الجهاد بالقرآن الكريم والتقنية الحديثة
الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبوالعطا موسى
شرع الله سبحانه وتعالى الجهاد للدفاع عن الكليات الخمس ( حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ) ومن حفظ الدين نشره بين العباد , ولذلك كان الجهاد أيضا لإزالة الطواغيت من أمام تبليغ الدعوة، وكما قال ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس عندما سأله رستم ما جاء بكم؟ قال ربعي: الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من نشاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ,ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعد الله، قال (رستم) : وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى , والظفر لمن بقي. (التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، عبدالعزيز الحميدي، دار الدعوة، القاهرة 1998 – ط1 – ج10 – ص414).
وهكذا حدد ربعي رضي الله عنه المقصود من الجهاد وهو نشر دين الله وليس السيطرة على الناس والأرض (فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا) وقد جاهد المسلمون جهادا كبيرا حتى نشروا الدين في كل مكان استطاعوا الوصول إليه , والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للطواغيت: ( خلوا بيني وبين الناس ) واليوم والحمد لله خلى الله بيننا وبين الناس بالتقنية الحديثة (الإنترنت والفضائيات والنشر) وعلينا الجهاد بالقرآن الكريم عبر هذه الوسائل الجهادية الحديثة التي وفرت علينا الجهاد بالنفس والقتل والمشقة .
وحتى نعلم المجهود العظيم الذي بذله الصحابة رضوان الله عليهم في الدعوة، علينا دراسة موقعة مؤتة، حيث قاتل ثلاثة آلاف مسلم مقابل مائتي ألف كافر، وكذلك الجهاد في القادسية والجهاد في فتح جزيرة رودس، وفتح القسطنطينية وغيرها، حيث التضحيات والجهود الجبارة التي بذلها المسلمون.
وقد شرع الله سبحانه وتعالى لنا الجهاد بالقرآن الكريم فقال تعالى: ( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {52}) (الفرقان/52). قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن ( وَجَاهِدْهُم بِهِ ) أي: بالقرآن ( جِهَاداً كَبِيراً ) أي: لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته، انتهى.
وقال الدكتور وهبه الزحيلي حفظه الله في التفسير المنير في قوله تعالى: ( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {52}) (الفرقان/52) قال: (أي فلا تتبعوا الكفار فيما يدعونك إليه من مجاملة أو موافقة لآرائهم ومذاهبهم , وجاهدهم بكل سلاح مادي أو عقلي وهو القرآن جهادا شاملا لا هوادة فيه، متناسبا مع كل فرصة تنتهزها كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {73}) (التوبة/73). والجهاد الكبير: هو الذي لا يخالطه فتور. انتهى.
وبذلك فتح الله سبحانه وتعالى امامنا الباب واسعا للدعوة والجهاد بالقرآن الكريم عبر الأنترنت والفضائيات والكتب ومراكز نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وغيرها.
وهذا النوع من الدعوة يتطلب إعدادا خاصا للداعية , حيث يجب تعلم لغة المدعوين، ودراسة كيف يفكرون , وكيف ندخل إليهم دخولا مقبولا عندهم، وكما قال الفاروق رضي الله عنه: ( لا تدعوا الناس حتى تأتلفوهم فإذا ألفتموهم فادعوهم ) وهذا يتطلب أن نرسل بعثات تعليمية إلى تلك البلدان ليتعلم أفرادها لغة القوم ونفسياتهم واحتياجاتهم العقلية والروحية ومداخل نفوسهم ومخارجها , وفتح كليات لدعوة غير المسلمين , وعلينا رصد الشبهات والكتابات المضللة عن دين الإسلام ونبي الإسلام والرد عليهم بردود علمية بعيدة عن التشنج والإجتهادات غير العلمية، والانطباعات الشخصية والمذهبية المحدودة.
ولذلك وجب علينا إعداد مراكز للدعوة التقنية يقوم على إدارتها بعض المختصين بالتعاون مع المختصين في الجامعات ومراكز الدعوة والإرشاد والبحوث في العالم الإسلامي , وعلى القادرين منا إنشاء مواقع دعوية مع رصد الشبهات التي تثار بين شبابنا والرد عليها بالردود العلمية الشرعية ومتابعة ردود الفعل والتغذية الراجعة وتطوير الأجابة بحسب ما يرد من استفسارات , وعلى القادرين ماليا من المسلمين معاونة العِلميين غير القادرين على الصرف على المواقع بتمويل مصاريف تلك المواقع ورواتب القائمين عليها، وتمويل عمليات الكتابة والترجمة والصيانة وإيجار المكان , وعلى القادرين منا رصد المواقع المثيرة للشبهات حول الإسلام ودراسة تلك المواقع جيدا والرد على الشبهات المثارة فيها ردا علميا شرعيا بالتعاون مع بعض المختصين من المعارف والأصدقاء والمخلصين.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من الإشارات العلمية التي يمكن استغلالها للدعوة العلمية، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يريح النفوس المادية المعذبة من عنائها، فالناس في الغرب المادي يبحثون عن الرقائق والروحانيات التي تريحهم من عناء المادة ورانها الذي ران على قلوبهم وأتعب نفوسهم، وقد سئموا الطرائق العلمية البحتة، فهؤلاء تستخدم معهم أسلوب تزكية النفس والرقائق والرقة والبكاء لجذبهم إلى الدين وتأليف قلوبهم، وإذا دعونا الناس في أفريقيا وآسيا فلا نبدأ بمهاجمة عاداتهم وتقاليدهم القبلية وخاصة في طبولهم ورقصاتهم وأعيادهم، علموهم الدين واتركوهم يعلمون الموافق له من المخالف، وهم سيقومون بتغيير ما بأنفسهم بأنفسهم وهذا أبلغ وأضمن لإستمرار عملية التغيير، كما أن علينا البعد عن الدخول في الخلافات المذهبية والفقهية ومحاولات جذب الناس إلى المذهب، أدعوهم إلى الإسلام بعمومياته وشموله وأصوله , وعلينا عدم الدخول مع المخالفين لنا في المذهب من المسلمين في الخلافات التي تشوه صورة المسلمين وتظهرهم بمظهر المتنازعين الأعداء لبعضهم بعضا أمام من تدعوهم.
ادعوا الناس إلى الإسلام ولا تدعوهم إلى المذهب، ادعوهم إلى الله وكتابه ورسوله وسنته ولا تسقطوا عليهم خلافاتنا المذهبية والقومية والعرقية والتاريخية والنفسية .
وبذلك نكون قد جاهدنا في سبيل الله بالقرآن الكريم، وهذا جهاد كبير وعلينا عدم المجاملة وتطويع الإسلام للفلسفات والتوجهات الغربية , وعلينا تخلية عقولنا من الحلول المستوردة وسابقة التجهيز ومحاولة نقل التجارب الغربية ومشكلاتهم مع دينهم وخاصة فصل الدين عن الدولة , والعداء الأبدي بين الكنيسة الغربية والعلم، فالإسلام مختلف عن دينهم الذي حارب العلم والعلماء واضطهدهم وأعدمهم باسم الرب وإرضاء له.
الطريق إلى الدعوة مفتوح أمامنا وهذه فرصة ذهبية يجب علينا استغلالها وعرض الإسلام دين الله الخالص على الناس، وللإسلام قوة دفع فطرية ذاتية قادرة بفضل الله على جذب الناس بشرط بيانه للناس البيان العلمي الشرعي الصحيح وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
عن موقع الدكتور خليل نظمي