في اجتماع شهده قادة 25 دولة أوروبية في بروكسل، توصل الاتحاد الأوروبي وتركيا في السابع عشر من ديسمبر 2004 إلى اتفاق تاريخي، يتيح لتركيا البدء في مفاوضات العضوية الكاملة عام 2005، وتم إقرار الصياغة النهائية لبنود الاتفاق بين الجانبين، كما وافق الاتحاد على دعوة بلغاريا ورومانيا إلى الانضمام في 2007 ليصل عدد أعضاء الاتحاد الى 27 دولة، ووافق كذلك على بدء محادثات الانضمام مع كرواتيا في مارس 2005.
وتجنب الاتفاق مع تركيا مطلبا عاجلا للاتحاد الأوروبي يقضي بضرورة اعتراف تركيا بحكومة القبارصة اليونانيين في جزيرة قبرص، مما كاد يثير أزمة مع الجانب التركي، لأن أنقرة ترفض الاعتراف بحكومة قبرص الى أن يتم التوصل الى تسوية بشأن الجزيرة المقسمة.
وفي نهاية المطاف، تعهدت تركيا -من جانب واحد- بالتوقيع على بروتوكول لتوسيع نطاق اتفاقية الشراكة، التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي، لتشمل الدول العشر التي انضمت إلى الاتحاد في مايو 2004، من بينها قبرص، قبل أن تبدأ محادثات الانضمام، رغم إصرارها على أن ذلك لا يعني اعترافا من جانب تركيا بحكومة القبارصة اليونانيين.
وتضمن الاتفاق تعهد الاتحاد الأوروبي بأن الهدف من بدء مفاوضات العضوية رسميا هو العمل على منح العضوية الكاملة لتركيا، لأن المسؤولين الأتراك يتخوفون من محاولة بعض الدبلوماسيين بالاتحاد الأوروبي العمل على منح تركيا ارتباطا أدنى مرتبة من العضوية الكاملة في الاتحاد. وأكد زعماء الاتحاد الأوروبي-في لفتة عبرت عن الشكوك العميقة لدى الرأي العام في كثير من بلدان أوروبا الغربية- أن المحادثات ستكون دون أجل مسمى، ولن تشتمل على أية ضمانات.
وأوضح الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا تستطيع الانضمام قبل عام 2015، وبحلول ذلك الموعد من المتوقع أن تصبح تركيا -حال انضمامها- أكبر بلدان الاتحاد بعدد سكان يزيد على 80 مليوناً، الأمر الذي يمنحها أقوى سلطة تصويتية فيما يتعلق باتخاذ القرارات، وأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي.
ويشار إلى أن تركيا، البالغ عدد سكانها حاليا نحو 70 مليون نسمة، تسعى منذ نحو 40 عاما للانضمام إلى المنظومة الأوروبية، الذي إذا تحقق فسيعني اتساع نطاق هذا التكتل ليصبح متاخما لحدود سوريا وإيران والعراق.
وقد حث رئيس المفوضية الأوروبية أنقرة على قبول عرض زعماء أوروبا ووصفه بأنه جيد جدا ومتوازن، وفي حالة فشل محادثات الانضمام المتوقع أن تستمر عدة سنوات، سيبحث الأوروبيون عن صيغة بديلة لشراكتهم مع أنقرة.
الهوية التركية
تركيا لا تعد أوروبية من الناحية الجغرافية (باستثناء اسطنبول وقطاع شمال شرق اليونان)، ولا من ناحية العادات والتقاليد والوعي الحضاري. بل يتم تعريف الأتراك على أنهم شعب آسيوي كان عصره الذهبي هو فترة الإمبراطورية العثمانية. واذا كان القلة من أنصار كمال أتاتورك وبعض الذين نشأوا في الأحياء الراقية يشعرون بأنهم أوروبيون، فإن سكان المنازل المصنوعة من الصفيح في اسطنبول، وسكان القرى في الأناضول، يجدون أنفسهم في دولة مثل العراق المجاورة لهم أكثر مما يجدونها في الدول الأوروبية في الشمال، أو حتى في اليونان.
ويدل تعيين أحد الأتراك مؤخرا كرئيس لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وأقوال أردوغان التى تتهم اليونان "باضطهاد الأتراك المسلمين" في قطاع شمال شرق اليونان، والسياسة التي تنتهجها أنقرة في آسيا الوسطى والقوقاز لربط ذوي الأصول التركية بوطنهم الأم... كل ذلك يدل على أن هذه الدولة "تحلم بالغرب وتتوجه نحو الشرق".
