ملامح التغير في طبيعة الصراع المسلح

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0


يؤكّد التاريخ أنه عملياً، وخلال كل الأزمنة، كانت الدول غالباً ما تلجأ للحروب والقهر المسلح لتحقيق أهدافها السياسية، والحرب ظاهرة اجتماعية وسياسية معقدة ومتعددة الجوانب، حيث يمكن النظر إليها والبحث فيها من زوايا وجوانب مختلفة: تاريخية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وعسكرية، وهي تشكّل مادة البحث، وموضوع الدراسات للعلم العسكري من حيث الإعداد والتحضير لها، وكيفية خوضها. ويمكن القول إن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، أي أن تحقق الأهداف السياسية يتم بواسطة العمل المسلح، وذلك عندما تستنفد كافة الوسائل الأخرى. وفي كتابه: (فن الحرب) قال كلاوزفيتز: «إن الحرب عمل من أعمال العنف يستهدف إكراه الخصم علي تنفيذ إرادتنا»، والحرب كعمل اجتماعي تفترض وجود إرادتين تتصارعان أو وجود مجتمعين منظمين سياسياً، يحاول كل منها التفوق على الآخر وقهره.

عندما تهزم إرادة القتال لدى أحد الطرفين المتحاربين، ويقتنع قادة هذا الطرف بأنه لم يعد هناك فائدة من استمرار الصراع المسلح، أو أن الاستمرار في الصراع المسلح سيكبده خسائر مادية ومعنوية تفوق الربح، أو لا تُقدر الأمة على احتمالها وتنتهي الحرب.
وعندما تنتهي الحرب باستسلام أحد الطرفين، يثبت الوضع الجديد بمعاهدة تحدد توزيع الأراضي والمصالح، وتضمن للمنتصر فرض شروطه التي تحقق أهدافه السياسية، ويسود في هذه الحالة السلم الذي لا يخرج عن كونه مرحلة هدوء بين حربين، وتعود السياسة إلى استخدام وسائطها الأخرى لتحقيق أغراضها.

ومنذ مطلع التاريخ وظهور الجيوش والحروب، شكّلت الحرب غير النظامية، أو ما يُعرف أيضاً بحرب العصابات، تحدياً حقيقياً للجيوش النظامية، التي لم تجد يوماً حلاً سهلاً لها، ولطالما نظر الكتّاب العسكريون والاستراتيجيون الغربيون بازدراء لحرب العصابات ومن شاركوا فيها، وأطلقت العديد من الأسماء والصفات على رجال حرب العصابات، منها ما كان إيجابياً، وغالبها ماكان سلبياً، ومرد ذلك يعود لكون الدول العظمي هي من يحبّذ الجيوش النظامية ويحتقر الفرق غير التقليدية التي كانت تشكّلها عادة شعوب الدول المحتلة، وكانت الاستثناءات الوحيدة عبر التاريخ الحديث للمقاتلين الأحرار في فرنسا وروسيا ودول أخرى احتلتها جيوش قوات المحور خلال الحرب العالمية الثانية، والمجاهدين الأفغان قبل الانسحاب السوفيتي، والمقاتلين الشيشان.

إلاّ أن الأمور ازدادت سوءاً بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م، حيث لم يعد هناك في العالم أي صراع يعرف على أنه حرب تحرير أو ثورة شرعية، وكل قوة غير نظامية تستخدم وسائل العنف لتحقيق أهدافها السياسية أو غيرها باتت تُعرف على أنها (إرهابية).
لقد أظهرت الحروب الأخيرة أن الدول الكبرى باتت تمتلك تفوقاً عسكرياً كبيراً في الحرب التقليدية، إلى حدٍ باتت معه أية محالة من دولة عادية لمواجهتها بشكل تقليدي فاشلة، وأقرب للانتحار، وخير مثال على ذلك عملية اجتياح الكويت، والتي تمت بسبب التفوق العسكري الكبير للجيش العراقي وغياب أي ميليشيات منظمة في الكويت بحينه، ويتكرر المثل ثانية في الهجوم الروسي على جورجيا، حيث كادت القوات الروسية أن تحتل أراضي جورجيا كافة في أيام قليلة، لولا التدخل الدولي والضغوط الدبلوماسية، إن اعتماد جورجيا على قواتها النظامية فقط لوقف جيش جرار بحجم الجيش الروسي دون أي ميليشيات تحارب بأسلوب حرب العصابات، جعلها تخسر الحرب بشكل سريع.


أنواع الحروب :

هناك ثلاثة أنواع من الحروب، فهي دولية، حيث تنشب بين دولتين أو أكثر تتمتعان بمستوى حضاري واحد، واستعمارية حيث تنشب بين أمتين بينهما تباين حضاري واسع، وأهلية، حيث تنشب بين فريقين داخل دولة أو أمة ما بين مجموعة ثائرة أو متحررة وحكومة رسمية.
والحرب التقليدية تستعمل فيها معدات القتال العادية التي لا تشمل أسلحة الدمار الشامل، وغالباً تحدد إمكانات القوى المتحاربة شكل وتقنيات هذه الحروب، كما تحددها هذه المعدات التي تملكها والمستوى الحضاري الذي وصلت إليه. وتخوض الشعوب الفقيرة، وقوات المقاومة عادة أنواعاً أخرى بسيطة من الحروب، مثل: الحروب الثورية التي تستخدم فيها تقنية حرب العصابات، وقد تدوم الحرب من حيث المدة أياماً قليلة، وقد تشن الدولة حرباً طويلة الأمد تدوم سنوات عديدة، كالحربين العالميتين الأولى، والثانية، وحربي كوريا وفيتنام.

والحرب الدولية تندلع بين دولتين مستقلتين أو أكثر، وهي تختلف عن الحرب الأهلية من حيث وجود جيوش نظامية تحارب ضد بعضها البعض، أما الحرب الأهلية، فقد تتخذ شكل وجود جيش منظم يحارب قوات غير نظامية، أو تندلع الحرب بين قوتين غير نظاميتين تحاربان من أجل السيطرة على إقليم ما، ولا يكون التمييز سهلاً بين الحرب الدولية والحرب الأهلية؛ فعلى سبيل المثال نجد أن المغرب تؤكد أن الحرب الدائرة بينها وبين (جبهة البوليساريو) في منطقة الصحراء هي حرب أهلية، حيث تنظر إلى منطقة الصحراء على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.

والحرب الشاملة تستخدم جميع الوسائل المتاحة، وتتضمن إعادة ترتيب الأحوال السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للدول المهزومة تبعاً لرؤية الدول المنتصرة، كما حدث لألمانيا واليابان عقب الحرب العالمية الثانية.

أما الحرب المحدودة، فهي صراع مسلح من أجل أهداف محدودة، وهي أقل من الحرب الشاملة من حيث إنها لا تهدف إلى التدمير الكلي للعدو، أو إلى استسلامه غير المشروط، وقد ظهر هذا المفهوم في العصر النووي إبان الحرب الكورية (1950 ـــ 1953م). ويمكن تحديد ما إذا كانت الحرب محدودة أم لا بالنظر إلى القدرة التدميرية للقوة المستخدمة في القتال، وعدد الأطراف المشتركة في الحرب وحجم ميدان القتال، وطبيعة البدائل السياسية، والاستراتيجية العسكرية؛ فالحرب المحدودة يمكن أن تشمل العداء بين دولتين صغيرتين، أو أكثر ولا تتضمن تدخلاً من القوى الكبرى، ويكون نطاق الحرب محدداً في منطقة جغرافية معينة، ولا يستخدم فيه أي نوع من أنواع الأسلحة النووية.

والحرب المحدودة تشمل الصراع الداخلي في مواجهة قوات استعمارية، أو حكومية، بحيث يستخدم الطرفان الأسلحة التقليدية، مع أنه قد تصلها مساعدات خارجية، وتشمل أيضاً الإجراء الجماعي في إطار منظمة دولية من أجل الحفاظ على إقليم دولة ما، أو تحقيق أهداف سياسية محددة، مثل استخدام قوات الطوارئ الدولية.

والحرب الوقائية هي استراتيجية عسكرية تعني قيام دولة بهجوم مفاجئ على دولة أخرى بهدف تدمير هذه الدولة لمنعها من أن تصبح مصدر تهديد مستقبلي، وينتشر مفهوم الحرب الوقائية أساساً بين الدول المسلحة تسليحاً تقليدياً؛ ففي الشرق الأوسط ـــ على سبيل المثال ـــ قامت إسرائيل بحرب وقائية عام 1967م ضد جيوش بعض الدول العربية، حيث أدرك قادة إسرائيل بأن تطوير الدول العربية لقدراتها العسكرية بمساعدة الاتحاد السوفيتي (السابق) يمكن أن يهدد وجود دولتهم في المستقبل.

أما الحرب الخاطفة، فهي أسلوب خاص في تكتيكات القتال، يقوم على استخدام الطيران، والقوات المدرعة والميكانيكية في تحقيق اختراق عميق في جبهة العدو من أجل قطع خطوط مواصلاته، وتدمير مراكزه الإدارية والقيادية، وتطويق الدفاعات المعادية التي تكون قد أصبحت غير مظمة في هذه الحالة. وقد وضعت الأسس الفكرية العامة لتكتيكات الحرب الخاطفة في بريطانيا خلال العشرينيات من القرن الماضي بواسطة الكاتبين العسكريين المشهورين: (ليدل هارت)، والجنرال (فولر)، وكان يُطلق على هذه الحرب في ذلك الحين: (السيل المتدفق)، وسماها الألمان عام 1929م الحرب الصاعقة (بليتز كريج).

وقد طبّقت أساليب الحرب الخاطفة من قِبل الألمان في الحرب العالمية الثانية على يد الجنرال الألماني (جودريان) الذي يُطلق عليه (أبو المدرعات) والجنرال (رومل) في أثناء معارك (1941 ـــ 1943م)، في الصحراء الليبية والمصرية، وقد استوحى العدو الإسرائيلي فيما بعد هذه الأساليب واعتبرها عنصراً رئيساً في نظريته القتالية القائمة على الضربة الإجهاضية المضادة المباغتة، ونقل الحرب بسرعة إلى أرض الخصم، ويعتمد نجاح الحرب الخاطفة على عنصر المفاجأة، وبطء حركة ورد فعل الخصم، وعدم إدراكه أو استيعابه لأساليب حرب الحركة، وضعف سيطرته الجوية.

أجيال الحـروب

تغيّر المجتمع الإنساني، وتغيرت معه إمكاناته الاقتصادية، وتطورت الأسلحة والقوات المسلحة، وأشكال وأساليب خوض الصراع المسلح، إلاّ أن الأداة الرئيسة للحرب بقيت على الدوام السلاح والعتاد القتالي التي ولَّدها التقدم العلمي والتقني، حيث أدى اختراع الأسلحة الجديدة واستخدامها إلى تغيير أشكال وأساليب خوض الأعمال العسكرية، الأمر الذي اعتبر دلالة على ثورة في العمل العسكري، وبشّر بالانتقال والتحوّل إلى جيل جديد من الحروب.
ويمكن تقسيم الحروب إلى عدد من الأجيال، وفقاً لتطوّر الأسلحة والعتاد الحربي واستعمالها في كل جيل زمني، كالتالي:
الجيل الأول: وهي الحروب التي استخدمت فيها الأسلحة البيضاء؛ فقد جرى خوض تلك الحروب على مدى أكثر من 3500 عام على كوكبنا الأرضي بالاشتباك والعراك بالأيدي مع استخدام الأسلحة البيضاء، مثل السيوف والحراب، ومن أجل استخدامها كان لابد من تحقيق الاقتراب والتماس المباشر مع العدو.

الجيل الثاني: ظهرت حروب الجيل الثاني بعد اختراع البارود في القرن الثاني الميلادي، والثالث عشر، وتم خوض الحرب مع وجود مسافة بين المتقاتلين، وذلك بسبب استخدام الأسلحة النارية، واستمر معها استخدام الأسلحة البيضاء.

الجيل الثالث: ظهرت حروب الجيل الثالث بعد اختراع الأسلحة النارية المحلزنة، الأمر الذي أدى إلى زيادة حادة في مدى الرمي ودقته وتأثيره، وأدى في الوقت ذاته إلى زيادة المسافة بين المتقاتلين في ساحة المعركة، والحماية من الأسلحة النارية المحلزنة، مما دعي المتحاربين إلى حفر منشآت دفاعية، كالحفر الفردية والجماعية.

الجيل الرابع: أدى تطور الأسلحة المحلزنة واختراع الأسلحة الآلية سريعة الطلقات، والتي استخدمت في القوات البرية والبحرية والجوية إلى زيادة الآثار التدميرية للأسلحة بزيادة سرعة الرمي، مع المحافظة على دقة رمي عالية، وعلى التوازي، كان لابد من الاحتماء من تأثير النيران، ولذلك تم تطوير الحفر ووصلها ببعضها لتشكيل خنادق، وظهرت لذلك منظومة المنشآت التحصينية.

الجيل الخامس: بدأت حروب الجيل الخامس عندما اخترعت القنبلة النووية، حيث كان الأطراف المتحاربون التي تملك السلاح النووي غير مضطرة للتماس مع بعضها البعض، لأن بإمكانها توجيه الضربات الصاروخية النووية إلى أراضي أية دولة، إلاّ أن الجميع يعترفون بأنه على الرغم من القدرة التدميرية الهائلة للسلاح النووي، فإن حرباً نووية لا يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف السياسية أو الاستراتيجية للحرب.

الجيل السادس: تتميز حروب الجيل السادس بطبيعتها عن الحروب التي سبقتها، حيث ينتمي إليها الشكل الجديد من الحروب التي استخدمت فيها أسلحة الدقة العالية التقليدية، مثل الحرب ضد العراق عام 1991م، وعام 2003م، والحرب في يوغوسلافيا عام 1999م.

الجيل السابع: تشير التنبؤات إلى أن المعلوماتية تحوّلت إلى سلاح، مثلها مثل الصاروخ والقنبلة والطوربيد، فواضح أن الصراع المعلوماتي أصبح عاملاً مؤثراً بشكل جدي في حروب المستقبل من حيث بدايتها وسيرها، وصيرورتها. ويمكننا أن نرى أو نتوقع أنه بعد إنجاز التحوّل إلى الحروب غير المتناظرة، فإن الصراع المعلوماتي خرج تدريجياً من كونه عنصراً تأمينياً ليتحول إلى عنصر وشكل قتالي، أي أنه يتصف بطبيعة مستقلة بين أشكال وأساليب الصراع الأخرى.

وفي المرحلة الراهنة، يشكّل الصراع الاقتصادي والمعلوماتي المكونات الجديدة في محتوى الحرب، وينبغي الإشارة إلى أن هذين المكونين كانا موجودين سلفاً؛ ففي كل الحروب السابقة وُجد الصراع الاقتصادي والمعلوماتي، كما أن خبرة حروب السنوات الأخيرة تظهر أن هذين النوعين من الصراع أصبحا في مرتبة واحدة مع الصراع المسلح، وبواسطتهما يتم تحقق الأهداف السياسية والاستراتيجية للحرب. وعند التنبؤ بالمحتوى العسكري الاقتصادي للحروب، يجب تحديد الأهداف والمهام الاقتصادية للحرب والأساليب والأشكال التي يستخدمها العدو في الصراع الاقتصادي وعواقبها المحتملة، أما عند التنبؤ بمحتوى الصراع المعلوماتي، فيُفترض تحديد أهداف الصراع المعلوماتي، وأساليبه وأشكاله وعواقبه المحتملة.


أثر الثورة التكنولوجية

إن طبيعة الصراعات اليوم أخذت أشكالاً أكثر تعقيداً مما كانت عليه، نتيجة الثورات التكنولوجية والمعلوماتية التي أوجدت وسائل ومجالات جديدة للمواجهة لم تكن متوفرة سابقاً، فلقد وفّر الإنترنت وسيلة شبه مجانية لنشر المعلومات والتواصل وتجييش الرأي العام والحرب المعلوماتية، في حين وفّر الهاتف الخلوي وسيلة اتصال قوية، محلياً ودولياً، كما أدى التطور في علوم الكيمياء إلى ظهور أنواع متعددة من المتفجرات التي يسهل إعدادها محلياً، ووفّرت السوق السوداء المتنامية بفعل تحسن المواصلات والاتصالات أسلحة متقدمة وفعّالة ضد الجيوش الحديثة.
إن التطور التكنولوجي على الأصعدة كافة أدى إلى ظهور جيل جديد من القوى غير النظامية، تعتمد أساليب وتكتيكيات ووسائل جديدة لم تكن معروفة قبل نهاية الحرب الباردة، وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الدولة التي خرجت منتصرة من الحرب الباردة وباتت القوة العظمي الوحيدة، وبما أنها هي الدولة التي تقود تحالفات دولية في حروب منذ عام 1990م، بعضها مازال مستمراً في أفغانستان، فإن الباحثين العسكريين الأمريكيين كانوا أول من وضع دراسات عن تطور حرب العصابات أو الحرب الثورية، التي باتت تُعرف لديهم اليوم باسم (الحرب الهجينة).

إن هذه القوى غير النظامية تستخدم جميع البنى المتاحة، سياسياً، و اقتصادياً، واجتماعياً، وعسكرياً، في مواجهة القوات النظامية، والتغيّر في تشكيلات المجموعات وإيجادها لخلايا عابرة للقوميات والحدود، وهي تساير تطور المجتمع في كل شيء، مما يزيد من صعوبة وخطورة التعامل معها.

إن الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشير إلى ظهور أفراد أو جماعات صغيرة تم تزويدها بقوة فائقة، وهذه الجماعات يربطها حب قضية معينة وليس الوطن، ومن خلال توظيفهم للتقنية يستطيعون توليد قوة مدمرة، عادة ما تستهدف موارد الدول القومية. أما التقنية محط الاهتمام في المرحلة القادمة فهي تنقسم إلى نوعين: التقنية الحيوية البيولوجية، وتقنية النانو، وهاتان التقنيتان تعطيان الجماعات الصغيرة نوعاً من القوة التدميرية كانت تقتصر في السابق على القوى العظمى فقط. إن الحقبة الرئيسة هي أن التغيرات في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي تتيح لأي جماعة صغيرة تتبنى قضية ما استخدام التقنيات الحديثة لتتحدى دولة قومية.


الحرب الهجينة
بدأ تعبير (الحرب الهجينة) يظهر في كتابات ودراسات العسكريين خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وظهرت عدة تعريفات لهذه الحرب، منها: «أنها نموذج عصري لحرب العصابات، حيث يستخدم فيها الثوار التكنولوجيا المتقدمة، وسبل حديثة لحشد الدعم المعنوي والشعبي»، ويُقصد بالتكنولوجيا المتقدمة الأسلحة المتطورة، والتي استخدمت ضمن تكتيكات حرب العصابات، مثل الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن.

ووصف أحد التعريفات الحرب الهجينة على الشكل التالي: «حين يقدم خصم على استخدام ـــ بشكل متزامن ومتقن ـــ مزيج من الأسلحة التقليدية والتكتيكات غير النظامية، ومهاجمة مدنيين أو هجمات انتحارية والتصرف الإجرامي في مجال أرض المعركة من أجل تحقق أهدافه».

إن الحرب الهجينة تدمج مجموعة من أنماط القتال المختلفة، بمافي ذلك: القدرات التقليدية، والتكتيكات، والتشكيلات غير المنظمة، والأعمال الإرهابية، للاستفادة من كل أشكال القتال، وبتزامن أحياناً، للحصول على التفوق، وتسعى القوى التي تستخدم الحرب الهجينة لاستنزاف وإرهاق خصومها، لإرغامهم على الانسحاب من أراضٍ محتلة، أو التخلّي عن سياسة خارجيةمعينة، وهي استراتيجية تكون أكثر فعالية ضد الدول التي لديها أنظمة ديمقراطية وشديدة التأثر بالرأي العام.

ويرى خبراء عسكريون أن حروب المستقبل ستكون خليطاً من الحروب التقليدية والمناوشات والمعارك الصغيرة، وشنّ الحملات العسكرية ضد المتمردين والإرهابيين المتخفين. وبناء على ذلك، فإن تخطيط العديد من الدول للحروب الهجينة يهدف إلى طمأنة المواطنين علي قدرة جيشهم علي التصّدي لمجموعة من المهددات الأمنية، بما فيها: الهجمات على شبكات الكمبيوتر، والمحاولات الهادفة إلى تعطيل نظام تحديد المواقع العالمية بواسطة الأقمار الاصطناعية، وتوجيه الضربات الصاروخية دقيقة التوجيه، وشن الهجمات بواسطة القنابل والمتفجرات المزروعة في جوانب الطرق، إضافة إلى تنظيم حملات الحرب النفسية عبر وسائل الإعلام والإنترنت، وذلك له انعكاسات كثيرة على التدريب ونشر القوات وشراء وتطوير الأسلحة ... وغيرها من الجوانب ذات الصلة بالتخطيط العسكري.

ويعتبر حزب الله من الأمثلة على القوى التي طبّقت الحرب الهجينة في حرب صيف 2006م، حين اعتمد مقاتلوه تكتيكات حرب العصابات، مستخدمين صواريخ مضادة للدروع والسفن، كما تمكّنت صواريخه من تهديد الجبهة الخلفية للعدو، ونجحت أدواته الإعلامية من تحقيق نصر معنوي على العدو، حتى أن حزب الله تمكّن من اختراق أجهزة اتصال العدو، والتجسس على حركته، ومنعه من اختراق صفوفه، ولقد أظهرت حرب الــ (33) يوماً أن حزب الله لم يطوّر حرب العصابات فحسب، بل تجاوزها ليضع أيضاً نموذجاً حربياً جديداً يصهر الأساليب غير التقليدية بنمط العمليات العادي الذي تجريه الجيوش التقليدية.


الحرب المركبة
للتمييز بين الحرب المركبة والحرب الهجينة وعدم مقارنة الأولى مع حركات تحرر وحروب ثورية أخرى، عمد الكتّاب الغربيون، وبخاصة في أمريكا، إلى تقديم أمثلة على الحرب المركبة، منها الثورة الأمريكية ضد بريطانيا حين شكّلت فرقاً نظامية أمريكية مدعومة من ميليشيات محلية لمهاجمة الجيش البريطاني وطرده من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قد أعلنت استقلالها عن المملكة المتحدة، ولقد استخدمت الميليشيات الأمريكية حينها تكتيكات شبيهة ـــ إلى حدٍ بعيد ـــ بتكتيكات استخدمتها حركات ثورية وتحررية أخرى تعتبر اليوم (إرهابية).

والحرب المركبة تُعتمد من قِبل دول، في حين أن الحرب الهجينة تستخدم من قِبل لاعبين من خارج الدول، أي منظمات لا تخضع لنظام الدولة، حسب التعريف الدولي للأمم، وعلى سبيل المثال لاتعتبر السياسة الدفاعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تطبيقاً دقيقاً للحرب المركبة، حيث إن الحرس الثوري الإيراني بات مسلحاً اليوم بشكل أقرب إلى الجيش النظامي منه إلى ميليشيات تعتمد حرب العصابات، كما أن (ميليشيا الباسيج) تستخدم لمهام حماية النظام من التهديدات الداخلية أكثر منها للخارجية، فسياسة الدفاع الإيرانية فريدة من نوعها، إلى حدٍ ما، ولكنها لا تزال تعتبر أقرب للحرب المركبة.

ويعتبر المثل السويسري اليوم من أنجح سياسات الدفاع، حيث هناك جيش نظامي وآخر شعبي يتم استنفارهما وتعبئتهما بسرعة لمواجهة أي تهديد خارجي، كلٌ ضمن أنظمة محددة للمواجهة والتنسيق مع بعضها البعض، وبذلك تكون القوى المسلحة السويسرية مهيّأة للقتال بأسلوب تقليدي وبنهج حرب العصابات، في آن واحد، ومنذ اليوم الأول للحرب.

وفي الاتحاد السوفيتي السابق، لعب الأنصار دوراً كبيراً إلى جانب الجيش السوفيتي النظامي في دحر القوات النازية المحتلة وطردها.


ملامح الحروب المعاصرة

إن الملامح الأساسية للحروب المعاصرة وحروب السنوات القادمة، هي:
1. التأثير على جميع مجالات الحياة البشرية.
2. الطابع التحالفي للمشاركين فيها.
3. الاستخدام الواسع لأشكال وأساليب العمل غير المباشر، والتأثير الناري والإلكتروني من مسافات بعيدة.
4. الصراع المعلوماتي الفعّال، وتضليل الرأي العام في دول محددة، والرأي العام العالمي برمته.
5. سعي الأطراف للإخلال بمنظومات القيادة العسكرية والحكومية.
6. استخدام أحدث منظومات التسليح وأكثرها فاعلية.
7. أعمال القوات التي تتصف بالمناورة، مع استخدام واسع للقوات المنقولة جواً، والإنزالات وقوات المهام الخاصة.
8. تدمير طرق المواصلات على كامل أراضي الأطراف المتصارعة.
9. تنفيذ الحملات والعمليات الجوية.

وتنظر المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م على أنها خارجة عن الميزان القياسي لطبيعة الحروب الكلاسيكية، وفي المقابل، أثبتت الولايات المتحدة نظريتها بشأن الجيل الجديد من الحروب بحسم حربي غزو أفغانستان ثم العراق عملاً بمبدأ (الحرب السريعة)، التي تعتمد على التقنيات الحديثة.


الخلاصة :
لقد أثرت التطورات التكنولوجية بقدر كبير على شكل الحروب والنزاعات حماية مصالحها وتأمين سيطرتها على الساحة الدولية. ولم تعد مسألة حسم المعارك والحروب وإخضاع الدول والشعوب بالسهولة التي كانت عليها. إن الطرف الذي يعتمد أسلوب الحرب الهجينة يحمل صفات يصعب حسمها ودحرها في معركة واحدة، أو حتى في معارك عدة، وسيبقى البعد الفكري والعقائدي من أصعب الأهداف التي يمكن هزيمتها.

وعلى الدول الصغرى استغلال مواردها البشرية والطبيعية والاقتصادية كافة للدفاع عن نفسها، وذلك يتطلب منها أن تعتمد عقيدة الحرب المركبة ضمن سياساتها الدفاعية من أجل تعزيز قدراتها على مواجهة أي هجوم أو محاولة غزو من قِبل دولة كبرى لأراضيها.

وستتميز حروب المستقبل بتزايد قوة الكيانات الأصغر، وبانفجار ديناميكي للثورة التقنية، وستكون حقيقتها حرب شبكات المعلومات، التي ستؤمن المواد اللازمة، وستكون بمثابة ميدان لتجنيد المتطوعين

 

المرفقات

  • 0108111101503yzsnwy.jpg
    0108111101503yzsnwy.jpg
    38.1 KB · المشاهدات: 67
  • AIR_Eurofighter_Armed_GBU-16_Paveway-IIs_lg.jpg
    AIR_Eurofighter_Armed_GBU-16_Paveway-IIs_lg.jpg
    22.7 KB · المشاهدات: 65
عودة
أعلى