مضيق هرمز.. وضرورة البحث عن بدائل استراتيجية خليجية
الاثنين 06 فبراير 2012
كتب: د.عصام عبد الشافي
شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تحولاً جذريًّا في نظريات الجغرافيا السياسية، وخاصة ما يتعلق منها بقلب العالم، وبعد أن كان ينظر للقارة الأوروبية في بداية القرن العشرين على أنها قلب العالم، أصبح الخليج العربي بنهاية القرن العشرين هو قلب العالم، هذا المسطح المائي الذي تبلغ مساحته (233.100) كم2 ويتراوح عرضه بين (370) كم في حده الأقصى و(55) كم عند مضيق هرمز وعمقه لا يتجاوز (90) مترًا، أما طوله من خليج عمان وحتى شط العرب في العراق فيبلغ حوالي (965) كم، ورغم هذه الأهمية الاستراتيجية فإنه أقرب للبحر المغلق، فليس له إلا منفذ واحد يربطه بالمحيطات الكبرى هو مضيق هرمز الذي يشكل عنق الزجاجة للخروج والدخول إلى الخليج العربي.
ومن هنا يُعد مضيق هرمز أحد أهم المضائق والممرات المائية في العالم، حيث يربط بين الخليج العربي من جهة، وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ولذلك يعتبر المنفذ البحري الوحيد للدول المطلة على الخليج العربي فقط، مثل العراق والكويت والبحرين وقطر، كما أنه المنفذ الرئيس لكل من المملكة العربية السعودية التي تطل على الخليج من الشرق والبحر الأحمر من الغرب، وللإمارات العربية المتحدة التي تطل على الخليج وخليج عمان، وسلطنة عُمان التي تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب، وإيران التي تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.
هرمز.. وحقائقه الجغرافية والاستراتيجية
يبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كم، أما عند أضيق نقطة فيه فيبلغ عرضه نحو (34) كلم، ويضم المضيق عددًا من الجزر أكبرها جزيرة «قشم» الإيرانية، بجانب جزر لاراك، وهرمز، بالإضافة إلى الجزر المتنازع عليها بين الإمارات وإيران وهي: طنب الكبرى، والصغرى، وأبوموسى.
وتنبع أهميته الاستراتيجية من كونه معبرًا لنحو 35 إلى 40% من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم.حيث تعبره يوميًّا ما بين (20) و(30) ناقلة تحمل ما يصل إلى (18) مليون برميل من النفط، ويمر من المضيق نحو 90% من النفط السعودي و98% من النفط العراقي و99% من النفط الإماراتي و100% من النفط الكويتي والقطري. وتعتمد اليابان على المضيق في وصول 85% من حاجتها من النفط، وكذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول أكثر من 70% من حاجتها من النفط، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول 18% من احتياجاتها النفطية.
هرمز وقناته الملاحية.. عمان أولاً
يبلغ عرض القناة الملاحية في مضيق هرمز نحو 6 أميال (9.6 كم). ويحدد مسار "القناة الملاحية" بناء على اعتبارات فنية تمثل عادة المجرى الأعمق والأنسب للملاحة ضمن مياه المضيق. وتتوزع الأميال الستة المخصصة للقناة الملاحية إلى ثلاثة أقسام متساوية، عرض كل جزء منها ميلين (2+2+2 ميل) بناء على النظام الدولي المعتمد باسم «نظام العزل المروري (Traffic Separation Scheme)، حيث تم تحديد قناة مخصصة للدخول إلى مياه الخليج، وقناة مخصصة للخروج من منطقة الخليج، وقناة ثالثة تتوسط وتفصل بين مسار الدخول والخروج، لعزل أو فصل مسيرة السفن ومنع حوادث الاصطدام وتنظيم مسيرة الاتجاه الملاحي.
وتقع القناة الملاحية بشكل كامل ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عُمان، ولا يقع أي جزء منها في المياه الإقليمية لإيران، وتقوم السلطات العمانية بإدارة حركة العبور وتنظيمها، من خلال موقع رادار خاص (Link Quality Indicator) في أعلى نقطة من شبه جزيرة «رأس مسندم» يتولى عملية مراقبة وتنظيم حركة المرور عبر المضيق.
وكون «القناة الملاحية» تقع ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عُمان، فإن أية محاولة لإغلاق أو عرقلة حرية الملاحة عبر المضيق، تستوجب إغلاق هذه القناة بشكل أساسي، وهذا يعني اختراق السيادة العمانية والقيام بأعمال عدوانية داخل المياه الإقليمية لدولة أخرى.
التهديدات الإيرانية في منظور القانون الدولي
بعد أن أطلقت الجمهورية الإيرانية تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز في حال تعرضها لأي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفاؤها، اتجه البعض للتركيز على الأبعاد القانونية لهذه التهديدات، وذكر تيار من الفقهاء القانونيين أنه وفقًا لقانون البحار الدولي الصادر عام 1982، يعد مضيق هرمز "ممرًّا مائيًّا دوليًّا"، وهذا التوصيف لا يمنح الدول المطلة على الممر المائي «المضيق» حقوق السيادة الكاملة. ولا تمتلك الدول المطلة حق إغلاق الممر المائي، أو التدخل في حرية الملاحة عبر مياهه، أو إعاقة ومنع السفن من استخدام الممر والملاحة بجميع أجزائه، بغض النظر عن هوية السفينة العابرة (علمها المرفوع) أو طبيعة مهمتها (عسكرية أو مدنية)، وتحت أي ظرف من الظروف.
ومن هنا فإن الممر المائي الدولي يعد ملكًا للمجتمع الدولي ومسؤولية ضمان حرية الملاحة من خلاله هي مسؤولية دولية، بالتعاون مع الدول المطلة عليه. لذا فإن محاولة إغلاق «ممر مائي دولي» أو التدخل بحرية وأمن الملاحة عبر مياهه، تعد من الأفعال التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وتقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت صياغته تحت عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان».وتؤكد المادة (39) من الفصل السابع على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في التعامل مع الأفعال التي تعد خرقًا ماديًّا وتهديدًا للسلام الدولي، حيث نصت على: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقًا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
وتنص المادة (41) على: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًّا أو كليًّا وقطع العلاقات الدبلوماسية".
بينما تنص المادة (42) على: "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة".
ولكن..!!
عندما تقع الكارثة، ويتم ضرب إيران، وترد إيران بتنفيذ تهديداتها، لن يكون القانون الدولي مجديًا بشكل أمثل للتعامل مع الأزمة، فالقانون في معظم الحالات - إن لم يكن في كل الحالات - يتسم بالبطء والعجز عن صون الحقوق بالسرعة المناسبة، وتعويض المتضررين عن خسائرهم، والتي ستقدر بمئات المليارات ليس فقط في الدول الواقعة على شطآن الخليج، ولكن في كل الأطراف المعتمدة على نفط الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا تأتي أهمية التفكير ليس فقط في الأبعاد القانونية، ولكن بالدرجة الأولى في البدائل الاستراتيجية للدول الخليجية للتعامل مع مثل هذه الأزمة.
هرمز..والبحث عن بدائل استراتيجية
كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الخليجية التي اهتمت بتوفير بدائل استراتيجية لنقل نفطها بعيدًا عن هرمز، على الرغم من تعدد موانئها البحرية شرقًا وغربًا مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، وكانت البداية مع توجيه الملك عبدالعزيز - مؤسس المملكة - بإنشاء «خط التابلاين» الذي يربط المنطقة الشرقية من المملكة بساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة صيدا اللبنانية، مرورًا بالأراضي السورية وذلك بطول (1664) كم وتكلفة قدرها 150مليون دولار آنذاك، وانتهى العمل به فعليًّا عام 1950، وظل يعمل حتى عام 1967، عندما قامت "إسرائيل" باحتلال مرتفعات الجولان السورية.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية، وتحديدًا عام 1982، قامت المملكة بإنشاء خطيْ أنابيب «شرق غرب»، اللذين يربطان المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200) كلم، وقد خصص أحدهما لنقل الزيت الخام والآخر لنقل الغاز المسال، وتمت توسعة هذين الخطين عام (1992) بعد حرب تحرير الكويت لتبلغ الطاقة الاستيعابية لهما (4.5) ملايين برميل يوميًّا، وتبلغ الطاقة التخزينية في مدينة ينبع ما يقارب (12.5) مليون برميل في اليوم، بالإضافة إلى القدرة على تخزين وتصدير الغاز المسال.
وقد زادت أهمية هذه الخطوط اليوم مع التهديدات الإيرانية بغلق المضيق، لكن هذه الخطوط تبقى بمفردها غير قادرة على الوفاء باحتياجات دول مجلس التعاون، ومعها العراق، في نقل صادراتها النفطية. وهو ما دفع هذه الدول للبحث عن بدائل جديدة لنقل هذه الصادرات، وجاءت الأفكار والمشروعات المقترحة، والتي دخل بعضها حيز التنفيذ على النحو التالي:
أولاً: البدائل الاستراتيجية عبر المملكة العربية السعودية:
1ـ الوصول إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية، من خلال مد أنابيب لنقل النفط من حقل الشيبة في الربع الخالي وغيره من الحقول إلى ساحل بحر العرب عبر الأراضي اليمنية، أو مد ذلك الخط عبر الأراضي العمانية والإماراتية، على أن تستفيد تلك الدول في المقابل من خط أنابيب شرق غرب السعودي الذي ينقل صادرات تلك الدول البترولية إلى ساحل البحر الأحمر.
2ـ قيام الخطوط الملاحية العالمية بتفريغ حمولاتها، من السلع والمنتجات الواردة إلى الدول الخليجية، في موانئ المملكة الممتدة على طول البحر الأحمر على أن يتم نقل البضائع برًّا أو جوًّا إلى دول الخليج، بالإضافة إلى تزويد السفن بالوقود اللازم لإكمال رحلاتها إلى الشرق أو الغرب.
3ـ المنافذ البرية: حيث ستقوم المملكة بإعادة افتتاح منفذ «العديد» الذي يربط بين قطر والإمارات عبر أراضي المملكة، والذي سيسهم في اختصار المسافة بين البلدين عبر الأراضي السعودية، وسيكون بمقدور العابرين بين الإمارات وقطر اختصار الوقت الذي كان يتم استهلاكه في الدخول إلى الأراضي السعودية عبر منفذ «سلوى» الحدودي السعودي الموصل إلى قطر، وكذلك منفذ «البطحاء» السعودي الموصل إلى الإمارات. كما سيشهد العام 2012 افتتاح منفذ «رملة خيلة» البري الحدودي بين المملكة وسلطنة عمان، والذي بدأ العمل فيه منذ أربعة أعوام.
4ـ الخزن الاستراتيجي: ويتمثل في استخدام المخزون الاستراتيجي للمملكة في اليابان، واستخدام ناقلات النفط العملاقة كمحزونات مؤقتة لأي طارئ حال إغلاق مضيق هرمز.
5ـ تفعيل خط أنابيب ينبع: الذي يسير بموازاة البحر الأحمر كخط بديل عن المرور بهرمز، ويمكن أن يتم عن طريقه نقل 290 ألف برميل نفط يوميًّا.
6ـ تفعيل خط أنابيب العراق تركيا: الذي يربط بين شمال العراق وتركيا وصولاً إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط، ولكنه توقف بسبب إغلاق خط الأنابيب الاستراتيجي بين شمال العراق وجنوبها.
ثانيًا: البدائل الاستراتيجية عبر الإمارات العربية المتحدة:
1- خط أنابيب «حبشان الفجيرة»: ويربط بين إمارتي أبو ظبي وميناء الفجيرة، بامتداد 370 كيلومترًا، وستكون له القدرة على ضخ ما بين 1.5 إلى 1.8 مليون برميل من النفط يوميًّا، وهو ما يعني إمكانية نقل 70% من إنتاج الإمارات عن طريق هذا الخط. وستبلغ تكلفته نحو 3.29 مليارات دولار وتملكه شركة الاستثمارات البترولية الدولية.
وقد جعل الموقع الاستراتيجي المهم لميناء الفجيرة على خليج عُمان والمطل على بحر العرب، من الميناء أحد البدائل الاستراتيجية لدول الخليج لنقل صادراتها النفطية وغيرها من المواد، حيث بإمكان الميناء أن يكون مسارًا لنقل النفط عبر الخط الجديد، ويزيد من أهمية الميناء أن منشآت التخزين في إمارة الفجيرة تستوعب نحو سبعة ملايين متر مكعب من النفط الخام. وقد بدأت خطة توسعة الميناء بداية عام 2011 بإضافة رصيفين بحريين جديدين بطول 80 مترًا وعمق 20 مترًا، وتنتهي عام 2013، وتم تخصيص 4 مليارات درهم في الميزانية الاتحادية لتنفيذ 35 مشروعًا تنمويًّا فيها، ومع انتهاء المرحلة الثانية من التطوير سيكون الفجيرة الميناء البترولي الأول في حجم المناولات البترولية وتخزين النفط ومشتقاته على مستوى العالم.
2- خط الخليج «الكويت الفجيرة»: يبلغ طول المسافة بين الكويت والفجيرة نحو 1480كم، أي وهو ليس امتدادًا كبيرًا، مما يدعم إمكانية بناء خط يشمل الخليج بكامله، خاصة وأن هناك دولاً مثل روسيا لديها أنابيب نفطية تمتد عبر آلاف الكيلومترات، على الرغم من الطبيعة الصعبة والتضاريس الوعرة هناك، وذلك على عكس الطبيعة الممهدة التي تتمتع بها دول الخليج من الكويت للفجيرة، حيث الأرض الرملية المسطحة بدون عوائق أو تضاريس جبلية وعرة.
3- إنشاء خط أنابيب بين إماراتيْ الشارقة والفجيرة بطول 100كم، يمكن من خلاله نقل البترول بالسفن من موانئ الدول المصدرة إلى إمارة الشارقة حيث يتم تفريغه ونقله عبر الأنابيب إلى ساحل إمارة الفجيرة على خليج عمان، ومن ثم تحميله بالسفن مرة أخرى إلى جهته، أو شق قناة بين هاتين الإمارتين وإلى الشمال منهما حيث المسافة تكون أقصر إذا كانت التضاريس تسمح بذلك.
ثالثًا: البدائل الاستراتيجية عبر اليمن:
تقوم البدائل الاستراتيجية لنقل الصادرات النفطية الخليجية عبر اليمن على مد خط أنابيب من حقول النفط السعودية إلى ميناء المكلا في محافظة حضرموت، ويمتد الأنبوب مسافة تتراوح بين 350 و400 كيلومتر من داخل حقول النفط والغاز في منطقة الربع الخالي جنوب السعودية، إلى الشاطئ الجنوبي لليمن في حضرموت، على أن يكون هذا الخط مقدمة لإنشاء مشروع ربط إقليمي خليجي داخلي ينتهي بمنافذ استراتيجية، على سواحل الدول المطلة على خليج عمان وبحر العرب، وذلك من خلال ستة طرق، الأول: نقل النفط السعودي عبر ميناء الفجيرة الإماراتي المطل على خليج عمان، والثاني: عبر خط السعودية – الإمارات - عمان، والثالث: عبر خط السعودية - عمان، والرابع: خط السعودية – الإمارات - اليمن. والخامس: خط السعودية - اليمن، والسادس: خط أنابيب الكويت – السعودية - الإمارات – عمان - اليمن.
رابعًا: إنشاء قناة الخليج العربية:
يقوم هذا البديل على شق قناة مائية على غرار قناة السويس تربط بين الخليج العربي وخليج عمان، وتقوم عند أقرب نقطة بين الخليجين، وستكون في أقصى شمال شرق الأراضي العمانية، بين شبه الجزيرة العمانية الممتدة في مضيق هرمز، بين خط عرض 26 شمالاً وخط طول 56 شرقًا، على أن تقوم ببنائها دول الخليج المستفيدة من مضيق هرمز وتكون بمثابة دخل إضافي لسلطنة عمان.
خامسًا: البدائل الاستراتيجية عبر العراق:
في 15 يناير 2012 قللت وزارة النفط العراقية من تأثير إغلاق إيران مضيق هرمز، على عائدات العراق المالية من تصدير النفط، بدعوى أن ارتفاع أسعار برميل النفط إلى 300 دولار للبرميل حال إغلاق المضيق، سيحفظ للعراق عائداته حتى لو اقتصرت على تصدير ربع طاقتها التصديرية عبر الموانئ التركية، والتي تبلغ نحو 450 ألف برميل.
وهذا التفسير رفضه البعض مستندًا إلى أن موانئ الجنوب هي رئة العراق، وأن إغلاق مضيق هرمز يعني خنق العراق تجاريًّا خصوصًا إذا كانت البدائل مكلفة لأن 92% من صادرات العراق نفطية، وسيخسر 80% منها بغلق المضيق، كما أن السوق العراقية تعتمد على 85% من حاجاتها من السلع، على الخارج، ويصل نصفها عبر موانئ الجنوب، وهو ما سيشكل إرباكًا في توازن العرض والطلب، ولا توجد بدائل محلية لسد العجز المتوقع في السلع.
وأمام هذه الأخطار تتمثل البدائل الاستراتيجية للنقل عبر الأراضي العراقية في فتح منافذ جديدة لتصدير النفط عبر الأراضي التركية والسورية والأردنية واللبنانية، إلا أن هذه الخطوط تصطدم بالعديد من المعوقات منها الأوضاع غير المستقرة بين العراق ودول الخليج العربية من ناحية، وبين العراق وتركيا من ناحية ثانية، وكذلك عدم استقرار الأوضاع في سوريا في ظل الثورة الشعبية التي تشهدها البلاد حاليًا، من ناحية ثالثة، وهو ما يجعل البدائل العراقية غير ذات جدوى، على الأقل في المرحلة الراهنة.
إدارة الأزمة من منظور الأولويات الاستراتيجية
قد لا تفكر إيران في إغلاق مضيق هرمز، من منطلق أنها تستفيد منه بدرجة كبيرة، أو تجنبًا للإشكاليات القانونية المرتبطة بهذا الإغلاق، ولكنها يمكنها أن تعوق حركة المرور في المضيق، من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابية والتفتيشية للناقلات النفطية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى اختناق الحركة ويعطل تدفق النفط.
وبالتالي فالتحدي قائم أمام دول الخليج العربية، في حالتي الإغلاق والتعطيل، ومن هنا فالتفكير العملي يتطلب سرعة وجدية تنفيذ أي من البدائل الاستراتيجية التي سبقت الإشارة إليها، مع ترتيبها وفقًا لدرجة الأولوية من حيث سرعة التنفيذ وتكاليفه وفعاليته في نقل صادرات هذه الدول، مع توفير الإرادة السياسية الضرورية للتنفيذ وتجاوز الخلافات الضيقة والمصالح الوطنية، والنظر إلى هذه المشروعات الاستراتيجية على أنها الاطار الأكثر أهمية لوضع فكرة الوحدة الخليجية موضع التطبيق الفعلي، استنادًا لأن النفط وصادراته هو عصب الحياة في هذه الدول، وأي تهديد له هو تهديد لوجودها واستقرارها.
