الرايات والأعلام في التاريخ العسكري الإسلامي
صالح ابن قربة
يعتبر موضوع الرايات والأعلام بأنواعها المختلفة في التاريخ العسكري الإسلامي من المواضيع الطريفة والشاقة في آن واحد طريفة لأنها تعتبر عن طبيعة الفرق وشخصياتها، وطموح زعمائها، ولعله في كثير من الأحيان، يمدنا بدلالات عما يختلج في نفوس أتباع هؤلاء من آمال يحلمون بتحقيقها في المستقبل(1).
وموضوع الرايات من جهة أخرى شاق، وشائك في نفس الوقت، ولا يزال الغموض يكتنفه، لقلة وندرة الأخبار التي تمدنا تفسير سبب اختيار لون دون آخر، أو توضح رمزيته. ولعل غموض الروايات ونذرتها، هي السبب في قلة استقصاء الباحثين في الموضوع من ناحية، وإلى تباين وتضارب آراء الباحثين الذين اهتموا بدراسة هذا الموضوع من ناحية ثانية، وهناك ملاحظة مهمة في هذا الشأن، وهي أن الفرق والدعوات الإسلامية، تبنت ألوانا معينة لشعاراتها تميزا لها عن غيرها من الفرق الأخرى. ومن أجل أن تبرر اختيارها لهذا اللون أو ذاك، وضعت أحاديث أو اخترعت روايات فحواها، أن الرسول (ص) استعمل هذا اللون راية له أو فضل ذلك على غيره. فقد روي أن اللون الأسود والأبيض كانا من ألوان رايات الرسول (ص) وكما ذكر أن الرسول (ص) فضل كذلك الأصفر والأخضر.
"الراية" و "اللواء" لفظان مترادفان يعنيان شيئا واحدا وهما قديمان قدم الحرب نفسها، لأنهما صاحباها من البداية وعاشا في خضمها منذ أول اشتباك وقع بين جمعين، وكانت الغاية من استعمالها جمع الشمل وتوحيد الكلمة، هذا فضلا عن أنهما الرمز الذي يلاذ به ويلتف حوله، فإذا رفعا رفعت الرؤوس وغلا في النفوس الاندفاع للمعركة. وعلى الرغم من كونهما خرقا على عصي أو رماح، فهما أهيب في القلوب وأهول في الصدور وأعظم في العيون(2).
وقد سجل التاريخ في ثناياه نماذج من قصص البطولة النادرة لأولئك الأبطال الذين حملوا محافظين بها على الرغم من الأخطار التي تحدق بهم، يدافعون عنها بكل ضراوة ويبذلون دونها الأرواح فتتهاوى جثتهم تحت أرماحها لتظل الراية خفاقة ويبقى اللواء مرفوعا(3)، لذلك كانت أنظار المقاتلين إلى صاحب الراية، لأن سقوطه يعني سقوطها، فإذا وقع أصابهم الذعر وتملكهم الفزع والخوف وغشيتهم رهبة الهزيمة. ولقد كان للعرب قبل الإسلام رايات مختلفة، ترفع وقت الحرب لتنظم القاتل تحتها وتتجمع حولها، فهي شارة القيادة ورمز الجيش.
وقد تضمن الشعر الجاهلي إشارات كثيرة إلى الراية واللواء والعلم والعقاب والعصبة والخال(4)، كما خلفت كتب التاريخ واللغة والحديث بهذه التسميات (المصطلحات)، بيد أن الشيء الذي يستوقف الباحث في هذه المسألة هو الخلط الشديد والواضح في استعمالها، والملابسات التي تكتنفها، ويبدو أن منشأ هذه الظاهرة اللغوي، لم تكن قصرا على القدماء فحسب، بل امتدت عدواها حتى بالنسبة للمعاصرين، والباحثين المحدثين، بحيث لا نجد في بحوثهم ودراستهم تحديدا أو توضيحا للفرق بينهما(5). نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما أورده "ابن منظور" في كتابه : (لسان العرب) في مادة "لوى"(6)، أن اللواء العلم والجمع ألوية وألويات، جمع الجمع قال : جمع النواصي ألوياتها، وفي الحديث لواء الحمد بيدي يوم القيامة. اللواء : الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش قال الشاعر :
غداة تسابلت من كل أوب
كتائب عاقدين لخم لوايا
قال وهي لغة لبعض العرب نقول : احتميت احتمايا، والألوية، كما عرفوها "الرازي" في معجمه (الصحاح) هي : "المطارد وهي دون الأعلام والبنود"(7) وفي الحديث لكل غادر لواء يوم القيامة، أي العلامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء شهرة مكان الرئيس. أما "ابن سبيدة" في معجمه (المخصص) فقد ذكر بأن الغاية : الراية وقد غييت غاية، عملتها، وأغييتها، نصبتها، والعلم الراية والجمع أعلام وكذلك العقاب وهي أنثى وقيل هي العلم الضخم(8) وأشار القلقشندي في (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء) إلى أن الأعلام هي الرايات التي خلف فوق السلطان(9). وتجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى أن هناك نصوصا كثيرة تناولت هذا الموضوع، لكن المجال لا يتسع لذكرها جميعا لذلك نكتفي بهذا القدر الذي لمسنا فيه مدى الخلط بين هذه المصطلحات والغموض الذي يحيط بكل كلمة من كلماتها.
لعبت الرايات منذ القدم دورا في تاريخ الشعوب والأمم، لاسيما فيما يتعلق بحياتها في الحرب والسلم، حيث كانت "تعقدها في مواطن الحرب والغزوات لعهد النبي (ص) ومن بعده الخلفاء"(10).
كانت الراية أو اللواء، هي الرمز الأساس لفرق الجيش الإسلامي، ولذلك كان يحملها القائد أو الأمير المباشر للمعركة أو مساعده، وغالبا ما كان يعهد بحمل الراية إلى من عرف بالشجاعة وروح التضحية وهو قبل المعركة يرشد الجند إلى المسالك، أما في الحرب فيضمن التفاف الجيش حوله، وجرت العادة أن الطرف المعادي يوجه ضرباته إلى حامل الراية قبل غيره، حتى يثبط من عزيمة الجيش ويعمل بذلك على اختلاف صفوفه(11). لأن ذلك يحدث زعزعة في النفوس وإحباطا في المعنويات.
1- دور الراية الحربي :
عرف الجاحظ الرايات، فقال ، هي : "خرق سود وحمر وصفر وبيض)(12)، ويفهم من عبارة هذا الكاتب، أن الرايات في الأصل ما هي إلا قطع من القماش أو الكتان ذات مقاسات مختلفة، وكان لكل دولة رايتها التي تتميز بها عن غيرها باللون وفي بعض الأحيان بالشكل.
ويبدو من دراسة التاريخ العسكري للمسلمين، أن الراية كانت تربك في طرف الرمح ويحملها قائد الجيش كما سبق أن ذكرت قبل قليل. ونظرا للدور الحربي الذي تلعبه الرايات في تاريخ الصراع بين الشعوب خصوصا أثناء المعارك القتالية الفاصلة، فقد علق عليها المسلمون أهمية خاصة منذ فجر الإسلام وبداية حركة الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين، حيث استعملوها كوسيلة للنداء في بعض معاركهم الحاسمة، نذكر من بين هذه المعارك معركة "فتح نهاوند" سنة 21 هـ، والتي تروي كتب التاريخ أن فاتحاه "النعمان بن مقرن" قال لجنوده : "إني هاز لوائي ثلاث هزات، فأما أول الهزة الثانية، فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه (أو قال شسعه)، وليتهيأ وليصلح من شأنه، وأما الثالثة، فإذا كانت إنشاء الله فاحملوا لا يلوين أحد على أحد"(13). ومن غير شك، أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا أرادوا الهجوم سرا وبغير جلبة تنبه العدو، وقد تواصل استعمال هذه الإشارات في العصر الثاني والثالث(14). وتواصل استعمال الرايات عند المسلمين في العصور التالية، فتكررت ضروب الألوية، وتنوعت أشكالها، وتعددت ألوانها وأطوالها وسميت بأسماء مختلفة. وللوقوف على التطور الذي عرفته الرايات في تاريخ المغرب الإسلامي العسكري، لا بد من استعراض مراحل تاريخها بدءا بعهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين ومن بعدهم الأمويين والعباسيين.
2- اللواء أو الراية على عهد الرسول (ص) :
كان الرسول (ص) ومن بعده الخلفاء الراشدين، يقودون الجيوش ويصحبونها إلى ساحات الوغى لرفع معنويات المقاتلين وإثارة الحماس في نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله. ولكن مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وتعقد إدارتها، أصبح وقت الرسول الكريم، لا يسمح له بالخروج في بعض الأحيان فكان يختار عند ذلك قائدا مستوفيا لمؤهلات القيادة، ويعينه لقيادة الجيش، ويعقد له لواء على رمح طويل ينشره أثناء السير إلى المعركة.
أ- أول لواء في الإسلام :
وأول ظهور اللواء في الإسلام، كان عند دخول الرسول (ص) إلى مدينة "يثرب" حيث حلف أنصاري أنه لا يدخلها إلى اللواء مرفوعا أمامه، فنزع عمامته ونشرها على رمحه وسار به أمام موكب الرسول (ص) وكان الرسول (ص) إذا عين قائدا على سرية للقيام بمهمة نصحه وأفهمه أهدافها وأوصاه بجيشه وسكان المناطق المتجهة إليها، فكان إذا ما انتهى من ذلك عقد له اللواء ولعل أول لواء حقيقي عقد في العهد النبوي سلم لحمزة
ابن عبد المطلب في السنة الأولى في غزوة "ودان" التي تعرف أيضا بالأبواء،(15) ولم يحدث فيها قتال مع قريش، وكان لواء حمزة أبيض، وقيل حمله أبو مرشد(16). وهكذا نلاحظ بأن الألوية والرايات كان يعلق عليها أهمية كبيرة قبل انطلاق الجيش والسرايا إلى الحرب وأثناءها، ففي غزوة "بدر الكبرى" حمل اللواء "مصعب بن عمير"، وراية المهاجرين "علي بن أبي طالب" وحمل أنصاري راية الأنصار(17) ، ومن المحتمل كانت الرايتان سوداوين. أما في غزوة "أحد" فقد حمل اللواء "مصعب بن عمير" كذلك، فلما قتل حمله "علي بن أبي طالب"، وبعد واقعة "أحد" استعد بنو أسد لغزو المدينة، فوجه إليهم النبي (ص) سرية بقيادة أبي سلمة الذي عقد له اللواء، وعند افتتاح أحد حصون خيبر عقد النبي الكريم راية لعلي بن أبي طالب الذي ظل يؤدي هذه المهمة إلى جانب النبي (ص) ،،، وذلك خلال فتح سائر حصون خيبر(18)، وبالإضافة إلى ذلك فقد أسندت إليه مهمة حمل الراية في غزوة قريظة(19)، وتبدو أهمية الراية في معركة مؤتة، التي واجه المسلمون فيها بجيش صغير من قوات الروم وأنصارهم من العرب، عندما عين الرسول ثلاثة قادة يتولون حمل الراية على التوالي كلما استشهد واحد، خلفه الذي يليه(20)، بدأ الهجوم باندفاع زيد بن حرثة وهو يحمل راية الرسول (ص) إلى صفوف العدو، وقاتل المسلمون معه قتال الأبطال حتى استشهد، فتسلم الراية خلفه جعفر بن أبي طالب، حتى استشهد أيضا، ثم تسلم الراية عبد الله بن رواحة(21). وفي غزوة "تبوك" حمل الراية "أبو بكر"،(22) ونستخلص من دراستنا للتنظيمات العسكرية في عهد الرسول (ص)، أن اللواء كان يركز في مسجد الرسول أو أمام دار القائد، وكانت هذه العلامة أي تركيز اللواء في المسجد النبوي أو أمام باب القائد، دلالة قاطعة على حالة التأهب والاستعداد للحرب، ففي السنة الأخيرة من حياة الرسول الكريم وفي زمن مرضه، عقد لواء لأسامة باتجاه البلقاء وقد اجتمعت جيوش أسامة في مكان يعرف باسم الجرف قرب المدينة(23)، وبدأ الاستعداد للرحيل، إلا أن موت الرسول (ص) جعل الخطة تتأثر بهذا النبأ ذلك أن أسامة لما سمع بموت الرسول الكريم، عاد باللواء وهو علامة القيادة، وركزه أمام مسجد الرسول، وظل اللواء معلقا أمام المسجد حتى خلفه أبو بكر الصديق، على رأس الدولة الإسلامية الناشئة، فأعاد اللواء إلى مكانه الأول أمام بيت أسامة(24)، وهذا يعني بطبيعة الحال التأهب من جديد للخروج إلى المعركة تحت قيادة أسامة(25). ويتبين مما تقدم استعراضه، أن الرسول والخلفاء الراشدين من بعده كانوا يعقدون اللقاء للقادة المتميزين في المسجد النبوي أو أمام دار القائد أو في أي مكان فسيح خارج
المدينة حيث يجتمع حوله الجند. أما بالنسبة لألوان الرايات والألوية في صدر الإسلام، فالثبت أنها كانت بيضاء، بدليل أن ولاء الرسول في غزواته الأولى أبيض اللون، كما هو الشأن في غزوة "ودان" وبدر الأولى وبني قنيقاع وبواط، ولكن في غزوة بدر الكبرى، فكان على رأس جيش الرسول (ص) لواء أبيضا ومعه رايتان سوداوان، كانت إحداهما من مرط لعائشة رضي الله عنها، وتسمى العقاب،(26) ونستخلص من ذلك أن الرسول (ص) اتخذ لونين رئيسيين لتمييز ألويته هما : الأبيض والأسود. ويجب ملاحظة أن الألوان في تلك الفترة لم تكن تمثل شعارا لكن رموز وشارات لها أهميتها ودورها في التاريخ العسكري الإسلامي عامة.
ومهما يكن من أمر، فالذي لا جدال فيه، أن الخلفاء الراشدين قد استعملوا نفس الرايات عند خوض المعارك، سواء داخل الجزيرة العربية أو خارجها، من ذلك مثلا أن أبا بكر الصديق في حروب الردة عقد أحد عشر لواء بحسب الفرق العسكرية التي أرسلها إلى مختلف مناطق شبه الجزيرة(27)، وخلال الحروب التي خاضها المسلمون بالشام في عهد أبي بكر أيضا، كان قد عقد لواء ليزيد بن أبي سفيان وحمله معاوية قبل أن يتولى خالد بن الوليد القيادة العامة، كما أوصى القادة أن يعقدوا لكل قبيلة لواء، وهكذا عندما اقترب خالد بن الوليد من دمشق عند ثنية العقاب نشر راية سوداء كانت للرسول (ص).(28)
وصارت الرايات من مستلزمات الحروب لأهميتها كوسيلة للتفاهم بين أفراد الجيش الواحد، ولذلك انتشر استعمالها في فتوح المسلمين بالعراق والشام ومصر والمغرب، لذلك كانت تتجه الأنظار مباشرة إلى حملة الرايات، خصوصا عند بدء الصدام في المعارك، حيث يتولى حامل الراية الإعلان عن الهجوم بالتكبير وقد يكرر التكبير مرات ثلاثا(29)، يستعد الفرسان في التكبيرة الأولى على جيادهم، وفي التالية يشعرون أسلحتهم، وفي الثالثة يحملون كتلة واحدة على العدو(30). واستمر هذا الأسلوب التاكتيكي يمارس في جميع الحروب الإسلامية بلا استثناء، ونذكر في هذا الشأن، ما حدث في "صفين" حيث شاركت قبيلة بكر إلى جانب علي بن أبي طالب، فأسند قيادتها إلى حضين وكانت له راية سوداء وجعل كل ألوية بكر تحت رايته(31).
وليس هدفنا هنا التأريخ للرايات منذ ظهورها كشارة في الحروب، لأن ذلك يخرج عن نطاق بحثنا هذا، وإنما اقتضى منا التسلسل التاريخي أن نقدم لها بتمهيد موجز يساعد على دراسة الرايات والأعلام التي استعملتها الدول الإسلامية في المغرب الإسلامي، وفهم أسباب التمايز والتفاضل في اختيار الألوان، التي اختلفت وتباينت باختلاف الدول والأقطار، وكان لها شأن عظيم في نظمها العسكرية، وهذه المسألة تجرنا إلى البحث في تطور مفهوم الراية عند المسلمين.
3- تطور مفهوم الراية في التاريخ العسكري الإسلامي :
وإذا كانت الألوان في صدر الإسلام لا تمثل شعارا أو رمزا قائما بذاته، فإن ذلك لا يعني البتة أنها ستظل كذلك، فاستقراء التاريخ الإسلامي يؤكد بأن مفهومها سيتطور ويتسع مدلوله تبعا لتعدد الدول واختلاف نظرتها إلى
الألوان، فلكل واحدة منها فلسفتها الخاصة في اختيار ما يناسبها من رموز وشعارات.
يقول "ابن خلدون" في شأن الرايات وأهميتها العسكرية : "...وما تكثير الرايات وتلوينها ,وإطالتها فالقصد به التهويل، لا أكثر، وبما يحدث في النفوس من التهويل زيادة في الإقدام، وأحاول النفوس وتلوناتها غريبة، ثم إن الملوك والدول يختلفون في اتخاذ هذه الشارات فمنهم مكثر ومنهم مقلل بحسب اتساع الدولة وعظمتها، وأما الرايات فإنها شعارا لحروب من عهد الخليفة(32).
وانطلاقا من تفسير ابن خلدون لمفهوم الرايات عند الأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم من دول المغرب الإسلامي، التي تعرفنا على أشكالها وخصائصها بما توفر لدينا من معلومات متفرقة في المصادر التاريخية والأثرية :
أ –راية الأمويين : فيما يخص راية الأمويين الرسمية فالمؤرخون مختلفون حولها، لا سيما فيما يتعلق بلونها وشكلها، ولم يعر المؤرخون مسألة الرايات أي اهتمام يذكر باستثناء البعض منهم، مثل "القلقشندي" الذي أشار في كتابه (مآثر الأناقة) الجزء الثاني إلى أن بني أمية : "كان شعارهم الخضرة، حكى صاحب حماة عن الملك السعيد صاحب اليمن المقدم ذكره أنه حين ادعى الخلافة وأنه من بني أمية لبس الخضرة، وهذا صريح في أن شعارهم الخضرة"(33).
وهناك من يرى بأن ألوية بني أمية كانت بيضاء، ومما لا شك فيه أن لون رايتهم لابد وأنه كان يخالف السواد "شعار العباسيين"، ومن المحتمل جدا وهذا بناء على الإشارات المقتضية السابقة، أن لون الراية أو اللواء الأمويين كانا من كتان ذي اللون الأخضر أو الأبيض هو شعارهم الرئيسي(34).
ورغم أهمية ما أورده القلقشندي بخصوص هذا الموضوع، فإننا نميل إلى أن البياض هو شعار الأمويين، بيد أننا مازلنا نجهل الشيء الكثير عن رايتهم من حيث المادة التي صنعت منها أو طولها ونوع العبارات الدينية والآيات القرآنية التي حليت بها، ومن المحتمل جدا ، وهذا بالقياس مع ما كتبه المسلمون على رايتهم من آيات، أنهم كتبوا عليها شهادة التوحيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ، وكذلك آية "نصر من الله وفتح قريب". وقد استمر اللون الأبيض فيما بعد شعار الموحدين في المغرب والأندلس الذين أولوه عناية خاصة في الحرب والسلم، كما سنرى عندما نتناوله في حينه.
ب- راية الخلافة العباسية :
كما علم الخلافة العباسية أسود اللون، فقد أضحى السواد شعار العباسيين طوال حكمهم، ولكن اختلف في اختيارهم السواد كما يستشف من كلام المؤرخين الذين عنوا بهذه المسألة، فبحثوها، وخلصوا إلى أن السبب في ذلك كما يراه "الماوردي" في كتابه : (الحاوي الكبير) في الفقه : (أن النبي (ص) عقد لعمه "العباس" رضي الله عنه في يوم حنين ويوم الفتح راية سوداء)(35). أما أبو هلال العسكري في كتابه : (الأوائل) فيرجع ذلك إلى : "أن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العباسي المعروف بالإمام، أول القائمين من بني العباس لطلب الخلافة قال لشيعته : لا يهولنكم قتلي، فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العباس، يعني السفاح فلما قتله مروان لبس شيعته عليه السواد فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم)(36). ويرى ابن خلدون رأيا مشابها فيقول بأن : (رايتهم كانت سودا
حزنا على شهدائهم من بني هاشم، ونعيا على بني أمية في قتلهم ولذلك سموا المسودة، ولما افترق الهاشميين وخرج الطالبيون على العباسيين في كل جهة ومصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك، فاتخذوا الرايات بيضا وسموا المبيضة ولما نزع المأمون، عن لبس السواد وشعاره في دولة عدل إلى لون الخضرة فجعل رايته خضراء)(37). وكان الخليفة العباسي المأمون قد استبدل السواد بالخضرة، بعد عودته إلى مدينة السلام قادما إليها من مدينة خراسان(38).والثابت تاريخيا، أن الإبقاء على الخضرة شعار للخلافة العباسية لم يستمر العمل به طويلا، إذ سرعان ما عاد المأمون نفيه إلى السواد، كما كان عليه الحال من قبل، وانتقت الخضرة إلى العلويين الذين اتخذوها شعارا لهم، إلى أن استبدلها الفاطميون بالبياض بعد نجاحهم في تأسيس الخلافة الفاطمية الشعبية ببلاد المغرب منذ سنة 297 هـ / 909 م. وهكذا لعبت الأولى دورا رئيسيا في السياسة والمجتمع وأصبحت الألوان الزاهية في الملابس من الأمور التي يحرص عليها كل فرد في الخلافة العباسية في الحفلات والمناسبات(39). وما دمنا بصدد بحث راية السواد شعار العباسيين، فلابد من الإشارة هنا إلى سرعة انتشار هذا اللون في عديد من البلدان والدول الإسلامية التي كانت تدين بالطاعة واللواء للعباسيين، حيث تبنته كشعار رسمي في ألويتها وأعلامها، وملابسها، ومن بين تلك الدول، نذكر "دولة بني زيري في إفريقية" التي أعلنت استقلالها السياسي والمذهبي عن الفاطميين منذ سنة440 هـ / 1048 م، حسبما أورده صاحب البيان بقوله : "وفي سنة 440، قطعت الخطبة لصاحب مصر، وأحرقت بنوده، قال ابن شرف : وأمر المعز بن باديس بأن يدعى على منابر إفريقية للعباس بن عبد المطلب، ويقطع دعوة الشيعة العبديين"(40).
وهكذا ابتداء من سنة 443 هـ أصبح لبس السواد من الأمور الرسمية بمدينة القيروان مع الدعاء لبني العباس، وهذا ما يؤكده ابن شرف : "في جمادى الثانية، أمر المعز ابن باديس بإحضار جماعة من الصباغين، وأخرج لهم ثياب بيضاء من فندق الكتان، أمرهم أن يصبغوها سوداء،فصبغوها بأحلك السواد، وجمع الخياطين فقطعوها أثوابا، ثم جمع الفقهاء والقضاة إلى قصره وخيبي القيروان، وجمع المؤذنين، وكساهم ذلك السواد)(41). أما فيما يتعلق بمصر الأيوبية، فقد عمل سلاطينها على إسقاط نظم الدولة الفاطمية وإحلال نظم الخلافة العباسية محلها، فأصبحت هي الخلافة التي يدين بها المسلمون بولائهم الروحي تعبيرا عن شعور الفرح بذلك النصر العباسي المستضيء بإرسال الخلع إلى صلاح الدين، ومعها الأعلام، الرايات السود شعار العباسيين(42).
4- وصف راية العباسيين.
لم تمدنا المصادر التاريخية التي تناولت تاريخ العباسيين بإسهاب، بأية معلومات دقيقة عن ألويتهم
وراياتهم والمادة التي كانت تصنع منها، ولا حتى أطوالها وطرق استعمالاتها والغاية من رفعها في الحرب والسلم باستثناء بعض الأخبار المتفرقة التي وردت هنا وهناك والتي نستدل منها على أن علم الخلافة العباسية، كان أسود اللون، ومع ذلك فإن المادة التي نستقيها من المصادر التاريخية شحيحة، لا تفي بالمطلوب، لذلك نلجأ إلى المصادر الأثرية التي تسعفنا في استكمال هذا النقص، بفضل ما توفر لدينا من مادة أثرية، لا سيما على المنسوجات والمخطوطات المزوقة من ذلك مثلا مقامات الحريري التي رسمها "الواسطي"، والتي تألف مجموعة من القصص تميزت بدقة الملاحظة وغزارة المادة والخيال الخصب. لقد اكتسبت هذه المقامات كما اكتسب مؤلفها "القاسم بن علي الحريري" شهرة واسعة ومكانة في الأدب العربي لما حوته من عروض وتجوال وتغلغل في البيئة والمجتمع الإسلاميين(43).
ويمكن القول بأن رسوم "الواسطي" التي أوضحت تلك المشاهد بالصورة، كانت أصدق تعبير وأوسع دراسة شاملة للمجتمع الإسلامي في العصر العباسي، وبالتالي فهي وثيقة معاصرة، تساعدنا في التعرف على شكل الأعلام العباسية وأحجامها والمناسبة التي تظهر فيها، هذا فضلا عما تلقيه من أضواء حول خصائصها الكتابية والجمالية خصوصا "تصويرة فرسان ينتظرون المشاركة في استعراض" من مخطوط مقامات الحريري المحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس(44، أما بالنسبة للرايات والألوية العباسية فقد صنعت من مادة الكتان الأبيض ثم تصبغ باللون الأسود، لقد عرفت الأصباغ أيام الرسول (ص) وكانت بسيطة جدا، وحبب استعمال الزعفران والورس في تلوين الثياب، فكان عليه الصلاة والسلام يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة(45). واستمرت عادة صبغ الثياب بالزعفران في أيام الخلافة العباسية ببغداد إلى جانب الأصباغ المتنوعة(46)، وأن جل الأصباغ التي استخدمت في تلوين المنسوجات الإسلامية العراقية ومنها الأعلام والرايات، مصدر نباتها من صبغة الورس وهو اللون الأصفر، يؤخذ من شجرة الورس التي تكثر في اليمن، يهمنا من هذه الألوان جميعها اللون الكحلي الذي يحصل عليه بعد غطس النسيج في مادة الجراد ويحرك باستمرار ثم ينتقل إلى دن كبير وبعدها يجفف(47). ولكي تثبت الأصباغ على المنسوجات، كان على الصباغ أن يقوم بإضافة كمية من الشب أو قشور المان أو عصير الليمون الحامض، وكذلك يستعمل عصير التمر الهندي في الأصباغ كي تحافظ على بريقها ورونقها(48).
أما فيما يخص شكل الراية، فقد كانت طويلة مستطيلة الشكل وهذا بالقياس مع ما رسمه "الواسطي" في التصويرة السالفة الذكر. وطبقا لبعض الإشارات التاريخية، فإن طول الراية كان يتراوح بين 2 إلى 3 أمتار على وجه التقريب، تثبت على رمح طويل مقاساته بين 4 أو 5 أمتار، يجمله القائد الذي يتقدم الجيش، أو يعلق على الخيمة التي يستقر فيها القائد أو الأمير قبل الصدام العسكري.
• العبارات الدينية المنقوشة على الراية :
استنادا إلى الوثائق التاريخية والأثرية التي بين أيدينا، كانت عليها باللون الأبيض وتتألف من الشهادتين في شريط زخرفي أو شريطين أو أكثر، نفذت جميعها بأسلوب الخط الكوفي البسيط ذي الحروف المتقنة الأطراف على هذا النحو (49):
1- الشريط الأول :
لا إله إلا الله
2 – الشريط الثاني :
محمد رسول الله
وعلى الرغم من قلة المعلومات في هذا الموضوع، فإننا نرجع استعمال العباسيين – إلى جانب الشهادتين- آيات قرآنية مثل : "وما نصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" والصمدية أي "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد"، ولا سيما "نصر من الله وفتح قريب"(50)، ومن المحتمل جدا أن الراية العباسية كان عليها إسم الخليفة وألقابه. ومع تقدم صناعة المنسوجات واستخراج الأصباغ المختلفة في العصر العباسي، نعتقد، بأن الكتابة على الألوية والرايات العباسية نفذت باللون الذهبي على السواد، لأهمية هذا اللون في إبراز الكتابة والشعار الذي تحمله الرايات في ذلك الوقت، ومما يزيد إيماننا بهذا الترجيح وجود رايات سوداء ذات الزخارف والكتابات الذهبية في تصويرة الفرسان التي سبقت الإشارة إليها في مخطوط مقامات الحريري، ولا بد أن كتابات الرايات العباسية قد تنوعت عباراتها واختلفت عبر خمسة قرون ونيف.
ج- راية الفاطميين : (297 -567 هـ /909 -1171):
استعرضنا في الصفحات السابقة الخطوط العريضة لراية العباسيين وحقيقتها ومجالات استعمالاتها المختلفة، التي تظهر فيها، وقد تبين لنا من ذلك أن الألوية والرايات العباسية، والدول الإسلامية التي سارت على دربها كانت سوداء، وظهرت هناك محاولات المأمون لتغييرها ولكن دون جدوى. ونريد في هذا النطاق أن نتتبع تلك الخطوط العريضة، علنا نخرج منها بصورة شاملة أو قريبة من الواقع عن راية الفاطميين، والتي نتوقع أنها ستتخذ مسارا مخالفا تماما عن راية العباسيين، ولتوضيح المسألة الشائكة نحتكم أولا إلى المصادر التاريخية ثم المصادر الأثرية ثانيا، إن وجدت، حتى تكتمل الصورة الحقيقية عن راية الخلافة الفاطمية، خصوصا وقد توفرت لدينا مجموعة لا بأس بها من كتب التاريخ أمدتنا بمعلومات غاية في الأهمية عنها نذكر من بينها العلامة ابن خلدون الذي يشرح اسم راية الفاطميين وسبب اتخاذهم لون البياض حيث يقول : "ولما افترق أمر الهاشميين وخروج الطالبيين على العباسيين في كل جهة ومصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك، فاتخذوا الرايات بيضا وسمو المبيضة لذلك سائر أيام العبيديين"(51).
وتأسيسا على ذلك، فقد كان لباس خلفاء الفاطميين من البياض ومع أهمية إشارة ابن خلدون، فإننا نعتقد بأن هؤلاء الخلفاء لم يلتزموا به طوال تاريخهم، ونظرا لأهمية هذا الموضوع ينبغي علينا إعطاء وصف رايتهم، أن نمهد لها بالبحث في طبيعة بنود الفاطميين منذ ظهورهم على مسرح الأحداث ببلاد المغرب، على يد عبد الله الشيعي، وكان في مقدمة هذه الإجراءات التي لها علاقة مباشرة بنظام الحكم ومفهوم الملك عند الشيعة الفاطميين، أن نقش على خاتمة (أي أبي عبد الله الشيعي) هذه الآية الكريمة : "فتوكل على الله إنك على الحق المبين"(52)، وفي الخاتم الذي يطبع به السجلات : " وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكماته وهو السميع العليم"(53)، ووشم في أفخاذ الخيل : (الملك لله). ويهمنا من هذه الشعارات جميعها ما كتبه في بنوده، كالتي ما زلنا نجهل مادتها ولونها، وطول الرقعة التي كتبت عليها، وعلى الرغم من قلة الإشارات حولها، فإننا نرجع صنعها من الكتان الأبيض، الذي يخالف شعار العباسيين، والأغلبية الذين كانوا على مذهب بني العباس، ومن غير شك فإن بنودهم وراياتهم لا بد أنها كانت تتبع رايات العباسيين على الأقل في اللون. وفي ظل الإجراءات السابقة، اختار أبو عبد الله الشيعي آيات قرآنية كتبها على بنوده مثل : "سيهزم الجمع ويولون الدبر"(54) "قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا"(55) ، وآيات كثيرة من القرآن في هذا المعنى(56).
أما بالنسبة لبنود وألوية الخلافة الفاطمية منذ حكم عبد الله المهدي أول خلفائها ببلاد المغرب الإسلامي، فالمعلومات شحيحة إن لم تكن منعدمة تماما، لا سيما فيما يتعلق بطبيعتها و أحجامها ونوع الآيات والعبارات الدينية التي كتبت عليها، وهل عقدوا الألوية وولاتهم على المناطق والولايات وكذلك ولاة عهودهم، على غرار ما كان معمولا به عند العباسيين، المهم أن هذه المسألة ستظل إشكالية مطروحة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء من الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار إلى أن تكتشف وثائق جديدة تميط النقاب عنها، ومع ذلك فهناك نصوص تاريخية تتضمن معلومات دقيقة تصور لنا دور البنود في حروب المعارضين والثائرين على حكم الفاطميين، هذا علاوة عما اشتملت عليه من العبارات والآيات القرآنية التي رفعوها شعارا لهم ضد الفاطميين، من بين ذلك مذكر بنود أبي يزيد بن كيدان اليفرني الزناتي الذي انتصر عليهم ودخل مدينة القيروان سنة 333هـ، ودعا الناس إلى جهاد الشيعة، وأمرهم بقراءة مذهب مالك فلما ركبوا مع أبي يزيد بالسلاح ومعهم البنود، والطبول منها بندان أصفران(57)، مكتوب في أحدهما البسملة و (محمد رسول الله) وفي الآخر "نصر من الله وفتح قريب"(58)، على يد الشيخ أبي يزيد، اللهم انصر وليك على من سب أولياءك)، وبند آخر مكتوب : "قاتلوا أيمة الكفر"، وبند آخر فيه مكتوب : "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم"(59)، وبند آخر مكتوب فيه بعد البسملة أيضا : ( محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفارق)، وبند آخر وهو السابع فيه : ( لا إله إلا الله. محمد رسول الله. "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه من اللذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"(60).
ويتبين من استعراضنا لدور البنود والرايات في الحرب على الفاطميين من قبل أعدائهم، أن هؤلاء اختاروا لبنودهم اللون الأصفر، مخالفة للفاطميين الذين سميت رايتهم (المبيضة)، وحتى الشعارات التي رفعها أبو يزيد مخلد بن كيداد تعتبر تحد سافر للخلفاء الفاطميين من جهة، ومن جهة أخرى، نجد بأن اللون الأصفر الذي ساد بنود أبي يزيد كان يرمز عند الذين يهتمون بخصائص الألوان إلى الأرض وثروتها ...
فهل كان هذا اللون الأصفر يشير لوحدة المغاربة تحت راية أبي يزيد على العدو المشترك من الشيعة الإسماعليين ؟ المهم أن مسألة البنود والرايات ظلت تلعب دورا غير مستهان به، حتى بعد خروج الفاطميين من بلاد المغرب وانتقالهم إلى مصر، حيث اعتنوا بها عناية خاصة واعتبروها شارة من شارات الحكم، وكانت من بين الوسائل التي تؤكد أو تنفي سيادتهم على إقليم من الأقاليم التابعة لهم، فكان يحرص عليها الخليفة والأمير والنائب في مجالات الحياة السياسية والعسكرية، يدل على ذلك ما ذكره ابن عذاري في حوادث سنة 404 هـ : "وفي سنة 404 وصل سجل من الحاكم إلى نصير الدولة (الزيزي) يذكر فيه أنه جعل ولاية العهد في حياته لابن عمه أبي القاسم عبد الرحمن بن إلياس، فقرئ بجامع القيروان والمنصورة وأثبت اسمه مع اسم الحاكم في البنود
والسكة"(61). وفي سنة 405 هـ : (أخرج نصير الدولة هدية جليلة إلى الحاكم وشيعها بالطبول والبنود من المنصورية)(62).
5- وصف الراية الفاطمية :
طبقا لما ذكره ابن خلدون في نصه السابق، كانت راية الفاطميين بيضاء، تتألف من رقعة من الكتان مستطيلة الشكل رسمت عليها أحيانا أهلة من ذهب، في كل منها صورة سبع من الديباج الأحمر وقد شبهها أحد الشعراء بشقائق النعمان وكما هو واضح، فإن ما ورد بخصوص الرايات الفاطمية، قليل جدا، لا يعطينا إلا تلميحات متفرقة، لا تسعف الباحث في هذا المجال. وإذا كانت هذه أوصاف الراية الفاطمية كما وردت في كتب التاريخ، وهي كما تبدو مبتورة غير كافية، فإن الأمر يكون أكثر صعوبة عندما نحاول البحث عن صورتها في المصادر المادية ولا سيما المخطوطات والخزف والنسيج، فهذه الأخيرة رغم ما حفلت به من صور الحياة الاجتماعية وحياة البلاط الفاطمي فهي لا تقدم لنا رسما أو سورة عن شكل الراية أو لواء الفاطميين. ولكن فيما يتعلق بالعبارات المسجلة على الرايات والألوية يمكن استخلاصها اعتمادا على ما كتبه أبو عبد الله الشيعي في بنوده، وما نقشوه على مسكوكاتهم، وبناء على ذلك فإننا نرجع العبارات والآيات القرآنية التي سنوضحها فيما بعد، والتي نعتقد بأن شهادة التوحيد لا بد وأنها كانت تتصدر الرايات الفاطمية وألويتهم. وفيما يلي بيان بذلك :
الشريط الأول : لا إله إلا الله محمد رسول الله
الشريط الثاني : "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا".
بالإضافة إلى أسماء الخلفاء كما يتجلى من لواء الدولة الفاطمية التي دخلت مدينة بغداد سنة 450 هـ، فكان مكتوبا عليها : الإمام المستنصر بالله، أمير المؤمنين أبو تميم معد، بالإضافة إلى الشاش والشطفة والعذبة التي تعتبر هي الشيء الأكثر إثارة وجوهرا، فضلا عن الآية القرآنية "نصر من الله وفتح قريب"(63) . أما بالنسبة لتنفيذ الكتابات على الرايات والبنود فقد كانت تتم باللون الأسود أو الأحمر بأسلوب الخط الكوفي المورق أو المزهر الذي عرف ازدهارا وتطورا كبيرين في عصر الفاطميين. وقبل أن نختم كلامنا عن الراية نود الإشارة إلى نقطة مهمة لها علاقة بها، وهي ظهور رسوم الأهلة، يحتضن كل منها صورة سبع من الديباج الأحمر على الراية الفاطمية، وعلى رماحهم كذلك، كما أشار إلى هذه الظاهرة الزخرفية الرمزية مؤرخ مصر الإسلامية تقي الدين المقريزي(64).
لقد عرف شكل الهلال كعنصر زخرفي في الفن الإسلامي عامة، ولكن من الناحية التاريخية يعتبر الفاطميون أول من استعمل الهلال كشعار في الرايات الإسلامية، ثم اتخذه العثمانيون شعارهم الدولي، ولقي عندهم رواجا كبيرا، حيث ظهر على واجهات المباني وعلى الأعلام، والرايات العسكرية وهناك من المستشرقين من يدعي أن الفاطميين لا بد وأنهم اقتبسوه عن طريق البزنطيين الذين كانوا قد اتخذوا القمر شعارا لهم، ويذكرون المناسبة التي ظهر فيها، وهي أن هؤلاء كانوا يحاصرون بلدا، فلما بدا القمر كشف لهم عن موضع تمكنوا من خلاله أن يتسوروا البلد فانتصروا واتخذوه منذ ذلك الوقت شعارا لهم (65)، ويبدوا أن هذه الحجة واهية لا أساس لها من الصحة، وهي أقرب إلى الأسطورة منها إلى الحقيقة التاريخية، ومن غير المعقول أن يتخذ الأتراك العثمانيون المتعصبون لجنسهم والمتمسكون بالدين شعار دولة أجنبية تخالفهم جنسا ودينا. ولعل إقدام العثمانيين على اتخاذ الهلال رمزا وشعارا لدولتهم جاء من كون الهلال له علاقة ببعض الشعائر الدينية الإسلامية مثل صوم رمضان، كما أن انشقاقه يعتبر معجزة الرسول (ص) وهكذا استنكر الخلفاء الفاطميون من الأعلام والبنود والرايات في الحرب والسلم، وأصبحت تشكل شارة هامة في نظام حكمهم لارتباطها بحياتهم الخاصة والعامة، فظهرت في المناسبات والاحتفالات على حد سواء. وأما الاستنكار منها فلا ينهي إلى حد، وقد كانت آلة العبيديين لما خرج العزيز إلى الشام خمسمائة من البنود وخمسمائة من الأبواق)(66). وبالإضافة إلى الخلافة الفاطمية، فقد كانت أعلام القرامطة بيضاء، هذا فضلا عن ملابس خلفاء الفاطميين وخطبائهم، وربما تكون هناك علاقة بين لباس الشيعة وبين اللباس الأبيض الذي اتخذته الفرق الغنهوسية كما كان الشيعة في أول الأمر يلبسون البياض، ويقول الشاعر ابن سكرة(67).
إن عيــــد أهل قـــــم
وقــــاشان والكـــرج
يتــــلاقى بـــياضهــــم
بلقـــرب من النســـيج
وقال بعض رؤساء الشيعة المخالفين لما عليه جمهورهم، وقد لبس سواد : "بيض قلبك، وألبس ما شئت"(68). تلك كانت أهم الأخبار التي جمعناها من مختلف المصادر والمراجع.
6- راية الأمان :
كما هو الشأن في حالة الأعلام والرايات عند الأمم والشعوب وقت المعارك والحروب، كان لراية الأمان أهمية كبيرة في وقف القتال ومنح الأمان، وهكذا كانت راية السلم والأمان عند المسلمين عبارة عن رقعة بيضاء من الكتان مجردة من الشعارات، تنكس عند إعلان الأمان كما يتضح من عبارة الطبري التي يصف فيها قتال السفن حيث يقول : "وكانوا وقت الحرب إذا استأمنت شذاة من شدوات العدو، كان أهلها ينكسون علما أبيض يكون معهم"(69). وتأكيدا لما ذكر الطبري، يروي صاحب كتاب (وفيات الأعيان) في ترجمة القائد جوهر الصقلي من خير دخوله مصر ما نصه : "فعاد إليه بأمانهم وحضر رسوله ومعه بند أبيض وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب"(70). وعلى إثر ذلك هدأت المدينة، وسكن الناس، وخاصة بعد أن طاف صاحب الشرطة السفلى بصحبة رسول جوهر يحمل علما أبيضا(71). ويتبين مما سبق أن رايات الأمان كانت بيضاء كما هي اليوم، ولكن قد يكون تنكيسها علامة الاستئمان، أما اليوم فيكون برفعها(72)، وإلى جانب هذه الوسيلة، كانت هناك طرق أخرى يستعملونها عوض الرايات البيضاء بالمنكسة، فيلجأ أحيانا إلى وسيلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، من ذلك أنهم يرفعون على الرماح المصاحف الشريفة طلبا للأمان، كما حدث في صدر الإسلام في حرب صفين التي وقعت بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان عام 36 هـ / 657 م، فقد أمر أصحابه برفع المصاحف على الرماح(73).
7- البوق :
تعتبر آلة البوق من شارات الملك لا تقل أهمية عن الراية نفسها في الحروب وقد تحدث ابن خلدون عن دورها فقال : "فمن شارات الملك اتخاذ الآلة من نشر الألوية والرايات وقرع الطبول والنفخ في الأبواق والقرون ... وأن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب فإن الأصوات الهائلة لها تأثير في النفوس(74) ويقول كذلك : "ولأجل ذلك تتخذ العجم في مواطن حروبهم الآلات الموسيقية لا طبلا ولا بوقا، يحذق المغنون بالسلطان في موكبه بآلاتهم ويغنون، فيحركون نفوس الشجعان بضربهم إلى الاستماتة وقد رأينا في حروب العرب من يتغنى أمام الموكب بالشعر ويطرب فتجيش همم الأبطال بما فيها ويسارعون إلى مجال الحرب وينبعث كل قرن إلى قرنه. وكذلك زناتة من أمم المغرب يتقدم الشاعر عندهم أمام الصفوف، ويتغنى فيحرك بغنائه الخيال الرواسي، ويبعث على الاستقامة من لا يظن بها، ويسمون ذلك الغناء تاصوكايت)(75).
واستعمل البوق لجمع الجنود، وتنبيههم، وكذلك لبدء الهجوم، والظاهر أن هذه الآلة لم تستعمل في العصر الأول وإنما طبقت في القرن الثالث الهجري، أي العصر العباسي الثاني، بدليل أن الموفق طلحة أمر جنوده في حرب الزنج سنة 270 هـ ألا يزحف إلا إذا حرك علما أسود كان قد نصبه ونفخ في بوق، وهو ما أشار إليه ابن الأثير بقوله :
"ولم يزل الموفق يقاتلهم على مكرهم حتى تهيأ له فيه ما أحبه في خلقه، فلما فرغ منه عزم على لقاء الخبيث، فأمر بإصلاح السفن والآلات للماء والظهر، وتقدم إلى أبي العباس إبنه أن يأتي بالخبيث (أي صاحب الزنج) من ناحية دار السهلي وخرق العساكر من جميع جهاته، وأضاف المستأمنة إلى شبل وأمره بالجد في قتال بالخبيث، وأمر الناس ألا يزحف أحد حتى يحرك علما أسود كان نصبه على دار الكرماني، وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت ...، ولم يعلم سائر العساكر بذلك لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم بعضا(76)، وأمر الموفق بتحريك العلم الأسود والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضهم بعضا". وهذا حسب ما ذكره صاحب كتاب (نفح الطيب)(77). يبدو من التاريخ العسكري للمرابطين أن البوق استمر عندهم كوسيلة حربية حيث كانوا يضربون في الطبول وينفخون في الأبواق(78). ومهما يكن أمر البوق ودوره في تاريخ الصراع بين الدول المختلفة، فقد اختفت من قاموس الحرب في المغرب الإسلامي بعد ذلك، فما يؤسف له أنه تصل إلينا إشارات عن استعمالاتها في العصور التالية خصوصا عند الموحدين الذين تخلوا عنها نهائيا واستبدلوها بالطبول التي لقيت عناية وإقبالا شديدين واستبدلوها بالطبول التي لقيت عناية وإقبالا شديدين عندهم وعند خلافاتهم من المرينيين ولا يزال البوق إلا اليوم في الجيوش الحديثة يعرف باسم (البوري)(179).
الجزائر – صالح بن قربة
مصادر ومراجع البحث
أ - المصادر :
1- ابن أبي زرع، (علي بن محمد بن حمد بن عمر الفاسي).