مطالب الاتحاد من تركيا
وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي، تتمثل معايير قبول انضمام أعضاء جدد للاتحاد في حزمة من الإصلاحات في المجالين السياسي والاقتصادي، وهي المعروفة ب"معايير كوبنهاجن"، الخاصة بالتطور الديمقراطي، وحكم القانون، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، فضلا عن معايير الإصلاح الاقتصادي من قبيل إصلاح أساليب اقتصاد السوق، وتحقيق الشفافية والمحاسبية، وغيرها من العوامل الموضوعية، التي يمكن قياس وتقييم تقدم الدول المرشحة للعضوية على أساسها.
ومن الناحية المؤسسية، تعتبر المفوضية الأوروبية -وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد- هي الجهاز المنوط به تقييم عملية الإصلاح في الدول المنرشحة للعضوية، وإجراء مفاوضات الضم، نيابة عن دول الاتحاد، مما يشير إلى أن عملية التوسيع التي انتهت بانضمام عشرة دول من شرق أوروبا في شهر مايو 2004 هي عملية تتسم بتوافق سياسي عالٍ، ويغلب عليها الطابع الإجرائي.
ودعا البرلمان الأوروبي الى متابعة عن كثب للتقدم الذي تحققه تركيا في مجال حقوق الانسان، والحريات الدينية، وحقوق المرأة، وتعليق المحادثات في أي وقت تتراجع فيه أنقرة في أي من هذه المجالات.
وقد اشترطت التوصية، التي أقرتها المفوضية بشأن تركيا، ضرورة مواصلة عمليات الإصلاح فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وحذر مسؤول أوروبي من أن أي انتكاسة تتصل بحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية في البلاد قد تمنع بدء محادثات انضمام تركيا للاتحاد. وقال رئيس المفوضية الأوروبية: إن موقف الاتحاد الأوربي من انضمام تركيا "إيجابيّ ولكنه قرار حذر".
وتتسم تركيا -ذات الأغلبية المسلمة- بنظام حكم مدني. ويعتبر مسؤولون أوروبيون أن النظام القانوني بالبلاد يتسق وتوقعات الاتحاد الأوروبي حول شروط انضمام الدول الجديدة إليه في إطار خطط توسيع العضوية.
وقد يمكن تفهم بعض الشروط الأوروبية المفروضة مثل قضايا حقوق الإنسان، لكونها قيما عالمية يتوافق عليها البشر من منطلقات إنسانية، ومثل قضايا تجارية تتطلب الانصياع لمواصفات معينة حرصا على الصحة العامة أو المنافسة العادلة. لكن ما لا يمكن فهمه أن تصبح عملية الدخول إلى الاتحاد مشروطه بالتخلي عن معتقدات ذاتية في صميم الفرد وجوهر اعتقاده، فعندما قررت حكومة حزب العدالة والتنمية تعديل قانون الأحوال الشخصية لتجعل جريمة الزنا جرما يعاقب عليه القانون، أعلنت أوروبا بوضوح أن إقرار هذا القانون يضر بتركيا، ويؤخر عملية انضمامها إلى النادي الأوروبي.
وهذا التجريم هو برأي صانعي قرار النادي الأوروبي أمر عفا عليه الزمن، ولا ينسجم مع قيم ومثل اوروبا الحديثة، التي لا ترى في المعاشرة الجنسية ضيرا، ولا ترى أن المجتمع التركي يجب أن يعارضها، لأن معارضته تثبت أنه بعيد عن قيم أوروبا ومُثُلها.
كذلك أعلن مفوض توسيع الاتحاد الأوروبي، الموكل إليه وضع تقرير عن مدى تقدم تركيا، أن هذا القانون قد يفهم في أوروبا على أنه إعطاء أولوية للتيارات الإسلامية.
الجهود التركية
منذ اجتماع المجلس الرئاسي الأوروبي في هلسنكي عام 1999 شرعت تركيا في إصلاحات سياسية واقتصادية، أهمها إقرار ثماني حزم للإصلاح السياسي، مثل الإشراف الدولي على الانتخابات، والحقوق الثقافية للأكراد، وتخفيف القيود عن حرية التظاهر، وتقليص دور العسكريين في الحكم.
