الاختبار الأول:
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/107/1714/تحليلات/مصر/الاختبار-الأول.aspx#desc
هل يمكن أن تؤدى "أزمة الحدود" العنيفة التى تشهدها العلاقات المصرية – الإسرائيلية حاليا إلى طرح إحتمالات حادة تتعلق بالإطار الذى يحكم تفاعلات الطرفين؟، وهى تلك التفاعلات التى تتصل بما يسمى عادة " الحرب والسلام".
الإجابة القاطعة هى لا ، فهي لن تثير عوامل الحرب أو تمس أطر السلام غالبا، لكنها أيضا لن تمر ببساطة، فسوف تفتح كل الملفات المرتبطة بعلاقات الطرفين قبل أن يتم التوصل إلى معادلة قلقة جديدة، تصبح فيها العلاقات أكثر برودة ، وتصبح فيها الأزمات أكثر سخونة، إلا إذا فقد الطرفان السيطرة على الداخل فى كل منهما، أو قرر أحدهما أن يمارس لعبة خطرة، لإختبار قوة الطرف الآخر، أو محاولة وضع قواعد حادة للمرحلة الجديدة، بما قد يطرح إحتمالات الإنزلاق إلى حافة هاوية محدودة.
تصاعد الإختراقات
إن الإنطباع السائد هو أن أزمة منطقة علامة الحدود رقم 79 هى أكثر الأزمات عنفا بين الطرفين منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، وقد تكون كذلك بالفعل، فقد تضمنت – حسب تقرير قوة المراقبين متعددة الجنسيات MFOالعاملة فى سيناء – إختراقين كبيرين أديا إلى إستشهاد 3 عسكريين مصريين داخل حدود مصر.
إلا أن تاريخ المشكلات الحدودية بين مصر وإسرائيل يشير إلى أن تلك الوقائع لم تتوقف أبدا، فبعيدا عن عشرات الإختراقات السنوية الروتينية التى تشير إليها تقارير القوة المذكورة، خاصة فى منطقة طابا البحرية، وقعت حوادث كبرى فى سنوات 1985 ( سليمان خاطر) و1990 ( أيمن حسن)، ثم بدأت الأوضاع تتفاقم منذ عام 2000 لتشهد سنوات 2001 و 2004 و2008 مثلا 9 عمليات إطلاق نار راح ضحيتها عدد من العسكريين المصريين فى منطقة رفح.
إن المؤكد هو أنه تمت تحقيقات فى كل الوقائع التى إرتبطت بأزمات حدود سابقة، بشكل منفرد على الأقل، فالجيوش لا تترك تلك الأمور تمر هكذا، وفى كل مرة كانت هناك ملابسات تتعلق بما كان يعتبر قتل خطأ أو إشتباك غير مقصود (بالمصادفة) أو بسوء تقدير أو "تقاطع نيران"، ولم يعلن أى طرف فى أى واقعة تقريبا أنه كانت هناك حالات تتعلق بسوء النوايا أو تعمد إطلاق النار أو إختراق الترتيبات الأمنية.
وفى كل الأحوال كان الطرفان يقومان بإحتواء الموقف، فى ظل إعتذارات معينة، أو حسابات خاصة، أو تدخل مكثف لأطراف ثالثة خاصة واشنطن، وكان التصعيد يقف عند حدود معينة، فلم يبد أبدا انه يمكن أن تنفجر حرب إلا لأسباب مبررة للحرب. لكن هذه المرة، يتم كل شئ "على الهواء"، بينما تتابع الحشود الثائرة الموقف عن قرب، وبالتالى سوف لن يكون الإحتواء سهلا.
