تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 67
الجزء الثاني
ينطلق هذا التصور من التعامل مع تطورات أزمة 67 كما وقعت,
مع استدخال وقائع افتراضية
ينطلق هذا التصور من التعامل مع تطورات أزمة 67 كما وقعت,
مع استدخال وقائع افتراضية
... جزء -4 -
بقلم د. كمال خلف الطويل
بقلم د. كمال خلف الطويل
تكملة ، لما قام الصديق العزيز ، الدكتور كمال خلف الطويل ، ووضعه تحت تصرفنا ... للنشر ،
فيما يلي الجزي الــرابع من التحليل "تصور إفتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 1967
ورغم ، أنه تصور إفتراضي ، إلا أنه يتميز بقيمة تحليلية ... تستدعي التمعن .... عن أسباب عدم ... إتباع الأفكار الأخري .. المشابهة في قيادة حرب 1967
ولقد نشرنا هذه الدراسة ، في الموقع المخصص التالي
"سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر ... الحــروب 1956 و 1967 وحـــرب الأسـتـنـزاف ، من أجل مصر ... وليس عبدالناصر"
وسوف أنشر بقية المواضيع التي تستكمل هذه الدراسة التي ننشرها حسب الفهرست التالي
- 1 مقدمات 67
- 1.1 كيف كان تصور عبد الناصر لشكل المعركة التي ارتفعت احتمالاتها ل 80% ؟
- 1.2 الخلاصة
- 3 الجزء الثاني
- 4 الجزء الثالث 24 مايو 2007
تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لحرب 67
بقلم
دكتور كمال خلف الطويـل
فــــهــرســــــت
- 1 مقدمات 67
2 ملابسات 67
- 1.1 كيف كان تصور عبد الناصر لشكل المعركة التي ارتفعت احتمالاتها ل 80% ؟
- 1.2 الخلاصة
- 3 الجزء الثاني
- 4 الجزء الثالث 24 مايو 2007
الجزء الثاني 3 يناير 2004 (تصور افتراضي حول إدارة ناجحة لأزمة 67)
ينطلق هذا التصور من التعامل مع تطورات أزمة 67 كما وقعت, مع استدخال وقائع افتراضية على سلّم هذه التطورات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدراكها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع
بادئ ذي بدء فخلفية هذه الورقة هي ورقة سابقة كتبت بتاريخ 23 أيار/ مايو 2000 عنوانها "مقدمات 67". ومن هنا تنطلق هذه الورقة من حتمية أن أزمة 67 واقعة.
في 13 أيار/ مايوعقد عبد الناصر اجتماعا مطولا مع المشير عامر لبحث معلومات سوفيتية حول حشود بقوة 3 فرق على الحدود السورية وبهدف غزو الجولان السوري يوم 17 مايو/أيار
اتفق الاثنان على رفع حالة التأهب القصوى في القوات المسلحة ونقل ما يقرب من 5 فرق – بينها فرقة مدرعة وفرقتان آليتان – إلى سيناء لتنضم للفرقة الثانية مشاة المرابطة هناك, وطلب إعادة انتشار قوات الطوارئ الدولية بتجميعها في غزة وسحبها من خط رفح – إيلات, مع إبقائها في شرم الشيخ, وأخيرا إيفاد رئيس أركان الحرب الفريق أول محمد فوزي إلى دمشق لفحص المعلومات السوفيتية ميدانيا وللتنسيق مع السوريين في حالة نشوب عمليات عسكرية.
كان تقدير عبد الناصر لاحتمال الحرب بعد تطبيق هذه القرارات هو 20 بالمائة إلى الآن كل شيء سليم.
• الخطأ في التطبيق هو "علنية" نقل القوات في مظاهرة صاخبة عبر شوارع القاهرة. الأجدى كان سرية وتدرج نقل القوات كما حدث في كانون الثاني/يناير 60 عندما انتقلت 3 فرق لسيناء نصرة لجيش الإقليم السوري الأول دون أن يكشف بن غوريون ذلك إلا بعد حدوثه
فائدة ذلك هو تخفيف الاحتقان وتوفير القدرة على النزول من السلم إن دعا الأمر.
