الإمام المجاهد الصومالي محمد بن عبدالله حسن

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
938 0 0
بقلم الدكتور محمد موسى الشريف
1281 - 1339هـ
1864 – 1920م
إن الأخبار التاريخية التي وردتنا عن منطقة القرن الأفريقي عامة والصومال خاصة لهي أخبار قليلة لا تتناسب مع أهمية المنطقة وإشرافها على جزيرة العرب من جهة والدول الإفريقية المهمة من جهة أخرى، وربما كان لقلة المؤرخين في تلك المنطقة أثر في ذلك، ولعل مستقبل الأيام تخرج لنا بعض المخطوطات المهمة التي تتحدث عن تاريخ المنطقة باستفاضة.
والشخصية التي أتحدث عنها في هذه الحلقة هي شخصية مجاهد جليل، وقف أمام أطماع الصليبيين في الصومال التي هي - في تقديري- أهم بلاد القرن الإفريقي لموقعها الفريد ولاتساع مساحتها، وبرز منها مجاهدون عظماء منهم الإمام أحمد بن إبراهيم الذي وقف ضد أطماع البرتغاليين والأحباش بقيادة الملكة هيلانة، وكان ذلك في الثلث الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ولولا أن شرطي في هذه السلسلة ألا أورد أحداً من الشخصيات إلا إن كان من العصر الحديث لأوردته؛ فهو أحد العظماء المنسيين رحمه الله تعالى.
تنافس الأحباش والإيطاليون والإنجليز والفرنسيون على تقسيم الصومال والتهامه تطبيقاً لقرارات مؤتمر برلين سنة 1302هـ/1885 التي فتحت الباب واسعاً أمام الأطماع الصليبية في كل إفريقيا.
كان هذا الشيخ المجاهد محمد بن عبدالله حسن صوفياً على الطريقة الصالحية لكنه لم يكن مثل قَعَدة الصوفية ومثبطيهم بل إنه ضرب المثل في الجمع بين الجهاد والتربية الروحية البعيدة عن الغلو، وكان هذا نادراً في العصر الحديث؛ كما هو معلوم، ولم يتحقق إلا لآحاد منهم عمر المختار والإمام شامل، ومهدي السودان وقليل غيرهم.
ولد الإمام المجاهد محمد بن عبدالله حسن في سنة 1281/1864 في شمال الصومال بالقرب من بوهوتلي، من أسرة عربية الأصل هاجرت إلى الصومال منذ زمن طويل، وكان أبوه من الأوجادين الجنوبية التي كانت تحت الإدارة الحبشية فانتقل إلى تلك المنطقة واستقر بها، واهتم بابنه فأرسله إلى مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، والعلوم الشرعية في الأوجادين، والتقى بالمشايخ وعلماء المنطقة، واشتغل بالصيد والفروسية والملاحة، ثم حصل على لقب الشيخ وهو في التاسعة عشرة من عمره المبارك -وهذا دليل على نبوغه المبكر- ودرّس في المساجد والمراكز الدينية في هرر ومقديشو ونيروبي وغيرها، ثم عاد إلى بلاده وهو في الخامسة والعشرين فتزوج وواصل إلقاء الدروس، ووفد عليه جماعات من الطلبة الذين كانوا نواة لجنده فيما بعد.
وكان الإمام شاعراً، وله شعر يتناقله الصوماليون اليوم لكنه لم يُكتب في حياته.
وحج البيت الحرام سنة 1302هـ/1885 فوقف على أحوال المسلمين وأخبارهم فقد كانت مصر تموج بالاحتلال البريطاني، والسودان يثور بقيادة المهدي، فكانت رحلة الحج إعداداً نفسياً له لمواجهة الأطماع في الصومال، ثم توجه إلى فلسطين وزار بيت المقدس.
