العالم اليوم يبدو انه يستقبل صراعا جديدا بين القطبين التقليديين الذين آلفهما في الحقبة السوفياتية لعصر ما قبل انهيار المعسكر الاشتراكي، وفقدان الساحة الحمراء لرمزيتها المعروفة وكذلك سطوتها الدولية، حيث علقت صحيفة الحياة اللندنية على هذا الموضوع قائلة، كان إعلان وفاة الاتحاد السوفياتي عام 1991 بعد سنوات من المعاناة السياسية والاقتصادية واحداً من أهم أحداث القرن الماضي الذي كان مليئاً بالأحداث والصراعات، وقد شهد العالم شرقاً وغرباً المعاول وهي تنهال على جدار برلين، لتعلن الجماهير الألمانية الشرقية ثورتها العارمة ضد الفصل وانضمامها إلى أخواتها في الغرب، ومع الحدث الكبير انتقلت الدول التي كانت تدور في فلك ما سمي بالمعسكر الشرقي إلى المعسكر الآخر الغربي المنافس.
كان إعلان وفاة الامبراطورية العظمى التي ظلت طويلا ذات أثر كبير في النظام الدولي - حدثاً مدوياً وذا أثر بليغ وخطير، فقد كانت القطب الرئيسي الذي وقف في وجه الغول الأميركي على مدى أكثر من أربعة عقود في ما سمي بالحرب الباردة.
ومع انهيار ذلك النظام الشمولي وتحوله بين عشية وضحاها إلى اقتصاد السوق في ظل فوضى عارمة في نظامه الداخلي ومشهده القاتم، زال أكبر كابوس كانت الامبراطورية الأميركية تحسب له ألف حساب، فالدب الروسي كان نداً وخصماً عنيداً لأميركا وقوة عسكرية مهابة تعادل قوتها أو تزيد.
كان هذا الانهيار الكبير نتيجة عوامل عدة منها السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي وغير ذلك تضاف إلى ذلك حرب شرسة شنتها الامبراطورية الأميركية، لتحدث جروحاً عميقة في جسد الامبراطورية السوفياتية السابقة ظلت تنزف حتى انتهى الأمر إلى إعلان الوفاة، لتنفرد أميركا كقوة عالمية من دون منافس أو حتى مقاوم لهجماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
على المستوى الدولي تحتل أميركا المركز الاقتصادي الأول وتسيطر على النظام النقدي والمالي العالمي وحركات الرساميل العابرة للقارات وحركة البورصات وتنقل الرساميل والأسهم والسندات العالمية، وهي تفرض سطوتها وسيطرتها على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يعملان باتساق طبقاً للقواعد التي تحددها واشنطن إلى حد كبير. وتمثل قوة أميركا العسكرية الضاربة القوة الأولى في العالم والقوة العسكرية والاقتصادية هي التي جعلت أميركا تحاول بسط نفوذها على قارات العالم لتنشر ثقافتها وتسوِّق ديموقراطيتها بالقوة أحياناً، وبالديبلوماسية والضغوط أحياناً أخرى.
وهكذا فإن أميركا بقوتها العسكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية أصبحت تتربع على عرش «القوة» في العالم منذ أن انكفأ الدب الروسي على نفسه داخل حدوده ليخرج الغول الأميركي مسرعاً خارج حدوده ويشن الحروب واحدة تلو الأخرى جهاراً نهاراً أمام أعين العالم والغريم السابق الروسي لا يحرك ساكناً، أو بتعبير أدق لا يستطيع أن يحرك ساكناً فاحتلت الامبراطورية الأميركية أفغانستان والعراق وأطلق السيد بوش التهديدات كزئير الأسد لكل من تسول له نفسه التعرض لهيبة هذا الغول الجائع.
فضلت روسيا الجديدة بقيادة يلتسن الانكفاء على نفسها في خضم هيجان الهيمنة الأميركية بكل وجوهها محتفظة بما تبقى من شتات القوة العظمى، وقد دخلت خندق الانتقال غير المدروس إلى نظام السوق الحر أو النظام الرأسمالي.
وعندما جاء بوتين رجل الاستخبارات المخضرم خلفاً ليلتسن وجد تركة اقتصادية ثقيلة، فالاقتصاد الروسي كان قبل تولي بوتين في عام 1999، ثم بعد انتخابه رئيساً لبلاده عام 2000 يعاني من تفاقم الديون وعجز الدولة عن سداد رواتب موظفيها وقواتها المسلحة، وحاول بوتين علاج بعض أمراض الاقتصاد الروسي فأعلن حربه على الفساد والرشوة والبيروقراطية، وتبنى إصلاحات اقتصادية ونفطية أسفرت عن الحفاظ على ثروات البلاد من النفط والغاز واستفاد من الطفرة التاريخية في أسعار النفط التي دعمت اقتصاد بلاده وإجمالي ناتجها القومي وحقق معدل نمو سنوي حوالي 7 في المئة على مدى خمس سنوات وتبدل العجز في الموازنة إلى فائض وفتح باب الاستثمارات الأجنبية.
وعادت روسيا الاتحادية إلى الواجهة كقوة اقتصادية ونفطية كبرى، إلى جانب قوتها العسكرية الضاربة لتستعد لمقارعة الغول الأميركي وبدء حرب باردة جديدة قد تكون شرارة لنار حرب عالمية (رابعة) بعد أن مثلت الحرب الباردة (البائدة) وحروب أميركا على العراق وأفغانستان والصومال بوكالة أثيوبية والتدخلات الأميركية في قارات العالم الحرب العالمية الثالثة.
الحرب الباردة في الألفية الثالثة أعلنها الرئيس بوتين في خطاب الاتحاد في الكرملين بتاريخ 27 نيسان (أبريل) الماضي بعد أن أكد «قوة» بلاده في الداخل، إذ اعتبر أن مشروع واشنطن نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا يزيد من أخطار المواجهة، بل إن جنرالات بوتين الكبار أعلنوا أن قواتهم قادرة على تدمير ذلك الدرع، وذلك أعلى صوت في الحرب الباردة الجديدة وإعلان صريح أن روسيا بدأت تستعيد عافيتها.
وفي آخر خطاب للرئيس بوتين قبل انتهاء مدة ولايته، وفي اطار معارضته الحادة لمشروع أميركا لنشر الدرع المضاد للصواريخ على مقربة من حدود روسيا الاتحادية، أكد ضرورة بناء بلاده 26 مفاعلاً على أحدث التقنيات والتكنولوجيا لتنضم إلى 30 مفاعلاً نووياً هي كل ما تم تشييده في الحقبة السوفياتية التي ولدت عام 1917 وانهارت عام 1991 كامبراطورية سوفياتية.
لا شك في أن إعلان بوتين يؤكد أن بلاده لا تزال قوة عسكرية نووية وتقليدية يحسب حسابها، وبالسلاح النووي الروسي الضارب تستطيع التحدي والمجابهة كقوة عسكرية تستطيع الفتك بالأعداء المتربصين، ويعد خطاب بوتين إعلاناً عن صحوة الدب المنتظرة بعد حوالي 15 عاماً من تاريخ الانهيار الأسود في التاريخ السوفياتي السابق في الميدان الاقتصادي والنفوذ الدولي.
رئيس روسيا الاتحادية كان يتابع التمدد الأميركي في أفغانستان والعراق والصومال وتدخلات الإدارة الأميركية تحت مظلة الديموقراطية في دول كانت ضمن هيمنة الامبراطورية الروسية على حدود روسيا الاتحادية، وكان سعيداً وهو يرى «العم سام» وهو يكابد فعلته في أفغانستان التي كانت أحد أسباب انطواء الامبراطورية الروسية لتصبح خنجراً في خاصرة (القوة) الأميركية كما كانت سهماً نافذا في قلب القوة السوفياتية.
وكان بوتين ولا يزال يراقب عدو الأمس واليوم وهو غارق في وحل العراق الذي تحول إلى فيتنام ثانية وكان الدخول سهلاً، لكن الخروج من المستنقع يبدو بعيد المنال، وهذا ما يسعد بوتين الذي غرقت امبراطورية بلاده السابقة في علو مجدها في نفق أفغانستان ولم تخرج منها إلا مع انكسارها وتحطم كيانها، وها هي أميركا تقع في الفخ نفسه في أفغانستان وتزيد عليه بلوى أكبر في العراق، وها هو بوتين يعلن الاحتفال والتحدي للغول الأميركي.
