خبير المفاعلات والصواريخ النووية طلال واصل يكشف أسرار توتر علاقة مبارك وبوش وقصة 6 مشروعات تنمية قدمها للنظام السابق..قضية أيمن نور والعلاقة مع إيران نسفت جهودى لتحسين العلاقة بينهما
الدكتور طلال عبدالمنعم واصل
بعد أن تطالع سيرة العالم المصرى الدكتور طلال عبدالمنعم واصل، وبعد أن تعرف مجالات عمله فى بحوث الصواريخ النووية عابرة القارات، والأقمار الصناعية للاستخدامات العسكرية والسلمية، وأمان مختلف أنواع المفاعلات النووية، وأبحاث الطاقة المتجددة والكربونية، وأبحاث محركات الطائرات التى تفوق سرعة الصوت، سيقفز إلى ذهنك أسئلة من نوع: هل خطط هذا الرجل لكل ذلك فى مقتبل حياته؟ هل كان يعد نفسه لأن يكون عالـمًا كبيرًا؟ وهل كانت أمريكا التى شهدت كل هذا النبوغ العلمى له هى الأرض التى حددها مبكرًا كى ينطلق منها إلى مجال بحوثه الكبيرة فى المجال النووى؟ فى السياق العام للسيرة لابد أن تتوقف أمام سر نبوغ هذه الطيور المهاجرة، وكيف ينظرون إلى مصر بعد نجاحهم فى هجرتهم؟
بدلاً من العودة
هو ابن الفريق عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث فى حرب أكتوبر عام 1973، وأحد رموز وأبطال هذه الحرب المجيدة، وحين يحكى لك جانبًا من العلاقة مع الوالد ستعرف كم ترك فيه الأثر الأكبر، وستعرف أيضًا أنه رغم عسكرية الوالد فإنه كان ديمقراطيّا فى القرار معه، مما قاده إلى ما هو فيه حاليًا من نبوغ علمى، يعود الدكتور طلال إلى الوراء متذكرًا: «أنا خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة، ولم أكن أتخيل أبدًا أن ألتحق بها، ولا أن أكون مهندسًا أو عالـمًا، بل كان تخطيطى هو الالتحاق بالكلية الحربية أو البحرية للاستمرار على نهج أبى وأخى، ونجحت بالفعل فى اختبارات الكلية الحربية التى تقدمت إليها رغم أننى من أوائل الثانوية العامة، لكن تغيرت وجهتى تحت ضغط زملائى المتفوقين الذين التحقوا بالهندسة فالتحقت معهم، ثم أصبحت معيدًا فى الكلية، وراسلت 10 جامعات أمريكية من أجل الدراسات العليا، حتى التحقت بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس للدراسة فى كلية الهندسة والعلوم التطبيقية، وكانت محطتى هى الرجوع لمصر كى أكون عضوًا فى هيئة التدريس بكلية الهندسة جامعة القاهرة، لكن تغير الأمر، وبدلاً من العودة بقيت فى أمريكا.
أتوقف معه عند قوله: «كانت محطتى هى الرجوع لمصر، لكن تغير الأمر وبقيت فى أمريكا»، وأقول له: «كل العلماء الذين استمروا فى الخارج، يقولون هذا الكلام نفسه»، فيرد: «معك حق، لكن هذا اختيار يحكمه ظروف كثيرة، يقدرها ويتحمل مسؤوليتها من يعيش فيها، والواقع أن المنظومة الدراسية والبحثية والعملية الصحيحة التى وجدتها، والتشجيع الهائل الذى تلقيته مع التميز فى الدراسة والعمل، جعلنى أميل إلى البقاء فى أمريكا، والحصيلة النهائية هى التى توضح صحة الاختيار من عدمه».
كان هذا الرد مدخلاً لمعرفة رحلة عمل سألته عنها، فأجاب: «أثناء دراسات ما بعد الدكتوراه، تلقيت عرضًا للالتحاق بشركة أبحاث صغيرة أنشأها دكتور متخصص فى الفيزياء النووية، وبعد تفكير عميق، ومناقشات طويلة مع أساتذتى، قررت الالتحاق بهذه الشركة الصغيرة، التى كان يعمل بها مجموعة من علماء الهندسة والعلوم ومجالات أخرى، لانبهارى بنوعية البحوث التطبيقية التى كانت تجرى فيها، وتحولت هذه الشركة فيما بعد إلى عملاق فى البحوث التطبيقية والأنظمة فى عديد من المجالات الحيوية، وتوسعت حتى أصبحت من أكبر الشركات فى أمريكا والعالم، ويعمل فيها 41 ألف مهندس وعالم وموظف، منهم أكثر من 14 ألفًا يحملون شهادة الدكتوراه والماجستير، و20 ألفًا حاصلون على البكالوريوس فى مجالات الهندسة والعلوم والطب والسياسة والعلوم الاجتماعية والإدارة، وتعتبر من أكبر بنوك الأفكار ومراكز البحوث والتخطيط فى العالم، وتدرجت أنا فى الشركة من باحث ثم باحث رئيسى ثم رئيس باحثين ثم مساعد نائب رئيس الشركة، والآن أنا أحد النواب الأوائل لرئيس الشركة وأقدمهم، وبعد رحلة 20 عامًا نشرت خلالها أكثر من 150 بحثًا فى المجلات والمؤتمرات العلمية، قررت منذ أكثر من 15 عامًا التركيز على تخطيط وإدارة المشروعات فى الكثير من المجالات العلمية والبحوث التطبيقية وتطوير التكنولوجيا، وبالطبع كان هذا قرارًا صعبًا، ويعنى تركى للمجال الجامعى الأكاديمى.
خمسة مبادئ
كان الدكتور طلال يتحدث عن هذه المنظومة التى قفزت به إلى ما هو عليه، وكنت أنا أستقبل ما يقوله وفى ذهنى مصر وما فيها من تعليم وبحث علمى، وهو ما طرحته عليه، فرأى ضرورة أن يشرح استخدام أمريكا للتعليم كمثال يوضح منه أهمية التعليم على جميع المستويات المدرسية والجامعية، قائلاً: بعد الحرب العالمية الثانية حصلت طفرة كبيرة، وتقدم لا مثيل له، والسبب الرئيسى فى ذلك هو أن الإدارات الأمريكية المختلفة والكونجرس الأمريكى، وضعوا على مدى السنوات الطويلة خمسة عناصر رئيسية للرخاء والتقدم والتطور، وتتم هذه العناصر فى نطاق تعاون كامل ما بين القطاع العام «الحكومة الفيدرالية والولايات» والقطاع الخاص، وأول هذه المبادئ الخمسة هو تزويد الشعب بالتعليم العام، وزيادة النسبة عامًا بعد عام لعدد أكبر من الأمريكيين، وعدم حصر التعليم على طبقة صغيرة، وحدث توسع كبير فى المدارس والجامعات على مستوى الولايات والمدن والأحياء، أما العنصر الثانى فهو بناء وتطوير البنية التحتية من طرق و«كبارى» وسكك حديد وموانئ ومطارات وشبكة اتصالات وشبكات لاسلكية، أما العنصر الثالث فيتمثل فى فتح باب الهجرة لجذب العقول والعلماء والمستثمرين وطلاب الجامعات، وحتى حاملى الشهادات المتوسطة والحرفيين، وأدى كل ذلك إلى تطور فى البحوث والابتكارات، أساسه جذب العقول من العالم.
يستكمل الدكتور طلال باقى العناصر الخمسة التى صنعت الرخاء والتطور قائلا: قامت الحكومة بتمويل البحث العلمى والبحوث التطبيقية والبحث والتطوير فى كل المجالات العلمية كالهندسة والكيمياء والفيزياء وعلوم الفضاء والإلكترونيات، ووضعت القوانين لحماية استثمارات القطاع الخاص، مع حماية البيئة، وأدى كل ذلك إلى تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، على مستوى الأفراد والشركات والدول.
روشتة خاصة
قلت للدكتور طلال إن ما يذكره خاص بأمريكا، ونحن هنا فى مصر، مما يستلزم وضع روشتة خاصة.
رد: أنا أذكر تجربة أمريكا وعينى على مصر، والمؤكد أن فيها ما لا يناسب مصر، لكن لو تأملنا تجارب دول أخرى فى السنوات القليلة الماضية مثل سنغافورة والصين ونيوزيلاندا فسنجدها تتقدم بسرعة مذهلة بسبب التركيز على التعليم المدرسى أولاً، ثم التعليم الجامعى، ويؤدى ذلك إلى التقدم الاقتصادى الذى نشهده الآن فى الصين وسنغافورة، أنت تسألنى عن مصر، وأنا أجيب بأن منظومة التعليم لن يتم إصلاحها أبدًا بمعزل عن إصلاح المجتمع سياسيّا واقتصاديّا، أى الإصلاح فى كل المجالات.
كنت أستمع إلى آراء الدكتور طلال باهتمام، ولم يمنعنى حماسه فى طرحه من اقتحامه بقولى: «أخشى أن يفهمك البعض بأنك تقول إننا فى مصر بلا تجربة نبنى عليها، وأنك تتنكر لتعليمك فى مصر».
فنظر إلى باستغراب وترك قلمه على أوراقه قائلاً: لا.. لا.. يا أخى أنا لم أقل ذلك، وأرجو ألاّ يفهم أحد كلامى خطأ، أنا كنت فى مدرسة النقراشى النموذجية منذ الابتدائية وحتى الثانوية، وكان التعليم فيها نموذجيّا، بدرجة أدت إلى تفوقى وتفوق الكثيرين من قبلى وبعدى، ومازلت أذكر ناظر المدرسة الأستاذ على زيتون بحزمه وجديته وانضباطه وأبوته وحرصه على تفوق مدرسته، وكنت أنا وعدد من زملائى الأوائل على الجمهورية فى الثانوية، ولما تخرجت فى كلية الهندسة جامعة القاهرة كنت من أوائل دفعتى وتعينت معيدًا مع ستة من زملائى فى الدفعة، سافر أربعة منهم إلى أمريكا، ودفعنى الحنين منذ سنوات إلى زيارة المدرسة صاحبة الفضل على، وللأسف وجدتها «خرابة»، وكان هذا دليلاً صارخًا على ما وصلت إليه مصر من خراب فى ظل النظام السابق، ولا أبالغ إذا قلت لك إذا أردت أن تعرف تقدم بلدًا أو تخلفه فعليك بزيارة مدرسة حكومية والاطلاع على ما يجرى فيها.
