بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة : -
الحمد لله الواحد القهار فرض الجهاد على أمة المختار و اصطفاهم بأخلاق وصفات لا تتغير بتغير الأقطار و الصلاة و السلام على قدوتنا و رسولنا الكريم خير ولد آدم أجمعين و على الصحابة النبلاء من رفعوا راية الدين و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين و ألحقنا بهم في جنات النعيم ..أما بعد:-
ففي وقت يهرول فيه المسلمون إلى ما وضعه الشرق و الغرب من عقائد عسكرية و معاهدات و مواثيق دولية في طرق القتال و كيفية التعامل مع الأعداء ينسى أولئك المهرولون أو يتناسوا أن الدين الإسلامي أتى شاملاً لكل جوانب الحياة صغيراً كان أو كبيراً ، سواءً ما هو خاص بالفرد أو بالجماعة أو حتى بالأمة جمعاء ، ومن تلك الجوانب الجانب العسكري الذي تميز الإسلام بأن حصر الهدف من استخدامه في أمرين إزاحة الباطل وإقامة شعائر الله . قال تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ) الحج : 41
لقد سن الشارع الحكيم أنظمة صارمة في كيفية التعامل مع أعداءنا ففرق بين المقاتل و المعاهد وحذر من إلحاق إي أذى بالشيوخ و النساء و الأطفال وكذلك المتعبد في صومعته ، لقد ظهر جلياً هذا التميز في أرقى مدرسة مرت على البشرية تلاميذها يزيدون على مر السنيين قائدها و مؤسسها محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة و السلام ومنهجها منزل من السماء ، فهي ربانية المصدر ثابتة لا تتغير شاملة كل جوانب الحياة تعبديه لله تعالى دُرس فيها كل ما يهم الإنسان وصقلت روحه فحولت البدو الجهال المتناحرين إلى أخوة متحابين وعلماء و مجاهدين فتعلموا فيها كل شيء حتى طرق القتال وفنونه ولكن بصيغة إسلامية يتلألئ فيها حسن خلق وجمال تعامل و رحمة و صبر ودرر أخرى كثيرة ، فتخرج منها في أول دفعاتها من حول الناس من عباده الناس إلى عبادة رب الناس فكانوا جيلاً متميزاً أذهلوا من بعدهم و انسوا الناس من قبلهم<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">لغة البطولة من خصائص أمتي</td><td width="50%">عنا رواها الآخرون وترجموا</td></tr><tr><td width="50%">من ذلك الوقت الذي انتفضت به</td><td width="50%">بطحاء مكة و الحطيم وزمزم</td> </tr><tr><td width="50%">منذ التقي جبريل فوق ربوعها</td><td width="50%">بمحمد يتلوا له ويعلم</td></tr><tr><td width="50%">منذ استدار الدهر دورته التي</td> <td width="50%">عز التقي بها وذل المجرم </td></tr></table>
</div><p align="justify">
فنبغ منهم رجال هم صفوة الصفوة كل في مجاله فالصديق و الفاروق وسعد بن معاذ مستشاري القائد ، وخبراء التكتيك و المناورة فسلمان بالخندق و الحٌباب بن المنذر بالسيطرة على الموارد أما حسان فسيد الكلمة وأستاذ الحرب النفسية أما الزبير و علي و حمزة فالفرسان و الإسناد السريع للقعقاع وأبن مقرن وأما قادة الجيوش فخالد و سعد وأبي عبيدة أما محمد بن سلمه وعباد بن بشر و الحارث بن أوس و ابو نائله ففرقة المهام الخاصة أن هؤلاء رضي الله عنهم وغيرهم من أمثالهم كثر فكان هناك الفقهاء والخطباء و القضاة و الشعراء المهتمين والملمين بقضايا عصرهم و لقد تكرر أشباههم في من أتى بعدهم فاقتدى بهديهم و لازال عالق في الأذهان قتيبة و المعتصم و نور الدين وصلاح الدين وقطز وابن تيمية وعز الدين القسام وعمر المختار وغيرهم كثير قد يكونون اختلفوا في الزمان و المكان و الألوان واللغات وجمعهم الإسلام .
وأنني هنا سوف أبحر معكم بإذن الله مع بعض تلك الصفات التي ميزة تلاميذ مدرسة محمد بن عبدالله ? فكانوا جند الإسلام الذين لا يقهرون فكانوا عوناً للإسلام لا عالة عليه ونافعين لا ضارين و يقاتلون فلا يستسلمون ويثبتون فلا يفرون ويسعون لنيل رضا الله بإراقة دمائهم في سبيله لا الانتحار فهدفهم إزاحة الباطل وإقامة شعائر الله وأني لأبعث رسالة شكراً وإجلال للمجاهدين في كل مكان الذين جعلوا همهم وهدفهم رفع راية لا إله إلا الله وللأبطال رجال أمننا سواءً كانوا من القوات المسلحة أو الحرس الوطني وكذلك لرجال الأمن العام بكافة قطاعاته من جعلوا حياتهم على أكفهم لحماية دينهم وبلدهم أمنهم و وأني لا رجوا منك أن تتفضل بعد سماعك أو قراءتك لما نقلت و كتبت أن تمدني برأيك ونصحك فالمؤمنون نصحه فأقول مستعيناً بالله :-
2/ الولاء للمؤمنين والبراءة من الكفار والمشركين:-
3/ الطاعة :
كلمة تميزنا بها في هذا البلد الكريم بأن حٌصرت بقولنا في القسم في غير معصية الله وتعرف الطاعة في المصطلح العسكري بتعبير الضبط و معناه " إطاعة الأوامر و التقيد التام بالتعليمات و تنفيذها كما يجب من غير تردد ولا تذمر بكل حرص و إتقان واحتساب وإخلاص " .
ولقد أهتم القرآن ( وهو دستور أهل الإسلام ) بالطاعة حتى إنها ذكرت في أكثر من مئة موضع فأمرنا بالطاعة وحذرنا أشد التحذير من العصيان بشتى درجاته على القائد أو ولي الأمر، وقد روي نافع بن عمر عن رسولنا ? أنه قال:" السمع و الطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " . رواة البخاري في صحيحة باب السمع والطاعة
وهنا تتضح حقيقة الطاعة لدى المسلمين فهي طاعة رغبة لا رهبة نعم فطاعة الأمير تابعة لطاعة الله و رسوله ? كما في الحديث " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني و من يعصى الأمير فقد عصاني " .
ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الطاعة و تأمل معي رعاك الله ذلك الموقف الخالد من خالد بن الوليد رضي الله عنه قائد الجيوش يوم عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه و ولى أبو عبيده ابن الجراح لم يحقد ولم يغضب وكان بالفعل كما يجب أن يكون عليه كل مسلم محتسب في علمه .
<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">لا يحمل الحقد من تعلوا به الرتب</td><td width="50%">و لا ينال العلا من طبعه الغضب</td></tr></table></div><p align="justify">فهوا انتظر حتى نهاية المعركة ثم سلم أبو عبيدة خطاب عمر بن الخطاب وقاتل خالد تحت قيادته بعدما كان قائد الجيوش أصبح جندي مجاهد وما تغير في أخلاصة شي لأنه يسعى لهدف أسمى قال تعالى ( وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) فخالد رضي الله عنه خريج مدرسة من رواء عنه أنس رضي الله عنه انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لغدوة في سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها "
4/ البعد عن المعاصي :-
يستمد المسلم قوته من درجة إيمانه فأن غُطي القلب بالذنوب فإنه يصبح واهناً ضعيفاً فيكون كمن هو غارق في ظلمة هي أشد من ظلمة ليل أفتقد قمره ، فتجده يفر عن المؤمنين الراغبين في رضى رب العالمين إلى العصاة الضالين المضلين فيهوى في ظلام المعاصي فيبتعد عن تأييد الله إلى تضليل هواة و الشيطان حتى يصبح جسداً بلا روح و تكون حياته و موته بلا هدف سامي فيفقد الشعور بالمسئولية تجاه أي قضية أو الصبر و الثبات في أي مواجهة فلا يخدم أمته و لا ينتصر لقضيته واسمع هداني الله وإياك لأبن عباس رضي الله عنه و هو يتحدث عن أهمية البعد عن المعاصي " إن للحسنه ضياء في الوجه ونور في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن و محبه في قلوب الخلق وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق " ولقد تحدث أبن القيم رحمه الله عن ذلك في كتابه القيم الداء و الدواء فقال نفع الله بعلمه " ومنها أن المعاصي توهن القلب و البدن أما وهنها للقب فأمر ظاهر ... وأما وهنها للبدن فإن قوة في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه ، وأما الفاجر فإنه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شي عند الحاجة فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه . و تأمل قوة أبدان فارس و الروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم و قلوبهم " انتهى كلامه .
