المدينة
بيت المقدس ، هي أعظم مدن فلسطين خاصة ، والشام عامة ، وهي من أقدم مدن العالم قاطبة ، وان لم يعثر علماء الآثار تدل على ذلك ، او تعيد تاريخها لأكثر من ستة آلاف سنة خلت فقط .
والا ، ما معنى حديث رسول الله (ص) ، بما رواه عنه ابو ذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه ، وارضاه ، يسأله بقوله : ( قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال :" المسجد الحرام " ، قال : قلت ثم أي ؟ قال:" المسجد الأقصى" ، قلت : كم كانت بينهما ؟ قال :"أربعون سنة" ، ثم أينما أدركتك الصلاة فصل فان الفضل فيه). رواه البخاري ، رضي الله عنه .
ما معنى ان يكون مسجد بلا ناس ؟!..
او على الأقل ، ان يكون مسجد بلا استعمال عشرات آلاف السنين ، حتى بداية المدينة المضبوط في عهد الرومان ؟!…
لقد تعاقبت الأمم على هذه المدينة ، كلما عمرتها امة استولت عليها أخرى من بعدها فدمرتها الى سبع مرات ظاهرات .
وهكذا عندما بدا علماء الآثار بجس نبض باطن الأرض ، ومساءلة كنوزها ، أشارت الى حضارات احتضنتها مددا زمنية مختلفة ، لكن الكثير منها لم تحفظه ولم تبق له آثارا فيها ، لم يكن هذا بسبب الأرض نفسها ، بل بما كسبته أيديهم ، يقول الله تعالى :
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم…) الشورى آية 30
اما التاريخ المقروء ، فان قراءته تتوجب انتباها خاصا وملاحظة ما فيه ، اذ ان اليبوسيين الذين يندحرون من بطون العرب الأوائل هم بناة مدينتنا هذه ، وكان ذلك نحو سنة 5000قبل الميلاد اذ دعوها باسم يبوس ، ثم غدت "مدينة داوود" ، وسادت بها اليهودية منذ سنة 1049قبل الميلاد ، الى ان أتاها الفرس فاخرجوا اليهود منها وذلك في سنة 586قبل الميلاد ، ثم رزحت تحت الحكم اليوناني في سنة 332قبل الميلاد ، فالروماني في سنة 63قبل الميلاد ، وقد دعاها "هدريان" بايلياء كابتولينا في القرن الثالث الميلادي ، ثم البيزنطي مدة ثلاثة قرون منذ سنة 320م.
ثم كان الفتح الاسلامي ، وذلك في سنة 636م الموافق 15هـ ، وكان ذلك على يد الخليفة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه وأرضاه ، وصك فيها عهدة تقسم الحقوق وتوزع الواجبات وتحفظ للنصارى عليهم دينهم ، وان لا يسكنها احد من اليهود .
بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله : عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان : أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها . انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار احد منهم . ولا يسكن بايلياء معهم احد من اليهود . وعلى أهل ايلياء ان يعطوا الجزية كما يعطى اهل المدائن ، وعليهم ان يخرجوا منها الروم واللصوت ، فمن خرج منهم فانه امن على نفسه وماله حتى يبلغوا مامنهم ، ومن أقام منهم فهو امن . وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية . ومن أحب من أهل ايلياء ان يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان ، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم . ومن شاء رجع الى أهله فانه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم . وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .
شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن ابي سفيان . وكتب وحضر سنة خمس عشرة .
نص العهدة العمرية
وبقي بيت المقدس بأيدي المسلمين حتى مطلع القرن الميلادي العشرين وهم ينظمون شؤون حياتها ، ويجملون طرقاتها ومبانيها ، ويحصنون سورها ويقيمون ابراجها ، وتغدو مساجدها منارة وأقصاها علامة ، وفي حقبة سلبها الصليبيون من المسلمين فعاثوا فيها الفساد ، ولما استردها المسلمون بقيادة صلاح الدين الايوبي بقيت بايديهم ، وما من امة إسلامية حاكمة الا وكان لها اليد الطولي في رفع شان المدينة ، وعلى رأسها مسجدها الأقصى ترميما وتجديدا ، حتى وقعت تحت الانتداب البريطاني الغادر سنة 1336 هـ 1917م، ومن ثم عهدوا بالبلاد الى اليهود ، حيث عمل الإنكليز طيلة انتدابهم على تقوية مركز اليهود في البلاد ، سوى مدينة القدس داخل الأسوار ومجموعة من القرى ، بقيت نحو تسع عشرة سنة تحت الحكم الأردني ثم غدت تحت سيطرة اليهود منذ 1387هـ الموافق 1967م.
ولم تكن هذه الأمم الا صاحبة أثار مادية ومعنوية على المدينة :
فالمادية ما وجد العلماء بقاياها ، واستطاعوا استخلاص وفهم أمور غائبة عن أعين البشر .
ومعنوية ، من تغيير أسماء الكثير من مسميات في المدينة لأهواء في نفوسهم .
وان كانت ثمة ملاحظات تذكر حول التسميات فلا بد من الإشارة الى ان أسماء القدس وصلت نحو ثمانية وأربعين اسما ، مع ان جلها كان متذبذبا بين اثنين نختلفين في اللفظ :
أ- "أورو – سالم" ، وما حام حولها ، او اشتق منها وتعني السلام او مدينة السلام .
ب- وإسلامية "بيت المقدس" أو "القدس" ، وما حام حولها ، وما اشتق منها.
واذا كان الاسم الأول يضعها في خانة ضيقة فان الآخر يعطيها المكان اللائق بها ، تماما كما اراد الله تعالى لها ان تكون .
وللمسلمين في البلاد ارتباطات قوية لا يفصمهم عنها الا من فصم نفسه عن الاسلام والمسلمين .
فالارتباط الديني ، فهو اقدم من جذور الارتباط التاريخي ، ولم يكن بينه وبين الارتباط الديني بمكة المكرمة سوى اربعين سنة . وهذا ما ذكرناه من حديث ابي ذر الغفاري عن بناء المسجد الاقصى المبارك .
ان حادثتي الاسراء والمعراج قد رفعتا شان المدينة والمسجد معا ، فقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة بقوله :
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الاقصى الذي باركنا حوله …) واما حادثة الاسراء فقد اشار الله تعالى اليها في مطلع سورة النجم بقوله تعالى :
(وهو بالافق الاعلى * ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين او ادنى * فاوحى اليه ما اوحى ) النجم ، الايات من 7-10
واما الارتباط التاريخي ، وهو منذ ان حل بالبلاد المسلمون بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وارضاه ، ففتحها فتحا مبينا من الله تعالى ، وهكذا كان تاريخه وتاريخ عهدته العمرية ، تاج المسلمين وفوق كل الامم والحضارات ، عاليا مرفرفة خفاقا ، بحاجة الى ان يدرس من جديد ويتوج به كل عمل .
وهذان الرباطان ، لا يمكن ان يمر بهما الانسان مر الكرام من غير تدقيق ولا امعان ، فان كان الربط الاول بين مسجدين ارضيين : المسجد الحرام والمسجد الاقصى عامة ، فهما اول مسجدين للناس في العالم قاطبة ، وهما من اعتق بيوت الله تعالى في الارض كلها .
واما الربط الثاني : فهو الذي جعل بينه وبين سدرة المنتهى عروة وثقى لا انفصام لها ، وهي ميزة له على المسجد الحرام ، وهو مجمع الانبياء والمرسلين ، وهو طريق محمد صلى الله عليه وسلم لما حباه ربه تعالى ، فارسل اليه وناداه ، فغدا في الافق الاعلى ، وغدت طريقه المسجد الاقصى ، الكائن ببيت المقدس .
وهذا ما اشار اليه حديث محمد صلى الله عليه وسلم :
"لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد : الى المسجد الحرام ، والى المسجد الاقصى ، والى مسجدي ها" صححه ابن حبان ، وقد ورد بروايات مختلفة اللفظ متفقة المعنى .
وما تسلسل اعمال الخلفاء والولاة المسلمين الا دلالة عظيمة على الامتداد لهذا الارتباط الديني ، وان كان يضم التاريخي والسياسي كذلك ، لكونه المنهج الشامل .
ولعل هذا الامتداد ما يشير الى قدسية هذه المدينة لدى ابناء الاسلام ، والتي ارى قاعدتها الخليفة عمر بن الخطاب لما فتحها ، حيث ابقى النصارى فقط ، بالصورة والشكل .
ب) المسجد الاقصى المبارك
المقصود بالمسجد الاقصى المبارك ، هو الساحة المسورة الواقعة داخل اسوار القدس في زاويتها الشرقية الجنوبية ، فسوره الشرقي متحد مع سور القدس ، والجنوبي اكثر من نصفه من الجهة الشرقية متحد كذلك ، والباقي من الجهة الجنوبية الغربية والغربية بكاملها والشمالية بكاملها ، فهو سور خاص داخل المدينة المسورة نفسها .
شكل المسجد الاقصى مضلع ، ذو اضلاع اربعة غير منتظمة ، طول ضلعه الغربيى 491م ، والشرقي 462م ، واقصرها الحنوبي 281م ، والشمالى 930م.
يقع هذا المسجد على تلة من تلال بيت المقدس الاربعة الواقعة عليها المدينة المسورة ، وعلى منحدرها المتجه من الزاوية الشمالية الغربية للجنوبية الشرقية .
والمسجد الاقصى المبارك هو المسجد الوحيد في العالم قاطبة الذي يضم تفاصيل عديدة ومتنوعة بمثل هذا الزخم من : مبان ، حواكير ، قباب ، اسبلة مياه ، سبل مرور ، مصاطب ، مساجد ، مغاور ، اروقة ، مدارس ، برك مياه ، اشجار ، محاريب ، منابر ، مآذن ، ابواب ، ابار ، مكتبات ، مكاتب لدائرة الاوقاف وما انبثق عنها ، لجنة الزكاة ، لجنة التراث الاسلامي ، دور القران والحديث ، خلوات غرف لائمة مباني المسجدين الكبيرين ، وحراس المسجد الاقصى ، ومخفر الشرطة .
تبلغ مساحة المسجد نحو 142 دونما ، ومن سننه أنه من دخل فيه ، فعليه باداء تحية المسجد كبقية المساجد ، اينما اداها أجزأه ، سواء كان ذلك تحت شجرة ، او تحت قبة ، فوق مصطبة ، او عند رواق ، في مسجد قبة الصخرة ، او مبنى المسجد الاقصى المبارك ، ومن ادى ركعة في أي مكان فيه كان كمن ادى خمسمائة ركعة فيما سواه سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف .
لذا ، فلا تفاوت في مقدار اداة الصلاة فيه ، في أي مكان شاء (على ان تحافظ الاناث على المكان المخصص لهن للصلاة).
ولما كان هذا هو المسجد الاقصى المبارك ، فان المبنى الذي تعارف عليه الناس في الجنوبية باسم المسجد الاقصى المبارك سنعرفه باسم مبنى المسجد الاقصى المبارك وذلك للتمييز .
وعن تسميته يقول الحق عز وعلا :
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله …) الاسراء اية1 .
ولقد اتخذ الله تبارك وتعالى اسما للمسجد ، اخذه من صفته وهي البعد عن المسجد الحرام ، والبعد مكانا عن انطلاقه الدعوة الى الله تعالى انذاك .
وقيل في تفسير الاقصى : عدم وجود اماكن عبادة من بعده ، وقيل بعده عن القذائر والخبائث .
وللمسجد الاقصى صفات مشهورة ، اختص بها دون غيره ، فبقي علما يفتخر به :
فهو اولى القبلتين بعد ان فرضت الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اتباع هذا الدين الى يوم الدين ، فمكثوا متجهين صوبه بصلواتهم نحو سبعة عشر شهرا .
وهو ثاني المسجدين بناء بعد المسجد الحرام الذي ارتبط به قرانا ، واستدللنا على ذلك بحديث ابي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه الذي ذكرناه سابقا .
وهو ثالث الحرمين ، بعد المسجد الحرام والنبوي ، تشد اليه الرحال اذ :
"لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد ، الى المسجد الحرام ، والى المسجد الاقصى ، والى مسجدي هذا " الحديث النبوي الشريف .
لكن المسجد الاقصى يختلف عن سابقيه بانهما حرم وهو بغير ذلك ، وهي من رحمة الله تعالى على عباده في اكناف بيت المقدس ، اما هما فقد حرم قتل حيوان فيهما ، او قطع شجر وغيرها من المحرمات ، اما المسجد الاقصى فيسمح فيه ما حظر فيهما ويحظر فيه ما يحظر في المساجد عامة من بيع وشراء ونشد الضالة .
