تعد الدراسة التي أصدرها مركز زايد للتنسيق والمتابعة باسم إشكالية فهم الإسلام في الغرب ، للدكتور محمد خليفة حسن غاية في الأهمية .
وذلك من منطلق أنها إحدى أهم الإشكاليات المطروحة في وجه حوار إسلامي – غربي ، نظراً لقصور فهم الغرب للإسلام ، وهو القصور الذي ساهمت فيه عوامل متعددة ، وأذكته القراءة بالحديث عن حتمية الصدام بين الحضارات .
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة لا في موضوعها الحيوي ولا في أسلوبها التحليلي التوثيقي فحسب ، وإنما أيضاً في دعمها للمنهج الذي يضطلع به مركز زايد للتنسيق والمتابعة منذ قيامة في سبيل إرساء أسلوب الحوار بين الأمم الشعوب ، والبحث عن نقاط الالتقاء بينها ، بغية إرساء قواعد السلم والتعايش والتفاهم لخدمة الحضارة الإنسانية ، لذلك فإن نشر هذه الدراسة سيساهم في إزالة رواسب سوء الفهم التي خلفتها بعض القراءات الخاطئة للإسلام وثقافته ، خاصة قراءات الاستشراق التي عانت في الغالب من غياب الموضوعية بوصف الإسلام بما ليس فيه ، والابتعاد عن جوهره كدين ، وعدم فهم النص الديني الإسلامي بشكل صحيح ، وبروز عوامل التحيز .
وإذا كان المركز قد فتح حوار جادا خلا ل السنة الماضية استدعى له مختلف المفكرين والسياسيين من الشرق والغرب وأصدر عنه عشرات الكتب والدراسات ، لإبراز سوء الفهم بين الإسلام والغرب ، والذي برز بشكل ملفت للانتباه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فإن ميزة هذه الدراسة سوء فهم الغرب للإسلام من خلال التركيز على القراءة الاستشراقية ، التي اتسمت بغياب الموضوعية فيها ، من خلال وصف الإسلام بما ليس فيه ، والابتعاد عن جوهره كدين ، وعدم الاستفادة مما توحي به نظرية الفهم في تاريخ الأديان .
وقد بينت الدراسة أن القرن التاسع عشر أنجب معظم المستشرقين المعادين للإٍسلام ، وشهد جل النظريات التي بنيت عليها النظريات التقليدية التي كررها مستشرقو القرن العشرين ، وأصبحت حقائق استشراقية غير قابلة للتغيير ، فدرس الإسلام في إطار الفلسفة الاستعمارية ، والأهداف التنصيرية ، والرؤية العلمانية والإلحادية ، فضلاً عن الاتجاه العقدي لدى المستشرقين.
وقد شهد القرن التاسع عشر - الذي يعد أخطر قرون الاستشراق – مرحلة جديدة من تقارب السياسة والاستشراق ، باستغلال الأفكار الواردة من حركة المستشرقين ضمن مفهوم الممارسة السياسية للقوى الأوروبية في الشرق .
وعند حديثها عن غياب الموضوعية في القراءة الاستشراقية للإسلام أرجعت الدراسة أسباب ذلك إلى مجموعة عوامل منها : خضوع المستشرق لرؤيته الذاتية ولأهوائه ، مما نتج عنه تصورات غير موضوعية عن الإسلام ، إذ مهما كان المستشرق متعاطفاً مع الإسلام والمسلمين ، فإن خضوعه للذاتية أدى إلى ظهور رؤى استشراقية خيالية لا تتفق مع الواقع الإسلامي للدين والمجتمع ، فخلقوا شرقا جديدا من صنع خيالهم. كما أن من أسباب فشل الاستشراق في الوصول إلى جوهر الإسلام وحقيقته إهمال البعد الديني في دراسة الإسلام ومعرفته ، وذلك من خلال تركيز المستشرقين المحموم على عوامل غير دينية ، واعتبارها الأساس في نشأة الإسلام.
وتستخلص الدراسة أن الاستشراق لم يصل في الماضي إلى فهم جيد للإسلام كدين وحضارة ، ولن يتمكن من ذلك في الحاضر والمستقبل ، طالما سيطرت عوامل التحيز المختلفة على عقل المستشرق ووجدانه ، ونأى عن الموضوعية والإجراءات العلمية ، التي يتيحها علم تاريخ الأديان الذي استفادت منه مختلف الأديان باستثناء الإسلام ، حيث ظلت النظرة إليه محكومة بالرؤية المسبقة ، والأهداف غير العلمية .
ولا شك أن هذه الدراسة بوقوفها عند القراءات الاستشراقية ، وما رافقها من سوء فهم للإسلام وحضارته ، وبما اشتملت عليه من تحليل رصين وتوثيق دقيق لرواسب سوء فهم الغرب للإسلام نتيجة للقراءات الخاطئة مما أصبح يمثل عائقاً في سبيل فتح حوار جاد ، لا شك أن هذه الدراسة بكل ذلك ستمثل إسهاما نوعيا في الجهود التي يبذلها مركز زايد لترسيخ مبدأ الحوار وفهم الآخر ، ومعرفة كيف ينظر إلينا وما هي الأسباب الأنجع لإيصال الثقافة العربية وإرثها الإسلامي الغني في نطاق التأثير والتأثر الإيجابيين بين الحضارات ، وبعيداً عن الصدام والحرب.
***
حوار عن بعد
حول حقوق الإنسان في الإسلام
صدر منذ فترة في جدة [عن دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع ] كتاب حوار عن بعد للدكتور عبد الله بن بيه يتألف من خمسة أبواب ، ويتضمن تعريف حقوق الإنسان في المفهومين الإسلامي والغربي ، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في الإسلام ، وحقوق الإنسان بين العالمية وتأثير التنوع الثقافي ، وأسس الاختلاف بين النظرية الإسلامية وبين النظرية الغربية ، إضافة إلى باب آخر أخير للخاتمة والمقترحات ، ثم ملاحق عن (إعلان القاهرة الإسلامي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومشروع إعلان طهران حول دور المرأة في تنمية المجتمع والبيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام).
ويورد الكتاب الآراء والنقاشات التي دارت بين عدد من الحقوقيين والمثقفين حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متسائلاً : (ما هي الانتقادات الجديدة ؟ في نهاية القرن العشرين تكتشف أن حقوق الإنسان التي منحت للإنسان في القرنين الماضيين ، إنما كرست حرية رأس المال أو الحرية الاقتصادية التي أصبحت في نهاية المطاف استعباداً للإنسان بحيث صارت حرية تنقل رأس الأموال تمثل طغياناً حول الإنسان نفسه والأرض كلها إلى سلع).
مجلة الكوثر ، العدد 46 ، جمادى الآخرة 14254هـ.
وذلك من منطلق أنها إحدى أهم الإشكاليات المطروحة في وجه حوار إسلامي – غربي ، نظراً لقصور فهم الغرب للإسلام ، وهو القصور الذي ساهمت فيه عوامل متعددة ، وأذكته القراءة بالحديث عن حتمية الصدام بين الحضارات .
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة لا في موضوعها الحيوي ولا في أسلوبها التحليلي التوثيقي فحسب ، وإنما أيضاً في دعمها للمنهج الذي يضطلع به مركز زايد للتنسيق والمتابعة منذ قيامة في سبيل إرساء أسلوب الحوار بين الأمم الشعوب ، والبحث عن نقاط الالتقاء بينها ، بغية إرساء قواعد السلم والتعايش والتفاهم لخدمة الحضارة الإنسانية ، لذلك فإن نشر هذه الدراسة سيساهم في إزالة رواسب سوء الفهم التي خلفتها بعض القراءات الخاطئة للإسلام وثقافته ، خاصة قراءات الاستشراق التي عانت في الغالب من غياب الموضوعية بوصف الإسلام بما ليس فيه ، والابتعاد عن جوهره كدين ، وعدم فهم النص الديني الإسلامي بشكل صحيح ، وبروز عوامل التحيز .
وإذا كان المركز قد فتح حوار جادا خلا ل السنة الماضية استدعى له مختلف المفكرين والسياسيين من الشرق والغرب وأصدر عنه عشرات الكتب والدراسات ، لإبراز سوء الفهم بين الإسلام والغرب ، والذي برز بشكل ملفت للانتباه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فإن ميزة هذه الدراسة سوء فهم الغرب للإسلام من خلال التركيز على القراءة الاستشراقية ، التي اتسمت بغياب الموضوعية فيها ، من خلال وصف الإسلام بما ليس فيه ، والابتعاد عن جوهره كدين ، وعدم الاستفادة مما توحي به نظرية الفهم في تاريخ الأديان .
وقد بينت الدراسة أن القرن التاسع عشر أنجب معظم المستشرقين المعادين للإٍسلام ، وشهد جل النظريات التي بنيت عليها النظريات التقليدية التي كررها مستشرقو القرن العشرين ، وأصبحت حقائق استشراقية غير قابلة للتغيير ، فدرس الإسلام في إطار الفلسفة الاستعمارية ، والأهداف التنصيرية ، والرؤية العلمانية والإلحادية ، فضلاً عن الاتجاه العقدي لدى المستشرقين.
وقد شهد القرن التاسع عشر - الذي يعد أخطر قرون الاستشراق – مرحلة جديدة من تقارب السياسة والاستشراق ، باستغلال الأفكار الواردة من حركة المستشرقين ضمن مفهوم الممارسة السياسية للقوى الأوروبية في الشرق .
وعند حديثها عن غياب الموضوعية في القراءة الاستشراقية للإسلام أرجعت الدراسة أسباب ذلك إلى مجموعة عوامل منها : خضوع المستشرق لرؤيته الذاتية ولأهوائه ، مما نتج عنه تصورات غير موضوعية عن الإسلام ، إذ مهما كان المستشرق متعاطفاً مع الإسلام والمسلمين ، فإن خضوعه للذاتية أدى إلى ظهور رؤى استشراقية خيالية لا تتفق مع الواقع الإسلامي للدين والمجتمع ، فخلقوا شرقا جديدا من صنع خيالهم. كما أن من أسباب فشل الاستشراق في الوصول إلى جوهر الإسلام وحقيقته إهمال البعد الديني في دراسة الإسلام ومعرفته ، وذلك من خلال تركيز المستشرقين المحموم على عوامل غير دينية ، واعتبارها الأساس في نشأة الإسلام.
وتستخلص الدراسة أن الاستشراق لم يصل في الماضي إلى فهم جيد للإسلام كدين وحضارة ، ولن يتمكن من ذلك في الحاضر والمستقبل ، طالما سيطرت عوامل التحيز المختلفة على عقل المستشرق ووجدانه ، ونأى عن الموضوعية والإجراءات العلمية ، التي يتيحها علم تاريخ الأديان الذي استفادت منه مختلف الأديان باستثناء الإسلام ، حيث ظلت النظرة إليه محكومة بالرؤية المسبقة ، والأهداف غير العلمية .
ولا شك أن هذه الدراسة بوقوفها عند القراءات الاستشراقية ، وما رافقها من سوء فهم للإسلام وحضارته ، وبما اشتملت عليه من تحليل رصين وتوثيق دقيق لرواسب سوء فهم الغرب للإسلام نتيجة للقراءات الخاطئة مما أصبح يمثل عائقاً في سبيل فتح حوار جاد ، لا شك أن هذه الدراسة بكل ذلك ستمثل إسهاما نوعيا في الجهود التي يبذلها مركز زايد لترسيخ مبدأ الحوار وفهم الآخر ، ومعرفة كيف ينظر إلينا وما هي الأسباب الأنجع لإيصال الثقافة العربية وإرثها الإسلامي الغني في نطاق التأثير والتأثر الإيجابيين بين الحضارات ، وبعيداً عن الصدام والحرب.
***
حوار عن بعد
حول حقوق الإنسان في الإسلام
صدر منذ فترة في جدة [عن دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع ] كتاب حوار عن بعد للدكتور عبد الله بن بيه يتألف من خمسة أبواب ، ويتضمن تعريف حقوق الإنسان في المفهومين الإسلامي والغربي ، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في الإسلام ، وحقوق الإنسان بين العالمية وتأثير التنوع الثقافي ، وأسس الاختلاف بين النظرية الإسلامية وبين النظرية الغربية ، إضافة إلى باب آخر أخير للخاتمة والمقترحات ، ثم ملاحق عن (إعلان القاهرة الإسلامي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومشروع إعلان طهران حول دور المرأة في تنمية المجتمع والبيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام).
ويورد الكتاب الآراء والنقاشات التي دارت بين عدد من الحقوقيين والمثقفين حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متسائلاً : (ما هي الانتقادات الجديدة ؟ في نهاية القرن العشرين تكتشف أن حقوق الإنسان التي منحت للإنسان في القرنين الماضيين ، إنما كرست حرية رأس المال أو الحرية الاقتصادية التي أصبحت في نهاية المطاف استعباداً للإنسان بحيث صارت حرية تنقل رأس الأموال تمثل طغياناً حول الإنسان نفسه والأرض كلها إلى سلع).
مجلة الكوثر ، العدد 46 ، جمادى الآخرة 14254هـ.