الى أين سيصل توتر العلاقات المصرية – الإسرائيلية ؟

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0
الاختبار الأول:


http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/107/1714/تحليلات/مصر/الاختبار-الأول.aspx#desc
2011-634496169516295645-629.jpg


هل يمكن أن تؤدى "أزمة الحدود" العنيفة التى تشهدها العلاقات المصرية – الإسرائيلية حاليا إلى طرح إحتمالات حادة تتعلق بالإطار الذى يحكم تفاعلات الطرفين؟، وهى تلك التفاعلات التى تتصل بما يسمى عادة " الحرب والسلام".
الإجابة القاطعة هى لا ، فهي لن تثير عوامل الحرب أو تمس أطر السلام غالبا، لكنها أيضا لن تمر ببساطة، فسوف تفتح كل الملفات المرتبطة بعلاقات الطرفين قبل أن يتم التوصل إلى معادلة قلقة جديدة، تصبح فيها العلاقات أكثر برودة ، وتصبح فيها الأزمات أكثر سخونة، إلا إذا فقد الطرفان السيطرة على الداخل فى كل منهما، أو قرر أحدهما أن يمارس لعبة خطرة، لإختبار قوة الطرف الآخر، أو محاولة وضع قواعد حادة للمرحلة الجديدة، بما قد يطرح إحتمالات الإنزلاق إلى حافة هاوية محدودة.
تصاعد الإختراقات
إن الإنطباع السائد هو أن أزمة منطقة علامة الحدود رقم 79 هى أكثر الأزمات عنفا بين الطرفين منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، وقد تكون كذلك بالفعل، فقد تضمنت – حسب تقرير قوة المراقبين متعددة الجنسيات MFOالعاملة فى سيناء – إختراقين كبيرين أديا إلى إستشهاد 3 عسكريين مصريين داخل حدود مصر.
إلا أن تاريخ المشكلات الحدودية بين مصر وإسرائيل يشير إلى أن تلك الوقائع لم تتوقف أبدا، فبعيدا عن عشرات الإختراقات السنوية الروتينية التى تشير إليها تقارير القوة المذكورة، خاصة فى منطقة طابا البحرية، وقعت حوادث كبرى فى سنوات 1985 ( سليمان خاطر) و1990 ( أيمن حسن)، ثم بدأت الأوضاع تتفاقم منذ عام 2000 لتشهد سنوات 2001 و 2004 و2008 مثلا 9 عمليات إطلاق نار راح ضحيتها عدد من العسكريين المصريين فى منطقة رفح.
إن المؤكد هو أنه تمت تحقيقات فى كل الوقائع التى إرتبطت بأزمات حدود سابقة، بشكل منفرد على الأقل، فالجيوش لا تترك تلك الأمور تمر هكذا، وفى كل مرة كانت هناك ملابسات تتعلق بما كان يعتبر قتل خطأ أو إشتباك غير مقصود (بالمصادفة) أو بسوء تقدير أو "تقاطع نيران"، ولم يعلن أى طرف فى أى واقعة تقريبا أنه كانت هناك حالات تتعلق بسوء النوايا أو تعمد إطلاق النار أو إختراق الترتيبات الأمنية.
وفى كل الأحوال كان الطرفان يقومان بإحتواء الموقف، فى ظل إعتذارات معينة، أو حسابات خاصة، أو تدخل مكثف لأطراف ثالثة خاصة واشنطن، وكان التصعيد يقف عند حدود معينة، فلم يبد أبدا انه يمكن أن تنفجر حرب إلا لأسباب مبررة للحرب. لكن هذه المرة، يتم كل شئ "على الهواء"، بينما تتابع الحشود الثائرة الموقف عن قرب، وبالتالى سوف لن يكون الإحتواء سهلا.
إن الإختلاف بين الأوضاع السابقة والحالة الحالية واضح تماما، فبعيدا عن عوامل "صلبة" – سيتم الإشارة إليها حالا – أدت إلى إثارة مصر ويشتبه فى أنها حكمت السلوك الإسرائيلى، يوجد العامل الشعبى الذى لايمكن تجاوزه، فقد صدرت مثلا تصريحات من قبل شخصيات ذات مرجعيات دينية فى مصر تشير إلى "السيناريو الإنتقامى" وعاد البعض فى شعاراتهم إلى "دولة المدينة"، كما أن تعليقات إسرائيلية غير مسئولة قد نشرت فى بعض الصحف تدفع فى إتجاه السير نحو مدى بعيد فى التصعيد التجريبى مع مصر، لكن لم تصدر أية تصريحات رسمية على الجانبين تمثل "صيحات حرب"، فهناك مشكلة حقيقية تمثل أزمة حادة، يتم التعامل معها بجدية بأساليب إدارة الأزمات وليس إدارة الصراعات، إذ لن يتهاون أحد فى مصر مع تلك الواقعة، التى قد لاتحمل فكرة القتل الخطأ، فمصر الآن بالفعل مختلفة، كما تقرر تصريحات د. عصام شرف، ولن يقلل أحد داخل " التيار الرئيسى" فى إسرائيل من خطورتها، أو هكذا يتصور، فعام 2011 يختلف عن بدايات الخمسينات عندما قرر تيار فى إسرائيل أن يصطدم مع ثورة يوليو 1952، عبر "غارة غزة" الشهيرة التى قادها إرييل شارون فى ظل تقديرات محددة.
لقد تم التوجه نحو تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، ذات سقف زمنى، وهدف تلك النوعية من اللجان يكون عادة البحث عن "المسئولية" التى ترتب إعتذارا رسميا وربما تعويضات مالية، مع التفاهم حول الإجراءات العملية التى تكفل عدم تكرار ما جرى مرة أخرى.
وتتمثل المشكلة هنا فى الملابسات التى تتعلق بعملية إستهداف منطقة نقطة الحدود المصرية، بما سيؤدى إلى طرح نقطتين تؤديان إلى البحث عن حل لمشكلة التسللات الحدودية، على نحو يطرح مسألة ترتيبات الأمن فى المناطق المجاورة للحدود وهى المنطقة "د" فى إسرائيل والمنطقة "ج" فى مصر، ثم إنهاء أية أفكار غير منضبطة فى أذهان قادة الجيش الإسرائيلى حول الملاحقة الساخنة، والتى تسلطت على التفكير العام فى تلك أبيب فى ظل التقديرات التى تخرج من هناك حول حالة سيناء الأمنية، وهى أفكار تماثل فى خطورتها واقعة الحدود، وهى بالنسبة لمصر يجب أن تنتهى علنا، حتى لايتم الإنزلاق إلى الإحتكاكات الحدودية المسلحة ثانية.
مستقبل المعاهدة
هنا تأتى القضية الأخرى، وهى معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية ( كامب ديفيد) ، فهناك سؤال يتعلق بمستقبل المعاهدة، يستند على شعارات مرفوعة من جانب جماعات مختلفة من الثوار فى مصر تتعلق بإلغائها، خاصة القوميين واليساريين والسلفيين، وضغوط حادة على "مؤسسات السلطة الإنتقالية" فى مصر بإتجاه القيام بشئ فى إتجاه إسرائيل.
كما يوجد تقدير عام، قديم فى الواقع، من جانب مؤسسات الأمن المصرية، بأن الترتيبات الأمنية الملحقة بها، خاصة داخل المنطقة "ج" ، تتطلب إعادة نظر، وبالتالى توجد داخل مصر ضغوط وقناعات سوف تدفع فى إتجاه التعديل على الأقل.
لكن الأهم من الضغوط هو أن الواقع المحيط بالجانب الأمنى فى معاهدة وقعت منذ أكثر من 30 سنة قد تغير تماما، بحيث لم يعد جزء من تلك الترتيبات يمثل أهمية فى تحقيق أهدافه القديمة، فى الوقت الذى بدأ يتسبب فيه بتفاقم المشاكل للطرفين، مصر وإسرائيل، فقد كان الهدف من تلك الترتيبات، من جانب إسرائيل، هو منع إحتمالات وقوع هجوم نظامى مسلح من جانب القوات المصرية، وقد ثار نقاش مرارا حول ما إذا كانت تتيح لإسرائيل إعادة إحتلال سيناء أم لا، وكانت الإجابة الدائمة هى أن القوات المصرية المتواجدة فى المنطقة "أ"، وخطط الدفاع المتعلقة بها، كافية تماما للدفاع عنها، وأن تمركز قوات نظامية فى المنطقة "ج" غير عملى أصلا، من الناحية العسكرية، وبالتالى لم تعد مسألة نشر قوات نظامية شرق الممرات تمثل قضية.
ماتغير الآن، هو أن الوضع الأمنى فى المنطقة "ج" قد أصبح شديد التعقيد، ففى عام 1979 كانت سيناء محتلة، وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر داخل غزة، وفيما بعد بدأت الحساسيات تتصاعد بين مواطنى سيناء من البدو ووزارة الداخلية المصرية التى أصبحت اللاعب الأمنى الرئيسى فى تلك المنطقة بفعل ترتيبات الأمن، كما تحولت أعمال التهريب التقليدية للسلاح والمخدرات والبشر إلى " جريمة منظمة" تمارسها جماعات مسلحة وليس عصابات بدو صحراوية.
فى ذلك الوقت أيضا لم تكن هناك أصلا تلك الحالة أو التيارات التى سيطرت على قطاع غزة، ولم تكن هناك أنفاق حدودية، كما لم تكن جماعات شديدة التطرف مثل "جيش الإسلام" قد ظهرت، ولم تكن دول أو تنظيمات إقليمية قد إقتربت من سيناء.
إن الوضع الحالى فى المنطقة "ج" يتطلب إنهاء الترتيبات القديمة التى حكمت التعامل معها، والتى أدت إلى تقلص القدرة على ضبط الأمن فيها، بما أدى إلى الإضرار بالطرفين الرئيسيين للمعاهدة، فلو ثبت أن جماعات جماعات متطرفة مسلحة قد تمكنت من إستهداف إسرائيل عبر أطراف سيناء الشمالية، فإنها فى الحقيقة قد إستهدفت مصر أيضا، وكان يمكن للرصاص أن يوجه إلى طابا ودهب وشرم الشيخ كما جرى من قبل، إضافة إلى أنها ربما ساهمت فى سحب مصر إلى أزمة يوجد شك فى أن أحدا فى القاهرة كان يرغب فيها، وبالتالى لم يعد الوضع السابق مقبولا على الإطلاق، وإذا لم تفهم إسرائيل ذلك، مع إصرارها على " توظيف" تقديراتها الخاصة بوجود فشل أمنى فى سيناء، فإن على القيادة فى مصر أن تتخذ موقف، عبر سياسات أمر واقع، تذكر إسرائيل أيضا بأن هناك ما يسمى المنطقة "د" فى إسرائيل ، ويمكن لإسرائيل أن تحتج على الإختراقات المصرية المحدودة، على سبيل التغيير.
فى النهاية، فإن الأزمة الحالية لن تؤدى إلى تصاعد غير محكوم يؤدى إلى تطورات مسلحة غير مسيطر عليها فى مناطق الحدود، إذا تمت السيطرة على الداخل، رغم أن "كلمات الحرب" سوف ترتفع، لكنها ستقود غالبا إلى إحداث تغيير فى الترتيبات الأمنية التى تحكم المنطقة "ج"، يتيح إنتشار عناصر عسكرية مصرية كافية للسيطرة على أوضاع شمال سيناء، مع إنهاء مبكر لتلك الأفكار التى بدأت تظهر داخل إسرائيل بشأن كيفية التعامل مع سيناء، ولن يكون الوضع الجديد مريحا أيضا، فسوف يتم تحديه مرارا، وقد تنشب أزمات جديدة، لكنه على الأقل سيمنع تجدد الأخطاء الحقيقية أو المزعومة، أو سيجعل إدارة أمن الحدود فى حالة وقوعها أكثر إستقرارا، بحيث لا تطرح إحتمالات حادة.
 
كيف تفكر أنقرة؟:

حسابات تركيا الداخلية والإقليمية بشأن التصعيد مع إسرائيل
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/105/1744/تحليلات/شرق-أوسط/كيف-تفكر-أنقرة؟.aspx#desc
2011-634509213410893085-89.jpg


اتسمت العلاقات التركية الإسرائيلية بعدم الاستقرار منذ أن صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002؛ فالأزمات توالت بين البلدين اللذين وقّعا في تسعينيات القرن الماضي اتفاقات عسكرية واسعة النطاق، جعلت البعض يرى أن ثمة نمطا جديدا للتحالفات الإقليمية على مسرح عمليات الشرق الأوسط، أحد محاوره الرئيسية محور "أنقرة – تل أبيب".
غير أنه سرعان ما تبدلت العلاقات بين البلدين؛ من الاستقرار إلى التوتر، ومن التحالف إلى التصدع والاضطرابات التي عانت منها علاقات الدولتين من جراء تنامي حدة الانتقادات التركية للسياسات الإسرائيلية؛ حيث اعتبرت أنقرة أن هذه السياسات تمثل أحد أهم عناصر عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من اعتقاد تركيا بإمكانية أن تضطلع بدور "الدولة الوسيط" أو "الدولة المركز" من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي؛ إلا أن حادثة قافلة الحرية ومقتل 9 أتراك في المياه الدولية على يد الجنود الإسرائيليين في مايو 2010 دفعت لغة الخطاب التركي حيال السياسات الإسرائيلية إلى التصاعد والتشدد، على أمل أن تدرك تل أبيب أن من الخطأ تحويل تركيا من "دولة حياد" إلى "دولة عداء".
بيد أن عدم الاستجابة الإسرائيلية للمطالب التركية، والخاصة بتقديم اعتذار رسمي ودفْع تعويضات لأهالي الضحايا؛ دفعَت وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في الثاني من سبتمبر 2011، لاستغلال فرصة صدور تقرير الأمم المتحدة حول الحادث، والذي اعتبر أنه يضفى شرعية على الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، ولا يدين سوى "الاستخدام المفرط للقوة"، ليعلن في مؤتمر صحفي طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وتخفيض العلاقات معها إلى مستوى السكرتير الثاني، وتعليق كافة الاتفاقات العسكرية بين البلدين.
التصعيد التركي المتواصل للضغط على الجانب الإسرائيلي بدا أنه محكوم بحسابات ومحددات ما زالت تغفلها تل أبيب، بما جعل دوائر التوتر المغلقة التي تعاني منها العلاقات التركية الإسرائيلية، يرتبط استمرارها بثلاث متغيرات غير منعزلة، أولها يتعلق بالسياق المحلي الذي شهد تغيرات دراماتيكية خلال الأعوام الماضية، بما أعطى حزب العدالة والتنمية الحاكم سلطات شبه مطلقة.
أما المتغير الثاني، فيتعلق بنمط "المد الثوري" الذي بات يجتاح كامل مشهد الشرق الأوسط، بما يؤشر لتبدل مختلف أنماط التحالفات الإقليمية التقليدية، وثالث تلك المتغيرات يرتبط بما يشهده السياق الدولي من تغيرات وتحولات هي بنظر الأتراك تمهد لمشهد عالمي مغاير خلال السنوات القادمة.
موازين القوى الداخلية
على الصعيد الداخلي؛ لم تعد تركيا هي نفسها الدولة التي وقعت مع إسرائيل عددا من الاتفاقات العسكرية في عام 1996، وذلك من حيث الظروف الداخلية سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري أو السياسي، فعلاقات القوى الداخلية لم تعد تصب في اتجاه النخب البيروقراطية والعلمانية التي تتجسد أبرز قلاعها في العديد من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسستا الجيش والقضاء، والتي طالما استحكمت رؤاها حيال نمط توجهات السياسة الخارجية التركية حيال إسرائيل على حساب النخب المنتخبة.
ويعد أبرز نموذج على ذلك إجبار نجم الدين أربكان، والذي يعد الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا وصاحب مشروع "السوق الإسلامية المشتركة" لأن يوقع على اتفاقات تقضي بالتعاون العسكري مع إسرائيل.
تغير موازين القوى الداخلية تأسس على عناصر عديدة؛ منها قدرة حزب العدالة والتنمية على السيطرة على أغلب مؤسسات الدولة، وأن يفرض رؤاه على مختلف هذه المؤسسات، بما دفعه بعد ذلك إلى الارتكاز على "شرعية الإنجاز" التي تحققت أيضا بفعل ما شهده المجال الاقتصادي من تطورات هائلة، مهدت السبيل لأن يحيّد المؤسسة العسكرية نفسها، وأن يطيح بأبرز معارضيه من قادتها في أكبر حركة تغييرات تشهدها القوات العسكرية التركية، وأن يتلاعب في الوقت ذاته بأكبر أحزاب المعارضة عبر استغلال إخفاقاتها وفساد نخبتها، ووقوع بعضها فريسة للنزوات والسلوكيات الخاطئة.
على محور متصل؛ كان الاتجاه التركي نحو الاعتماد على بديلين رئيسيين عن مشروعات التعاون العسكري مع إسرائيل، أولهما يتعلق بتطوير الصناعات العسكرية التركية اعتمادا على القدرات الذاتية، وقد حققت بالفعل الصناعات العسكرية التركية في هذا المجال عددا من النجاحات الملموسة، دفعت تركيا للتطلع إلى احتلال مكانة بين الدول المصدرة للسلاح، وليس المستوردة له.
أما المحور الثاني فيتعلق بتنويع الشركاء الاستراتيجيين من خلال تطوير العلاقات مع عدد من الفاعلين الإقليمين والدوليين الجدد، ويكفي في هذا السياق أن تركيا هي الدولة الوحيدة من دول حلف الناتو التي أجرت مناورات عسكرية مع دولة من خارج الناتو عبر تاريخه، وذلك بعد أن أجرت مناورات مشتركة مع روسيا في يونيو 2008.
ومع ذلك؛ فجرأة حزب العدالة حيال التصعيد مع إسرائيل وعواقبه لا ترتبط وحسب بتلك التطورات، وإنما تتعلق كذلك برغبة حزب العدالة في استنفار قواعده الانتخابية الأكثر تدينا، وذلك استعدادا للمعارك السياسية القادمة، وعلى رأسها معركة تغيير الدستور التركي، وتحويل النظام السياسي للدولة من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، والقضاء على أي "نوافذ دستورية" يمكن أن تقضي إلى عودة نفوذ جنرالات الجيش في المجال السياسي، فضلا عن انتخاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كرئيس للجمهورية في محاولة لاستلهام "النمودج الأوزالي" Ozalian model، على أن يرتبط ذلك بتمتع الرئيس بصلاحيات تنفيذية.
تحولات المشهد الإقليمي
المشهد الإقليمي مثل أحد العناصر الرئيسية في تحولات العلاقات التركية الإسرائيلية؛ فأنقرة تعي جيدا أن تل أبيب باتت دولة منعزلة، تواجه تحديات داخلية متصاعدة بشأن تزايد المطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
كما تواجه تحديات في البيئة الخارجية تتعلق بانهيار مختلف علاقاتها الإقليمية التقليدية؛ فبعد سقوط نظام الشاه في إيران ارتكزت إسرائيل على ضلعي مثلث يتمثل أولهما في إرساء وصيانة السلام مع مصر، وثانيهما يتعلق بتوطيد العلاقات المتشعبة مع تركيا.
غير أن سقوط نظام مبارك في مصر وتدهور العلاقات مع تركيا جعل تل أبيب تواجه عزلة إقليمية لم تواجهها منذ تأسيسها، وذلك بالنظر إلى أن تركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949.
تعي تركيا أيضا أن اندلاع مظاهرات مصرية كبيرة حول مبني السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وقيام أحد المتظاهرين بتسلق مبنى السفارة وانتزاع العلم الإسرائيلي ووضع العلم المصري بدلا منه، هذا بالإضافة إلى تصاعد الموقف المصري الرسمي حيال حادث مقتل عدد من الجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، بالمقارنة بحوادث شبيهة حدثت في فترات زمنية متفاوتة؛ يحمل دلالة رمزية تؤشر على تغير أنماط ومحددات صنع السياسة الخارجية المصرية.
كما يؤشر ذلك أيضا على المأزق الذي تواجهه إسرائيل، بما دفع كل من وزير الداخلية الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس الدولة شيمون بيريز إلى الإعراب عن أسفهم لوقوع الحادث، واستعداد إسرائيل لتشكيل لجنة تحقيق مشتركة في الحادث، فضلا عما تردد عن التراجع الإسرائيلي عن شن حملة عسكرية حيال قطاع غزة استجابة للمطالب المصرية، فضلا عن دراسة السماح بزيادة عدد القوات المصرية في سيناء.
كل هذه التطورات أوحت لتركيا بأن إسرائيل تواجه مأزقا إقليميا كبيرا يتمثل فيما يواجه السلام مع مصر من مخاطر، وما تشهده سيناء من اضطرابات طالت آثارها العمق الإسرائيلي، وما يواجهه نظام الأسد في سوريا من تحديات تتعلق ببقائه، بالإضافة إلى تصاعد أدوار الشعوب العربية في تشكيل أنماط النظم السياسية، وطبيعة التوجهات الخارجية.
يأتي ذلك بالتوازي مع ما تشهده القدرات العسكرية الإيرانية من قفزات متواصلة، كل ذلك المناخ الإقليمي اعتبرته تركيا فرصة مثالية للثأر من إسرائيل بعد حادث قافلة الحرية، وذلك في الوقت الذي اعتقدت فيه أن رد الفعل الإسرائيلي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الحدث، فلا يمكن لتل أبيب ترك مثل هذه التحديات وتتجه للتصعيد مع تركيا.
مأزق غربي
استتبعت تركيا قراراتها بشأن التصعيد مع إسرائيل، بإعلان قبولها نشر الدرع الصاروخية على أراضيها، وذلك رغم التحفظات العديدة التي كانت تبديها حيال المشروع قبل ذلك، رغبة منها في تفادي ضغط دولي غربي على تركيا من ناحية، وإدراكا من ناحية أخرى أن تسويق نشر الدرع الصاروخية محليا يحتاج إلى سياسة تشتيت الانتباه عبر التصعيد مع إسرائيل.
على جانب آخر؛ فإن تركيا باتت تدرك المأزق الذي تواجهه الدول الغربية في المنطقة العربية في ظل تصاعد وتيرة الثورات وتنامي أدوار التيارات الإسلامية، بما يدفع إلى الرغبة الغربية في استخدام أنقرة إما كوسيط أو وكيل لحلحلة بعض الأزمات كالأزمة السورية، أو للترويج للنموذج التركي في مواجهة التيارات المتشددة، كما في حالة كل من مصر وتونس، أو كفاعل إقليمي مهم في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يحاول التغلغل على مختلف الساحات العربية.
وتدرك القيادة التركية أيضا أن العالم الغربي يعاني من شدة أزماته الاقتصادية المتواصلة مند عام 2008، وأن الولايات المتحدة تواجه مأزقا في العراق وأفغانستان قد يدفعها إلى مغادرة الدولتين بنهاية هذا العام، بما يطلق مساحات شاسعة لحركة إيران الإقليمية، بما من شأنه أن يعيد تركيا إلى "رتبة حليف إستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه"، كما كان الحال إبان الحرب الباردة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن القراءة التركية لطبيعة الأحداث الإقليمية والدولية، تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد تشهد تصاعد أدوار إقليمية لبعض الدول على رأسها مصر، كما قد تشهد عددا من الصراعات تتراجع بفعلها أهمية الصراع العربي الإسرائيلي.
من الغرب إلى الشرق
وفيما يتعلق بالساحة الدولية، فإن القراءة التركية تشير إلى أن ثمة حركة لموازين القوى تتجه من الغرب إلى الشرق، وأن العقود القادمة قد تشهد تصاعد القوة السياسية والاقتصادية لعدد من الدول على رأسها كل من الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا، لذلك فإن "المثالية" في التفكير التركي قد تكون أحد العوامل الرئيسية لتشكل توجهات السياسية الخارجية التركية.
خلاصة القول: إن دوائر التوتر المغلقة في العلاقات التركية الإسرائيلية قد تستمر لسنوات، بما قد يجعل من استعراض القوة البحرية التركية عبر شرق المتوسط وإعلان ضمان حرية الملاحة في المياه الدولية، وقيام إسرائيل في المقابل بتعبئة بعض وحداتها البحرية، ما هي إلا سلسلة من حلقات التوتر التي لا يمكن أن تنفرج أو تشتعل، إلا من خلال عوامل طارئة قد تحدث تغيرات جوهرية على أي من الساحتين الداخليتين في الدولتين، أو بفعل تبدل في المشهدين الإقليمي أو الدولي، وهي عوامل تبدو بوادرها غائبة عن هذه الساحات.
 
عودة
أعلى