وكانت تركيا قد دعت الاتحاد الأوروبي إلى الكفّ عن إملاء الشروط، وإلى بدء مفاوضات معها، بهدف إعطاء أنقرة العضوية الكاملة. وحشدت تركيا أبرز مسؤوليها عبر بيانات ومؤتمرات صحفية، لتشديد الضغوط قبل اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي. وجاء في بيان رئاسي- صدر بعد اجتماع استراتيجي ضم رئيس الوزراء ورئيس الدولة ووزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان- أن تركيا نفذت بالفعل كل ما يتعين عمله لتلبية الشروط السياسية، التي حددها الاتحاد.
وأعطى البرلمان التركي موافقته على آخر الإصلاحات القضائية المطلوبة أوروبيا قبل مفاوضات الانضمام، حيث أقر قانونا يتناول الجانب الفني من تنفيذ العقوبات، خصوصا ما تعلق بمدد التوقيف والمحاكمات.
وقد أعلن رئيس الوزراء التركي أن تركيا ستفعل كل ما بوسعها للتوصل إلى نتيجة إيجابية تتعلق بمستقبلها مع الاتحاد الأوروبي. وأشار إلى استعداد بلاده لاتخاذ خطوات جديدة تجاه قبرص، مؤكد أن الأهم حاليا هو طبيعة هذه الخطوات وقال: إن بلاده ستقيّم المقررات النهائية للقمة قبل إعلان موقفها، ونفى مطالبة المجتمعين من تركيا تقديم تعهد مكتوب بالاعتراف القانوني بقبرص، وأكد أن هذه المسألة سيتم حلها، مشيرا إلى استعداده للقاء الرئيس القبرصي في أي وقت.
الاتجاهات الأوروبية المعارضة
لا يزال يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي التغلب على توجهات الرأي العام المعادية للاتفاق التركي الذي أبرم بعد مرور ما يربو على 40 عاما على توقيع أنقرة اتفاق شراكة مع الاتحاد، ويقول المعارضون إن تركيا كبيرة من حيث المساحة والكثافة السكانية، وفقيرة، ومتخلفة من الناحية الثقافية لدرجة يتعذر معها دمجها داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، وأن الاتحاد يخاطر بتدفق أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة و"بتوسيع نفسه حتى الموت" من خلال مد حدوده إلى إيران والعراق وسوريا.
وتعهد المستشار النمساوي بأن تجري بلاده استفتاء على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك في أعقاب إعلان فرنسا عن مبادرة مماثلة. وقال الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، إن إنقرة بذلت جهدا مذهلا كي تصبح مستعدة لمفاوضات العضوية، ولكن لايزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين إنجازه. ولوحت باريس كذلك بورقة اعتراف أنقرة بالمجازر التي ارتكبت ضد الأرمن مطلع القرن العشرين باعتباره صيغة أوروبية لكي تتصالح الدول مع تاريخها الخاص.
ولدى الكثير من الدول الاوروبية تحفظات على فرص عضوية دولة تركيا الفقيرة، حيث يعيش 70 مليونا، غالبيتهم مسلمون. لكن البرلمان الأوروبي صوت بأغلبية 407 أصوات ضد 262 صوتا وامتناع 29 عن التصويت لصالح بدء المحادثات. وجرى التصويت سرا، بناء على طلب المجموعة المحافظة ذات الأغلبية في البرلمان، التي كانت حريصة على عدم إظهار الخلافات في صفوفها بشأن بدء المباحثات مع تركيا.
وأثارت المساعي التركية الحثيثة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي موجة من الجدل داخل المجموعة حول الوضع الاقتصادي للدولة الأوروبية الآسيوية، وتعداد سكانها، الذي يكاد يماثل مجموع الدول العشر التي انضمت إلى الاتحاد في مايو 2004، ومعظمها من وسط وشرقي أوروبا. كما تثير فكرة ترشيح انضمام الدولة الوحيدة المسلمة للاتحاد تساؤلات أيضا حول تدفق طالبي العمل، الذين قد يغمرون سوق العمل الأوربية.