عندما قدم الطلب إلى يوثانت بسحب القوات الدولية من خط رفح-إيلات قوبل بالرفض وبتخيير مصر بين الانسحاب الكامل أو إبقاء الحال على ما عليه. قرر عبد الناصر سحب القوات الدولية بالكامل وهذا صحيح وتم ذلك في 18 أيار/مايو. يومها رفع عبد الناصر احتمال الحرب إلى 50 بالمائة. • عند ذلك المفصل كان على عبد الناصر أن يلتقط أنفاسه ويعيد حساباته. وتحت أي طائل كان عليه أن يتورع عن المضي قدما في خطوة إغلاق خليج العقبة لأنها باختصار تعني حتمية الحرب. صحيح أن توقفه في المنتصف سيوفر الحجة للرجعية العربية في القول إنه جبن وتردد وأن مصداقيته لا يبرهن عليها إلا إغلاق الخليج. لكن مضار حملة إعلامية كهذه تقصر عن الوصول لحافة الهاوية وما تعنيه من حتمية حرب لم يتم الاستعداد لها تماما. • البديل لمزيد من التصعيد كان الدعوة لمؤتمر قمة مصغر يضم مصر وسوريا والعراق والجزائر يطرح فيه عبد الناصر برنامجا للاستعداد للخطوات التالية في الوقت المناسب. ضمن البرنامج نقل فرقتين عراقيتين لجنوب سوريا مع قاعدة جوية تكون قادرة على إسناد الجبهة السورية في حالة الحرب وعلى دخول الأردن وفتحه كجبهة ثالثة أيضا... أيضا نقل قرابة فرقة جزائرية مع بعض الأسراب إلى الجبهة السورية لنفس الهدف... أيضا إعارة الطيارين الناصريين المسرحين في كل من سوريا والعراق للخدمة في القوات الجوية المصرية... أيضا الاستعداد لإطلاق وحدات جيش التحرير الفلسطيني (حطين في سوريا وعين جالوت في غزة مع نقل القادسية من العراق لسورية) في عمليات فدائية من الجولان وغزة وفق التخطيط العسكري للجبهتين... أيضا تفعيل القيادة العربية الموحدة لتشرف على المسرح الميداني للجبهتين المصرية والسورية (علي عامر وعبد المنعم رياض). • في ذات الوقت كان على عبد الناصر مخاطبة الأمة بصراحته المعهودة شارحا طبيعة التحدي وأسلوبه لمواجهته بحزم وتعقل في آن, وأن أي تصعيد لا يكون وفق مصلحة الأمة في التوقيت المناسب يصب في قناة أعدائها, فاضحا مزايدات الرجعية العربية ومستنهضا شعوب الجزيرة والخليج وليبيا وإيران والأردن للثورة على حكامها مركزا على موضوع القواعد الأجنبية في هذه البلدان وعلى توريد البترول الإيراني لإسرائيل. • كان على عبد الناصر تخفيض التوتر في المنطقة بعد مضي أسابيع قليلة, بحيث تسحب القوات المحتشدة في سيناء تدريجيا وصولاً الى احتفالات عيد الثورة في 23 تموز/يوليو, مع إبقاء الفرقة الثانية مشاة – كما المعتاد – في سيناء وتضاف إليها فرقة ثانية تبقى في قطاع غزة – في تعديل على خطة قاهر للدفاع عن سيناء – لحمايته خصوصا مع البدء في عمليات فدائية تعرضية منه. • بالمقابل كان عبد الناصر قد سحب 2-3 لواء من اليمن من أصل مجموع 8 ألوية متواجدة هناك ولأغراض الاحتشاد لاحقا في سيناء مع تصعيد موقوت. • كان على عبد الناصر فتح معركة سياسية في الأمم المتحدة لمناقشة ملف قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية والأخص قراري 181 للتقسيم و194 للعودة, ودعوة الجمعية العامة لدورة استثنائية لمناقشة تطبيق القرارين. • مع اكتمال حشد القوات في سيناء يوم 20 أيار/مايو وضح أن كفاءة بعض القيادات الميدانية كانت تحت الوسط, وبالتالي فالحجة عند عبد الناصر أمام المشير قاطعة بأن التغيير واجب, و من ثم التهيؤ لتصعيد آت وفق توقيت مناسب
على سبيل المثال كان عدد الطيارين لا يزيد عن 200 طيار .. كانت القواعد الجوية خالية من الدشم .. كان خط الدفاع الثاني (الحسنة – لحفن) غير مهيء هندسيا (مقابل التجهيز الهندسي لخط الدفاع الأول نخل - الشيخ زويد ومقابل التجهيز الطبيعي لخط المضائق) .. كان هناك تضارب بين قيادة الجيش الميداني وقيادة الجبهة .. كان نظام الاحتياط متهالكاً, ومعه كانت متقادمة أنماط قيادات الطيران والبحرية.
إذن هي فرصة لإعادة تنظيم القيادة العسكرية, بحيث توحد قيادتي الجبهة والجيش الميداني, وتستبدل قيادات الفرق والألوية الرديئة بقيادات كفؤة, وتبنى التجهيزات الهندسية لخط الدفاع الثاني ولدشم المطارات, وتجري عملية تكثيف وتوسيع صفوف طلبة الكلية الجوية, ويبنى نظام احتياط جديد يشمل تجنيد حملة المؤهلات... حتى وإن اقتضت كل هذه الخطوات الإبقاء مؤقتا على المشير في منصب نائب القائد الأعلى.
• كانت تلك فرصة يضغط فيها عبد الناصر على نظام النيو – بعث في دمشق لإشراك القوى الوحدوية في الحكم, ولوقف نشاطات حركة فتح وغيرها من سوريا. • كانت واجبة عند هذه المحطة عملية تقييم جادة لإمكانيات مفاعل انشاص النووي وتطويره لتقصير فترة الانتظار قبل الحصول على مقدرة تصنيع الرؤوس النووية, متزاوجة مع تسريع صناعة أجهزة توجيه صواريخ أرض-أرض. • كان منطقيا تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى كيان ذي سيادة على قطعة من أرض فلسطين, عبر إنشاء جمهورية فلسطين العربية في قطاع غزة لتكون منطلقا لعملية التحرير المستقبلية. يترافق ذلك مع سحب الاعتراف "الواقعي" بضم الضفة الغربية للأردن واعتبارها جزءا من الدولة الفلسطينية وطلب اعترافات دولية بهذه الدولة من معسكر عدم الانحياز, وقبل الكل من سوريا والعراق والجزائر واليمن. • في ضوء ذلك كله كان يتوجب الابتعاد عن حافة الهاوية لعامين مقبلين على الأقل ..تتم خلالهما الخطة الخمسية الثانية للتنمية ..ومعها مشاريع التطوير الذري والصاروخي وزيادة عدد الطيارين وباقي متعلقات التطوير العسكري. من هنا, فربما كان مفصل 69/70 هو الملائم لإغلاق خليج العقبة, وقبول المخاطرة المحسوبة بحرب مع إسرائيل تهدف إلى فرص تطبيق قرار 181 وإحقاق حق العودة , على أن تسبق الإغلاق عملية تسخين فدائية تستمر شهورا وتكفل توفير افتتاحية المواجهة التالية.
(تصور افتراضي حول إدارة ناجحة "لحرب" 67)
ينطلق هذا التصور من التعامل مع وقائع حرب 67 كما جرت, مع استدخال وقائع افتراضية على سلم هذه المجريات في محاولة لاستبيان هل كان ممكنا إدارتها بنجاح – كما كان يأمل صناع القرار حينها – فيما لو حدثت هذه الوقائع.
نقطة البداية هي إطاعة تحذير عبد الناصر مساء الجمعة 2 حزيران/يونيو بأن ضربة جوية إسرائيلية شاملة على الأبواب ولن تتأخر عن الاثنين 5 حزيران/يونيو.