إن الإختلاف بين الأوضاع السابقة والحالة الحالية واضح تماما، فبعيدا عن عوامل "صلبة" – سيتم الإشارة إليها حالا – أدت إلى إثارة مصر ويشتبه فى أنها حكمت السلوك الإسرائيلى، يوجد العامل الشعبى الذى لايمكن تجاوزه، فقد صدرت مثلا تصريحات من قبل شخصيات ذات مرجعيات دينية فى مصر تشير إلى "السيناريو الإنتقامى" وعاد البعض فى شعاراتهم إلى "دولة المدينة"، كما أن تعليقات إسرائيلية غير مسئولة قد نشرت فى بعض الصحف تدفع فى إتجاه السير نحو مدى بعيد فى التصعيد التجريبى مع مصر، لكن لم تصدر أية تصريحات رسمية على الجانبين تمثل "صيحات حرب"، فهناك مشكلة حقيقية تمثل أزمة حادة، يتم التعامل معها بجدية بأساليب إدارة الأزمات وليس إدارة الصراعات، إذ لن يتهاون أحد فى مصر مع تلك الواقعة، التى قد لاتحمل فكرة القتل الخطأ، فمصر الآن بالفعل مختلفة، كما تقرر تصريحات د. عصام شرف، ولن يقلل أحد داخل " التيار الرئيسى" فى إسرائيل من خطورتها، أو هكذا يتصور، فعام 2011 يختلف عن بدايات الخمسينات عندما قرر تيار فى إسرائيل أن يصطدم مع ثورة يوليو 1952، عبر "غارة غزة" الشهيرة التى قادها إرييل شارون فى ظل تقديرات محددة.
لقد تم التوجه نحو تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، ذات سقف زمنى، وهدف تلك النوعية من اللجان يكون عادة البحث عن "المسئولية" التى ترتب إعتذارا رسميا وربما تعويضات مالية، مع التفاهم حول الإجراءات العملية التى تكفل عدم تكرار ما جرى مرة أخرى.
وتتمثل المشكلة هنا فى الملابسات التى تتعلق بعملية إستهداف منطقة نقطة الحدود المصرية، بما سيؤدى إلى طرح نقطتين تؤديان إلى البحث عن حل لمشكلة التسللات الحدودية، على نحو يطرح مسألة ترتيبات الأمن فى المناطق المجاورة للحدود وهى المنطقة "د" فى إسرائيل والمنطقة "ج" فى مصر، ثم إنهاء أية أفكار غير منضبطة فى أذهان قادة الجيش الإسرائيلى حول الملاحقة الساخنة، والتى تسلطت على التفكير العام فى تلك أبيب فى ظل التقديرات التى تخرج من هناك حول حالة سيناء الأمنية، وهى أفكار تماثل فى خطورتها واقعة الحدود، وهى بالنسبة لمصر يجب أن تنتهى علنا، حتى لايتم الإنزلاق إلى الإحتكاكات الحدودية المسلحة ثانية.
مستقبل المعاهدة
هنا تأتى القضية الأخرى، وهى معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية ( كامب ديفيد) ، فهناك سؤال يتعلق بمستقبل المعاهدة، يستند على شعارات مرفوعة من جانب جماعات مختلفة من الثوار فى مصر تتعلق بإلغائها، خاصة القوميين واليساريين والسلفيين، وضغوط حادة على "مؤسسات السلطة الإنتقالية" فى مصر بإتجاه القيام بشئ فى إتجاه إسرائيل.
كما يوجد تقدير عام، قديم فى الواقع، من جانب مؤسسات الأمن المصرية، بأن الترتيبات الأمنية الملحقة بها، خاصة داخل المنطقة "ج" ، تتطلب إعادة نظر، وبالتالى توجد داخل مصر ضغوط وقناعات سوف تدفع فى إتجاه التعديل على الأقل.
لكن الأهم من الضغوط هو أن الواقع المحيط بالجانب الأمنى فى معاهدة وقعت منذ أكثر من 30 سنة قد تغير تماما، بحيث لم يعد جزء من تلك الترتيبات يمثل أهمية فى تحقيق أهدافه القديمة، فى الوقت الذى بدأ يتسبب فيه بتفاقم المشاكل للطرفين، مصر وإسرائيل، فقد كان الهدف من تلك الترتيبات، من جانب إسرائيل، هو منع إحتمالات وقوع هجوم نظامى مسلح من جانب القوات المصرية، وقد ثار نقاش مرارا حول ما إذا كانت تتيح لإسرائيل إعادة إحتلال سيناء أم لا، وكانت الإجابة الدائمة هى أن القوات المصرية المتواجدة فى المنطقة "أ"، وخطط الدفاع المتعلقة بها، كافية تماما للدفاع عنها، وأن تمركز قوات نظامية فى المنطقة "ج" غير عملى أصلا، من الناحية العسكرية، وبالتالى لم تعد مسألة نشر قوات نظامية شرق الممرات تمثل قضية.
ماتغير الآن، هو أن الوضع الأمنى فى المنطقة "ج" قد أصبح شديد التعقيد، ففى عام 1979 كانت سيناء محتلة، وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر داخل غزة، وفيما بعد بدأت الحساسيات تتصاعد بين مواطنى سيناء من البدو ووزارة الداخلية المصرية التى أصبحت اللاعب الأمنى الرئيسى فى تلك المنطقة بفعل ترتيبات الأمن، كما تحولت أعمال التهريب التقليدية للسلاح والمخدرات والبشر إلى " جريمة منظمة" تمارسها جماعات مسلحة وليس عصابات بدو صحراوية.
فى ذلك الوقت أيضا لم تكن هناك أصلا تلك الحالة أو التيارات التى سيطرت على قطاع غزة، ولم تكن هناك أنفاق حدودية، كما لم تكن جماعات شديدة التطرف مثل "جيش الإسلام" قد ظهرت، ولم تكن دول أو تنظيمات إقليمية قد إقتربت من سيناء.
إن الوضع الحالى فى المنطقة "ج" يتطلب إنهاء الترتيبات القديمة التى حكمت التعامل معها، والتى أدت إلى تقلص القدرة على ضبط الأمن فيها، بما أدى إلى الإضرار بالطرفين الرئيسيين للمعاهدة، فلو ثبت أن جماعات جماعات متطرفة مسلحة قد تمكنت من إستهداف إسرائيل عبر أطراف سيناء الشمالية، فإنها فى الحقيقة قد إستهدفت مصر أيضا، وكان يمكن للرصاص أن يوجه إلى طابا ودهب وشرم الشيخ كما جرى من قبل، إضافة إلى أنها ربما ساهمت فى سحب مصر إلى أزمة يوجد شك فى أن أحدا فى القاهرة كان يرغب فيها، وبالتالى لم يعد الوضع السابق مقبولا على الإطلاق، وإذا لم تفهم إسرائيل ذلك، مع إصرارها على " توظيف" تقديراتها الخاصة بوجود فشل أمنى فى سيناء، فإن على القيادة فى مصر أن تتخذ موقف، عبر سياسات أمر واقع، تذكر إسرائيل أيضا بأن هناك ما يسمى المنطقة "د" فى إسرائيل ، ويمكن لإسرائيل أن تحتج على الإختراقات المصرية المحدودة، على سبيل التغيير.
فى النهاية، فإن الأزمة الحالية لن تؤدى إلى تصاعد غير محكوم يؤدى إلى تطورات مسلحة غير مسيطر عليها فى مناطق الحدود، إذا تمت السيطرة على الداخل، رغم أن "كلمات الحرب" سوف ترتفع، لكنها ستقود غالبا إلى إحداث تغيير فى الترتيبات الأمنية التى تحكم المنطقة "ج"، يتيح إنتشار عناصر عسكرية مصرية كافية للسيطرة على أوضاع شمال سيناء، مع إنهاء مبكر لتلك الأفكار التى بدأت تظهر داخل إسرائيل بشأن كيفية التعامل مع سيناء، ولن يكون الوضع الجديد مريحا أيضا، فسوف يتم تحديه مرارا، وقد تنشب أزمات جديدة، لكنه على الأقل سيمنع تجدد الأخطاء الحقيقية أو المزعومة، أو سيجعل إدارة أمن الحدود فى حالة وقوعها أكثر إستقرارا، بحيث لا تطرح إحتمالات حادة.
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/107/1714/تحليلات/مصر/الاختبار-الأول.aspx#desc
هل يمكن أن تؤدى "أزمة الحدود" العنيفة التى تشهدها العلاقات المصرية – الإسرائيلية حاليا إلى طرح إحتمالات حادة تتعلق بالإطار الذى يحكم تفاعلات الطرفين؟، وهى تلك التفاعلات التى تتصل بما يسمى عادة " الحرب والسلام".
الإجابة القاطعة هى لا ، فهي لن تثير عوامل الحرب أو تمس أطر السلام غالبا، لكنها أيضا لن تمر ببساطة، فسوف تفتح كل الملفات المرتبطة بعلاقات الطرفين قبل أن يتم التوصل إلى معادلة قلقة جديدة، تصبح فيها العلاقات أكثر برودة ، وتصبح فيها الأزمات أكثر سخونة، إلا إذا فقد الطرفان السيطرة على الداخل فى كل منهما، أو قرر أحدهما أن يمارس لعبة خطرة، لإختبار قوة الطرف الآخر، أو محاولة وضع قواعد حادة للمرحلة الجديدة، بما قد يطرح إحتمالات الإنزلاق إلى حافة هاوية محدودة.
تصاعد الإختراقات
إن الإنطباع السائد هو أن أزمة منطقة علامة الحدود رقم 79 هى أكثر الأزمات عنفا بين الطرفين منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، وقد تكون كذلك بالفعل، فقد تضمنت – حسب تقرير قوة المراقبين متعددة الجنسيات MFOالعاملة فى سيناء – إختراقين كبيرين أديا إلى إستشهاد 3 عسكريين مصريين داخل حدود مصر.
إلا أن تاريخ المشكلات الحدودية بين مصر وإسرائيل يشير إلى أن تلك الوقائع لم تتوقف أبدا، فبعيدا عن عشرات الإختراقات السنوية الروتينية التى تشير إليها تقارير القوة المذكورة، خاصة فى منطقة طابا البحرية، وقعت حوادث كبرى فى سنوات 1985 ( سليمان خاطر) و1990 ( أيمن حسن)، ثم بدأت الأوضاع تتفاقم منذ عام 2000 لتشهد سنوات 2001 و 2004 و2008 مثلا 9 عمليات إطلاق نار راح ضحيتها عدد من العسكريين المصريين فى منطقة رفح.
إن المؤكد هو أنه تمت تحقيقات فى كل الوقائع التى إرتبطت بأزمات حدود سابقة، بشكل منفرد على الأقل، فالجيوش لا تترك تلك الأمور تمر هكذا، وفى كل مرة كانت هناك ملابسات تتعلق بما كان يعتبر قتل خطأ أو إشتباك غير مقصود (بالمصادفة) أو بسوء تقدير أو "تقاطع نيران"، ولم يعلن أى طرف فى أى واقعة تقريبا أنه كانت هناك حالات تتعلق بسوء النوايا أو تعمد إطلاق النار أو إختراق الترتيبات الأمنية.
وفى كل الأحوال كان الطرفان يقومان بإحتواء الموقف، فى ظل إعتذارات معينة، أو حسابات خاصة، أو تدخل مكثف لأطراف ثالثة خاصة واشنطن، وكان التصعيد يقف عند حدود معينة، فلم يبد أبدا انه يمكن أن تنفجر حرب إلا لأسباب مبررة للحرب. لكن هذه المرة، يتم كل شئ "على الهواء"، بينما تتابع الحشود الثائرة الموقف عن قرب، وبالتالى سوف لن يكون الإحتواء سهلا.
