عملية برونيفال
على اثر ثبوت فعالية الرادار في توفير إنذار مبكر لاجهزة الدفاع الجوي اثناء معركة بريطانيا الجوية في صيف وخريف 1940 اسرع الالمان إلى تطوير بحوث اجهزة الرادار الخاصة بهم والتي كانت متخلفة كثيراً وقتئذٍ عن مثيلتها البريطانية وقد احرزوا تقدماً تنيجة لهذه الجهود خلال عام 1941 فاقاموا شبكة من اجهزة الرادار على طول شواطئ اوربا الغربية المواجهة للجزر البريطانية .
ولما كان الرادار عند اول اختراعه اختراعاً انكليزياً . وثبتت فعاليته الكبيرة في الانذار خلال معركة بريطانيا الجوية فقد رات المخابرات البريطانية ضرورة معرفة درجة التطور والتقدم الذي احرزه الالمان وعلى هذا تقرر الحصول على بعض الاجزاء الهامة من احد الرادارات الالمانية الجديدة او تصويره إذا تعذر ذلك . ليطلع عليها العلماء الانكليز لمعرفة الفرق بينها وبين اجهزة الرادار الانكليزية اختيرت لذلك محطة رادار تقع على مقربة من قرية برونيفال الفرنسية الواقعة على شاطئ نورماندي وتبعد عن ميناء ((الهافر)) مسافة 19 كم تقريباً نظراً لانها تضم جهازاً من احدث واقوى اجهزة الرادار الالمانية وقتئذٍ ويعرف باسم (giantwarzberg) وكان معداً للعمل ضد السفن والطائرات ويستطيع ان يرصد اقترابها من مسافة 60 كم وكان هذا الجهاز موضوعاً داخل حفرة غير عميقة مغطاة بسقف من الاسمنت المسلح ولا يظر منه فوق سطح الارض سوى الهوائي العاكس للموجات والذي يبلغ قطره سبعة امتار ونصف المتر وكان الموقع على بعد 100متر من حافة منحدر صخري شاهق يطل على بحر المانش من ارتفاع /270م/ تقريباً ولم يكن هناك طريق للاقتراب من الجهاز المذكور بالنسبة لاي قوة تنزل من البحر سوى اخدود ضيق شديد الانحدار يقود إلى قرية (برونيفال الواقعة على مسافة /800 م/ من الجهاز وفي الوقت نفسه كان الاخدود محمياً بصورة جيدة بمرابض للرشاشات ومواقع للاسلحة الصغيرة لذلك كان مصير اي قوة تحاول الصعود إلى الجهاز عبر هذا الاخدود هو الابادة الكاملة بنيران الرشاشات والبنادق والقنابل اليدوية .كانت القوة العاملة في محطة الرادار مؤلفة من 30 جندياً من سلاح الاشارة الالماني يقيم بعضهم اثناء فترات الراحة في فيلا قريبة شرق موقع المحطة كما كانت هناك قوة من 100جندي تقيم في معسكر صغير مكون من عدد من المنازل الخشبية يقع على مسافة /270 م/ إلى الشمال من الفيلا المذكورة داخل مزرعة كبيرة تعرف باسم ((البرسبتير)) هذا فضلاً عن حوالي 40 جندياً اخرين يشكلون حامية قرية ((برونيفال)) ويحتلون المناطق المطلة على الاخدود وقد رات القيادة العسكرية البريطانية المكلفة بتنفيذ هذه المهمة استخدام قوة من المظليين لتنفيذها ثم الانسحاب عن طريق البحر بعد ذلك ووقع اختيارها على سرية الكتيبة الثانية من الفرقة الاولى المحمولة جواً التي كان يجري انشائها في بريطانيا وكانت هذه السرية تضم 119 رجلاً من بينهم جماعة من المهندسين الحقت بها ورقيب جوي خبير في هندسة الرادار واللاسلكي يتولى فك الجزء الجوهري لها من جهاز الرادار الالماني وتصوير الجهاز كله وتولى العقيد ((فروست)) قيادة القوة كانت خطة العملية تقضي باسقاط المظليين في موقع يبعد عن الكحطة نحو 1200 م لجهة الشرق ثم تتوجه القوة إثر ذلك إلى المحطة والفيلا وتهاجمهما ويقوم الرقيب الجوي بفك الجزء المطلوب من ارادار وتصوير الجهاز كله .
ثم تنسحب القوة عن طريق البحر بعد ان تهاجم مواقع الرشاشات المشرفة على الاخدود الساحلي من الخلف لتهبط إلى الشاطئ حيث تنتظرها قوة من 32 جندياً بحرياً مع قوارب اقتحام يقومون بتغطية انسحاب المظليين بنيرانهم . وعل اثر ذلك تعود القوارب إلى مدمرتين تقفان في عرض البحر لتعودا بالقوة كلها إلى بريطانيا .
وقد خصص 12 قاذفة قنابل ذات محركين من طراز وتيلي القديمة لنقل المظليين إلى مكان الاسقاط . كما عهد إلى بعض القاذفات الاخرى بالاغارة على ارتفاع منخفض فوق بعض اجزاء الشاطئ القريبة من منطقة الاسقاط لتغطية اقتراب الطائرات التي تحمل المظليين وعملية اسقاطهم . كما خصص سرب من المقاتلات ((سبتفاير)) لحماية المدمرتين اثناء رحلة العودة .
وبعد ان خطط للعملية جرى تدريب عملي طويل وشاق وتفصيلي للافراد المختلفين من جنود المظلات ورجال البحرية وللطيارين تم خلاله التعارف بين الجميع الافراد المشتركين فيها وبعد مناقشة جميع المصاعب والمقترحات تم تعديل التدريبات على اساسها قرر ((فروست)) تقسيم القوة إلى اربعة اقسام طبقاً للمهام المطلوبة .
القسم الاول :
ويقوده شخصياً ومهمته مهاجمة الفيلا القريبة من المحطة وقتل واسر من فيها من جنود الاشارة الموجودين فيها وكان يضم 25 رجلاً .
القسم الثاني :
ويقوده الملازم ((يونج)) ومهمته مهاجمة جهاز الرادار نفسه والاستيلاء على الجزء المطلوب منه ثم تدمير باقي الجهاز بعد تصويره ويضم 25 رجلاً .
القسم الثالث :
ويقوده الملازم ((شارتريز))ويتكون من /40رجلاً/ ومهمته حماية القوات التي ستهاجم الفيلا والمحطة من احتمال هجوم معاكس تشنه القوة الالمانية في المزرعة القريبة .
القسم الرابع :
ويقوده الملازم ((تيموتي)) ويضم 30 رجلاً ومهمته تطهير الاخدود الساحلي لتامين عملية الانسحاب عن طريق البحر بعد ذلك لضمان المفاجئة في العملية .
خططت العملية على اساس ان يتحرك افراد المجموعات السابقة بعد انزالهم بالمظلات إلى نقاط تجمعهم التي سيتم منها هجوم كل مجموعة حسب الهدف المحدد لها ولا تبداء اقتحام الاهداف إلا باشارة من قائد القوة العقيد ((فروست)) في شكل صوت صفارة اثر وصوله إلى باب الفيلا ليتم اقتحام المجموعات الاربع دفعة واحدة وفي الوقت نفسه وعلى ان يتم العمل بسرعة لتنفيذ المهام ثم يتم الانسحاب بسرعة بحراً قبل ان تتعرض القوة للاسر او الخسائر الكبيرة إذا تمكنت التعزيزات الالمانية من ادراكها قبل انسحابها بسرعة .
وعلى ذلك تم التركيز في التدريب بالمجموعات السابقة وعلى هدف مشابه تماماً لهدف العملية على سرعة التنفيذ لكل مجموعة في الوقت المحدد لها تماماً .
