تزايد الحديث مؤخرا عن الدور الروسي العسكري المباشر في سوريا والمساعدة التي تقدمها موسكو للسلطات من أجل تعزيز موقفها في مواجهة التطورات الميدانية والضغوط الخارجية.
وقالت وسائل إعلام إن السبب المباشر لانضمام رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي ميخائيل فرادكوف إلى وزير الخارجية سيرغي لافروف في زيارته الأخيرة إلى سوريا، كان تنسيق الموقف الروسي مع الأجهزة الأمنية السورية التي تعتبر موسكو أنها حائط الصد الأساسي لحماية النظام، واشتمل ذلك على نقل معطيات ومعلومات وخرائط وصور التقطت عبر الأقمار الاصطناعية تظهر عليها مواقع تمركز المعارضين السوريين.
لكن الدعم العسكري والمعنوي المباشر لم يكن وحده المطروح للنقاش خلال زيارة المسؤولين الروسيين إلى دمشق، إذ إن ثمة تطورا في محاولات موسكو الإفادة القصوى من الوضع السوري لتعزيز تواجدها العسكري - الأمني في منطقة حوض المتوسط.
وأشارت تقارير إلى أن النقاش الذي دار بين الضيفين والرئيس السوري بشار الأسد، قد تناول مشروع إعادة تفعيل محطة التنصت المتواجدة على جبل قاسيون، والتي كانت محطة سوفيتية قديمة ترهلت مع مرور الزمن، لكن موسكو تسعى إلى استعادة دورها، على أن تكون موجهة هذه المرة ليس ضد إسرائيل كما في السابق، بل لرصد ومراقبة تحركات القوات الغربية في المنطقة.
وذكرت وسائل إعلام أن جهات سورية معارضة وجهت تحذيرات لقيادة "الجيش السوري الحر"، من أن الاستخبارات الروسية قد زودت النظام السوري بصور ومعلومات إحداثية عن الأماكن التي يتواجد فيها "الجيش الحر".
وكانت معلومات نقلتها صحف فرنسية عن إحدى الشخصيات السورية المتواجدة في فرنسا، والتي تملك "علاقات طيبة بالقيادة السورية"، أفادت بأن زيارة المسؤولين الروسيين إلى دمشق، ولقاءهما بالأسد، كانت من أجل مساومته على إعادة تشغيل محطة تجسس سوفيتية على جبل قاسيون، مقابل مواصلة دعم النظام السوري من قبل موسكو.
أيضا تحدثت مصادر إعلامية عن وجود عدد كبير من الجنود الروس ومن رجال المخابرات الذين وصلوا بشكل سري إلى سوريا، وذلك من أجل إدارة الأزمة هناك، ودراسة إمكانيات المساومة، وتوجيه النظام السوري الذي "لا يقوم بأي خطوة عسكرية دون موافقة موسكو"، حسبما أفادت "شخصية مطلعة على خفايا عائلة الأسد"، لصحيفة " لو فيغارو" الفرنسية.
ورأى محللون أن احتمال أن يكون الدعم الروسي للرئيس الأسد مقابل إعادة تفعيل محطة التجسس أمراً جائزاً؛ إذ إن روسيا، وعلى مستويين دولي وإقليمي، تفقد الآن عناصر قوة عديدة، ومحطة التجسس هذه، ستمكن موسكو من مراقبة تحركات حلف شمال الأطلسي في منطقة المتوسط، ناهيك عن تواجدها القوي في منطقة استراتيجية هامة، على خريطة الحراك السياسي والاستراتيجي.
كما وردت أنباء تفيد بأن روسيا تعمل على خطة بديلة في سوريا، من أجل تغيير بعض أركان الحكم هناك، دون أن تفقد سيطرتها وتحالفها مع القوة الحاكمة في هذا البلد.
إذ أفادت تقارير بأن عناصر من المخابرات الروسية يتواجدون في سوريا، بدأوا بإعادة هيكلة حزب البعث السوري الحاكم، من أجل تهيئته للحفاظ على ثقله وسيطرته، في ظل مرحلة التعددية الحزبية التي ستشهدها سوريا.
وجاءت تصريحات نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنتونوف، التي صدرت في 9 شباط/ فبراير، لتؤكد بالفعل بدء روسيا بتنفيذ خططها في المنطقة.
فقد لفت أنتونوف إلى وجود "تعاون عسكري – تقني مكثف بين روسيا وسوريا"، وقال بكل صراحة: إن خبراءنا متواجدون في مواقع ومنشآت عسكرية مختلفة في تلك المنطقة التي تُعتبر، في رأينا، "ذات أهمية مستقبلية كبيرة على صعيد التعاون العسكري الدولي".
وتابع أنتونوف قائلا: "إن الوضع المتقلب والمضطرب في الشرق الأوسط يجعل قيادة المؤسسة العسكرية الروسية تفكر مليا في كل خطوة محددة قد تتخذ هناك".
وذكر أن وزارة الدفاع الروسية تسجل قسوة النقاشات الدائرة في مجلس الأمن الدولي في نيويورك في الشأن السوري، ونحن نمد يد العون لزملائنا في وزارة الخارجية، معتبرين مثلهم أنه من الضروري عدم السماح بحدوث أي تدخل عسكري في سوريا".
