زكريا محمـد منذ البدء، قامت النظرية العسكرية الإسرائيلية على نقل المعركة إلى أرض العدو.
فإسرائيل (فلسطين) حيز جغرافي صغير، وطويل ضيق، ولا يمكن المغامرة بالانتظار لخوض المعركة على أرضه. فهذا الحيز يجب أن يظل قاعدة آمنة، كي يمكن تجميع الاحتياط بهدوء، وكي يتوفر مكان آمن لسلاح الجو. فهو حيز قزمي أصلا، وبالكاد يكفي لحركة سلاح الجو.
لذا فنقل المعركة منذ الدقيقة الأولى إلى ارض العدو، وإلى أبعد ما يمكن داخل أرض العدو، مسألة حياة او موت بالنسبة لإسرائيل وجيشها. يجب أن لا يرى الإسرائيليون الحرب وأن لا يكتووا. الجيش، جيشهم، فقط هو من يجب أن يشهد الحرب ويخوضها، بعيدا في أرض العدو. أما هم فيجب عليهم أن يتفرجوا عليها في التلفزيون.
ويبدو أن هذا الواقع يوشك أن يتغير، بل وأن يتغير بشدة.
فمواجهة حزب الله الناجحة في حرب 2006 فتحت احتمالات لم يكن أحد يفكر فيها، أو يظن أنها يمكن أن تطرح. هناك، بالطبع، من يحاول من العرب والفلسطينيين الاستخفاف بالاحتمالات التي فتحت الحرب المذكورة بابها، لكن الإسرائيليين- والأميركان أيضا- لا يستخفون بنتائج الحرب ولا بالاحتمالات الخطرة التي فتحتها.
أحد هذه الاحتمالات هو أن يكون مسرح الحرب القادمة داخل إسرائيل. نعم، لقد الباب أصبح مفتوحا، نظريا على الأقل، لخوض الحرب المقبلة على أرض فلسطين.
وقد سمعت أثناء حرب تموز 2006 إشاعات عن خطط محددة لحزب الله لاحتلال بعض المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين، ولو احتلالا مؤقتا. وقيل إن بعض تصريحات السيد حسن نصر الله أثناء الحرب كانت تشير إلى هذا الاحتمال. لكنها ظلت مجرد إشاعات.
الإسرائيليين يعودون الآن لدراسة هذا الاحتمال، باعتباره احتمالا جديا، وكواحد من الخيارات الأشد خطورة التي أفرزتها نتائج المواجهة التي خاضها حزب الله. وقد قرأ كل من هو مهتم الأخبار عن دراسة المقدم روبي سندمان، فصلية (معرخوت) الإسرائيلية، والتي طرح فيها هذا الاحتمال: (في الحرب المقبلة العدو سيجتاح شمال إسرائيل، وتحديداً منطقة الجليل، بواسطة الآلاف من المجموعات التي تتكوّن كلّ منها من أربعة إلى خمسة مقاتلين، مدرّبين جيداً ويحملون أسلحة رشّاشة متوسطة، وصواريخ مضادة للدروع، إضافةً إلى قنّاصات وأسلحة خفيفة). يضيف: (فور دخول هذه المجموعات إلى إسرائيل، سيحظون بمساعدة من البنية التحتية التي سيوفّرها السكان العرب) في إسرائيل.
إنه احتمال جدي، إذن.
ويمكن الافتراض أن هذا الاحتمال مطروح ليس على جدول أعمال حزب الله، بل على جدول أعمال الجيش السوري أيضا. فإذا أراد هذا الجيش أن يربك سعي الجيش الإسرائيلي لنقل الحرب إلى أعماق الأرض السورية، فإنه ملزم بأن يرسل مجموعات مشاة صغيرة، وذات شأن من حيث عددها، إلى داخل الأرض الإسرائيلية. إذ بهذه الطريقة يمكن إرغام الجيش الإسرائيلي على تخصيص جزء لا بأس به من قواته للدفاع عن المدن والقرى والمستوطنات، الأمر الذي سيحرمه من القدرة على المناورة بقوات كافية لنقل الحرب إلى داخل الأرض السورية.
والجيش الإسرائيلي ملزم، في هذه الحال، بتخصيص هذه القوات لأنه لا يستطيع أن يخوض حربا في الأرض السورية والصرخات تتوالى على مسمعه من القرى والمستوطنات. ولأن فلسطين صغيرة الحجم، ونحيفة جدا، فإن تخصيص قوات كافية لمواجهة هذا الاحتمال تصبح أمرا لا مزاح فيه. فمجموعات المشاة لا تهدد فقط المراكز السكانية، بل وتهدد المطارات والمنشآت العسكرية. فسلاح (الجو {الإسرائيلي} الجبار محبوس في جسد قزم)، كما يقول ضابط سيندمان. وإذا أضيف هذا التهديد إلى التهديد الذي تمثله الصواريخ القصيرة المدى على المطارات الإسرائلية، كما رأينا في حرب 2006، فإن الأمر سيصبح خطيرا حقا. وإذا ما اشتعلت الجبهتان السورية واللبنانية، وهو الأكثر احتمالا، فإن حجم القوات المخصصة لمواجهة مثل هذا الاحتمال ستتضاعف.
عليه، فإنه لأول مرة منذ عام 1948 يكون مطروحا، من ناحية نظرية على الأقل، على جدول أعمال العسكريين العرب نقل الحرب إلى داخل أرض العدو، إلى داخل إسرائيل، ليس من أجل احتلال دائم، بل من أجل ضرب قدرة الجيش الإسرائيلي على نقل الحرب بعيدا في الأرض العربية.
لقد كان نقل الحرب دوما إلى داخل أرض العدو أفضل وسيلة للدفاع. اما النموذج ألشهر تاريخيا لهذه النظرية، فهو نموذج هو حرب روما ضد قرطاج. فللرد على توغل جيش هنيبعل إلى أعمق أعماق الأراضي الإيطالية، وحصاره لروما، قرر العسكريون الرومان أن ينقلوا الحرب إلى إفريقيا، وان يهاجموا قرطاج ذاتها. وبالفعل، فقد أرسلوا حملة من إسبانيا، مما اضطر هنيبعل للانسحاب من إيطاليا كي يدافع عن قرطاج ذاتها.
وربما أن الوقت قد حان كي يطرح مثل هذا الأمر على العسكريين العرب، أي إرغام الجيش الإسرائيلي على التخلي عن فكرة نقل الحرب إلى الأرض العربية، أو إرغامه على التراجع إذا ما حاول ذلك، عن طريق نقل الحرب إلى أرضه، وإرغامه على الارتداد للدفاع عنها.
طبعا، نحن نتكلم عن الحرب البرية لا الجوية، فالجيش الإسرائيلي سيظل قادرا على نقل الحرب إلى الأعناق العربية جوا. لكن فكرة نقل الحرب إلى أرض العدو كانت دوما فكرة عبور بري إلى الأرض العربية.
ويؤكد سندمان أنه: (ليس لدى الجيش الإسرائيلي ردّ على سيناريو مشابه، حتى الآن، وليس قادراً على منع هذه المجموعات من دخول إسرائيل). ذلك ان منعها يقتضي في الواقع التخلي، عمليا، عن فكرة نقل المعركة إلى أرض العدو، أو على الأقل على تقليص مدى هذه الفكرة، وتقليص إمكانية الحسم بواسطتها.
وهكذا، فقد غيرت مواجهة حزب الله كل شيء تقريبا. لقد فتحت الباب أمام إحباط نظرية نقل الحرب إلى أرض العدو سريعا، عن طريق تكتيكات تشبه تكتيكات حرب العصابات. إذ لا تستطيع القوات السورية أن تقوم باجتياح تقليدي لإسرائيل، لكنها تستطيع ان تقوم باجتياح عبر مجموعات مشكلة بحيث لا تنفع في مواجهتها أرتال الدبابات الإسرائيلية. أما قدرة حزب الله على القيام بهذا الأمر فهي أكيدة.
المواجهة تتغير.
الاحتمالات تتدافع.
والحروب المقبلة لن تكون كالسابقة.
منقول
فإسرائيل (فلسطين) حيز جغرافي صغير، وطويل ضيق، ولا يمكن المغامرة بالانتظار لخوض المعركة على أرضه. فهذا الحيز يجب أن يظل قاعدة آمنة، كي يمكن تجميع الاحتياط بهدوء، وكي يتوفر مكان آمن لسلاح الجو. فهو حيز قزمي أصلا، وبالكاد يكفي لحركة سلاح الجو.
لذا فنقل المعركة منذ الدقيقة الأولى إلى ارض العدو، وإلى أبعد ما يمكن داخل أرض العدو، مسألة حياة او موت بالنسبة لإسرائيل وجيشها. يجب أن لا يرى الإسرائيليون الحرب وأن لا يكتووا. الجيش، جيشهم، فقط هو من يجب أن يشهد الحرب ويخوضها، بعيدا في أرض العدو. أما هم فيجب عليهم أن يتفرجوا عليها في التلفزيون.
ويبدو أن هذا الواقع يوشك أن يتغير، بل وأن يتغير بشدة.
فمواجهة حزب الله الناجحة في حرب 2006 فتحت احتمالات لم يكن أحد يفكر فيها، أو يظن أنها يمكن أن تطرح. هناك، بالطبع، من يحاول من العرب والفلسطينيين الاستخفاف بالاحتمالات التي فتحت الحرب المذكورة بابها، لكن الإسرائيليين- والأميركان أيضا- لا يستخفون بنتائج الحرب ولا بالاحتمالات الخطرة التي فتحتها.
أحد هذه الاحتمالات هو أن يكون مسرح الحرب القادمة داخل إسرائيل. نعم، لقد الباب أصبح مفتوحا، نظريا على الأقل، لخوض الحرب المقبلة على أرض فلسطين.
وقد سمعت أثناء حرب تموز 2006 إشاعات عن خطط محددة لحزب الله لاحتلال بعض المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين، ولو احتلالا مؤقتا. وقيل إن بعض تصريحات السيد حسن نصر الله أثناء الحرب كانت تشير إلى هذا الاحتمال. لكنها ظلت مجرد إشاعات.
الإسرائيليين يعودون الآن لدراسة هذا الاحتمال، باعتباره احتمالا جديا، وكواحد من الخيارات الأشد خطورة التي أفرزتها نتائج المواجهة التي خاضها حزب الله. وقد قرأ كل من هو مهتم الأخبار عن دراسة المقدم روبي سندمان، فصلية (معرخوت) الإسرائيلية، والتي طرح فيها هذا الاحتمال: (في الحرب المقبلة العدو سيجتاح شمال إسرائيل، وتحديداً منطقة الجليل، بواسطة الآلاف من المجموعات التي تتكوّن كلّ منها من أربعة إلى خمسة مقاتلين، مدرّبين جيداً ويحملون أسلحة رشّاشة متوسطة، وصواريخ مضادة للدروع، إضافةً إلى قنّاصات وأسلحة خفيفة). يضيف: (فور دخول هذه المجموعات إلى إسرائيل، سيحظون بمساعدة من البنية التحتية التي سيوفّرها السكان العرب) في إسرائيل.
إنه احتمال جدي، إذن.
ويمكن الافتراض أن هذا الاحتمال مطروح ليس على جدول أعمال حزب الله، بل على جدول أعمال الجيش السوري أيضا. فإذا أراد هذا الجيش أن يربك سعي الجيش الإسرائيلي لنقل الحرب إلى أعماق الأرض السورية، فإنه ملزم بأن يرسل مجموعات مشاة صغيرة، وذات شأن من حيث عددها، إلى داخل الأرض الإسرائيلية. إذ بهذه الطريقة يمكن إرغام الجيش الإسرائيلي على تخصيص جزء لا بأس به من قواته للدفاع عن المدن والقرى والمستوطنات، الأمر الذي سيحرمه من القدرة على المناورة بقوات كافية لنقل الحرب إلى داخل الأرض السورية.