بدء العملية :
في ليلة 27/ شباط/1942 اقلعت اثنتا عشرة قاذفة تحمل القوة من احد مطارات جنوب بريطانيا في حوالي الساعة العاشرة مساءً وكانت الليلة مقمرة والرؤية واضحة ووصلت الطائرات إلى الشاطئ الفرنسي قرب ((الهافر)) عند منتصف الليل وساعدها على تحديد هدفها وجود الضوء الصادر من >>فنار<< انتيفر الواقع إلى الشمال من محطة الرادار بنحو (1.5كم) وتعرضت اثر ذلك لبعض طلقات المدافع المضادة للطائرات فاصيب بعضها باضرار طفيفة مما اضطر طائرتين كانتا تحملان قوة الملازم ((شارتريز)) إلى الانحراف قليلاً عن مسارهما المخطط لتجنب نيران المدفعية ولذلك هبط هذا القسم ((المجموعة الثالثة)) من القوة بعيداً بعض الشيء عن المكان المحدد لها . وباستثناء هذا الحادث سار تنفيذ العملية وفق الخطة الموضوعة . وقد تمت مهاجمة الفيلا في التوقيت المحدد التي لم يكن بها سوى جندي واحد الماني تم نقله إلى الطابق العلوي ثم هوجم موقع الرادار وقتل به 5 جنود المان واسر واحد وانتزع الجزء المطلوب من الجهاز ونقل في عربة ترولى صغيرة مخصصة لذلك من قبل . بينما كانت قوة ((شارتريز)) تحمي مؤخرة المجموعتين الاولى والثانية من ناحية القوة الالمانية الموجودة في المزرعة القريبة وبعد تصوير جهاز الرادار كله تم نسفه ...
بعد ذلك انسحب المهاجمون إلى الشاطئ حيث شاركوا مجموعة الملازم ((تيموني)) الرابعة في تطهير الاخدود من المقاومة الموجودة فيه والذي كان يبعد نحو /540 م/ عن جهاز الرادار وتم ارشاد قوارب الاخلاء بواسطة انوار اشارية ثم تمت عملية الاخلاء تحت نيران قوارب الاقتحام وعادت القوة كلها إلى السفن ومعها الجزء الهام الماخوذ من جهاز الرادار الالماني و3 اسرى المان مع 6 جرحى بريطانيين ولكنها تركت على ارض المعركة اثنين من القتلى علاوة على 6 جنود بريطانيين ضلوا الطريق إلى الشاطئ في الظلام .
وقد استغرق تنفيذ العملية كلها منذ الاسقاط بالمظلات ساعتين ونصف بعدها عادت السفن إلى ميناء ((بورتسموث)) سالمة دون ان تتعرض لاي هجوم الماني جوي او بحري . وقد صاحبها في عودتها عندما بزغ اول ضوء سرب المقاتلات ((سبتفاير)) الذي خصص للحماية كمظلة جوية . وقد نتج عن هذه الاغارة فتح ثغرة في الدفاع الجوي الالماني بالمنطقة استمر لعدة ايام استغلته القاذفات البريطانية بعد ذلك باربع ليال في الاغارة على مصنع رينو القريب وتدميره نظراً لانه كان يعمل لصالح المجهود الحربي الالماني .
وتعتبر عملية الاغارة على ((برونيفال)) من انجح العمليات الخاصة لقوات المظليين وقد ساهم في نجاح دقة المعلومات وكفائة التخطيط وارتفاع مستوى التدريب والمحافظة على الاجرائات السرية وامن القتال .
اما اهم الدروس المستفادة من العملية فهي :
ان التصميم الحازم والاستطلاع الدقيق والتخطيط المبني على المعلومات الدقيقة المستقاة من وسائل الاستطلاع المختلفة ثم التدريب الشاق الجيد والواقعي على اهداف وفي ظروف مشابهة حقيقية مع اجرائات السرية في تخطيط وتنفيذ العملية حتى اخر لحظة هذا علاوة على حسن اختيار الافراد والقادة . كل ذلك يحقق لاية عملية النجاح التام وفي مجال العمليات الخاصة فانه احياناً تنفذ عملية خاصة يقوم بها بعض الرجال الشجعان المختارين بدقة تقلل التكاليف وتوفر خسائر مادية باهظة في الافراد والمعدات .
وكما راينا فان عملية قامت بها مجموعة من الرجال لايتعدون (120 فرداً) توفر فيهم التصميم والشجاعة مع حسن التدريب مكنت الجيش البريطاني انذاك من الحصول على معلومات لا تقدر بثمن في ذلك الوقت عن الرادارات الجوية الالمانية مكنتهم من التغلغل في عمق الاراضي الالمانية لتدمير اهداف حيوية اخرى تؤثر على المجهود الحربي الالماني .