الانقلابات العسكرية.. التجربة التركية

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0



1303675580.jpg




بعد إعلان الجمهورية التركية فى الربع الأول من القرن الماضى على أنقاض الدولة العثمانية، قام النظام الحاكم على قيادة عسكرية شمولية تبنت "اللادينية" للدولة، وأرادت أن تنشئ دولة حديثة على غرار الدول فى أوروبا.
وبالتالى وجدت العقيدة التى يقوم عليها الحكم الجديد مقاومة كبرى، كان لا بد لأساطين النظام الجديد من وصفها بالرجعية ومعاداة الثورة، ومن ثم عمل بكل السبل على بتر ذلك النوع من المقاومة من جذوره والذى تطلب تغييراً تاماً لتلك الحروف التى كتب بها ذلك الفكر، بل والدين أصلاً.


بصورة أخرى يمكن القول أن دراسة موضوع الانقلابات العسكرية فى تركيا الحديثة لا ينفك عن المقدمات التاريخية لتلك المنطقة الجغرافية ولمؤثرات السياسة العالمية والتى كانت توضع أصلاً مستهدفة تلك المنطقة شعباً وثقافة واقتصاداً.


وبالتالى بعد إحداث التغيرات فيها أصبحت هذه المنطقة أيضاً هدفاً للسياسات العالمية ولكن من لون آخر. فبعد أن تغير الهدف الاستعمارى من احتلال مباشر إلى مناطق نفوذ واستقطاب ثقافى واقتصادى تشكل فيه الدول التابعة بما تريده الدول ذات السيادة والريادة بما ملكته من نواصى القوة المادية والتكنولوجية وتفوقها الواضح الذى جعل تعاملها مع حركات التحرر والانعتاق من ربقتها لا يحتاج إلى تدخلها المباشر، بل يقوم به العملاء ويمكن أن نخفف الكلمة ونسميهم بالأصدقاء الذين يقومون بالقضاء على تلك الحركات فى مهدها ليظل النظام العالمى يسير وفق ما يريده السادة، وبالتالى أصبحت القوى العسكرية فى العالم الثالث هى المفصل الأساسى فى ذلك.


غير أن الغرب قد حسم ووطّد للديمقراطية عند شعوبه وأصبح التبادل السلمى للسلطة لشعوبه ورفاهيتها أمراً ليس عليه جدال، وأصبح الجزء الآخر من العالم تحت قطبية الاشتراكية التى تتبناها موسكو، وبين هذا وذاك أصبحت حكومات الدول ذات التبعية تتقلب بين الأنظمة العسكرية التى تصادق الغرب أو العسكرية التى تدور فى فلك منظومة حكومات شمولية تتبنى الفكر الاشتراكى إلى أن وصل العالم بانهيار الشيوعية إلى وضعه الجديد الذى نعيشه الآن.


وتركيا الحديثة بفكر الثورة التى قادها مصطفى كمال أتاتورك لم تكن فى معزل عن ذلك، ولكن كانت لها خصوصياتها والتى تجلت فى إرثها التاريخى الكبير وأنها لم تقع تحت الاحتلال كبقية دول العالم بعيد الحرب العالمية الأولى.


وحتى نلقى النظر على هذه التجربة لا بد من العودة قليلاً إلى أثر الجيش فى الحياة السياسية قبل ثورة أتاتورك؛ قائد ثورة جمهورية تركيا الحديثة.