مصريون فى أمريكا
عاد الدكتور طلال إلى أوراقه، وبجوارها لاحظت أكثر من صحيفة مصرية، مطوية على تغطيات افتتاح رئيس الوزراء المصرى ومعه عالم نوبل لمبنى مشروع زويل العلمى، مما أغرانى بقولى له: «زويل والباز وأنت يا دكتور طلال تكتبون قصصًا لنجاح المصريين فى أمريكا، فهل تذكر لنا أسماء أخرى فى هذه اللوحة التى تدهشنا كل فترة بنوابغ مصرية»
رد: قصص النجاح كثيرة، وتحتاج إلى جلسات مطولة، وأتمنى أن يتصدى أحد لتأريخها، منها مثلاً الجراح المشهور الدكتور محمد الهادى سالم، وأعتبره عمدة المصريين فى أمريكا، وكان أول رئيس لجمعية التآخى بين لوس أنجلوس باعتبارها المدينة المستقبلية فى الولايات المتحدة، والجيزة باعتبارها من أقدم حضارات العالم، وقدم مساعدات وأفكارًا كثيرة لاتصالاته الشخصية بعدد من رؤساء أمريكا، وهناك الدكتور حمدى السيسى، الذى أعد منذ 5 أعوام دراسة مهمة لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية والرياح من الصحراء الغربية، وتصديرها بأسعار عالمية إلى جنوب أوروبا، وهناك خبير الاقتصاد الكبير الدكتور محمد العريان، ولك أن تعلم أنه كان مسؤولا عن صندوق التبرعات والاستثمارات لجامعة هارفارد المصنفة الأولى على جامعات العالم، وحجمها 27 بليون دولار، وهناك صديقى الدكتور عامر الأحرف أستاذ علوم البيئة الصحية المشهور، وهناك آخرون كثيرون.
يواصل: صديقى سعيد، دعنى أتوقف عند أستاذى الدكتور مصطفى السيد، الذى يبهر العالم ببحوثه فى «النانو تكنولوجى» عن علاج السرطان بخلايا الذهب والليزر، وأذكر حين ذهبت إلى أمريكا فى أكتوبر عام 1969، والتحقت بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، قال لى أستاذى: «أنت من مصر.. يوجد أستاذ مصرى اسمه مصطفى السيد فى كلية الكيمياء، فذهبت إليه لأجد إنسانًا نموذجًا فى النجاح والعمل فى صمت، وعاملنى بمحبة واستعداد لمساعدتى فى أى شىء، وردّا لجمايله صممت أن يكون هو أحد أساتذتى الذين يناقشون رسالتى للدكتوراه، وأصبحنا أصدقاء نرى بعضنا كثيرًا لمدة 25 عامًا حتى انتقاله إلى جامعة «جورجيا تبك»، وحين كنت رئيسًا للجمعية المصرية الأمريكية بجنوب كاليفورنيا، قمت فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى بتكريمه، وتكريم الدكتور فاروق الباز بوصفهما من الشخصيات المصرية الأمريكية التى قدمت خدمات وأبحاث كبيرة للمجتمع، كما كرمت الجمعية زويل فى نهاية التسعينيات.
دكتور طلال حدثنى عن نصيبك من الأفكار التى قدمتها لمصر.
أجاب: فى الثمانينيات من القرن الماضى عدت إلى مصر مع عدد قليل من العلماء لمناقشة تزويد مصر بالمفاعلات النووية، وبعد اجتماعات مطولة مع المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء وقتئذ، وناقشنا الدراسات الخاصة بذلك، والأماكن المقترحة، وكان من المخطط رجوعى إلى مصر لمدة عام بتمويل من الأمم المتحدة للاشتراك فى تخطيط هذا المشروع العملاق، ولكن لأسباب لا أعلمها توقف المشروع.
يواصل الدكتور طلال سرد أفكاره: فى الـ 15 عامًا الماضية نجحت من خلال عملى البحثى فى إدارة المشروعات الكبرى فى إنشاء أحدث مراكز للتدريب التكتيكى للقوات المسلحة المصرية، وأقولها بفخر إن مصر عندها أحسن وأهم وأحدث منظومات فى مجال التدريب التكتيكى الواقعى على مستوى العالم ، ويجرى الآن إنشاء منظومة تدريبية لا يوجد مثلها فى العالم.
يشير الدكتور طلال إلى مشروعات أخرى تقدم بها إلى حكومات النظام السابق لكنها لم تر النور، وأبرزها إدخال منظومة الأقمار الصناعية ذات الارتفاعات القليلة «400 - 700 كم» فوق الأرض لاستخدامها فى مراقبة وحماية الحدود، واستخدامات أخرى مثل الاتصالات والتصوير، ومراقبة الجو وحركة الرمال، وكان أملى أن يكون هذا المشروع هو بداية لدخول مصر فى عصر الفضاء، وتزامن تقديمى للمشروع مع بدء إسرائيل فى إطلاق أقمارها الصناعية، ولكن للأسف لم يتم التعامل بجدية مع هذا المشروع القوى.