تنفيذ التحذير عملياتيا يعني نقل القاذفات الثقيلة توبوليف-16 والقاذفات الخفيفة اليوشن-28 لمطارات السودان لإبعادها عن مدى الطيران الإسرائيلي مع سحب كل المقاتلات والقاذفات من مطارات سيناء الأربعة وتوزيعها على مطارات الصعيد مع إطلاق مظلة جوية فوق الداخل تتوزع على اتجاهات ثلاث (الشرق والشمال والشمال الغربي) وتتركز حول فترتي الفجر/الصباح والغروب/المساء
لو تم ذلك لحدث واحد من أمرين: إما أن تصرف إسرائيل النظر عن ضربتها الجوية وتفكر ببدائل تستجلب الطيران المصري إلى معركة جوية طاحنة تسفر عن هزيمته (مثل شن هجوم جوي شامل على الأردن و/أو سوريا أو بدء العمليات البرية في سيناء أولا), أو تشن الضربة, على أية حال, مع استهداف الطيران المصري في الجو وليس على الأرض.
في كلا الحالتين فإن الهزيمة الجوية المصرية واقعة, وبخسائر كبيرة في الطيارين, لكن خسائر الطيران الإسرائيلي ستكون ملحوظة أيضا, ولن تتمكن حينها من السيادة الجوية, بل في أقصى الأحوال من التفوق الجوي (درجة أقل من السيطرة). الآن: الإفتراض التالي هو بعد التسليم بنجاح الضربة الجوية الإسرائيلية على الطيران المصري وأيضا على الأرض كما حدث فعلا.
يمكن القول إن ذلك متغير هام ولكنه بكل المقاييس غير حاسم. كانت إدارة رصينة للمعارك كفيلة بامتصاص مفعول السيادة الجوية والاشتباك مع المهاجم في معركة تعرضية تجمع ما بين الصمود على خط الدفاع الأول – المحصن هندسيا – والمناورة بالقوات على مراحل, وفق تصور أن خط المضائق هو خط الدفاع الأخير. بداية فإن توزع قوات سيناء عشية الحرب كان شديد السوء. الفرقة السابعة مشاة المسؤولة عن المحور الشمالي خرجت شمالا عن نطاقها المحصن في الشيخ زويد (شمال العريش) لترابط ما بينه وبين رفح في سعي لتأمين دفاع عن جنوب القطاع يمنع عزله عن سيناء. والثابت أن الهدف السياسي من وراء هذه الرغبة معقول بل وواجب, لكن تكليفات القوات المناط بها هذا الواجب جاوزت قدرتها على الأداء مما انتهى بالفرقة السابعة إلى أن تصبح سهلة الإختراق من القلب ومن الأجناب معا وهي نتيجة أودت بالفرقة إلى أن تصبح يسيرة المنال رغم قتالها الدفاعي المشهود طيلة اليوم الأول من الحرب وقبل أن يستشهد قائدها اللواء عبد العزيز سليمان وينفتح الباب على مصراعيه إلى العريش كبرى حواضر سيناء. أما الفرقة الثانية مشاة والمسؤولة عن المحور الأوسط, فكانت قد خرجت أيضا عن نطاق خطها المحصن هندسيا في أبو عجيلة إلى القسيمة تحت تأثير المراد من خطوات الحشد الأولي في الاقتراب من خط الحدود لجذب الجهد الإسرائيلي من الشمال السوري إلى الجنوب المصري. كان قائد الفرقة هو اللواء محمد كامل, والذي لم يكن على مستوى هذه القيادة. أما الفرقة السادسة الآلية والمسؤولة عن المحور الجنوبي, فهي لم تتمدد فقط من خطها المحصن هندسيا في نخل بل جاوزت تمد شمالا إلى الكونتيلا (القريبة من الحدود) وتحت نفس تأثير التوزع القديم. وليكتمل المشهد الأليم فلقد أضاف المشير عامر أواخر أيار/مايو قوة خاصة مؤلفة من لواء مجحفل (لواء مظلات ناقص مع كتائب مدرعة ومدفعية وملحقات) إلى المحور الجنوبي قادها اللواء المظلي سعد الشاذلي ورابطت على بعد 20 كم غرب الكونتيلا. ذهب ذهن المشير تلك الأيام بعيدا نحو اليقين بأن محور الهجوم الرئيسي سيكون من الجنوب مما يمكن القوات الإسرائيلية من تطويق المحورين الأوسط والشمالي من ذلك الاتجاه. خط الدفاع الثاني (غير المجهز هندسيا) والممتد من بير حسنة جنوبا إلى بير لحفن شمالا كانت ترابط عليه الفرقة الثالثة الآلية معززة على جانبها الأيسر بلواء مدرع مستقل. تولى قيادة الفرقة ضابط سياسي من أنصار المشير هو اللواء عثمان نصار والذي لم يكن مشهودا له بالكفاءة. أما خط الدفاع الثالث فكان السفح الشرقي لمضائق سيناء الثلاث (متلا جنوبا وجفجافة في الوسط ورمانة في الشمال) ورابطت عليه الفرقة الرابعة المدرعة, وهي جوهرة العسكرية المصرية تاريخيا. أما قائدها فكان اللواء صدقي الغول وهو أيضا ممن لم يكونوا الأكثر كفاءة. والمعلوم أن خط المضائق محصن بشكل طبيعي ويمكن الثبات عنده, إن توفرت القوات وتوفرت لها قيادة حسنة. تبقى شرم الشيخ, وهي لم تكن في الأساس ضمن حسابات خطة قاهر الدفاعية (التي أقرت في كانون الأول/ديسمبر 66), لكن تطورات أزمة 67 أملت إرسال العديد من الكتائب (مظلات ومشاة ومدفعية) إليها إضافة للواء مشاة في الطور. أما قطاع غزة فكان مكان مرابطة لواء عين جالوت الفلسطيني معززا ببعض الوحدات المصرية والعراقية الصغيرة. ما الذي كان ممكنا فعله يوم 5 حزيران/يونيو لما يكفل تلافي هزيمة مذلة بل والثبات في معركة دفاعية معقولة النجاح؟ 1 - أن يتولى جمال عبد الناصر بنفسه مقاليد القيادة العسكرية العليا, بما يشمله ذلك من الانتقال شبه الدائم والإقامة في مركز العمليات. المعلوم أن عبد الناصر ذهب للمركز في الصباح بعد سماعه لأصوات الغارات الجوية على مطارات القاهرة والتقى فيه بعبد الحكيم عامر بعد عودته الكسيرة من رحلة الرعب في السماء قاصدا سيناء وعائدا من سماء القنال إلى مطار القاهرة المدني ليستقل تاكسي أجرة إلى المركز. (بالمناسبة فالراجح عندي أن إسرائيل تعمدت عدم قتل المشير بإسقاط طائرته ذلك الصباح لأنها أرادته أن يعود, لمعرفتها بقلة درايته وكفاءته, عكسما كان الحال يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 56 عندما أرادت اصطياده في السماء وهو عائد من دمشق عشية العدوان الثلاثي لكنها فشلت ونجحت في اصطياد طائرة مرافقيه عوضا عنه). يمكن هنا تفهم أن يعطي عبد الناصر فرصة لعامر ليقود خصوصا وأن أخبار إسقاط الطائرات الإسرائيلية الغزير كانت تتلاحق قبل أن يتبين كذب معظمها. لكن الأكيد أن هذه الفرصة ما كان ينبغي لها أن تزيد عن ساعات قلائل لا تتعدى عصر ذلك اليوم, وحتى يتم تجميع بيانات الخسائر الحقيقية للطرفين
وقد يقول قائل إن عبد الناصر كان ضعيف التأثير في القوات المسلحة, لكن موقف الحرب هو بحد ذاته عامل كاف لبسط التأثير بالزخم كله, فالمنطقة كلها ومصيرها في الميزان, وليست مبررة بحال من الأحوال حالة الاعتصام في مكتب المنزل التي مارسها عبد الناصر طيلة ما تبقى من يوم 5 ويومي 6 و 7 حزيران/يونيو وحتى مساء الخميس 8 حزيران/يونيو, والاكتفاء بوجود ضابط اتصال بين مكتبه والقيادة العسكرية.