محاور الدراسة
1- الدولة العثمانية والجيش
2- جمهورية تركيا والجيش
3- الانقلاب الأول على الديمقراطية (1960- 1965) حكومة الاتحاد القومى MBK
4- محاولة انقلابية فاشلة 1963م
5- انقلاب عام 1971م
6- انتخابات عام 1973م
7- انقلاب كنعان إفرين 1980م
8- فترة تورغت أوزال 1983م
9- أحداث فبراير 1986(الانقلاب على الإسلاميين)
10- الخاتمة


الدولة العثمانية والجيش
من المعلوم أن الأتراك عاشوا فى بقاع مختلفة من العالم إلا أن ثقلهم فى منطقة آسيا الوسطى التى هاجروا منها إلى الأناضول التى تمثل القسم الأكبر من تركيا الحالية فى الجزء الأوروبى والتى أصبحت في ما بعد موطناً فعلياً للأتراك. "
العامل العسكرى كان هو الأقوى عند الدولة التركية في توحيد المنطقة ومن ثم مواصلة الغزو غرباً ليجتاحوا أوروبا الشرقية وينهوا الدولة البيزنطية ويدخلوا الإسلام إلى ربوع أوروبا حتى أبواب فيينا
"

وأصبح الأمر أكثر عمقاً بقيام الجمهورية التركية فى عام 1923م.

وهذه الهجرات التى قام بها الأتراك ومع دخولهم فى الإسلام فقد كانوا عنصراً أضاف إلى المدنية الإنسانية الكثير فقد أقاموا دولة السلاجقة الكبرى ودولة سلاجقة الأناضول والدولة العثمانية ثم جمهورية تركيا الحديثة.


وفى إقامة كل ذلك الإرث التاريخى كانت القوة العسكرية الضاربة عاملاً مؤثراً فى قيام الدولة ووصيانة أراضيها.


فالعنصر التركي الذى استعانت به الدولة الإسلامية كانت إسهاماته الأولى فى الجانب العسكرى، وكانت نتيجة طبيعية أن يلعب الجانب العسكرى دوراً فاعلاً عند السلاجقة أو العثمانيين والذين كانوا أصلاً يسمون بسلاجقة الروم وكانت دولتهم فى تخوم الدولة البيزنطية والذين أعجبهم لقب غازى الذى خلعه عليهم السلاجقة لمواصلتهم الجهاد تجاه الدولة البيزنطية.


وعندما قامت دولتهم على أنقاض دولة السلاجقة كان العامل العسكرى هو الأقوى في توحيد المنطقة ومن ثم مواصلة الغزو غرباً ليجتاحوا أوروبا الشرقية وينهوا الدولة البيزنطية ويدخلوا الإسلام إلى ربوع أوروبا حتى أبواب فيينا.


وقد أثر نظام الجيش حتى فى النظام الإدارى المدنى فى الأماكن المفتوحة فكانت الوحدة الإدارية الأساس تسمى (السنجق) والتى تعنى اللواء. هذا اللواء أو السنجق هو الذى يقوم على السلطة السياسية والعسكرية.


وإن استطاع قائد اللواء أن يوسع أراضى الدولة بحيث يكون فيها عدد من السناجق تتوسع إدارياً لتصبح (أيالة) أو ولاية.


وكان فى الأغلب الأعم أن تكون الطبقة الإدارية من أصحاب السيف والقلم، أي؛ من ذوى العلم والقيادة العسكرية. حتى أن الصدر الأعظم الذى كان بمثابة رئيس الوزراء يكون من هذه الطبقة.


وبالنظر إلى التطورات التى شهدتها الدولة العثمانية حتى نهايتها نجد أن الجيش كان عنصراً مهماً فى التغيرات السياسية التى طرأت على الدولة العثمانية. فإن كان السلطان يأتى من آل عثمان دون منازع إلا أن تغيير هؤلاء السلاطين وتغليب أحدهم على الآخر كان للجيش دور مهم فيه.


ولا يخفى دور العسكر الجدد (ينى شريه أو الانكشارية) فى ذلك، حتى أن أن ماي عرف بحركة الإصلاحات العثمانية أول ما استهدفته هو المؤسسة العسكرية التى أرست نظاماً عسكرياً جديداً يعلي من العقيدة العسكرية الأوروبية والذى لعب دوراً مؤثراً فى الإطاحة بنظام السلطان عبدالحميد الثانى العدو اللدود للغرب وصاحب الإصلاحات الإسلامية.


