يحيي البوليني قبل أشهر قليلة خلت , وبعد ضغوط من قبل أحزاب اليمين أصدرت الحكومة الفرنسية قرارا يحظر الصلاة في الشوارع ، مهددة بإجراءات عقابية ضد من ينتهك هذا القانون، الأمر الذي فسرته الحكومة حينها بأنها تود أن تكون الصلاة في أماكن العبادة وحدها , وبالطبع أثار حاولت الجالية المسلمة مع السلطات أن تسلك السبل القانونية لبناء مساجد تسع المسلمين لتوفير أماكن للصلاة .
فعلى مدى ثمانية عشر شهرا يحاول المسلمون بناء مسجد كبير جامع في مدينة مارسيليا الواقعة جنوبي فرنسا , حيث يقطن فيها عدد كبير من المسلمين , ولكن السلطات الفرنسية - في بلد الحرية الزائفة - وقفت لهم بالمرصاد , وتمكن المسلمون بعد جهد جهيد من الحصول على ترخيص ببناء المسجد , إلا أنه في جلسة استماع - عقدت في 20 أكتوبر الحالي - ألغت محكمة إدارية رخصة بناء المسجد بدعوى " عدم كفاية الضمانات لجهة اندماج مشروع البناء بالإطار العام للأبنية المجاورة "وبناء هذا المسجد الكبير لا يزال يواجه بالعديد من العقبات والعراقيل الحكومية العجيبة التي تهدف بالأساس لعرقلة ومنع إقامة المساجد بعد قانون حظر الصلاة بالشوارع وقانون الحجاب والنقاب .
ويزداد التساؤل الذي يطرح نفسه دوما , ماذا تريد الحكومة الفرنسية بالضبط ؟!! ولماذا هذا التضييق على المسلمين , وما الضير الذي سيوجده بناء للمسلمين ليؤدوا فيه شعائر عبادتهم ؟
فمنذ أن مُنحت الرخصة في سبتمبر 2009 , وبعد وضع حجر الأساس في فبراير 2010 لم يتم القيام بأي أعمال بناء حتى الآن نظرا لاستمرار الشكاوى والقضايا التي ترفع على المسجد الذي من المقرر ان يتسع لسبعة آلاف شخص، ويتضمن مدرسة قرآنية ومكتبة ومطعما وكان من المقرر افتتاحه العام المقبل وكانت الاعتمادات له بـ31 مليون دولار مدفوعة بالكامل من أموال المسلمين وليس للحكومة الفرنسية ولا لدافع الضرائب الفرنسي فيها نصيب , فلم الاعتراض حينئذ ؟ !! .
وهنا يبرز تساؤلان مهمان جدا :
أولهما : هل كل المسلمين في فرنسا وافدون عليها أم هل هناك مسلمون فرنسيون أصلا .. فلِم تتم التفرقة بين أبناء الوطن تبعا لدياناتهم ؟
أليست هذه إحدى ركائز علمانيتهم المزعومة التي يتشدقون بها , وأليس هذا عين ما نادى به الاتحاد الأوروبي في هجومه على مصر وطالب بعدم التفرقة بين المواطنين على أساس ديني ؟؟!! .
ولنحاول الآن عقد مجرد مقارنة بسيطة بين ما يطالب به المسلمون الفرنسيون والوافدون وبين من يملئون الدنيا صياحا وصراخا وعويلا مدعين أنهم أقلية مقهورة في بلادنا وهم نصارى مصر المنعمون المحظوظون المتميزون عن كل أقلية في العالم بل هم متميزون عن الأغلبية التي يعيشون بينها .