يضيف دكتور طلال: منذ حوالى 5 سنوات تقدمت بمشروعين، الأول إنشاء القطار السريع، وجئت إلى مصر ومعى صديقى وزير المواصلات الإسبانى وقتئذ، ومعه فريق عمل لمناقشة المشروع وتقديم دراسة مبدئية عن خط للقطار بين الساحل الشمالى والإسكندرية والقاهرة وقناة السويس، وخط آخر إلى الصعيد والأقصر وأسوان، ويتحرك القطار بين القاهرة والإسكندرية مثلاً فى أقل من 45 دقيقة وبسرعة 320 كم - ساعة، ويؤدى إلى زيادة الحركة التجارية والتوسع العمرانى وتقليل التكدس السكانى واستخدام السيارات، وهو مثلاً يفيد مشاريع التعمير الطموحة كمشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز.
أسأل الدكتور طلال عن مصير هذا المشروع.. فيجيب:
عقدت مقابلات عديدة مع المهندس منصور محمد منصور، وكان متحمسًا، وعرضنا الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبى وإسبانيا لعمل دراسة تفصيلية لتحديد مراحل ومطالب المشروع وكيفية تمويله من الداخل والخارج، وللأسف توقفت كل الجهود بسبب فساد البيروقراطية، وتغيير وزير النقل الذى كان أكبر المتحمسين له، وكشف لى هذا المشروع كم الفساد الذى كان موجودًا فى السكك الحديدية، ولك أن تعرف أن أحد عناصر تقدم «الصين» بها أكبر شبكة قطار سريع فى العالم، ويجرى تطويرها بطول ما يقارب 10 آلاف ميل، تربط المدن وتسهل حركة التجارة والتصنيع، وبالإضافة إلى هذا المشروع كان هناك مشروع تطوير ميناء سفاجا، وتقدمت بدراسة تفصيلية، وكونت فريقًا إسبانيّا متخصصًا فى مجال إدارة الموانئ والشحن والخدمات البحرية، وزار المكان فوجده مثاليّا للتوسع، بحيث يشمل محطة على أعلى مستوى لخدمات المسافرين للحج والعمرة، وإنشاء خدمات تمويل السفن بالوقود، وتصليحها وصيانتها ونقل الحاويات، وبالتالى خلق مركز صناعى تجارى سكنى عالمى، بالإضافة إلى خدمات لصعيد مصر بطريقة مباشرة.
ويتذكر الدكتور طلال مشروعًا آخر تقدم به لمتابعة ملاحة السفن والإنذار والبحث والإنقاذ فى البحر الأحمر على مستوى كبير، وبه عناصر مماثلة لما عملناه فى شركته للوكالة الأمريكية لحماية الشواطئ، ولو تم تنفيذ هذا المشروع لما وقعت كارثة العبارة السلام 98.
أسرار
ستعرف لماذا لم يتم الأخذ بأى مشروع من المشروعات السابقة، عندما يحيلك الدكتور طلال إلى أسرار سياسية مع النظام السابق كان هو مهندسها، فمنها نفهم كم كان نظامًا بلا طموح، ففشل فى نقل مصر إلى المرتبة التى انتقلت إليها دول مثل تركيا والصين والبرازيل وسنغافورة.
يذكرنا دكتور طلال بالسنوات الأربع التى لم يزُر خلالها الرئيس السابق مبارك واشنطن، أثناء الولاية الثانية للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش ويقول: حاولت عبر قنوات عديدة حث مبارك على الزيارة طوال هذه السنوات، لإيمانى بأن اللقاءات الشخصية بين الرؤساء تحسن العلاقات وتقرب المفاهيم، وكنت أتلقى مبررات غريبة ردّا على ذلك، وهى تخوف مبارك من مواجهة الإدارة والصحافة الأمريكية فى ملفى حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطى، أما المبرر الثانى فكان خوف مبارك من أن يفاتحه بوش، وتواجهه الصحافة، فى موضوع سجن الدكتور أيمن نور، أما المبرر الثالث والأكثر غرابة فهو تخوف مبارك من أنه خلال زيارته، أو بعد مغادرته واشنطن، يتم شن هجوم أمريكى أو إسرائيلى على المراكز النووية الإيرانية، مما سيخضع لتفسير بأنه بارك هذا الهجوم أو تم بالتنسيق معه، ورغم تأكيدى بأنه لن يحدث أى هجوم، فإن هذه القناعة ظلت راسخة لا تتزحزح ولا أعرف من أقنعه بها إلى هذه الدرجة.
يضيف دكتور طلال: «كانت هذه تغيظنى إلى الحد الذى دفعنى أكثر من مرة إلى القول للدكتور زكريا عزمى: «أنتم تديرون الدولة بـ «اليومية»، ولا يوجد لديكم أى تفكير وتخطيط للمستقبل، وإدارة الدولة بـ «اليومية» تعنى فشلاً ومحسوبية، ولابد من إنشاء لجنة من الخبراء منفصلة تمامًا عن الحكومة لتقييم الوزارات والقطاعات الرئيسية فى الدولة لوضع خطط مستقبلية قصيرة وطويلة».
لم تكن القضايا السابقة هى نصيبى من الحوار مع عالمنا الكبير، وإنما كان النهر يتدفق معه حول الطاقة النووية، والبحث العلمى، ودور القوات المسلحة فيه، والتقدم فى الصين وقضايا أخرى.
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=533457&SecID=12
الدكتور طلال عبدالمنعم واصل
بعد أن تطالع سيرة العالم المصرى الدكتور طلال عبدالمنعم واصل، وبعد أن تعرف مجالات عمله فى بحوث الصواريخ النووية عابرة القارات، والأقمار الصناعية للاستخدامات العسكرية والسلمية، وأمان مختلف أنواع المفاعلات النووية، وأبحاث الطاقة المتجددة والكربونية، وأبحاث محركات الطائرات التى تفوق سرعة الصوت، سيقفز إلى ذهنك أسئلة من نوع: هل خطط هذا الرجل لكل ذلك فى مقتبل حياته؟ هل كان يعد نفسه لأن يكون عالـمًا كبيرًا؟ وهل كانت أمريكا التى شهدت كل هذا النبوغ العلمى له هى الأرض التى حددها مبكرًا كى ينطلق منها إلى مجال بحوثه الكبيرة فى المجال النووى؟ فى السياق العام للسيرة لابد أن تتوقف أمام سر نبوغ هذه الطيور المهاجرة، وكيف ينظرون إلى مصر بعد نجاحهم فى هجرتهم؟
بدلاً من العودة
هو ابن الفريق عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث فى حرب أكتوبر عام 1973، وأحد رموز وأبطال هذه الحرب المجيدة، وحين يحكى لك جانبًا من العلاقة مع الوالد ستعرف كم ترك فيه الأثر الأكبر، وستعرف أيضًا أنه رغم عسكرية الوالد فإنه كان ديمقراطيّا فى القرار معه، مما قاده إلى ما هو فيه حاليًا من نبوغ علمى، يعود الدكتور طلال إلى الوراء متذكرًا: «أنا خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة، ولم أكن أتخيل أبدًا أن ألتحق بها، ولا أن أكون مهندسًا أو عالـمًا، بل كان تخطيطى هو الالتحاق بالكلية الحربية أو البحرية للاستمرار على نهج أبى وأخى، ونجحت بالفعل فى اختبارات الكلية الحربية التى تقدمت إليها رغم أننى من أوائل الثانوية العامة، لكن تغيرت وجهتى تحت ضغط زملائى المتفوقين الذين التحقوا بالهندسة فالتحقت معهم، ثم أصبحت معيدًا فى الكلية، وراسلت 10 جامعات أمريكية من أجل الدراسات العليا، حتى التحقت بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس للدراسة فى كلية الهندسة والعلوم التطبيقية، وكانت محطتى هى الرجوع لمصر كى أكون عضوًا فى هيئة التدريس بكلية الهندسة جامعة القاهرة، لكن تغير الأمر، وبدلاً من العودة بقيت فى أمريكا.
أتوقف معه عند قوله: «كانت محطتى هى الرجوع لمصر، لكن تغير الأمر وبقيت فى أمريكا»، وأقول له: «كل العلماء الذين استمروا فى الخارج، يقولون هذا الكلام نفسه»، فيرد: «معك حق، لكن هذا اختيار يحكمه ظروف كثيرة، يقدرها ويتحمل مسؤوليتها من يعيش فيها، والواقع أن المنظومة الدراسية والبحثية والعملية الصحيحة التى وجدتها، والتشجيع الهائل الذى تلقيته مع التميز فى الدراسة والعمل، جعلنى أميل إلى البقاء فى أمريكا، والحصيلة النهائية هى التى توضح صحة الاختيار من عدمه».
كان هذا الرد مدخلاً لمعرفة رحلة عمل سألته عنها، فأجاب: «أثناء دراسات ما بعد الدكتوراه، تلقيت عرضًا للالتحاق بشركة أبحاث صغيرة أنشأها دكتور متخصص فى الفيزياء النووية، وبعد تفكير عميق، ومناقشات طويلة مع أساتذتى، قررت الالتحاق بهذه الشركة الصغيرة، التى كان يعمل بها مجموعة من علماء الهندسة والعلوم ومجالات أخرى، لانبهارى بنوعية البحوث التطبيقية التى كانت تجرى فيها، وتحولت هذه الشركة فيما بعد إلى عملاق فى البحوث التطبيقية والأنظمة فى عديد من المجالات الحيوية، وتوسعت حتى أصبحت من أكبر الشركات فى أمريكا والعالم، ويعمل فيها 41 ألف مهندس وعالم وموظف، منهم أكثر من 14 ألفًا يحملون شهادة الدكتوراه والماجستير، و20 ألفًا حاصلون على البكالوريوس فى مجالات الهندسة والعلوم والطب والسياسة والعلوم الاجتماعية والإدارة، وتعتبر من أكبر بنوك الأفكار ومراكز البحوث والتخطيط فى العالم، وتدرجت أنا فى الشركة من باحث ثم باحث رئيسى ثم رئيس باحثين ثم مساعد نائب رئيس الشركة، والآن أنا أحد النواب الأوائل لرئيس الشركة وأقدمهم، وبعد رحلة 20 عامًا نشرت خلالها أكثر من 150 بحثًا فى المجلات والمؤتمرات العلمية، قررت منذ أكثر من 15 عامًا التركيز على تخطيط وإدارة المشروعات فى الكثير من المجالات العلمية والبحوث التطبيقية وتطوير التكنولوجيا، وبالطبع كان هذا قرارًا صعبًا، ويعنى تركى للمجال الجامعى الأكاديمى.
خمسة مبادئ
كان الدكتور طلال يتحدث عن هذه المنظومة التى قفزت به إلى ما هو عليه، وكنت أنا أستقبل ما يقوله وفى ذهنى مصر وما فيها من تعليم وبحث علمى، وهو ما طرحته عليه، فرأى ضرورة أن يشرح استخدام أمريكا للتعليم كمثال يوضح منه أهمية التعليم على جميع المستويات المدرسية والجامعية، قائلاً: بعد الحرب العالمية الثانية حصلت طفرة كبيرة، وتقدم لا مثيل له، والسبب الرئيسى فى ذلك هو أن الإدارات الأمريكية المختلفة والكونجرس الأمريكى، وضعوا على مدى السنوات الطويلة خمسة عناصر رئيسية للرخاء والتقدم والتطور، وتتم هذه العناصر فى نطاق تعاون كامل ما بين القطاع العام «الحكومة الفيدرالية والولايات» والقطاع الخاص، وأول هذه المبادئ الخمسة هو تزويد الشعب بالتعليم العام، وزيادة النسبة عامًا بعد عام لعدد أكبر من الأمريكيين، وعدم حصر التعليم على طبقة صغيرة، وحدث توسع كبير فى المدارس والجامعات على مستوى الولايات والمدن والأحياء، أما العنصر الثانى فهو بناء وتطوير البنية التحتية من طرق و«كبارى» وسكك حديد وموانئ ومطارات وشبكة اتصالات وشبكات لاسلكية، أما العنصر الثالث فيتمثل فى فتح باب الهجرة لجذب العقول والعلماء والمستثمرين وطلاب الجامعات، وحتى حاملى الشهادات المتوسطة والحرفيين، وأدى كل ذلك إلى تطور فى البحوث والابتكارات، أساسه جذب العقول من العالم.
يستكمل الدكتور طلال باقى العناصر الخمسة التى صنعت الرخاء والتطور قائلا: قامت الحكومة بتمويل البحث العلمى والبحوث التطبيقية والبحث والتطوير فى كل المجالات العلمية كالهندسة والكيمياء والفيزياء وعلوم الفضاء والإلكترونيات، ووضعت القوانين لحماية استثمارات القطاع الخاص، مع حماية البيئة، وأدى كل ذلك إلى تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، على مستوى الأفراد والشركات والدول.
روشتة خاصة
قلت للدكتور طلال إن ما يذكره خاص بأمريكا، ونحن هنا فى مصر، مما يستلزم وضع روشتة خاصة.
رد: أنا أذكر تجربة أمريكا وعينى على مصر، والمؤكد أن فيها ما لا يناسب مصر، لكن لو تأملنا تجارب دول أخرى فى السنوات القليلة الماضية مثل سنغافورة والصين ونيوزيلاندا فسنجدها تتقدم بسرعة مذهلة بسبب التركيز على التعليم المدرسى أولاً، ثم التعليم الجامعى، ويؤدى ذلك إلى التقدم الاقتصادى الذى نشهده الآن فى الصين وسنغافورة، أنت تسألنى عن مصر، وأنا أجيب بأن منظومة التعليم لن يتم إصلاحها أبدًا بمعزل عن إصلاح المجتمع سياسيّا واقتصاديّا، أى الإصلاح فى كل المجالات.
كنت أستمع إلى آراء الدكتور طلال باهتمام، ولم يمنعنى حماسه فى طرحه من اقتحامه بقولى: «أخشى أن يفهمك البعض بأنك تقول إننا فى مصر بلا تجربة نبنى عليها، وأنك تتنكر لتعليمك فى مصر».
فنظر إلى باستغراب وترك قلمه على أوراقه قائلاً: لا.. لا.. يا أخى أنا لم أقل ذلك، وأرجو ألاّ يفهم أحد كلامى خطأ، أنا كنت فى مدرسة النقراشى النموذجية منذ الابتدائية وحتى الثانوية، وكان التعليم فيها نموذجيّا، بدرجة أدت إلى تفوقى وتفوق الكثيرين من قبلى وبعدى، ومازلت أذكر ناظر المدرسة الأستاذ على زيتون بحزمه وجديته وانضباطه وأبوته وحرصه على تفوق مدرسته، وكنت أنا وعدد من زملائى الأوائل على الجمهورية فى الثانوية، ولما تخرجت فى كلية الهندسة جامعة القاهرة كنت من أوائل دفعتى وتعينت معيدًا مع ستة من زملائى فى الدفعة، سافر أربعة منهم إلى أمريكا، ودفعنى الحنين منذ سنوات إلى زيارة المدرسة صاحبة الفضل على، وللأسف وجدتها «خرابة»، وكان هذا دليلاً صارخًا على ما وصلت إليه مصر من خراب فى ظل النظام السابق، ولا أبالغ إذا قلت لك إذا أردت أن تعرف تقدم بلدًا أو تخلفه فعليك بزيارة مدرسة حكومية والاطلاع على ما يجرى فيها.
مصريون فى أمريكا
عاد الدكتور طلال إلى أوراقه، وبجوارها لاحظت أكثر من صحيفة مصرية، مطوية على تغطيات افتتاح رئيس الوزراء المصرى ومعه عالم نوبل لمبنى مشروع زويل العلمى، مما أغرانى بقولى له: «زويل والباز وأنت يا دكتور طلال تكتبون قصصًا لنجاح المصريين فى أمريكا، فهل تذكر لنا أسماء أخرى فى هذه اللوحة التى تدهشنا كل فترة بنوابغ مصرية»
رد: قصص النجاح كثيرة، وتحتاج إلى جلسات مطولة، وأتمنى أن يتصدى أحد لتأريخها، منها مثلاً الجراح المشهور الدكتور محمد الهادى سالم، وأعتبره عمدة المصريين فى أمريكا، وكان أول رئيس لجمعية التآخى بين لوس أنجلوس باعتبارها المدينة المستقبلية فى الولايات المتحدة، والجيزة باعتبارها من أقدم حضارات العالم، وقدم مساعدات وأفكارًا كثيرة لاتصالاته الشخصية بعدد من رؤساء أمريكا، وهناك الدكتور حمدى السيسى، الذى أعد منذ 5 أعوام دراسة مهمة لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية والرياح من الصحراء الغربية، وتصديرها بأسعار عالمية إلى جنوب أوروبا، وهناك خبير الاقتصاد الكبير الدكتور محمد العريان، ولك أن تعلم أنه كان مسؤولا عن صندوق التبرعات والاستثمارات لجامعة هارفارد المصنفة الأولى على جامعات العالم، وحجمها 27 بليون دولار، وهناك صديقى الدكتور عامر الأحرف أستاذ علوم البيئة الصحية المشهور، وهناك آخرون كثيرون.
يواصل: صديقى سعيد، دعنى أتوقف عند أستاذى الدكتور مصطفى السيد، الذى يبهر العالم ببحوثه فى «النانو تكنولوجى» عن علاج السرطان بخلايا الذهب والليزر، وأذكر حين ذهبت إلى أمريكا فى أكتوبر عام 1969، والتحقت بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، قال لى أستاذى: «أنت من مصر.. يوجد أستاذ مصرى اسمه مصطفى السيد فى كلية الكيمياء، فذهبت إليه لأجد إنسانًا نموذجًا فى النجاح والعمل فى صمت، وعاملنى بمحبة واستعداد لمساعدتى فى أى شىء، وردّا لجمايله صممت أن يكون هو أحد أساتذتى الذين يناقشون رسالتى للدكتوراه، وأصبحنا أصدقاء نرى بعضنا كثيرًا لمدة 25 عامًا حتى انتقاله إلى جامعة «جورجيا تبك»، وحين كنت رئيسًا للجمعية المصرية الأمريكية بجنوب كاليفورنيا، قمت فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى بتكريمه، وتكريم الدكتور فاروق الباز بوصفهما من الشخصيات المصرية الأمريكية التى قدمت خدمات وأبحاث كبيرة للمجتمع، كما كرمت الجمعية زويل فى نهاية التسعينيات.
دكتور طلال حدثنى عن نصيبك من الأفكار التى قدمتها لمصر.
أجاب: فى الثمانينيات من القرن الماضى عدت إلى مصر مع عدد قليل من العلماء لمناقشة تزويد مصر بالمفاعلات النووية، وبعد اجتماعات مطولة مع المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء وقتئذ، وناقشنا الدراسات الخاصة بذلك، والأماكن المقترحة، وكان من المخطط رجوعى إلى مصر لمدة عام بتمويل من الأمم المتحدة للاشتراك فى تخطيط هذا المشروع العملاق، ولكن لأسباب لا أعلمها توقف المشروع.
يواصل الدكتور طلال سرد أفكاره: فى الـ 15 عامًا الماضية نجحت من خلال عملى البحثى فى إدارة المشروعات الكبرى فى إنشاء أحدث مراكز للتدريب التكتيكى للقوات المسلحة المصرية، وأقولها بفخر إن مصر عندها أحسن وأهم وأحدث منظومات فى مجال التدريب التكتيكى الواقعى على مستوى العالم ، ويجرى الآن إنشاء منظومة تدريبية لا يوجد مثلها فى العالم.
يشير الدكتور طلال إلى مشروعات أخرى تقدم بها إلى حكومات النظام السابق لكنها لم تر النور، وأبرزها إدخال منظومة الأقمار الصناعية ذات الارتفاعات القليلة «400 - 700 كم» فوق الأرض لاستخدامها فى مراقبة وحماية الحدود، واستخدامات أخرى مثل الاتصالات والتصوير، ومراقبة الجو وحركة الرمال، وكان أملى أن يكون هذا المشروع هو بداية لدخول مصر فى عصر الفضاء، وتزامن تقديمى للمشروع مع بدء إسرائيل فى إطلاق أقمارها الصناعية، ولكن للأسف لم يتم التعامل بجدية مع هذا المشروع القوى.