هذا التحدي الذي يعني أن بلاده عادت إلى سابق قوتها إن لم تكن أقوى، فبلاده في مجال «القوة» النووية تأتي في الترتيب الأول عالمياً، إذ تملك أكثر من 8 آلاف رأس نووي، بينما يبلغ عدد الرؤوس النووية التي تملكها أميركا حوالي 7 آلاف رأس نووي.
وفي ميدان النفط يبلغ احتياط روسيا النفطي 72 بليون برميل، وتعتبر ثاني دولة مصدرة له عالمياً بعد السعودية، ويبلغ احتياطها من الغاز 47572 بليون متر مكعب، فهي الأولى عالمياً، أما الولايات المتحدة فيبلغ احتياطها النفطي حوالي 22 بليون برميل، واحتياطها من الغاز 531 بليون متر مكعب، وهي (أميركا) مستوردة للنفط والغاز بعكس روسيا المصدرة لكليهما.
إذاً، الاقتصاد الروسي المدعم بالنفط والغاز، والقوة الروسية الضاربة بدأت تتحدث عن وجهها الجديد وأخذت الحرب الباردة في هذا القرن المشحون بالصراعات والحروب والأحداث تعلن عن نفسها، وأصبح بوتين الذي سيغادر الكرملين وبوش الذي يقضي وقته الأخير في البيت الأبيض وجهاً لوجه في صراع عالمي جديد، فالأميركيون يحاولون حصر الروس في زاوية ضيقة، زاعمين أن القواعد الجديدة في أوروبا ستحمي أمن بلادهم من التهديدات التي قد تشكلها الصواريخ الإيرانية أو الكورية الشمالية.
وحقيقة الأمر من الوجهة الاستراتيجية العسكرية أن روسيا هي التي تمتلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وهي المقصودة بنشر المنظومة الأميركية للصواريخ، وهو ما يدركه الروس، ويمثل تحدياً استراتيجياً لهم، وينذر بالحرب الباردة التي قد تكون نتائجها حرباً عالمية رابعة.
هذه الحرب يبدو أن مسرحها قد يكون الشرق الأوسط، وقَدْح شرارتها سيكون تحديداً من الخليج العربي، حيث مستودع الطاقة العالمي في مياهه الدافئة تزكيها وتشعلها رائحة النفط المخزونة تحت تلك المياه، في غياب سيطرة القانون والأخلاق على العلاقات والصراعات الدولية وتحول العالم إلى سباق محموم نحو القوة، في ظل نظام دولي تقوده أميركا بحروبها التي غيبت معها القانون الدولي الإنساني، وخلقت أجواء دولية تتسم بالانقسام والصراعات، وأكدت من دون جدل قول وزير خارجيتها السابق كيسنجر إن «القوة لا تزال الحَكَم الأخير في العالم».
كان إعلان وفاة الامبراطورية العظمى التي ظلت طويلا ذات أثر كبير في النظام الدولي - حدثاً مدوياً وذا أثر بليغ وخطير، فقد كانت القطب الرئيسي الذي وقف في وجه الغول الأميركي على مدى أكثر من أربعة عقود في ما سمي بالحرب الباردة.
ومع انهيار ذلك النظام الشمولي وتحوله بين عشية وضحاها إلى اقتصاد السوق في ظل فوضى عارمة في نظامه الداخلي ومشهده القاتم، زال أكبر كابوس كانت الامبراطورية الأميركية تحسب له ألف حساب، فالدب الروسي كان نداً وخصماً عنيداً لأميركا وقوة عسكرية مهابة تعادل قوتها أو تزيد.
كان هذا الانهيار الكبير نتيجة عوامل عدة منها السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي وغير ذلك تضاف إلى ذلك حرب شرسة شنتها الامبراطورية الأميركية، لتحدث جروحاً عميقة في جسد الامبراطورية السوفياتية السابقة ظلت تنزف حتى انتهى الأمر إلى إعلان الوفاة، لتنفرد أميركا كقوة عالمية من دون منافس أو حتى مقاوم لهجماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
على المستوى الدولي تحتل أميركا المركز الاقتصادي الأول وتسيطر على النظام النقدي والمالي العالمي وحركات الرساميل العابرة للقارات وحركة البورصات وتنقل الرساميل والأسهم والسندات العالمية، وهي تفرض سطوتها وسيطرتها على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يعملان باتساق طبقاً للقواعد التي تحددها واشنطن إلى حد كبير. وتمثل قوة أميركا العسكرية الضاربة القوة الأولى في العالم والقوة العسكرية والاقتصادية هي التي جعلت أميركا تحاول بسط نفوذها على قارات العالم لتنشر ثقافتها وتسوِّق ديموقراطيتها بالقوة أحياناً، وبالديبلوماسية والضغوط أحياناً أخرى.
وهكذا فإن أميركا بقوتها العسكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية أصبحت تتربع على عرش «القوة» في العالم منذ أن انكفأ الدب الروسي على نفسه داخل حدوده ليخرج الغول الأميركي مسرعاً خارج حدوده ويشن الحروب واحدة تلو الأخرى جهاراً نهاراً أمام أعين العالم والغريم السابق الروسي لا يحرك ساكناً، أو بتعبير أدق لا يستطيع أن يحرك ساكناً فاحتلت الامبراطورية الأميركية أفغانستان والعراق وأطلق السيد بوش التهديدات كزئير الأسد لكل من تسول له نفسه التعرض لهيبة هذا الغول الجائع.
فضلت روسيا الجديدة بقيادة يلتسن الانكفاء على نفسها في خضم هيجان الهيمنة الأميركية بكل وجوهها محتفظة بما تبقى من شتات القوة العظمى، وقد دخلت خندق الانتقال غير المدروس إلى نظام السوق الحر أو النظام الرأسمالي.
وعندما جاء بوتين رجل الاستخبارات المخضرم خلفاً ليلتسن وجد تركة اقتصادية ثقيلة، فالاقتصاد الروسي كان قبل تولي بوتين في عام 1999، ثم بعد انتخابه رئيساً لبلاده عام 2000 يعاني من تفاقم الديون وعجز الدولة عن سداد رواتب موظفيها وقواتها المسلحة، وحاول بوتين علاج بعض أمراض الاقتصاد الروسي فأعلن حربه على الفساد والرشوة والبيروقراطية، وتبنى إصلاحات اقتصادية ونفطية أسفرت عن الحفاظ على ثروات البلاد من النفط والغاز واستفاد من الطفرة التاريخية في أسعار النفط التي دعمت اقتصاد بلاده وإجمالي ناتجها القومي وحقق معدل نمو سنوي حوالي 7 في المئة على مدى خمس سنوات وتبدل العجز في الموازنة إلى فائض وفتح باب الاستثمارات الأجنبية.
وعادت روسيا الاتحادية إلى الواجهة كقوة اقتصادية ونفطية كبرى، إلى جانب قوتها العسكرية الضاربة لتستعد لمقارعة الغول الأميركي وبدء حرب باردة جديدة قد تكون شرارة لنار حرب عالمية (رابعة) بعد أن مثلت الحرب الباردة (البائدة) وحروب أميركا على العراق وأفغانستان والصومال بوكالة أثيوبية والتدخلات الأميركية في قارات العالم الحرب العالمية الثالثة.
الحرب الباردة في الألفية الثالثة أعلنها الرئيس بوتين في خطاب الاتحاد في الكرملين بتاريخ 27 نيسان (أبريل) الماضي بعد أن أكد «قوة» بلاده في الداخل، إذ اعتبر أن مشروع واشنطن نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا يزيد من أخطار المواجهة، بل إن جنرالات بوتين الكبار أعلنوا أن قواتهم قادرة على تدمير ذلك الدرع، وذلك أعلى صوت في الحرب الباردة الجديدة وإعلان صريح أن روسيا بدأت تستعيد عافيتها.
وفي آخر خطاب للرئيس بوتين قبل انتهاء مدة ولايته، وفي اطار معارضته الحادة لمشروع أميركا لنشر الدرع المضاد للصواريخ على مقربة من حدود روسيا الاتحادية، أكد ضرورة بناء بلاده 26 مفاعلاً على أحدث التقنيات والتكنولوجيا لتنضم إلى 30 مفاعلاً نووياً هي كل ما تم تشييده في الحقبة السوفياتية التي ولدت عام 1917 وانهارت عام 1991 كامبراطورية سوفياتية.
لا شك في أن إعلان بوتين يؤكد أن بلاده لا تزال قوة عسكرية نووية وتقليدية يحسب حسابها، وبالسلاح النووي الروسي الضارب تستطيع التحدي والمجابهة كقوة عسكرية تستطيع الفتك بالأعداء المتربصين، ويعد خطاب بوتين إعلاناً عن صحوة الدب المنتظرة بعد حوالي 15 عاماً من تاريخ الانهيار الأسود في التاريخ السوفياتي السابق في الميدان الاقتصادي والنفوذ الدولي.
رئيس روسيا الاتحادية كان يتابع التمدد الأميركي في أفغانستان والعراق والصومال وتدخلات الإدارة الأميركية تحت مظلة الديموقراطية في دول كانت ضمن هيمنة الامبراطورية الروسية على حدود روسيا الاتحادية، وكان سعيداً وهو يرى «العم سام» وهو يكابد فعلته في أفغانستان التي كانت أحد أسباب انطواء الامبراطورية الروسية لتصبح خنجراً في خاصرة (القوة) الأميركية كما كانت سهماً نافذا في قلب القوة السوفياتية.
وكان بوتين ولا يزال يراقب عدو الأمس واليوم وهو غارق في وحل العراق الذي تحول إلى فيتنام ثانية وكان الدخول سهلاً، لكن الخروج من المستنقع يبدو بعيد المنال، وهذا ما يسعد بوتين الذي غرقت امبراطورية بلاده السابقة في علو مجدها في نفق أفغانستان ولم تخرج منها إلا مع انكسارها وتحطم كيانها، وها هي أميركا تقع في الفخ نفسه في أفغانستان وتزيد عليه بلوى أكبر في العراق، وها هو بوتين يعلن الاحتفال والتحدي للغول الأميركي.
هذا التحدي الذي يعني أن بلاده عادت إلى سابق قوتها إن لم تكن أقوى، فبلاده في مجال «القوة» النووية تأتي في الترتيب الأول عالمياً، إذ تملك أكثر من 8 آلاف رأس نووي، بينما يبلغ عدد الرؤوس النووية التي تملكها أميركا حوالي 7 آلاف رأس نووي.
وفي ميدان النفط يبلغ احتياط روسيا النفطي 72 بليون برميل، وتعتبر ثاني دولة مصدرة له عالمياً بعد السعودية، ويبلغ احتياطها من الغاز 47572 بليون متر مكعب، فهي الأولى عالمياً، أما الولايات المتحدة فيبلغ احتياطها النفطي حوالي 22 بليون برميل، واحتياطها من الغاز 531 بليون متر مكعب، وهي (أميركا) مستوردة للنفط والغاز بعكس روسيا المصدرة لكليهما.
إذاً، الاقتصاد الروسي المدعم بالنفط والغاز، والقوة الروسية الضاربة بدأت تتحدث عن وجهها الجديد وأخذت الحرب الباردة في هذا القرن المشحون بالصراعات والحروب والأحداث تعلن عن نفسها، وأصبح بوتين الذي سيغادر الكرملين وبوش الذي يقضي وقته الأخير في البيت الأبيض وجهاً لوجه في صراع عالمي جديد، فالأميركيون يحاولون حصر الروس في زاوية ضيقة، زاعمين أن القواعد الجديدة في أوروبا ستحمي أمن بلادهم من التهديدات التي قد تشكلها الصواريخ الإيرانية أو الكورية الشمالية.
وحقيقة الأمر من الوجهة الاستراتيجية العسكرية أن روسيا هي التي تمتلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وهي المقصودة بنشر المنظومة الأميركية للصواريخ، وهو ما يدركه الروس، ويمثل تحدياً استراتيجياً لهم، وينذر بالحرب الباردة التي قد تكون نتائجها حرباً عالمية رابعة.
هذه الحرب يبدو أن مسرحها قد يكون الشرق الأوسط، وقَدْح شرارتها سيكون تحديداً من الخليج العربي، حيث مستودع الطاقة العالمي في مياهه الدافئة تزكيها وتشعلها رائحة النفط المخزونة تحت تلك المياه، في غياب سيطرة القانون والأخلاق على العلاقات والصراعات الدولية وتحول العالم إلى سباق محموم نحو القوة، في ظل نظام دولي تقوده أميركا بحروبها التي غيبت معها القانون الدولي الإنساني، وخلقت أجواء دولية تتسم بالانقسام والصراعات، وأكدت من دون جدل قول وزير خارجيتها السابق كيسنجر إن «القوة لا تزال الحَكَم الأخير في العالم».