وبعد هذا الكلام النفيس لا يسعني سوى أن اردد وإياكم مقوله أبي الدرداء ?
" إنما تقاتلون بأعمالكم " .
5/ الثقة بأن النصر من عند الله وحدة :-
قال تعالى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ )
نعم ... إن النصر لا يعتمد على قوة السلاح ولا كثرة العدد أو العدة ولا حتى بتأييد الناس فهذه كلها لا تعدو عن كونها أسباب فالنصر و التمكين من عند مسببها ومن هذا المنطلق خرجت جيوش المجاهدين وهم يعلمون أنهم ملزمون بالعمل لا بنتائج العمل فالنصر من عند الله قادم فإن صدقنا مع الله صدقنا وعدة قال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171 (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172 (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ) الصافات 171 .
وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يزرع هذه الثقة في نفوس أصحابه وهم يعذبون أشد العذاب ويمتحنون في دينهم فيقول الواثق من نصر الله " وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله و الذئب على غنمه " وفي معركة الأحزاب التي حركها التآمر اليهودي وقادها الحقد الكافر فأجتمع عشرة ألاف مقاتل يطمعون في القضاء على الإسلام وأهله، فكان موقف عصيب أحاط أعداء الإسلام بالمدينة من كل صوب حتى أن الصحابة لا يأمن أحدهم على نفسه عندما يريد قضاء حاجته وأسمع لوصف الله جل وعلا في كتابه الكريم لهذا الموقف (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ اْلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) ( الأحزاب :10 ) ويبدأ أهل النفاق بتسعير الفتنة و زرع الشك في صفوف المؤمنين قال تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا ) ( الأحزاب : 12 ) ولكن جند الله الذين باعوا أنفسهم لله و أيقنوا بأنه هو القادر و القاهر فحالهم كما وصفهم ربهم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ اْلأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إَِّلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) ( الأحزاب : 22 ) .
وأنطلق معي إلى مؤته في السنة الثامنة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و أتم التسليم في شهر جمادى الأولى حيث ستدور معركة بين ثلاثة ألف مسلم مجاهد ضد مائة ألف من الروم و مائة ألف من نصارى العرب أي أن كل مسلم قد يواجه أكثر من ستين كافر وهنا تردد بعض المسلمين وهنا يحسم المسألة تلميذ مدرسة النبوة عبد الله بن رواحه يقول كلمة خلدها له التاريخ " يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي جئتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل بعدد ولا قوة ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين" . فارتفعت معنوياتهم و تقدموا لمواجهتهم بكل شجاعة وثقه.
( ورجع الجيش من الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر فأكد هذا على أنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله بل أن بعض القبائل التي كانت تثور على المسلمين بين فترة وأخرى جنحت إلى الإسلام فأسلمت بنو سليم وأشجع و غطفان وذبيان وفزاره وغيرها وما النصر إلا من عند الله.
6/ الصدق : -
وهو علامة أهل الإيمان وضده الكذب الذي هو أساس أهل النفاق قال رسول الله ? " آية المنافق ثلاث :- إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه فالكاذب يقول بلسانه ما يُظن أنه يوافق قلبه و الحق أنه يضمر في قلبه خلاف ذلك ومن هو أولى من المجاهد في سبيل الله و الراغب في نيل أعلى وسام من أن يكون صادق الكلام صادق العهد وكيف لا يكون كذلك وهو يعلم أن الصدق سمه لأهل الإسلام رافعي راية الجهاد في سبيل الله فهاهم كفار قريش يقرون لقائدنا ? أنه ما جرب عليه كذب قط بل أن أبو جهل وهوهو في الكفر و العناد يقول : " والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط " بل لقد حذرنا الله جل وعلى في كتابه من خطر الكذب فقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) ( غافر : 28 ) .
ولقد حذر من الكذب رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام وبين خطرة وأمرنا بالصدق وأظهر فضله فلقد روى الشيخان عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي ? قال ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم و الكذب فإنه يهدي إلى الفجور و أن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) .
و بالصدق يحصل المرء على الطمأنينة في القلب كما في الترمذي مرفوعاً من حديث الحسن بن علي ? عن النبي ? قال: " الصدق طمأنينة و الكذب ريبه"
و بالصدق أيضاً تنال مرتبة الشهداء ولو لم يكن منهم فعن سهل بن حنيف رضي الله عن أن رسول الله ?قال :
" من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم ، ويكفي من أهمية الصدق أن أمر الله المؤمنين به وجعله مقترن بالتقوى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( التوبة : 119 ) .
وأختم حديثي عن الصدق برسالة لكل جندي مسلم مجاهد على العمل بكل أخلاص واحتساب لحماية هذا الدين وبلدنا الكريم فأقول له ما قاله الله في كتابه ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .
7/ الأخوة :-
حرفت جهلاً لغير معناها ففقدت روحها وضيع فضلها عندما سميت لدى البعض (زمالة) فنسبت إلى زمالة العمل وكأننا نسينا تلك الرابطة الربانية المتميزة الدائمة قال تعالى (الإخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ ) إنها رابط فريدة ارتبطت بالله فهي تجعل المسلم يضحي بنفسه حتى لا تذهب أو تتأثر حياة أخاه في الله لا لشيء سوا أنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن هدفهم و احد هو نيل الجنة.
وتأمل معي رعاك الله إلى مصعب بن عمير وهو يمر بين الأسرى فيجد أخاه أبي عزيز أبن عمير فيوصي أخاه لا أخ النسب بل أخ العقيدة أتدري بما أوصاه قاله له : " شد يديك به ، فإن أمة ذات متاع لعلها تفديه منك " ، بل لننظر مرة أخرى إلى عمق الأخوة في الله في الجيل الفريد ففي معركة اليرموك بعدما حمى وطيس المعركة حتى قاتل المسلمين أمام فسطاط القائد خالد بن الوليد تعاهدا أربعمائة منهم على الموت و انتصر المسلمون ولكن بعضهم أثخنته الجراح وكان ممن صرعته جراحة عكرمة بن أبي جهل فجيء إليها بماء فلما قرب إليه نظر إلى أحد أخوته في الله أصابه ما أصابه فأمر بدفعها إليه وهو أحوج ما يكون لها فلما قربت إلى الآخر نظر إلى أخ لهم آخر في الرمق الأخير من الحياة فبعثها إليه حتى تدافعوا كلهم الواحد يقدم أخاه على نفسه حتى ماتوا جميعاً و ما شربوا منها قطرة واحدة ، غفر الله لنا ولهم وجمعنا بهم في الجنة وصدق الله وهو أصدق القائلين عندما وصفهم في كتابه الكريم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .
إن هذه العلاقة لا يمكن أن يماثلها أي علاقة أو رابطة فجيش من هؤلاء رجاله فالمقاتل فيه يثق كل الثقة بمن عن يمينه وشماله ومن هو أمامه ومن خلفه وقبل هذا يثق بمن هو مستوى على عرشه مطلعا على خلقه. فالجيش هنا يمثل رجل واحد فالعلاقة هنا مستمده مما رواه أنس ?
عن النبي ? قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري.
نسأل الله أن نكون كما كان قدوتنا حتى نصل إلى ما وصلوا من نشر العلم وإزالة الباطل وإحقاق الحق.
8/ الصبر و التصابر :-
و الصبر المراد هنا هو " حبس النفس عن فعل ما تحبه و إلزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الأجل " و الصابرين هم من لا يذكرون في القرآن ولا في السنة إلا على سبيل التميز و المدح وإنهم أهل الله وخاصته، قال تعالى (... وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
والصبر ليس في شيء دون شيء او لشخص دون آخر فالصبر مطلب مهم لكل مسلم وخاصة للجندي في السلم و الحرب، فالصبر على مشقات الحياة العسكرية وهي المعروفة بالصرامة و النظام الدقيق و التشدد في الالتزام بالأعمال اليومية و التدريبات الشاقة و المكثفة وأداءها بكل إتقان وبشكل متواصل لتصقل الجندي الذي ما كان له أن يتجاوز كل هذا إلا بالصبر و التصابر مما يؤهله القدرة على الصبر في ميادين القتال الحقيقية وتحدى شدائدها و عظيم أهوالها.
ولا أدل على أهمية الصبر من أنه ورد في أكثر من مئة موضع في الكتاب العظيم الكريم من ذلك قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ). والصبر على المشقات تنال الغايات و الحاجات... <div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">أخلق بذي الصبر إن يحضى بحاجته</td><td width="50%">ومدمن القرع للأبواب أن يلجا</td></tr></table></div><p align="justify">واصدق من ذلك ما رواه أبن عباس ? عن النبي ? قال: ( وأعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً وإن النصر مع الصبر ) .
