القيادة السورية تمتلك خطة التقدم العسكري الإسرائيلي لدمشق عثرت عليها في دبابات اسرائيلية دمرت: دنيا الوطن
هل يتسع نطاق الحرب الراهنة في لبنان ليشمل سوريا..؟
السؤال لا يطرح فقط في ضوء التحذيرات السورية العلنية بأن دمشق ستدخل الحرب في حالة حدوث خرق اسرائيلي بري لشرق لبنان, ولا يقلل من اهميته الإعلانات الإسرائيلية المتتالية بأن اسرائيل لن تستهدف سوريا, ما دامت اسرائيل باستهدافها لحزب الله, وقبل ذلك سعيها إلى جانب اميركا لإخراج القوات السورية من لبنان مارست عملية تقرب غير مباشر من سوريا, وفقا لقواعد الإستراتيجية العليا.
السؤال يطرح في ضوء معلومات مؤكدة تفيد بوجود تحشدات عسكرية اسرائيلية كبيرة جدا بمواجهة خط الهدنة بين اسرائيل وجنوب لبنان, ووجود حالة استنفار قصوى في صفوف الجيش السوري, وإن كانت غير معلنة, ووجود مخططات اسرائيلية سابقة في حوزة القيادة السورية بشأن مهاجمة سوريا عبر الأراضي اللبنانية عام 1982.. وهي مخططات قابلة لمحاولة التنفيذ الآن.. خاصة وأن اسرائيل قد تقرر أن تعوض هزيمتها أمام حزب الله عبر أي انجاز, ولو تمثل في قتل المزيد من المدنيين, وقصف مفاعلات نووية ايرانية بواسطة الطيران, ومحاولة التقدم داخل الأراضي السورية, في محاولة لفرض حل على سوريا يحقق انسحابا من أراض جديدة يتم احتلالها, ويكرس الإحتلال السابق للجولان..!
التحشدات العسكرية الإسرائيلية المقبلة لخط الهدنة مع جنوب لبنان تبلغ وفقا لأوثق المصادر أربع فرق مدرعة متحشدة على الخطوط الأمامية, وتتحشد خلفها ست فرق عسكرية أخرى. وبالتأكيد إن العدوان الحالي على لبنان لا يستدعي الزج بعشر فرق في القتال, خاصة إذا علمنا أن مجموع مقاتلي حزب الله هم فقط عشرة آلاف مقاتل.. أي أقل من فرقة عسكرية واحدة..!
لم كل هذا الحشد العسكري الإسرائيلي إذا..؟
لهذا الحشد أحد ثلاثة احتمالات:
الأول: تخويف حزب الله والضغط عليه كي يقلل ويخفف من حجم القصف الصاروخي على اهداف داخل المدن الإسرائيلية.
الثاني: الإستعداد لتطوير هجوم بري واسع بهدف اجتياح لبنان حتى بيروت مجددا, كما حدث عام 1982, أو قبل أو بعد بيروت.
الثالث: توسيع خارطة العدوان ليشمل سوريا, عبر الأراضي اللبنانية, في تقرب غير مباشر من دمشق..!
المخطط الإسرائيلي للتقرب من دمشق
المصادر تقول إن القيادة العسكرية السورية تتحسب لأسوأ الإحتمالات. وهذا الأسوأ قد يتمثل في حدوث خرق اسرائيلي كبير وواسع النطاق, يندفع على طول الشريط الشرقي من الأراضي اللبنانية المحاذي للأراضي السورية, وصولا إلى نقطة المصنع للحدود اللبنانية مع سوريا. والوصول إلى المصنع لا يستدعي قتالا مستمرا من جانب القوات الإسرائيلية, إن هي قررت دفع الثمن البشري لهذا الإندفاع, ذلك أنه يستدعي القتال فقط لمسافة عشرين كيلو مترا تتخللها قرى وبلدات شيعية ينتشر فيها مقاتلو حزب الله, ثم مجموعة قرى وبلدات مسيحية ثم سنية لا يوجد فيها انتشار لمقاتلي الحزب.. ما يعني أنه في حالة التمكن من تجاوز واختراق القرى والبلدات الشيعية, يمكن الوصول إلى نقطة حدود المصنع بسرعة سير الدبابات..!
سبق لإسرائيل أن حاولت فعل ذلك سنة 1982 بعد اجتياحها لبنان من الجنوب حتى بيروت. وتقول المصادر أن بارجة حربية اسرائيلية تولت حينها تعطيل الرادارات وأجهزة الإتصالات العائدة للجيش السوري من البحر, تمهيدا لتنفيذ هذا المخطط, الذي تم العثور على نسخ منه في دبابات قيادة اسرائيلية جرى تدميرها من قبل لوائين ارسلتهما القيادة العسكرية السورية في حينه لملاقاة القوات الإسرائيلية في محوري الهجوم القادمين من الخاصرة السورية الرخوة:
المحور الأول: بيادر العدس ـ المصنع.
المحور الثاني: جب الياس ـ شتورا ـ زحلة ـ رياق ـ بعلبك.
وهذا المحور يهدد شمال سوريا عبر الحدود مع حمص, ويهدد دمشق من الشمال, في حين أن المحور الأول يهددها من الغرب.
وذلك إلى جانب احتمال محاولة دفع قوات اسرائيلية أخرى من اراضي الجولان المحتلة باتجاه دمشق من الجنوب.