اما تحديد مساحة المسجد فكانت قبل الفتح الاسلامي لا يتعداها الناس (مع العلم انها لم تكن مسورة حدوده من حيث مساكنهم في الجهتين الغربية والشمالية وقسم قليل من الجنوبية في غربها .
اما في الشرقية والجنوبية في شرقها ، فكانت اسوار المسجد هي اسوار المدينة ، ولا يمكن لشخص الانتفاع بها لانحدار الجبل (ولا زال) بشكل شديد …
نعم ، لقد حفظ الله تعالى حدود بيته فلم يتعداه احد ، وقام المسلمون : ايوبيون ومماليك على ترسيخ حدود المسجد ، فاقاموا الاسوار في الجهتين الشمالية والغربية ، وبنوا الاروقة العالية والمدارس الشامخة والمرافق العظيمة .
وخص الله مسجده برحلة الاسراء اليه ، فقد جاءه خير البشر وخاتم الانبياء والمرسلين من ذاك المسجد البعيد العتيق على دابة خاصة ، هي البراق ، وجمع فيه خير الانام ، وادوا صلاتهم لله الواحد الديان بامامة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ومن هذا المسجد الذي انتهت في رحلة الاسراء ، ابتدات رحلة اجل واعظم من هذه البقعة الطاهرة الى سدرة المنتهى في السماوات العلى هي رحلة المهراج ، حيث فرضت الصلاة على المسلمين ، ولم تنته رحلتنا الاسراء والمعرتج ، هذ ولم يبعث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الى مكة المكرمة ، الا بمروره بالمسجد الاقصى المبارك ، تماما كما بدات الرحلة .
ان تاريخنا الحالي لم يخل من مطبات صعبة نالت بيت المقدس عامة والمسجد الاقصى خاصة ، لا سيما ما تقوم به الحفريات الاسرائيلية في المكان ، للبحث عن اثار مزعومة لهيكل قديم مكان المسجد المبارك ، وفي المسالة موضوعان :
1-أ) هيكل سليمان عليه السلام ، المزعوم ، وقد صدرت تصريحات جديدة عبر الصحف اليومية الرسمية مفادها ان سليمان عليه السلام لم يبن هيكلا في حياته قط .
ب) الزعم الثاني ، ان الهيكل –باعتقاد اليهود- انه مكان المسجد الاقصى ، وهو اعتقاد لا اصل له لاعتبارات جمة : اولها من الناحية التاريخية ، وهو ان المسجد الاقصى المبارك ثاني مساجد الدنيا كلها عبادة ، وبناؤه يعود الى عهد ادم ، عليه السلام ، على اقل تعديل ، وهو زمن لا شك انه سحيق ، وبناء الهيكل –على حد زعمهم- يعود الى سليمان ، عليه السلام ، أي اقل من الفي سنة .
ثانيها ، ان مساحتها –وفق تقديرات مهندسيهم- تفوق موقع المسجد الاقصى المبارك .
ثالثهما ، ان لا اثر صغير او كبير للهيكل في مكان المسجد او بجواره ، وهو اعتراف مسؤولة عن الحفريات الاسرائيلية في المكان (ايلات مازار) في البحث عن مكان الهيكل بقولها : اننا لا نعرف عن مكان الهيكل شيئا ولم نصل الى ذلك بتاتا .
وسبب رابع ، ان الحفريات لم تقتصر في البحث عنه في حفرية واحدة او اثنتين ، بل تعدت اكثر من خمس وستين حفرية في المدينة منذ سنة 1387هـ الموافق 1967م وحتى هذه الايام ، وقد عرض معظمها دان باهظ في اطلسه عن القدس مع تواريخها ، ولم تنجم عن ربط بالتاريخ اليهودي القديم والهيكل المزعوم .
سبب خامس ، ان داود وسليمان عليهما السلام عبدا الله تعالى في بيت المقدس ، في مكان غير مضبوط ، وان صح انهما عبدا الله تعالى في هذا المكان ، فلأنه مسجد لله تعالى ، ونحن احق باتباعهما من غيرنا .