نعم فبقدر الصبر على المحنه تكون المنحة فلا يظن أن ينال النصر في الميدان إلا أصبر الفريقين على مواجهة الموت والصبر و الشجاعة والإيمان مترابطة فإذا أطمئن القلب بأن النصر من الله كان ذلك دافعاً لصبره ومصابرته وظهور شجاعته وبطولته وأستمع لرسولنا ? وهو يبين سياسة الحرب فقال: " لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا " رواه البخاري.
وأخيراً أيها الجندي المسلم أحتسب في عملك و (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).
9/ الثبات : -
عند التقاء الصفوف و مواجهة العدو وعندما يبدأ المنافقون بخذل المجاهدين الصادقين يظهر هناك تأثير الثابتين الذين يقولون (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) الأعراف 47 فهم فروا إلى الله وطلبوا التثبيت منه وحده لا نه وحدة القادر على ذلك، فلما جعلوا ارتباطهم بربهم كان جزاؤهم أن أمر الله ملائكته ووصاهم (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ ) الأنفال.
وعندما نتحدث عن الثبات للجندي المسلم فنحن لا نقصد فقط القتال بكل شجاعة وصبر وأن يكون مقبل إلى العدو لا مدبراً عنه فيقاتل بكل ما لديه من طاقة وقدرة وبكل سلاح يملكه وحتى آخر رمق من حياته بل ونعني الثبات أمام كل المغريات، ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في ذلك ومنه ما حدث في مؤته عندما يواجه ثلاث آلاف - بعيدين عن طرق التموين وكما هم بعيدين عن القيادة – مائتا ألف في ديارهم وبالقرب من إمداداتهم تردد بعض المجاهدين ولكن أبن رواحه ثبت نفسه وثبتهم عندما قال " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي أحدى الحسنين أما الظهور وأما الشهادة " فاخذ الراية زيد فقاتل بكل ثبات وشجاعة حتى تناولته رماح الكفار فذهب شهيد في سبيل الله ثم اخذ الراية جعفر فقاتل مثل صاحبه حتى قطعت يمنيه فاخذ الراية بشماله حتى قطعت فاحتضنها بعضديه حتى ضرب ضربه قسمته إلى قطعتين وبه أكثر من تسعين جرح ليس منها شيء في ظهره وهذا شاهد على الثبات ثم أخذ الراية أبن رواحه فاخذ يثبت نفسه0<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"> <tr><td width="50%">أقسمت يا نفس لتنزلنه</td><td width="50%">كارهة أو لتطاوعنه</td></tr><tr><td width="50%">إن أجلب الناس وشدوا الرنة</td><td width="50%">مالي أراك تكرهينه الجنة</td></tr></table></div><p align="justify">فتقدم إلى جحافل الكفار فقاتل قتال الأبطال حتى نال وسام الشهادة.
وهاهو عبدا لله بن حذا فه السهمي يثبت أمام الإغراء بالمال ثم السلطة ثم النساء وحتى أمام الموت البطيء وقصته معروفه مشهورة.
10/ الشجاعة ( الإيمان الحق يصنع الشجعان ) .
وتظهر الشجاعة وتزيد بقدر الإيمان بالقضية التي يدافع عنها ومن أجلها، فتتولد الشجاعة وتظهر البسالة و يقاتل الرجل قتال المستميت بل أنه ليكون مستعداً ليضحي بروحه وماله وهو راضي مقبل غير مدبر أما إذا كانت هذه الشجاعة بلا إيمان فهي لا تعدو عن كونها انتحار وجنون، أما الجندي المسلم فشجاعته تظهر مدى علو همته وهدفه فهو يسعى لرضا ملك الملوك لنيل جنته ولقد ضرب الجيل الأول أروع الأمثلة في الشجاعة و القوة واسمح لي أن أكتفي بقطف القليل القليل من حدائق شجاعتهم وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق ، ففي أحد يتسابق الصحابة لا إلى الغنائم أو النجاة بأنفسهم وإنما للموت دفاعاً عن الرسول ? حتى مات سبعة كلهم من الأنصار معلنين أنهم نالوا رفقة النبي ? في الجنة ثم قام طلحة بن عبيدالله فقاتل حتى قطعت أصابعه وجرح في سبعين موضع ما بين طعنه وضربه سيف ورميه رمح وأما سعد بن أبي وقاص فإنه أخذ يرمي من كنانته فمنعوا الكفار من الوصول إلى النبي ? وهم اثنان فقط وفي موته يروى سيف الله المسلول خالد بن الوليد عن نفسه: ( تكسر في يدي تسعة أسياف فما صبرت في يدي غير صفيحه يمانية ).
ولنعد إلى احد وإلى منظر بهيج مهيب كيف لا يكون كذلك تأمل في حال رجل أعلن عن عقد مع الله جل و علا و بنود هذا العقد ( لئن أشهدني الله مع النبي ? ليرين الله ما أُجدُ ) وعندما دارت الدائرة على المسلمين هنا يقف صاحب العقد أنس بن النضر يتأمل فلول المنهزمين ثم ينطلق نحو الكفار وهو يقول ( إني لأجد ريح الجنة دون أحد ) فقاتل قتال قال عنه سعد لرسول ? ( فما استطعت يا رسول الله ما صنع ) وأصاب منه الكفار في ثمانين موضع حتى ما عرفه إلا أخته ببنانه.
11/ التدريب الجيد :-
هو أساس كل عمل متقن و التدريب هو من الإعداد الذي أمرنا به في قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عدو الله وعدوكم ) فالمقاتل الذي لم يتدرب على الصبر ولم يتعلم طرق القتال وكيفية استخدام السلاح نادراً ما يستطيع أن يتغلب على ذلك المتدرب الذي تساقطت قطرات عرقه في التدريبات الشاقة و أثقل كتفيه حمل سلاحه وعتاده واعتاد على قطع المسافات الطويلة وصعود الجبال وتجاوز الشعاب وهو معتمد على نفسه بعد الله فقط وهو صابر في السلم على تلقي الأوامر وتطبيقها بلا تذمر ولا تردد وقد أتقن أستخدام سلاحه والاستفادة من كل ما حوله وهو بالإضافة لذلك قادر على التأقلم السريع مع الظروف ولاكن لابد للجندي الجيد أن يكرر تدريباته ويطورها ولا يحاول مهما كانت قدراته أن يتوقف عن التدريب لان ذلك قد يؤدي إلى نسيان ما تدرب عليه وهذا أمر قد نهى عنه قائدنا ? إذ يقول: " من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا وفي رواية فهي نعمه جحدها " أي كفر بها و أنكرها.
وكذلك لابد أن يحرص على تطوير ذاته والبحث عن الجديد المفيد ولا يكتفي فقط بتطبيق الأوامر ففي ميدان المعركة سوف تحتاج إلى كل ما قرأته أو سمعته أو شاهدته فقد تكون معلومة بسيطة كفيله تقلب ميزان المعركة كما حصل عندما نقل سلمان فكرة الخندق إلى المسلمين وكذلك معرفة الحباب بن المنذر لكيفية الإستفاده من السيطرة على الموارد أثرت معنويا على الكفار عندما شاهدوا أنهم بعيدون عن خطوط إمدادهم وكذلك يرون أن عدوهم استفاد من الموارد الطبيعة لميدان المعركة على عكسهم فهذه المعلومات البسيطة في فكرتها قد أكسبت المسلمين نقطة تميز. وهنا يظهر أهمية التدريب و التعلم فكم من معلومة موجودة في الكتب منها ما هو جديد وما هو يتحدث عن طرق قتال وأنواع السلاح وعقيدة القتال للعدو عدم التدريب عليها يجعله منها وسيلة تحسر وندم لا تطور ونصر.
12/ كتمان الإسرار و القضاء على الشائعات: -
نهى الإسلام عن نشر الإسرار بل أمرنا الرسول ? بالاستعانة بالكتمان في قضاء الحاجات بل أنه في غزواته ? كان كثير ما ورّى بغير المكان الذي يقصده بل لقد بعث سريه بقيادة عبدالله بن جحش في اثنا عشر من المهاجرين ومعهم كتاب أمرهم الا ينظروا إليه إلا بعد يومين من السير وبعد ما مضى عليهم يومان في المسير وكان كل أثنين يتعقبان على بعير نظروا إلى الكتاب فإذا فيه " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف فترصد بها عير قريش وتعلم من أخبارها ".
وفي فتح مكة بعث رسول الله ? سريه إلى بطن أضم حتى يوهم المشركين أنه ذاهب إلى هناك وهذه المواقف وغيرها كثير من الحرص على كتمان التحركات و منع تداول الشائعات التي تضعف المعنوية و التي تنقل بلا سند إلا قولهم حدثنا من تثق به ، أننا لمطالبون دائما بالتثبت في نقل الإخبار وذلك يكون بالسؤال عن المصدر قبل نقله أو تصديقه أو حتى العمل بمقتضاه فأياك إياك من نشر الإسرار مهما كانت بساطتها من وجهة نظرك فإذا حدد القائد أو صاحب الصلاحية درجة السرية فأنت ملزم بالعمل بها فاتق الله أن تخون الأمانة.
أما في القضاء على الشائعات فقد يقضي عليها بوحي من السماء كما في قصة الإفك المفترء على أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما.<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">بشراك يا أماه بشراك</td><td width="50%">هيهات يخلد إفك أفاك</td></tr><tr><td width="50%">بشراك آيات نرتلها</td><td width="50%">تجلو هموم البائس الباكي</td></tr></table></div><p align="justify">وهذا أمر خاص بزمن الوحي ولكن قد يتم القضاء على الشائعة ممن يملك حق نفيها أو توضيحها وقد يكون القضاء على الشائعة بإشغال الناس عنها حتى تموت فتنتها كما فعل الرسول ? فبعد غزوة بني المصطلق ورد المسلمون إلى الماء فازدحم أجير للمهاجرين مع رجل من الأنصار فاقتتلا فصرخ كلا على قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟دعوها فإنها منتنة) وهنا نعق ناعق من المنافقين (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) وكادت تحصل الفتنه ، فأمر القائد الأعلى صلى الله عليه وسلم بالرحيل فتحرك الجيش في وقت لم يكن في عادت الجيش أن يسيرها حتى أسوا وليلتهم حتى أصبح مصدر اليوم الذي يليه حتى إذا هم حر الشمس ثم أمر بنزول الجيش فما لمست أقدام الجيش الأرض حتى وقعوا نياما فانشغل الناس عن الحديث.
13/ الحذر و اليقظة:
في السلم و الحرب فإذا كان الجندي حذراً يقظاً يقدر عدوه قدره كان من الصعب على أي عدو أن ينال منه شيء يذكر معنوياً كان أو مادياً، أو حتى أن يباغته في مكان أو زمان لا يتوقعه، فألا استهانة بالعدو وعدم اخذ الحذر منه تعني وبكل وضوح القضاء على الجندي مع أول طلقه في المعركة و حصول العدو على المفاجأة الكفيلة بالقضاء أو حتى زعزعة الثقة والروح المعنوية العالية 0
وهنا وقفة تأمل مع صلاة الخوف فالمتدبر لكيفيتها ليعجب أشد العجب فهي تحرم على العدو المتربص انتهاز أي فرصة مهما كانت قليلة وحتى لو كانت في وقت تعبدهم ووقوفهم بين يدي الله فكيفيتها تتغير حسب اتجاه العدو فإذا كان العدو
(صفة صلاة الخوف)
14/ المحافظة على القيادة:-
ما ظنك بجسم بلا رأس أو هل تسير السفينة بدون ربان أم هل يعقل أن يكون لسفينة الواحدة أكثر من ربان، وتكمن أهمية المحافظة على القيادة في السلم و أعني في غير المعركة يعني أنه بدونه تكون هناك فوضى كبيرة وانحلال أمني خطير فتريد كل مجموعة كبيرة كانت أم صغيرة فرض رأيها ظناً منها أن ما تطرحه من أفكار أو تنفذه من أعمال هو الصواب وهذا يودي إلى الانقسام و الفرقة فيكون فريسة الشعب سهلة لكل طامع مستعمر الذي قد يجد دعم من بعض المجموعات أو الطوائف ضد المجموعات و الطوائف الأخرى أما في الحرب فإن أي ضرر يمس القيادة يؤثر و بقوة في معنويات الجيش وحدوث الانقسام بين الجيش الواحد مما يعني فقدانه بالكامل أو غالب قوته، و لما همَ عمر بن الخطاب للخروج من المدينة لقيادة الجيوش المتجه لحرب الفرس منعه على أبن أبي طالب و عبدالرحمن بن عوف بحجة أن قتله يعني وبكل سهولة القضاء على شوكة الدين.
وفي الفتنة التي سعرها المنافقون وأذنابهم فحركوا جهال الأمة وأعرابها ضد ذي النورين أمير المؤمنين فحاصروه وكان عنده في الدار قريب من سبعمائة من كبار الصحابة وأبنائهم من مواليه لكنه منعهم بقوله " أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله " أما الرقيق فقال لهم " من أغمد سيفه فهو حر" كان الصحابة يستشعرون أهمية المحافظة على القيادة ولكن عثمان كان يسعى أن لا تكون هذه سنة تسن فكلما نقم جهال الأمة وتضللها على إمام فعل أو قول خلعوه ووضعوا من يريدون بدله ، وكذلك لحديث سمعه من الرسول ?
" يا عثمان ، إن الله مقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه ، فلا تخلعه حتى تلقاني " ( أخرجه أحمد و الترمذي وأبن ماجه و الحاكم وابن حيان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 7947 )) .
15/ العدل و الرحمة:-
لا بد من أن يكونا مترابطين فالعدل في القسوة و الظلم مذموم ولكن العدل في الرفق و الرحمة هو المحمود و المطلوب، و لما دخل ربعي بن عامر على رستم بكل ثقة وعزة المسلم فهز إيوانه فسأله رستم: ماذا جاء بكم ؟ قال له ربعي:
" جئنا لنخرج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ". والعدل و الرحمة ليستا مخصوصة للأصدقاء والأحباب بل هي شاملة للناس جميعاً عدوهم وصديقهم ولكن بحدود معينة، وخذ على هذا مثالاً لما أرسل رسول الله ? عبدالله بن رواحه ? لتقدير محصول أهل خيبر ليتم تقسيمه بناءً على الاتفاق الذي تم بعد غزوة خيبر حاول اليهود كما هي عادتهم استمالته فرد عليهم " والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلى من أعدادكم من القردة و الخنازير، وما يحملني – وهنا الشاهد – حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم " وهذه قمة العدل والرحمة البشرية التي لا تتأثر بالعاطفة امتثالا لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: 8 ).
و العدل و الرحمة تكون في السلم بأن تحققها بين من هم تحت قيادتك وكذلك في حال كان لك تعامل مع المدنيين تكون بالابتسامة لهم وحسن التعامل معهم و العدل بينهم و الرحمة بهم وهذا كله لا يعني الضعف و التهاون في العمل بل هو من التحبب للناس وكسب قلوبهم وتأييدهم و بالتالي حسن تعاونهم ومع الكافر يكون الأثر أكبر عندما تؤدي عملك على أكمل وجه وبأحسن تعامل تعطي صورة حسنه عن دينك وبلدك وقطاعك وعن نفسك.
أما في الحرب تتمثل أعظم صورة في الهدي النبوي عندما يهم المسلمين بغزو بلد أن يخيروا أهلها بين ثلاث أن يسلموا فيكون لهم ما للمسلمين من الحقوق وأما أن يسالموا بدفع الجزية عن يداً وهم صاغرونً فيأمن لهم المسلمين الحماية و أخيراً القتال وفي هذه الهدي النبوي فوائد عظيمة منها رحمة للكفار من البقاء على كفرهم و العدل بأنه بمجرد إسلامهم يكونون سواسية مع بقية المسلمين في جميع الحقوق وهذا الأمر دليلاً على أن الهدف في الجهاد ليس فرض السيطرة على الناس و التحكم في الموارد بل هو أخراج الناس من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس ومن جور الإديان إلى عدل الإسلام.
1) القران الكريم
2) صحيح البخاري
3) صحيح مسلم
4) البداية والنهاية: لابن كثير.دار الحديث الطبعة الأولى
5) هذا الحبيب يا محب: لشيخ /ابوبكر الجزائري . دار العلوم والحكم
6) محاسن الصدق ومساوي الكذب: لشيخ/ عبدا لله الجار الله . دار القاسم
7) شرح كتاب الرقائق: لابن الجوزي
8) ديوان شموخ في زمن الانكسار: د.عبدا لرحمن العشماوي مكتبه العبيكان.