- الأنيس المطرب بروض القرطاس في اختيار ملوك الغرب وتاريخ مدينة فاس.
أو بسالة، نشر تورنبغ، 1843 م.
2- ابن الأثير الجزري، (علي بن أحمد بن أبي كرم).
- الكامل في التاريخ – الجزء الثاني، بيروت 1965، القاهرة بدون تاريخ.
3- ابن حيان الأندلسي- المقتبس في تاريخ الأندلس، القسم الرابع.
4- ابن خلدون، (عبد الرحمن).
- المقدمة (تحقيق عبد الواحد علي وافي) 4 أجزاء. القاهرة، لجنة البيان العربي 1966 م.
- 5- ابن خلكان، أبو العباس أحمد بن إبراهيم).
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. القاهرة، 1948، ج1.
6- ابن سعد، (أبو عبد الله محمد بن سعد بن منبع البصري).
- الطبقات الكبرى، 1، بيروت، دار صادر 1957 م.
7- ابن سيدة المخصص، ج1، بيروت بدون تاريخ، طبعة المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر.
8- ابن صاحب الصلاة، (عبد الملك).
- تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين، (تحقيق الهادي التازي).
بيروت، دار الأندلس للطباعة والنشر 1964.
9- ابن عبد ربه، (أبو عمر أحمد بن محمد الأندلسي).
- العقد الفريد – (تحقيق سعيد العريان) القاهرة المكتبة التجارية الكبرى 1953 م.
10- ابن عذاري المراكشي.
- البيان المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب – الجزء 1، نشر وتحقيق كولان، ليفي بروفنصال بيروت 1948 م.
11- ابن مسكوية – تجارب الأمم الجزء الخامس.
12- ابن منظور، (جمال الدين محمد).
- لسان العرب الجزء 15 بيروت، ط. دار صادر للطباعة والنشر والتوزيع 1956م.
13- ابن هشام، (ابن عبد الملك)، السيرة النبوية، الجزء الثاني. القاهرة 1936.
14- أبو المحاسن، (ابن ثغري بردي).
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – الجزء الثاني، القاهرة.
15- البكري، (أبو عبد الله عبد العزيز).
- المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب. (نشر وتحقيق دوسلان)، باريس 1956 م.
16- البلاذري، (أحمد بن يحيى ابن حابر) – فتوح البلدان – شركة إحياء الكتب العربية.
17- الجاحظ، (عمر بن بحر ابن محبوب أبو عثمان).
- البيان والتبيين – الجزء الثالث، القاهرة، مصر 1956 م.
18- الرازي، (الشيخ محمد بن أبي بكر عبد القادر).
- الصحاح، بيروت ط، دار الحداثة 1982 م.
19- الطبري، (محمد بن جرير)، -تاريخ الرسل والملوك- الجزء الثاني.
20- القلقشندي، (أبو العباس أحمد).
- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء – الجزء الثالث. القاهرة، الطبعة الأميرية، 1915 م.
- مآثر الأناقة في معالم الخلافة – الجزء الثاني، (تحقيق عبد الستار أحمد فراج)، بيروت عالم الكتب، 1964 م.
21- المقديسي، (أحمد بن سهل البلخي).
- البدء والتاريخ – الجزء الرابع – باريس، نسخة مصورة، 1899.
22- المقري، (أحمد بن محمد المقري التلمساني).
- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب –الجزء الأول (تحقيق إحسان)، بيروت، دار صادر 1382 هـ /1966.
23- المقريزي، (تقي الدين أبو العباس)، -كتاب السلوك.
- كتاب العلل، (مخطوط برلين 8326).
ب – المراجع :
1 – إبراهيم الشريف، (أحمد) : الدولة الإسلامية الأولى.
2- أحمد فكري – قرطبة في العصر الإسلامي.
الإسكندرية، نشر مؤسسة الشباب الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع 1983 م.
3- أمين الخولي، - الجندية والسلم.
4- آدم ميز، -الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة الجزائر – ديوان المطبوعات الجامعية. 1984 م.
5- استنغهاوزن، (رتشارد).
- فن التصوير عند العرب – ترجمة عيسى سلمان وسليم طه التكريتي، بغداد 1974 م.
6- جمال بن سرور.
- الحياة السياسية في الدولة العربية خلال القرنين الأول والثاني بعد الهجرة، القاهرة. دار الفكر العربي، 1966 م.
7- جورجي زيدان، -تاريخ التمدن الإسلامي- الجزء الأول.
8- حركات إبراهيم.
- المغرب عبر التاريخ –الدار البيضاء، دار السلمى، بدون تاريخ.
- السياسة والمجتمع في عصر الراشدين، بيروت، طه. الأهلية للنشر، التوزيع، 1985 م.
9- رشيد الجميلي، - تاريخ العرب، بيروت 1982 م.ذ
10 –صالح بن قربة، - التنظيمات العسكرية في عهد الرسول (ص) الجزائر 1985 م.
11- عبد العزيز الدورى – تاريخ العراق الاقتصادي.
12- عبد العزيز سالم – تاريخ الدولة العربية، بيروت 1971 م.
13- عمر فروج، -تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية بيروت (دار العلم للملايين) 1970م.
14- علي حسن إبراهيم ، -مصر في العصور الوسطى، القاهرة، دار السعادة بمصر، 1964م.
15- عنان عبد الله: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس، القسم الثاني، القاهرة.
دار لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1964 م.
16- فريال داود المختار، -المنسوجات العراقية الإسلامية، بغداد، وزارة الإعلام 1976 م.
17- محمد مكية، تراث الرسمي البغدادي، بغداد، وزارة الإسلام، بدون تاريخ.
18- الغلابي، -أصحاب بدر، بدون تاريخ.
1- AMADER de Los Rios. R ;
Trofeos Mitares de la reconquista en Senas
2- DEBREUIL, les Pavillons Musulmans (Héspéris. H. 1960- PP584.549.)
3- Huilgas, Musulmanes de Real mon.
4- Srejeant , R.B, Material for Ahistory of Islamic textiles Vol 9.1942. Pp 71-72.
La grande Encyclopedie, le coroissant. T 13, Paris (s.d) Pp. 463-464.
(1) – د. فاروق عمرو، الألوان ودلالتها السياسية في العصر السياسي الأول – مجلة كلية الآداب- جامعة بغداد- عدد 14 – 1970 – 1971 م. ص 827.
(2) – نوري القيسي : اللواء والراية، مجلة الأقلام العراقية، العدد 1، 1964 م ص152.
(3) – نوري القيسي، نفس المقال، ص 152.
(4) – نفسه، ص 153.
(5) – نفسه ، ص153، ما بعدها.
(6) – ابن منظور، لسان العرب، ج 15 (ط. دار صادر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1956 ص 262، 270.
(7) – الرازي، الصحاح، (طبعة دار الحداثة) بيروت، لبنان 1982، ص 482.
(8) – ابن سيدة، المخصص، ج1 (طبعة المكتب التجاري للطباعة، التوزيع والنشر) بيروت، بدون تاريخ،
(9) – القلقشندي، صحيح الأعشى، ج 3 (الطبعة الأميرية) القاهرة 1915 ، ص 469 -470.
(10) – ابن خلدون، المقدمة، ج2 (ت. ذ، على عبد الواحد وافي) (ط. لجنة البيان العربي) (القاهرة 1966. ص 805.
(11) – د. إبراهيم حركات : السياسة والمجتمع في عصر الراشدين (ط. الأهلية للنشر والتوزيع) بيروت 1985 م. ص 266.
(12) – البيان والتبيين، (ط. القاهرة 1956، ج 3ص 119.
(13) – البلاذري، فتوح البلدان، ط. شركة إحياء الكتب العربية) ص 311. وفي رواية "ابن الأثير" وردت الإشارة إلى المعركة بصيغة مخالفة تماما، حيث قال (...فلما كان قريبا من تلك الساعة ركب فرسه، وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ... ويمنيهم الظفر وقال لهم : إني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله، فحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة، فإن قتل ففلان حتى عد سبعة آخرهم المغيرة، ثم قال : اللهم أعزز دينك وأنصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك، وقيل بل قال : اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام ... فكبر ثلاثا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال)، انظر : الكامل في التاريخ ج 3 (ط الميرية، القاهرة 1356 هـ /. ص 5.
(14) – وقبل ظهور الإسلام، كان عند عرب الجاهلية، خصوصا قبيلة قريش منصب اللواء، ويسمونه (العقاب، فكانوا إذا خرجوا إلى حرب أخرجوا الراية، فإذا اجتمع رأيهم على أحد سلموها إيها، وإلا فإنهم يسلمونها إلى صاحبها، وكان مرة من بني أمية، ومرة من بني عبد الضار.
انظر (جورجي زيدان : تاريخ التمدن الإسلامي – ج، ص 188).
(15) – المقدسي، البدء والتاريخ، (نسخة مصورة عن طبعة باريس 1899 م) ج4، ص181.
ابن هشام : السيرة النبوية، ج: 2ص 170 -171، مع بعض الخلاف.
(16) – ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ج2، ص 77-88.
(17) – نفس المؤلف والمصدر، ص 83.
(18) – المقدسي، البدء والتاريخ، ج4 ص 226.
(19) – رشيد الجميلي، تاريخ العرب، (ط. بيروت 1982 م) ص 320.
(20) – د. عبد العزيز سالم : تاريخ الدولة العربية، هامش 396.
د. أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، ص227.
د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية في عهد الرسول، (ط. الجزائر 1985 م) ص 59.
(21) – د. عبد العزيز سالم : تاريخ الدولة العربية، هامش 396.
د. أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، ص227.
د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية في عهد الرسول، (ط. الجزائر 1985 م) ص 59.
(22) – الغلامي، أصحاب بدر، طبعة بغداد) ص 281.
(23) – ابن الأثير، الكامل، ج2 ص 317.
(24) – الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج3 ص 35.
(25) – د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية، ص72، 73.
(26) – ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج1 ص151.
(27) – ابن الأثير الكامل، ج2، ص 358، وفي حرب مسيلمة كان على رأس المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطاب وكانت رايتهم مع مولى أبي حذيفة. وعلى رأس الأنصار ثابت بن شماس وكانت رايتهم مع ثابت نفسه
(28) – البلاذري، فتوح البلدان، ج1، ص 150-154.
(29) – أنظر ابن الأثير، الكامل ، ج3 ص 5.
(30) – المقدسي، البدء ... ج5، ص 282.
د. إبراهيم حركات، المرجع السابق، ص 269.
(31) – ابن عبد ربه. العقد الفريد (تحقيق، محمد سعيد العريان) طبعة المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1953 م: ج5: ص82.
(32) – ابن خلدون، المقدمة، ص 805 -806.
(33) – القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 805 -806
(34) – جورجي زيدان تاريخ التمدن الإسلامي، ج1، ص 88.
(35) – القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 236.
(36) - نفسه، ص 236.
(37) – ابن خلدون، المقدمة، ج2، ص806.
(38) – ومن الأمور التي تتصل بلبس السواد، وما وقع في مصر الفاطمية أيام حكم الخليفة الظاهر، فقد ذكر بن سعيد المغربي في كتابه، (المغرب)، بأن هذا الخليفة لما قتله وزيره عباس، بعث نساء الخليفة شعورهم طي الكتب إلى صاحب طلائع بن رزيك وهو يومئذ والي منبه بن خصيب من صعيد مصر، فحضر إليهم الصالح وقد رفع تلك الشعور على الرماح وأقام الرايات السود إظهارا للحزن على الظافر ودخل القاهرة وهو على ذلك، فكان الفأل العجيب، في أن مصر إنتقلت إلى بني العباس، أقيمت فيها الأعلام السود بعد خمسة عشر سنة – أنظر القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 237.
(39) – عبد العزيز الدوري، تاريخ العراق الاقتصادي ...ص 96.
(40) – ابن عذاري، البين المغرب، ج1، ص 277.
(41) – ابن عذاري ، البيان، ج1، ص 280.
(42) – ابن الأثير : الكامل، حوادث 567 هـ. المقريزي، كتاب السلوك، ج1، ق1، ص 46.
(43) – د. محمد مكية، تراث الرسم البغدادي، ط. وزارة الإعلام، بغداد، ص 14.
(44) – ريتشارد انتغاوزن، فن التصوير عند العرب، (ت عيسى سلمان وسليم طه التكريتي بغداد، 1947 م، ص 118.
(45) – ابن سعد، الطبقات، ج1، ص 149، وج 4، ص 180.
(46) – ابن خلكان، وفيات الأعيان، القاهرة 1948 م) ج1، ص 30.
- Serjerant, R.B, Material For Ahistory Of Islamic. Textilse Vol. 9 – 1942. p. 71 (47)
(48) – فريال داود المختار، المنسوجات العراقية الإسلامية، ص 43.
(49) – ابن مسكوية، تجارب الأمم، ج5 ص 294.
(50) – الآية 13 من سورة الصف.
(51) – ابن خلدون، المقدمة، ج2 ص 806.
(52) – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1 ص 151.
(53) – الآية 115 من سورة الأنعام.
(54) - سورة القمر، الآية 45.
(55) – الآية 81 من سورة الإسراء.
(56) – ابن عذاري، المرجع السابق، ص 151.
(57) – نفس المؤلف والمصدر، ص 217.
(58) – الآية 13 من سورة الصف.
(59) – الآية 14 من سورة التوبة.
(60) – الآية 40 من سورة التوبة.
(61) – ابن عذاري، المصدر السابق، ص 260.
(62) – نفسه، ص 260.
(63) – وصلتنا قطعة نسيج من العصر الفاطمي بمصر، القرن 6 هـ / 12 م من الكتان منسوجة بشريط من الحرير طوله 41 سم وعرضه 16 سم، هذه القطعة بها زخرفة من خذائل تكون معينات تحصر بينها في الوسط جامعة صغيرة تضم حيوان، على أرضية حمراء يحد هذا الشريط من أعلى وأسفل أوراق متجاورة، يعلوها عبارة متكررة نصها نصر من الله بالخط النسخ .. الآية من سورة الصف.
(64) – المقريزي، الخطط، ج 3، ص 383.
(65) – نقلا عن أمين الخولي في كتابه (الجندية والسلم)، ص 149.
La Grande Encyclopedie, le Croissant T : 13 Paris (s.d) pp. 463.
(66) – ابن خلدون، المقدمة، ج 2 ص 806.
(67) – متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ج1، ص 116.
(68) – المرجع السابق، ج1، ص 116، نقلا عن يتيمة الدهر، ج 2 ص 206.
(69) – كتاب العلل، (مخطوط برلين رقم 8326)، ص 135 أ.
(70) – الطبري.
(71) – ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، (ط بولاق 1283 هـ )، ج1، ص 149.
(72) – الدكتور علي حسن إبراهيم، مصر في العصور الوسطى (ط. السعادة) القاهرة 1964 م، ص 118.
(73) – أمين الخولي، المرجع السابق، ص 48.
(74) – د جمال الدين سرور، الحياة السياسية في الدولة العربية الإسلامية، (ط. دار الفكر العربي، الطبعة 3) القاهرة 1966م، ص 75. د. عمر فروخ، تاريخ صدر الإسلام، الدولة الأموية. (ط. دار العلم للملايين) بيروت 1970، ص 121.
(75) – المقدمة، ج2، المصدر السابق، ص 805.
(76) – ابن خلدون، المصدر السابق، ص 805.
(77) – ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج6، ص 51.
(78) – المقرزي، نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، (ط. عام 1302 هـ )، ج 1، ص 176.
(79) – إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، (ط. دار السلمى – الدار البيضاء بدون تاريخ)، ص 224.
صالح ابن قربة
يعتبر موضوع الرايات والأعلام بأنواعها المختلفة في التاريخ العسكري الإسلامي من المواضيع الطريفة والشاقة في آن واحد طريفة لأنها تعتبر عن طبيعة الفرق وشخصياتها، وطموح زعمائها، ولعله في كثير من الأحيان، يمدنا بدلالات عما يختلج في نفوس أتباع هؤلاء من آمال يحلمون بتحقيقها في المستقبل(1).
وموضوع الرايات من جهة أخرى شاق، وشائك في نفس الوقت، ولا يزال الغموض يكتنفه، لقلة وندرة الأخبار التي تمدنا تفسير سبب اختيار لون دون آخر، أو توضح رمزيته. ولعل غموض الروايات ونذرتها، هي السبب في قلة استقصاء الباحثين في الموضوع من ناحية، وإلى تباين وتضارب آراء الباحثين الذين اهتموا بدراسة هذا الموضوع من ناحية ثانية، وهناك ملاحظة مهمة في هذا الشأن، وهي أن الفرق والدعوات الإسلامية، تبنت ألوانا معينة لشعاراتها تميزا لها عن غيرها من الفرق الأخرى. ومن أجل أن تبرر اختيارها لهذا اللون أو ذاك، وضعت أحاديث أو اخترعت روايات فحواها، أن الرسول (ص) استعمل هذا اللون راية له أو فضل ذلك على غيره. فقد روي أن اللون الأسود والأبيض كانا من ألوان رايات الرسول (ص) وكما ذكر أن الرسول (ص) فضل كذلك الأصفر والأخضر.
"الراية" و "اللواء" لفظان مترادفان يعنيان شيئا واحدا وهما قديمان قدم الحرب نفسها، لأنهما صاحباها من البداية وعاشا في خضمها منذ أول اشتباك وقع بين جمعين، وكانت الغاية من استعمالها جمع الشمل وتوحيد الكلمة، هذا فضلا عن أنهما الرمز الذي يلاذ به ويلتف حوله، فإذا رفعا رفعت الرؤوس وغلا في النفوس الاندفاع للمعركة. وعلى الرغم من كونهما خرقا على عصي أو رماح، فهما أهيب في القلوب وأهول في الصدور وأعظم في العيون(2).
وقد سجل التاريخ في ثناياه نماذج من قصص البطولة النادرة لأولئك الأبطال الذين حملوا محافظين بها على الرغم من الأخطار التي تحدق بهم، يدافعون عنها بكل ضراوة ويبذلون دونها الأرواح فتتهاوى جثتهم تحت أرماحها لتظل الراية خفاقة ويبقى اللواء مرفوعا(3)، لذلك كانت أنظار المقاتلين إلى صاحب الراية، لأن سقوطه يعني سقوطها، فإذا وقع أصابهم الذعر وتملكهم الفزع والخوف وغشيتهم رهبة الهزيمة. ولقد كان للعرب قبل الإسلام رايات مختلفة، ترفع وقت الحرب لتنظم القاتل تحتها وتتجمع حولها، فهي شارة القيادة ورمز الجيش.
وقد تضمن الشعر الجاهلي إشارات كثيرة إلى الراية واللواء والعلم والعقاب والعصبة والخال(4)، كما خلفت كتب التاريخ واللغة والحديث بهذه التسميات (المصطلحات)، بيد أن الشيء الذي يستوقف الباحث في هذه المسألة هو الخلط الشديد والواضح في استعمالها، والملابسات التي تكتنفها، ويبدو أن منشأ هذه الظاهرة اللغوي، لم تكن قصرا على القدماء فحسب، بل امتدت عدواها حتى بالنسبة للمعاصرين، والباحثين المحدثين، بحيث لا نجد في بحوثهم ودراستهم تحديدا أو توضيحا للفرق بينهما(5). نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما أورده "ابن منظور" في كتابه : (لسان العرب) في مادة "لوى"(6)، أن اللواء العلم والجمع ألوية وألويات، جمع الجمع قال : جمع النواصي ألوياتها، وفي الحديث لواء الحمد بيدي يوم القيامة. اللواء : الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش قال الشاعر :
غداة تسابلت من كل أوب
كتائب عاقدين لخم لوايا
قال وهي لغة لبعض العرب نقول : احتميت احتمايا، والألوية، كما عرفوها "الرازي" في معجمه (الصحاح) هي : "المطارد وهي دون الأعلام والبنود"(7) وفي الحديث لكل غادر لواء يوم القيامة، أي العلامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء شهرة مكان الرئيس. أما "ابن سبيدة" في معجمه (المخصص) فقد ذكر بأن الغاية : الراية وقد غييت غاية، عملتها، وأغييتها، نصبتها، والعلم الراية والجمع أعلام وكذلك العقاب وهي أنثى وقيل هي العلم الضخم(8) وأشار القلقشندي في (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء) إلى أن الأعلام هي الرايات التي خلف فوق السلطان(9). وتجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى أن هناك نصوصا كثيرة تناولت هذا الموضوع، لكن المجال لا يتسع لذكرها جميعا لذلك نكتفي بهذا القدر الذي لمسنا فيه مدى الخلط بين هذه المصطلحات والغموض الذي يحيط بكل كلمة من كلماتها.
لعبت الرايات منذ القدم دورا في تاريخ الشعوب والأمم، لاسيما فيما يتعلق بحياتها في الحرب والسلم، حيث كانت "تعقدها في مواطن الحرب والغزوات لعهد النبي (ص) ومن بعده الخلفاء"(10).
كانت الراية أو اللواء، هي الرمز الأساس لفرق الجيش الإسلامي، ولذلك كان يحملها القائد أو الأمير المباشر للمعركة أو مساعده، وغالبا ما كان يعهد بحمل الراية إلى من عرف بالشجاعة وروح التضحية وهو قبل المعركة يرشد الجند إلى المسالك، أما في الحرب فيضمن التفاف الجيش حوله، وجرت العادة أن الطرف المعادي يوجه ضرباته إلى حامل الراية قبل غيره، حتى يثبط من عزيمة الجيش ويعمل بذلك على اختلاف صفوفه(11). لأن ذلك يحدث زعزعة في النفوس وإحباطا في المعنويات.
1- دور الراية الحربي :
عرف الجاحظ الرايات، فقال ، هي : "خرق سود وحمر وصفر وبيض)(12)، ويفهم من عبارة هذا الكاتب، أن الرايات في الأصل ما هي إلا قطع من القماش أو الكتان ذات مقاسات مختلفة، وكان لكل دولة رايتها التي تتميز بها عن غيرها باللون وفي بعض الأحيان بالشكل.
ويبدو من دراسة التاريخ العسكري للمسلمين، أن الراية كانت تربك في طرف الرمح ويحملها قائد الجيش كما سبق أن ذكرت قبل قليل. ونظرا للدور الحربي الذي تلعبه الرايات في تاريخ الصراع بين الشعوب خصوصا أثناء المعارك القتالية الفاصلة، فقد علق عليها المسلمون أهمية خاصة منذ فجر الإسلام وبداية حركة الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين، حيث استعملوها كوسيلة للنداء في بعض معاركهم الحاسمة، نذكر من بين هذه المعارك معركة "فتح نهاوند" سنة 21 هـ، والتي تروي كتب التاريخ أن فاتحاه "النعمان بن مقرن" قال لجنوده : "إني هاز لوائي ثلاث هزات، فأما أول الهزة الثانية، فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه (أو قال شسعه)، وليتهيأ وليصلح من شأنه، وأما الثالثة، فإذا كانت إنشاء الله فاحملوا لا يلوين أحد على أحد"(13). ومن غير شك، أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا أرادوا الهجوم سرا وبغير جلبة تنبه العدو، وقد تواصل استعمال هذه الإشارات في العصر الثاني والثالث(14). وتواصل استعمال الرايات عند المسلمين في العصور التالية، فتكررت ضروب الألوية، وتنوعت أشكالها، وتعددت ألوانها وأطوالها وسميت بأسماء مختلفة. وللوقوف على التطور الذي عرفته الرايات في تاريخ المغرب الإسلامي العسكري، لا بد من استعراض مراحل تاريخها بدءا بعهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين ومن بعدهم الأمويين والعباسيين.
2- اللواء أو الراية على عهد الرسول (ص) :
كان الرسول (ص) ومن بعده الخلفاء الراشدين، يقودون الجيوش ويصحبونها إلى ساحات الوغى لرفع معنويات المقاتلين وإثارة الحماس في نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله. ولكن مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وتعقد إدارتها، أصبح وقت الرسول الكريم، لا يسمح له بالخروج في بعض الأحيان فكان يختار عند ذلك قائدا مستوفيا لمؤهلات القيادة، ويعينه لقيادة الجيش، ويعقد له لواء على رمح طويل ينشره أثناء السير إلى المعركة.
أ- أول لواء في الإسلام :
وأول ظهور اللواء في الإسلام، كان عند دخول الرسول (ص) إلى مدينة "يثرب" حيث حلف أنصاري أنه لا يدخلها إلى اللواء مرفوعا أمامه، فنزع عمامته ونشرها على رمحه وسار به أمام موكب الرسول (ص) وكان الرسول (ص) إذا عين قائدا على سرية للقيام بمهمة نصحه وأفهمه أهدافها وأوصاه بجيشه وسكان المناطق المتجهة إليها، فكان إذا ما انتهى من ذلك عقد له اللواء ولعل أول لواء حقيقي عقد في العهد النبوي سلم لحمزة
ابن عبد المطلب في السنة الأولى في غزوة "ودان" التي تعرف أيضا بالأبواء،(15) ولم يحدث فيها قتال مع قريش، وكان لواء حمزة أبيض، وقيل حمله أبو مرشد(16). وهكذا نلاحظ بأن الألوية والرايات كان يعلق عليها أهمية كبيرة قبل انطلاق الجيش والسرايا إلى الحرب وأثناءها، ففي غزوة "بدر الكبرى" حمل اللواء "مصعب بن عمير"، وراية المهاجرين "علي بن أبي طالب" وحمل أنصاري راية الأنصار(17) ، ومن المحتمل كانت الرايتان سوداوين. أما في غزوة "أحد" فقد حمل اللواء "مصعب بن عمير" كذلك، فلما قتل حمله "علي بن أبي طالب"، وبعد واقعة "أحد" استعد بنو أسد لغزو المدينة، فوجه إليهم النبي (ص) سرية بقيادة أبي سلمة الذي عقد له اللواء، وعند افتتاح أحد حصون خيبر عقد النبي الكريم راية لعلي بن أبي طالب الذي ظل يؤدي هذه المهمة إلى جانب النبي (ص) ،،، وذلك خلال فتح سائر حصون خيبر(18)، وبالإضافة إلى ذلك فقد أسندت إليه مهمة حمل الراية في غزوة قريظة(19)، وتبدو أهمية الراية في معركة مؤتة، التي واجه المسلمون فيها بجيش صغير من قوات الروم وأنصارهم من العرب، عندما عين الرسول ثلاثة قادة يتولون حمل الراية على التوالي كلما استشهد واحد، خلفه الذي يليه(20)، بدأ الهجوم باندفاع زيد بن حرثة وهو يحمل راية الرسول (ص) إلى صفوف العدو، وقاتل المسلمون معه قتال الأبطال حتى استشهد، فتسلم الراية خلفه جعفر بن أبي طالب، حتى استشهد أيضا، ثم تسلم الراية عبد الله بن رواحة(21). وفي غزوة "تبوك" حمل الراية "أبو بكر"،(22) ونستخلص من دراستنا للتنظيمات العسكرية في عهد الرسول (ص)، أن اللواء كان يركز في مسجد الرسول أو أمام دار القائد، وكانت هذه العلامة أي تركيز اللواء في المسجد النبوي أو أمام باب القائد، دلالة قاطعة على حالة التأهب والاستعداد للحرب، ففي السنة الأخيرة من حياة الرسول الكريم وفي زمن مرضه، عقد لواء لأسامة باتجاه البلقاء وقد اجتمعت جيوش أسامة في مكان يعرف باسم الجرف قرب المدينة(23)، وبدأ الاستعداد للرحيل، إلا أن موت الرسول (ص) جعل الخطة تتأثر بهذا النبأ ذلك أن أسامة لما سمع بموت الرسول الكريم، عاد باللواء وهو علامة القيادة، وركزه أمام مسجد الرسول، وظل اللواء معلقا أمام المسجد حتى خلفه أبو بكر الصديق، على رأس الدولة الإسلامية الناشئة، فأعاد اللواء إلى مكانه الأول أمام بيت أسامة(24)، وهذا يعني بطبيعة الحال التأهب من جديد للخروج إلى المعركة تحت قيادة أسامة(25). ويتبين مما تقدم استعراضه، أن الرسول والخلفاء الراشدين من بعده كانوا يعقدون اللقاء للقادة المتميزين في المسجد النبوي أو أمام دار القائد أو في أي مكان فسيح خارج
المدينة حيث يجتمع حوله الجند. أما بالنسبة لألوان الرايات والألوية في صدر الإسلام، فالثبت أنها كانت بيضاء، بدليل أن ولاء الرسول في غزواته الأولى أبيض اللون، كما هو الشأن في غزوة "ودان" وبدر الأولى وبني قنيقاع وبواط، ولكن في غزوة بدر الكبرى، فكان على رأس جيش الرسول (ص) لواء أبيضا ومعه رايتان سوداوان، كانت إحداهما من مرط لعائشة رضي الله عنها، وتسمى العقاب،(26) ونستخلص من ذلك أن الرسول (ص) اتخذ لونين رئيسيين لتمييز ألويته هما : الأبيض والأسود. ويجب ملاحظة أن الألوان في تلك الفترة لم تكن تمثل شعارا لكن رموز وشارات لها أهميتها ودورها في التاريخ العسكري الإسلامي عامة.
ومهما يكن من أمر، فالذي لا جدال فيه، أن الخلفاء الراشدين قد استعملوا نفس الرايات عند خوض المعارك، سواء داخل الجزيرة العربية أو خارجها، من ذلك مثلا أن أبا بكر الصديق في حروب الردة عقد أحد عشر لواء بحسب الفرق العسكرية التي أرسلها إلى مختلف مناطق شبه الجزيرة(27)، وخلال الحروب التي خاضها المسلمون بالشام في عهد أبي بكر أيضا، كان قد عقد لواء ليزيد بن أبي سفيان وحمله معاوية قبل أن يتولى خالد بن الوليد القيادة العامة، كما أوصى القادة أن يعقدوا لكل قبيلة لواء، وهكذا عندما اقترب خالد بن الوليد من دمشق عند ثنية العقاب نشر راية سوداء كانت للرسول (ص).(28)
وصارت الرايات من مستلزمات الحروب لأهميتها كوسيلة للتفاهم بين أفراد الجيش الواحد، ولذلك انتشر استعمالها في فتوح المسلمين بالعراق والشام ومصر والمغرب، لذلك كانت تتجه الأنظار مباشرة إلى حملة الرايات، خصوصا عند بدء الصدام في المعارك، حيث يتولى حامل الراية الإعلان عن الهجوم بالتكبير وقد يكرر التكبير مرات ثلاثا(29)، يستعد الفرسان في التكبيرة الأولى على جيادهم، وفي التالية يشعرون أسلحتهم، وفي الثالثة يحملون كتلة واحدة على العدو(30). واستمر هذا الأسلوب التاكتيكي يمارس في جميع الحروب الإسلامية بلا استثناء، ونذكر في هذا الشأن، ما حدث في "صفين" حيث شاركت قبيلة بكر إلى جانب علي بن أبي طالب، فأسند قيادتها إلى حضين وكانت له راية سوداء وجعل كل ألوية بكر تحت رايته(31).
وليس هدفنا هنا التأريخ للرايات منذ ظهورها كشارة في الحروب، لأن ذلك يخرج عن نطاق بحثنا هذا، وإنما اقتضى منا التسلسل التاريخي أن نقدم لها بتمهيد موجز يساعد على دراسة الرايات والأعلام التي استعملتها الدول الإسلامية في المغرب الإسلامي، وفهم أسباب التمايز والتفاضل في اختيار الألوان، التي اختلفت وتباينت باختلاف الدول والأقطار، وكان لها شأن عظيم في نظمها العسكرية، وهذه المسألة تجرنا إلى البحث في تطور مفهوم الراية عند المسلمين.
3- تطور مفهوم الراية في التاريخ العسكري الإسلامي :
وإذا كانت الألوان في صدر الإسلام لا تمثل شعارا أو رمزا قائما بذاته، فإن ذلك لا يعني البتة أنها ستظل كذلك، فاستقراء التاريخ الإسلامي يؤكد بأن مفهومها سيتطور ويتسع مدلوله تبعا لتعدد الدول واختلاف نظرتها إلى
الألوان، فلكل واحدة منها فلسفتها الخاصة في اختيار ما يناسبها من رموز وشعارات.
يقول "ابن خلدون" في شأن الرايات وأهميتها العسكرية : "...وما تكثير الرايات وتلوينها ,وإطالتها فالقصد به التهويل، لا أكثر، وبما يحدث في النفوس من التهويل زيادة في الإقدام، وأحاول النفوس وتلوناتها غريبة، ثم إن الملوك والدول يختلفون في اتخاذ هذه الشارات فمنهم مكثر ومنهم مقلل بحسب اتساع الدولة وعظمتها، وأما الرايات فإنها شعارا لحروب من عهد الخليفة(32).
وانطلاقا من تفسير ابن خلدون لمفهوم الرايات عند الأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم من دول المغرب الإسلامي، التي تعرفنا على أشكالها وخصائصها بما توفر لدينا من معلومات متفرقة في المصادر التاريخية والأثرية :
أ –راية الأمويين : فيما يخص راية الأمويين الرسمية فالمؤرخون مختلفون حولها، لا سيما فيما يتعلق بلونها وشكلها، ولم يعر المؤرخون مسألة الرايات أي اهتمام يذكر باستثناء البعض منهم، مثل "القلقشندي" الذي أشار في كتابه (مآثر الأناقة) الجزء الثاني إلى أن بني أمية : "كان شعارهم الخضرة، حكى صاحب حماة عن الملك السعيد صاحب اليمن المقدم ذكره أنه حين ادعى الخلافة وأنه من بني أمية لبس الخضرة، وهذا صريح في أن شعارهم الخضرة"(33).
وهناك من يرى بأن ألوية بني أمية كانت بيضاء، ومما لا شك فيه أن لون رايتهم لابد وأنه كان يخالف السواد "شعار العباسيين"، ومن المحتمل جدا وهذا بناء على الإشارات المقتضية السابقة، أن لون الراية أو اللواء الأمويين كانا من كتان ذي اللون الأخضر أو الأبيض هو شعارهم الرئيسي(34).
ورغم أهمية ما أورده القلقشندي بخصوص هذا الموضوع، فإننا نميل إلى أن البياض هو شعار الأمويين، بيد أننا مازلنا نجهل الشيء الكثير عن رايتهم من حيث المادة التي صنعت منها أو طولها ونوع العبارات الدينية والآيات القرآنية التي حليت بها، ومن المحتمل جدا ، وهذا بالقياس مع ما كتبه المسلمون على رايتهم من آيات، أنهم كتبوا عليها شهادة التوحيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ، وكذلك آية "نصر من الله وفتح قريب". وقد استمر اللون الأبيض فيما بعد شعار الموحدين في المغرب والأندلس الذين أولوه عناية خاصة في الحرب والسلم، كما سنرى عندما نتناوله في حينه.
ب- راية الخلافة العباسية :
كما علم الخلافة العباسية أسود اللون، فقد أضحى السواد شعار العباسيين طوال حكمهم، ولكن اختلف في اختيارهم السواد كما يستشف من كلام المؤرخين الذين عنوا بهذه المسألة، فبحثوها، وخلصوا إلى أن السبب في ذلك كما يراه "الماوردي" في كتابه : (الحاوي الكبير) في الفقه : (أن النبي (ص) عقد لعمه "العباس" رضي الله عنه في يوم حنين ويوم الفتح راية سوداء)(35). أما أبو هلال العسكري في كتابه : (الأوائل) فيرجع ذلك إلى : "أن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العباسي المعروف بالإمام، أول القائمين من بني العباس لطلب الخلافة قال لشيعته : لا يهولنكم قتلي، فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العباس، يعني السفاح فلما قتله مروان لبس شيعته عليه السواد فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم)(36). ويرى ابن خلدون رأيا مشابها فيقول بأن : (رايتهم كانت سودا
حزنا على شهدائهم من بني هاشم، ونعيا على بني أمية في قتلهم ولذلك سموا المسودة، ولما افترق الهاشميين وخرج الطالبيون على العباسيين في كل جهة ومصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك، فاتخذوا الرايات بيضا وسموا المبيضة ولما نزع المأمون، عن لبس السواد وشعاره في دولة عدل إلى لون الخضرة فجعل رايته خضراء)(37). وكان الخليفة العباسي المأمون قد استبدل السواد بالخضرة، بعد عودته إلى مدينة السلام قادما إليها من مدينة خراسان(38).والثابت تاريخيا، أن الإبقاء على الخضرة شعار للخلافة العباسية لم يستمر العمل به طويلا، إذ سرعان ما عاد المأمون نفيه إلى السواد، كما كان عليه الحال من قبل، وانتقت الخضرة إلى العلويين الذين اتخذوها شعارا لهم، إلى أن استبدلها الفاطميون بالبياض بعد نجاحهم في تأسيس الخلافة الفاطمية الشعبية ببلاد المغرب منذ سنة 297 هـ / 909 م. وهكذا لعبت الأولى دورا رئيسيا في السياسة والمجتمع وأصبحت الألوان الزاهية في الملابس من الأمور التي يحرص عليها كل فرد في الخلافة العباسية في الحفلات والمناسبات(39). وما دمنا بصدد بحث راية السواد شعار العباسيين، فلابد من الإشارة هنا إلى سرعة انتشار هذا اللون في عديد من البلدان والدول الإسلامية التي كانت تدين بالطاعة واللواء للعباسيين، حيث تبنته كشعار رسمي في ألويتها وأعلامها، وملابسها، ومن بين تلك الدول، نذكر "دولة بني زيري في إفريقية" التي أعلنت استقلالها السياسي والمذهبي عن الفاطميين منذ سنة440 هـ / 1048 م، حسبما أورده صاحب البيان بقوله : "وفي سنة 440، قطعت الخطبة لصاحب مصر، وأحرقت بنوده، قال ابن شرف : وأمر المعز بن باديس بأن يدعى على منابر إفريقية للعباس بن عبد المطلب، ويقطع دعوة الشيعة العبديين"(40).
وهكذا ابتداء من سنة 443 هـ أصبح لبس السواد من الأمور الرسمية بمدينة القيروان مع الدعاء لبني العباس، وهذا ما يؤكده ابن شرف : "في جمادى الثانية، أمر المعز ابن باديس بإحضار جماعة من الصباغين، وأخرج لهم ثياب بيضاء من فندق الكتان، أمرهم أن يصبغوها سوداء،فصبغوها بأحلك السواد، وجمع الخياطين فقطعوها أثوابا، ثم جمع الفقهاء والقضاة إلى قصره وخيبي القيروان، وجمع المؤذنين، وكساهم ذلك السواد)(41). أما فيما يتعلق بمصر الأيوبية، فقد عمل سلاطينها على إسقاط نظم الدولة الفاطمية وإحلال نظم الخلافة العباسية محلها، فأصبحت هي الخلافة التي يدين بها المسلمون بولائهم الروحي تعبيرا عن شعور الفرح بذلك النصر العباسي المستضيء بإرسال الخلع إلى صلاح الدين، ومعها الأعلام، الرايات السود شعار العباسيين(42).
4- وصف راية العباسيين.
لم تمدنا المصادر التاريخية التي تناولت تاريخ العباسيين بإسهاب، بأية معلومات دقيقة عن ألويتهم
وراياتهم والمادة التي كانت تصنع منها، ولا حتى أطوالها وطرق استعمالاتها والغاية من رفعها في الحرب والسلم باستثناء بعض الأخبار المتفرقة التي وردت هنا وهناك والتي نستدل منها على أن علم الخلافة العباسية، كان أسود اللون، ومع ذلك فإن المادة التي نستقيها من المصادر التاريخية شحيحة، لا تفي بالمطلوب، لذلك نلجأ إلى المصادر الأثرية التي تسعفنا في استكمال هذا النقص، بفضل ما توفر لدينا من مادة أثرية، لا سيما على المنسوجات والمخطوطات المزوقة من ذلك مثلا مقامات الحريري التي رسمها "الواسطي"، والتي تألف مجموعة من القصص تميزت بدقة الملاحظة وغزارة المادة والخيال الخصب. لقد اكتسبت هذه المقامات كما اكتسب مؤلفها "القاسم بن علي الحريري" شهرة واسعة ومكانة في الأدب العربي لما حوته من عروض وتجوال وتغلغل في البيئة والمجتمع الإسلاميين(43).
ويمكن القول بأن رسوم "الواسطي" التي أوضحت تلك المشاهد بالصورة، كانت أصدق تعبير وأوسع دراسة شاملة للمجتمع الإسلامي في العصر العباسي، وبالتالي فهي وثيقة معاصرة، تساعدنا في التعرف على شكل الأعلام العباسية وأحجامها والمناسبة التي تظهر فيها، هذا فضلا عما تلقيه من أضواء حول خصائصها الكتابية والجمالية خصوصا "تصويرة فرسان ينتظرون المشاركة في استعراض" من مخطوط مقامات الحريري المحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس(44، أما بالنسبة للرايات والألوية العباسية فقد صنعت من مادة الكتان الأبيض ثم تصبغ باللون الأسود، لقد عرفت الأصباغ أيام الرسول (ص) وكانت بسيطة جدا، وحبب استعمال الزعفران والورس في تلوين الثياب، فكان عليه الصلاة والسلام يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة(45). واستمرت عادة صبغ الثياب بالزعفران في أيام الخلافة العباسية ببغداد إلى جانب الأصباغ المتنوعة(46)، وأن جل الأصباغ التي استخدمت في تلوين المنسوجات الإسلامية العراقية ومنها الأعلام والرايات، مصدر نباتها من صبغة الورس وهو اللون الأصفر، يؤخذ من شجرة الورس التي تكثر في اليمن، يهمنا من هذه الألوان جميعها اللون الكحلي الذي يحصل عليه بعد غطس النسيج في مادة الجراد ويحرك باستمرار ثم ينتقل إلى دن كبير وبعدها يجفف(47). ولكي تثبت الأصباغ على المنسوجات، كان على الصباغ أن يقوم بإضافة كمية من الشب أو قشور المان أو عصير الليمون الحامض، وكذلك يستعمل عصير التمر الهندي في الأصباغ كي تحافظ على بريقها ورونقها(48).
أما فيما يخص شكل الراية، فقد كانت طويلة مستطيلة الشكل وهذا بالقياس مع ما رسمه "الواسطي" في التصويرة السالفة الذكر. وطبقا لبعض الإشارات التاريخية، فإن طول الراية كان يتراوح بين 2 إلى 3 أمتار على وجه التقريب، تثبت على رمح طويل مقاساته بين 4 أو 5 أمتار، يجمله القائد الذي يتقدم الجيش، أو يعلق على الخيمة التي يستقر فيها القائد أو الأمير قبل الصدام العسكري.
• العبارات الدينية المنقوشة على الراية :
استنادا إلى الوثائق التاريخية والأثرية التي بين أيدينا، كانت عليها باللون الأبيض وتتألف من الشهادتين في شريط زخرفي أو شريطين أو أكثر، نفذت جميعها بأسلوب الخط الكوفي البسيط ذي الحروف المتقنة الأطراف على هذا النحو (49):
1- الشريط الأول :
لا إله إلا الله
2 – الشريط الثاني :
محمد رسول الله
وعلى الرغم من قلة المعلومات في هذا الموضوع، فإننا نرجع استعمال العباسيين – إلى جانب الشهادتين- آيات قرآنية مثل : "وما نصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" والصمدية أي "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد"، ولا سيما "نصر من الله وفتح قريب"(50)، ومن المحتمل جدا أن الراية العباسية كان عليها إسم الخليفة وألقابه. ومع تقدم صناعة المنسوجات واستخراج الأصباغ المختلفة في العصر العباسي، نعتقد، بأن الكتابة على الألوية والرايات العباسية نفذت باللون الذهبي على السواد، لأهمية هذا اللون في إبراز الكتابة والشعار الذي تحمله الرايات في ذلك الوقت، ومما يزيد إيماننا بهذا الترجيح وجود رايات سوداء ذات الزخارف والكتابات الذهبية في تصويرة الفرسان التي سبقت الإشارة إليها في مخطوط مقامات الحريري، ولا بد أن كتابات الرايات العباسية قد تنوعت عباراتها واختلفت عبر خمسة قرون ونيف.
ج- راية الفاطميين : (297 -567 هـ /909 -1171):
استعرضنا في الصفحات السابقة الخطوط العريضة لراية العباسيين وحقيقتها ومجالات استعمالاتها المختلفة، التي تظهر فيها، وقد تبين لنا من ذلك أن الألوية والرايات العباسية، والدول الإسلامية التي سارت على دربها كانت سوداء، وظهرت هناك محاولات المأمون لتغييرها ولكن دون جدوى. ونريد في هذا النطاق أن نتتبع تلك الخطوط العريضة، علنا نخرج منها بصورة شاملة أو قريبة من الواقع عن راية الفاطميين، والتي نتوقع أنها ستتخذ مسارا مخالفا تماما عن راية العباسيين، ولتوضيح المسألة الشائكة نحتكم أولا إلى المصادر التاريخية ثم المصادر الأثرية ثانيا، إن وجدت، حتى تكتمل الصورة الحقيقية عن راية الخلافة الفاطمية، خصوصا وقد توفرت لدينا مجموعة لا بأس بها من كتب التاريخ أمدتنا بمعلومات غاية في الأهمية عنها نذكر من بينها العلامة ابن خلدون الذي يشرح اسم راية الفاطميين وسبب اتخاذهم لون البياض حيث يقول : "ولما افترق أمر الهاشميين وخروج الطالبيين على العباسيين في كل جهة ومصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك، فاتخذوا الرايات بيضا وسمو المبيضة لذلك سائر أيام العبيديين"(51).
وتأسيسا على ذلك، فقد كان لباس خلفاء الفاطميين من البياض ومع أهمية إشارة ابن خلدون، فإننا نعتقد بأن هؤلاء الخلفاء لم يلتزموا به طوال تاريخهم، ونظرا لأهمية هذا الموضوع ينبغي علينا إعطاء وصف رايتهم، أن نمهد لها بالبحث في طبيعة بنود الفاطميين منذ ظهورهم على مسرح الأحداث ببلاد المغرب، على يد عبد الله الشيعي، وكان في مقدمة هذه الإجراءات التي لها علاقة مباشرة بنظام الحكم ومفهوم الملك عند الشيعة الفاطميين، أن نقش على خاتمة (أي أبي عبد الله الشيعي) هذه الآية الكريمة : "فتوكل على الله إنك على الحق المبين"(52)، وفي الخاتم الذي يطبع به السجلات : " وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكماته وهو السميع العليم"(53)، ووشم في أفخاذ الخيل : (الملك لله). ويهمنا من هذه الشعارات جميعها ما كتبه في بنوده، كالتي ما زلنا نجهل مادتها ولونها، وطول الرقعة التي كتبت عليها، وعلى الرغم من قلة الإشارات حولها، فإننا نرجع صنعها من الكتان الأبيض، الذي يخالف شعار العباسيين، والأغلبية الذين كانوا على مذهب بني العباس، ومن غير شك فإن بنودهم وراياتهم لا بد أنها كانت تتبع رايات العباسيين على الأقل في اللون. وفي ظل الإجراءات السابقة، اختار أبو عبد الله الشيعي آيات قرآنية كتبها على بنوده مثل : "سيهزم الجمع ويولون الدبر"(54) "قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا"(55) ، وآيات كثيرة من القرآن في هذا المعنى(56).
أما بالنسبة لبنود وألوية الخلافة الفاطمية منذ حكم عبد الله المهدي أول خلفائها ببلاد المغرب الإسلامي، فالمعلومات شحيحة إن لم تكن منعدمة تماما، لا سيما فيما يتعلق بطبيعتها و أحجامها ونوع الآيات والعبارات الدينية التي كتبت عليها، وهل عقدوا الألوية وولاتهم على المناطق والولايات وكذلك ولاة عهودهم، على غرار ما كان معمولا به عند العباسيين، المهم أن هذه المسألة ستظل إشكالية مطروحة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء من الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار إلى أن تكتشف وثائق جديدة تميط النقاب عنها، ومع ذلك فهناك نصوص تاريخية تتضمن معلومات دقيقة تصور لنا دور البنود في حروب المعارضين والثائرين على حكم الفاطميين، هذا علاوة عما اشتملت عليه من العبارات والآيات القرآنية التي رفعوها شعارا لهم ضد الفاطميين، من بين ذلك مذكر بنود أبي يزيد بن كيدان اليفرني الزناتي الذي انتصر عليهم ودخل مدينة القيروان سنة 333هـ، ودعا الناس إلى جهاد الشيعة، وأمرهم بقراءة مذهب مالك فلما ركبوا مع أبي يزيد بالسلاح ومعهم البنود، والطبول منها بندان أصفران(57)، مكتوب في أحدهما البسملة و (محمد رسول الله) وفي الآخر "نصر من الله وفتح قريب"(58)، على يد الشيخ أبي يزيد، اللهم انصر وليك على من سب أولياءك)، وبند آخر مكتوب : "قاتلوا أيمة الكفر"، وبند آخر فيه مكتوب : "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم"(59)، وبند آخر مكتوب فيه بعد البسملة أيضا : ( محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفارق)، وبند آخر وهو السابع فيه : ( لا إله إلا الله. محمد رسول الله. "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه من اللذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"(60).
ويتبين من استعراضنا لدور البنود والرايات في الحرب على الفاطميين من قبل أعدائهم، أن هؤلاء اختاروا لبنودهم اللون الأصفر، مخالفة للفاطميين الذين سميت رايتهم (المبيضة)، وحتى الشعارات التي رفعها أبو يزيد مخلد بن كيداد تعتبر تحد سافر للخلفاء الفاطميين من جهة، ومن جهة أخرى، نجد بأن اللون الأصفر الذي ساد بنود أبي يزيد كان يرمز عند الذين يهتمون بخصائص الألوان إلى الأرض وثروتها ...
فهل كان هذا اللون الأصفر يشير لوحدة المغاربة تحت راية أبي يزيد على العدو المشترك من الشيعة الإسماعليين ؟ المهم أن مسألة البنود والرايات ظلت تلعب دورا غير مستهان به، حتى بعد خروج الفاطميين من بلاد المغرب وانتقالهم إلى مصر، حيث اعتنوا بها عناية خاصة واعتبروها شارة من شارات الحكم، وكانت من بين الوسائل التي تؤكد أو تنفي سيادتهم على إقليم من الأقاليم التابعة لهم، فكان يحرص عليها الخليفة والأمير والنائب في مجالات الحياة السياسية والعسكرية، يدل على ذلك ما ذكره ابن عذاري في حوادث سنة 404 هـ : "وفي سنة 404 وصل سجل من الحاكم إلى نصير الدولة (الزيزي) يذكر فيه أنه جعل ولاية العهد في حياته لابن عمه أبي القاسم عبد الرحمن بن إلياس، فقرئ بجامع القيروان والمنصورة وأثبت اسمه مع اسم الحاكم في البنود
والسكة"(61). وفي سنة 405 هـ : (أخرج نصير الدولة هدية جليلة إلى الحاكم وشيعها بالطبول والبنود من المنصورية)(62).
5- وصف الراية الفاطمية :
طبقا لما ذكره ابن خلدون في نصه السابق، كانت راية الفاطميين بيضاء، تتألف من رقعة من الكتان مستطيلة الشكل رسمت عليها أحيانا أهلة من ذهب، في كل منها صورة سبع من الديباج الأحمر وقد شبهها أحد الشعراء بشقائق النعمان وكما هو واضح، فإن ما ورد بخصوص الرايات الفاطمية، قليل جدا، لا يعطينا إلا تلميحات متفرقة، لا تسعف الباحث في هذا المجال. وإذا كانت هذه أوصاف الراية الفاطمية كما وردت في كتب التاريخ، وهي كما تبدو مبتورة غير كافية، فإن الأمر يكون أكثر صعوبة عندما نحاول البحث عن صورتها في المصادر المادية ولا سيما المخطوطات والخزف والنسيج، فهذه الأخيرة رغم ما حفلت به من صور الحياة الاجتماعية وحياة البلاط الفاطمي فهي لا تقدم لنا رسما أو سورة عن شكل الراية أو لواء الفاطميين. ولكن فيما يتعلق بالعبارات المسجلة على الرايات والألوية يمكن استخلاصها اعتمادا على ما كتبه أبو عبد الله الشيعي في بنوده، وما نقشوه على مسكوكاتهم، وبناء على ذلك فإننا نرجع العبارات والآيات القرآنية التي سنوضحها فيما بعد، والتي نعتقد بأن شهادة التوحيد لا بد وأنها كانت تتصدر الرايات الفاطمية وألويتهم. وفيما يلي بيان بذلك :
الشريط الأول : لا إله إلا الله محمد رسول الله
الشريط الثاني : "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا".
بالإضافة إلى أسماء الخلفاء كما يتجلى من لواء الدولة الفاطمية التي دخلت مدينة بغداد سنة 450 هـ، فكان مكتوبا عليها : الإمام المستنصر بالله، أمير المؤمنين أبو تميم معد، بالإضافة إلى الشاش والشطفة والعذبة التي تعتبر هي الشيء الأكثر إثارة وجوهرا، فضلا عن الآية القرآنية "نصر من الله وفتح قريب"(63) . أما بالنسبة لتنفيذ الكتابات على الرايات والبنود فقد كانت تتم باللون الأسود أو الأحمر بأسلوب الخط الكوفي المورق أو المزهر الذي عرف ازدهارا وتطورا كبيرين في عصر الفاطميين. وقبل أن نختم كلامنا عن الراية نود الإشارة إلى نقطة مهمة لها علاقة بها، وهي ظهور رسوم الأهلة، يحتضن كل منها صورة سبع من الديباج الأحمر على الراية الفاطمية، وعلى رماحهم كذلك، كما أشار إلى هذه الظاهرة الزخرفية الرمزية مؤرخ مصر الإسلامية تقي الدين المقريزي(64).
لقد عرف شكل الهلال كعنصر زخرفي في الفن الإسلامي عامة، ولكن من الناحية التاريخية يعتبر الفاطميون أول من استعمل الهلال كشعار في الرايات الإسلامية، ثم اتخذه العثمانيون شعارهم الدولي، ولقي عندهم رواجا كبيرا، حيث ظهر على واجهات المباني وعلى الأعلام، والرايات العسكرية وهناك من المستشرقين من يدعي أن الفاطميين لا بد وأنهم اقتبسوه عن طريق البزنطيين الذين كانوا قد اتخذوا القمر شعارا لهم، ويذكرون المناسبة التي ظهر فيها، وهي أن هؤلاء كانوا يحاصرون بلدا، فلما بدا القمر كشف لهم عن موضع تمكنوا من خلاله أن يتسوروا البلد فانتصروا واتخذوه منذ ذلك الوقت شعارا لهم (65)، ويبدوا أن هذه الحجة واهية لا أساس لها من الصحة، وهي أقرب إلى الأسطورة منها إلى الحقيقة التاريخية، ومن غير المعقول أن يتخذ الأتراك العثمانيون المتعصبون لجنسهم والمتمسكون بالدين شعار دولة أجنبية تخالفهم جنسا ودينا. ولعل إقدام العثمانيين على اتخاذ الهلال رمزا وشعارا لدولتهم جاء من كون الهلال له علاقة ببعض الشعائر الدينية الإسلامية مثل صوم رمضان، كما أن انشقاقه يعتبر معجزة الرسول (ص) وهكذا استنكر الخلفاء الفاطميون من الأعلام والبنود والرايات في الحرب والسلم، وأصبحت تشكل شارة هامة في نظام حكمهم لارتباطها بحياتهم الخاصة والعامة، فظهرت في المناسبات والاحتفالات على حد سواء. وأما الاستنكار منها فلا ينهي إلى حد، وقد كانت آلة العبيديين لما خرج العزيز إلى الشام خمسمائة من البنود وخمسمائة من الأبواق)(66). وبالإضافة إلى الخلافة الفاطمية، فقد كانت أعلام القرامطة بيضاء، هذا فضلا عن ملابس خلفاء الفاطميين وخطبائهم، وربما تكون هناك علاقة بين لباس الشيعة وبين اللباس الأبيض الذي اتخذته الفرق الغنهوسية كما كان الشيعة في أول الأمر يلبسون البياض، ويقول الشاعر ابن سكرة(67).
إن عيــــد أهل قـــــم
وقــــاشان والكـــرج
يتــــلاقى بـــياضهــــم
بلقـــرب من النســـيج
وقال بعض رؤساء الشيعة المخالفين لما عليه جمهورهم، وقد لبس سواد : "بيض قلبك، وألبس ما شئت"(68). تلك كانت أهم الأخبار التي جمعناها من مختلف المصادر والمراجع.
6- راية الأمان :
كما هو الشأن في حالة الأعلام والرايات عند الأمم والشعوب وقت المعارك والحروب، كان لراية الأمان أهمية كبيرة في وقف القتال ومنح الأمان، وهكذا كانت راية السلم والأمان عند المسلمين عبارة عن رقعة بيضاء من الكتان مجردة من الشعارات، تنكس عند إعلان الأمان كما يتضح من عبارة الطبري التي يصف فيها قتال السفن حيث يقول : "وكانوا وقت الحرب إذا استأمنت شذاة من شدوات العدو، كان أهلها ينكسون علما أبيض يكون معهم"(69). وتأكيدا لما ذكر الطبري، يروي صاحب كتاب (وفيات الأعيان) في ترجمة القائد جوهر الصقلي من خير دخوله مصر ما نصه : "فعاد إليه بأمانهم وحضر رسوله ومعه بند أبيض وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب"(70). وعلى إثر ذلك هدأت المدينة، وسكن الناس، وخاصة بعد أن طاف صاحب الشرطة السفلى بصحبة رسول جوهر يحمل علما أبيضا(71). ويتبين مما سبق أن رايات الأمان كانت بيضاء كما هي اليوم، ولكن قد يكون تنكيسها علامة الاستئمان، أما اليوم فيكون برفعها(72)، وإلى جانب هذه الوسيلة، كانت هناك طرق أخرى يستعملونها عوض الرايات البيضاء بالمنكسة، فيلجأ أحيانا إلى وسيلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، من ذلك أنهم يرفعون على الرماح المصاحف الشريفة طلبا للأمان، كما حدث في صدر الإسلام في حرب صفين التي وقعت بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان عام 36 هـ / 657 م، فقد أمر أصحابه برفع المصاحف على الرماح(73).
7- البوق :
تعتبر آلة البوق من شارات الملك لا تقل أهمية عن الراية نفسها في الحروب وقد تحدث ابن خلدون عن دورها فقال : "فمن شارات الملك اتخاذ الآلة من نشر الألوية والرايات وقرع الطبول والنفخ في الأبواق والقرون ... وأن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب فإن الأصوات الهائلة لها تأثير في النفوس(74) ويقول كذلك : "ولأجل ذلك تتخذ العجم في مواطن حروبهم الآلات الموسيقية لا طبلا ولا بوقا، يحذق المغنون بالسلطان في موكبه بآلاتهم ويغنون، فيحركون نفوس الشجعان بضربهم إلى الاستماتة وقد رأينا في حروب العرب من يتغنى أمام الموكب بالشعر ويطرب فتجيش همم الأبطال بما فيها ويسارعون إلى مجال الحرب وينبعث كل قرن إلى قرنه. وكذلك زناتة من أمم المغرب يتقدم الشاعر عندهم أمام الصفوف، ويتغنى فيحرك بغنائه الخيال الرواسي، ويبعث على الاستقامة من لا يظن بها، ويسمون ذلك الغناء تاصوكايت)(75).
واستعمل البوق لجمع الجنود، وتنبيههم، وكذلك لبدء الهجوم، والظاهر أن هذه الآلة لم تستعمل في العصر الأول وإنما طبقت في القرن الثالث الهجري، أي العصر العباسي الثاني، بدليل أن الموفق طلحة أمر جنوده في حرب الزنج سنة 270 هـ ألا يزحف إلا إذا حرك علما أسود كان قد نصبه ونفخ في بوق، وهو ما أشار إليه ابن الأثير بقوله :
"ولم يزل الموفق يقاتلهم على مكرهم حتى تهيأ له فيه ما أحبه في خلقه، فلما فرغ منه عزم على لقاء الخبيث، فأمر بإصلاح السفن والآلات للماء والظهر، وتقدم إلى أبي العباس إبنه أن يأتي بالخبيث (أي صاحب الزنج) من ناحية دار السهلي وخرق العساكر من جميع جهاته، وأضاف المستأمنة إلى شبل وأمره بالجد في قتال بالخبيث، وأمر الناس ألا يزحف أحد حتى يحرك علما أسود كان نصبه على دار الكرماني، وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت ...، ولم يعلم سائر العساكر بذلك لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم بعضا(76)، وأمر الموفق بتحريك العلم الأسود والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضهم بعضا". وهذا حسب ما ذكره صاحب كتاب (نفح الطيب)(77). يبدو من التاريخ العسكري للمرابطين أن البوق استمر عندهم كوسيلة حربية حيث كانوا يضربون في الطبول وينفخون في الأبواق(78). ومهما يكن أمر البوق ودوره في تاريخ الصراع بين الدول المختلفة، فقد اختفت من قاموس الحرب في المغرب الإسلامي بعد ذلك، فما يؤسف له أنه تصل إلينا إشارات عن استعمالاتها في العصور التالية خصوصا عند الموحدين الذين تخلوا عنها نهائيا واستبدلوها بالطبول التي لقيت عناية وإقبالا شديدين واستبدلوها بالطبول التي لقيت عناية وإقبالا شديدين عندهم وعند خلافاتهم من المرينيين ولا يزال البوق إلا اليوم في الجيوش الحديثة يعرف باسم (البوري)(179).
الجزائر – صالح بن قربة
مصادر ومراجع البحث
أ - المصادر :
1- ابن أبي زرع، (علي بن محمد بن حمد بن عمر الفاسي).
- الأنيس المطرب بروض القرطاس في اختيار ملوك الغرب وتاريخ مدينة فاس.
أو بسالة، نشر تورنبغ، 1843 م.
