عن الثورة في فكر مالك بن نبي .
لقد أخذ مالك بن نبي - مذ وعَى- موقفه من الاستعمار عن بيّنة وليس عن عاطفة. ولذلك لم يتوقف عند ظاهرة الاستعمار، بل تجاوزها إلى سبب وجودها، الذي سماه " القابلية للاستعمار ".
وأعلن في شجاعة فكرية أن الظاهرة الاستعمارية هي نتيجة لحالة نفسية سماها -كما أسلفت- " القابلية للاستعمار" التي جلبت عليه كثيرا من النقد غير الموضوعي.
ولقد بقي مالك بن نبي متمسكا بفكرته إلى آخر أيام حياته، حيث أشار في رسالته " دور المسلم ورسالته " - وهي من آخر إنتاجه - إلى " أننا لم نغير شروط القابلية للاستعمار في أنفسنا ".
.................................................. ......
كان مالك بن نبي - عكس كثير من المثقفين بالثقافة الأجنبية - مقتنعا أن القضية الوطنية - ومرحلة الثورة جزء منها - هي في جوهرها صراع عقيدي، وذلك ما ألحت عليه أدبيات الاستعمار الفرنسي من "وجوب استعادة الجزائر إلى المسيحية (1)" من عهد الملك الفرنسي شارل التاسع في سنة 1572 إلى عهد رئيس الوزراء الفرنسي جورج بيدو، الذي صرح في بداية الكفاح في المغرب العربي قائلا :"إن الصليب سيحطم الهلال(2)".
لاشك في أن معركة هذا هو جوهرها، وتلك هي حقيقتها لابد أن يكون نطاقها الجغرافي ممتدا امتداد الفكرتين الإسلامية والنصرانية، ولهذا كان مالك بن نبي يرى "في كل وطنية - ضيقة- خيانة لقضية أكبر"، رغم تأكيده على وطنيته، حيث يقول "وكنتُ وطنيا دائما".
.................................................. ......
إن المتتبع لأفكار الأستاذ ابن نبي عن الثورة الجزائرية يلمس عنده تمييزا بين الشعب الجزائري وبعض قادته من جهة وبين بعض قادته الآخرين.
فالشعب الجزائري وبعض قادته كانوا "إخوة" "مجاهدين"يخوضون الثورة بوازع ديني صرف، لأن الثورة ليست كإحدى الحروب تدور رحاها مع العَدَد والعُدَد، بل إنها تعتمد على الروح والعقيدة، وأما بعض القادة الآخرين فقد كانوا "ثائرين" "مكافحين" وحاولوا صبغ الثورة بصبغة مغايرة لصبغتها.
لقد أكد مالك بن نبي أن أزمة الثورة الجزائرية كانت "على مستوى القيادة" التي كانت كلمة "الحقوق" عندها مقدمة على كلمة "الواجبات"، فكانت نتيجة ذلك هي "التفرق والتمزق" وصارت الثورة "لا ثورة"، بل أصبحت أحيانا ضد الثورة. من أجل ذلك، اعتبر مالك بن نبي الثورة التي لا تُكْمِل إنجاز مهماتها، وتخاف إصلاح أخطائها قد "انتحرت".
إن الثورة عند مالك بن نبي ليست تحقيق العدالة الاجتماية فقط، ولكنها هي العمل على استعادة الشعب شخصيته وكرامته، وهي عملية لن تتأتى إلا عن طريق تصفية الاستعمار في العقول، لأن ذلك هو "الاستقلال الحقيقي الذي يبتر كل علاقات التبعية".
رحم الله مالك بن نبي،