والجيش الإسرائيلي ملزم، في هذه الحال، بتخصيص هذه القوات لأنه لا يستطيع أن يخوض حربا في الأرض السورية والصرخات تتوالى على مسمعه من القرى والمستوطنات. ولأن فلسطين صغيرة الحجم، ونحيفة جدا، فإن تخصيص قوات كافية لمواجهة هذا الاحتمال تصبح أمرا لا مزاح فيه. فمجموعات المشاة لا تهدد فقط المراكز السكانية، بل وتهدد المطارات والمنشآت العسكرية. فسلاح (الجو {الإسرائيلي} الجبار محبوس في جسد قزم)، كما يقول ضابط سيندمان. وإذا أضيف هذا التهديد إلى التهديد الذي تمثله الصواريخ القصيرة المدى على المطارات الإسرائلية، كما رأينا في حرب 2006، فإن الأمر سيصبح خطيرا حقا. وإذا ما اشتعلت الجبهتان السورية واللبنانية، وهو الأكثر احتمالا، فإن حجم القوات المخصصة لمواجهة مثل هذا الاحتمال ستتضاعف.
عليه، فإنه لأول مرة منذ عام 1948 يكون مطروحا، من ناحية نظرية على الأقل، على جدول أعمال العسكريين العرب نقل الحرب إلى داخل أرض العدو، إلى داخل إسرائيل، ليس من أجل احتلال دائم، بل من أجل ضرب قدرة الجيش الإسرائيلي على نقل الحرب بعيدا في الأرض العربية.
لقد كان نقل الحرب دوما إلى داخل أرض العدو أفضل وسيلة للدفاع. اما النموذج ألشهر تاريخيا لهذه النظرية، فهو نموذج هو حرب روما ضد قرطاج. فللرد على توغل جيش هنيبعل إلى أعمق أعماق الأراضي الإيطالية، وحصاره لروما، قرر العسكريون الرومان أن ينقلوا الحرب إلى إفريقيا، وان يهاجموا قرطاج ذاتها. وبالفعل، فقد أرسلوا حملة من إسبانيا، مما اضطر هنيبعل للانسحاب من إيطاليا كي يدافع عن قرطاج ذاتها.
وربما أن الوقت قد حان كي يطرح مثل هذا الأمر على العسكريين العرب، أي إرغام الجيش الإسرائيلي على التخلي عن فكرة نقل الحرب إلى الأرض العربية، أو إرغامه على التراجع إذا ما حاول ذلك، عن طريق نقل الحرب إلى أرضه، وإرغامه على الارتداد للدفاع عنها.
طبعا، نحن نتكلم عن الحرب البرية لا الجوية، فالجيش الإسرائيلي سيظل قادرا على نقل الحرب إلى الأعناق العربية جوا. لكن فكرة نقل الحرب إلى أرض العدو كانت دوما فكرة عبور بري إلى الأرض العربية.
ويؤكد سندمان أنه: (ليس لدى الجيش الإسرائيلي ردّ على سيناريو مشابه، حتى الآن، وليس قادراً على منع هذه المجموعات من دخول إسرائيل). ذلك ان منعها يقتضي في الواقع التخلي، عمليا، عن فكرة نقل المعركة إلى أرض العدو، أو على الأقل على تقليص مدى هذه الفكرة، وتقليص إمكانية الحسم بواسطتها.
وهكذا، فقد غيرت مواجهة حزب الله كل شيء تقريبا. لقد فتحت الباب أمام إحباط نظرية نقل الحرب إلى أرض العدو سريعا، عن طريق تكتيكات تشبه تكتيكات حرب العصابات. إذ لا تستطيع القوات السورية أن تقوم باجتياح تقليدي لإسرائيل، لكنها تستطيع ان تقوم باجتياح عبر مجموعات مشكلة بحيث لا تنفع في مواجهتها أرتال الدبابات الإسرائيلية. أما قدرة حزب الله على القيام بهذا الأمر فهي أكيدة.
المواجهة تتغير.
الاحتمالات تتدافع.
والحروب المقبلة لن تكون كالسابقة.
منقول