هذا الإرث التاريخى للعسكرية العثمانية أهلها لأن تأخذ بزمام المبادرة فى الحركة القومية ضد القوى الغازية بعد الحرب العالمية الأولى لتعلن وفاة الدولة العثمانية وقيام الجمهورية الحديثة على أسس جديدة، أهمها الدولة واللادينية السياسية والشعوبية والتطور والمعاصرة والتسامح.


هذا الإرث التاريخى ساعد قادة الجمهورية الحديثة على إرساء قواعدها طوعاً وكرهاً، ومن ثم ترجمة مبادئ الثورة فى دستور البلاد ومؤسساتها السيادية، وأصبح الجيش هو الحامى لتلك المبادئ الجديدة وحارساً لها.


جمهورية تركيا والجيش
بما قدمنا له يعد الجيش التركى عنصراً فاعلاً فى بناء جمهورية تركيا الحديثة فى شتى مناحيها. وعمل القائمون عليه على تطويره فأصبح من أقوى جيوش المشاة فى العالم وله قوة بحرية وجوية لا يستهان بها أيضاً."
رجال الجيش التركى كانت لهم يد طولى فى تولى العديد من المناصب المهمة فى الدولة وفى حزبها الأوحد فى حياة مصطفى كمال أتاتورك
"

كذلك كان لرجال الجيش التركى يد طولى فى تولى العديد من المناصب المهمة فى الدولة وفى حزبها الأوحد فى حياة مصطفى كمال أتاتورك.

وقد عرفت الفترة الأولى لجمهورية تركيا بفترة الحزب الواحد لمن يؤرخون للديمقراطية فى تركيا والذى ظل يحمل اسمه ذاك حتى اليوم "حزب الشعب الجمهورى" وهو الحزب الذى أسسه قائد الثورة، وقاد الحياة النيابية فى تركيا منفرداً حتى قيام الحرب العالمية الثانية.


ولما كانت الفترة الأولى للجمهورية تحتاج إلى تثبيت أركان النظام نجد أن الجيش التركى قد لعب دوراً بارزاً فى القضاء على الثورات الدخلية والتحركات الانفصالية داخل الدولة.


حتى أن إقامة النظام خارج المدن الكبيرة لم يترك للشرطة وقامت به قوات الشركة العسكرية "الجاندرمة" والتى لها مراكز داخل وخارج المدن لاحتواء ما لا تستطيعه الشرطة العادية، ولها وحدات للنجدة والتى يمكن أن تستدعى حتى بواسطة المواطن إن رأى خطراً كبيراً.


وبالتالى يمكن القول أن الجيش التركى امتدت سلطاته، بجانب الدفاع عن العدو الخارجى وتثبيت أركان الجمهورية، إلى حفظ الأمن وحراسة الجمهورية، بل وممارسة السياسة بتولي بعض قادته المناصب القيادية فى الدولة والحزب، وأعانهم على ذلك الإرث التاريخى المقبول من المواطن التركى.


عند وفاة أتاتورك لم يكن الأمر يحتاج إلى كبير عناء، فقد تولى الأمر من بعده نائبه وزميله فى العسكرية عصمت أننو، الذى لُقب بالقائد القومى. وتواصلت المسيرة على نفس وتيرة أتاتورك، بل وكان لعصمت دور بارز فى تطبيق بعض السياسات اللادينية حرفياً والتى لم تطبق من قبل.


وقد ظلت الديمقراطية تمارس من خلال هذا الحزب الأوحد. وكانت هنالك محاولات لقيام أحزاب أخرى منذ عهد أتاتورك مثل حزب "محبى الترقى الجمهوري" (1924-1925م) والذى ضم كبار العسكريين الذين استقالوا من حزب الشعب الجمهورى من أمثال كاظم كره بكر وعلي فؤاد وجعفر الطيار.


كذلك سمح أتاتورك لأحد معاونيه بإنشاء حزب آخر إلا أنه سرعان ما عدل عن رأيه وقام بإغلاقه. كان ذلك الحزب هو "حزب الجمهورية الحرة" (12/8 – 17/11/1930م).