وفي حديث لـ"أنباء موسكو"، قال المحلل العسكري الروسي فيكتور ليتوفكين، رئيس تحرير جريدة "فوينويه ابوزرينويه" (الشاهد العسكري)، "نحن ننفذ عقودا موقعة مع دمشق ولا شيء يمنع موسكو من التقيد بالتزاماتها، ولروسيا ثمانية مليارات دولار هي ديون عسكرية على سورية وسوف نخسرها إذا سقط النظام، لقد خسرنا في ليبيا أربعة مليارات وفي العراق 12 مليارا قبل ذلك، إذا سقط النظام أنظروا ماذا يجري حاليا، الأسد يحارب الإرهابيين في حمص، إذا سقط النظام سيأتي الإسلاميون إلى السلطة والغرب أيضا سيخسر مثلنا".
ونفى ليتوفكين أن تكون روسيا راغبة في الخيار العسكري، قائلاً: "علينا أن نفهم برغم كل شيء أن روسيا لن تخوض حربا للدفاع عن النظام".
وقال: "لا تتوقعوا أن تنطلق الحرب العالمية الثالثة من سوريا، وبرغم أهمية العلاقة مع بلد يعتبر واحدا من الشركاء التجاريين، علينا ألا ننسى أن روسيا لن تخسر كثيرا."
وأضاف : "لدينا حلفاء وشركاء في المتوسط نواصل العمل معهم، بينهم اليونان وقبرص والجزائر. وفي المحصلة بعد انحسار الموجة الحالية، كثيرون في المنطقة سيعودون للحصول على الأسلحة الروسية والمعدات والتقنيات".
وأكد ليتوفكين أن عددا من بلدان المنطقة اعتمد أصلا في تسليحه على روسيا، وهو "سيواصل ذلك رغم أي تطور"
وحذرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية من أن شبح الحرب الذي يخيم على أجواء الشرق الأوسط سيبدّد آمال المنطقة بالسلام، خصوصا أن أهالي المنطقة لا يزالون يحتفلون بسقوط الأنظمة الطاغية ويحلمون ببدء حقبة جديدة من الديمقراطية.
وقالت الصحيفة، في عددها الصادر في 12 شباط/ فبراير، إن التهديدات الإيرانية بتلغيم وإغلاق مضيق هرمز أدت إلى تأجيج الصراع بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي، وإن التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية من شأنها زيادة احتمالات تفاقم الأزمة على المستوى الأوسع في المنطقة.
وأضافت أن أكثر ما يثير القلق هو المشهد الدموي السوري الذي يزيد من قتامة الأوضاع في المنطقة، لاسيما في ظل مواصلة قوات الرئيس السوري بشار الأسد قصف المدن والبلدات السورية بالمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ.
وقالت إن الأوضاع في سوريا تنذر بانزلاق البلاد إلى أتون الحرب الأهلية التي قد يتطاير شررها إلى خارج الحدود السورية.
وفي حين حذرت الصحيفة من مستنقع الحرب الأهلية في سوريا، أضافت أن حربا على المستوى الأوسع ربما لا يمكن تجنبها في عام 2012، والتي من شأنها تبديد فرحة الناس بالديمقراطية في أعقاب سقوط العديد من الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.
ونسبت الصحيفة إلى مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بول سالم، قوله إن المنطقة متجهة عبر مسارين مختلفين، موضحا أن دول شمال أفريقيا تتجه نحو مزيد من الديمقراطية.
وأضاف مدير مركز كارنيغي للسلام أن دول منطقة المشرق العربي، بما فيها إسرائيل ولبنان وسوريا والعراق، متجهة نحو المواجهة والصراعات الطائفية بشكل خطير وكبير.
وقالت "واشنطن بوست” إنه برغم مظاهر الفوضى في القاهرة والحيرة والاضطراب في طرابلس، فإن تونس ومصر وليبيا ماضية نحو بناء ديمقراطيات تتبلور على أرض الواقع في الدول الأفريقية الثلاث بعد عام على الأكثر.
وحذرت الصحيفة بالقول إنه على عكس الحال في تونس ومصر وليبيا، والتي بقيت آثار الثورات الشعبية داخلها، فإن الحال في سوريا مختلفة تماما، في ظل ما تمثله سوريا من شبكة للمصالح الاستراتيجية وللتعقيدات العرقية والطائفية، والتي سرعان ما تنفجر إثر سقوط النظام.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى تزويد روسيا للنظام السوري بالسلاح، وإلى تلقي الأسد الدعم التقني والفني والمشورة العسكرية من إيران، مما ينذر بحرب بالوكالة مع الولايات المتحدة والغرب في سوريا، حرب قد يتطاير شررها إلى لبنان والعراق وربما إلى أماكن أخرى في المنطقة.
ونسبت الصحيفة إلى محللين قولهم إن إيران تبقى اللاعب الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وإن سوريا تشكل ميدان المعركة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، والذي تمدد بشكل مثير في سوريا والعراق ولبنان.