9) بين العقيد والقيادة: اللواء محمود شيت خطاب
10) مليكة لطهر: محمد عبدا لرحمن المقرن
11) الداء والدواء . لابن القيم
منقول
المقدمة : -
الحمد لله الواحد القهار فرض الجهاد على أمة المختار و اصطفاهم بأخلاق وصفات لا تتغير بتغير الأقطار و الصلاة و السلام على قدوتنا و رسولنا الكريم خير ولد آدم أجمعين و على الصحابة النبلاء من رفعوا راية الدين و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين و ألحقنا بهم في جنات النعيم ..أما بعد:-
ففي وقت يهرول فيه المسلمون إلى ما وضعه الشرق و الغرب من عقائد عسكرية و معاهدات و مواثيق دولية في طرق القتال و كيفية التعامل مع الأعداء ينسى أولئك المهرولون أو يتناسوا أن الدين الإسلامي أتى شاملاً لكل جوانب الحياة صغيراً كان أو كبيراً ، سواءً ما هو خاص بالفرد أو بالجماعة أو حتى بالأمة جمعاء ، ومن تلك الجوانب الجانب العسكري الذي تميز الإسلام بأن حصر الهدف من استخدامه في أمرين إزاحة الباطل وإقامة شعائر الله . قال تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ) الحج : 41
لقد سن الشارع الحكيم أنظمة صارمة في كيفية التعامل مع أعداءنا ففرق بين المقاتل و المعاهد وحذر من إلحاق إي أذى بالشيوخ و النساء و الأطفال وكذلك المتعبد في صومعته ، لقد ظهر جلياً هذا التميز في أرقى مدرسة مرت على البشرية تلاميذها يزيدون على مر السنيين قائدها و مؤسسها محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة و السلام ومنهجها منزل من السماء ، فهي ربانية المصدر ثابتة لا تتغير شاملة كل جوانب الحياة تعبديه لله تعالى دُرس فيها كل ما يهم الإنسان وصقلت روحه فحولت البدو الجهال المتناحرين إلى أخوة متحابين وعلماء و مجاهدين فتعلموا فيها كل شيء حتى طرق القتال وفنونه ولكن بصيغة إسلامية يتلألئ فيها حسن خلق وجمال تعامل و رحمة و صبر ودرر أخرى كثيرة ، فتخرج منها في أول دفعاتها من حول الناس من عباده الناس إلى عبادة رب الناس فكانوا جيلاً متميزاً أذهلوا من بعدهم و انسوا الناس من قبلهم<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">لغة البطولة من خصائص أمتي</td><td width="50%">عنا رواها الآخرون وترجموا</td></tr><tr><td width="50%">من ذلك الوقت الذي انتفضت به</td><td width="50%">بطحاء مكة و الحطيم وزمزم</td> </tr><tr><td width="50%">منذ التقي جبريل فوق ربوعها</td><td width="50%">بمحمد يتلوا له ويعلم</td></tr><tr><td width="50%">منذ استدار الدهر دورته التي</td> <td width="50%">عز التقي بها وذل المجرم </td></tr></table>
</div><p align="justify">
فنبغ منهم رجال هم صفوة الصفوة كل في مجاله فالصديق و الفاروق وسعد بن معاذ مستشاري القائد ، وخبراء التكتيك و المناورة فسلمان بالخندق و الحٌباب بن المنذر بالسيطرة على الموارد أما حسان فسيد الكلمة وأستاذ الحرب النفسية أما الزبير و علي و حمزة فالفرسان و الإسناد السريع للقعقاع وأبن مقرن وأما قادة الجيوش فخالد و سعد وأبي عبيدة أما محمد بن سلمه وعباد بن بشر و الحارث بن أوس و ابو نائله ففرقة المهام الخاصة أن هؤلاء رضي الله عنهم وغيرهم من أمثالهم كثر فكان هناك الفقهاء والخطباء و القضاة و الشعراء المهتمين والملمين بقضايا عصرهم و لقد تكرر أشباههم في من أتى بعدهم فاقتدى بهديهم و لازال عالق في الأذهان قتيبة و المعتصم و نور الدين وصلاح الدين وقطز وابن تيمية وعز الدين القسام وعمر المختار وغيرهم كثير قد يكونون اختلفوا في الزمان و المكان و الألوان واللغات وجمعهم الإسلام .
وأنني هنا سوف أبحر معكم بإذن الله مع بعض تلك الصفات التي ميزة تلاميذ مدرسة محمد بن عبدالله ? فكانوا جند الإسلام الذين لا يقهرون فكانوا عوناً للإسلام لا عالة عليه ونافعين لا ضارين و يقاتلون فلا يستسلمون ويثبتون فلا يفرون ويسعون لنيل رضا الله بإراقة دمائهم في سبيله لا الانتحار فهدفهم إزاحة الباطل وإقامة شعائر الله وأني لأبعث رسالة شكراً وإجلال للمجاهدين في كل مكان الذين جعلوا همهم وهدفهم رفع راية لا إله إلا الله وللأبطال رجال أمننا سواءً كانوا من القوات المسلحة أو الحرس الوطني وكذلك لرجال الأمن العام بكافة قطاعاته من جعلوا حياتهم على أكفهم لحماية دينهم وبلدهم أمنهم و وأني لا رجوا منك أن تتفضل بعد سماعك أو قراءتك لما نقلت و كتبت أن تمدني برأيك ونصحك فالمؤمنون نصحه فأقول مستعيناً بالله :-
2/ الولاء للمؤمنين والبراءة من الكفار والمشركين:-
3/ الطاعة :
كلمة تميزنا بها في هذا البلد الكريم بأن حٌصرت بقولنا في القسم في غير معصية الله وتعرف الطاعة في المصطلح العسكري بتعبير الضبط و معناه " إطاعة الأوامر و التقيد التام بالتعليمات و تنفيذها كما يجب من غير تردد ولا تذمر بكل حرص و إتقان واحتساب وإخلاص " .
ولقد أهتم القرآن ( وهو دستور أهل الإسلام ) بالطاعة حتى إنها ذكرت في أكثر من مئة موضع فأمرنا بالطاعة وحذرنا أشد التحذير من العصيان بشتى درجاته على القائد أو ولي الأمر، وقد روي نافع بن عمر عن رسولنا ? أنه قال:" السمع و الطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " . رواة البخاري في صحيحة باب السمع والطاعة
وهنا تتضح حقيقة الطاعة لدى المسلمين فهي طاعة رغبة لا رهبة نعم فطاعة الأمير تابعة لطاعة الله و رسوله ? كما في الحديث " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني و من يعصى الأمير فقد عصاني " .
ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الطاعة و تأمل معي رعاك الله ذلك الموقف الخالد من خالد بن الوليد رضي الله عنه قائد الجيوش يوم عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه و ولى أبو عبيده ابن الجراح لم يحقد ولم يغضب وكان بالفعل كما يجب أن يكون عليه كل مسلم محتسب في علمه .
<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">لا يحمل الحقد من تعلوا به الرتب</td><td width="50%">و لا ينال العلا من طبعه الغضب</td></tr></table></div><p align="justify">فهوا انتظر حتى نهاية المعركة ثم سلم أبو عبيدة خطاب عمر بن الخطاب وقاتل خالد تحت قيادته بعدما كان قائد الجيوش أصبح جندي مجاهد وما تغير في أخلاصة شي لأنه يسعى لهدف أسمى قال تعالى ( وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) فخالد رضي الله عنه خريج مدرسة من رواء عنه أنس رضي الله عنه انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لغدوة في سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها "
4/ البعد عن المعاصي :-
يستمد المسلم قوته من درجة إيمانه فأن غُطي القلب بالذنوب فإنه يصبح واهناً ضعيفاً فيكون كمن هو غارق في ظلمة هي أشد من ظلمة ليل أفتقد قمره ، فتجده يفر عن المؤمنين الراغبين في رضى رب العالمين إلى العصاة الضالين المضلين فيهوى في ظلام المعاصي فيبتعد عن تأييد الله إلى تضليل هواة و الشيطان حتى يصبح جسداً بلا روح و تكون حياته و موته بلا هدف سامي فيفقد الشعور بالمسئولية تجاه أي قضية أو الصبر و الثبات في أي مواجهة فلا يخدم أمته و لا ينتصر لقضيته واسمع هداني الله وإياك لأبن عباس رضي الله عنه و هو يتحدث عن أهمية البعد عن المعاصي " إن للحسنه ضياء في الوجه ونور في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن و محبه في قلوب الخلق وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق " ولقد تحدث أبن القيم رحمه الله عن ذلك في كتابه القيم الداء و الدواء فقال نفع الله بعلمه " ومنها أن المعاصي توهن القلب و البدن أما وهنها للقب فأمر ظاهر ... وأما وهنها للبدن فإن قوة في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه ، وأما الفاجر فإنه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شي عند الحاجة فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه . و تأمل قوة أبدان فارس و الروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم و قلوبهم " انتهى كلامه .
