في تل أبيب يخشون الفناء بعد أحداث السفارة في القاهرة
بقلم صالح النعامي:
على الرغم من أن النخبة الحاكمة في "إسرائيل" تحرص على احتواء مظاهر قلقها الشديد إزاء ردة الفعل الجماهيرية المصرية العارمة تجاه جريمة قتل الجنود المصريين على أيدي الجيش الإسرائيلي قبل ثلاثة أسابيع، والتي بلغت ذروتها باقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، إلا أنه من الواضح أن جميع مستويات القيادة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني تكتم أنفساها إزاء مستقبل سلوك الشارع المصري.
ولعل ما بات يشكل إجماعاً بين النخب اليمينية واليسارية في تل أبيب هو الاقتناع بأن تواصل مظاهر الاحتجاج الجماهيري في مصر ضد العلاقات مع "إسرائيل" يمثل كارثة استراتيجية للكيان الصهيوني وتحديا هائل لقدرته على مواصلة البقاء في هذه المنطقة.
فعاموس جلبوع، الجنرال المتقاعد ورئيس لواء الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية، ذو التوجهات اليمينية المتطرفة، يتحدث تقريباً بنفس اللهجة التي يتحدث بها يوسي ساريد، وزير التعليم السابق، وأحد أبرز منظري اليسار الصهيوني، وهو يرى -كما ساريد- أن مواصلة مصر احترام اتفاقيات "كامب ديفيد" يمثل أحد أهم الضمانات الأساسية لبقاء الكيان الصهيوني في هذه المنطقة.
وحتى شخص حذر مثل الوزير العمالي السابق، الجنرال المتقاعد إفرايم سنيه يرى في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 8-9 -2011 أن حاجة "إسرائيل" للسلام مع مصر أكبر بكثير من حاجة القاهرة لهذا السلام، ويجزم أن أي انجاز يمكن أن تحققه "إسرائيل" في المستقبل لا يمكن أن يعوض عن الخسارة الهائلة المتمثلة في تضرر العلاقات مع مصر.
خارطة المخاطر
ويشرح الجنرال المتقاعد دورون ألموج، الذي تولى في السابق قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي خارطة المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن انهيار "السلام" مع مصر أو تضرره، وهو يرى أن ذلك يعني بشكل عاجل مضاعفة الأعباء العسكرية على كاهل الجيش الإسرائيلي، بشكل سيكون من شبه المستحيل عليه الوفاء به.
ويعتبر ألموغ أن خروج مصر من حالة السلام مع مصر يعني بشكل مباشر إعادة صياغة العقيدة الأمنية، وإحداث طفرة هائلة في سياسة التجنيد، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي سيكون مطالباً بإدخال تعديلات تنظيمية وبنيوية ولوجستية هائلة على جسمه، مع كل ما يعنيه ذلك من مضاعفة الأعباء الاقتصادية على الكيان الصهيوني، في الوقت الذي تعتمل بداخله ثورة جماهيرية ضد الغلاء وارتفاع الأسعار وضجر الطبقة الوسطى بالسياسات التي تعكف عليها حكومة نتنياهو.
ويعدد يهشوع ساغي، الذي شغل في الماضي منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية جملة المطالب التي يتوجب على الجيش الصهيوني الوفاء بها، وتتمثل بشكل خاص في زيادة عدد القوات البرية، عبر توسيع ألوية المشاة القائمة حالياً واستحداث ألوية أخرى.
وبالطبع لا يفوت ساغي التذكير بأن هذه تكاد تكون مهمة مستحيلة، في ظل تراجع دافعية الشباب الصهيوني العلماني للتطوع في ألوية ووحدات الجيش الإسرائيلية القتالية، وهو ما يعني زيادة العبء ومراكمة الأحمال على كاهل الفئات الجماهيرية التي تحافظ على دافعيتها للخدمة العسكرية، سيما أتباع التيار الديني الصهيوني والمهاجرين الجدد.
بالطبع، فإن لهذا التوقع في حال تحقق أضرار سياسية واستراتيجية هائلة، لأنه سيزيد من تأثير القطاعات الجماهيرية التي تمثل أقلية في المجتمع الصهيوني على دائرة صنع القرار السياسي، سيما التيار الديني الصهيوني، الذي يعتبر المستوطنون اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أهم مركباته.
توقيت بائس
إن أكثر ما يصيب الصهاينة بالإحباط حقيقة أن المخاوف من تدهور العلاقات مع مصر تأتي في ظل تحولات هائلة يشهدها الوطن العربي، وفي ظل الأزمة المتصاعدة بين تل أبيب وأنقرة، وهي بالتالي تفتح الباب على مصراعيه أمام تحولات هائلة في علاقات "إسرائيل" الإقليمية، حيث إن هذا سيخلق بيئة إقليمية تقلص من قدرة بعض الأنظمة العربية، وهو ما يعني مضاعفة المخاطر على "إسرائيل".
ويرى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس أن الرفض الجماهيري المصري المتعاظم لاتفاقية "كامب ديفيد" قد يعيد "إسرائيل" إلى المربع الأول، وينذر بضياع كل الانجازات التي حققتها "إسرائيل" على صعيد الإقليم على مدى عشرات السنين.
"إسرائيل" تدفع نحو تأجيل الانتخابات في مصر
لكن النخبة الحاكمة في تل أبيب التي تدرك المخاطر الهائلة لتصدع السلام مع مصر، ليس في نيتها الاستسلام ورفع الراية البيضاء، لذا فإن نتنياهو وأركان حكومته يديرون دبلوماسية هادئة من وراء الكواليس للتأثير على الواقع السياسي المصري الداخلي والعمل على عدم السماح بتحقق سيناريو الرعب الذي تفزع منه تل أبيب.
وحسب ما يقول سيلفان شالوم، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن آخر ما ترغب به "إسرائيل" حالياً هو أن تجرى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية في مصر في ظل حالة الغليان الجماهيري ضد تواصل حالة السلام مع "إسرائيل". لذا فقد كشف التلفزيون الإسرائيلي عن أن تحركا إسرائيليا يشرف عليه نتنياهو شخصياً، ويهدف إلى إقناع الإدارة الأمريكية بمضاعفة الضغوط على المجلس العسكري في مصر لتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر لأجل غير مسمى.
وحسب ما كشف عنه التلفزيون الإسرائيلي فإن المقترح الإسرائيلي عرض على بعض المحافل في مجلسي الكونغرس، وتحديداً تلك المعروفة بتأييدها الأعمى لـ"إسرائيل"، وذلك لإقناعها بتبني المقترح الإسرائيلي والعمل على أساسه.
قصارى القول: "إسرائيل" تعيش في حالة رغب غير مسبوقة بسبب التطورات التي يشهدها الوطن العربي، وتحديداً في مصر، وهذا يعني أن صناع القرار في تل أبيب باتوا يدركون أن الربيع العربي هو بالضرورة خريف إسرائيلي بامتياز
بقلم صالح النعامي:
على الرغم من أن النخبة الحاكمة في "إسرائيل" تحرص على احتواء مظاهر قلقها الشديد إزاء ردة الفعل الجماهيرية المصرية العارمة تجاه جريمة قتل الجنود المصريين على أيدي الجيش الإسرائيلي قبل ثلاثة أسابيع، والتي بلغت ذروتها باقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، إلا أنه من الواضح أن جميع مستويات القيادة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني تكتم أنفساها إزاء مستقبل سلوك الشارع المصري.
ولعل ما بات يشكل إجماعاً بين النخب اليمينية واليسارية في تل أبيب هو الاقتناع بأن تواصل مظاهر الاحتجاج الجماهيري في مصر ضد العلاقات مع "إسرائيل" يمثل كارثة استراتيجية للكيان الصهيوني وتحديا هائل لقدرته على مواصلة البقاء في هذه المنطقة.
فعاموس جلبوع، الجنرال المتقاعد ورئيس لواء الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية، ذو التوجهات اليمينية المتطرفة، يتحدث تقريباً بنفس اللهجة التي يتحدث بها يوسي ساريد، وزير التعليم السابق، وأحد أبرز منظري اليسار الصهيوني، وهو يرى -كما ساريد- أن مواصلة مصر احترام اتفاقيات "كامب ديفيد" يمثل أحد أهم الضمانات الأساسية لبقاء الكيان الصهيوني في هذه المنطقة.
وحتى شخص حذر مثل الوزير العمالي السابق، الجنرال المتقاعد إفرايم سنيه يرى في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 8-9 -2011 أن حاجة "إسرائيل" للسلام مع مصر أكبر بكثير من حاجة القاهرة لهذا السلام، ويجزم أن أي انجاز يمكن أن تحققه "إسرائيل" في المستقبل لا يمكن أن يعوض عن الخسارة الهائلة المتمثلة في تضرر العلاقات مع مصر.
خارطة المخاطر
ويشرح الجنرال المتقاعد دورون ألموج، الذي تولى في السابق قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي خارطة المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن انهيار "السلام" مع مصر أو تضرره، وهو يرى أن ذلك يعني بشكل عاجل مضاعفة الأعباء العسكرية على كاهل الجيش الإسرائيلي، بشكل سيكون من شبه المستحيل عليه الوفاء به.
ويعتبر ألموغ أن خروج مصر من حالة السلام مع مصر يعني بشكل مباشر إعادة صياغة العقيدة الأمنية، وإحداث طفرة هائلة في سياسة التجنيد، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي سيكون مطالباً بإدخال تعديلات تنظيمية وبنيوية ولوجستية هائلة على جسمه، مع كل ما يعنيه ذلك من مضاعفة الأعباء الاقتصادية على الكيان الصهيوني، في الوقت الذي تعتمل بداخله ثورة جماهيرية ضد الغلاء وارتفاع الأسعار وضجر الطبقة الوسطى بالسياسات التي تعكف عليها حكومة نتنياهو.
ويعدد يهشوع ساغي، الذي شغل في الماضي منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية جملة المطالب التي يتوجب على الجيش الصهيوني الوفاء بها، وتتمثل بشكل خاص في زيادة عدد القوات البرية، عبر توسيع ألوية المشاة القائمة حالياً واستحداث ألوية أخرى.
وبالطبع لا يفوت ساغي التذكير بأن هذه تكاد تكون مهمة مستحيلة، في ظل تراجع دافعية الشباب الصهيوني العلماني للتطوع في ألوية ووحدات الجيش الإسرائيلية القتالية، وهو ما يعني زيادة العبء ومراكمة الأحمال على كاهل الفئات الجماهيرية التي تحافظ على دافعيتها للخدمة العسكرية، سيما أتباع التيار الديني الصهيوني والمهاجرين الجدد.
بالطبع، فإن لهذا التوقع في حال تحقق أضرار سياسية واستراتيجية هائلة، لأنه سيزيد من تأثير القطاعات الجماهيرية التي تمثل أقلية في المجتمع الصهيوني على دائرة صنع القرار السياسي، سيما التيار الديني الصهيوني، الذي يعتبر المستوطنون اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أهم مركباته.
توقيت بائس
إن أكثر ما يصيب الصهاينة بالإحباط حقيقة أن المخاوف من تدهور العلاقات مع مصر تأتي في ظل تحولات هائلة يشهدها الوطن العربي، وفي ظل الأزمة المتصاعدة بين تل أبيب وأنقرة، وهي بالتالي تفتح الباب على مصراعيه أمام تحولات هائلة في علاقات "إسرائيل" الإقليمية، حيث إن هذا سيخلق بيئة إقليمية تقلص من قدرة بعض الأنظمة العربية، وهو ما يعني مضاعفة المخاطر على "إسرائيل".
ويرى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس أن الرفض الجماهيري المصري المتعاظم لاتفاقية "كامب ديفيد" قد يعيد "إسرائيل" إلى المربع الأول، وينذر بضياع كل الانجازات التي حققتها "إسرائيل" على صعيد الإقليم على مدى عشرات السنين.
"إسرائيل" تدفع نحو تأجيل الانتخابات في مصر
لكن النخبة الحاكمة في تل أبيب التي تدرك المخاطر الهائلة لتصدع السلام مع مصر، ليس في نيتها الاستسلام ورفع الراية البيضاء، لذا فإن نتنياهو وأركان حكومته يديرون دبلوماسية هادئة من وراء الكواليس للتأثير على الواقع السياسي المصري الداخلي والعمل على عدم السماح بتحقق سيناريو الرعب الذي تفزع منه تل أبيب.
وحسب ما يقول سيلفان شالوم، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن آخر ما ترغب به "إسرائيل" حالياً هو أن تجرى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية في مصر في ظل حالة الغليان الجماهيري ضد تواصل حالة السلام مع "إسرائيل". لذا فقد كشف التلفزيون الإسرائيلي عن أن تحركا إسرائيليا يشرف عليه نتنياهو شخصياً، ويهدف إلى إقناع الإدارة الأمريكية بمضاعفة الضغوط على المجلس العسكري في مصر لتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر لأجل غير مسمى.
وحسب ما كشف عنه التلفزيون الإسرائيلي فإن المقترح الإسرائيلي عرض على بعض المحافل في مجلسي الكونغرس، وتحديداً تلك المعروفة بتأييدها الأعمى لـ"إسرائيل"، وذلك لإقناعها بتبني المقترح الإسرائيلي والعمل على أساسه.
قصارى القول: "إسرائيل" تعيش في حالة رغب غير مسبوقة بسبب التطورات التي يشهدها الوطن العربي، وتحديداً في مصر، وهذا يعني أن صناع القرار في تل أبيب باتوا يدركون أن الربيع العربي هو بالضرورة خريف إسرائيلي بامتياز
التعديل الأخير: