لم تثر تفجيرات دمشق الأولى الصدمة والبلبلة في الشارع اللبناني بقدر إثارة الرواية السورية الرسمية التي ألقت باللائمة على تنظيم القاعدة، بعد مضي يومين فقط على إنذار الجهات اللبنانية المختصة للجانب السوري بتسلل عناصر القاعدة من لبنان إلى سوريا.
تبع ذلك خروج وزير الدفاع فايز غصن ليؤكد امتلاكه معلومات بحصول عمليات تشمل تهريب أسلحة ونقل عناصر من تنظيمات أصولية إلى سوريا عبر بلدة عرسال عند الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، تحت ستار انتمائهم إلى المعارضة السورية.
وقد اتخذ المشهد طابعاً درامياً بعد خروج كلّ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لينفيا صحة ما أورده وزير الدفاع المحسوب على سليمان فرنجية الحليف التاريخي للنظام السوري.
وقبل الحديث عن التوظيف السياسي وما يحمله من مضامين ودلالات، كان لا بدّ من التفريق بين الحدث السياسي والآخر الأمني في جدلية القاعدة. ولحلّ هذه الأحجية يتطلب الأمر الإجابة على الأسئلة التالية: هل للقاعدة وجود في لبنان؟ وإذا كانت كذلك.. فهل هي بالحجم الذي تصوره قوى 8 آذار؟
"
بحسب قوى 8 آذار فإن ثمة 67 وثيقة من وثائق ويكيليكس ورد فيها اسم القاعدة في لبنان، وإن كثيرا من قيادات 14 آذار حين كانت في الحكم أقرّت للمسؤولين الأميركيين بوجود القاعدة
"
وثائق ويكيليكس تتحدث
للاستدلال على وجود "القاعدة" لجأت قوى 8 آذار إلى وثائق ويكيليكس لإحراج قوة 14 آذار وإدانتها من فمها، وبحسب هؤلاء فإن هناك 67 وثيقة من وثائق ويكيليكس ورد فيها اسم القاعدة في لبنان، وإن كثيراً من قيادات 14 آذار حين كانت في الحكم أقرّت للمسؤولين الأميركيين بوجود القاعدة.
وتورد وثائق ويكيليكس أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أبلغ جيفري فيلتمان -في 16 أغسطس/آب 2007، أي حين كان قائداً للجيش- أن تنظيم "القاعدة مصنّف على أنه العدو في نهر البارد".
وتقول الوثائق إن وليد جنبلاط سرّب إلى السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان -في 15 سبتمبر/أيلول 2006- تقريرين سرّيين مصدرهما استخبارات الجيش اللبناني، الأول يتحدث عن إدخال القاعدة كمية كبيرة من المتفجرات قد تستخدم لتفجير مقر الأمم المتحدة أو اجتماع لقوى 14 آذار، والتقرير الثاني يتحدث عن معلومات من داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين تشير إلى أن سعد أسامة بن لادن دخل الأراضي اللبنانية مستخدماً جواز سفر إيرانياً، والتقى خلالها هيثم السعدي زعيم عصبة الأنصار حيث تقرر القيام بعمليات ضد قوات اليونيفيل، قبل أن يغادر لبنان عائدا إلى طهران عبر سوريا.
أمّا وزير الداخلية أحمد فتفت فأكد لفيلتمان -بتاريخ 15 يونيو/حزيران 2006- أن وزارته أوقفت -في يناير/كانون الثاني 2006- 11 عنصراً من تنظيم القاعدة. وتمضي الوثائق لتنقل عن السفير الأميركي أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي اعترف له بنجاح قوى الأمن في يناير/كانون الثاني من عام 2006 في ضرب خلية للقاعدة في بيروت، أحد عناصرها كان مساعداً لأبي مصعب الزرقاوي.
الخلط بين الأمني والسياسي
وكانت حوادث استهداف القوات الدولية، والتهجم على محلات بيع الخمور، وعثور القوات الأمنية على صواريخ وعبوات غير معدة للتفجير في مناطق متفرقة من الجنوب اللبناني، أثارت الإرباك والفضول لدى اللبنانيين، حتى بات الحديث عن القاعدة وكأننا نتحدث عن غزو فضائي للبنان، عناصره تزيد عن 7 آلاف شخص, وفقاً لما نقله أحد الصحفيين عن مسؤول أمني، وأن أحد أبرز قادتها نجح في التسلل إلى سوريا، وهو يقود حالياً حرباً ضروساً ضد الجيش السوري في حمص، وهو المسؤول عن التفجيرات التي ضربت دمشق.
ويذهب هؤلاء في حجتهم إلى أن عبد الرحمن عوض -الذي استلم قيادة "فتح الإسلام" بعد اختفاء شاكر العبسي- استطاع أن يُحوّل ما تبقى من التنظيم بعد أحداث نهر البارد إلى جزء أساسي من تنظيم القاعدة، كما أنه نجح في إرسال مجموعات كبيرة من الأصوليين إلى سوريا في يونيو/حزيران 2010، قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من قتله في مدينة شتورا أثناء محاولته العبور سراً إلى سوريا في أغسطس/آب 2010.
اللافت في هذا المسلسل الدرامي الطويل هو قضية إطلاق صاروخ على شمال إسرائيل من الجنوب اللبناني قبل عدة أسابيع، ثم خروج موقع "النشرة" بشكل حصري تماما -وهو موقع إخباري تابع للتيار الوطني الحرّ الذي يقوده ميشال عون حليف حزب الله- مؤكداً تلقيه فاكساً من "كتائب عبد الله عزام" تعلن فيه مسؤوليتها عن العملية، إلا أن الجهة المتهمة أصدرت بيانا نفت فيه مسؤوليتها، بل وجزمت بوقوف النظام السوري عبر عملائه في لبنان بالوقوف وراء الحدث.
"
قوى 8 آذار لا تقف عند التأكيد على وجود القاعدة وتحميلها مسؤولية أحداث سوريا بل تذهب لحدّ اتهام جهات في قوى 14 آذار باحتضانها
"
واللافت أكثر أن قوى 8 آذار لا تقف عند التأكيد على وجود القاعدة وتحميلها مسؤولية أحداث سوريا، بل تذهب لحدّ اتهام جهات في قوى 14 آذار باحتضانها.
ومن المضحكات أن إحدى النخب السياسية المعروفة بولائها لسوريا خرجت على محطة لبنانية تتهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة بزعامة القاعدة في لبنان. وبكل الأحوال، لا أحد يستطيع تأكيد أو نفي وجود القاعدة سوى الجهات الأمنية المختصة، وهو أمر يُفترض أن يُنأى به عن السجال السياسي لأنه لا يخدم الأمن في لبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت القاعدة بحسب قوى 8 آذار يعود حضورها إلى عام 2000 مع أحداث الضنية، وعامي 2003 و2004 مع محاولات تفجير السفارتين الإيطالية والروسية وتهريب المقاتلين إلى العراق، قبل أن تشتد في عام 2007 بُعيد حرب يوليو/تموز، فلماذا إذن استدعاء ورقتها بهذه القوة حالياً إلى الساحة؟ هنا يصبح النقاش سياسياً بحيث يتضح استخدام القاعدة ورقةً للتوظيف السياسي، وليس لمساعدة الأمن في تفكيك القنبلة.
حزب الله والقاعدة
حزب الله يشارك بأدواته الإعلامية في إثارة قضية القاعدة أكثر من أي فترة مضت، وهو لا يدرك على ما يبدو أنه كحزب يحظى بحصة الأسد من المبررات التي تدفع تنظيم القاعدة للوجود في لبنان، وإذا ما اعتمدنا على ما تورده أجهزة المخبرات، فإن الأعوام التي تلت اغتيال الحريري في 2005 حتى عام 2008 كانت أكثر الأعوام نشاطا وفعالية لتنظيم القاعدة في لبنان، وهي الفترة التي يعتبر فيها حزب الله مسؤولاً عن كثير من الأحداث التي لحقت بلبنان.
والمراقب لا يحتاج كثير عناء لإدراك أن الشريحة الكبرى من الطائفة السنية في لبنان تعتبر حزب الله مسؤولاً عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوريط لبنان في حرب يوليو/تموز 2006، واجتياح بيروت في 7 مايو/أيار 2008، وإسقاط حكومة سعد الحريري الذي يحظى بغالبية أصوات المسلمين السّنة. وإذا ما عدنا إلى أحداث فتح الإسلام في عام 2007 فسنجد أن البيانات التي صدرت عن تنظيم فتح الإسلام ومؤسسه شاكر العبسي -بما في ذلك المقابلات الصحفية التي أجريت معه- كانت تُعلل سبب قدومها إلى لبنان بهيمنة حزب الله وإيران على لبنان.
وبغض النظر عن صحة هذا الموقف من عدمه -نظراً لتفاوت الوعي السياسي في طبقات المجتمع- فإنه يعكس شعور كثير من اللبنانيين. ومواقفه الأخيرة الداعمة للنظام السوري -التي قرأ فيها كثير من اللبنانيين موقفاً مذهبيا قبل أن يكون موقفا سياسياً- هي أساس المشكلة، وهي النبع الذي يضخ الماء في عروق الأرض التي تنبت منها القاعدة في لبنان.
بناء على ما سبق، فإن اللعب بورقة القاعدة يضرّ حزب الله أكثر مما ينفعه، لأن الدولة يجب عليها أن تفتش عن الأسباب التي تؤدي إلى خلق بيئة ملائمة للقاعدة، ومن ثم العمل على إزالة هذه الأسباب.
المسيحيون وورقة القاعدة
أما على صعيد المسيحيين، فإن موضوع القاعدة يوحد صفوفهم السياسية على اختلافها وتناقضها، وذلك ليس خوفاً مما قد تقوم به القاعدة في بيئاتهم من تخريب، وإنما لتوجيه اللّكمات لأكثر من طرف داخلي، وهذا ما يلمسه أي مُتابع لتصريحات القيادات المسيحية المشاركة في الحكومة أو تلك الفاعلة في المعارضة.
فهي ابتداء تستدرّ الدعم الغربي المعنوي الحريص على تثبيت مسيحيّي الشرق في أوطانهم وحمايتهم، ومنحهم امتيازات تفضيلية على اعتبار أنهم أقليات تستحق العناية الفائقة. كما أنها بإثارة موضوع القاعدة تنال من سلاح حزب الله الذي تراه يذهب بلبنان ليكون ملحقاً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً من ملحقات دولة إيران الإسلامية على المدى البعيد.
يضاف لذلك النيل من سلاح الفلسطينيين حين ينسبون وجود القاعدة واحتضانها إلى المخيمات الفلسطينية الغائبة عنها سلطة الدولة اللبنانية، وذلك عبر الخلط بين القاعدة، وفتح الإسلام، وجند الشام، وعصبة الأنصار.
"
يعتقد تنظيم القاعدة أن لبنان أصبح تحت سلطة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي لم يعد مسيحيو لبنان العدو المباشر للقاعدة وإنما حزب الله
"
والمتابع لطروحات تنظيم القاعدة يرى أن تحولاً طرأ على أدبياته فيما يتعلق بلبنان، فلم يعد بلدا يحكمه "الصليبيون" لمحاربة أهل السنة ويسعون للقضاء على وجودهم. بل أصبح لبنان تحت سلطة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي لم يعد مسيحيو لبنان العدو المباشر للقاعدة وإنما حزب الله. ثم إن التذرع بما حصل للمسيحيين في العراق أن يتكرر في بلد آخر غير مقنع لأن الجميع يعلم أن القتل والتهجير المتبادل بين السنة والشيعة على أيدي المتشددين من كلا المذهبين كان أكبر بأضعاف مما حصل للمسيحيين.
الخلاصة
الضخ الإعلامي والتركيز اللامتناهي من قبل إعلام 8 آذار ونخبها على القاعدة قد يُفهم على أنه دعوة مفتوحة للقاعدة للقدوم إلى لبنان والعبور نحو سوريا، في محاولة منها لزرع أدلة تعطي مصداقية للرواية السورية حول حرب العصابات المسلحة، وربما استباقاً لأي تدخل عسكري خارجي في سوريا، حيث يُتهم هذا الفريق بالقفز على المعادلة التي وضعها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتحييد لبنان، والنأي به عما يحدث في سوريا إلى اتخاذ وضعية المتراس الأول في المواجهة القادمة.
وبالتالي تأتي المتاجرة بورقة القاعدة أو تسهيل حضورها كافياً لزّج لبنان وتحضيره سياسيا للدخول في حرب مع العالم من أجل حماية حكم عائلة الأسد.
ثم إن ورقة القاعدة رابحة للجميع حين يتعلق الأمر بابتزاز الغرب على اعتبار أن تنظيم القاعدة عدو للجميع، وأن خصماً عاقلاً كما هو حال النظام السوري أفضل مائة مرة من عدو مجنون كما هو حال القاعدة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/532E973D-4E42-4686-9C28-FBE6085E28DC.htm?GoogleStatID=24
تبع ذلك خروج وزير الدفاع فايز غصن ليؤكد امتلاكه معلومات بحصول عمليات تشمل تهريب أسلحة ونقل عناصر من تنظيمات أصولية إلى سوريا عبر بلدة عرسال عند الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، تحت ستار انتمائهم إلى المعارضة السورية.
وقد اتخذ المشهد طابعاً درامياً بعد خروج كلّ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لينفيا صحة ما أورده وزير الدفاع المحسوب على سليمان فرنجية الحليف التاريخي للنظام السوري.
وقبل الحديث عن التوظيف السياسي وما يحمله من مضامين ودلالات، كان لا بدّ من التفريق بين الحدث السياسي والآخر الأمني في جدلية القاعدة. ولحلّ هذه الأحجية يتطلب الأمر الإجابة على الأسئلة التالية: هل للقاعدة وجود في لبنان؟ وإذا كانت كذلك.. فهل هي بالحجم الذي تصوره قوى 8 آذار؟
"
بحسب قوى 8 آذار فإن ثمة 67 وثيقة من وثائق ويكيليكس ورد فيها اسم القاعدة في لبنان، وإن كثيرا من قيادات 14 آذار حين كانت في الحكم أقرّت للمسؤولين الأميركيين بوجود القاعدة
"
وثائق ويكيليكس تتحدث
للاستدلال على وجود "القاعدة" لجأت قوى 8 آذار إلى وثائق ويكيليكس لإحراج قوة 14 آذار وإدانتها من فمها، وبحسب هؤلاء فإن هناك 67 وثيقة من وثائق ويكيليكس ورد فيها اسم القاعدة في لبنان، وإن كثيراً من قيادات 14 آذار حين كانت في الحكم أقرّت للمسؤولين الأميركيين بوجود القاعدة.
وتورد وثائق ويكيليكس أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أبلغ جيفري فيلتمان -في 16 أغسطس/آب 2007، أي حين كان قائداً للجيش- أن تنظيم "القاعدة مصنّف على أنه العدو في نهر البارد".
وتقول الوثائق إن وليد جنبلاط سرّب إلى السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان -في 15 سبتمبر/أيلول 2006- تقريرين سرّيين مصدرهما استخبارات الجيش اللبناني، الأول يتحدث عن إدخال القاعدة كمية كبيرة من المتفجرات قد تستخدم لتفجير مقر الأمم المتحدة أو اجتماع لقوى 14 آذار، والتقرير الثاني يتحدث عن معلومات من داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين تشير إلى أن سعد أسامة بن لادن دخل الأراضي اللبنانية مستخدماً جواز سفر إيرانياً، والتقى خلالها هيثم السعدي زعيم عصبة الأنصار حيث تقرر القيام بعمليات ضد قوات اليونيفيل، قبل أن يغادر لبنان عائدا إلى طهران عبر سوريا.
أمّا وزير الداخلية أحمد فتفت فأكد لفيلتمان -بتاريخ 15 يونيو/حزيران 2006- أن وزارته أوقفت -في يناير/كانون الثاني 2006- 11 عنصراً من تنظيم القاعدة. وتمضي الوثائق لتنقل عن السفير الأميركي أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي اعترف له بنجاح قوى الأمن في يناير/كانون الثاني من عام 2006 في ضرب خلية للقاعدة في بيروت، أحد عناصرها كان مساعداً لأبي مصعب الزرقاوي.
الخلط بين الأمني والسياسي
وكانت حوادث استهداف القوات الدولية، والتهجم على محلات بيع الخمور، وعثور القوات الأمنية على صواريخ وعبوات غير معدة للتفجير في مناطق متفرقة من الجنوب اللبناني، أثارت الإرباك والفضول لدى اللبنانيين، حتى بات الحديث عن القاعدة وكأننا نتحدث عن غزو فضائي للبنان، عناصره تزيد عن 7 آلاف شخص, وفقاً لما نقله أحد الصحفيين عن مسؤول أمني، وأن أحد أبرز قادتها نجح في التسلل إلى سوريا، وهو يقود حالياً حرباً ضروساً ضد الجيش السوري في حمص، وهو المسؤول عن التفجيرات التي ضربت دمشق.
ويذهب هؤلاء في حجتهم إلى أن عبد الرحمن عوض -الذي استلم قيادة "فتح الإسلام" بعد اختفاء شاكر العبسي- استطاع أن يُحوّل ما تبقى من التنظيم بعد أحداث نهر البارد إلى جزء أساسي من تنظيم القاعدة، كما أنه نجح في إرسال مجموعات كبيرة من الأصوليين إلى سوريا في يونيو/حزيران 2010، قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من قتله في مدينة شتورا أثناء محاولته العبور سراً إلى سوريا في أغسطس/آب 2010.
اللافت في هذا المسلسل الدرامي الطويل هو قضية إطلاق صاروخ على شمال إسرائيل من الجنوب اللبناني قبل عدة أسابيع، ثم خروج موقع "النشرة" بشكل حصري تماما -وهو موقع إخباري تابع للتيار الوطني الحرّ الذي يقوده ميشال عون حليف حزب الله- مؤكداً تلقيه فاكساً من "كتائب عبد الله عزام" تعلن فيه مسؤوليتها عن العملية، إلا أن الجهة المتهمة أصدرت بيانا نفت فيه مسؤوليتها، بل وجزمت بوقوف النظام السوري عبر عملائه في لبنان بالوقوف وراء الحدث.
"
قوى 8 آذار لا تقف عند التأكيد على وجود القاعدة وتحميلها مسؤولية أحداث سوريا بل تذهب لحدّ اتهام جهات في قوى 14 آذار باحتضانها
"
واللافت أكثر أن قوى 8 آذار لا تقف عند التأكيد على وجود القاعدة وتحميلها مسؤولية أحداث سوريا، بل تذهب لحدّ اتهام جهات في قوى 14 آذار باحتضانها.
ومن المضحكات أن إحدى النخب السياسية المعروفة بولائها لسوريا خرجت على محطة لبنانية تتهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة بزعامة القاعدة في لبنان. وبكل الأحوال، لا أحد يستطيع تأكيد أو نفي وجود القاعدة سوى الجهات الأمنية المختصة، وهو أمر يُفترض أن يُنأى به عن السجال السياسي لأنه لا يخدم الأمن في لبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت القاعدة بحسب قوى 8 آذار يعود حضورها إلى عام 2000 مع أحداث الضنية، وعامي 2003 و2004 مع محاولات تفجير السفارتين الإيطالية والروسية وتهريب المقاتلين إلى العراق، قبل أن تشتد في عام 2007 بُعيد حرب يوليو/تموز، فلماذا إذن استدعاء ورقتها بهذه القوة حالياً إلى الساحة؟ هنا يصبح النقاش سياسياً بحيث يتضح استخدام القاعدة ورقةً للتوظيف السياسي، وليس لمساعدة الأمن في تفكيك القنبلة.
حزب الله والقاعدة
حزب الله يشارك بأدواته الإعلامية في إثارة قضية القاعدة أكثر من أي فترة مضت، وهو لا يدرك على ما يبدو أنه كحزب يحظى بحصة الأسد من المبررات التي تدفع تنظيم القاعدة للوجود في لبنان، وإذا ما اعتمدنا على ما تورده أجهزة المخبرات، فإن الأعوام التي تلت اغتيال الحريري في 2005 حتى عام 2008 كانت أكثر الأعوام نشاطا وفعالية لتنظيم القاعدة في لبنان، وهي الفترة التي يعتبر فيها حزب الله مسؤولاً عن كثير من الأحداث التي لحقت بلبنان.
والمراقب لا يحتاج كثير عناء لإدراك أن الشريحة الكبرى من الطائفة السنية في لبنان تعتبر حزب الله مسؤولاً عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوريط لبنان في حرب يوليو/تموز 2006، واجتياح بيروت في 7 مايو/أيار 2008، وإسقاط حكومة سعد الحريري الذي يحظى بغالبية أصوات المسلمين السّنة. وإذا ما عدنا إلى أحداث فتح الإسلام في عام 2007 فسنجد أن البيانات التي صدرت عن تنظيم فتح الإسلام ومؤسسه شاكر العبسي -بما في ذلك المقابلات الصحفية التي أجريت معه- كانت تُعلل سبب قدومها إلى لبنان بهيمنة حزب الله وإيران على لبنان.
وبغض النظر عن صحة هذا الموقف من عدمه -نظراً لتفاوت الوعي السياسي في طبقات المجتمع- فإنه يعكس شعور كثير من اللبنانيين. ومواقفه الأخيرة الداعمة للنظام السوري -التي قرأ فيها كثير من اللبنانيين موقفاً مذهبيا قبل أن يكون موقفا سياسياً- هي أساس المشكلة، وهي النبع الذي يضخ الماء في عروق الأرض التي تنبت منها القاعدة في لبنان.
بناء على ما سبق، فإن اللعب بورقة القاعدة يضرّ حزب الله أكثر مما ينفعه، لأن الدولة يجب عليها أن تفتش عن الأسباب التي تؤدي إلى خلق بيئة ملائمة للقاعدة، ومن ثم العمل على إزالة هذه الأسباب.
المسيحيون وورقة القاعدة
أما على صعيد المسيحيين، فإن موضوع القاعدة يوحد صفوفهم السياسية على اختلافها وتناقضها، وذلك ليس خوفاً مما قد تقوم به القاعدة في بيئاتهم من تخريب، وإنما لتوجيه اللّكمات لأكثر من طرف داخلي، وهذا ما يلمسه أي مُتابع لتصريحات القيادات المسيحية المشاركة في الحكومة أو تلك الفاعلة في المعارضة.
فهي ابتداء تستدرّ الدعم الغربي المعنوي الحريص على تثبيت مسيحيّي الشرق في أوطانهم وحمايتهم، ومنحهم امتيازات تفضيلية على اعتبار أنهم أقليات تستحق العناية الفائقة. كما أنها بإثارة موضوع القاعدة تنال من سلاح حزب الله الذي تراه يذهب بلبنان ليكون ملحقاً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً من ملحقات دولة إيران الإسلامية على المدى البعيد.
يضاف لذلك النيل من سلاح الفلسطينيين حين ينسبون وجود القاعدة واحتضانها إلى المخيمات الفلسطينية الغائبة عنها سلطة الدولة اللبنانية، وذلك عبر الخلط بين القاعدة، وفتح الإسلام، وجند الشام، وعصبة الأنصار.
"
يعتقد تنظيم القاعدة أن لبنان أصبح تحت سلطة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي لم يعد مسيحيو لبنان العدو المباشر للقاعدة وإنما حزب الله
"
والمتابع لطروحات تنظيم القاعدة يرى أن تحولاً طرأ على أدبياته فيما يتعلق بلبنان، فلم يعد بلدا يحكمه "الصليبيون" لمحاربة أهل السنة ويسعون للقضاء على وجودهم. بل أصبح لبنان تحت سلطة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي لم يعد مسيحيو لبنان العدو المباشر للقاعدة وإنما حزب الله. ثم إن التذرع بما حصل للمسيحيين في العراق أن يتكرر في بلد آخر غير مقنع لأن الجميع يعلم أن القتل والتهجير المتبادل بين السنة والشيعة على أيدي المتشددين من كلا المذهبين كان أكبر بأضعاف مما حصل للمسيحيين.
الخلاصة
الضخ الإعلامي والتركيز اللامتناهي من قبل إعلام 8 آذار ونخبها على القاعدة قد يُفهم على أنه دعوة مفتوحة للقاعدة للقدوم إلى لبنان والعبور نحو سوريا، في محاولة منها لزرع أدلة تعطي مصداقية للرواية السورية حول حرب العصابات المسلحة، وربما استباقاً لأي تدخل عسكري خارجي في سوريا، حيث يُتهم هذا الفريق بالقفز على المعادلة التي وضعها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتحييد لبنان، والنأي به عما يحدث في سوريا إلى اتخاذ وضعية المتراس الأول في المواجهة القادمة.
وبالتالي تأتي المتاجرة بورقة القاعدة أو تسهيل حضورها كافياً لزّج لبنان وتحضيره سياسيا للدخول في حرب مع العالم من أجل حماية حكم عائلة الأسد.
ثم إن ورقة القاعدة رابحة للجميع حين يتعلق الأمر بابتزاز الغرب على اعتبار أن تنظيم القاعدة عدو للجميع، وأن خصماً عاقلاً كما هو حال النظام السوري أفضل مائة مرة من عدو مجنون كما هو حال القاعدة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/532E973D-4E42-4686-9C28-FBE6085E28DC.htm?GoogleStatID=24