كما يرفض المعارضون القول بأنه ينبغي ضم تركيا للاتحاد لإثبات أن أوروبا ليست "نادياً مسيحيا"، ولا "ترفض" مرشحا مسلما، ويعدّونه قولا غريبا، فهل يطلب أحد من الجامعة العربية ضم إسرائيل أو الهند لإثبات أنها ليست "نادياً إسلاميا"؟ إن هذه الحجة تقلب الأدوار، لأن تركيا هي التي يتعين عليها أن تثبت أنها ليست "نادياً إسلاميا"، فهناك أتراك مسلمون في باريس وحدها أكثر من المسيحيين الموجودين في تركيا كلها، والبالغ عددهم مئة ألف مسيحي. إنها دولة مسلمة بنسبة 99%.
ويعلم الأمريكيون أيضا أن تركيا لم تستمر في التعاون بعد حرب العراق كما كان سابق عهدها. وعلى الرغم من أن أردوغان قد لام جورح بوش، أثناء قمة حلف شمال الأطلنطى في يونيو 2004، على سياسته الموالية للأكراد في العراق، حيث تطالب أنقرة بجزء من هذه البلاد بمنطق "سياسة الأقليات"، التى استندت إليها في قبرص وقطاع شمال شرق اليونان.
ويقول البعض إن انضمام تركيا سيساعدها على متابعة التحول الديقراطي لأن الاتحاد الأوروبي منطقة تتسم بالسلام والديمقراطية، غير أن ذلك يعتبر "أمرا خاصا" بالشعوب ذات الثقافة المسيحية اليهودية التى تأثرت بالفكر اليوناني اللاتيني والموجودة في أوروبا، الأمر الذى يجعل هناك دولا أخرى أولى من تركيا بالتوجه نحو الديمقراطية، لأنها أكثر أوروبية منها، مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا. وينبغي أن يكون لكل كيان جيوسياسي حدود واضحة.
إن تركيا ستصبح في المستقبل أكثر دول الاتحاد تميزا. ففي عام 2020، سوف يكون لأنقرة مئة نائب في البرلمان الأوروبي، في الوقت الذي لن تمتلك فيه فرنسا سوى 72 نائبا وألمانيا 98 نائبا. وسوف تكون هي القوة العسكرية والديموجرافية الأولى في الاتحاد، فسصبح عدد سكانها 100 مليون نسمة، منهم 850 ألف جندي.
كما دعت بعض القوى السياسية في ألمانيا إلى استحداث أشكال مؤسسية لعلاقة تركيا بالاتحاد، دون العضوية الكاملة، مثل فكرة الشراكة المميزة، إلى غير ذلك من التحفظات التي تشير إلى رغبة كل دولة عضو في الاحتفاظ بحقها في الموافقة أو الرفض على انضمام تركيا إلى الاتحاد في أي مرحلة من مراحل الضم، على عكس المنطق الإجرائي الذي حكم عملية التوسيع في السابق، الأمر الذي أدى إلى وقوع الاتحاد الأوروبي أسيرا لشروطه الموضوعية التي قامت تركيا باستيفاء معظمها.
ويثير معارضو الانضمام التركي التساؤل حول ما إذا كانت عضوية تركيا قد تفتح الباب على مصراعيه لمطالب للعضوية من دول مثل إسرائيل ودول المغرب العربي، بل يضاف إليها أحيانا -علي سبيل التهكم- الأراضي الفلسطينية، في إشارة إلى أن عضوية تركيا قد تؤدي إلى فقدان النادي الأوروبي لهويته، الأمر الذي يدل على أن الانتساب التركي جغرافياً للقارة الأوروبية ليس كافيا لتأسيس هويتها الأوروبية، وهو ما يضعها في مقارنة مع دول لا تنتسب للقارة الأوروبية أساسا.
ويتساءل المعارضون: ما الذي سيجعل الاتحاد بعد ذلك يرفض انضمام المئتي مليون تركماني الموجودين في القوقاز وآسيا الوسطى، أو انضمام دول المغرب؟ وسوف تنتقل المشكلات الجيوسياسية الواقعة في تركيا وجيرانها (مثل مشكلات المياه والحدود والأقليات)، إلى الاتحاد. هذا بخلاف تجارة المخدرات والسلاح والهجرة غير المشروعة التى تعد تركيا أحد معاقلها الرئيسية. وسوف يكون جيران الاتحاد هم إيران التى يحكمها الملالي، وسوريا التي تعتبرها واشنطن داعمة لمنظمات ارهابية، والعراق وما بها من جهاد ضد الغربيين من قبل تنظيم القاعدة، وكذلك أذربيجان وجورجيا، نقطتي مرور "الإرهابيين" للجهاد في الشيشان.
