جاء قرار فرنسا تطوير مقاتلة متعددة المهام خاصة بها في الثمانينات من القرن الماضي ليقضي على المباحثات التي كانت جارية لضم فرنسا الى الكونسورسيوم الأوروبي الذي طور مقاتلة تايفون Typhoon، المعروفة في اسواق التصدير باسم يوروفايتر Eurofighter. ودخل النموذج الأول من الرافال Rafale، المعروف باسم أف - 1 F - 1 في خدمة سلاح البحرية الفرنسي في العام 1999، ولم ينتج منه سوى عشر طائرات. كانت قدرات هذا النموذج مقتصرة على مهمات الأعتراض والسيطرة الجوية ، حيث سلحت بصواريخ جو- جو من طرازي ميكا MICA وماجيك MAGIC. الا أن المصنع الرئيسي داسو افياسيون DassaultAviation بالاشتراك مع سلاح الجو الفرنسي، أطلق منذ ذلك الحين برامج عدة لتطوير هذه الطائرة لكي تحقق ما تسميه قدرة متعددة المهام متوازية Omnirole. ويمكن القول أن النماذج الحالية باتت تتمتع بقدرات متفوقة في تنفيذ مهمات متنوعة جدا وبكفاءة عالية.
منذ بداية المشروع، شددت وزارة الدفاع الفرنسية على تطوير طرازين أساسيين من الرافال، واحد مخصص لسلاح البحرية، والآخر لسلاح الجو. واتفق على ابقاء الفوارق بين النموذجين في حدها الأدنى لضبط التكاليف وتسهيل التطوير.
ومنذ العام 2006، تحول الأنتاج الى النموذج F2 الذي تميز بتحسينات عدة جعلت الطائرة ملائمة لتنفيذ المهمات جو - أرض، أهمها: القدرة على اطلاق صواريخ أيه أيه أس أم AASM بمدى 60 كلم، وسكالب SCALP البعيدة المدى بحدود 400 كلم، الى جانب عائلة الصواريخ الأميركية الموجهة بالليزر بيفواي Paveway. وأبلت هذه الأسلحة بلاء جيدا في الحرب الليبية الأخيرة. من ناحية أخرى، أضيف الى الرادار من نوع آر بي أي 2 RBE2 وظائف جديدة تلائم المهمات جو - أرض، الى جانب جهاز بصري هامد يعرف باسم OSF. وتم ايضا تحسين نظام التشويش المدمج سبكترا Spectra، ووصلة معلومات من نوع لينك 16 القياسية في قوات حلف النيتو، هذا الى جانب القدرة على تزويد طائرات رافال أخرى بالوقود جوا. وفي هذه الحالة، تزود طائرة أو طائرتين من السرب بعدة خزانات وقود اضافية دون أن تضطلع بمهمات قتالية للقيام بهذه المهمة. وبذلك، يتم الأستغناء عن تخصيص طائرات كبيرة من نوع كاسي 135 بهذه المهمة.
منذ أواسط العام 2008، بدأ انتاج النموذج الثالث المعروف باسم أف - 3 F - 3. ويتميز هذا الأخير بتحسينات على نظام التشويش الألكتروني سبكترا، ومودم محسن لتوزيع البيانات من نوع IDM. وهذا الأخير يتيح ارسال صور، ومعلومات، وخرائط، وصوت الى وحدات أخرى وقيادات بصورة مشفرة. ومن ناحية التسليح، بات في امكان نموذج أف - 3 اطلاق القنابل الموجهة ليزريا من عائلة جي بي يو GBU بصورة مستقلة بفضل قدرته على حمل حاضن داموكليس Damocles الجديد. يذكر في هذا الصدد أن نموذج أف - 2 كان يحتاج الى طائرة أخرى من نوع ميراج 2000 دي Mirage 2000 D لتوجيه القنابل الليزرية التي يحملها. هذا الى جانب القدرة على حمل حاضن ريكو - أن جي Reco-NG المتطور للاستطلاع، وصواريخ ايه أم - 39 اكزوسيت AM-39 Exocet المضادة للسفن، وصاروخ أيه أس أم بي - أيه ASMP-A النووية. من ناحية أخرى، بدأ في العام 2011 تزويد طائرات رافال بوصلة معلومات من نوع روفر Rover. وهذه الوصلة المستخدمة على نطاق واسع في حلف النيتو تتيح ارسال الفيديو من سلسلة من الحواضن مثل ال ريكو - أن جي للاستطلاع، وداموكليس للتصويب، ونظام الرؤية الأمامية OSF، الى جانب تسهيل التواصل السريع والتصويب بين القوات البرية والقوات الجوية.
تجدر الأشارة الى تنفيذ سلاحي الجو والبحرية الفرنسيين لبرنامج قامت بموجبه بتحديث كل طائرات نموذج أف - 2 الى مستوى أف -3، بحيث بات الأسطول الكامل من هذه الطائرات متمتعا بقدرات متشابهة متفوقة. وفي أواخر العام 2009، قررت وزارة الدفاع الفرنسية تخصيص 300 مليون يورو لتنفيذ برنامج تحديث لأول عشر طائرات من نموذج أف - 1 التي سلمت لسلاح البحرية، كي يتم رفع مستواها الى نموذج أف - 3 الأحدث خلال السنوات القادمة.
وحسب البرنامج الحالي، فان مجموعة الأنتاج الرابعة Lot 4 من الرافال أف - 3 التي سيبدأ انتاجها في أواسط العام 2013 ستتمتع بقدرات جديدة، اهمها رادار RBE2 AESA نشط محسن الذي طورته شركة تاليس Thales ويبلغ مداه 180 كلم، أي ضعف مدة الرادار الحالي. يضاف الى ذلك جهاز بصري جديد من نوع OSF-IT بالأشعة تحت الحمراء، و نظام إنذار من الصواريخ المعادية محسن يعرف باسم DDM-NG، وقدرة على حمل 64 خرطوشة تشويش بالأشعة تحت الحمراء بدل 32. ومن ناحية التسليح، ستتمكن طائرات هذه المجموعة من حمل قنابل ثقيلة موجهة بالليزر من نوع جي بي يو - 24 زنة 900 كلغ.
بين أفغانستان وليبيا
هذه التحسينات المتدرجة رفعت مستوى طائرة رافال بشكل كبير جدا خلال السنوات القليلة الماضية. وصحيح أن القيادة الفرنسية قررت استخدام هذه الطائرات في أفغانستان منذ سنوات عدة، الا أن نطاق عملها كان محدودا بعض الشيء بسبب طبيعة العمليات المنخفضة النطاق في هذا البلد. فقوات طالبان لا تملك سلاحا جويا أو بحريا، ولا دبابات أو عربات قتال مدرعة، وتتنقل على الأقدام أو بعربات خفيفة مدنية. لذلك فان استخدام طائرات متطورة في مواجهتها عملية مكلفة وذات فعالية محدودة.
في المقابل، فان طبيعة العمليات في ليبيا يكاد يكون مثاليا لاستخدام مقاتلات رافال. ذلك أن معظم الأراضي الليبية صحراوية الطابع، مما يجعل من الصعب الاختباء من القصف الجوي. كما أن وجود المدن الرئيسية على شاطيء المتوسط يسمح باستخدام حاملة الطائرات الفرنسية الوحيدة شارل دي غول التي تحمل مزيجا من طائرات رافال البحرية وسوبر أيتندار على أفضل وجه من خلال تمركزها على مسافة قريبة نسبيا من الأراضي الليبية نحو 200 كلم حسب بعض المعلومات. أما طائرات سلاح الجو من نوع رافال المخصصة لمسرح العمليات الليبية، فقد انتقلت في بداية التدخل من قواعد في وسط وشمال فرنسا، الى قاعدة سولانزارا في جزيرة كورسيكا في أقصى الجنوب الفرنسي. وقد أبلت طائرات رافال بلاء ممتازا في ليبيا، حيث كانت قادرة على تنفيذ مهمات متنوعة مثل التفوق والسيطرة الجوية، والدعم البري التكتيكي، والقصف جو-أرض على مسافات بعيدة ضد أهداف محصنة، وتزويد طائرات أخرى بالوقود في الجو، والاستطلاع التكتيكي والاستراتيجي. وتعتبر الأوساط الفرنسية أن مسرح العمليات الليبي أثبت مرونة الطائرة وفعاليتها، ويعولون على هذه النتائج لتسويق طائرة رافال في الأسواق الخارجية.
إضافات مرتقبة
بيد أن العمليات في ليبيا أظهرت أيضا الحاجة الى أسلحة جو-أرض أقل قوة من قنابل جي بي يو - 12 GBU-12 أو صواريخ أيه أيه أس أم AASM، إذ ان كلاهما بوزن 250 كلغ. وقد تبين أن قصف بعض الأهداف العسكرية في المدن أو على مقربة منها بهذه الأسلحة متعذر أو محفوف بالخطر، مخافة إصابة أهداف مدنية. لذلك يدرس سلاح الجو الفرنسي اقتناء صواريخ بريطانية خفيفة زنة 50 كلغ من نوع بريمستون Brimstone. وقد أثبتت هذه الأخيرة فعاليتها الكبيرة عند استخدامها من طائرات "تورنادو" البريطانية، حيث أن نطاق الأذية الجانبية Collateral Damage لا يزيد عن عشرة أمتار من مركز الانفجار. هذا وسبق لوزارة الدفاع الفرنسية أن درست تزويد ال رافال بحاضنتين للقذائف الصاروخية تحمل كل واحدة بين 8 و12 قاذفا، وذلك للعمليات المنخفضة القوة.
كذلك تعمل شركة ساجيم Sagem الفرنسية على تطوير نماذج زنة 450 و900 كلغ من صاروخ أيه أيه أس أم AASM لضرب الأهداف المحصنة بشدة، الى جانب تطوير نموذج يعمل بالتوجيه الليزري لضرب الأهداف المتحركة. ويتوقع أن يدخل هذا الأخير الخدمة العملانية في العام 2012.
وفي أواخر العام 2011، من المتوقع بدء تسليم نموذج محسن من محركات أم 88 M88 التي تصنعها شركة سنيكما Snecma الفرنسية يعرف باسم أم 88 - أي 4 M88E4. وهذا الأخير يزيد من اعتمادية المحرك، ومن فترة عمره بمقدار 30 بالمائة. ومن المتوقع إدخال هذه التحسينات بشكل تدريجي على نحو 260 محركا من هذا النوع تم إنتاجه حتى الآن.
من ناحية أخرى، من المقرر تزويد الرافال، على غرار مقاتلات أوروبية أخرى عدة مثل التايفون Typhoon والغريبن Gripen بصواريخ جو - جو بعيدة المدى من نوع ميتيور Meteor بحلول العام 2018. إلا أن المصادر الفرنسية أشارت الى أن موعد الدخول في الخدمة سيكون أقرب بكثير في حال قررت الإمارات العربية المتحدة اقتناء هذا الصاروخ المتطور. وستزود الرافال ببرامج كمبيوترية تشبيهية للتدريب على استخدام الصاروخ الجديد منذ العام 2013.
خارطة طريق للمستقبل
في المستقبل الأبعد، فان الدراسات الجارية بين وزارة الدفاع الفرنسية والشركات الصناعية المشتركة في برنامج رافال تتركز على التحسينات المقترحة التالية:
- تحسين المقطع الراداري للطائرة Radar Cross Section لخفض امكانية اكتشافها من قبل الرادارات المعادية.
- إضافة صفيفات رادارية Radar Arrays لتحسين التغطية الرادارية الجانبية.
- إضافة قدرة التحديد الجغرافي الدقيق للإشارات الالكترونية المعادية Precision emitter
geolocationعلى نظام الحرب الالكترونية سبكتر Specter.
- قدرة على الاتصال بواسطة الأقمار الصناعية.
- قدرة على توجيه العربات غير المقودة من الطائرة.
فرص التصدير
منذ بداية برنامج الرافال، سعت فرنسا الى تصدير الطائرة لجني الأرباح وتعويض جزء من كلفة التطوير. الا أنه لم يتم حتى الآن توقيع أي عقد مع دولة أجنبية، علما أن المفاوضات جارية بهذا الصدد مع دول عدة مثل البرازيل والإمارات العربية المتحدة والهند. ويخضع قرار الشراء الى عدة اعتبارات، منها المالية والسياسية والتعويضات الصناعية. لكن يبقى أن الاعتبارات التقنية تلعب دورا كبيرا في أي قرار شراء. على هذا الأساس، فان التحسينات الكثيرة والمتدرجة التي أدخلت على الطائرة جعلتها أكثر جاذبية للأسلحة الجوية العالمية. كما أن الشركاء الصناعيين في البرنامج مستعدون لإدخال التعديلات والتحسينات التي قد يطلبها أي زبون، لكن بعد الاتفاق على التفاصيل التقنية والمالية المتصلة بهذه التعديلات.
هذا، ويجري الحديث عن تطوير نموذج جديد من محرك أم 88 الحالي تبلغ قوة دفعه 9 أطنان بالمقارنة مع قوة الدفع الحالية البالغة ٥.٧ طن، علما أن طائرة رافال مزودة بمحركين. وقد أجريت اختبارات عملية على هذه التحسينات، الا أن وزارة الدفاع الفرنسية لم تمول هذا المشروع. وتعتقد أوساط الصناعة العسكرية أن تطوير النموذج الجديد من المحرك مرتبط بالمفاوضات الجارية لشراء الرافال من قبل الإمارات العربية المتحدة. فخلال المفاوضات بين الجانبين، أبدت السلطات العسكرية الإماراتية اهتماما بنموذج جديد أكثر قوة من المحرك. وقد تقوم بتمويل هذا البرنامج.
إلا أن التركيز الحالي منصب على الهند التي اتخذت قرارا بشراء نحو 126 مقاتلة جديدة للحلول محل طائرات ميغ - 21MiG - 21 وميغ - 27 MiG - 27 وجاغوار Jaguar المتقادمة. وبعد إطلاق منافسة عالمية ضمت طائرات أميركية وسويدية وروسية وفرنسية وأوروبية الصنع، أعلنت الهند في 27 نيسان ابريل الماضي أنها أبقت في المنافسة طائرتي رافال الفرنسية التي ينتجها كونسورسيوم فرنسي بقيادة داسو افياسيون Dasssault Aviation وتايفون التي ينتجها كونسورسيوم أوروبي. وتقوم الهند بدراسة عروض الفريقين، على أن تتخذ قرارا في ربيع العام 2012. وتقدر قيمة الصفقة المرتقبة بنحو 10 مليارات دولار، وتتضمن إنتاج مكونات من الطائرة الفائزة في الهند.
واذا ما فازت الرافال بهذا العقد، فسيتيح ذلك زيادة وتيرة الإنتاج الحالية الى درجة كبيرة، وخفض الكلفة الإفرادية للطائرة على وزارة الدفاع الفرنسية، وتسريع تنفيذ برامج تحسين، الى ما هنالك من منافع صناعية ومالية. هذا علما أن طائرة تايفون قد فازت بطلبات تصدير من كل من النمسا والمملكة العربية السعودية، الى جانب الدول الأوروبية المشتركة في البرنامج منذ إطلاقه، فيما لم تصدر الرافال بعد. وتبدو مواصفات الطائرتين متشابها في عدة نواح، لكن الرافال قطعت شوطا أكبر في تطوير قدراتها، خصوصا في المهمات جو - أرض. أما التايفون، فان قدراتها جو - أرض لا تزال محدودة بعض الشيء. فخلال العمليات الأخيرة في ليبيا، اقتصرت العمليات جو - أرض التي نفذتها الطائرة على اطلاق صواريخ بيفواي Paveway زنة 450 كلغ. لكن أوساط الكونسورسيوم الأوروبي تشدد على أن القدرات من ناحية الرادار والأنظمة الالكترونية والتسليح ستزداد بشكل كبير خلال السنوات القادمة.
مهما يكن من أمر، لا شك أن طائرة رافال أثبتت جدارتها التقنية والعملياتية، ويبقى أن تترجم ذلك في اسواق التصدير كي تضمن للصناعة الفرنسية سنوات انتاج طويلة تتناسب مع الجهود التقنية والمالية الضخمة التي قامت بها على مدى أكثر من عشرين عاما لتطوير مقاتلة فرنسية متعددة المهام من الجيل الخامس.
المصدر
مجلة الدفاع العربي