في الأسبوع الأول من يناير- كانون الثاني الجاري أصدر البيت الأبيض قرارا بفرض عقوبات جديدة على ثلاث شركات روسية لتصنيع وتصدير السلاح، وتشمل العقوبات حظرا على تعامل أي أشخاص أو جهات أميركية مع مؤسسة تصدير الأسلحة الروسية ‘’روس أوبورون اكسبورت’’ . ومصنعي تولا و كولومنا لتصنيع المعدات العسكرية، وبررت الإدارة الأميركية قرارها بأن هذه الشركات تتعامل مع أنظمة مارقة مثل إيران وسوريا وفنزويلا، وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن العقوبات ولم تعلم بها موسكو إلا من خلال وسائل الإعلام بعد أن نشرتها صحيفة ‘’واشنطن بوست’’ تأتي هذه العقوبات الأميركية الثانية في عام واحد على الشركات الروسية لتصنيع وتصدير السلاح، فقد سبق أن أصدرت الإدارة الأميركية عقوبات مماثلة في أغسطس/ آب الماضي على شركتين روسيتين هما ‘’روس أوبورون اكسبورت’’ و’’سوخوي’’ بسبب بيع السلاح لفنزويلا، وعادت وألغت العقوبات على شركة ‘’سوخوي’’ وأبقتها على الشركة الثانية.
وفي التاسع من يناير- كانون الثاني الجاري، صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية للصحافيين بأن روسيا باعت لسوريا عام 2002 منظومات صواريخ من طرازي ‘’كورنيت وميتيس’’ المضادة للدبابات، وأن القوات الإسرائيلية عثرت على هذه الصواريخ في لبنان في الصيف الماضي أثناء حربها مع حزب الله، وأبلغت تل أبيب اعتراضاتها لموسكو كما عبرت واشنطن عن استيائها من تصدير روسيا السلاح لجهات تتعامل مع جهات وتنظيمات إرهابية (على حد وصفها)، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس قد أدلى بتصريح خطير بعد انتهاء الحرب على لبنان اتهم فيه صراحة وبشكل مباشر روسيا بتمويل حزب الله بالسلاح حيث قال في مؤتمر صحافي في سبتمبر/ أيلول الماضي ‘’إن لدى حزب الله أكثر من 20 ألف صاروخ مضاد للدبابات، ولا نتصور أن كل هذه الصواريخ جاءت إلى لبنان عن طريق سوريا وإيران فقط’’. واعتبرت موسكو هذا التصريح اتهاما مباشرا لها حيث صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن روسيا لا تتعامل في تجارة السلاح مع أحزاب ولا تنظيمات وتتعامل فقط مع دول، وقال لافروف إن إسرائيل تتهم روسيا بهدف إيجاد تبريرات لهزيمتها أمام حزب الله في لبنان[1].
الروس يرفضون الاتهامات الأميركية ولا يجدون أي مبرر لهذه العقوبات سوى اشتعال المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة في أسواق السلاح العالمية بعد أن تقدمت روسيا على دول العالم كافة وعلى الولايات المتحدة في أسواق السلاح العالمية في عامي 2006 ,2005 وذلك باعتراف تقرير لجنة الدفاع والأمن في الكونغرس الأميركي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وباعتراف تقرير الأمم المتحدة لمراقبة مبيعات السلاح في العالم، وأيضا باعتراف معهد الدراسات الاستراتيجية في ستوكهولم التابع لحلف شمال الأطلسي والذي جاء في تقريره في سبتمبر/ أيلول الماضي أنه على رغم انخفاض أسعار التقنيات العسكرية الروسية عن مثيلتها في الغرب إلا أن الأرقام تشير إلى تفوق المبيعات الروسية عن نظيرتها الغربية.
ويقدر المعهد مبيعات روسيا من السلاح في عام 2005 بنحو 2,5 مليار دولار، وفي عام 2006 بنحو 6 مليار حتى أغسطس/اب الماضي وممكن أن تصل إلى 2,7 مليار دولار [2]، علما أن مبيعات السلاح الروسي للدول الثلاثة التي حددتها العقوبات الأميركية وهي إيران وسوريا وفنزويلا لا تتجاوز نسبتها في العامين الماضيين أكثر من 15% من جملة المبيعات الروسية، في حين تأتي أعلى المبيعات لدول أخرى مثل الصين والهند اللتين تستحوذان وحدهما على نحو سبعين في المائة من صادرات السلاح الروسي، وأيضا الجزائر التي وقعت مع روسيا صفقة سلاح في مارس/آذار الماضي قيمتها تصل إلى 4,7 مليار دولار على ثلاث سنوات، وهي الصفقة التي أثارت عاصفة من الغضب والقلق في الدوائر الغربية وأيضا في إسرائيل، خصوصاً أن الصفقة تضمنت كميات كبيرة من الأسلحة القتالية الثقيلة مثل 40 طائرة مقاتلة من طراز (ميغ 28 و29)، و30 طائرة من طراز سوخوي ,24 و40 دبابة، وثمانية أنظمة صواريخ من طراز (إس - 300). وكتبت صحيفة ‘’لوموند’’ الفرنسية بشأن هذه الصفقة تقول ‘’إنها تخل بتوازن القوى في منطقة المغرب العربي’’.