مشكلة قبرص
جاء الاتفاق التاريخي، الذي قد يغير الاتحاد الأوروبي وتركيا خلال العقود القادمة، في أعقاب المشاحنات حول قبرص بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث هددت تركيا في إحدى مراحل المفاوضات بالانسحاب بسبب مطالب الاتحاد الأوروبي بأن تعترف أنقرة بحكومة القبارصة اليونانيين.
وقد أخفقت الجهود الدبلوماسية على مدى ثلاثين عاما في التوصل لحل لمشكلة جزيرة قبرص الواقعة في شرق البحر المتوسط، والمقسمة الى قطاعين يوناني وتركي، وفي أبريل 2004 رفض القبارصة اليونانيون خطة سلام أعدتها الأمم المتحدة لإعادة توحيد شطري الجزيرة، بينما قبلتها تركيا والقبارصة الاتراك.
ومن جهته أعلن رئيس الوزراء الإيطالي أنه تم تحديد بدء المفاوضات في أكتوبر 2005 المقبل لمنح الفرصة لتركيا بالاعتراف بقبرص. وأعلن رئيس الوزراء السويدي أنه يجب على أنقرة توقيع البروتوكول الإضافي لاتفاقها مع الاتحاد الأوروبي عام 1963، الذي يعادل اعترافا قانونيا لقبرص، وذلك قبل بدء محادثات الانضمام.
وبموازاة ذلك استحوذت معضلة اعتراف تركيا بقبرص اليونانية قبل القمة على تصريحات الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي الذى قال إنه على تركيا أن تفهم أن جميع الدول الأعضاء تؤكد ضرورة تغيير العلاقات بين تركيا وقبرص في المستقبل، مضيفا أن على أنقرة توقيع بروتوكول مع قبرص اليونانية يتم بموجبه الاتفاق على اتحاد جمركي مماثل لذلك الموقع بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
وعلق الرئيس القبرصي على الموضوع بالقول إن عدم اعتراف تركيا بقبرص سيتيح نظريا لنيقوسيا منع بدء مفاوضات الانضمام، باعتبار أن القرار بهذا الشأن سيصدر بالإجماع.
وبالرغم من رفع اليونان للفيتو الذي كانت تفرضه على الانضمام التركي في هلسنكي عام 1999 تظل التوترات بين البلدين قائمة في بحر إيجه، التي وصلت إلى تقديم اليونان شكوى رسمية ضد تركيا في مايو 2003.
المعضلة الثقافية والدينية
ينظر التيار المؤيد لتركيا الى هذه الخطوة باعتبارها جسرا سيمتد بين أوروبا والعالم الإسلامي، سواء من الناحية الرمزية أو العملية. وأوضح رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، وهو أحد أقوى حلفاء تركيا، أن عرض إمكانية ضم دولة مسلمة ديمقراطية كبيرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي يمثل إشارة للعالم الإسلامي. وأن الاشارة تظهر أن أولئك الذين يعتقدون بوجود بعض مواطن الصدام الأساسية بين المسيحيين والمسلمين مخطئون حقا، وأنه يمكن العمل معا والتعاون معا.
ويرى مراقبون في أوروبا أن ترتيبات ضم دولة ذات أغلبية مسلمة لأوروبا قد يستغرق عشر سنوات على الأقل، بينما يريد الأوروبيون أن تستمر ضغوطهم على أنقرة طوال فترة المحدثات للاستجابة لمعايير الاتحاد.
وتعتبر العقبة الأساسية التي تواجه الملف التركي ذات طابع ثقافي، ويختزلها البعض في معضلة دخول سبعين مليون مسلم في عضوية النادي الأوروبي المسيحي، على الرغم من شعارات العلمانية المرفوعة على الجانبين.
ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تثير قضية دخول دولة مسلمة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي مخاوف متزايدة لدى قطاعات من الرأي العام، بحيث يفضل البعض أن تظل تركيا السياج الذي يفصل أوروبا عن العالم الإسلامي في ظل الظروف الراهنة.