وبعد هذا الكلام النفيس لا يسعني سوى أن اردد وإياكم مقوله أبي الدرداء ?
" إنما تقاتلون بأعمالكم " .
5/ الثقة بأن النصر من عند الله وحدة :-
قال تعالى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ )
نعم ... إن النصر لا يعتمد على قوة السلاح ولا كثرة العدد أو العدة ولا حتى بتأييد الناس فهذه كلها لا تعدو عن كونها أسباب فالنصر و التمكين من عند مسببها ومن هذا المنطلق خرجت جيوش المجاهدين وهم يعلمون أنهم ملزمون بالعمل لا بنتائج العمل فالنصر من عند الله قادم فإن صدقنا مع الله صدقنا وعدة قال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171 (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172 (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ) الصافات 171 .
وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يزرع هذه الثقة في نفوس أصحابه وهم يعذبون أشد العذاب ويمتحنون في دينهم فيقول الواثق من نصر الله " وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله و الذئب على غنمه " وفي معركة الأحزاب التي حركها التآمر اليهودي وقادها الحقد الكافر فأجتمع عشرة ألاف مقاتل يطمعون في القضاء على الإسلام وأهله، فكان موقف عصيب أحاط أعداء الإسلام بالمدينة من كل صوب حتى أن الصحابة لا يأمن أحدهم على نفسه عندما يريد قضاء حاجته وأسمع لوصف الله جل وعلا في كتابه الكريم لهذا الموقف (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ اْلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) ( الأحزاب :10 ) ويبدأ أهل النفاق بتسعير الفتنة و زرع الشك في صفوف المؤمنين قال تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا ) ( الأحزاب : 12 ) ولكن جند الله الذين باعوا أنفسهم لله و أيقنوا بأنه هو القادر و القاهر فحالهم كما وصفهم ربهم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ اْلأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إَِّلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) ( الأحزاب : 22 ) .
وأنطلق معي إلى مؤته في السنة الثامنة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و أتم التسليم في شهر جمادى الأولى حيث ستدور معركة بين ثلاثة ألف مسلم مجاهد ضد مائة ألف من الروم و مائة ألف من نصارى العرب أي أن كل مسلم قد يواجه أكثر من ستين كافر وهنا تردد بعض المسلمين وهنا يحسم المسألة تلميذ مدرسة النبوة عبد الله بن رواحه يقول كلمة خلدها له التاريخ " يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي جئتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل بعدد ولا قوة ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين" . فارتفعت معنوياتهم و تقدموا لمواجهتهم بكل شجاعة وثقه.
( ورجع الجيش من الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر فأكد هذا على أنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله بل أن بعض القبائل التي كانت تثور على المسلمين بين فترة وأخرى جنحت إلى الإسلام فأسلمت بنو سليم وأشجع و غطفان وذبيان وفزاره وغيرها وما النصر إلا من عند الله.
6/ الصدق : -
وهو علامة أهل الإيمان وضده الكذب الذي هو أساس أهل النفاق قال رسول الله ? " آية المنافق ثلاث :- إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه فالكاذب يقول بلسانه ما يُظن أنه يوافق قلبه و الحق أنه يضمر في قلبه خلاف ذلك ومن هو أولى من المجاهد في سبيل الله و الراغب في نيل أعلى وسام من أن يكون صادق الكلام صادق العهد وكيف لا يكون كذلك وهو يعلم أن الصدق سمه لأهل الإسلام رافعي راية الجهاد في سبيل الله فهاهم كفار قريش يقرون لقائدنا ? أنه ما جرب عليه كذب قط بل أن أبو جهل وهوهو في الكفر و العناد يقول : " والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط " بل لقد حذرنا الله جل وعلى في كتابه من خطر الكذب فقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) ( غافر : 28 ) .
ولقد حذر من الكذب رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام وبين خطرة وأمرنا بالصدق وأظهر فضله فلقد روى الشيخان عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي ? قال ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم و الكذب فإنه يهدي إلى الفجور و أن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) .
و بالصدق يحصل المرء على الطمأنينة في القلب كما في الترمذي مرفوعاً من حديث الحسن بن علي ? عن النبي ? قال: " الصدق طمأنينة و الكذب ريبه"
و بالصدق أيضاً تنال مرتبة الشهداء ولو لم يكن منهم فعن سهل بن حنيف رضي الله عن أن رسول الله ?قال :
" من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم ، ويكفي من أهمية الصدق أن أمر الله المؤمنين به وجعله مقترن بالتقوى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( التوبة : 119 ) .
وأختم حديثي عن الصدق برسالة لكل جندي مسلم مجاهد على العمل بكل أخلاص واحتساب لحماية هذا الدين وبلدنا الكريم فأقول له ما قاله الله في كتابه ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .
7/ الأخوة :-
حرفت جهلاً لغير معناها ففقدت روحها وضيع فضلها عندما سميت لدى البعض (زمالة) فنسبت إلى زمالة العمل وكأننا نسينا تلك الرابطة الربانية المتميزة الدائمة قال تعالى (الإخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ ) إنها رابط فريدة ارتبطت بالله فهي تجعل المسلم يضحي بنفسه حتى لا تذهب أو تتأثر حياة أخاه في الله لا لشيء سوا أنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن هدفهم و احد هو نيل الجنة.
وتأمل معي رعاك الله إلى مصعب بن عمير وهو يمر بين الأسرى فيجد أخاه أبي عزيز أبن عمير فيوصي أخاه لا أخ النسب بل أخ العقيدة أتدري بما أوصاه قاله له : " شد يديك به ، فإن أمة ذات متاع لعلها تفديه منك " ، بل لننظر مرة أخرى إلى عمق الأخوة في الله في الجيل الفريد ففي معركة اليرموك بعدما حمى وطيس المعركة حتى قاتل المسلمين أمام فسطاط القائد خالد بن الوليد تعاهدا أربعمائة منهم على الموت و انتصر المسلمون ولكن بعضهم أثخنته الجراح وكان ممن صرعته جراحة عكرمة بن أبي جهل فجيء إليها بماء فلما قرب إليه نظر إلى أحد أخوته في الله أصابه ما أصابه فأمر بدفعها إليه وهو أحوج ما يكون لها فلما قربت إلى الآخر نظر إلى أخ لهم آخر في الرمق الأخير من الحياة فبعثها إليه حتى تدافعوا كلهم الواحد يقدم أخاه على نفسه حتى ماتوا جميعاً و ما شربوا منها قطرة واحدة ، غفر الله لنا ولهم وجمعنا بهم في الجنة وصدق الله وهو أصدق القائلين عندما وصفهم في كتابه الكريم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .
إن هذه العلاقة لا يمكن أن يماثلها أي علاقة أو رابطة فجيش من هؤلاء رجاله فالمقاتل فيه يثق كل الثقة بمن عن يمينه وشماله ومن هو أمامه ومن خلفه وقبل هذا يثق بمن هو مستوى على عرشه مطلعا على خلقه. فالجيش هنا يمثل رجل واحد فالعلاقة هنا مستمده مما رواه أنس ?
عن النبي ? قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري.
نسأل الله أن نكون كما كان قدوتنا حتى نصل إلى ما وصلوا من نشر العلم وإزالة الباطل وإحقاق الحق.
8/ الصبر و التصابر :-
و الصبر المراد هنا هو " حبس النفس عن فعل ما تحبه و إلزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الأجل " و الصابرين هم من لا يذكرون في القرآن ولا في السنة إلا على سبيل التميز و المدح وإنهم أهل الله وخاصته، قال تعالى (... وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).
والصبر ليس في شيء دون شيء او لشخص دون آخر فالصبر مطلب مهم لكل مسلم وخاصة للجندي في السلم و الحرب، فالصبر على مشقات الحياة العسكرية وهي المعروفة بالصرامة و النظام الدقيق و التشدد في الالتزام بالأعمال اليومية و التدريبات الشاقة و المكثفة وأداءها بكل إتقان وبشكل متواصل لتصقل الجندي الذي ما كان له أن يتجاوز كل هذا إلا بالصبر و التصابر مما يؤهله القدرة على الصبر في ميادين القتال الحقيقية وتحدى شدائدها و عظيم أهوالها.
ولا أدل على أهمية الصبر من أنه ورد في أكثر من مئة موضع في الكتاب العظيم الكريم من ذلك قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ). والصبر على المشقات تنال الغايات و الحاجات... <div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">أخلق بذي الصبر إن يحضى بحاجته</td><td width="50%">ومدمن القرع للأبواب أن يلجا</td></tr></table></div><p align="justify">واصدق من ذلك ما رواه أبن عباس ? عن النبي ? قال: ( وأعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً وإن النصر مع الصبر ) .
نعم فبقدر الصبر على المحنه تكون المنحة فلا يظن أن ينال النصر في الميدان إلا أصبر الفريقين على مواجهة الموت والصبر و الشجاعة والإيمان مترابطة فإذا أطمئن القلب بأن النصر من الله كان ذلك دافعاً لصبره ومصابرته وظهور شجاعته وبطولته وأستمع لرسولنا ? وهو يبين سياسة الحرب فقال: " لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا " رواه البخاري.
وأخيراً أيها الجندي المسلم أحتسب في عملك و (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).
9/ الثبات : -
عند التقاء الصفوف و مواجهة العدو وعندما يبدأ المنافقون بخذل المجاهدين الصادقين يظهر هناك تأثير الثابتين الذين يقولون (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) الأعراف 47 فهم فروا إلى الله وطلبوا التثبيت منه وحده لا نه وحدة القادر على ذلك، فلما جعلوا ارتباطهم بربهم كان جزاؤهم أن أمر الله ملائكته ووصاهم (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ ) الأنفال.
وعندما نتحدث عن الثبات للجندي المسلم فنحن لا نقصد فقط القتال بكل شجاعة وصبر وأن يكون مقبل إلى العدو لا مدبراً عنه فيقاتل بكل ما لديه من طاقة وقدرة وبكل سلاح يملكه وحتى آخر رمق من حياته بل ونعني الثبات أمام كل المغريات، ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في ذلك ومنه ما حدث في مؤته عندما يواجه ثلاث آلاف - بعيدين عن طرق التموين وكما هم بعيدين عن القيادة – مائتا ألف في ديارهم وبالقرب من إمداداتهم تردد بعض المجاهدين ولكن أبن رواحه ثبت نفسه وثبتهم عندما قال " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي أحدى الحسنين أما الظهور وأما الشهادة " فاخذ الراية زيد فقاتل بكل ثبات وشجاعة حتى تناولته رماح الكفار فذهب شهيد في سبيل الله ثم اخذ الراية جعفر فقاتل مثل صاحبه حتى قطعت يمنيه فاخذ الراية بشماله حتى قطعت فاحتضنها بعضديه حتى ضرب ضربه قسمته إلى قطعتين وبه أكثر من تسعين جرح ليس منها شيء في ظهره وهذا شاهد على الثبات ثم أخذ الراية أبن رواحه فاخذ يثبت نفسه0<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"> <tr><td width="50%">أقسمت يا نفس لتنزلنه</td><td width="50%">كارهة أو لتطاوعنه</td></tr><tr><td width="50%">إن أجلب الناس وشدوا الرنة</td><td width="50%">مالي أراك تكرهينه الجنة</td></tr></table></div><p align="justify">فتقدم إلى جحافل الكفار فقاتل قتال الأبطال حتى نال وسام الشهادة.
وهاهو عبدا لله بن حذا فه السهمي يثبت أمام الإغراء بالمال ثم السلطة ثم النساء وحتى أمام الموت البطيء وقصته معروفه مشهورة.
10/ الشجاعة ( الإيمان الحق يصنع الشجعان ) .
وتظهر الشجاعة وتزيد بقدر الإيمان بالقضية التي يدافع عنها ومن أجلها، فتتولد الشجاعة وتظهر البسالة و يقاتل الرجل قتال المستميت بل أنه ليكون مستعداً ليضحي بروحه وماله وهو راضي مقبل غير مدبر أما إذا كانت هذه الشجاعة بلا إيمان فهي لا تعدو عن كونها انتحار وجنون، أما الجندي المسلم فشجاعته تظهر مدى علو همته وهدفه فهو يسعى لرضا ملك الملوك لنيل جنته ولقد ضرب الجيل الأول أروع الأمثلة في الشجاعة و القوة واسمح لي أن أكتفي بقطف القليل القليل من حدائق شجاعتهم وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق ، ففي أحد يتسابق الصحابة لا إلى الغنائم أو النجاة بأنفسهم وإنما للموت دفاعاً عن الرسول ? حتى مات سبعة كلهم من الأنصار معلنين أنهم نالوا رفقة النبي ? في الجنة ثم قام طلحة بن عبيدالله فقاتل حتى قطعت أصابعه وجرح في سبعين موضع ما بين طعنه وضربه سيف ورميه رمح وأما سعد بن أبي وقاص فإنه أخذ يرمي من كنانته فمنعوا الكفار من الوصول إلى النبي ? وهم اثنان فقط وفي موته يروى سيف الله المسلول خالد بن الوليد عن نفسه: ( تكسر في يدي تسعة أسياف فما صبرت في يدي غير صفيحه يمانية ).
ولنعد إلى احد وإلى منظر بهيج مهيب كيف لا يكون كذلك تأمل في حال رجل أعلن عن عقد مع الله جل و علا و بنود هذا العقد ( لئن أشهدني الله مع النبي ? ليرين الله ما أُجدُ ) وعندما دارت الدائرة على المسلمين هنا يقف صاحب العقد أنس بن النضر يتأمل فلول المنهزمين ثم ينطلق نحو الكفار وهو يقول ( إني لأجد ريح الجنة دون أحد ) فقاتل قتال قال عنه سعد لرسول ? ( فما استطعت يا رسول الله ما صنع ) وأصاب منه الكفار في ثمانين موضع حتى ما عرفه إلا أخته ببنانه.
11/ التدريب الجيد :-
هو أساس كل عمل متقن و التدريب هو من الإعداد الذي أمرنا به في قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عدو الله وعدوكم ) فالمقاتل الذي لم يتدرب على الصبر ولم يتعلم طرق القتال وكيفية استخدام السلاح نادراً ما يستطيع أن يتغلب على ذلك المتدرب الذي تساقطت قطرات عرقه في التدريبات الشاقة و أثقل كتفيه حمل سلاحه وعتاده واعتاد على قطع المسافات الطويلة وصعود الجبال وتجاوز الشعاب وهو معتمد على نفسه بعد الله فقط وهو صابر في السلم على تلقي الأوامر وتطبيقها بلا تذمر ولا تردد وقد أتقن أستخدام سلاحه والاستفادة من كل ما حوله وهو بالإضافة لذلك قادر على التأقلم السريع مع الظروف ولاكن لابد للجندي الجيد أن يكرر تدريباته ويطورها ولا يحاول مهما كانت قدراته أن يتوقف عن التدريب لان ذلك قد يؤدي إلى نسيان ما تدرب عليه وهذا أمر قد نهى عنه قائدنا ? إذ يقول: " من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا وفي رواية فهي نعمه جحدها " أي كفر بها و أنكرها.
وكذلك لابد أن يحرص على تطوير ذاته والبحث عن الجديد المفيد ولا يكتفي فقط بتطبيق الأوامر ففي ميدان المعركة سوف تحتاج إلى كل ما قرأته أو سمعته أو شاهدته فقد تكون معلومة بسيطة كفيله تقلب ميزان المعركة كما حصل عندما نقل سلمان فكرة الخندق إلى المسلمين وكذلك معرفة الحباب بن المنذر لكيفية الإستفاده من السيطرة على الموارد أثرت معنويا على الكفار عندما شاهدوا أنهم بعيدون عن خطوط إمدادهم وكذلك يرون أن عدوهم استفاد من الموارد الطبيعة لميدان المعركة على عكسهم فهذه المعلومات البسيطة في فكرتها قد أكسبت المسلمين نقطة تميز. وهنا يظهر أهمية التدريب و التعلم فكم من معلومة موجودة في الكتب منها ما هو جديد وما هو يتحدث عن طرق قتال وأنواع السلاح وعقيدة القتال للعدو عدم التدريب عليها يجعله منها وسيلة تحسر وندم لا تطور ونصر.
12/ كتمان الإسرار و القضاء على الشائعات: -
نهى الإسلام عن نشر الإسرار بل أمرنا الرسول ? بالاستعانة بالكتمان في قضاء الحاجات بل أنه في غزواته ? كان كثير ما ورّى بغير المكان الذي يقصده بل لقد بعث سريه بقيادة عبدالله بن جحش في اثنا عشر من المهاجرين ومعهم كتاب أمرهم الا ينظروا إليه إلا بعد يومين من السير وبعد ما مضى عليهم يومان في المسير وكان كل أثنين يتعقبان على بعير نظروا إلى الكتاب فإذا فيه " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف فترصد بها عير قريش وتعلم من أخبارها ".