يضيف دكتور طلال: منذ حوالى 5 سنوات تقدمت بمشروعين، الأول إنشاء القطار السريع، وجئت إلى مصر ومعى صديقى وزير المواصلات الإسبانى وقتئذ، ومعه فريق عمل لمناقشة المشروع وتقديم دراسة مبدئية عن خط للقطار بين الساحل الشمالى والإسكندرية والقاهرة وقناة السويس، وخط آخر إلى الصعيد والأقصر وأسوان، ويتحرك القطار بين القاهرة والإسكندرية مثلاً فى أقل من 45 دقيقة وبسرعة 320 كم - ساعة، ويؤدى إلى زيادة الحركة التجارية والتوسع العمرانى وتقليل التكدس السكانى واستخدام السيارات، وهو مثلاً يفيد مشاريع التعمير الطموحة كمشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز.
أسأل الدكتور طلال عن مصير هذا المشروع.. فيجيب:
عقدت مقابلات عديدة مع المهندس منصور محمد منصور، وكان متحمسًا، وعرضنا الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبى وإسبانيا لعمل دراسة تفصيلية لتحديد مراحل ومطالب المشروع وكيفية تمويله من الداخل والخارج، وللأسف توقفت كل الجهود بسبب فساد البيروقراطية، وتغيير وزير النقل الذى كان أكبر المتحمسين له، وكشف لى هذا المشروع كم الفساد الذى كان موجودًا فى السكك الحديدية، ولك أن تعرف أن أحد عناصر تقدم «الصين» بها أكبر شبكة قطار سريع فى العالم، ويجرى تطويرها بطول ما يقارب 10 آلاف ميل، تربط المدن وتسهل حركة التجارة والتصنيع، وبالإضافة إلى هذا المشروع كان هناك مشروع تطوير ميناء سفاجا، وتقدمت بدراسة تفصيلية، وكونت فريقًا إسبانيّا متخصصًا فى مجال إدارة الموانئ والشحن والخدمات البحرية، وزار المكان فوجده مثاليّا للتوسع، بحيث يشمل محطة على أعلى مستوى لخدمات المسافرين للحج والعمرة، وإنشاء خدمات تمويل السفن بالوقود، وتصليحها وصيانتها ونقل الحاويات، وبالتالى خلق مركز صناعى تجارى سكنى عالمى، بالإضافة إلى خدمات لصعيد مصر بطريقة مباشرة.
ويتذكر الدكتور طلال مشروعًا آخر تقدم به لمتابعة ملاحة السفن والإنذار والبحث والإنقاذ فى البحر الأحمر على مستوى كبير، وبه عناصر مماثلة لما عملناه فى شركته للوكالة الأمريكية لحماية الشواطئ، ولو تم تنفيذ هذا المشروع لما وقعت كارثة العبارة السلام 98.
أسرار
ستعرف لماذا لم يتم الأخذ بأى مشروع من المشروعات السابقة، عندما يحيلك الدكتور طلال إلى أسرار سياسية مع النظام السابق كان هو مهندسها، فمنها نفهم كم كان نظامًا بلا طموح، ففشل فى نقل مصر إلى المرتبة التى انتقلت إليها دول مثل تركيا والصين والبرازيل وسنغافورة.
يذكرنا دكتور طلال بالسنوات الأربع التى لم يزُر خلالها الرئيس السابق مبارك واشنطن، أثناء الولاية الثانية للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش ويقول: حاولت عبر قنوات عديدة حث مبارك على الزيارة طوال هذه السنوات، لإيمانى بأن اللقاءات الشخصية بين الرؤساء تحسن العلاقات وتقرب المفاهيم، وكنت أتلقى مبررات غريبة ردّا على ذلك، وهى تخوف مبارك من مواجهة الإدارة والصحافة الأمريكية فى ملفى حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطى، أما المبرر الثانى فكان خوف مبارك من أن يفاتحه بوش، وتواجهه الصحافة، فى موضوع سجن الدكتور أيمن نور، أما المبرر الثالث والأكثر غرابة فهو تخوف مبارك من أنه خلال زيارته، أو بعد مغادرته واشنطن، يتم شن هجوم أمريكى أو إسرائيلى على المراكز النووية الإيرانية، مما سيخضع لتفسير بأنه بارك هذا الهجوم أو تم بالتنسيق معه، ورغم تأكيدى بأنه لن يحدث أى هجوم، فإن هذه القناعة ظلت راسخة لا تتزحزح ولا أعرف من أقنعه بها إلى هذه الدرجة.
يضيف دكتور طلال: «كانت هذه تغيظنى إلى الحد الذى دفعنى أكثر من مرة إلى القول للدكتور زكريا عزمى: «أنتم تديرون الدولة بـ «اليومية»، ولا يوجد لديكم أى تفكير وتخطيط للمستقبل، وإدارة الدولة بـ «اليومية» تعنى فشلاً ومحسوبية، ولابد من إنشاء لجنة من الخبراء منفصلة تمامًا عن الحكومة لتقييم الوزارات والقطاعات الرئيسية فى الدولة لوضع خطط مستقبلية قصيرة وطويلة».
لم تكن القضايا السابقة هى نصيبى من الحوار مع عالمنا الكبير، وإنما كان النهر يتدفق معه حول الطاقة النووية، والبحث العلمى، ودور القوات المسلحة فيه، والتقدم فى الصين وقضايا أخرى.
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=533457&SecID=12