مثل هذا السيناريو الأسوأ هو ما يقف وراء تصريحات سوريا العلنية بأنها لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي في حالة حدوث تقدم اسرائيلي داخل اراضي شرق لبنان, وأنها في هذه الحالة ستكون مضطرة لدخول الحرب.
ولهذا السبب تحديدا, كانت سوريا تتباطأ خلال السنوات الماضية في سحب قواتها من سهل البقاع اللبناني.
وتنقل مصادرنا الموثوقة عن مسؤولين سوريين القول إن دمشق لا تريد دخول الحرب, لكن تطور عمليات هذه الحرب قد يضطرها إلى اتخاذ قرار بخوضها في ضوء تقدير القيادة العسكرية السورية للموقف, بما في ذلك جاهزية الجيش السوري لدخول الحرب.
دخول سوريا للحرب
ويرى المسؤولون السوريون أن اميركا واسرائيل هما اللتان قد تفرضان عليهم اتخاذ قرار بالدخول في الحرب, لافتين إلى أن اسرائيل تشن الحرب الراهنة في اطار الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.
لذا, وقبل اعلان طلب الرئيس السوري بشار الأسد اعلان حالة استنفار في الجيش السوري, كانت هذه الحالة معلنة في أقصى درجاتها. فقد تم نشر قوات سورية داخل الأراضي السورية بمواجهة محاور الهجوم الإسرائيلي المتوقع, تحسبا من إقدام واشنطن وتل أبيب على عملية هروب إلى الأمام تجنبهم الإصطدام بكامل قوة حزب الله, وتركز قوة متفوقة عدديا وتسليحيا بما لا يقارن, تتمكن من تحقيق خرق لمسافة عشرين كيلو مترا في شرق لبنان, ثم تنفتح ابواب تهديد اسرائيلي لسوريا ذاتها التي تدعم حزب الله.
وما دامت اسرائيل تخوض الحرب الراهنة بالوكالة عن الولايات المتحدة, وفي اطار استراتيجيتها في المنطقة, فإن هذا التطوير للعدوان يستهدف في هذه الحالة ما تبقى من "محور الشر" الذي اعلنته اميركا سابقا, ويضم سوريا وايران والعراق.
استهداف سوريا لا بد, وبالضرورة, من أن يتضمن كذلك استهداف ايران عبر قصف الطيران الإسرائيلي لمفاعلاتها النووية, بدعم ومساندة لوجستية اميركية. ولهذا, يعلن الرئيس الإيراني أن بلاده ستدخل الحرب إن تعرضت سوريا للعدوان. وبهذا تستطيع اسرائيل, لا أن تحقق فقط هروبا للأمام, وإنما كذلك أن تتحاشى القول أنها هزمت أمام حزب الله, إلى القول أنها حققت انجازات على الجبهتين السورية والإيرانية, أو على الأقل أنها هزمت, أو لم تتمكن من الإنتصار على ثلاث دول مجتمعة (لبنان, سوريا وايران).. محاولة الإحتفاظ بشيىء من ماء الوجه, وعدم شطب مقولة الجيش الذي لا يهزم, أو لا يقهر, حتى تظل محتفظة بسمعتها السابقة باعتبارها قوة ردع يحسب لها الحساب. وهذا تحديدا ما يقف الآن وراء هجماتها البربرية على المدنيين في لبنان.
الإحترازات السورية
الإجراءات السورية لم تقتصر فقط على نشر قوات بمواجهة محاور الهجوم الإسرائيلي المحتمل, إذ أنها تجاوزت ذلك إلى:
أولا: استدعاء قسم من الإحتياطي.
ثانيا: استنفار اسلحة الدفاع الجوي والطيران والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى.
وتقول المصادر إن استنفار سلاح الطيران لم يقتصر على تواجد الطيارين في قواعدهم, إنما في قمرات الطائرات, للإنطلاق إلى الجو وتنفيذ المهمات فور تلقي الأوامر.
ثالثا: تكثيف الإتصالات والزيارات مع ايران, في اطار تفعيل اتفاقية التعاون العسكري التي وقعت بين البلدين قبل ثلاثة أشهر أثناء زيارة قام بها الفريق حسن تركماني رئيس الأركان لطهران قبل ثلاثة أشهر.
وتكشف المصادر عن امرين هامين على هذا الصعيد:
الأول: أن القيادة السورية أجرت تحقيقا حاسما في حادثة تمكن طائرة عسكرية اسرائيلية من التحليق فوق القصر الجمهوري في اللاذقية, أثناء تواجد الرئيس بشار الأسد فيه. وقد خلصت التحقيقات إلى أن ذلك حدث بسبب الإهمال.
وفي ضوء نتائج هذا التحقيق اتخذت اجراءات بحق عدد من ضباط الدفاع الجوي.
الثاني: أن الدفاع الجوي السوري هو الذي أسقط طائرة تجسس اسرائيلية من طراز M.K. فوق بلدة الباروك في لبنان, وليس حزب الله, وإن كان الحزب هو الذي أعلن مسؤوليته عن ذلك.
تقول المصادر إن هذه الطائرة كانت تقوم بالتحليق على الخط الفاصل بين الحدود اللبنانية والسورية, وتصور الأراضي السورية في محاولة لاستكشاف اماكن تمركز القوات السورية, وعمليات نقل محتملة لصواريخ ومنصات اطلاقها من سوريا لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية.
ولدى كشف وجود هذه الطائرة تم اطلاق صاروخ باتجاهها, اسقطها في منطقة الباروك اللبنانية, القريبة من الأراضي السورية.
وتقول المصادر إن هذه الطائرة مزودة بكاميرا متطورة للغاية, وجهاز كمبيوتر يرسل الصور إلى قاعدتها داخل اسرائيل, فإن لاحظت القيادة وجود اهداف خطرة, أو مطلوبة, تستطيع أن تعطي اوامر للطائرة لتقوم بقصف الهدف المحدد بواسطة صاروخين مزودة بهما.
الرد السوري ـ الإيراني
غير أن قرارا اميركا لم يتخذ بعد, وفقا لتحليلات دمشق, بتوسعة العدوان ليشمل سوريا, وإن كانت لم تقرر تغيير استراتيجية العدوان بعد جريمة قانا الثانية. وتضيف المصادر أن واشنطن ربما تكون ابلغت تل أبيب بأنها تستطيع أن تضرب سوريا وايران, ولكن بعد معرفة رد الفعل السوري والإيراني في هذه الحالة, وإن كانت تفضل تحقيق ذات الأهداف من خلال القنوات السياسية, مجرية تعديلات على سلة الحل السياسي دون تراجع عن الأهداف.
ولدى حساب رد الفعل السوري والإيراني, يجب على اسرائيل, التي تتهم سوريا وايران بتزويد حزب الله بالصواريخ, أن تأخذ بعين الإعتبار امتلاك هذين البلدين لصناعات صاروخية توفر لجيشيهما صوارخ من عيارات أكبر حجما, وأبعد مدى, وأكثر دقة في اصابة اهدافها, من تلك التي زودتا بها حزب الله, وهذا يعني تعرض اسرائيل بجميع مدنها ومستوطناتها لقصف صاروخي سوري ايراني متواصل وبلا حدود.. كاشفا في مثل هذه الحرب عن وجود, إن ليس توازنا في القوى بين سوريا واسرائيل, فعن قوة ردع سورية ـ ايرانية لا يمكن الإستهانة بها.. خاصة وأن صواريخ حزب الله وحدها استنزفت الإقتصاد والمعنويات الإسرائيلية قبل حدوث مثل هذا التطور, الذي لا يمكن للقيادة الإسرائيلية أن تتمناه أو تسعى إليه..!
وتشير المصادر في هذا السياق الى امتلاك سوريا صواريخ سكود كورية الصنع.
ثم ماذا لو كان الجيش السوري قد اعتمد ـ كما حزب الله ـ على تحصينات اقامها في انفاق شقها داخل الجبال..؟!
اسرائيل لم تتخذ بعد قرارا بشن هجمات على سوريا, لكن هذا لا يعني, وفقا للمصادر, أنها قد توفر هدفا ثمينا في وزن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس", إن حصلت على معلومات مؤكدة حول وجوده في مكان محدد.. ذلك أن جميع قادة المقاومة الفلسطينية في العاصمة السورية غيروا اماكن اقامتهم, ولم يعودوا يذهبون الى مكابتهم.
ومع ذلك, تقول المصادر إن القيادة السورية تعتقد بوجود تصميم اميركي ـ اسرائيلي على الإستمرار في العدوان, الذي تستطيع سوريا وحلفائها عرقلته, وعرقلة الإستراتيجية والمخططات الأميركية ـ الإسرائيلية دون أن تستطيع احباطها مرة واحدة, مهما كانت الظروف. لكن دمشق تراهن على أن تراكم عراقيل تكون محصلتها الإحباط, منها:
أولا: صمود حزب الله والخسائر التي يلحقها بإسرائيل, وعرقلة تحقيق الأهداف الأميركية ـ الإسرائيلية.
ثانيا: ارباك المقاومة العراقية للإستراتيجية الأميركية.
ثالثا: فوز "حماس" في الإنتخابات الفلسطينية, وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار الأميركي المالي والإقتصادي, والعدوان الإسرائيلي المستمر.
رابعا: استمرار ممانعة سوريا وايران للإستراتيجية الأميركية.
لذلك, وفي ضوء هذا المأزق الإسرائيلي ـ الأميركي, حيث لا يعرف طرفا الحلف الإستراتيجي (اميركا واسرائيل), كيفية الخروج منه, لا تكتفي سوريا برفض تشكيل قوات دولية بموجب البند السابع, تتمركز على شريط حدودي داخل جنوب لبنان, حماية لإسرائيل من حزب الله.. معتبرة ذلك مجرد مؤامرة هدفها نزع سلاح حزب الله, أو تعطيله, وافقاد سوريا أهم اوراق قوتها في المواجهة مع اسرائيل, لكنها تبدو مستعدة فعلا لدخول الحرب دفاعا عن مصالحها وأمنها في حالة اضطرتها اميركا واسرائيل لذلك.
ارتياح قلق
وتقول المصادر إن القيادة السورية غاية في الإرتياح, الممزوج ببعض القلق جراء ما يحدث في لبنان.. ذلك أن دمشق تريد أن تلقن اسرائيل درسا كبيرا على يد حزب الله. وهي ترحب بتورط اسرائيلي جديد في لبنان, كما حدث في الفترة بين 1982 ـ 2000, لأن مثل هذا التورط يستنزف قوتها وقدراتها, كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة, ويقدم لها ورقة جديدة, ومبررا لعودة نفوذها إلى لبنان, الذي لم ينته على كل حال.
لهذا, اعلنت دمشق موقفا شديد الوضوح في تأييدها لحزب الله, لم يقتصر على الإعلام السوري, إنما تجاوزه إلى احتضان المقاومة اللبنانية, واللاجئين اللبنانيين الذين توافد آلاف منهم إلى سوريا.
في شوارع دمشق يلاحظ الزائر أجهزة تلفاز كبيرة في الأسواق مفتوحة على فضائية "المنار" العائدة لحزب الله تبث اخبار المعارك, فيما يتحلق حولها المارة لمتابعة التفاصيل. وفي بعض الحالات تم نصب مكبرات صوت من قبل المواطنين تبث الأغاني الوطنية والموسيقى الحماسية, ويتم ربطها احيانا مع اذاعة النور العائدة للحزب, فيما المارين يقومون بأداء رقصة الدبكة تعبيرا عن الفرح الغامر للهزائم العسكرية التي يلحقها حزب الله بإسرائيل.
اكرام اللاجئين
أما اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا, فيتم استقبالهم من مراكز الحدود بترحاب كبير حد المبالغة.. فور الوصول تنجز اجراءات الدخول, وفي أحيان كثيرة دون سؤال عن هويات أو جوازات سفر, وتقدم لهم وجبات طعام ومرطبات وملابس, ويتم اصطحابهم إلى مراكز الإيواء, وهي لا تقتصر فقط على المدارس, وإنما تشمل كذلك منازل المواطنين السوريين في حال امتلاك بعضهم لأكثر من منزل في العاصمة والقرية أو المصيف. وتقوم الشركات السورية الكبيرة بتزويدهم بكل ما يخطر على البال من ثلاجات وغسالات وأجهزة تلفاز وراديوهات ووجبات غذائية وفواكه وعصائر ومرطبات تفوق الحاجة وملابس وأثاث.. وإلى درجة أن بعضهم ممن جاء من قرى فقيرة يقول إنه يعيش الآن في وضع أفضل مما كان عليه الحال في منزله.
هذا الإستقبال والترحيب يكرس اللحمة بين اللبنانيين عموما وسوريا, ليس فقط مع من لجأ منهم إلى سوريا, إنما كذلك مع من هم موجودون داخل لبنان.. حيث وفرت للاجئين كذلك اتصالات هاتفية مجانية مع ذويهم في لبنان من خلال شركات الهواتف النقالة.
استكمالا لذلك, تتوقع المصادر في دمشق, واضافة إلى المليارات أو مئات الملايين التي بدأت دول عربية بتخصيصها لإعادة اعمار لبنان, أن تقدم ايران "شيكا على بياض" لإعادة الإعمار, بالتنسيق مع سوريا, لتتولى شركات سورية اعادة الإعمار, كما حصل بعد الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب سنة 2000.. وذلك في اشارة إلى شركة الإسكان العسكري.
وبالطبع, فإن كل هذا السخاء السوري ـ الإيراني من شأنه أن يجعل المواطن اللبناني ينسى منزله الذي دمّر, ما دام سيحصل على منزل جديد أفضل منه, وكذلك على أثاث جديد.. ليجد نفسه أنه قد عوضت خسارته, في حين حفظت كرامته بفضل استبسال حزب الله في الدفاع عن الوطن, مما يزيد من التمسك بالحزب ورفض نزع سلاحه.
لا نزع لسلاح حزب الله
ولذا, تكشف المصادر عن أن نزع سلاح حزب الله لم يعد هدفا سريعا وآنيا للعدوان, بعد أن تبين استحالة تحقق ذلك, خاصة وأن الحزب الذي يهزم اسرائيل, وهي تمتلك رابع جيش في العالم, لا توجد قوة قادرة على نزع سلاحه.
وقد باتت الخطط المطروحة تؤجل نزع سلاح الحزب إلى مرحلة لاحقة, كما هو حال المبادرة السعودية في نهاية قائمة مطالب تبدأ بتقوية الجيش اللبناني, وتشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات, مع المراهنة على تحريك الوضع الداخلي في لبنان, بعد وقف اطلاق النار, بهدف أن يكون السلام المقبل دائما, تروج الأوهام أن ديمومته يضمنها فقط نزع سلاح حزب الله.
وتشير المصادر في هذا الشأن إلى ما قاله العلامة محمد حسين فضل الله, من أنه إذا كانت اسرائيل واميركا تريد تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية اسرائيل, فلتتمركز هذه القوات على الجانب الإسرائيلي من خط الهدنة لعام 1948. وهذا ما يكرره حزب الله ونبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني, واميل لحود رئيس الجمهورية.
ولكن, ما هي آفاق الحرب الراهنة على لبنان..؟
يجمع المراقبون والمحللون على أن آفاق هذه الحرب تتلخص في انتصار حزب الله, على قاعدة عدم تمكن الإسرائيليين من تحقيق اهدافهم السياسية من هذا العدوان, وهي استعادة الجنديين الإسرائيليين الأسيرين دون تبادل للأسرى مع الحزب, ووقف اطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية. إذ أن نتائج الحرب ستملي على اسرائيل التفاوض على تبادل للأسرى مع حزب الله, وبدهي أن يحدث ذلك بعد وقف متبادل لإطلاق النار.
وبعد, فإن التطمينات الإسرائيلية بعدم استهداف سوريا هدفها تحييد دمشق وطهران, في حين أن كلا العاصمتين ترحبان بحل سياسي لا يتضمن نزع سلاح حزب الله.
المصدر
هل يتسع نطاق الحرب الراهنة في لبنان ليشمل سوريا..؟
السؤال لا يطرح فقط في ضوء التحذيرات السورية العلنية بأن دمشق ستدخل الحرب في حالة حدوث خرق اسرائيلي بري لشرق لبنان, ولا يقلل من اهميته الإعلانات الإسرائيلية المتتالية بأن اسرائيل لن تستهدف سوريا, ما دامت اسرائيل باستهدافها لحزب الله, وقبل ذلك سعيها إلى جانب اميركا لإخراج القوات السورية من لبنان مارست عملية تقرب غير مباشر من سوريا, وفقا لقواعد الإستراتيجية العليا.
السؤال يطرح في ضوء معلومات مؤكدة تفيد بوجود تحشدات عسكرية اسرائيلية كبيرة جدا بمواجهة خط الهدنة بين اسرائيل وجنوب لبنان, ووجود حالة استنفار قصوى في صفوف الجيش السوري, وإن كانت غير معلنة, ووجود مخططات اسرائيلية سابقة في حوزة القيادة السورية بشأن مهاجمة سوريا عبر الأراضي اللبنانية عام 1982.. وهي مخططات قابلة لمحاولة التنفيذ الآن.. خاصة وأن اسرائيل قد تقرر أن تعوض هزيمتها أمام حزب الله عبر أي انجاز, ولو تمثل في قتل المزيد من المدنيين, وقصف مفاعلات نووية ايرانية بواسطة الطيران, ومحاولة التقدم داخل الأراضي السورية, في محاولة لفرض حل على سوريا يحقق انسحابا من أراض جديدة يتم احتلالها, ويكرس الإحتلال السابق للجولان..!
التحشدات العسكرية الإسرائيلية المقبلة لخط الهدنة مع جنوب لبنان تبلغ وفقا لأوثق المصادر أربع فرق مدرعة متحشدة على الخطوط الأمامية, وتتحشد خلفها ست فرق عسكرية أخرى. وبالتأكيد إن العدوان الحالي على لبنان لا يستدعي الزج بعشر فرق في القتال, خاصة إذا علمنا أن مجموع مقاتلي حزب الله هم فقط عشرة آلاف مقاتل.. أي أقل من فرقة عسكرية واحدة..!
لم كل هذا الحشد العسكري الإسرائيلي إذا..؟
لهذا الحشد أحد ثلاثة احتمالات:
الأول: تخويف حزب الله والضغط عليه كي يقلل ويخفف من حجم القصف الصاروخي على اهداف داخل المدن الإسرائيلية.
الثاني: الإستعداد لتطوير هجوم بري واسع بهدف اجتياح لبنان حتى بيروت مجددا, كما حدث عام 1982, أو قبل أو بعد بيروت.
الثالث: توسيع خارطة العدوان ليشمل سوريا, عبر الأراضي اللبنانية, في تقرب غير مباشر من دمشق..!
المخطط الإسرائيلي للتقرب من دمشق
المصادر تقول إن القيادة العسكرية السورية تتحسب لأسوأ الإحتمالات. وهذا الأسوأ قد يتمثل في حدوث خرق اسرائيلي كبير وواسع النطاق, يندفع على طول الشريط الشرقي من الأراضي اللبنانية المحاذي للأراضي السورية, وصولا إلى نقطة المصنع للحدود اللبنانية مع سوريا. والوصول إلى المصنع لا يستدعي قتالا مستمرا من جانب القوات الإسرائيلية, إن هي قررت دفع الثمن البشري لهذا الإندفاع, ذلك أنه يستدعي القتال فقط لمسافة عشرين كيلو مترا تتخللها قرى وبلدات شيعية ينتشر فيها مقاتلو حزب الله, ثم مجموعة قرى وبلدات مسيحية ثم سنية لا يوجد فيها انتشار لمقاتلي الحزب.. ما يعني أنه في حالة التمكن من تجاوز واختراق القرى والبلدات الشيعية, يمكن الوصول إلى نقطة حدود المصنع بسرعة سير الدبابات..!
سبق لإسرائيل أن حاولت فعل ذلك سنة 1982 بعد اجتياحها لبنان من الجنوب حتى بيروت. وتقول المصادر أن بارجة حربية اسرائيلية تولت حينها تعطيل الرادارات وأجهزة الإتصالات العائدة للجيش السوري من البحر, تمهيدا لتنفيذ هذا المخطط, الذي تم العثور على نسخ منه في دبابات قيادة اسرائيلية جرى تدميرها من قبل لوائين ارسلتهما القيادة العسكرية السورية في حينه لملاقاة القوات الإسرائيلية في محوري الهجوم القادمين من الخاصرة السورية الرخوة:
المحور الأول: بيادر العدس ـ المصنع.
المحور الثاني: جب الياس ـ شتورا ـ زحلة ـ رياق ـ بعلبك.
وهذا المحور يهدد شمال سوريا عبر الحدود مع حمص, ويهدد دمشق من الشمال, في حين أن المحور الأول يهددها من الغرب.
وذلك إلى جانب احتمال محاولة دفع قوات اسرائيلية أخرى من اراضي الجولان المحتلة باتجاه دمشق من الجنوب.
مثل هذا السيناريو الأسوأ هو ما يقف وراء تصريحات سوريا العلنية بأنها لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي في حالة حدوث تقدم اسرائيلي داخل اراضي شرق لبنان, وأنها في هذه الحالة ستكون مضطرة لدخول الحرب.
ولهذا السبب تحديدا, كانت سوريا تتباطأ خلال السنوات الماضية في سحب قواتها من سهل البقاع اللبناني.
وتنقل مصادرنا الموثوقة عن مسؤولين سوريين القول إن دمشق لا تريد دخول الحرب, لكن تطور عمليات هذه الحرب قد يضطرها إلى اتخاذ قرار بخوضها في ضوء تقدير القيادة العسكرية السورية للموقف, بما في ذلك جاهزية الجيش السوري لدخول الحرب.
دخول سوريا للحرب
ويرى المسؤولون السوريون أن اميركا واسرائيل هما اللتان قد تفرضان عليهم اتخاذ قرار بالدخول في الحرب, لافتين إلى أن اسرائيل تشن الحرب الراهنة في اطار الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.
لذا, وقبل اعلان طلب الرئيس السوري بشار الأسد اعلان حالة استنفار في الجيش السوري, كانت هذه الحالة معلنة في أقصى درجاتها. فقد تم نشر قوات سورية داخل الأراضي السورية بمواجهة محاور الهجوم الإسرائيلي المتوقع, تحسبا من إقدام واشنطن وتل أبيب على عملية هروب إلى الأمام تجنبهم الإصطدام بكامل قوة حزب الله, وتركز قوة متفوقة عدديا وتسليحيا بما لا يقارن, تتمكن من تحقيق خرق لمسافة عشرين كيلو مترا في شرق لبنان, ثم تنفتح ابواب تهديد اسرائيلي لسوريا ذاتها التي تدعم حزب الله.
وما دامت اسرائيل تخوض الحرب الراهنة بالوكالة عن الولايات المتحدة, وفي اطار استراتيجيتها في المنطقة, فإن هذا التطوير للعدوان يستهدف في هذه الحالة ما تبقى من "محور الشر" الذي اعلنته اميركا سابقا, ويضم سوريا وايران والعراق.
استهداف سوريا لا بد, وبالضرورة, من أن يتضمن كذلك استهداف ايران عبر قصف الطيران الإسرائيلي لمفاعلاتها النووية, بدعم ومساندة لوجستية اميركية. ولهذا, يعلن الرئيس الإيراني أن بلاده ستدخل الحرب إن تعرضت سوريا للعدوان. وبهذا تستطيع اسرائيل, لا أن تحقق فقط هروبا للأمام, وإنما كذلك أن تتحاشى القول أنها هزمت أمام حزب الله, إلى القول أنها حققت انجازات على الجبهتين السورية والإيرانية, أو على الأقل أنها هزمت, أو لم تتمكن من الإنتصار على ثلاث دول مجتمعة (لبنان, سوريا وايران).. محاولة الإحتفاظ بشيىء من ماء الوجه, وعدم شطب مقولة الجيش الذي لا يهزم, أو لا يقهر, حتى تظل محتفظة بسمعتها السابقة باعتبارها قوة ردع يحسب لها الحساب. وهذا تحديدا ما يقف الآن وراء هجماتها البربرية على المدنيين في لبنان.
الإحترازات السورية
الإجراءات السورية لم تقتصر فقط على نشر قوات بمواجهة محاور الهجوم الإسرائيلي المحتمل, إذ أنها تجاوزت ذلك إلى:
أولا: استدعاء قسم من الإحتياطي.
ثانيا: استنفار اسلحة الدفاع الجوي والطيران والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى.
وتقول المصادر إن استنفار سلاح الطيران لم يقتصر على تواجد الطيارين في قواعدهم, إنما في قمرات الطائرات, للإنطلاق إلى الجو وتنفيذ المهمات فور تلقي الأوامر.
ثالثا: تكثيف الإتصالات والزيارات مع ايران, في اطار تفعيل اتفاقية التعاون العسكري التي وقعت بين البلدين قبل ثلاثة أشهر أثناء زيارة قام بها الفريق حسن تركماني رئيس الأركان لطهران قبل ثلاثة أشهر.
وتكشف المصادر عن امرين هامين على هذا الصعيد:
الأول: أن القيادة السورية أجرت تحقيقا حاسما في حادثة تمكن طائرة عسكرية اسرائيلية من التحليق فوق القصر الجمهوري في اللاذقية, أثناء تواجد الرئيس بشار الأسد فيه. وقد خلصت التحقيقات إلى أن ذلك حدث بسبب الإهمال.
وفي ضوء نتائج هذا التحقيق اتخذت اجراءات بحق عدد من ضباط الدفاع الجوي.
الثاني: أن الدفاع الجوي السوري هو الذي أسقط طائرة تجسس اسرائيلية من طراز M.K. فوق بلدة الباروك في لبنان, وليس حزب الله, وإن كان الحزب هو الذي أعلن مسؤوليته عن ذلك.
تقول المصادر إن هذه الطائرة كانت تقوم بالتحليق على الخط الفاصل بين الحدود اللبنانية والسورية, وتصور الأراضي السورية في محاولة لاستكشاف اماكن تمركز القوات السورية, وعمليات نقل محتملة لصواريخ ومنصات اطلاقها من سوريا لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية.
ولدى كشف وجود هذه الطائرة تم اطلاق صاروخ باتجاهها, اسقطها في منطقة الباروك اللبنانية, القريبة من الأراضي السورية.
وتقول المصادر إن هذه الطائرة مزودة بكاميرا متطورة للغاية, وجهاز كمبيوتر يرسل الصور إلى قاعدتها داخل اسرائيل, فإن لاحظت القيادة وجود اهداف خطرة, أو مطلوبة, تستطيع أن تعطي اوامر للطائرة لتقوم بقصف الهدف المحدد بواسطة صاروخين مزودة بهما.
الرد السوري ـ الإيراني
غير أن قرارا اميركا لم يتخذ بعد, وفقا لتحليلات دمشق, بتوسعة العدوان ليشمل سوريا, وإن كانت لم تقرر تغيير استراتيجية العدوان بعد جريمة قانا الثانية. وتضيف المصادر أن واشنطن ربما تكون ابلغت تل أبيب بأنها تستطيع أن تضرب سوريا وايران, ولكن بعد معرفة رد الفعل السوري والإيراني في هذه الحالة, وإن كانت تفضل تحقيق ذات الأهداف من خلال القنوات السياسية, مجرية تعديلات على سلة الحل السياسي دون تراجع عن الأهداف.
ولدى حساب رد الفعل السوري والإيراني, يجب على اسرائيل, التي تتهم سوريا وايران بتزويد حزب الله بالصواريخ, أن تأخذ بعين الإعتبار امتلاك هذين البلدين لصناعات صاروخية توفر لجيشيهما صوارخ من عيارات أكبر حجما, وأبعد مدى, وأكثر دقة في اصابة اهدافها, من تلك التي زودتا بها حزب الله, وهذا يعني تعرض اسرائيل بجميع مدنها ومستوطناتها لقصف صاروخي سوري ايراني متواصل وبلا حدود.. كاشفا في مثل هذه الحرب عن وجود, إن ليس توازنا في القوى بين سوريا واسرائيل, فعن قوة ردع سورية ـ ايرانية لا يمكن الإستهانة بها.. خاصة وأن صواريخ حزب الله وحدها استنزفت الإقتصاد والمعنويات الإسرائيلية قبل حدوث مثل هذا التطور, الذي لا يمكن للقيادة الإسرائيلية أن تتمناه أو تسعى إليه..!
وتشير المصادر في هذا السياق الى امتلاك سوريا صواريخ سكود كورية الصنع.
ثم ماذا لو كان الجيش السوري قد اعتمد ـ كما حزب الله ـ على تحصينات اقامها في انفاق شقها داخل الجبال..؟!
اسرائيل لم تتخذ بعد قرارا بشن هجمات على سوريا, لكن هذا لا يعني, وفقا للمصادر, أنها قد توفر هدفا ثمينا في وزن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس", إن حصلت على معلومات مؤكدة حول وجوده في مكان محدد.. ذلك أن جميع قادة المقاومة الفلسطينية في العاصمة السورية غيروا اماكن اقامتهم, ولم يعودوا يذهبون الى مكابتهم.
ومع ذلك, تقول المصادر إن القيادة السورية تعتقد بوجود تصميم اميركي ـ اسرائيلي على الإستمرار في العدوان, الذي تستطيع سوريا وحلفائها عرقلته, وعرقلة الإستراتيجية والمخططات الأميركية ـ الإسرائيلية دون أن تستطيع احباطها مرة واحدة, مهما كانت الظروف. لكن دمشق تراهن على أن تراكم عراقيل تكون محصلتها الإحباط, منها:
أولا: صمود حزب الله والخسائر التي يلحقها بإسرائيل, وعرقلة تحقيق الأهداف الأميركية ـ الإسرائيلية.
ثانيا: ارباك المقاومة العراقية للإستراتيجية الأميركية.
ثالثا: فوز "حماس" في الإنتخابات الفلسطينية, وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار الأميركي المالي والإقتصادي, والعدوان الإسرائيلي المستمر.
رابعا: استمرار ممانعة سوريا وايران للإستراتيجية الأميركية.
لذلك, وفي ضوء هذا المأزق الإسرائيلي ـ الأميركي, حيث لا يعرف طرفا الحلف الإستراتيجي (اميركا واسرائيل), كيفية الخروج منه, لا تكتفي سوريا برفض تشكيل قوات دولية بموجب البند السابع, تتمركز على شريط حدودي داخل جنوب لبنان, حماية لإسرائيل من حزب الله.. معتبرة ذلك مجرد مؤامرة هدفها نزع سلاح حزب الله, أو تعطيله, وافقاد سوريا أهم اوراق قوتها في المواجهة مع اسرائيل, لكنها تبدو مستعدة فعلا لدخول الحرب دفاعا عن مصالحها وأمنها في حالة اضطرتها اميركا واسرائيل لذلك.
ارتياح قلق
وتقول المصادر إن القيادة السورية غاية في الإرتياح, الممزوج ببعض القلق جراء ما يحدث في لبنان.. ذلك أن دمشق تريد أن تلقن اسرائيل درسا كبيرا على يد حزب الله. وهي ترحب بتورط اسرائيلي جديد في لبنان, كما حدث في الفترة بين 1982 ـ 2000, لأن مثل هذا التورط يستنزف قوتها وقدراتها, كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة, ويقدم لها ورقة جديدة, ومبررا لعودة نفوذها إلى لبنان, الذي لم ينته على كل حال.
لهذا, اعلنت دمشق موقفا شديد الوضوح في تأييدها لحزب الله, لم يقتصر على الإعلام السوري, إنما تجاوزه إلى احتضان المقاومة اللبنانية, واللاجئين اللبنانيين الذين توافد آلاف منهم إلى سوريا.
في شوارع دمشق يلاحظ الزائر أجهزة تلفاز كبيرة في الأسواق مفتوحة على فضائية "المنار" العائدة لحزب الله تبث اخبار المعارك, فيما يتحلق حولها المارة لمتابعة التفاصيل. وفي بعض الحالات تم نصب مكبرات صوت من قبل المواطنين تبث الأغاني الوطنية والموسيقى الحماسية, ويتم ربطها احيانا مع اذاعة النور العائدة للحزب, فيما المارين يقومون بأداء رقصة الدبكة تعبيرا عن الفرح الغامر للهزائم العسكرية التي يلحقها حزب الله بإسرائيل.
اكرام اللاجئين
أما اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا, فيتم استقبالهم من مراكز الحدود بترحاب كبير حد المبالغة.. فور الوصول تنجز اجراءات الدخول, وفي أحيان كثيرة دون سؤال عن هويات أو جوازات سفر, وتقدم لهم وجبات طعام ومرطبات وملابس, ويتم اصطحابهم إلى مراكز الإيواء, وهي لا تقتصر فقط على المدارس, وإنما تشمل كذلك منازل المواطنين السوريين في حال امتلاك بعضهم لأكثر من منزل في العاصمة والقرية أو المصيف. وتقوم الشركات السورية الكبيرة بتزويدهم بكل ما يخطر على البال من ثلاجات وغسالات وأجهزة تلفاز وراديوهات ووجبات غذائية وفواكه وعصائر ومرطبات تفوق الحاجة وملابس وأثاث.. وإلى درجة أن بعضهم ممن جاء من قرى فقيرة يقول إنه يعيش الآن في وضع أفضل مما كان عليه الحال في منزله.
هذا الإستقبال والترحيب يكرس اللحمة بين اللبنانيين عموما وسوريا, ليس فقط مع من لجأ منهم إلى سوريا, إنما كذلك مع من هم موجودون داخل لبنان.. حيث وفرت للاجئين كذلك اتصالات هاتفية مجانية مع ذويهم في لبنان من خلال شركات الهواتف النقالة.
استكمالا لذلك, تتوقع المصادر في دمشق, واضافة إلى المليارات أو مئات الملايين التي بدأت دول عربية بتخصيصها لإعادة اعمار لبنان, أن تقدم ايران "شيكا على بياض" لإعادة الإعمار, بالتنسيق مع سوريا, لتتولى شركات سورية اعادة الإعمار, كما حصل بعد الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب سنة 2000.. وذلك في اشارة إلى شركة الإسكان العسكري.
وبالطبع, فإن كل هذا السخاء السوري ـ الإيراني من شأنه أن يجعل المواطن اللبناني ينسى منزله الذي دمّر, ما دام سيحصل على منزل جديد أفضل منه, وكذلك على أثاث جديد.. ليجد نفسه أنه قد عوضت خسارته, في حين حفظت كرامته بفضل استبسال حزب الله في الدفاع عن الوطن, مما يزيد من التمسك بالحزب ورفض نزع سلاحه.
لا نزع لسلاح حزب الله
ولذا, تكشف المصادر عن أن نزع سلاح حزب الله لم يعد هدفا سريعا وآنيا للعدوان, بعد أن تبين استحالة تحقق ذلك, خاصة وأن الحزب الذي يهزم اسرائيل, وهي تمتلك رابع جيش في العالم, لا توجد قوة قادرة على نزع سلاحه.
وقد باتت الخطط المطروحة تؤجل نزع سلاح الحزب إلى مرحلة لاحقة, كما هو حال المبادرة السعودية في نهاية قائمة مطالب تبدأ بتقوية الجيش اللبناني, وتشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات, مع المراهنة على تحريك الوضع الداخلي في لبنان, بعد وقف اطلاق النار, بهدف أن يكون السلام المقبل دائما, تروج الأوهام أن ديمومته يضمنها فقط نزع سلاح حزب الله.
وتشير المصادر في هذا الشأن إلى ما قاله العلامة محمد حسين فضل الله, من أنه إذا كانت اسرائيل واميركا تريد تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية اسرائيل, فلتتمركز هذه القوات على الجانب الإسرائيلي من خط الهدنة لعام 1948. وهذا ما يكرره حزب الله ونبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني, واميل لحود رئيس الجمهورية.
ولكن, ما هي آفاق الحرب الراهنة على لبنان..؟
يجمع المراقبون والمحللون على أن آفاق هذه الحرب تتلخص في انتصار حزب الله, على قاعدة عدم تمكن الإسرائيليين من تحقيق اهدافهم السياسية من هذا العدوان, وهي استعادة الجنديين الإسرائيليين الأسيرين دون تبادل للأسرى مع الحزب, ووقف اطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية. إذ أن نتائج الحرب ستملي على اسرائيل التفاوض على تبادل للأسرى مع حزب الله, وبدهي أن يحدث ذلك بعد وقف متبادل لإطلاق النار.
وبعد, فإن التطمينات الإسرائيلية بعدم استهداف سوريا هدفها تحييد دمشق وطهران, في حين أن كلا العاصمتين ترحبان بحل سياسي لا يتضمن نزع سلاح حزب الله.
المصدر