في التاسع من يناير/ كانون الثاني الجاري بعد قرار العقوبات الأميركية على الشركات الروسية بأيام قليلة، صرح الخبير الإسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب ‘’إيفتاح شابير’’ للصحافيين قائلا ‘’إن روسيا تستعيد مواقعها كأكبر مصدر للسلاح في منطقة الشرق الأوسط وأسلحتها بدأت تغزو أسواق الخليج التي كانت مغلقة أمامها من قبل’’، وأشار شابير إلى صفقات السلاح الروسية لإيران وسوريا والجزائر، وقال إن الضغوط الغربية لم تعد تحقق أية نتائج مع شركات السلاح الروسية، وعبر شابير عن قلق إسرائيل البالغ من تزايد واردات السلاح الروسي لجهات تضمر الشر لإسرائيل ومنها تنظيمات إرهابية على حد تعبيره[3].
وزير الدفاع الروسي سيرجي إيفانوف رد على الإدعاءات الأميركية والإسرائيلية قائلا: ‘’إن روسيا من أكثر الدول التزاما بتعهداتها الدولية، ولا تبيع أي أسلحة هجومية لأية دولة على عداء مع دولة أخرى، ولا يمكن أن تسعى إلى خلخلة الأمن والاستقرار الدوليين’’، وقال إيفانوف إن روسيا مازالت ملتزمة بتعهداتها للولايات المتحدة بعدم بيع منظومات الصواريخ من طراز (إس - 300) لإيران وسوريا فقط لأنها تعلم أن هذه المنظومة لا يوجد نظير لها في قوتها في منطقة الشرق الأوسط، ولم ينكر إيفانوف إلحاح إيران للحصول على هذه المنظومة من الصواريخ المضادة لكافة الأجسام الطائرة من صواريخ وطائرات لمدى يصل إلى مائتين وخمسين كيلومتر، ولكن واشنطن لا تثق في موسكو في مبيعات السلاح بعد صفقة الصواريخ التي حصلت عليها إيران من طراز ‘’تور - إم ‘’1 والتي تمت بشكل سري في الصيف الماضي و لم يعلن عنها إلا بعد إتمامها في حين أن التعهدات الدولية تلزم جميع الدول المصدرة للسلاح بأن تجري جميع مبيعاتها للسلاح بشكل علني وقبل إتمام تسليم الأسلحة المباعة، كما أنه قيل إن صفقة الصواريخ الروسية لسوريا في الصيف الماضي كانت تتضمن سرا منظومات صواريخ ‘’إسكندر’’ المحظورة وأن موسكو عدلت عنها بعد أن أخطرتها واشنطن أنها علمت بها .
الروس يرفضون كل الإدعاءات والاتهامات الأميركية ويصرون على أن العقوبات الأميركية ما هي إلا ردود فعل على تفوق روسيا في أسواق السلاح العالمية، ويقول فلاديمير بيختين نائب رئيس البرلمان الروسي ‘’إن التقدم الذي حققته روسيا في سوق السلاح العالمي في العامين الماضيين سبب إزعاجا كبيرا لواشنطن، والعقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية على الشركات الروسية على رغم أنها لا تلزم سوى الجهات الأميركية، والتي لا تتعامل معها الشركات الروسية، إلا أن واشنطن تهدف من ورائها إلى الضغط غير المباشر على الدول الأخرى لتفهم أن واشنطن غير راضية عن زيادة انتشار السلاح الروسي في هذه الدول ‘’، ويقول ليونيد سلوفسكي نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي ‘’ إن العقوبات الأميركية ما هي إلا محاولات لإزاحة روسيا من السوق العالمية للتقنيات العسكرية، وذلك لعدم قدرة شركات السلاح الأميركية على منافسة أسعار السلاح الروسي، كما أن الشركات الأميركية لا تبيع أسلحة حديثة إلا لعدد محدود جدا من الدول الحليفة لها فقط، ولا توجد في الشرق الأوسط كله دولة تحصل على أسلحة أميركية حديثة سوى إسرائيل’’، ويقول فيكتور ليتوفكين المعلق العسكري في وكالة الأنباء الروسية نوفوستي ‘’إن واشنطن تنتقم من روسيا بأسلوب بدائي للغاية بسبب تزايد نفوذها في السوق العالمية للسلاح، ولا شك أن العقوبات الأميركية لن تؤثر على مبيعات روسيا من التقنيات العسكرية التي تحتاج إليها دولاً عديدة وليست فقط الدول التي تعدها واشنطن إرهابية أو داعمة للإرهاب’’.
رئيس شركة ‘’روس أوبورن’’ الروسية سيرجي تشيميزوف يرد على العقوبات الأميركية على شركته قائلا ‘’ روس أوبورون لا ترتبط بأية عقود أو تعاملات مع شركات أميركية وليست في حاجة إطلاقا للسوق الأميركية ولا تفكر فيها، بل على العكس الشركات الأميركية هي المتضررة من هذه العقوبات، خصوصا أن البنتاجون الأميركي كان قد طلب أكثر من مرة من شركتنا أن تزوده بمنظومات روسية لحماية المدرعات من طراز (أرينا) التي تنتجها شركة كولومنا التي فرضت عليها واشنطن العقوبات بالأمس، والبنتاجون يعلم أن هذه المنظومة الروسية هي أقوى منظومة لحماية الدبابات والمصفحات من الصواريخ الموجهة إليها، وعلى رغم أن القانون الأميركي يحرم على البنتاغون شراء أسلحة من خارج أميركا إلا أن البنتاغون استطاع الحصول على استثناء من الكونجرس للحصول على هذه المنظومة الروسية، ولم تتم الصفقة مع البنتاجون بسبب الخلاف بشأن الأسعار، لكن المباحثات مازالت سارية ولا ندري مدى تأثير العقوبات الأميركية على هذه المباحثات، لكننا لسنا في حاجة للتعاملات مع البنتاجون ولا مع أية جهة داخل أميركا ولدينا من التعهدات مع الدول الأخرى ما يكفينا لسبع سنوات قادم