وفي سنة 1313/1895 قرر العودة لبلاده عن طريق عدن، وكانت بريطانيا قد أصبح لها اليد الطولى في موانئ القرن الافريقي مثل بربرة وزيلع، وفي عدن أيضاً، وقد حدثت له حادثة في عدن تنبئ عن نفسية الرجل، فقد طلب منه أحد البريطانيين مشاهدة المظلة التي في يده فأبى الإمام، فتبعه البريطاني وحاول أن يرى المظلة بالقوة فدفعه الإمام فسقط في البحر، فتعجب البريطانيون من جرأته على أحدهم، وهم يعدون أنفسهم سادة المنطقة، وكاد يسجن لولا أن الله أنقذه بوساطة الشرطة في عدن.
ثم توجه إلى بربرة التي لقي فيها عنتاً من رجال الجمارك الذي طلبوا منه رسوماً على أمتعته فقاله لهم: ومن الذي أعطاكم الإذن بالدخول إلى بلادنا؟
وأقام في بربرة مسجداً وأقبل على تعليم الناس وتربيتهم وتهذيبهم، وبدأ يحثهم على الجهاد ضد الأوربيين، وفي بعض المرات التقى بمجموعة من الأطفال الذين يتعلمون في مدرسة البعثة الكاثوليكية الرومانية في بربرة فعلم أنهم يعلمونهم مبادئ النصرانية المحرفة، ويغيرون أسماءهم حتى أنه سأل أحد الأطفال عن عشيرته فقال إنه من عشيرة البابا!! وعن اسمه فقال: يوحنا عبدالله!! فاشتكى إلى المقيم السياسي البريطاني في بربرة مطالباً إبعاد المنصرين عن الصومال.
وحذر قومه من طاعة النصارى، وطالبهم بألا يعلموا أطفال المسلمين اللغات الأوربية -التي كانت مقرونة آنذاك بالتنصير- وحثهم على العناية بهم وتحفيظهم القرآن وتعليمهم الشريعة، وابتدأ يعد العدة للجهاد وتوحيد القبائل في الصومال، حتى لاحت فرصة وهي أن أحد القساوسة كان يقطن بجوار أحد المساجد في بربرة فأزعجه الأذان فأطلق النار على المؤذن!! فاشتعل الغضب في نفوس المسلمين، فقاموا بهدم المركز التنصيري في ديمول ولاحقوا القس محاولين الفتك به، وحاولوا تحطيم كل المراكز التنصيرية، فأرادت بريطانيا التهدئة فقامت بترحيل كل المنصرين في باخرة إلى عدن، وتعهدت بعدم السماح لهم بالعودة، ومنع بناء كنائس في الصومال، وألا تفتح محلات لبيع الخمور، وهذا كله يعلمنا أن المسلمين إذا كانوا أصحاب همة عالية وعمل بنّاء فإن أحداً لا يستطيع الوقوف بوجههم.
وحدثت حادثة أخرى كانت هي الفتيل لإشعال الجهاد وهي أن أحد رجال الشرطة في بربرة هرب إلى الإمام وأعطاه مسدسه، فسمع القنصل البريطاني في بربرة بهذا فطلب من الإمام أن يرد المسدس فرد عليه الإمام رداً خشناً، وبعد شهور تلقى القنصل البريطاني رسالة من الإمام يتهم فيها الانجليز بالإساءة إلى الإسلام، وأنه يحتقر كل من يتعاون معهم، ويطالبهم بدفع الجزية!! وهنا طلب القنصل من حكومته إعداد العدة لقتال الدراويش، وهذه هي التسمية التي سمى بها الاستخراب البريطاني جماعة الإمام، وسموه هو بالملا المجنون، وكان يلقب -أيضاً- بمهديّ الصومال تشبيهاً له بمهدي السودان.
وخرج الإمام من بربرة إلى نوجال واشترى عدداً من البنادق الفرنسية، وصاحب هذا حضور بعض الجنود الأحباش إلى أوجادين لجمع الضرائب من السكان فهجم عليهم أتباع الإمام وعلى المعسكر الحبشي في جكجكة وغنموا أسلاباً كثيرة، وهنا انتبه امبراطور الحبشة مِنليك فتحالف مع البريطانيين لضرب الحركة الناشئة.
وهنا أدرك الإمام أن الوقت قد حان لإعلان الجهاد فأعلنه، وحث على الاستعداد لقتال النصارى، والصبر على الشدائد، وبهذا صار قائداً سياسياً وزعيماً دينياً معاً في منطقة الأوجادين، وابتدأ بإخضاع القبائل المجاورة لزعامته.
فأرسلت بريطانيا حملة بقيادة الكولونيل سواين، وجهز الأحباش جيشاً قوامه خمسة عشر ألف مقاتل تحت قيادة جابري، وكلفت الحكومة البريطانية همفري تراس التابع لفرقة فرسان الحرس الملكي بالتنسيق بين قوات الطرفين، وكانت مهمة الأحباش قطع الإمدادات عن المجاهدين من شعب الأوجادين وغيره، وكُلفت إيطاليا -التي كانت قد استقرت في بعض أجزاء القرن الإفريقي- بالضغط على سلطان ميجرتين المسلم!! لمنع وصول أي مساعدات للإمام ولمنعه من الهرب إلى الساحل، لكن الإمام عرف كل هذا وقام بتوزيع قواته ناحية الشرق، واستقر في منطقة بوهوتلي على حدود المحمية البريطانية في أوائل يناير سنة 1900م/ 1317هـ وحارب المجاهدون ثلاثة أشهر وأظهروا بطولات عظيمة، وأجبروا البريطانيين وغيرهم على التراجع، واكتفت بريطانيا بوضع قوات في برعو، واحتل الإمام بعض المواقع.
أرسلت بريطانيا حملة ثانية بقيادة الكولونيل سواين الذي تحرك في 17/2/1320هـ/ 26مايو سنة 1902 ومعه قوة احتياطية من الكتائب الملكية الإفريقية بقيادة الكابتن أسبورن مع 500 فارس من الصوماليين بقيادة موسى فارح من منطقة هود، ويا للعار من انعدام الولاء والبراء عند هؤلاء، وتمركزت قوات المجاهدين في إقليم بارن وكانوا حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، وانتهت المعركة بمقتل مائة جندي بريطاني ولله الحمد والمنة وغنم المجاهدون غنائم جيدة.
استعانت بريطانيا بإيطاليا، وبالحبشة فوافق الإمبراطور منليك وأرسل خمسة آلاف مقاتل، تحت قيادة حبشية بريطانية مشتركة، وكان قائد البريطانيين ماننج وابتدأت الاشتباكات بين الطرفين 25/12/1320 -15مارس1903، وهزم الله البريطانيين الذين قتل منهم 29، ومن حلفائهم 187، وجُرح 29، وقد استمرت المعركة من السادسة صباحاً حتى الرابعة مساء أُجبر بعدها البريطانيون وحلفاؤهم على الانسحاب، وقد قتل من جيش الإمام عدد كبير لا يُدرى كم هو، وأخفقت الحملة الثالثة.
وعلى إثر هذه الانتصارات ارتفعت معنويات المجاهدين وقويت عزائمهم وكثر عددهم، والتفوا حول قائدهم الإمام محمد بن عبدالله حسن، فقررت الحكومة البريطانية إرسال حملة رابعة بقيادة الجنرال إيجرتون الذي أبحر من بومباي في 27 يونيو سنة 1903/1321هـ، ووضع خطة محكمة للقضاء على الإمام أو أسره، وطالبت الحكومة البريطانية امبراطور الحبشة المشاركة في الحملة، ودفعت له خمسة عشر ألف جنيه استرليني ليتمكن من نقل قواته في تلك المناطق الوعرة، وهُزم الإمام واستشهد من قواته ألف مجاهد، لكنه لم يُؤسر.
وبعد المعركة اقترحت الحكومة البريطانية على الإمام أن تتنازل له عن أجزاء من المحمية البريطانية والإيطالية، وأن تعترف به كرئيس إقليمي مستقل، وذلك مقابل بعض الامتيازات، وأن يودع مبلغاً من المال لدى الحكومة الإيطالية كضمان لحسن سيرته وسلوكه وتسليم أحد أبنائه رهينة ونزع سلاح أتباعه فرفض الإمام، وحُق له أن يرفض فالخديعة ظاهرة في هذا العرض الصليبي، وطلب الإمام من سلطان ميجرتين تقديم المساعدة له لنقل قواته وماشيته عبر أرضه فكاد أن يوافق لكن الانجليز أنذروه بأنهم سيحتلون بلاده لو صنع، فرفض طلب الإمام، الذي اتجه إلى الساحل بقواته في منطقة أليج حيث يمكنه الحصول على السلاح من شبه الجزيرة العربية، لكن الانجليز لم يتركوه فهاجموا قلعته التي سقطت تحت قوة نيرانهم، وتنسيقهم مع الإيطاليين، وتكبد الانجليز قتل ثمانية ضباط وعشرين من الجند الوطنيين الخونة وسبعة عشر صومالياً غير نظامي، أما خسائر الإمام فقد بلغت ألفي شهيد!! وأسر منهم 304، واستولى البريطانيون على 473 مسدساً وبندقيتين، وأعيرة نارية، ومائتين وثلاثة وعشرين حصاناً، و 36415 رأساً من الماشية، وهي خسائر هائلة، لكن الإنجليز خسروا خمسة ملايين جنيه في هذه الحملة وهو مبلغ هائل جداً آنذاك، وبعض المؤرخين يرى أن خسائر الإمام البشرية قد بولغ في تقديرها فهي أقل من ذلك، والله أعلم.
بعد هذه المعركة جنح الإمام للموادعة حتى يسترد أنفاسه ويعوض خسائره، وقبل وساطة الإيطاليين لعقد صلح مع البريطانيين والأحباش في اتفاق ستالوزا سنة 1323هـ/ 1905م، ويبدو أن إيطاليا خافت على مستعمرتها أن ينتفض فيها الصوماليون فسارعت للوساطة بين الإمام وأعدائه، وكان من بنود الصلح ما يلي:
1. عدم تدخل الإمام في شؤون القبائل الصومالية التي تحت حكم بريطانيا.
2. ألا يشتري جنوده السلاح، وألا يقوي الإمام الجيش.
3. تحديد أماكن المجاهدين في نطاق إقليم واحد معين بين رأس جاراد ورأس جابي، وهي من مناطق النفوذ الإيطالي، وفي نوجال، وبين سلطنتي هوبيا وميجرتين.
4. رفع الحصار عن الإمام وتمكينه من شراء ما يحتاجه إلا السلاح، وألا يتجر بالرقيق.
5. الحرية الدينية للإمام وأتباعه.
6. أن يحكم الإمام أتباعه بنفسه.
7. إبلاغ المجاهدين الحكومة الإيطالية بكل ما يمكن أن يعرض أمنهم للخطر.
8. عقد معاهدة صلح بين الإمام وبين القوى الصليبية الثلاث: الحبشة وإيطاليا وإنجلترا.
ـ استفاد الإمام من مدة الصلح هذه التي استمرت إلى سنة 1326/1908، واستطاع أن يجذب إليه بعض القبائل والعشائر، وكانت بريطانيا تحاول أن توغر صدر القبائل على الإمام حتى يوقعوا بينه وبينها، واتصلت بالدولة العثمانية عن طريق قنصلها هنالك محاولة أن تقنعها بالاتصال بالمشايخ في مكة حتى يصدروا فتوى تنكر فيها زعامة الإمام على قبائل الصومال لكنهم أخفقوا.
وهنا لجأ الانجليز والإيطاليون إلى حيلة ماكرة حيث استغلوا طرد الإمام للحاج عبدالله شجاري -أخلص أتباعه ورفيق الجهاد، وممثله في المفاوضات- من حركته، فنظم القنصل الإيطالي رحلة لوفد فيه مشايخ كبار وأوكلوا رئاسته للحاج عبدالله شجاري، وذهب الوفد إلى مكة في يوليو سنة 1908/1326هـ واشتكى إلى شيخ الطريقة الصالحية الصوفية التي يتبعها الإمام وأتباعه، وكذلك ذهب وفد من زعماء قبائل الصومال إلى مكة للغرض نفسه، وكانت حجة الوفدين أن الإمام قام بأعمال منافية لنهج الطريقة الصالحية!! فأرسل شيخ الطريقة الصالحية في الحجاز محمد صالح خطاباً إلى الإمام، وانتهز الإنجليز الفرصة فقاموا بطبع الخطاب وتوزيعه على نطاق واسع بين الصوماليين فأثر ذلك في أتباع الإمام وزُعزعت ثقتهم فيه، فما كان من الإمام إلا أن ألف رسالة بعنوان "قمع المعاندين" وأرسل صورة منها إلى شيخ الطريقة الصالحية في مكة وإلى السلطان العثماني، لكن حدث انقسام بين قادة المجاهدين، واشتدت العداوة بينهم جراء ذلك كله، وعقد بعضهم اجتماعاً قرروا فيه عزل الإمام أو قتله وانتخاب خليفة له لمواصلة الجهاد أو إنهاء الجهاد وحَلّ الحركة، لكن الإمام قبض على قادة هؤلاء وأعدمهم.
وهنا قررت بريطانيا استغلال الفرصة وعقد صلح جديد مع الإمام عارضة عليه خمسين ألف جنيه استرليني شهرياً إذا حسن سيره وسلوكه، لكن الإمام اشترط تسليم عدوه الحاج عبدالله شجاري، ودفع بعض التعويضات، والقبض على الصوماليين الذين أثاروا المشكلات الآنفة الذكر، ففشلت المفاوضات، وقررت بريطانيا إخلاء الداخل وتسليمه إلى القبائل وتسليحها والاستقرار في الساحل فقط في المدن: بربرة وزيلع وبلهار، فلما حدث هذا انقضت قوات الإمام على أعوان البريطانيين من الصوماليين ففتكوا بهم، وعمت الفوضى وبدأت الحرب الأهلية، وتدمرت طرق القوافل، وانقطعت سبل التجارة.
وانتقل الإمام من مناطق الإيطاليين التي فُرضت عليه في معاهدة 1323هـ 1905م إلى مناطق النفوذ البريطاني التي ارتحل عنها البريطانيون، وبنى عدداً من الحصون والقلاع أهمها حصن تاليح الذي ظل مقراً له إلى سنة 1338هـ/ 1920م، واحتل جنوده المعسكرات البريطانية في الصومال، وبسبب ما جرى من الفوضى قررت بريطانيا إعادة النظر في قرارها، وكونت قوة للشرطة تحفظ بها الأمن في البلاد، وأرسلت إيطاليا قوة احتلت مقديشو حتى تحاصر الإمام من الجنوب، وأصدرت أوامرها لسلطان تيجيرتين الصومالي بمهاجمة الإمام!! لكن الإمام انتصر على القوة المشتركة، وكان ذلك في 19/8/1329هـ 15أغسطس سنة 1911، وهذا كله يوضح أن الإمام ما زال في يده مفاتيح القوة في الصومال.
وفي 6/9/1331/ 9 أغسطس سنة 1913 حدثت معركة ضخمة بين الإمام والإنجليز بقيادة كورفيلد في دلما دوبي، وانتهت بهزيمة الإنجليز ومقتل كورفيلد، ونشرت الصحف البريطانية خبر المعركة بعنوان: "كارثة مروعة لقواتنا في الصومال" وأنشأ الإمام قصيدة بعنوان مصرع ريتشارد كورفيلد، وحصل المجاهدون على غنائم كثيرة، وانتشرت الأخبار في كل أنحاء الصومال، وانضم إلى المجاهدين عدد كبير ممن كان تحت حماية البريطانيين، وخاف الإيطاليون من المجاهدين الذين استولوا على برعو، وبربرة، وأرسلت بريطانيا قوة نجحت في إيقاف تقدم المجاهدين لكن وقعت الحرب العالمية الأولى وانشغلت انجلترا بها.
وفي المحرم سنة 1331هـ/ ديسمبر 1913 تولى على الحبشة الإمبراطور ليج ياسو الذي أسلم، وأرسل إلى الإمام مساعدات مالية وأسلحة، وأرسل له أحد الفنيين الألمان إلى حصن تاليح لإصلاح الأسلحة الأوروبية.
واتصل الإمام بالأتراك في عدن عام 1335/1916، وبالألمان، وفي ذلك القوت أُبعد الامبراطور ليج ياسو عن الحكم ، وراسل الانجليز الإمام طالبين الصلح فرفض، وواصل احتلال المواقع الحصينة منتهزاً فرصة انشغال الانجليز بالحرب العالمية الأولى ضد الألمان والأتراك.
وفي نهايات الحرب العالمية الأولى وبعد أن مالت النتائج لصالح الإنجليز وحلفائهم أرسل الانجليز حملة حربية من الهند للحفاظ على موانئ الصومال واسترداد ما فقدوه من مدن، ووقعت معركة انهزم فيها جند الإمام وتراجعوا إلى الداخل.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى قرر البريطانيون إنهاء المعركة مع الإمام، وأرسلوا الجنرال هوسكنز إلى بربرة لتقدير الموقف العسكري، ومن ثم قرر البريطانيون إرسال حملة من الجو -لأول مرة- والبر والبحر، ونسقوا مع الإيطاليين وزعماء القبائل الصومالية الموالية لها، وفي 29/4/1338هـ /21 يناير1920 ابتدأت القوات الجوية بضرب مواقع الإمام في ميديشي، واستمر القصف ثلاثة أيام جواً وبراً، ومات عدد كبير من المجاهدين، وانسحب الإمام إلى حصن تاليح، فأرسلت بريطانيا ثلاث طائرات حلقت على ارتفاع منخفض وأحرقت كل مواقع المجاهدين، وأسرت بعض زوجات وبنات الإمام وبعض قادته، واستطاع الإمام الفرار إلى منطقة باخيري، ومن ثم استقر في منطقة هي، وانضم إليه من بقي من رجاله المخلصين حتى بلغوا ألفاً ومعهم بعض الأسلحة، وهنا أرسل إليه الحاكم آرثر طالباً منه الاستسلام فرفض، ثم جرت جولات بينهما لم تسفر عن شيء، وهنا لما اشتد الحصار على الإمام انتقل إلى الأوجادين في الحبشة نازحاً من الصومال البريطاني طالباً الحماية لكن الأحباش قبضوا على رجاله، ومات الإمام في 11/3/1339هـ/ 23 نوفمبر 1920 متأثراً بمرض حَلّ به، ودفن في إيمي.
وهكذا انتهت قصة هذا الجهاد الرائع الطويل الممتد لأكثر من عشرين سنة حاكياً بطولة الإمام وأتباعه، وأن المسلم إن تعلق بالجهاد فإن أقوى القوى على ظهر الأرض ستقف عاجزة أمامه.
عوامل هزيمة الإمام :
هناك عدة عوامل تضافرت لهزيمة هذا البطل منها :
1. العلة الدائمة في افريقيا السوداء آنذاك وهي ضعف عقيدة الولاء والبراء عند كثير من المسلمين التي أدت إلى تعاون بعض زعماء المسلمين مع الكفار ضد المجاهدين، وهذه بلية كبيرة، وتمثل هذا في حالة الصومال بوقوف زعماء هرر وهوبيا وميجرتين ضد الإمام، وبعض زعماء القبائل.
2.قِصَر نظر بعض قادة المجاهدين الذين استجابوا لمكيدة الصليبيين وفتتوا صف الجهاد بقبولهم الذهاب إلى مكة واستصدار ما يضعف موقف الإمام أمام الصليبيين، وكان ذلك بسبب الأحقاد وسوء النظر.
3.القوة الحربية الهائلة لدى الانجليز خاصة سلاح الطيران الذي حسم المعركة في النهاية، وتحالف الانجليز مع الإيطاليين والأحباش ضده.
4.استخدام الإمام العنف في بعض الأحيان ضد بعض زعماء القبائل مما أثار حفيظتهم، وجنح بهم إلى أعدائه، وكان لقلة الوعي في القبائل أثر كبير في معاداة الإمام.
5.افتقاد الإمام الدعم من كل المسلمين خارج الصومال الذين كانوا مشغولين بأنفسهم وأحوالهم فلم ينجدوه ولم يلتفتوا إليه.
6.وجود الجواسيس والخونة في صفوف الصوماليين، وكانوا يدلون الانجليز على عورات جيش الإمام.
وقد دعا الإمام الصوماليين إلى قتلهم، وما أشبه صنيعهم هذا بصنيع العملاء والجواسيس والخونة اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان.
7.كان الإمام يتبع الطريقة الصالحية الصوفية التي تلقاها في مكة، بينما كان أغلب مشايخ الصومال يتبعون الطريقة القادرية، وهذا أدى إلى مناوئة المشايخ له وإضعاف قوته ولو اجتمعوا عليه لحصل خير كثير، لكن ما العمل وهذه علة يعاني منها المسلمون في كل زمان ومكان.
ومع كل تلك العوامل فقد كان لجهاد الإمام محمد بن عبدالله حسن أثر جليل، وتجلى فيه التالي :
1.قوة هذا الإمام وشجاعته وإباؤه، فقد تمالأت عليه قوى الإنجليز والإيطاليين والأحباش وطلبوا منه الصلح مراراً، وخضعوا عنده، وفشلت خمس حملات حربية وُجهت إليه من أقوى قوة موجودة على ظهر الأرض آنذاك، ورفض الاستسلام لهم حتى قضى نحبه عزيزاً كريماً.
2.إن المسلم الذي يعقد العزم على مواجهة الباطل وأهله يُحدث أثراً عظيماً في أعدائه، ويحيرهم بصموده وعزته، وينفع الله به، فهذا الإمام جاهد أعداءه عشرين سنة في أحوال لا تسعف، وأوقات الإدبار في العالم الإسلامي لا الإقبال ومع ذلك انظروا كيف استعصى على أعدائه ودوخهم.
3.إن المسلم الصالح الملتـزم بدينه الواعي لمتطلبات زمانه ذا العزيمة القوية هو العُدة الحقيقية لبلاده وقومه، وهو الأمل لهم بعد الله تعالى، أما ضعاف الإيمان والعزيمة والتطلعات فهم بلاء على أقوامهم وبلادهم، وقد ارتقى وعي هذا الإمام في أحوال كثيرة، واستطاع أن يتعامل مع معظم القوى التي كانت حوله آنذاك بحنكة وحسن تدبير، وإن خانه التوفيق ففي أحوال قليلة.
4.جمع الإمام بين التربية والجهاد والزعامة أي بين القوتين السياسية والدينية، وكان هذا أمراً نادراً في زمانه، وكان من توفيق الله تعالى له، فقد تيسير له شيء لم يتيسر لأكثر المصلحين في زمانه وقبله وبعده.
5.استطاع أن يجمع بين معظم قوى الشعب الصومالي ويوجهها لحرب أعداء الإسلام، وهذا -وإن كان في مدة قصيرة ولم يَطُل- لم يحدث في الصومال قبله منذ زمن الإمام أحمد بن إبراهيم الذي ذكرته في البداية.
6.حارب العادات السيئة المتفشية في الصومال مثل مضغ القات، والتدخين، وقام بمنع الاختلاط، وفرض الحجاب.
7.اهتم بالنساء، وأصلح حجابهن وضبطه، وعلمهن فنون القتال حتى كان منهم عدة فارسات.
وفي النهاية أقول إن الإمام المجاهد محمد بن عبدالله حسن يصلح أن يكون رمزاً للصوماليين اليوم يستلهمون منه العزة والقوة والشجاعة والإباء حتى يقفوا أمام أعدائهم المتربصين بهم شراً اليوم، والله الموفق
 
رد: الإمام المجاهد الصومالي محمد بن عبدالله حسن

من هو هذا الرجل
يا الرياضي انت تقوم بالحفر في كتب التاريخ خخخخخخخخخخخخخخ

فقط قرأت العنوان لاني ليس عندي وقت لاتمام الموضوع بسبب المشاغل وسأقرأ الموضوع بالكاملا لاحقا
 
رد: الإمام المجاهد الصومالي محمد بن عبدالله حسن

ماذا اقول لك يااخي لله درك وبورك قلمك وبوركت يد كتبت ذلك رحم الله الامام المجاهد والمجاهدين معه
 
عودة
أعلى