نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرًا مطولاً حول عائلة الأسد الحاكمة في سوريا، بدأته بتخيل اجتماع عائلي يضم الرئيس بشار الأسد، ووالدته السيدة أنيسة مخلوف، وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش، وشقيقته بشرى، وزوجها آصف شوكت مدير المخابرات السابق. وتخيلت الصحيفة “قيام الخمسة بالتشاور حول الاحتجاجات الدائرة في البلاد منذ شهور وكيفية إخمادها، والتفاوض حول الإصلاحات التي تقوم العائلة بالسماح بها.
وإذا كان الأمر لا يعدو كونه تخيلاً لا يؤكده أي صحافي بعد طرد المراسلين من البلاد، إلا أنه يتفق كثيرًا مع التصور المعروف عن العائلة التي تحكم سورية منذ أربعة عقود بقبضة حديدية، والتي يصعب تخيل تفكير أفرادها في التخلي عن السلطة في البلاد”.
وتحدثت الصحيفة عن “أن السرية التي تفرضها العائلة حولها كثيرًا ما يمكن التغلب عليها، واستخلاص المعلومات من أقوال معاونيهم السابقين، ومسؤولي السفارات، وكُتاب السيرة الذاتية والمراسلات الدبلوماسية، بما فيها البرقيات التي سربها موقع ويكيليكس، وكلها ترسم صورة لعائلة كانت متواضعة الشأن في يوم من الأيام، ثم صعدت لقمة السلطة السورية ليصاب أفرادها بمزيج من الغطرسة وجنون العظمة.
فمؤسس العائلة الرئيس السابق حافظ الأسد ولد العام 1930 لأسرة فقيرة من الأقلية العلوية في قرية القرداحة في غربي البلاد، في أسرة لم يكمل أحد من أفرادها تعليمه للمدرسة الثانوية، وقرية لم تكن تمتلك طريقًا ممهدًا يربطها بالمدينة”.
و”لكن حافظ الطموح انضم إلى حزب البعث حين كان في الـ 16 من عمره، وإلى سلاح الجو السوري في سن الـ 26، قبل أن ينتهي به المطاف قائدًا للقوات المسلحة ليقوم بالاستيلاء على الحكم في انقلاب عسكري في العام 1970، مرسخًا حكم أسرته الذي لم ينته حتى الآن.
ويقول محلل سياسي، رفض كعادة معظم المعلقين ذكر اسمه، إن حافظ الأسد كان رجلاً داهية وصل للسلطة بسبب سعيه لها، على العكس من ابنه بشار الذي ورثها، لذلك فإن الجيل الحالي من الأسرة قد نسي أصوله وأصبح أفراده ينتمون إلى ضواحي العاصمة دمشق الثرية بسياراتها الفارهة، ناسين أصولهم الريفية الفقيرة التي يعيش غالبية الشعب السوري في ظروف مماثلة لها”.
وأضاف “خطة حافظ الأسد لتوريث الحكم لأسرته اتضحت مبكرًا لكنها كانت موجهة في اتجاه آخر، وبالتحديد نحو ابنه الأكبر باسل الذي ورث مشوار والده العسكري، وأظهره الإعلام دائمًا في صورة المقاتل والفارس الوسيم الذي يحب ركوب الخيل والسيارات السريعة، حتى تعرضت الأسرة لصدمة مفجعة بوفاته في حادث سيارة في العام 1994، عندما تحطمت سيارته المرسيدس على طريق دمشق السريع ليتوفي وهو في الـ 31 عامًا”.
ويشاع أنه “في الفترة اللاحقة للوفاة انقسمت الأسرة حول الابن الذي يرث الحكم، لا سيما مع تفضيل الأم الفولاذية أنيسة للابن الأصغر ماهر لكونه رجلاً عسكريًا صلبًا. ولكن بدلاً من ذلك تم استدعاء الابن الثاني بشار، الذي كان يتدرب في لندن كطبيب عيون، ليدخل القوات المسلحة سريعًا، وتتغير القوانين من أجله ليصبح رئيسًا فور وفاة والده وعمره 34 عامًا فقط”.
وتشير الصحيفة، في تقريرها، إلى أن سنوات حكم الرئيس بشار الأسد الأولى شهدت وجودًا وجيزًا للمجتمع المدني جعلت السوريين يتفاءلون به كرئيس إصلاحي، وهي الصورة التي تلاشت تمامًا الآن مع بلوغه الـ 46 من العمر.
ونقلت عن الأكاديمي الأميركي وكاتب سيرة الأسد الذاتية ديفيد ليش “إنه قد تغير مع الوقت من شخص حسن النية إلى رجل يصدق عبارات الثناء والنفاق من المتملقين المحيطين به، والذين يتحدثون دائمًا عن تواضعه لدرجة قيامه في مرات كثيرة بفتح باب منزله في حي المالكي في العاصمة دمشق بنفسه للطارق”.
وفي الوقت نفسه الذي وصفه ضيف حضر أحد الاجتماعات بأنه “يفتقد للصفات القيادية والكاريزما، ولا يشعر بالرغبة للنظر عبر الطاولة لسماع ما يقوله”. وتصفه برقية أميركية بتاريخ 2009 سربها موقع ويكيليكس “بأنه ضائع وليس داهية مثل والده الراحل”.
وتتابع أن الرئيس الأسد تزوج “في كانون الأول 2000، أي بعد خمسة أشهر من توليه الحكم، أسماء الأخرس، وهي موظفة بنك نصف بريطانية ونصف سورية، ولدت ونشأت في لندن، إذ كان والدها استشاري أمراض القلب أحد أبرز أعضاء الجالية السورية.
وعلى الرغم من أناقتها الدائمة وتعلمها في مدرسة بنات خاصة أكسبتها لهجة أثرياء بريطانيا، إلا أن منزل أسرتها في حي آكتون في غربي لندن كان منزلاً متواضعًا في شارع مجهول”.
وأضافت أن “أسماء الذكية والأنيقة شكلت دائمًا مصدرًا للجدل في المجتمع السوري حول كيفية قبولها كغربية ليبرالية للحياة في أسرة ديكتاتورية. في حين قال البعض “إنها منزعجة وتحاول الانعزال عنهم”، رد آخرون “بأنها وافقت على الزواج من ديكتاتور، وهذا يجعلها سيئة مثله”.
وتشير الصحيفة اللندنية إلى أن “حياة أسماء الأخرس تشكل لغزًا بالفعل، فعائلتها مسلمة سنية علمانية، وهي أخفت هويتها السورية في طفولتها وذهبت في صغرها إلى كنيسة، غرب لندن مدّعية أن اسمها إيما، مما جعل واحدة من زملائها في الدارسة تعتقد تمامًا أنها بريطانية تدعى إيما، ولا تعرف أي شيء عن اسمها أو جنسيتها الحقيقية.
وتتذكر الزميلة أن أسماء كانت لطيفة ومضحكة، ولا تهتم كثيرًا بالدراسة، ولكن من دون أن تحدث مشكلات، وإن الجانب الحاد منها كان يظهر في رفضها لتلقي تعليمات من المعلمين، مما جعلها تترك الفصل أكثر من مرة، وتدخل في مشاجرات مع زميلاتها كانت عبارة عن خدش بالأظافر وطرق على الخزانات” حسب قول الزميلة.
ويقول زميل قديم للرئيس بشار الأسد ومستشار سابق له يعيش في المنفى، ويدعى أيمن عبد النور “إن أسماء ظلت بالنسبة للكثير من السوريين أجنبية، وحتى بالنسبة لأفراد العائلة الذين كانوا يستبعدونها عند اتخاذ القرارات المصيرية، على العكس من أبنائها الثلاثة الذين تطبع صورهم على ملصقات تحمل صور العائلة تباع في أسواق دمشق، لا سيما الابن الأكبر حافظ، تسعة أعوام، والذي تحدث بعض الموالين بالفعل عن كونه الوريث المقبل لحكم سورية”.
وتتناول شقيق الرئيس الأسد، ماهر، مشيرة إلى أنه واصل “مشواره العسكري بقوة بعد تولي شقيقه للرئاسة، فأصبح قائدًا للحرس الجمهوري ولفرقة الجيش الرابعة.
وكان دائمًا مصدرًا للعنف ضد المعارضة بصورة جعلت المتظاهرين يكرهونه بشدة، وعلى العكس تحبه قطاعات كبيرة من الجيش، والذين يرونه القائد المثالي أكثر من شقيقه الرئيس الضعيف. ويصفه المستشار السابق عبد النور بأنه “رجل عسكري من الطراز الصلب”.
وقد ذكرت تقارير العام 1999 “إن ماهر قد أطلق النار ليصيب زوج شقيقته آصف شوكت، على الرغم من صداقة الاثنين وما يشاع عن تورطهما معًا في التدبير لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري”.
وعلاقة آصف شوكت بالأسرة هي الأخرى علاقة معقدة، فقيل “إن الأخ الراحل باسل قد منع زواجه من أخته بشرى أكثر من مرة بسبب كبر سنه وزواجه من قبل الذي أسفر عن أطفال، مما جعل زواجه يتأجل لبعد تولي بشار للحكم”، ولكن برقية متسربة أخرى بتاريخ العام 2005 قالت “إنه معزول عن العائلة، وأن الرئيس على استعداد للتضحية به عند الضرورة لحماية شقيقه ماهر الأسد”.
أما زوجته بشرى “فهي صيدلانية ذكية وقوية الشخصية، تمتلك تأثيرًا كبيرًا داخل العائلة تقوم به في الخفاء، وقد أطلقت على أبنائها الأربعة أسماء ماهر وباسل وبشرى وأنيسة وهي أسماء الجيل القديم نفسه من العائلة، وهو ما وصفه مصدر مطلع بالدليل على نهمها للسلطة، لا سيما وأنها “امرأة قوية وعديمة الرحمة”.
وعلى الرغم من شخصياتهم القوية العنيفة إلا أن أفراد العائلة حافظوا على علاقتهم الطيبة تحت رئاسة الأم القوية أنيسة. ويقول أيمن عبد النور “إنهم يتناولون العشاء معاً كل جمعة على الأقل حتى بدء الانتفاضة، وإنه أخذ انطباعًا عنهم وقت وجوده في نطاق العائلة بأنهم مترابطون بشدة”.
ولكن مع تصاعد الغضب الشعبي ضدهم أصبح أعضاء العائلة أكثر عزلة عن المجتمع، يحاولون تذكر ما حدث في العام 1982 عندما قام الأب حافظ الأسد بقمع الانتفاضة الإسلامية، عبر قتل الآلاف من المدنيين.
ويقول الأكاديمي ديفيد ليش “إن حديث الرئيس بشار في خطاباته حول “شعوره بحب شعبه له” يكشف عن حالة متعاظمة من إنكار الحقائق والغطرسة والتركيز على الماضي الأكثر أمنًا قد تكون سببًا في سقوط العائلة”.
وهو الرأي نفسه الذي يتردد في شوارع دمشق الذين يرون عائلة الأسد تسير نحو أيامها الأخيرة في الحكم، وفق ما ختمت الصحيفة البريطانية.