كان الواجب والحيوي والمطلوب أن يعود عبد الناصر إلى مركز العمليات عصر الإثنين 5 حزيران/يونيو ليطلب كشف حساب عن خسائر مصر في الطيران وعن حقيقة خسائر إسرائيل فيه وعن تطور المعارك على الأرض واتجاه الهجوم البري الرئيسي. أضحى واضحا مع ذلك الوقت أن الفرقة السابعة مشاة- وهي التي تلقت جهد الهجوم الإسرائيلي الرئيسي- أصبحت في حالة حرجة تهدد بالانهيار, وأن 80 بالمائة من الطائرات المصرية قد حطمت على الأرض. بداية إذن كان على عبد الناصر أن يدخل مركز العمليات ليبقى فيه مزاولا صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة, ولا ضير في بقاء المشير إلى جانبه, لكن القرار هو حصرا في يد الرئيس. 2 - كان في وسع عبد الناصر وضمن حدود المتاح أن يأمر بالخطوات التالية على أن يتم تنفيذها منذ الغروب وحتى فجر 6 حزيران/يونيو, أي طيلة ساعات الليل ولتلافي تأثير الطيران الإسرائيلي صاحب السيادة الجوية: 1 – إعادة الفرقة السادسة الآلية من الكونتيلا جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في نخل. 2 - إعادة الفرقة الثانية مشاة من القسيمة جنوبا/غربا للاحتشاد في خطها المحصن في أبو عجيلة. 3 - نقل اللواء المجحفل/الشاذلي من غرب الكونتيلا إلى بير حسنة ضمن نطاق الفرقة الثالثة الآلية على خط الدفاع الثاني. 4 - تكليف اللواء المدرع المستقل غرب بير لحفن لشن هجوم مضاد على قوات المحور الشمالي الإسرائيلية بهدف تخفيف الضغط عن الفرقة السابعة مشاة والدفاع عن العريش لمنع احتلالها. 5 - عزل اللوائين محمد كامل وعثمان نصار وتعيين اللواء سعد الشاذلي قائدا للفرقة الثالثة الآلية واللواء سعدي نجيب قائدا للفرقة الثانية مشاة، أضف إلى عزل اللواء صدقي الغول واستبداله باللواء عبد الغني الجمسي قائدا للفرقة المدرعة الرابعة. 6 - دمج قيادة الجهة وقيادة الجيش الميداني في قيادة ميدانية واحدة يقودها الفريق أول عبد المحسن مرتجى ورئيس أركانه الفريق صلاح محسن ومدير عملياته اللواء أحمد إسماعيل. 7 - بافتراض فشل الهجوم المضاد باتجاه العريش فجر 6 حزيران/يونيو, تتمسك الفرق الثانية والثالثة والسادسة على المحورين الأوسط والجنوبي لخط الدفاع الأول وفي قاطع خط الدفاع الثاني بمواقعها لأيام عدة, مع المناورة بها حسب الحاجة العملياتية لتنكفئ الثالثة إلى خط الدفاع الثالث وتتبعها الثانية والسادسة عند الحاجة, ويتم التمسك بخط المضائق بقوة 4 فرق وألوية داعم لآخر طلقة وآخر رجل. 3 - إرسال علي صبري برا إلى بنغازي ليطير منها إلى موسكو ليلة 5/6 حزيران/يونيو بطلب إرسال جسر جوي سوفياتي إلى مطار الماطة لنقل مقاتلات قاذفة (ميج وسوخوي) تعيض خسائر الصباح, وبطلب الإصرار على قرار سريع من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار والعودة إلى خطوط 4 حزيران/يونيو
يترافق ذلك مع دعوة مصر- بالتشارك مع كتلة عدم الانحياز- الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية عاجلة تبحث الموقف الراهن وتوفر ضغطا على واشنطن للجم إسرائيل عند ذلك الحد.
هل كان السوفيات تحت زعامة الثلاثي الحذر (بريجنيف وكوسين وبودغورني) ليستجيبوا لطلب عبد الناصر بالجسر الجوي؟
الإجابة تعتمد على إحساسهم بأن مصر قادرة على إدارة دفاع معقول في سيناء, وعلى تخويفهم – بإسناد عراقي وجزائري – من مخاطر تركها في العراء أمام الهجمة الإسرائيلية المسنودة إسرائيليا بما تشمله من تحطيم سمعة السوفيت وسمعة سلاحهم ومعه نفوذهم. يترافق ذلك مع الدعوة لمؤتمر قمة عربي فوري واستثنائي في القاهرة ومع إرسال زكريا محي الدين إلى يوغوسلافيا وفرنسا والهند لجذبهم إلى دائرة الضغط. إذن فإن صمود قوات خط الدفاع الأول على المحورين الأوسط والجنوبي لعديد من الأيام كانت كفيلة بعزل الاندفاع الهجومي الإسرائيلي في المحور الشمالي وحده مع تعريض أجنابه في اتجاه خط الدفاع الثاني للانكشاف والتعرض. بعد ذلك تنسحب قوات الخطين الأول والثاني تدريجيا إلى المضائق في وقفة أخيرة وناجحة. إذا تساوى ذلك مع استعادة الطيران المصري سلاحه وصعوده إلى السماء في إسناد للقوات البرية المدافعة ومعيقا للسيطرة الجوية الإسرائيلية ففي هذا المزيد من النجاح في إطالة الصمود على الخط الأول وفي إنجاح الخط الثاني في عمله التعرضي. إذا ترافق ذلك مع حملة عربية وعالمية للضغط, فهذا ما يؤمن إخراجا جيدا لنتائج الحرب تجعل حصاد إسرائيل شبه هشيم رغم احتلالها لقطاع غزة وربما لصحن سيناء... ففي الحروب ما يحسم النتائج هو خسائر المقاتلين والمعدات ومعها انكسار الإرادة السياسية وليس احتلال الأرض بحد ذاته. النقطة الواجب لحظها هنا هي أن عملية إعادة التنظيم كانت يجب أن تشمل انسحاب قوات شرم الشيخ ليلة 5/6 حزيران/يونيو وتجمعها في الطور لاحتمال الانتفاع بها في تعزيز مضيق متلا الجنوبي لاحقا. لعل طلبا من عبد الناصر لقمة القاهرة الطارئة بوقف تصدير البترول والغاز فورا إلى أمريكا وبريطانيا مع تخفيض إنتاجه بنسبة 50% ولمدة شهر كان كفيلا بإثناء واشنطن عن السماح لإسرائيل بالاستمرار في الحرب. هل كان يجرؤ فيصل السعودية- وحمى الحرب مستعرة- على رفض طلب عبد الناصر؟ أشك .. رغم العلم بدوره الموثق في تحريض واشنطن على أمر إسرائيل بشن الحرب آملا في الخلاص من خصمه اللدود عبد الناصر. نقطة أخيرة وهي أن عملية إعادة التنظيم- كما شملت في سيناء توحيد قيادة القوات الميدانية بتشكيل جديد- كان يجب أن تشمل نقل هيئة أركان الحرب إلى مركزها التبادلي في الإسماعيلية على أن يبقى القائد الأعلى – ونائبه – في القاهرة مع ضباط اتصال ومع المستشار الفريق أول علي عامر (قائد القيادة العربية الموحدة المشلولة), وأيضا عزل المسؤولين عن تدمير الطيران وهم بالتحديد قائده الفريق أول صدقي محمود ورئيس أركانه الفريق أول جمال عفيفي وقائد الطيران في سيناء اللواء عبد الحميد الدغيدي وقائد الدفاع الجوي اللواء إسماعيل لبيب, وتعيين الفريق مدكور أبو العز قائدا للقوات الجوية والفريق عبد المجيد الرافعي رئيسا لأركانها واللواء حسن كامل قائدا للدفاع الجوي, واغتنام الفرصة لعزل الفريق أول سليمان عزت قائد القوات البحرية ورئيس أركانه الفريق محمود ناشد وتعيين اللواء فؤاد ذكرى قائدا لها واللواء عبد المعطي العربي رئيسا لأركانه. لعل قصة حزيران/يونيو 67 وعدم استثمارها لتقليل الخسائر وكبح الفوز الإسرائيلي بل وجعله مهزوزا غير ذي قيمة, أكثر مأساوية من نجاح إسرائيل الأولي لأنه باختصار كان يمكن تحويل الهزيمة الكاسحة إلى نصف هزيمة/ نصف نصر
لو تعامل عبد الناصر مع حوادث اليوم الأول بالحزم والحسم الذي بدا عليه بعد 10 حزيران/يونيو
التعديل الأخير: