشي إن اثنين من زبائن محل بيع السيارات الذي كان يملكه والده بطريق لوريط شرق تلمسان، قتلا ومنهم الشاب المثقف المرحوم عبد القادر خالد وكان ذلك في شهر ماي من سنة .1962 فبعد أن أصلح سيارته كان ينوي التوجه نحو وهران، فأخبره الحاج عمر بخطورة الطريق وأخفى عنه دلو البنزين من أجل تعطيله، ولكنه أصر على المغادرة. وفي المساء وصل خبر اغتياله بمدخل مدينة وهران ليعود جثمانه إلى تلمسان. ويضيف الحاج عمر أنه كان أول جثمان يدفن وعليه علم الجزائر المستقلة في جنازة مهيبة وسط دهشة المعمّرين. وأضاف العشعاشي: ''لقد كانت لحظات رهيبة بمستشفى تلمسان الذي اكتظ بالجرحى والموتى''. مضيفا: ''لقد شاهدت بعيني كيف سكن الرعب الجالية المسيحية واليهودية التي كانت متواجدة بالمدن الكبرى خاصة وهران وتلمسان وكيف تزاحموا على محطات القطار والموانئ والمطارات في هجرة جماعية. وكانت أكبر هجرة للجالية اليهودية من سكان تلمسان نحو إسرائيل وكانوا معمّرين من أصول يهودية ومن مزدوجي اللسان يتكلمون العربية والفرنسية''.
الرائد عز الدين
''خلافاتي مع السلطة خلال أزمة صيف 1962 حالت دون كتابة جرائم ''أو. آ. آس''
''العقيد يوسف الخطيب ـ سي حسان ـ صرح أنه هو من حرر الجزائر العاصمة وهذا غير صحيح''
يعتقد رابح زراري (الرائد عز الدين) العضو السابق في القيادة العامة لأركان الجيش إلى جانب العقيد هواري بومدين، أن خلافاته السياسية مع السلطة والتي برزت خلال صيف 1962، حالت دون كتابة تاريخ جرائم منظمة الجيش السري ''أو. آ. آس''. وقال الرائد عز الدين في حوار مع ''الخبر''، أن الحكومة المؤقتة كلّفته ببعث المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة لحماية المواطنين من عمليات الإبادة التي شرعت فيها المنظمة الإرهابية.
هل يمكن القول أن منظمة الجيش السري عبارة عن تنظيم حل محل ''اليد الحمراء''؟
لا يمكن القول إن منظمة الجيش السري ''آو. آ. آس'' ظهرت كبديل لمنظمة إرهابية سابقة تدعى الحمراء، فالأقدام السوداء منذ أن حلوا بالجزائر تميزوا بالتعنت ورفضوا كل الحلول والإصلاحات التي تسمى تقدمية بالنسبة للجزائريين، لقد اتسموا بالتمرد، وآخر تنظيم متمرد أوجدوه هو منظمة الجيش السري التي ولدت في اسبانيا ومن أعطاها التنظيم الذي عرفناه خلال الحرب هم بيار لاغايريد، جان جاك سوزيني، جوزيف أورتيز والجنرال صالون.
الحكومة المؤقتة كلّفتني بمحاربة ''أو.آ.آس''
مباشرة بعد استقالتك من قيادة أركان الجيش انتقلت إلى الداخل وكلفت من قبل الحكومة المؤقتة بحماية الجزائريين من جرائم منظمة الجيش السري، كيف خططتم لضرب هذه المعاقل؟
كلفت بإعادة بعث المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة الثانية. آنذاك وجدت نفسي في طرابلس، وكنت عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. خلال هذا الاجتماع قدمت استقالتي من قيادة الأركان العامة للجيش. انسحبت بعد أن تأكدت من وجود تلاعب يؤدي إلى خيار منطق القوة. فقدمت استقالتي. وقلت للمسؤولين أعتقد أنني سأكون أكثر نفعا وفائدة في الجزائر العاصمة لمحاربة فلول منظمة الجيش السري، بالأخص بعد أن بلغتنا أخبار عن المجازر الفظيعة التي كانت ترتكبها المنظمة المذكورة في العاصمة. غادرت طرابلس رفقة عمر أوصديق عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وبوعلام أوصديق الذي كان مسوؤل جهاز الدعاية والإعلام في الولاية الرابعة، والنقيب علي لونيسي، ومصطفى البليدي. وصلنا إلى الولاية الرابعة وأدركنا أنه لم يعد يوجد أي شيء بإمكاننا فعله في الجبال، لأن الجيش الفرنسي غادرها وتوجه إلى المدن حيث كان يوجد عدة اضطرابات. وعليه تحصلنا على تكليف من مجلس الولاية الرابعة بدخول العاصمة بعد إخبار الحكومة المؤقتة، وهذه الأخيرة كلفتني بمحاربة منظمة الجيش السري وبعث منطقة الجزائر المستقلة الثانية، بعد الأولى التي كان يسيّرها ياسف سعدي.
شرعنا في تنظيم العاصمة، والتكليف بالمهمة كان بحوزتي كان ينص على ما يلي: عز الدين أنت مكلف باستتباب الأمن. لا تستجيب لاستفزازات منظمة الجيش السري. عليكم بتوخي الحذر، لأن المنظمة الإرهابية سوف تتعمد تحريض وإثارة الجزائريين وتدفع بهم إلى الموت، قصد حملها على النزول نحو الأحياء الفرنسية والدفع في اتجاه انضمام الجيش الفرنسي إلى صفوف ''آو.آ .آس'' ووضع اتفاقيات ايفيان على المحك. تلك كانت مهمتنا. علما أن عدد القتلى بين صفوف الجزائريين كان يصل إلى أكثر من خمسين قتيل في اليوم. كانت المنظمة تقتل بشكل منظم. اليوم تقدم على اغتيال النساء الجزائريات، وفي اليوم الموالي أصحاب مهنة معينة، وهكذا دواليك. وفي بعض الأحيان كان عدد القتلى يصل المائة في اليوم الواحد.
ما هي القوة الضاربة التي مكنتكم من القضاء على إرهابيي منظمة الجيش السري؟
النساء الجزائريات لعبن دورا كبيرا في محاربة منظمة الجيش السري. هؤلاء النساء كن يعملن لدى العائلات الفرنسية، إلى حد بروز ثقة لدى هؤلاء الأوربيين، وقمنا باستغلال هذه الثقة وقامت أجهزتنا الاستعلاماتية بالاتصال بهم لأنهن يعرفن تحركات أفراد تلك العائلات المشبوهة. كانت تصلنا المعلومات بشكل منظم ودقيق، وهكذا تمكننا من تحديد مكان تواجد الجنرال راؤول صالون، وقمنا بإشعار مصالح الدرك الفرنسي ومصالح ''فيتاليس كروس'' الذي كان يشغل منصب حاكم مدينة الجزائر، وكذا مصالح عبد الرحمن فارس بروشي نوار (بومرداس)، لم يكن بمقدورنا التوجه إلى مكان اختبائه وإلقاء القبض عليه، هؤلاء النساء لعبن إذن دورا فعالا، تنقلهن كان سهلا لأن الأوروبي الذي كن يعملن عنده هو من كان يتوجه إلى مشارف الحي الشعبي الذي تسكن به لينقلها بسيارته إلى غاية منزله. فلو فعلت ذلك بمفردها، فإن إرهابيي منظمة الجيش السري كانوا سيقتلونها. وهذه التحركات هي التي سمحت لنا بمعرفة أماكن تواجد عدد كبير من عناصر المنظمة المذكورة.
