يعتري مضمون الخطاب السياسي مفاتيح تستثير المعنى المختزن لدى الإنسان، وذلك يتطلب مهارة وإبداع سياسي يركن إلى نظريات جديدة في العلوم السياسية. فالكلمات في حد ذاتها لا معنى لها وإنما هي رموز لمعان مستقرة لدى الرأي العام حسب جون ميرل. لذلك فإن أكبر التحديات التي ستواجه العرب في صراعهم مع الكيان الصهيوني خلال القرن الحادي والعشرين هو تحدي المضمون برغم التطور التقاني الذي سنح الفرصة للصورة بالتقدم على الكلمة. لقد تنهاى لمسامعي خلال النصف الأول من العدوان الإسرائيلي على فلسطين وتحديدا في قطاع غزة المحاصر، تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسبي ليفني التي قالت بعد غزو جيش الاحتلال قطاع غزة "إن حركة حماس ليست خطرا على إسرائيل فحسب وإنما على الفلسطينيين أيضا". وببساطة، فإن هذا المضمون للخطاب السياسي الإسرائيلي قد لفت انتباهي لرؤية جديدة في السياسة الصهيونية تبتغي بها كسب مظهر الصدق وبمعنى أدق كسب ثقة الجمهور المراد إقناعه، والبساطة والتكرار للوصول إلى أذهان ومشاعر الناس بسرعة والنفاذ إلى ذاكرتهم التي لن تتذكر إلا ما استوعبته بسهولة وبكثرة. ثم إن إستخدام الرموز و ضرب الأمثلة فالذاكرة البشرية يسهل أن تختزن و أن تستدعي الصور ذات الدلالات المرتبطة بمخزون الذاكرة الموروث أو المكتسب وهذه من أهم مكونات الدعاية والإقناع المعاصرة. لقد كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن أول من استخدم نظرية (العدو المشترك) ضد ما أسماه بالـ"الإرهاب"، وبها استطاع جلب الأصدقاء والأعداء بعد أحداث 11 سبتمبر في خندق واحد حين قال: (من ليس معنا فهو ضدنا). وينم هذا المضمون عن تهديد مبطن لمعارض سياسة الولايات المتحدة يرتكز إلى النفوذ القوي الذي تتمتع به بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وحسب أحمد شومان، في كتابة حول دور الإعلام في تكوين الرأي العام; حرب الخليج نموذجا، فإن الدعاية هي لب التأثير الإعلامي الذي يقصد به أن تجعل الآخرين يطيعونك أو يذعنون لك أو ببساطة تعظيم التشابه في الفكر والسلوك بين المرسل والمستقبل ويختلف التأثر عن التعليم والفهم واكتساب المعلومات والمعنى والتفاعل وجذب الاهتمام لكنه قد يكون كل هذه الأشياء. هذه المضمون جاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 حين اعتبرت حزب الله ذراعا عسكريا لإيران، وإن الحزب يهدد سيادة لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. حقيقة هي أرادت جلب العدو والصديق في خندق واحد ضد حزب الله والمستفيد هو الكيان الصهيوني، وهو ما أرادت تحقيقه ليفني أثناء القصف الجوي والبحري والبري على قطاع غزة. إن ارفع تصريح ينتمي إلى هذه المدرسة أدلى به رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي قال حين اعتلى منصة الخطباء أمام منظمة الإيباك) قبل يومين في اواشنطن: "إن المشروع النووي الإيراني يشكل خطرا على إسرائيل والعرب". إنها نفس النظرية التي جاءت في مضمون خطاب بوش ورايس وليفني وترتكز إلى عنصر القوة. وتتزامن تصريحات نتنياهو مع دعوة أميركية لعدد من الدول - من بينها إسرائيل لأول مرة - للتوقيع على معاهدة عدم نشر السلحة النووية. كما أن خطاب نتنياهو جاء عشية تقرير الأمم المتحدة الداخلي الذي اتهم إسرائيل بانتهاكات للقانون الدولي خلال حربها على الوطنيين الفلسطينيين في قطاع غزة حيث استخدمت أسلحة دمار شامل فوسفورية فوق المناطق المأهولة بالمدنيين وأخرى مخصبة باليورانيوم في المنطقة الحدودية مع مصر لإلحاق الأذي بكل من يعبر الأنفاق بين فلسطين ومصر. ويبدو أن حمى الجدل النووي امتدت إلى مصر حيث أعلن مفتشوا وكالة الطاقة الدولية عن اكتشاف اشعاعات تدل على تخصيب لليورانيوم. إن منطقة الشرق الأوسط باتت على "كف عفريت" بعد تولي أحزاب اليمين المتطرفة دفة الحكم في إسرائيل. وينجلي هذا الخطر في مضمون الخطاب الإسرائيلي الذي جاء تقليدا لمضمون الخطاب السياسي في الولايات المتحدة في ثلاثة أمور أولها: التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إذاناً بمرحلة جديدة يبسط خلالها الكيان الصهيوني نفوذه على أرض فلسطين المحتلة باستراتيجيات عسكرية مختلفة. والأمر الثاني هو الإجهاظ على المقاومة البنانية وعليه فإن الحديث عن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جزء في قرية الغجر اللبنانية يضمر استراتيجية جديدة للتعامل مع لبنان تركن إلى الخلافات اللبنانية الداخلية تكون أشبه بالخطة التي رسمها شارون لقطاع غزة. أما الأمر الأخير فهو استهداف إيران وتكرار مفهوم واحد هو أن خطر المشروع النووي الإيراني لا يهدد أمن إسرائيل فحسب ولكن يهدد العرب والعالم أجمع. لذلك فإن مضمون الخطاب السياسي الأميركي والإسرائيلي يعبر به عن نظرية جديدة يمكن تسميتها بنظرية "العدو المشترك" التي يتماهى في بوتقتها الأطراف المتخاصمة. ولعل أحدث هذه السياسة تصريحات الرئيس أوباما حول العدو المشترك لأفغانستان باكستان ولولايات المتحدة. بقي شيء أخير.... إن هذا الترهيب من خطر وهمي هو "العدو المشترك" يصدر عن طرف يمتلك أكثر من مئتي رأس نووي، ويمارس سياسة التمييز العنصري، ويحتل أراض عربية منذ القرن الماضي، وثبت تورطه باتنفيذ بجرائم حرب ضد الوطينني الفلسطينيين وأماكن مأهولة في بلدان عربية أخرى مع سبق الإصرار. فإسرائيل هي من دمرت المفاعل النووي العراقي وموقع عسكري في سوريا وتسعى لضربة وقائية ضد إيران. إن المطلوب من العرب صنع السياسة وليس التأثر بها، أما إيران فعليها احترام جيرانها العرب وإظهار النوايا الحسنة كي تفقئ أعين الأعداء الحقيقيين للعرب وإيران ومن ثم خلق إجماع لدعم المقاومة ضد العدو الحقيقي للسلام والاستقرار العالمي. بقلم: جودت مناع مستشار إعلامي.المصدر
http://www.algeriatimes.net/algerianews71.html