2- ابن الأثير الجزري، (علي بن أحمد بن أبي كرم).
- الكامل في التاريخ – الجزء الثاني، بيروت 1965، القاهرة بدون تاريخ.
3- ابن حيان الأندلسي- المقتبس في تاريخ الأندلس، القسم الرابع.
4- ابن خلدون، (عبد الرحمن).
- المقدمة (تحقيق عبد الواحد علي وافي) 4 أجزاء. القاهرة، لجنة البيان العربي 1966 م.
- 5- ابن خلكان، أبو العباس أحمد بن إبراهيم).
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. القاهرة، 1948، ج1.
6- ابن سعد، (أبو عبد الله محمد بن سعد بن منبع البصري).
- الطبقات الكبرى، 1، بيروت، دار صادر 1957 م.
7- ابن سيدة المخصص، ج1، بيروت بدون تاريخ، طبعة المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر.
8- ابن صاحب الصلاة، (عبد الملك).
- تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين، (تحقيق الهادي التازي).
بيروت، دار الأندلس للطباعة والنشر 1964.
9- ابن عبد ربه، (أبو عمر أحمد بن محمد الأندلسي).
- العقد الفريد – (تحقيق سعيد العريان) القاهرة المكتبة التجارية الكبرى 1953 م.
10- ابن عذاري المراكشي.
- البيان المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب – الجزء 1، نشر وتحقيق كولان، ليفي بروفنصال بيروت 1948 م.
11- ابن مسكوية – تجارب الأمم الجزء الخامس.
12- ابن منظور، (جمال الدين محمد).
- لسان العرب الجزء 15 بيروت، ط. دار صادر للطباعة والنشر والتوزيع 1956م.
13- ابن هشام، (ابن عبد الملك)، السيرة النبوية، الجزء الثاني. القاهرة 1936.
14- أبو المحاسن، (ابن ثغري بردي).
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – الجزء الثاني، القاهرة.
15- البكري، (أبو عبد الله عبد العزيز).
- المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب. (نشر وتحقيق دوسلان)، باريس 1956 م.
16- البلاذري، (أحمد بن يحيى ابن حابر) – فتوح البلدان – شركة إحياء الكتب العربية.
17- الجاحظ، (عمر بن بحر ابن محبوب أبو عثمان).
- البيان والتبيين – الجزء الثالث، القاهرة، مصر 1956 م.
18- الرازي، (الشيخ محمد بن أبي بكر عبد القادر).
- الصحاح، بيروت ط، دار الحداثة 1982 م.
19- الطبري، (محمد بن جرير)، -تاريخ الرسل والملوك- الجزء الثاني.
20- القلقشندي، (أبو العباس أحمد).
- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء – الجزء الثالث. القاهرة، الطبعة الأميرية، 1915 م.
- مآثر الأناقة في معالم الخلافة – الجزء الثاني، (تحقيق عبد الستار أحمد فراج)، بيروت عالم الكتب، 1964 م.
21- المقديسي، (أحمد بن سهل البلخي).
- البدء والتاريخ – الجزء الرابع – باريس، نسخة مصورة، 1899.
22- المقري، (أحمد بن محمد المقري التلمساني).
- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب –الجزء الأول (تحقيق إحسان)، بيروت، دار صادر 1382 هـ /1966.
23- المقريزي، (تقي الدين أبو العباس)، -كتاب السلوك.
- كتاب العلل، (مخطوط برلين 8326).
ب – المراجع :
1 – إبراهيم الشريف، (أحمد) : الدولة الإسلامية الأولى.
2- أحمد فكري – قرطبة في العصر الإسلامي.
الإسكندرية، نشر مؤسسة الشباب الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع 1983 م.
3- أمين الخولي، - الجندية والسلم.
4- آدم ميز، -الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة الجزائر – ديوان المطبوعات الجامعية. 1984 م.
5- استنغهاوزن، (رتشارد).
- فن التصوير عند العرب – ترجمة عيسى سلمان وسليم طه التكريتي، بغداد 1974 م.
6- جمال بن سرور.
- الحياة السياسية في الدولة العربية خلال القرنين الأول والثاني بعد الهجرة، القاهرة. دار الفكر العربي، 1966 م.
7- جورجي زيدان، -تاريخ التمدن الإسلامي- الجزء الأول.
8- حركات إبراهيم.
- المغرب عبر التاريخ –الدار البيضاء، دار السلمى، بدون تاريخ.
- السياسة والمجتمع في عصر الراشدين، بيروت، طه. الأهلية للنشر، التوزيع، 1985 م.
9- رشيد الجميلي، - تاريخ العرب، بيروت 1982 م.ذ
10 –صالح بن قربة، - التنظيمات العسكرية في عهد الرسول (ص) الجزائر 1985 م.
11- عبد العزيز الدورى – تاريخ العراق الاقتصادي.
12- عبد العزيز سالم – تاريخ الدولة العربية، بيروت 1971 م.
13- عمر فروج، -تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية بيروت (دار العلم للملايين) 1970م.
14- علي حسن إبراهيم ، -مصر في العصور الوسطى، القاهرة، دار السعادة بمصر، 1964م.
15- عنان عبد الله: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس، القسم الثاني، القاهرة.
دار لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1964 م.
16- فريال داود المختار، -المنسوجات العراقية الإسلامية، بغداد، وزارة الإعلام 1976 م.
17- محمد مكية، تراث الرسمي البغدادي، بغداد، وزارة الإسلام، بدون تاريخ.
18- الغلابي، -أصحاب بدر، بدون تاريخ.
1- AMADER de Los Rios. R ;
Trofeos Mitares de la reconquista en Senas
2- DEBREUIL, les Pavillons Musulmans (Héspéris. H. 1960- PP584.549.)
3- Huilgas, Musulmanes de Real mon.
4- Srejeant , R.B, Material for Ahistory of Islamic textiles Vol 9.1942. Pp 71-72.
La grande Encyclopedie, le coroissant. T 13, Paris (s.d) Pp. 463-464.
(1) – د. فاروق عمرو، الألوان ودلالتها السياسية في العصر السياسي الأول – مجلة كلية الآداب- جامعة بغداد- عدد 14 – 1970 – 1971 م. ص 827.
(2) – نوري القيسي : اللواء والراية، مجلة الأقلام العراقية، العدد 1، 1964 م ص152.
(3) – نوري القيسي، نفس المقال، ص 152.
(4) – نفسه، ص 153.
(5) – نفسه ، ص153، ما بعدها.
(6) – ابن منظور، لسان العرب، ج 15 (ط. دار صادر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1956 ص 262، 270.
(7) – الرازي، الصحاح، (طبعة دار الحداثة) بيروت، لبنان 1982، ص 482.
(8) – ابن سيدة، المخصص، ج1 (طبعة المكتب التجاري للطباعة، التوزيع والنشر) بيروت، بدون تاريخ،
(9) – القلقشندي، صحيح الأعشى، ج 3 (الطبعة الأميرية) القاهرة 1915 ، ص 469 -470.
(10) – ابن خلدون، المقدمة، ج2 (ت. ذ، على عبد الواحد وافي) (ط. لجنة البيان العربي) (القاهرة 1966. ص 805.
(11) – د. إبراهيم حركات : السياسة والمجتمع في عصر الراشدين (ط. الأهلية للنشر والتوزيع) بيروت 1985 م. ص 266.
(12) – البيان والتبيين، (ط. القاهرة 1956، ج 3ص 119.
(13) – البلاذري، فتوح البلدان، ط. شركة إحياء الكتب العربية) ص 311. وفي رواية "ابن الأثير" وردت الإشارة إلى المعركة بصيغة مخالفة تماما، حيث قال (...فلما كان قريبا من تلك الساعة ركب فرسه، وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ... ويمنيهم الظفر وقال لهم : إني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله، فحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة، فإن قتل ففلان حتى عد سبعة آخرهم المغيرة، ثم قال : اللهم أعزز دينك وأنصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك، وقيل بل قال : اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام ... فكبر ثلاثا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال)، انظر : الكامل في التاريخ ج 3 (ط الميرية، القاهرة 1356 هـ /. ص 5.
(14) – وقبل ظهور الإسلام، كان عند عرب الجاهلية، خصوصا قبيلة قريش منصب اللواء، ويسمونه (العقاب، فكانوا إذا خرجوا إلى حرب أخرجوا الراية، فإذا اجتمع رأيهم على أحد سلموها إيها، وإلا فإنهم يسلمونها إلى صاحبها، وكان مرة من بني أمية، ومرة من بني عبد الضار.
انظر (جورجي زيدان : تاريخ التمدن الإسلامي – ج، ص 188).
(15) – المقدسي، البدء والتاريخ، (نسخة مصورة عن طبعة باريس 1899 م) ج4، ص181.
ابن هشام : السيرة النبوية، ج: 2ص 170 -171، مع بعض الخلاف.
(16) – ابن الأثير : الكامل في التاريخ، ج2، ص 77-88.
(17) – نفس المؤلف والمصدر، ص 83.
(18) – المقدسي، البدء والتاريخ، ج4 ص 226.
(19) – رشيد الجميلي، تاريخ العرب، (ط. بيروت 1982 م) ص 320.
(20) – د. عبد العزيز سالم : تاريخ الدولة العربية، هامش 396.
د. أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، ص227.
د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية في عهد الرسول، (ط. الجزائر 1985 م) ص 59.
(21) – د. عبد العزيز سالم : تاريخ الدولة العربية، هامش 396.
د. أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، ص227.
د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية في عهد الرسول، (ط. الجزائر 1985 م) ص 59.
(22) – الغلامي، أصحاب بدر، طبعة بغداد) ص 281.
(23) – ابن الأثير، الكامل، ج2 ص 317.
(24) – الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج3 ص 35.
(25) – د. صالح بن قربة، التنظيمات العسكرية، ص72، 73.
(26) – ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج1 ص151.
(27) – ابن الأثير الكامل، ج2، ص 358، وفي حرب مسيلمة كان على رأس المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطاب وكانت رايتهم مع مولى أبي حذيفة. وعلى رأس الأنصار ثابت بن شماس وكانت رايتهم مع ثابت نفسه
(28) – البلاذري، فتوح البلدان، ج1، ص 150-154.
(29) – أنظر ابن الأثير، الكامل ، ج3 ص 5.
(30) – المقدسي، البدء ... ج5، ص 282.
د. إبراهيم حركات، المرجع السابق، ص 269.
(31) – ابن عبد ربه. العقد الفريد (تحقيق، محمد سعيد العريان) طبعة المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1953 م: ج5: ص82.
(32) – ابن خلدون، المقدمة، ص 805 -806.
(33) – القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 805 -806
(34) – جورجي زيدان تاريخ التمدن الإسلامي، ج1، ص 88.
(35) – القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 236.
(36) - نفسه، ص 236.
(37) – ابن خلدون، المقدمة، ج2، ص806.
(38) – ومن الأمور التي تتصل بلبس السواد، وما وقع في مصر الفاطمية أيام حكم الخليفة الظاهر، فقد ذكر بن سعيد المغربي في كتابه، (المغرب)، بأن هذا الخليفة لما قتله وزيره عباس، بعث نساء الخليفة شعورهم طي الكتب إلى صاحب طلائع بن رزيك وهو يومئذ والي منبه بن خصيب من صعيد مصر، فحضر إليهم الصالح وقد رفع تلك الشعور على الرماح وأقام الرايات السود إظهارا للحزن على الظافر ودخل القاهرة وهو على ذلك، فكان الفأل العجيب، في أن مصر إنتقلت إلى بني العباس، أقيمت فيها الأعلام السود بعد خمسة عشر سنة – أنظر القلقشندي، مآثر الأناقة، ج2، ص 237.
(39) – عبد العزيز الدوري، تاريخ العراق الاقتصادي ...ص 96.
(40) – ابن عذاري، البين المغرب، ج1، ص 277.
(41) – ابن عذاري ، البيان، ج1، ص 280.
(42) – ابن الأثير : الكامل، حوادث 567 هـ. المقريزي، كتاب السلوك، ج1، ق1، ص 46.
(43) – د. محمد مكية، تراث الرسم البغدادي، ط. وزارة الإعلام، بغداد، ص 14.
(44) – ريتشارد انتغاوزن، فن التصوير عند العرب، (ت عيسى سلمان وسليم طه التكريتي بغداد، 1947 م، ص 118.
(45) – ابن سعد، الطبقات، ج1، ص 149، وج 4، ص 180.
(46) – ابن خلكان، وفيات الأعيان، القاهرة 1948 م) ج1، ص 30.
- Serjerant, R.B, Material For Ahistory Of Islamic. Textilse Vol. 9 – 1942. p. 71 (47)
(48) – فريال داود المختار، المنسوجات العراقية الإسلامية، ص 43.
(49) – ابن مسكوية، تجارب الأمم، ج5 ص 294.
(50) – الآية 13 من سورة الصف.
(51) – ابن خلدون، المقدمة، ج2 ص 806.
(52) – ابن عذاري، البيان المغرب، ج1 ص 151.
(53) – الآية 115 من سورة الأنعام.
(54) - سورة القمر، الآية 45.
(55) – الآية 81 من سورة الإسراء.
(56) – ابن عذاري، المرجع السابق، ص 151.
(57) – نفس المؤلف والمصدر، ص 217.
(58) – الآية 13 من سورة الصف.
(59) – الآية 14 من سورة التوبة.
(60) – الآية 40 من سورة التوبة.
(61) – ابن عذاري، المصدر السابق، ص 260.
(62) – نفسه، ص 260.
(63) – وصلتنا قطعة نسيج من العصر الفاطمي بمصر، القرن 6 هـ / 12 م من الكتان منسوجة بشريط من الحرير طوله 41 سم وعرضه 16 سم، هذه القطعة بها زخرفة من خذائل تكون معينات تحصر بينها في الوسط جامعة صغيرة تضم حيوان، على أرضية حمراء يحد هذا الشريط من أعلى وأسفل أوراق متجاورة، يعلوها عبارة متكررة نصها نصر من الله بالخط النسخ .. الآية من سورة الصف.
(64) – المقريزي، الخطط، ج 3، ص 383.
(65) – نقلا عن أمين الخولي في كتابه (الجندية والسلم)، ص 149.
La Grande Encyclopedie, le Croissant T : 13 Paris (s.d) pp. 463.
(66) – ابن خلدون، المقدمة، ج 2 ص 806.
(67) – متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ج1، ص 116.
(68) – المرجع السابق، ج1، ص 116، نقلا عن يتيمة الدهر، ج 2 ص 206.
(69) – كتاب العلل، (مخطوط برلين رقم 8326)، ص 135 أ.
(70) – الطبري.
(71) – ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، (ط بولاق 1283 هـ )، ج1، ص 149.
(72) – الدكتور علي حسن إبراهيم، مصر في العصور الوسطى (ط. السعادة) القاهرة 1964 م، ص 118.
(73) – أمين الخولي، المرجع السابق، ص 48.
(74) – د جمال الدين سرور، الحياة السياسية في الدولة العربية الإسلامية، (ط. دار الفكر العربي، الطبعة 3) القاهرة 1966م، ص 75. د. عمر فروخ، تاريخ صدر الإسلام، الدولة الأموية. (ط. دار العلم للملايين) بيروت 1970، ص 121.
(75) – المقدمة، ج2، المصدر السابق، ص 805.
(76) – ابن خلدون، المصدر السابق، ص 805.
(77) – ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج6، ص 51.
(78) – المقرزي، نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، (ط. عام 1302 هـ )، ج 1، ص 176.
(79) – إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، (ط. دار السلمى – الدار البيضاء بدون تاريخ)، ص 224.
المصدر مجلة دعوة الحق