كنا نقوم بعمليات انتقائية ضد قيادات المنظمة الإرهابية وضد أعضائها الفاعلين، من بينهم ديلغرد قائد كومندو ''ديلتا'' الفظيع
هل وجدت اشتباكات مباشرة معهم؟
نعم، لأن مواطنينا كانوا يتابعون أخبار التفجيرات والقتل الذي كان يطالهم يوميا وعن كثب، ولو بقينا مكتوفي الأيدي بدون أي ردة فعل، فإن مواطنينا كانوا يفقدون ثقتهم فينا، كنا نقوم بعمليات انتقائية ضد قيادات المنظمة الإرهابية وضد أعضائها الفاعلين، من بينهم ديلغرد قائد كومندو ''ديلتا'' الفظيع، والذي ألقي عليه القبض وأعدم بعد المحاكمة.
''أو.آ.آس'' هي التي دفعت بالأوروبيين الى الهروب
لم يكتف أعضاء منظمة الجيش السري بقتل الجزائريين فقط، بل حتى الأوروبيين، لماذا؟
يشاع إلى اليوم أننا نحن من روّج شعار ''الحقيبة أو القبو''. هذا غير صحيح، نحن كنا نعمل وفق احترام بنود اتفاقيات إيفيان، وبعضها كان ينص على احترام أملاك وحياة الأقلية الأوروبية، لأن الأموال والخبرة والمؤسسات الصغيرة كانت موجودة بين أيديهم، لكن منظمة الجيش السري شرعت في سياسة الأرض المحروقة وكانت تدمّر كل شيء، بينما كنا نحن نفكّر في كيفية إبقاء كل مظاهر الحياة مستمرة بعد الإمضاء على اتفاقيات ايفيان. في الحقيقة لم نكن نرغب في أن يرحل هؤلاء الأوروبيين، فمنظمة الجيش السري هي التي دفعت بهم في اتجاه الانتحار الجماعي، فعمقت فارق الهوة بيننا وبينهم. كنا نعتقد أن رحيلهم لن يكون في مصلحتنا. لكنهم رحلوا. وكانوا يعتقدون أننا سنغرق بدونهم، وهذا لم يحدث، لقد استمرت مظاهر الحياة، ونجحنا في تنظيم الدخول المدرسي بشكل يوحي بأن معجزة قد حصلت. وقد تحقق كل ذلك بفضل تعبئة جميع المواطنين .
ما هي الخطة التي وضعوها لحرق الجزائر العاصمة؟
كانوا يرغبون في حرق الجزائر العاصمة عن آخرها بوضع متفجرات، لكنهم عجزوا، لأن كل المغارات كانت بين أيدي جيش التحرير الوطني والفدائيين. لما جرت المفاوضات بين منظمة الجيش السري وعبد الرحمن فارس، رفضنا المشاركة باسم المنظمة المستقلة الثانية، جاءنا كريم بلقاسم رفقة العقيد محند أولحاج وقدّمنا رأينا، وكنا نعلم أن منظمة الجيش السري لن تتمكن من حرق العاصمة كما كانت تنوي، لأننا تمكنّا من التحكم في الوضع بشكل نهائي، فلماذا التفاوض معها إذن؟ لقد خسروا كل شيء، وكانوا في الأصل يرغبون في الحفاظ على بعض المكاسب، وكان جاك شوفالييه وجان بيار بيني، وبعض كبار الملاك يريدون تقديم تصوّر مغاير فأرادوا الضغط علينا، لكننا رفضنا مسايرة أفكارهم.
وهل نفّذتم عمليات عسكرية أم بقيتم متمسكين بمهامكم؟
كانت العائلات الجزائرية تتابع أخبار موت أبنائها، ولم يكن بإمكانها فعل أي شيء. بينما كنا نحن نكتفي باختطاف الرؤوس لمحاكمتها ثم إعدامها. وهذا لم يكن يعرفه المواطنين، أرادوا ذات مرة النزول إلى الأحياء الأوروبية للأخذ بالثأر، لكننا قمنا بمنعهم. وفي يوم 14 ماي 1962 قمنا بعملية عسكرية. أطلقنا النار على مقاهي ومطاعم يتردد عليها عناصر من منظمة الجيش السري وأوقعنا عشرين قتيلا. فصرح أمحمد يزيد بأن الأفالان ليس هو من نفّذ العملية، وجماعة عبد الرحمان فارس بروشي نوار قالت نفس الشيء. وفي اليوم الموالي عقدت ندوة صحفية، وصرحت بأننا نحن من نفّذ العملية ولجأت إلى حيلة وخدعة، فقلت أنا المسؤول عن المنطقة المستقلة وعضو مجلس الولاية الرابعة وعضو قيادة أركان الجيش عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وباسم كل هذه الهيئات نفذت العملية لأن اتفاقيات إيفيان لم تحترم.
بعد الاستقلال أعطوا حصصا لكل الولايات، ياسف سعدي أخذ حصته، فيدرالية فرنسا أخذت حصة بدورها، الجميع أخذ حصته إلا المنطقة المستقلة الثانية
ديغول عاد الى السلطة بفضل ''الأقدام السوداء''
وما هي علاقة الجنرال ديغول بمنظمة الجيش السري؟
فرض هؤلاء الأقدام السوداء على فرنسا طبيعة السياسة الواجب اتباعها بشأن الجزائر منذ الغزو. وخلال الحرب ضغطوا على السلطات الرسمية الفرنسية. إن الأقدام السوداء شكّلوا لوبي قوي وعنيف. ديغول عاد إلى السلطة بفضل هذا اللوبي، ظنوا أنه سيدعم سياستهم، لكنه خيّب آمالهم. نحن عرفنا ديغول مرتين في 1945 وكلّفنا 42 ألف قتيل وعرفناه بعد 13 ماي، حيث جاء بأكبر العمليات العسكرية، ضرب المجاهدين في الجبال وألحق بهم خسائر جسيمة، لكنه عجز عن القضاء على الثورة. لقد عانينا كثيرا في عهد ديغول وعرفنا حتى النابلم في عهـده. لقـد أخذنا الاستقلال بالقوة، ولم يمنح لنا من قبل ديغول، كما يردد بعض الشباب اليوم للأسف الشديد. نحن البلد العربي الوحيد الذي نزع الاستقلال من بلد محتل، أما باقي الشعوب العربية فقد منح لها الاستقلال.
ولماذا لا نعثر عن كتابات بشأن دوركم خلال هذه المرحلة الحساسة؟
سمعت العقيد سي حسان ـ يوسف الخطيب ـ يقول في فيلم وثائقي لبنيامين ستورا يقول إنه حرّر الجزائر العاصمة، مثلما حرّر الجنرال لوكلير باريس. هذا الكلام غير صحيح، علينا أن نكفّ على تزييف التاريخ. لقد دخل حسن الخطيب العاصمة وكانت مُحررة بشكل نهائي، وأعضاء المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة الثانية، هي التي قامت بذلك.
هل تعرفون اليوم عدد ضحايا منظمة الجيش السري؟
لا نعرف، لأن تاريخ 1962 تم حذفه، والدور الذي قمنا به تعرّض للتزييف والحذف بدوره. 1962 تاريخ المنطقة المستقلة لم يكتب. في 1962 بعثوا لنا برسائل لكي نحضر اجتماعا أخيرا للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، لما وصلنا الاستدعاء أجبناهم، وقلنا لماذا لا يجري الاجتماع في الجزائر العاصمة، اقتداء بالمؤتمر الأول للثورة الذي جرى في إيفري (الصومام) حتى تحضره الإطارات التي تكوّنت في السجون والجبال والمدن، وإطارات فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني حتى نتمكن من الوصول إلى برلمان ومنه تخرج حكومة جزائرية، لكنهم رفضوا طبعا.
بعد الاستقلال أعطوا حصصا لكل الولايات، ياسف سعدي أخذ حصته، فيدرالية فرنسا أخذت حصة بدورها، الجميع أخذ حصته إلا المنطقة المستقلة الثانية، لأنني تجرأت خلال اجتماع المجلس الوطني للثورة في طرابلس، وقلت أنني أختلف معهم، وأنني متمسك بالشرعية. لست مع الانقلابات. لقد انزعج مني بومدين كثيرا. سافرت إلى تونس ذات مرة للقاء بن خدة، فمسكني أحمد بن بلة من ذراعي، وقال لي: ''أنت هو الرائد عز الدين''، قلت له: ''نعم''، فقال: ''أريد أن أتحدث معك على انفراد''. وأراد أن يستدرجني إلى مكان منزو، لكني رفضت وقلت له ''إن الكلام بيننا يكون أمام الجميع''، ورفضت السير معه. نحن الآن في 2012 لا نملك أي ممثل في المنظمة الوطنية للمجاهدين، التاريخ كتبته السلطة بواسطة ممحاة، وإلى اليوم يعتبرون أنني مصدر إزعاج بالنسبة إليهم لأنني صاحب مبادئ، ولم يتوصل أي شخص شراء ذمتي.
قاموا بإبعادكم سياسيا، وقاموا بمحو، بشكل غير مباشر، جرائم منظمة الجيش السري؟
قاموا بمحو نضال الشعب الجزائري، لقد مات منا عدد كبير، وسلمنا العاصمة بدون إرهابيي منظمة الجيش السري. وهذا تعرض للمحو الكامل. اليوم حين ألتقي بالفدائيين أبكى نظرا لصعوبة أوضاعهم.
عين تموشنت لم تسلم من مجازر منظمة الجيش السري
ذكر الحاج هواري بوعكة، الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بعين تموشنت لـ''الخبر''، أن المنطقة الثالثة عانت من ويلات الأعمال الإرهابية لمنظمة الجيش السري بعد اتفاق وقف إطلاق النار خلال عام 1962، حيث كانت عاصمة الولاية عين تموشنت انطلاق أول عملية إجرامية نفذتها المنظمة التي أنشأها الجنرال ''صالون''، وذلك بوسط المدينة شارع أول نوفمبر الآن.
فاجأت سيارة من نوع ''جيب'' كان عليها بعض المسلحين من المنظمة المواطنين الجزائريين الذين كانوا جالسين خارج مقهى السابح المدعو مجدوب، حيث قام المجرمون برمي كل من كان خارج المقهى بوابل من الرصاص بطريقة عشوائية، مما أسفر عن إصابة العديد من المواطنين الجزائريين وقتل شخص من أولاد سيدي بوعزة حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا. وأضاف المتحدث أن يقظة مواطني حمام بوحجر حالت دون تنفيذ المجرمين لمجزرة حقيقية كانت تستهدف سجن شابر الذي كان يضم 680 معتقل، إذ انتقلت عناصر من اللفيف الأحمر قدموا من سيدي بلعباس على متن مروحية في صفة رهبان بتواطؤ من إدارة السجن للقضاء على جميع المساجين الذين كانوا بداخله. وذكر الحاج هواري أن وزراة المجاهدين راسلتهم من أجل هذا السجن قصد تصنيفه كمعتقل وطني لما شاهده من تعذيب وقتل في حق الجزائريين، ليتم القضاء أيضا على عضو مجموعة القائد سيكو بغدادي رميا بالرصاص دون شفقة، حيث كانت عائدة محملة بمواد مختلفة اقتنتها من السوق. وأضاف محدث ''الخبر''، أن منظمة الجيش السري قامت بتخريب بعض المنشآت الحيوية كانت متواجدة بالمنطقة، التي فقدت حوالي خمسة آلاف شهيد، ما بين مسجل في السجل الذهبي، منهم 185 شهيد وآخرين مفقودين، كما أنجبت المنطقة أحد الأوائل الذين استشهدوا في الثالث من نوفمبر، وهو الشهيد برحو قادة بالقرب من جبل سيدي قاسم ببلدية تارقة، إلى جانب عضو مجموعة الـ22 الذين خططوا للثورة التحريرية المجاهد أحمد بوشعيب الذي وافته المنية خلال شهر جانفي الماضي.
http://www.elkhabar.com/ar/autres/dossiers/283635.html