كذلك شهد عهد أتاتورك أول حركة مسلحة ضد الجمهورية بقيادة الشيخ سعيد بالأناضول.


ويمكن القول أن فترة أتاتورك (1923-1938م) شهدت إلغاء نظام الخلافة وتوطيداً للنظام الجمهورى. ولم تشهد تلك الفترة أى تدخلات انقلابية من الجيش لتغيير نظام الحكم فى عهد أتاتورك، بل كان الجيش هو حامى ذلك النظام ووسيلته لبسط الاستقرار على مدى خمسة عشر عاماً.


وفى عهد (عصمت أننو) وبعد نذر الحرب الباردة، بعيد الحرب العالمية الثانية، وتبنى الغرب لنشر الديمقراطية فى العالم، وجد نظام الجمهورية تحت قيادة عصمت أننو أنه لا بد من السباحة مع ذلك التيار ففتح الباب فى تركيا أمام التعددية الحزبية.


وقام على إثر ذلك "الحزب الديمقراطى" فى 7 يناير 1946م ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى نافس "الحزب الديمقراطى" الوليد "حزب الشعب الجمهورى"، فمن الحزب المعارض الرئيس داخل البرلمان إلى قيادة الحكومة فى الدورة الثانية للانتخابات ليحكم منفرداً (1950-1960م).


وكانت هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الجمهورية التي حكمت فيها الدولة بحزب غير حزب أتاتورك، ويتحول حزب الشعب الجمهورى إلى المعارضة.


وقد عمل الحزب الديمقراطى على إعطاء مزيد من الحريات، لا سيما فى مجال المعتقدات الدينية، كما فتح الباب أمام نوع من التعليم الدينى فى المدارس النظامية، الأمر الذى أثار حفيظة الحزب الجمهورى المعارض، الذى عمل على تهيئة المناخ أمام انقلاب عسكرى، بما قام به من مشاكل فى المدن الكبرى، لا سيما بعد اللجنة التى كونها المجلس للتحقيق فى المجموعات التى تشجع على الكراهية وإشاعة الفوضى والانقسامات فى صفوف المواطنين والتى كانت أيدي حزب الشعب الجمهورى بينة فيها.


الانقلاب الأول على الديمقراطية (1960- 1965م)
حكومة الاتحاد القومى MBK
لأسباب متعددة أدى الأمر لانفجار الخلاف بين المعارضة والحزب الحاكم، كانت نتائجه بعض المظاهرات المختلفة فى استانبول وأنقرة، مما أدى إلى تدخل الجيش الذى أعلن قائده آنذاك البارسلان تركش فى يوم 27 مايو 1960م أن الجيش قد سيطر على مقاليد إدارة البلاد. نتيجة لذلك شكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس والحكم بالمؤبد على رئيس الجمهورية جمال بيار. "
الجيش تدخّل بقيادة البارسلان تركش وسيطر على مقاليد إدارة البلاد يوم 27 مايو 1960م، وشكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس
"

وبدأت الحكومة العسكرية بعض الإجراءات فى تغيير الدستور ليتوافق مع عدم الانقلاب على أفكار أتاتورك، كما قامت بالتعديل فى كثير من القوانين التى تقيد الانفتاح الاقتصادى.

وكان من أهم أهداف حكومة الاتحاد القومى العمل على حل المشاكل بالمبادئ التى جاء بها أتاتورك وإبعاد وإقصاء ما خرج إلى الوجود من مظاهر "الرجعية"، ومن ثم عمد رئيس الجمهورية البارسلان إلى ضرورة تحويل الحكومة بعد هذه الإصلاحات إلى الحكم المدنى الديمقراطى.


أقام الانقلابيون بعد إعدام مندريس انتخابات شكلية في 15/10/1961، فنال حزب الشعب بقيادة أنينو 173 مقعداً (36.7%)، ونال حزب العدالة بقيادة سليمان ديميريل 158 مقعداً (34.7%)، ونال حزب تركيا الجديدة 65 مقعداً، ونال حزب الفلاحين الجمهوري 54 مقعداً.