وفي فتح مكة بعث رسول الله ? سريه إلى بطن أضم حتى يوهم المشركين أنه ذاهب إلى هناك وهذه المواقف وغيرها كثير من الحرص على كتمان التحركات و منع تداول الشائعات التي تضعف المعنوية و التي تنقل بلا سند إلا قولهم حدثنا من تثق به ، أننا لمطالبون دائما بالتثبت في نقل الإخبار وذلك يكون بالسؤال عن المصدر قبل نقله أو تصديقه أو حتى العمل بمقتضاه فأياك إياك من نشر الإسرار مهما كانت بساطتها من وجهة نظرك فإذا حدد القائد أو صاحب الصلاحية درجة السرية فأنت ملزم بالعمل بها فاتق الله أن تخون الأمانة.
أما في القضاء على الشائعات فقد يقضي عليها بوحي من السماء كما في قصة الإفك المفترء على أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما.<div align="center"><table border="0" cellspacing="0" width="400"><tr><td width="50%">بشراك يا أماه بشراك</td><td width="50%">هيهات يخلد إفك أفاك</td></tr><tr><td width="50%">بشراك آيات نرتلها</td><td width="50%">تجلو هموم البائس الباكي</td></tr></table></div><p align="justify">وهذا أمر خاص بزمن الوحي ولكن قد يتم القضاء على الشائعة ممن يملك حق نفيها أو توضيحها وقد يكون القضاء على الشائعة بإشغال الناس عنها حتى تموت فتنتها كما فعل الرسول ? فبعد غزوة بني المصطلق ورد المسلمون إلى الماء فازدحم أجير للمهاجرين مع رجل من الأنصار فاقتتلا فصرخ كلا على قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟دعوها فإنها منتنة) وهنا نعق ناعق من المنافقين (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) وكادت تحصل الفتنه ، فأمر القائد الأعلى صلى الله عليه وسلم بالرحيل فتحرك الجيش في وقت لم يكن في عادت الجيش أن يسيرها حتى أسوا وليلتهم حتى أصبح مصدر اليوم الذي يليه حتى إذا هم حر الشمس ثم أمر بنزول الجيش فما لمست أقدام الجيش الأرض حتى وقعوا نياما فانشغل الناس عن الحديث.
13/ الحذر و اليقظة:
في السلم و الحرب فإذا كان الجندي حذراً يقظاً يقدر عدوه قدره كان من الصعب على أي عدو أن ينال منه شيء يذكر معنوياً كان أو مادياً، أو حتى أن يباغته في مكان أو زمان لا يتوقعه، فألا استهانة بالعدو وعدم اخذ الحذر منه تعني وبكل وضوح القضاء على الجندي مع أول طلقه في المعركة و حصول العدو على المفاجأة الكفيلة بالقضاء أو حتى زعزعة الثقة والروح المعنوية العالية 0
وهنا وقفة تأمل مع صلاة الخوف فالمتدبر لكيفيتها ليعجب أشد العجب فهي تحرم على العدو المتربص انتهاز أي فرصة مهما كانت قليلة وحتى لو كانت في وقت تعبدهم ووقوفهم بين يدي الله فكيفيتها تتغير حسب اتجاه العدو فإذا كان العدو
(صفة صلاة الخوف)
14/ المحافظة على القيادة:-
ما ظنك بجسم بلا رأس أو هل تسير السفينة بدون ربان أم هل يعقل أن يكون لسفينة الواحدة أكثر من ربان، وتكمن أهمية المحافظة على القيادة في السلم و أعني في غير المعركة يعني أنه بدونه تكون هناك فوضى كبيرة وانحلال أمني خطير فتريد كل مجموعة كبيرة كانت أم صغيرة فرض رأيها ظناً منها أن ما تطرحه من أفكار أو تنفذه من أعمال هو الصواب وهذا يودي إلى الانقسام و الفرقة فيكون فريسة الشعب سهلة لكل طامع مستعمر الذي قد يجد دعم من بعض المجموعات أو الطوائف ضد المجموعات و الطوائف الأخرى أما في الحرب فإن أي ضرر يمس القيادة يؤثر و بقوة في معنويات الجيش وحدوث الانقسام بين الجيش الواحد مما يعني فقدانه بالكامل أو غالب قوته، و لما همَ عمر بن الخطاب للخروج من المدينة لقيادة الجيوش المتجه لحرب الفرس منعه على أبن أبي طالب و عبدالرحمن بن عوف بحجة أن قتله يعني وبكل سهولة القضاء على شوكة الدين.
وفي الفتنة التي سعرها المنافقون وأذنابهم فحركوا جهال الأمة وأعرابها ضد ذي النورين أمير المؤمنين فحاصروه وكان عنده في الدار قريب من سبعمائة من كبار الصحابة وأبنائهم من مواليه لكنه منعهم بقوله " أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله " أما الرقيق فقال لهم " من أغمد سيفه فهو حر" كان الصحابة يستشعرون أهمية المحافظة على القيادة ولكن عثمان كان يسعى أن لا تكون هذه سنة تسن فكلما نقم جهال الأمة وتضللها على إمام فعل أو قول خلعوه ووضعوا من يريدون بدله ، وكذلك لحديث سمعه من الرسول ?
" يا عثمان ، إن الله مقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه ، فلا تخلعه حتى تلقاني " ( أخرجه أحمد و الترمذي وأبن ماجه و الحاكم وابن حيان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 7947 )) .
15/ العدل و الرحمة:-
لا بد من أن يكونا مترابطين فالعدل في القسوة و الظلم مذموم ولكن العدل في الرفق و الرحمة هو المحمود و المطلوب، و لما دخل ربعي بن عامر على رستم بكل ثقة وعزة المسلم فهز إيوانه فسأله رستم: ماذا جاء بكم ؟ قال له ربعي:
" جئنا لنخرج العباد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ". والعدل و الرحمة ليستا مخصوصة للأصدقاء والأحباب بل هي شاملة للناس جميعاً عدوهم وصديقهم ولكن بحدود معينة، وخذ على هذا مثالاً لما أرسل رسول الله ? عبدالله بن رواحه ? لتقدير محصول أهل خيبر ليتم تقسيمه بناءً على الاتفاق الذي تم بعد غزوة خيبر حاول اليهود كما هي عادتهم استمالته فرد عليهم " والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلى من أعدادكم من القردة و الخنازير، وما يحملني – وهنا الشاهد – حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم " وهذه قمة العدل والرحمة البشرية التي لا تتأثر بالعاطفة امتثالا لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: 8 ).
و العدل و الرحمة تكون في السلم بأن تحققها بين من هم تحت قيادتك وكذلك في حال كان لك تعامل مع المدنيين تكون بالابتسامة لهم وحسن التعامل معهم و العدل بينهم و الرحمة بهم وهذا كله لا يعني الضعف و التهاون في العمل بل هو من التحبب للناس وكسب قلوبهم وتأييدهم و بالتالي حسن تعاونهم ومع الكافر يكون الأثر أكبر عندما تؤدي عملك على أكمل وجه وبأحسن تعامل تعطي صورة حسنه عن دينك وبلدك وقطاعك وعن نفسك.
أما في الحرب تتمثل أعظم صورة في الهدي النبوي عندما يهم المسلمين بغزو بلد أن يخيروا أهلها بين ثلاث أن يسلموا فيكون لهم ما للمسلمين من الحقوق وأما أن يسالموا بدفع الجزية عن يداً وهم صاغرونً فيأمن لهم المسلمين الحماية و أخيراً القتال وفي هذه الهدي النبوي فوائد عظيمة منها رحمة للكفار من البقاء على كفرهم و العدل بأنه بمجرد إسلامهم يكونون سواسية مع بقية المسلمين في جميع الحقوق وهذا الأمر دليلاً على أن الهدف في الجهاد ليس فرض السيطرة على الناس و التحكم في الموارد بل هو أخراج الناس من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس ومن جور الإديان إلى عدل الإسلام.
1) القران الكريم
2) صحيح البخاري
3) صحيح مسلم
4) البداية والنهاية: لابن كثير.دار الحديث الطبعة الأولى
5) هذا الحبيب يا محب: لشيخ /ابوبكر الجزائري . دار العلوم والحكم
6) محاسن الصدق ومساوي الكذب: لشيخ/ عبدا لله الجار الله . دار القاسم
7) شرح كتاب الرقائق: لابن الجوزي
8) ديوان شموخ في زمن الانكسار: د.عبدا لرحمن العشماوي مكتبه العبيكان.
9) بين العقيد والقيادة: اللواء محمود شيت خطاب
10) مليكة لطهر: محمد عبدا لرحمن المقرن
11) الداء والدواء . لابن القيم
منقول