أما الطرح الذي يرى أن تركيا لا تزال "استثناء علمانيا" وحليفا طبيعيا ضد التيار الإسلامي بسبب النظام الذى خلفه أتاتورك، فيرى بعض المحللين أنه خاطئ، لأن تركيا الجديدة تسمح وتطالب بكل ما رفضه أتاتورك، مثل الحجاب والأحزاب الإسلامية والجمعيات الإسلامية والدروس الدينية الإجبارية. بل إن قوانينها التي تحارب الإلحاد تدين أتاتورك نفسه. لقد توقف التيار المؤيد لكمال لأتاتورك في الخمسيسنات والستينيات من القرن الماضى أثناء تولي مندريس وديمريل الحكومة، ثم قُضِيَ عليه سياسيا أثناء حكم تورجوت أوزال، الذى أعاد أسلمة البلاد، وألغى المادة رقم 163 من القانون التي كانت تحظر إقامة الأحزاب الإسلامية.
ويتساءل أوروبيون: كيف يمكننا أن نقتنع بأن دولة يرتدي 70% من نسائها الحجاب، وبها تسعون ألف إمام وآلاف المساجد، وتدون الديانة في البطاقات الشخصية، وتمنع غير المسلمين من تولي المناصب العليا، ويحكمها حزب خرج من عباءة التيار الإسلامي يفوز في الانتخابات منذ بداية التسعينيات... كيف نقتنع أن مثل هذه الدولة لاتزال علمانية؟!
ويقال للأوروبيين: إن الإسلاميين الذين يتولون الحكم في تركيا هم من المعتدلين، ومن الموالين للغرب، الذين يقيمون علاقات مع حلف شمال الأطلنطي وإسرائيل.
وما يخشاه صناع القرار في أوروبا هو امتداد الإسلام البشري في أوروبا، لذا قال البعض صراحة: إن دخول تركيا معناه "أسلمة أوروبا"، فتركيا بتعداد سكانها الضخم، الذي يعتبر الثاني بعد ألمانيا، تشكل خطرا كبيرا على الهوية الأوروبية، لأن هذا الشعب سينتشر في أوروبا، وبالتالي سيحقق، سلماً، ما عجز عنه أجداده في أوج عزتهم وجبروتهم حرباً.
المشاكل الاقتصادية
هناك بعض المخاوف ذات الطابع الاقتصادي من احتمال نزوح موجات من هجرة العمالة التركية إلى دول الاتحاد، في حالة العضوية التركية، مما قد يؤدي إلى فوضى في سوق العمل، أو تفشي البطالة في الدول المستقبلة لتلك الموجات من الهجرة، وهي المخاوف ذاتها المثارة بالنسبة لكثير من الأعضاء الجدد، مضافا إليها الخبرة السابقة للجاليات التركية الكبيرة الموجودة بالفعل في بعض دول الاتحاد، مثل ألمانيا، فضلا عن الأبعاد الثقافية التي تغذي تلك المخاوف الاقتصادية وتعمقها.
وتشير الإحصائيات إلى أن معدل التنمية الاقتصادية التركية وصل إلى نحو 5،8% في العامين الماضيين بعد أن استطاعت التغلب على أزمتها المالية التي عصفت باقتصاد البلاد بين عامي 2000 و 2001، كما وصلت نسبة التضخم إلى أقل من 13% أولَ مرة في تاريخها الحديث.
ويشكو كثير من الأتراك من أن الساسة الأوروبيين ووسائل الإعلام يقيسون انضمام تركيا بحذر أكبر من عضوية الدول العشر التي انضمت أخيرا للاتحاد، وإن الجدل الاقتصادي عادة ما يستخدم ستارا لحجب الجدل السياسي.
واقتصاديا، فإن التحدي الذي تواجهه تركيا كبير، لأن دخل الفرد فيها يصل إلى ثلث معدله في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل مايو الماضي، أو 40% فقط مقارنة بأفقر الدول الأوروبية قبل التوسع، مثل لاتفيا ولتوانيا وبولندا.
وقد لا توجد أسباب اقتصادية تدعو الاتحاد الأوروبي للسماح لتركيا بالانضمام إليه، فتركيا قد تصبح أداة لاستنزاف مساعدات التنمية الأوروبية، التي أثبتت أنها قوة محركة لعملية التنمية الاقتصادية في دول مثل أيرلندا والبرتغال، وأنه حتى لو انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال 15 عاما فإن دول أوروبا الشرقية ستكون مازالت في حاجة للمساعدات، مما يستنزف الاتحاد، ويضع عبئا ثقيلا على كاهل إحدى الأدوات التي يستخدمها الاتحاد للتنمية.