المصدر: جريدة الوطن
الاثنين 06 فبراير 2012
كتب: د.عصام عبد الشافي
شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تحولاً جذريًّا في نظريات الجغرافيا السياسية، وخاصة ما يتعلق منها بقلب العالم، وبعد أن كان ينظر للقارة الأوروبية في بداية القرن العشرين على أنها قلب العالم، أصبح الخليج العربي بنهاية القرن العشرين هو قلب العالم، هذا المسطح المائي الذي تبلغ مساحته (233.100) كم2 ويتراوح عرضه بين (370) كم في حده الأقصى و(55) كم عند مضيق هرمز وعمقه لا يتجاوز (90) مترًا، أما طوله من خليج عمان وحتى شط العرب في العراق فيبلغ حوالي (965) كم، ورغم هذه الأهمية الاستراتيجية فإنه أقرب للبحر المغلق، فليس له إلا منفذ واحد يربطه بالمحيطات الكبرى هو مضيق هرمز الذي يشكل عنق الزجاجة للخروج والدخول إلى الخليج العربي.
ومن هنا يُعد مضيق هرمز أحد أهم المضائق والممرات المائية في العالم، حيث يربط بين الخليج العربي من جهة، وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ولذلك يعتبر المنفذ البحري الوحيد للدول المطلة على الخليج العربي فقط، مثل العراق والكويت والبحرين وقطر، كما أنه المنفذ الرئيس لكل من المملكة العربية السعودية التي تطل على الخليج من الشرق والبحر الأحمر من الغرب، وللإمارات العربية المتحدة التي تطل على الخليج وخليج عمان، وسلطنة عُمان التي تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب، وإيران التي تطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.
هرمز.. وحقائقه الجغرافية والاستراتيجية
يبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كم، أما عند أضيق نقطة فيه فيبلغ عرضه نحو (34) كلم، ويضم المضيق عددًا من الجزر أكبرها جزيرة «قشم» الإيرانية، بجانب جزر لاراك، وهرمز، بالإضافة إلى الجزر المتنازع عليها بين الإمارات وإيران وهي: طنب الكبرى، والصغرى، وأبوموسى.
وتنبع أهميته الاستراتيجية من كونه معبرًا لنحو 35 إلى 40% من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم.حيث تعبره يوميًّا ما بين (20) و(30) ناقلة تحمل ما يصل إلى (18) مليون برميل من النفط، ويمر من المضيق نحو 90% من النفط السعودي و98% من النفط العراقي و99% من النفط الإماراتي و100% من النفط الكويتي والقطري. وتعتمد اليابان على المضيق في وصول 85% من حاجتها من النفط، وكذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول أكثر من 70% من حاجتها من النفط، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول 18% من احتياجاتها النفطية.
هرمز وقناته الملاحية.. عمان أولاً
يبلغ عرض القناة الملاحية في مضيق هرمز نحو 6 أميال (9.6 كم). ويحدد مسار "القناة الملاحية" بناء على اعتبارات فنية تمثل عادة المجرى الأعمق والأنسب للملاحة ضمن مياه المضيق. وتتوزع الأميال الستة المخصصة للقناة الملاحية إلى ثلاثة أقسام متساوية، عرض كل جزء منها ميلين (2+2+2 ميل) بناء على النظام الدولي المعتمد باسم «نظام العزل المروري (Traffic Separation Scheme)، حيث تم تحديد قناة مخصصة للدخول إلى مياه الخليج، وقناة مخصصة للخروج من منطقة الخليج، وقناة ثالثة تتوسط وتفصل بين مسار الدخول والخروج، لعزل أو فصل مسيرة السفن ومنع حوادث الاصطدام وتنظيم مسيرة الاتجاه الملاحي.
وتقع القناة الملاحية بشكل كامل ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عُمان، ولا يقع أي جزء منها في المياه الإقليمية لإيران، وتقوم السلطات العمانية بإدارة حركة العبور وتنظيمها، من خلال موقع رادار خاص (Link Quality Indicator) في أعلى نقطة من شبه جزيرة «رأس مسندم» يتولى عملية مراقبة وتنظيم حركة المرور عبر المضيق.
وكون «القناة الملاحية» تقع ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عُمان، فإن أية محاولة لإغلاق أو عرقلة حرية الملاحة عبر المضيق، تستوجب إغلاق هذه القناة بشكل أساسي، وهذا يعني اختراق السيادة العمانية والقيام بأعمال عدوانية داخل المياه الإقليمية لدولة أخرى.
التهديدات الإيرانية في منظور القانون الدولي
بعد أن أطلقت الجمهورية الإيرانية تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز في حال تعرضها لأي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفاؤها، اتجه البعض للتركيز على الأبعاد القانونية لهذه التهديدات، وذكر تيار من الفقهاء القانونيين أنه وفقًا لقانون البحار الدولي الصادر عام 1982، يعد مضيق هرمز "ممرًّا مائيًّا دوليًّا"، وهذا التوصيف لا يمنح الدول المطلة على الممر المائي «المضيق» حقوق السيادة الكاملة. ولا تمتلك الدول المطلة حق إغلاق الممر المائي، أو التدخل في حرية الملاحة عبر مياهه، أو إعاقة ومنع السفن من استخدام الممر والملاحة بجميع أجزائه، بغض النظر عن هوية السفينة العابرة (علمها المرفوع) أو طبيعة مهمتها (عسكرية أو مدنية)، وتحت أي ظرف من الظروف.
ومن هنا فإن الممر المائي الدولي يعد ملكًا للمجتمع الدولي ومسؤولية ضمان حرية الملاحة من خلاله هي مسؤولية دولية، بالتعاون مع الدول المطلة عليه. لذا فإن محاولة إغلاق «ممر مائي دولي» أو التدخل بحرية وأمن الملاحة عبر مياهه، تعد من الأفعال التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وتقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت صياغته تحت عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان».وتؤكد المادة (39) من الفصل السابع على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في التعامل مع الأفعال التي تعد خرقًا ماديًّا وتهديدًا للسلام الدولي، حيث نصت على: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقًا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
وتنص المادة (41) على: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًّا أو كليًّا وقطع العلاقات الدبلوماسية".
بينما تنص المادة (42) على: "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة".
ولكن..!!
عندما تقع الكارثة، ويتم ضرب إيران، وترد إيران بتنفيذ تهديداتها، لن يكون القانون الدولي مجديًا بشكل أمثل للتعامل مع الأزمة، فالقانون في معظم الحالات - إن لم يكن في كل الحالات - يتسم بالبطء والعجز عن صون الحقوق بالسرعة المناسبة، وتعويض المتضررين عن خسائرهم، والتي ستقدر بمئات المليارات ليس فقط في الدول الواقعة على شطآن الخليج، ولكن في كل الأطراف المعتمدة على نفط الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا تأتي أهمية التفكير ليس فقط في الأبعاد القانونية، ولكن بالدرجة الأولى في البدائل الاستراتيجية للدول الخليجية للتعامل مع مثل هذه الأزمة.
هرمز..والبحث عن بدائل استراتيجية
كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الخليجية التي اهتمت بتوفير بدائل استراتيجية لنقل نفطها بعيدًا عن هرمز، على الرغم من تعدد موانئها البحرية شرقًا وغربًا مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، وكانت البداية مع توجيه الملك عبدالعزيز - مؤسس المملكة - بإنشاء «خط التابلاين» الذي يربط المنطقة الشرقية من المملكة بساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة صيدا اللبنانية، مرورًا بالأراضي السورية وذلك بطول (1664) كم وتكلفة قدرها 150مليون دولار آنذاك، وانتهى العمل به فعليًّا عام 1950، وظل يعمل حتى عام 1967، عندما قامت "إسرائيل" باحتلال مرتفعات الجولان السورية.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية، وتحديدًا عام 1982، قامت المملكة بإنشاء خطيْ أنابيب «شرق غرب»، اللذين يربطان المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200) كلم، وقد خصص أحدهما لنقل الزيت الخام والآخر لنقل الغاز المسال، وتمت توسعة هذين الخطين عام (1992) بعد حرب تحرير الكويت لتبلغ الطاقة الاستيعابية لهما (4.5) ملايين برميل يوميًّا، وتبلغ الطاقة التخزينية في مدينة ينبع ما يقارب (12.5) مليون برميل في اليوم، بالإضافة إلى القدرة على تخزين وتصدير الغاز المسال.
وقد زادت أهمية هذه الخطوط اليوم مع التهديدات الإيرانية بغلق المضيق، لكن هذه الخطوط تبقى بمفردها غير قادرة على الوفاء باحتياجات دول مجلس التعاون، ومعها العراق، في نقل صادراتها النفطية. وهو ما دفع هذه الدول للبحث عن بدائل جديدة لنقل هذه الصادرات، وجاءت الأفكار والمشروعات المقترحة، والتي دخل بعضها حيز التنفيذ على النحو التالي:
أولاً: البدائل الاستراتيجية عبر المملكة العربية السعودية:
1ـ الوصول إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية، من خلال مد أنابيب لنقل النفط من حقل الشيبة في الربع الخالي وغيره من الحقول إلى ساحل بحر العرب عبر الأراضي اليمنية، أو مد ذلك الخط عبر الأراضي العمانية والإماراتية، على أن تستفيد تلك الدول في المقابل من خط أنابيب شرق غرب السعودي الذي ينقل صادرات تلك الدول البترولية إلى ساحل البحر الأحمر.
2ـ قيام الخطوط الملاحية العالمية بتفريغ حمولاتها، من السلع والمنتجات الواردة إلى الدول الخليجية، في موانئ المملكة الممتدة على طول البحر الأحمر على أن يتم نقل البضائع برًّا أو جوًّا إلى دول الخليج، بالإضافة إلى تزويد السفن بالوقود اللازم لإكمال رحلاتها إلى الشرق أو الغرب.
3ـ المنافذ البرية: حيث ستقوم المملكة بإعادة افتتاح منفذ «العديد» الذي يربط بين قطر والإمارات عبر أراضي المملكة، والذي سيسهم في اختصار المسافة بين البلدين عبر الأراضي السعودية، وسيكون بمقدور العابرين بين الإمارات وقطر اختصار الوقت الذي كان يتم استهلاكه في الدخول إلى الأراضي السعودية عبر منفذ «سلوى» الحدودي السعودي الموصل إلى قطر، وكذلك منفذ «البطحاء» السعودي الموصل إلى الإمارات. كما سيشهد العام 2012 افتتاح منفذ «رملة خيلة» البري الحدودي بين المملكة وسلطنة عمان، والذي بدأ العمل فيه منذ أربعة أعوام.
4ـ الخزن الاستراتيجي: ويتمثل في استخدام المخزون الاستراتيجي للمملكة في اليابان، واستخدام ناقلات النفط العملاقة كمحزونات مؤقتة لأي طارئ حال إغلاق مضيق هرمز.
5ـ تفعيل خط أنابيب ينبع: الذي يسير بموازاة البحر الأحمر كخط بديل عن المرور بهرمز، ويمكن أن يتم عن طريقه نقل 290 ألف برميل نفط يوميًّا.
6ـ تفعيل خط أنابيب العراق تركيا: الذي يربط بين شمال العراق وتركيا وصولاً إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط، ولكنه توقف بسبب إغلاق خط الأنابيب الاستراتيجي بين شمال العراق وجنوبها.
ثانيًا: البدائل الاستراتيجية عبر الإمارات العربية المتحدة:
1- خط أنابيب «حبشان الفجيرة»: ويربط بين إمارتي أبو ظبي وميناء الفجيرة، بامتداد 370 كيلومترًا، وستكون له القدرة على ضخ ما بين 1.5 إلى 1.8 مليون برميل من النفط يوميًّا، وهو ما يعني إمكانية نقل 70% من إنتاج الإمارات عن طريق هذا الخط. وستبلغ تكلفته نحو 3.29 مليارات دولار وتملكه شركة الاستثمارات البترولية الدولية.
وقد جعل الموقع الاستراتيجي المهم لميناء الفجيرة على خليج عُمان والمطل على بحر العرب، من الميناء أحد البدائل الاستراتيجية لدول الخليج لنقل صادراتها النفطية وغيرها من المواد، حيث بإمكان الميناء أن يكون مسارًا لنقل النفط عبر الخط الجديد، ويزيد من أهمية الميناء أن منشآت التخزين في إمارة الفجيرة تستوعب نحو سبعة ملايين متر مكعب من النفط الخام. وقد بدأت خطة توسعة الميناء بداية عام 2011 بإضافة رصيفين بحريين جديدين بطول 80 مترًا وعمق 20 مترًا، وتنتهي عام 2013، وتم تخصيص 4 مليارات درهم في الميزانية الاتحادية لتنفيذ 35 مشروعًا تنمويًّا فيها، ومع انتهاء المرحلة الثانية من التطوير سيكون الفجيرة الميناء البترولي الأول في حجم المناولات البترولية وتخزين النفط ومشتقاته على مستوى العالم.
2- خط الخليج «الكويت الفجيرة»: يبلغ طول المسافة بين الكويت والفجيرة نحو 1480كم، أي وهو ليس امتدادًا كبيرًا، مما يدعم إمكانية بناء خط يشمل الخليج بكامله، خاصة وأن هناك دولاً مثل روسيا لديها أنابيب نفطية تمتد عبر آلاف الكيلومترات، على الرغم من الطبيعة الصعبة والتضاريس الوعرة هناك، وذلك على عكس الطبيعة الممهدة التي تتمتع بها دول الخليج من الكويت للفجيرة، حيث الأرض الرملية المسطحة بدون عوائق أو تضاريس جبلية وعرة.
3- إنشاء خط أنابيب بين إماراتيْ الشارقة والفجيرة بطول 100كم، يمكن من خلاله نقل البترول بالسفن من موانئ الدول المصدرة إلى إمارة الشارقة حيث يتم تفريغه ونقله عبر الأنابيب إلى ساحل إمارة الفجيرة على خليج عمان، ومن ثم تحميله بالسفن مرة أخرى إلى جهته، أو شق قناة بين هاتين الإمارتين وإلى الشمال منهما حيث المسافة تكون أقصر إذا كانت التضاريس تسمح بذلك.
ثالثًا: البدائل الاستراتيجية عبر اليمن:
تقوم البدائل الاستراتيجية لنقل الصادرات النفطية الخليجية عبر اليمن على مد خط أنابيب من حقول النفط السعودية إلى ميناء المكلا في محافظة حضرموت، ويمتد الأنبوب مسافة تتراوح بين 350 و400 كيلومتر من داخل حقول النفط والغاز في منطقة الربع الخالي جنوب السعودية، إلى الشاطئ الجنوبي لليمن في حضرموت، على أن يكون هذا الخط مقدمة لإنشاء مشروع ربط إقليمي خليجي داخلي ينتهي بمنافذ استراتيجية، على سواحل الدول المطلة على خليج عمان وبحر العرب، وذلك من خلال ستة طرق، الأول: نقل النفط السعودي عبر ميناء الفجيرة الإماراتي المطل على خليج عمان، والثاني: عبر خط السعودية – الإمارات - عمان، والثالث: عبر خط السعودية - عمان، والرابع: خط السعودية – الإمارات - اليمن. والخامس: خط السعودية - اليمن، والسادس: خط أنابيب الكويت – السعودية - الإمارات – عمان - اليمن.
رابعًا: إنشاء قناة الخليج العربية:
يقوم هذا البديل على شق قناة مائية على غرار قناة السويس تربط بين الخليج العربي وخليج عمان، وتقوم عند أقرب نقطة بين الخليجين، وستكون في أقصى شمال شرق الأراضي العمانية، بين شبه الجزيرة العمانية الممتدة في مضيق هرمز، بين خط عرض 26 شمالاً وخط طول 56 شرقًا، على أن تقوم ببنائها دول الخليج المستفيدة من مضيق هرمز وتكون بمثابة دخل إضافي لسلطنة عمان.
خامسًا: البدائل الاستراتيجية عبر العراق:
في 15 يناير 2012 قللت وزارة النفط العراقية من تأثير إغلاق إيران مضيق هرمز، على عائدات العراق المالية من تصدير النفط، بدعوى أن ارتفاع أسعار برميل النفط إلى 300 دولار للبرميل حال إغلاق المضيق، سيحفظ للعراق عائداته حتى لو اقتصرت على تصدير ربع طاقتها التصديرية عبر الموانئ التركية، والتي تبلغ نحو 450 ألف برميل.
وهذا التفسير رفضه البعض مستندًا إلى أن موانئ الجنوب هي رئة العراق، وأن إغلاق مضيق هرمز يعني خنق العراق تجاريًّا خصوصًا إذا كانت البدائل مكلفة لأن 92% من صادرات العراق نفطية، وسيخسر 80% منها بغلق المضيق، كما أن السوق العراقية تعتمد على 85% من حاجاتها من السلع، على الخارج، ويصل نصفها عبر موانئ الجنوب، وهو ما سيشكل إرباكًا في توازن العرض والطلب، ولا توجد بدائل محلية لسد العجز المتوقع في السلع.
وأمام هذه الأخطار تتمثل البدائل الاستراتيجية للنقل عبر الأراضي العراقية في فتح منافذ جديدة لتصدير النفط عبر الأراضي التركية والسورية والأردنية واللبنانية، إلا أن هذه الخطوط تصطدم بالعديد من المعوقات منها الأوضاع غير المستقرة بين العراق ودول الخليج العربية من ناحية، وبين العراق وتركيا من ناحية ثانية، وكذلك عدم استقرار الأوضاع في سوريا في ظل الثورة الشعبية التي تشهدها البلاد حاليًا، من ناحية ثالثة، وهو ما يجعل البدائل العراقية غير ذات جدوى، على الأقل في المرحلة الراهنة.
إدارة الأزمة من منظور الأولويات الاستراتيجية
قد لا تفكر إيران في إغلاق مضيق هرمز، من منطلق أنها تستفيد منه بدرجة كبيرة، أو تجنبًا للإشكاليات القانونية المرتبطة بهذا الإغلاق، ولكنها يمكنها أن تعوق حركة المرور في المضيق، من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابية والتفتيشية للناقلات النفطية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى اختناق الحركة ويعطل تدفق النفط.
وبالتالي فالتحدي قائم أمام دول الخليج العربية، في حالتي الإغلاق والتعطيل، ومن هنا فالتفكير العملي يتطلب سرعة وجدية تنفيذ أي من البدائل الاستراتيجية التي سبقت الإشارة إليها، مع ترتيبها وفقًا لدرجة الأولوية من حيث سرعة التنفيذ وتكاليفه وفعاليته في نقل صادرات هذه الدول، مع توفير الإرادة السياسية الضرورية للتنفيذ وتجاوز الخلافات الضيقة والمصالح الوطنية، والنظر إلى هذه المشروعات الاستراتيجية على أنها الاطار الأكثر أهمية لوضع فكرة الوحدة الخليجية موضع التطبيق الفعلي، استنادًا لأن النفط وصادراته هو عصب الحياة في هذه الدول، وأي تهديد له هو تهديد لوجودها واستقرارها.
المصدر: جريدة الوطن