فهناك دير الأنبا مقار بوادي النطرون بمحافظة البحيرة تبلغ مساحته 2700 فدان وهو ما يساوى مساحة دولة قطر !! , وهناك دير الأنبا بيشوى ودير الأنبا السريان بوادي النطرون أيضا وتبلغ مساحتهما معا 1428 فدان ودير البراموس بوادي النطرون أيضا على مساحة 880 فدانا , وفي الإسكندرية دير مارى مينا ببرج العرب على مساحة 600 فدان ,
وفي صعيد مصر دير الأب فانا بملوى بالمنيا على مساحة 600 فدان ,
ويوجد دير الأنبا أنطونيوس بالزعفرانة بالبحر الأحمر على مساحة 368 فدانا , ودير الأنبا توماس على مساحة 220 فدانا بالخطاطبة
وهناك أديرة أخرى كثيرة تتقارب مع تلك الأديرة في المساحات منها دير الميمون والأنبا بولا بمركز ناصر ببني سويف وكنيسة العذراء ببياض العرب بشرق النيل ببني سويف أيضا ودير المحرق وغيرهم الكثير ... فهل هذه أقلية مقهورة تستوجب تدخلا من الاتحاد الأوروبي لحمايتهم من الاضطهاد !!!!
أم أن مسلمي أوروبا وأمريكا هم من يحتاجون إلى وقفة من الحكام والهيئات الإسلامية لتبني قضاياهم والدفاع عنهم لنيل حقوقهم ؟؟
والسؤال الثاني :هل المسلمون في فرنسا خاصة وفي أوروبا كلها عامة يعيشون عالة على غيرهم ؟
وهل لا يحققون نفعا للمجتمعات الأوروبية حتى يعاملوا معاملة المواطنين من الطبقة الثانية والثالثة ويحرمون من حقوقهم في إقامة أماكن خاصة لعبادتهم ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل نقتطف من كلمات الزعماء الأوروبيين عن تقييمهم لوجود المسلمين في بلدانهم وعن مشاركتهم ومساهمتهم في بناء المجتمعات التي يوجدون فيها
ففي ألمانيا فقد توجه الرئيس الألماني كريستيان فولف بالشكر للأتراك المسلمين المقيمين في ألمانيا علي إسهامهم في رخاء بلاده. وقال فولف في مقابلة مع صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية " المهاجرون المسلمون من تركيا جعلوا ألمانيا أكثر تنوعا وانفتاحا وجذبا للهجرة ."
وفي النمسا استقبل مستشار النمسا الدكتور فيرنر فايمان وفدا من رموز الجالية الإسلامية بمقر المستشارية النمساوية بمناسبة عيد الفطر الماضي , وعبر فايمان عن سعادته بالدور الفاعل للجالية المسلمة في النمسا , وذلك في احتفالية حضرها أعضاء من الحكومة النمساوية وعدد من نواب البرلمان النمساوي ورموز وعلماء دين مسلمون من جميع أنحاء النمسا إضافة إلي ممثلين عن الكنيسة والطوائف الدينية الأخرى وعدد من رجال الصحافة والإعلام.
وأيضا أقام رئيس حزب الشعب ميخائيل اشبندل ايجر وزير الخارجية نائب المستشار النمساوي والسيدة كريستينا مارك وزيرة الدولة حفل إفطار آخر للجالية الإسلامية بمناسبة شهر رمضان في قصر اشبرنجر أحد أفخم واكبر قصور النمسا بالأكاديمية السياسية , وعبر وزير الخارجية فيه عن فخره بوجوده بين الجالية المسلمة وأشاد بمستوي وعي المسلمين بالنمسا وحرصهم علي الاندماج والتعاون مع أصحاب الديانات الأخرى عكس ما تردده بعض الأحزاب الأخرى.
أما بريطانيا فقد تحديث توني بلير – بعد تركه للسلطة طبعا - أمام مجلس العموم البريطاني أشاد بالجالية الإسلامية في بريطانيا، وخاطبها قائلاً " نحن فخورين بمساهمتكم في بريطانيا ".
وفي الولايات المتحدة الأمريكية قام نائب مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي دنيس ماكدونو بزيارة لأحد أكبر المساجد في البلاد للتحدث إلى الجالية الإسلامية عن أسلوب الرئيس في مكافحة الإرهاب وللإشادة بالمسلمين الأميركيين على ما قدموا من إسهامات لرفعة شأن أميركا "
فهل بعد كل هذه الإرشادات يوجد من يقول أن المسلمين لم يساهموا في النهضة العلمية والثقافية في المجتمعات الأوروبية , وهل يستحقون المعاملة كمواطن على درجة أقل بسبب ديانته ويحرم من ابسط حقوقه في مكان يعبد فيه ربه ؟
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث