تستثمر الدول في بناء قواتها المسلحة الكثير من الأموال وتأخذ جزءا كبيرا من حجم الموازنات بعضها يذهب في التصنيع الحربي وبعضها للشراء المباشر للأسلحة والتجهيزات وبعضها يصرف لغرض التدريب وقد يسأل المواطن العادي عن المردود الفعلي لصرف تلك المبالغ وسوف أحاول أن أرد على هذا التساؤل المشروع من خلال هذا الطرح.
التدريب وأهميته:
يعتبر التدريب أهم العناصر التي ترتكز عليها القوات العسكرية لتنفيذ مهمتها الأساسية في الدفاع عن الوطن فقوة عسكرية غير مدربة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق النصر مهما هيأت لها من إعداد أو أسلحة حديثة وكان صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران للشئون العسكرية قد وضع التدريب أحد أضلاع مثلث النصر (التدريب، الانضباط، القيادة) في محاضرة ألقاها في كلية الملك عبدالعزيز الحربية من هنا يتضح لنا أهمية التدريب ودوره الحاسم في تحقيق النصر بإذن الله.
نظرة استراتيجية:
يدور على الساحة العسكرية العربية منذ عام 1980م نشاط تدريبي مشترك مكثف بين دول عربية وعربية ودول عربية وأخرى أجنبية وقد بدأ ذلك واضحاً بصفة خاصة في منطقة الخليج العربي. ولا سيما بعد حرب تحرير الكويت عام 1991م فهل يعني ذلك مجرد تعاون عسكري بين دول ذات مصالح مشتركة؟ أم أنه شعور متزايد بأخطار محدقة بالمنطقة؟ أم هناك ضرورات منطقية أخرى؟ لذلك يجب إلقاء الضوء على هذه القضية لأن العالم أصبح في الوقت الحاضر عبارة عن قرية صغيرة بفضل الثورة الثقافية الهائلة في علوم الاتصالات والمعلومات والبث وأصبح كل شيء متاحا وحتى لا تحاك القصص والروايات عما يجري يجب أن يقدم التحليل العسكري والسياسي بالشكل الذي يمكن فهمه من جانب المواطن والجندي.
الهدف السياسي من التدريب المشترك:
للتدريب العسكري المشترك بلا شك فوائد فنية كبيرة مثل اكتساب الخبرات والرفع من من حرفيتها العسكرية إلا إنه في الجانب الآخر يعتبر أحد مظاهر الاستخدام السياسي للقوة والواقع أن مسألة الاستخدام السياسي هذه ليست واضحة للكثيرين ونظراً للأهمية السياسية للموضوع فقد كثف الكتاب والمفكرين العسكريين من تحليلاتهم نظراً للفوائد الجمة التي يمكن أن تعود على القوة العسكرية من هذه التدريبات والتي منها:
1 إبراز حرفيتها وكفاءتها القتالية.
2 الرفع من مستوى الاستعداد القتالي.
3 القدرة على التنسيق والمعاونة الإدارية واللوجستية.
ولعل الهدف السياسي النهائي من وراء هذه التدريبات هو توجيه رسالة رادعة لطرف ثالث أو عدة أطراف أن هذه الدولة تحتفظ بقوات مسلحة قوية وذات كفاءة قتالية عالية من هنا كان معظم التمارين المشتركة التي تمت في المنطقة كانت من أجل خدمة الأمن الوطني أو الإقليمي.
أثر التمارين المشتركة على الأمن الوطني:
يستغرب أو يندهش البعض من إجراء التمارين المشتركة مع قوات دول كان بعضها معادياً في الماضي والبعض الآخر لا يستبعد أن يكون معاديا في المستقبل وإذا ألقينا نظرة الآن على حلف شمال الأطلسي وخاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة نجد أنه انضم إليه كثير من الدول التي كانت معادية وباعتبار أن هذه آلية جديدة فقد اختفت كثير من الثوابت الأمنية التقليدية حتى أننا نجد مثلاً أدق مواصفات الأسلحة بشكل عام تباع على الأرصفة في أوروبا ونحن نعتبر ذلك من أدق الأسرار لذلك يجب أن نركز على حفظ الخطط العسكرية الحقيقية واعتبارها أهم هواجس الأمن العسكري وكذلك النوايا وبالرغم من ذلك كله يجب اتخاذ إجراءات أمنية محددة لمنع اختراق الأمن الوطني بشكل عام مثل التحرز من الأعمال الإرهابية أو أن تمارس هذه القوات أو تجلب معها ما يخالف المعتقدات والعادات السائدة في البلاد وأن تغادر حال انتهاء التمرين.
التمارين العسكرية المشتركة وفوائدها:
بحساب المكسب والخسارة بلغة رجال الأعمال سوف نجد أن الدول التي أتخذت من التمارين العسكرية شكلاً من أشكال الاستخدام السياسي للقوة العسكرية قد حققت لنفسها مكاسب جمة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الأمني وحتى الاقتصادي فعلى الجانب العسكري تبادل الخبرات العسكرية والقتالية وكذلك تعميق الروابط مع دول الاتفاق العسكري وتوحيد المفاهيم مع الدول الشقيقة والصديقة والتطوير المستمر في نظام التسليح فضلاً عن دعم العلاقات السياسية والاقتصادية هذا فضلاً عن اكتساب السياسة الخارجية للدولة قوة نفوذ عالية لتحقيق أهدافها الوطنية ولا شك أن استمرار هذه التمارين على المستوى البعيد سوف يساعد على البناء والتقويم بشكل ممتاز وفي النهاية يمكننا القول بأننا من خلال هذه الآلية يمكن أن تنجح سياسياً في تحقيق مفهوم الوقاية العسكرية والحيلولة دون نشوب الحرب من خلال تحقيق ردع سياسي بشكل عسكري وصولاً إلى تحقيق منظومة أمنية حضارية كبيرة بأقل حل انفاقي ممكن.=>