إن الإختلاف بين الأوضاع السابقة والحالة الحالية واضح تماما، فبعيدا عن عوامل "صلبة" – سيتم الإشارة إليها حالا – أدت إلى إثارة مصر ويشتبه فى أنها حكمت السلوك الإسرائيلى، يوجد العامل الشعبى الذى لايمكن تجاوزه، فقد صدرت مثلا تصريحات من قبل شخصيات ذات مرجعيات دينية فى مصر تشير إلى "السيناريو الإنتقامى" وعاد البعض فى شعاراتهم إلى "دولة المدينة"، كما أن تعليقات إسرائيلية غير مسئولة قد نشرت فى بعض الصحف تدفع فى إتجاه السير نحو مدى بعيد فى التصعيد التجريبى مع مصر، لكن لم تصدر أية تصريحات رسمية على الجانبين تمثل "صيحات حرب"، فهناك مشكلة حقيقية تمثل أزمة حادة، يتم التعامل معها بجدية بأساليب إدارة الأزمات وليس إدارة الصراعات، إذ لن يتهاون أحد فى مصر مع تلك الواقعة، التى قد لاتحمل فكرة القتل الخطأ، فمصر الآن بالفعل مختلفة، كما تقرر تصريحات د. عصام شرف، ولن يقلل أحد داخل " التيار الرئيسى" فى إسرائيل من خطورتها، أو هكذا يتصور، فعام 2011 يختلف عن بدايات الخمسينات عندما قرر تيار فى إسرائيل أن يصطدم مع ثورة يوليو 1952، عبر "غارة غزة" الشهيرة التى قادها إرييل شارون فى ظل تقديرات محددة.
لقد تم التوجه نحو تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، ذات سقف زمنى، وهدف تلك النوعية من اللجان يكون عادة البحث عن "المسئولية" التى ترتب إعتذارا رسميا وربما تعويضات مالية، مع التفاهم حول الإجراءات العملية التى تكفل عدم تكرار ما جرى مرة أخرى.
وتتمثل المشكلة هنا فى الملابسات التى تتعلق بعملية إستهداف منطقة نقطة الحدود المصرية، بما سيؤدى إلى طرح نقطتين تؤديان إلى البحث عن حل لمشكلة التسللات الحدودية، على نحو يطرح مسألة ترتيبات الأمن فى المناطق المجاورة للحدود وهى المنطقة "د" فى إسرائيل والمنطقة "ج" فى مصر، ثم إنهاء أية أفكار غير منضبطة فى أذهان قادة الجيش الإسرائيلى حول الملاحقة الساخنة، والتى تسلطت على التفكير العام فى تلك أبيب فى ظل التقديرات التى تخرج من هناك حول حالة سيناء الأمنية، وهى أفكار تماثل فى خطورتها واقعة الحدود، وهى بالنسبة لمصر يجب أن تنتهى علنا، حتى لايتم الإنزلاق إلى الإحتكاكات الحدودية المسلحة ثانية.
مستقبل المعاهدة
هنا تأتى القضية الأخرى، وهى معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية ( كامب ديفيد) ، فهناك سؤال يتعلق بمستقبل المعاهدة، يستند على شعارات مرفوعة من جانب جماعات مختلفة من الثوار فى مصر تتعلق بإلغائها، خاصة القوميين واليساريين والسلفيين، وضغوط حادة على "مؤسسات السلطة الإنتقالية" فى مصر بإتجاه القيام بشئ فى إتجاه إسرائيل.
كما يوجد تقدير عام، قديم فى الواقع، من جانب مؤسسات الأمن المصرية، بأن الترتيبات الأمنية الملحقة بها، خاصة داخل المنطقة "ج" ، تتطلب إعادة نظر، وبالتالى توجد داخل مصر ضغوط وقناعات سوف تدفع فى إتجاه التعديل على الأقل.
لكن الأهم من الضغوط هو أن الواقع المحيط بالجانب الأمنى فى معاهدة وقعت منذ أكثر من 30 سنة قد تغير تماما، بحيث لم يعد جزء من تلك الترتيبات يمثل أهمية فى تحقيق أهدافه القديمة، فى الوقت الذى بدأ يتسبب فيه بتفاقم المشاكل للطرفين، مصر وإسرائيل، فقد كان الهدف من تلك الترتيبات، من جانب إسرائيل، هو منع إحتمالات وقوع هجوم نظامى مسلح من جانب القوات المصرية، وقد ثار نقاش مرارا حول ما إذا كانت تتيح لإسرائيل إعادة إحتلال سيناء أم لا، وكانت الإجابة الدائمة هى أن القوات المصرية المتواجدة فى المنطقة "أ"، وخطط الدفاع المتعلقة بها، كافية تماما للدفاع عنها، وأن تمركز قوات نظامية فى المنطقة "ج" غير عملى أصلا، من الناحية العسكرية، وبالتالى لم تعد مسألة نشر قوات نظامية شرق الممرات تمثل قضية.
ماتغير الآن، هو أن الوضع الأمنى فى المنطقة "ج" قد أصبح شديد التعقيد، ففى عام 1979 كانت سيناء محتلة، وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر داخل غزة، وفيما بعد بدأت الحساسيات تتصاعد بين مواطنى سيناء من البدو ووزارة الداخلية المصرية التى أصبحت اللاعب الأمنى الرئيسى فى تلك المنطقة بفعل ترتيبات الأمن، كما تحولت أعمال التهريب التقليدية للسلاح والمخدرات والبشر إلى " جريمة منظمة" تمارسها جماعات مسلحة وليس عصابات بدو صحراوية.
فى ذلك الوقت أيضا لم تكن هناك أصلا تلك الحالة أو التيارات التى سيطرت على قطاع غزة، ولم تكن هناك أنفاق حدودية، كما لم تكن جماعات شديدة التطرف مثل "جيش الإسلام" قد ظهرت، ولم تكن دول أو تنظيمات إقليمية قد إقتربت من سيناء.
إن الوضع الحالى فى المنطقة "ج" يتطلب إنهاء الترتيبات القديمة التى حكمت التعامل معها، والتى أدت إلى تقلص القدرة على ضبط الأمن فيها، بما أدى إلى الإضرار بالطرفين الرئيسيين للمعاهدة، فلو ثبت أن جماعات جماعات متطرفة مسلحة قد تمكنت من إستهداف إسرائيل عبر أطراف سيناء الشمالية، فإنها فى الحقيقة قد إستهدفت مصر أيضا، وكان يمكن للرصاص أن يوجه إلى طابا ودهب وشرم الشيخ كما جرى من قبل، إضافة إلى أنها ربما ساهمت فى سحب مصر إلى أزمة يوجد شك فى أن أحدا فى القاهرة كان يرغب فيها، وبالتالى لم يعد الوضع السابق مقبولا على الإطلاق، وإذا لم تفهم إسرائيل ذلك، مع إصرارها على " توظيف" تقديراتها الخاصة بوجود فشل أمنى فى سيناء، فإن على القيادة فى مصر أن تتخذ موقف، عبر سياسات أمر واقع، تذكر إسرائيل أيضا بأن هناك ما يسمى المنطقة "د" فى إسرائيل ، ويمكن لإسرائيل أن تحتج على الإختراقات المصرية المحدودة، على سبيل التغيير.
فى النهاية، فإن الأزمة الحالية لن تؤدى إلى تصاعد غير محكوم يؤدى إلى تطورات مسلحة غير مسيطر عليها فى مناطق الحدود، إذا تمت السيطرة على الداخل، رغم أن "كلمات الحرب" سوف ترتفع، لكنها ستقود غالبا إلى إحداث تغيير فى الترتيبات الأمنية التى تحكم المنطقة "ج"، يتيح إنتشار عناصر عسكرية مصرية كافية للسيطرة على أوضاع شمال سيناء، مع إنهاء مبكر لتلك الأفكار التى بدأت تظهر داخل إسرائيل بشأن كيفية التعامل مع سيناء، ولن يكون الوضع الجديد مريحا أيضا، فسوف يتم تحديه مرارا، وقد تنشب أزمات جديدة، لكنه على الأقل سيمنع تجدد الأخطاء الحقيقية أو المزعومة، أو سيجعل إدارة أمن الحدود فى حالة وقوعها أكثر إستقرارا، بحيث لا تطرح إحتمالات حادة.