وبانتخاب صُوري أصبح الجنرال جمال غورسيل رئيساً للجمهورية في 27/10/1961، مثلما أصبح أنينو رئيساً للوزارة الائتلافية بعد الاتفاق مع سليمان ديميريل؛ رئيس حزب العدالة، ففشلت الوزارة واستقالت في 1962. وشكل أنينو حكومة ائتلافية مع حزب الفلاحين الجمهوري.


محاولة انقلابية فاشلة 1963
وساءت الأحوال فقام الكولونيل طلعت آيدمير بمحاولة انقلابية فاشلة سنة 1963 أدت إلى إعدامه سنة 1964، وساءت الأحوال مرة أخرى، وأجريت الانتخابات النيابية سنة 1965 ففاز حزب العدالة بقيادة ديميريل بغالبية 53% من مقاعد البرلمان، وشكل ديميريل الحكومة من حزبه وأصبح حزب الشعب في خانة المعارضة.


انقلاب عام 1971
مات الرئيس جمال غورسيل سنة 1966، فانتخب رئيس الأركان جودت صوناي رئيساً للجمهورية، وحصلت الانتخابات سنة 1969 ففاز حزب العدالة وفشل حزب الشعب فحرك أنصاره من العسكر فاستولوا على السلطة في 21/3/1971. وبعد أن خلت الساحة لحزب الشعب أعلن عن إجراء الانتخابات في أكتوبر سنة 1973.


انتخابات عام 1973
نال حزب الشعب بزعامة بولنت أجاويد 158 مقعداً، وحزب العدالة بزعامة ديميريل 149 مقعداً، وحزب السلامة الوطني بزعامة نجم الدين أرباكان 48 مقعداً، والحزب الديموقراطي بزعامة بوظبيلي 45 مقعداً، وحزب الثقة بزعامة تورخان فيضي أوغلي 13 مقعداً، والمرشحون المستقلون ٦ مقاعد، وحزب العمل القومي بزعامة الطوراني ألب أرسلان توركش ٣ مقاعد، وحزب الوحدة العلوي مقعداً.


وشكل رئيس حزب الشعب أجاويد حكومة ائتلافية بالاشتراك مع حزب السلامة بقيادة البروفسور نجم الدين أرباكان في كانون الثاني (يناير) سنة 1974 واستمر ذلك الائتلاف حتى 18/9/1974 حين قدم أجاويد استقالته التي قُبلت بعد ستة أشهر، وحلت محل حكومته حكومة ائتلافية برئاسة رئيس حزب العدالة؛ سليمان ديميريل، وضم الائتلاف حزبي السلامة والعمل القومي، فاستمرت حتى أجريت الانتخابات النيابية في ٥/٥/1977.


فاز حزب الشعب الذي أيده الشيوعيون العلمانيون بـ 213 مقعداً، وتلاه حزب العدالة بـ 189 مقعداً، وحزب السلامة بـ 24 مقعداً، وحزب العمل القومي بـ 16 مقعداً، وحزب الثقة بـ ٣ مقاعد، والحزب الديموقراطي بمقعد واحد، ونال المستقلون ٤ مقاعد.


وقام أجاويد بتشكيل وزارة من نواب حزب الشعب فقط فلم تنل وزارته ثقة المجلس الوطني (البرلمان) فقدم استقالته جراء فشله.


وشكل ديميريل حكومة من ائتلافه السابق استمرت حتى شهر ديسمبر 1977، ثم استقالت.


وفي يناير 1978 شكل أجاويد وزارة ائتلافية مع الحزب الديموقراطي، وحزب الثقة، والنواب المستقلين، وأيده عشرة نواب من حزب العدالة ممن ينتسبون إلى التيار المؤيد للعلمانية من أبناء المناطق الشرقية.


وهكذا حصلت وزارة أجاويد على ثقة المجلس بأكثرية 231 صوتاً، وعارضه 129 نائباً، ومارست الوزارة أعمالها بطريقة متدنية للغاية، فاستقال عشرة وزراء من الحكومة التي استمرت رغم الخلل وبقي أجاويد في الحكم.


ثم حصلت الانتخابات الفرعية في ديسمبر سنة 1979، وجرت تلك الانتخابات لملء ٥ مقاعد نيابية فاز بها حزب العدالة وحصل على ٣٣ مقعداً في مجلس الشيوخ أيضاً. وهُزِم حزب الشعب في الانتخابات، وتفوق عليه حزب العدالة، فشكل ديميريل حكومة من حزبه فقط ومنحه الثقة نواب (السلامة) و(العمل القومي).


انقلاب كنعان إفرين 1980
بعد الفشل الذي جناه حزب الشعب لم يبق أمامه سوى التآمر مع العسكر لقلب نظام الحكم، وقاموا بالانقلاب 12/9/1980 بقيادة الباشا كنعان إفرين، الذي علق الدستور وأعلن الأحكام العرفية في تركيا بعدما انتهت فترة رئاسة رئيس الجمهورية؛ فخري كورتورك في ٦/٤/1980.

"
العسكريون أصدروا دستوراً جديداً في 12/9/1982تضمن نصاً صريحاً على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب والعلمانية
"

وتولى الرئاسة بالوكالة رئيس مجلس الشيوخ؛ إحسان صبري جاغلايان، وعجز المجلس الوطني عن انتخاب رئيس جمهورية جديد بسبب ضغوط العسكر وفتن حزب الشعب وأنصاره.

وبعد الانقلاب حُكمت البلاد حكماً عسكرياً ثم أصبح قائد الانقلاب كنعان إفرين رئيساً للجمهورية.


أصبح إفلاس العلمانيين، وعلى رأسهم حزب الشعب، أمراً ملموساً، وصار فشلهم الانتخابي من الأمور الحتمية، لهذا اتخذت المؤسسة العسكرية قراراً بتعليق نشاط الأحزاب ثم حلها، وأصدر العسكريون ما سمي "قانون الأحزاب السياسية" في 24/4/1983، وبعده صدر قانون الانتخابات في 13/6/1983.

وكان العسكريون قد أصدروا دستوراً جديداً في 12/9/1982، منح بموجبه رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، لم يتمتع بها أي رئيس جمهورية تركية قبل ذلك، وتضمن دستور 1982 نصاً صريحاً في المادة 13 على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية.
وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب والعلمانية، وجاء في المادة 96 من قانون الأحزاب ما يحظر استخدام مصطلحات "الشيوعية والفوضوية والاشتراكية والفاشية والقومية، والدين والعرق، واللغة والطائفة والمذهب" أو أي كلمات تعطي معاني مشابهة، وهكذا حلت أحزاب المعارضة.

هكذا تكونت الخريطة التركية جغرافياً وسكانياً ودينياً ومذهبياً وحزبياً. ونجد أن أوروبا قد دعمت الحكومة التركية أيضاً على هذا الأساس فقبلت تركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وهذا ما اعتبره أنصار التغريب نصراً.


فترة تورغت أوزال 1983
وهي فترة حكم حزب الوطن الأم بزعامة تورغوت أوزال الذى صبغ هذه المرحلة بلون خاص، حيث حوّل تركيا إلى النهج الليبرالي في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسياسات التعليم والإعلام وغيرها. "
الرئيس تورغوت أوزال المنحدر من عائلة كردية، حوّل تركيا إلى النهج الليبرالي في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسياسات التعليم والإعلام وغيرها
"


وتورغوت أوزال يصنّف إسلامياً ليبرالياً، حيث نشأ في عائلة كردية ذات تربية صوفية نقشبندية، الأمر الذي ساعده في استقطاب العديد من هذه الجماعات، حيث أسس حزب الوطن الأم في مايو 1983 ليحصل على الأغلبية المطلقة في انتخابات نوفمبر من العام نفسه، ويتسلّم السلطة من الجنرالات الانقلابيين.


ونجح في تحقيق توازن بين حكومته ومراكز النفوذ في الدولة من القيادات العسكرية أو المؤسسات الكمالية نتيجة خبرته الطويلة في وظائف الدولة والبنك الدولي.


وهذه الفترة عمقت الديمقراطية فى تركيا وقللت من خطر المفاجآت الانقلابية، فنشط في عهده التعليم الديني وانتظمت معاهد الأئمة والخطباء والكليات الشرعية وسمح لطلاب المعاهد الدينية لأول مرة بالالتحاق بكليات الشرطة والأكاديميات العسكرية، وكذلك فتح عهد تورغوت أوزال الباب أمام المصارف الإسلامية وظهرت مجموعات اقتصادية تابعة لجماعات دينية مختلفة استثمرت في مجالات التجارة والصناعة والصحة والإعلام والتعليم.


وعلى أساس دستور 1982 جاءت الانتخابات في 24/12/ 1995 وأتت بحزب (الرفاه) وحليفه (الطريق القويم) إلى السلطة ليصبح الزعيم الإسلامى نجم الدين أربكان رئيساً للوزراء، مما أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الإذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة.


أحداث فبراير 1986(الانقلاب على الإسلاميين)
تم استخدام قانون 1982 بتفسير مواده على أساس أن أربكان يسعى إلى تطبيق الشريعة وإعادة النظام الرجعى فحظر الحزب وأُدخل أربكان وكبار معاونيه السجن، وكذلك رئيس الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان والذى منع حتى من ممارسة السياسة. "
حزب الرفاه تم حظره وأُدخل أربكان وكبار معاونيه السجن، وكذلك رئيس الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان والذى منع حتى من ممارسة السياسة
"


وبحظر حزب الرفاه وطرد بعض نوابه من البرلمان عُهد بأمر الحكم إلى الحزب الثالث (حزب اليسار الديمقراطى)، بزعامة أجاويد الذى شكل حكومة ائتلافية من عدد من الأحزاب وكانت ضعيفة إلا أنها تقوت بالعمل العدائى تجاه مؤسسات المسلمين والتضييق عليهم ودعمها العسكر فى ذلك، بل وجدت الدعم العالمى نتيجة الأحداث فى الشرق الأوسط، فقد أهدى لها تسليم قائد حزب العمل الكردستانى كسباً سياسياً لتدخل بذلك الرصيد إلى انتخابات 1999 ليفوز حزب اليسار الديمقراطى بأعلى الأصوات، يليه حزب الحركة القومية ثم حزب الوطن الأم ليشكلا حكومة ائتلافية بزعامة أجاويد.


ونتيجة للتردى الاقتصادى فى ظل هذه الحكومة والكوارث التى تعرضت لها تركيا من الزلازل ومن ثم الكارثة الاقتصادية التى عصفت بالقطاع الصناعى وأثرت حتى على مستوى المعيشة، تطلع المواطن إلى حل يمكن أن يكون قد ذاق طعم نظافة يده وجديته، فجاءت انتخابات 2003 بفوز حزب (العدالة والتنمية الوليد) والذى أسسه رجب طيب أردوغان وكان رئيساً لبلدية استانبول الكبرى فى عهد حكومة الرفاه وعبد الله غول وعدد من الإسلاميين الذين انفصلوا عن حزب السعادة الذى هو امتداد لحزب الرفاه والفضيلة.


وفى هذه الفترة عمد رجب طيب إلى تدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالسعى فى الإصلاحات التى يطلبها الاتحاد الأوروبى فى القانون والدستور فكانت برداً على الديمقراطية فى تركيا وإن كان العسكر قد لوح بالعصا، حينما أراد حزب العدالة أن يختار رئيس الجمهورية من داخل البرلمان فتعالت أصوات العلمانيين والعسكر فأجابهم حزب العدالة والتنمية بانتخابات برلمانية جديدة كان فوزه فيها ساحقاً، فاختير لأول مرة رئيس للجمهورية من الإسلاميين الذين كان لهم تاريخ مشهود.


لم يرض ذلك أساطين العلمانية فعمدوا إلى أساليبهم القديمة وبدأوا بتحريك بعض الفتن التى تقود إلى انقلاب إلا أن حزب العدالة، ومن يقف معه من الصف الوطنى، كشفوا تلك الألاعيب وقدموا كل من يقوم بذلك بالقرائن إلى المحاكم. وربما أنه فى تاريخ تركيا الحديث لأول مرة تحدث اعتقالات فى صفوف العسكر ودهاقن اللادينية السياسية، وبرز ذلك الغضب فى خطاب زعيم حزب الشعب الجمهورى والصحف اللادينية وبعض قادة الجيش إلا أن الأمر كان قد استند على جوانب قانونية محكمة فاضطرت الأصوات المناهضة للتقليل من حدتها، الأمر الذى دفع إلى القول أنه لأول مرة فى تاريخ تركيا الحديث يستطيع حزب ديمقراطى الاستفادة من القوانين فى تحجيم الجيش صاحب الذراع الأقوى فى التغيير السياسى فى تركيا.


الخاتمة
بذلك يمكن القول أن تركيا وعلى مدى تاريخها الطويل الذى شهد أدواراً مختلفة للحياة السياسية، كان الجيش من المؤثرات الكبرى على الحياة السياسية، وعلى الرغم من وجود الدستور والقوانين التى تؤطر للتداول السلمى للسلطة السياسية إلا أن التاريخ السياسى التركى قد شهد العديد من الانقلابات العسكرية، ويمكن النظر إلى ذلك باعتبار أن تركيا لم تستطع أن ترسخ القيم الديمقراطية التى تجعل الاحتكام إلى صوت الأغلبية أمراً طبيعياً، كما يحدث فى الدول الغربية، بل نجد أن الغرب نفسه لم يكن يريد لتركيا الديمقراطية التى يمكن أن تجلب الموروث الثقافى للأتراك إلى حياتهم العامة. "
التجربة التركية كان فيها إبقاء للإسلام تحت السيطرة والحفاظ على توازن المنطقة التى فيها إسرائيل من اخترامات قد تؤدى إلى خلل فى تكوينها تكون فيه خطورة على بقاء إسرائيل
"


كذلك لم يرد الغرب لتركيا أن تنهج، كما هو الأمر فى أوروبا الشرقية، مواصلة دور الحزب الشمولى الواحد، باعتبار أن ذلك يؤدى إلى التمدد الاشتراكى فى المنطقة، وكان دور تركيا بعيد الحرب الباردة يتركز فى إيقاف المد الاشتراكى من التمدد شرقاً.


وبين هذا وذاك كان هنالك إبقاء للإسلام تحت السيطرة والحفاظ على توازن المنطقة التى فيها إسرائيل من اخترامات قد تؤدى إلى خلل فى تكوينها تكون فيه خطورة على بقاء إسرائيل.


وبذلك وجد قادة اللادينية السياسية وكبار رجال الجيش أن مصلحتهم فى بقاء هذه البوصلة فى الاتجاه الذى أريد لها وحددوا الخطوط الحمراء وطرق التدخل عند الحاجة للمحافظة على ذلك، بل والمحافظة على استمرارية مصالحهم التى لا تنفصل عن الخط المرسوم لتركيا والتى قد تكون خطوط بعض الأحزاب الوطنية تتقاطع معها.


ورغم ذلك يمكن القول أن الانقلابات العسكرية فى تركيا تختلف عن بقية الانقلابات فى العالم الثالث، باعتبار أنها تأتى تحت غطاء صيانة الدستور وحماية مبادئ الجمهورية والقضاء على الفوضى التى تعصف بتلك المبادئ.
 
عودة
أعلى