2- واما الموضوع الثاني فهو الحفريات ذاتها ، وهي نوعان : ظاهر للناس عامة وخفي عنها ، اشدهما واشملهما ، واما الظاهر فهو النفق الذي افتتح قبل سنة ، وهو الواقع تحت سور المسجد الاقصى الغربي وعلى امتداده ، بدايته من ساحة البراق ، وهو ما يدعوه اليهود بالحائط الغربي لهيكل سليمان ، الذي لا دلالة ظاهرة عليه ، وينتهي شمالي مئذنة الغوانمة ، في طريق المجاهدين "التي تسمى اليوم بطريق الآلام".
واما الحفريات الخفية –على ما يبدو- فهي اوسع رقعة ولا تقل عن الاولى بل تزيدها ، وهي من دون ساحات المسجد الاقصى المبارك من الغرب الى الشرق ، واحدها تجاه مبنى المسجد الاقصى المبارك ، والاخر تجاه مسجد الصخرة المشرفة.
ولهذه الحفريات مخاطر عظيمة مادية ومعنوية اهمها انها تمس بشكل مباشر صلب الحياة الروحانية لدى المسلمين .
والحفريات تشكل خطرا بالغا على مباني المسجد الاقصى المبارك وعلى راسها المسجدين العظيمين ، مبنى المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ، وفيها اجزاء تعد من اقدم الاثار العمرانية العظيمة في العالم بل وقبة الصخرة التي هي اقدم الاثار الاسلامية الكاملة الباقية على الاطلاق .
ولقد قام الاخ الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية داخل الخط الاخضر ورئيس مؤسسةالاقصى لاعمار الاوقاف الاسلامية في ايامنا ، وابو مالك –ناجح بكيرات – عن لجنة التراث المقدسية بزيارة تفقدية لمواطن عديدة في سراديب وحفريات تحت ارضية المسجد الاقصى المبارك وخاصة في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد ، وانفردت صحيفة صوت الحق والحرية ، الناطقة بلسان حال المسلمين في البلاد بتقرير مفصل عما رأياه هناك من حفريات وسراديب ، كان قد دخلها الاسرائليون وجعلوا لاكثرها مغالق حجرية ، حتى لا يتسنى لغيرهم من دخولها . هذه الحفريات سببت انهيارات في داخل الانفاق وهي تشكل على المدى مستقبلي ضعفا لاساسات مباني المسجد الاقصى المبارك ، وبالتالي تشكل خطر انهيار لهذه لمباني ، لا قدر الله
فيما يلي اجمال ما نقله الدكتور احمد العلمي عن الاستاذ روحي الخطيب حول مراحل الحفريات الاسرائيلية ، وقد وضحتها بالتخطيط :
الجولة الأولى الأزرق.
نبدأ جولتنا الأولى من باب الأسباط متجهين غربا، معرفين على ما هو ملاصق لأسوار المسجد من مبان و هي الكائنة في جهاته الأربعة.
أنظر مخطط الجولة الأولى بالون
باب الأسباط
وهو الواقع في زاوية المسجد الأقصى المبارك الشمالية من الشرق .
نقل عارف العارف تاريخ بناء الباب ، من كتابة في داخله ، لم اعثر عليها ، انه عائد الى سنة 1538م ، كما ورمم هذا الباب في سنة 1232هـ الموافق 1817م. ودعي الباب ياسم اخر ، وهو "ستّي مريم" على اسم الكنيسة الكائنة في جهتها ، خارج الأسوار .
والأغلب انه تاريخ تجديد للباب لا تاريخ بناء .
مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية
غلب عليها هذا الاسم ، اذ ان اول إنشائها كان ثانوية محضة ، وذلك في مطلع الثمانينات من القرن الميلادي العشرين ، واليوم عبارة عن مدرسة اعدادية وثانوية ، تعلم فيها العلوم الشرعية .
مئذنة باب الأسباط
تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك ، غربي باب الأسباط المدعوة به .
أنشئت المئذنة سنة 769هـ 1367م ، ابان حكم السلطان الملك الاشرف شعبان بن حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، استدل على ذلك من خلال النقش على المئذنة . صدعها زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م مما اضطر المجلس الاسلامي الأعلى الى هدم القسم العلوي وبنائه من جديد . وعند احتلال إسرائيل للمكان في سنة 1967م ، تضررت المئذنة اثر إصابتها بالقذائف ، وقد جرى ترميمها كاملا .
والمئذنة هذه أجمل مآذن المسجد مظهرا ، أمتنها بناء وأفخمها عمارة ، ولها من الأسماء : مئذنة الصلاحية لكونها واقعة في جهة المدرسة الصلاحية .
المدرسة الغادرية
تقع داخل المسجد الأقصى المبارك ، بنتها مصر خاتون ، في عهد الملك الارف برسباي ، وذلك سنة 836هـ الموافق 1432م .
دعيت بهذا الاسم نسبة الى موقفها وهو زوج التي بنتها ، الأمير ناصر الدين بن دلغادر .
وقد قام قسم الآثار في دائرة الأوقاف الاسلامية مشكورا بتجديدها وقامت حكومة إسرائيل بمنع تتمة السقف ، ولا زالت سقف حتى يومنا هذا .
مطهرة باب حطة
والحقيقة إنها ليست بمطهرة في أصلها ، وقد سمح الإمام الشنتميطي باستعمال المكان مطهرة منذ أواخر العهد العثماني ، واستعملت كذلك ، وأضيف لساحتها الجنوبية محراب في الثلاثيات من القرن الميلادي الحالي ، وهو متهم الآن .
ثم جددت المطهرة في أواخر سنوات السبعينات من هذا القرن الميلادي ، وأضيف اليها مساحة أحرى كذلك ، وجددت بعد هدمها على يد أعضاء مؤسسة الأقصى لاعمار المقدسات الاسلامية في سنة 1416هـ الموافق 1996م ، وذلك برعاية ومباركة دائرة الأوقاف الاسلامية ، وجعل السفلي للإناث والعلوي للذكور .
سبيل باب حطة
يقوم هذا السبيل البسيط جنوبي باب حطة ، على يسار الداخل منه ، يعود انشاء السبيل الى العهد العثماني .
وهو سبيل تعطل عن العمل ، رممه اعضاء مؤسسة الاقصى لاعمار المقدسات الاسلامية ، اثناء بناءها لوحدة المراحيض ، ثم الغي نهائيا بعد ذلك .
باب حطة
يقع في الحائط الشمالي من سور المسجد ، وهو الواقع بين مئذنة باب الأسباط وباب فيصل .
يقول عنه عارف العارف انه من أقدم الأبواب ، وجدد في سنة 617هـ الموافق 1220م ، أي في العهد الأيوبي .
بيت المقدس ، هي أعظم مدن فلسطين خاصة ، والشام عامة ، وهي من أقدم مدن العالم قاطبة ، وان لم يعثر علماء الآثار تدل على ذلك ، او تعيد تاريخها لأكثر من ستة آلاف سنة خلت فقط .
والا ، ما معنى حديث رسول الله (ص) ، بما رواه عنه ابو ذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه ، وارضاه ، يسأله بقوله : ( قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال :" المسجد الحرام " ، قال : قلت ثم أي ؟ قال:" المسجد الأقصى" ، قلت : كم كانت بينهما ؟ قال :"أربعون سنة" ، ثم أينما أدركتك الصلاة فصل فان الفضل فيه). رواه البخاري ، رضي الله عنه .
ما معنى ان يكون مسجد بلا ناس ؟!..
او على الأقل ، ان يكون مسجد بلا استعمال عشرات آلاف السنين ، حتى بداية المدينة المضبوط في عهد الرومان ؟!…
لقد تعاقبت الأمم على هذه المدينة ، كلما عمرتها امة استولت عليها أخرى من بعدها فدمرتها الى سبع مرات ظاهرات .
وهكذا عندما بدا علماء الآثار بجس نبض باطن الأرض ، ومساءلة كنوزها ، أشارت الى حضارات احتضنتها مددا زمنية مختلفة ، لكن الكثير منها لم تحفظه ولم تبق له آثارا فيها ، لم يكن هذا بسبب الأرض نفسها ، بل بما كسبته أيديهم ، يقول الله تعالى :
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم…) الشورى آية 30
اما التاريخ المقروء ، فان قراءته تتوجب انتباها خاصا وملاحظة ما فيه ، اذ ان اليبوسيين الذين يندحرون من بطون العرب الأوائل هم بناة مدينتنا هذه ، وكان ذلك نحو سنة 5000قبل الميلاد اذ دعوها باسم يبوس ، ثم غدت "مدينة داوود" ، وسادت بها اليهودية منذ سنة 1049قبل الميلاد ، الى ان أتاها الفرس فاخرجوا اليهود منها وذلك في سنة 586قبل الميلاد ، ثم رزحت تحت الحكم اليوناني في سنة 332قبل الميلاد ، فالروماني في سنة 63قبل الميلاد ، وقد دعاها "هدريان" بايلياء كابتولينا في القرن الثالث الميلادي ، ثم البيزنطي مدة ثلاثة قرون منذ سنة 320م.
ثم كان الفتح الاسلامي ، وذلك في سنة 636م الموافق 15هـ ، وكان ذلك على يد الخليفة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه وأرضاه ، وصك فيها عهدة تقسم الحقوق وتوزع الواجبات وتحفظ للنصارى عليهم دينهم ، وان لا يسكنها احد من اليهود .
بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله : عمر أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان : أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها . انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار احد منهم . ولا يسكن بايلياء معهم احد من اليهود . وعلى أهل ايلياء ان يعطوا الجزية كما يعطى اهل المدائن ، وعليهم ان يخرجوا منها الروم واللصوت ، فمن خرج منهم فانه امن على نفسه وماله حتى يبلغوا مامنهم ، ومن أقام منهم فهو امن . وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية . ومن أحب من أهل ايلياء ان يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان ، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم . ومن شاء رجع الى أهله فانه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم . وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .
شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن ابي سفيان . وكتب وحضر سنة خمس عشرة .
نص العهدة العمرية
وبقي بيت المقدس بأيدي المسلمين حتى مطلع القرن الميلادي العشرين وهم ينظمون شؤون حياتها ، ويجملون طرقاتها ومبانيها ، ويحصنون سورها ويقيمون ابراجها ، وتغدو مساجدها منارة وأقصاها علامة ، وفي حقبة سلبها الصليبيون من المسلمين فعاثوا فيها الفساد ، ولما استردها المسلمون بقيادة صلاح الدين الايوبي بقيت بايديهم ، وما من امة إسلامية حاكمة الا وكان لها اليد الطولي في رفع شان المدينة ، وعلى رأسها مسجدها الأقصى ترميما وتجديدا ، حتى وقعت تحت الانتداب البريطاني الغادر سنة 1336 هـ 1917م، ومن ثم عهدوا بالبلاد الى اليهود ، حيث عمل الإنكليز طيلة انتدابهم على تقوية مركز اليهود في البلاد ، سوى مدينة القدس داخل الأسوار ومجموعة من القرى ، بقيت نحو تسع عشرة سنة تحت الحكم الأردني ثم غدت تحت سيطرة اليهود منذ 1387هـ الموافق 1967م.
ولم تكن هذه الأمم الا صاحبة أثار مادية ومعنوية على المدينة :
فالمادية ما وجد العلماء بقاياها ، واستطاعوا استخلاص وفهم أمور غائبة عن أعين البشر .
ومعنوية ، من تغيير أسماء الكثير من مسميات في المدينة لأهواء في نفوسهم .
وان كانت ثمة ملاحظات تذكر حول التسميات فلا بد من الإشارة الى ان أسماء القدس وصلت نحو ثمانية وأربعين اسما ، مع ان جلها كان متذبذبا بين اثنين نختلفين في اللفظ :
أ- "أورو – سالم" ، وما حام حولها ، او اشتق منها وتعني السلام او مدينة السلام .
ب- وإسلامية "بيت المقدس" أو "القدس" ، وما حام حولها ، وما اشتق منها.
واذا كان الاسم الأول يضعها في خانة ضيقة فان الآخر يعطيها المكان اللائق بها ، تماما كما اراد الله تعالى لها ان تكون .
وللمسلمين في البلاد ارتباطات قوية لا يفصمهم عنها الا من فصم نفسه عن الاسلام والمسلمين .
فالارتباط الديني ، فهو اقدم من جذور الارتباط التاريخي ، ولم يكن بينه وبين الارتباط الديني بمكة المكرمة سوى اربعين سنة . وهذا ما ذكرناه من حديث ابي ذر الغفاري عن بناء المسجد الاقصى المبارك .
ان حادثتي الاسراء والمعراج قد رفعتا شان المدينة والمسجد معا ، فقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة بقوله :
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الاقصى الذي باركنا حوله …) واما حادثة الاسراء فقد اشار الله تعالى اليها في مطلع سورة النجم بقوله تعالى :
(وهو بالافق الاعلى * ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين او ادنى * فاوحى اليه ما اوحى ) النجم ، الايات من 7-10
واما الارتباط التاريخي ، وهو منذ ان حل بالبلاد المسلمون بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وارضاه ، ففتحها فتحا مبينا من الله تعالى ، وهكذا كان تاريخه وتاريخ عهدته العمرية ، تاج المسلمين وفوق كل الامم والحضارات ، عاليا مرفرفة خفاقا ، بحاجة الى ان يدرس من جديد ويتوج به كل عمل .
وهذان الرباطان ، لا يمكن ان يمر بهما الانسان مر الكرام من غير تدقيق ولا امعان ، فان كان الربط الاول بين مسجدين ارضيين : المسجد الحرام والمسجد الاقصى عامة ، فهما اول مسجدين للناس في العالم قاطبة ، وهما من اعتق بيوت الله تعالى في الارض كلها .
واما الربط الثاني : فهو الذي جعل بينه وبين سدرة المنتهى عروة وثقى لا انفصام لها ، وهي ميزة له على المسجد الحرام ، وهو مجمع الانبياء والمرسلين ، وهو طريق محمد صلى الله عليه وسلم لما حباه ربه تعالى ، فارسل اليه وناداه ، فغدا في الافق الاعلى ، وغدت طريقه المسجد الاقصى ، الكائن ببيت المقدس .
وهذا ما اشار اليه حديث محمد صلى الله عليه وسلم :
"لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد : الى المسجد الحرام ، والى المسجد الاقصى ، والى مسجدي ها" صححه ابن حبان ، وقد ورد بروايات مختلفة اللفظ متفقة المعنى .
وما تسلسل اعمال الخلفاء والولاة المسلمين الا دلالة عظيمة على الامتداد لهذا الارتباط الديني ، وان كان يضم التاريخي والسياسي كذلك ، لكونه المنهج الشامل .
ولعل هذا الامتداد ما يشير الى قدسية هذه المدينة لدى ابناء الاسلام ، والتي ارى قاعدتها الخليفة عمر بن الخطاب لما فتحها ، حيث ابقى النصارى فقط ، بالصورة والشكل .
ب) المسجد الاقصى المبارك
المقصود بالمسجد الاقصى المبارك ، هو الساحة المسورة الواقعة داخل اسوار القدس في زاويتها الشرقية الجنوبية ، فسوره الشرقي متحد مع سور القدس ، والجنوبي اكثر من نصفه من الجهة الشرقية متحد كذلك ، والباقي من الجهة الجنوبية الغربية والغربية بكاملها والشمالية بكاملها ، فهو سور خاص داخل المدينة المسورة نفسها .
شكل المسجد الاقصى مضلع ، ذو اضلاع اربعة غير منتظمة ، طول ضلعه الغربيى 491م ، والشرقي 462م ، واقصرها الحنوبي 281م ، والشمالى 930م.
يقع هذا المسجد على تلة من تلال بيت المقدس الاربعة الواقعة عليها المدينة المسورة ، وعلى منحدرها المتجه من الزاوية الشمالية الغربية للجنوبية الشرقية .
والمسجد الاقصى المبارك هو المسجد الوحيد في العالم قاطبة الذي يضم تفاصيل عديدة ومتنوعة بمثل هذا الزخم من : مبان ، حواكير ، قباب ، اسبلة مياه ، سبل مرور ، مصاطب ، مساجد ، مغاور ، اروقة ، مدارس ، برك مياه ، اشجار ، محاريب ، منابر ، مآذن ، ابواب ، ابار ، مكتبات ، مكاتب لدائرة الاوقاف وما انبثق عنها ، لجنة الزكاة ، لجنة التراث الاسلامي ، دور القران والحديث ، خلوات غرف لائمة مباني المسجدين الكبيرين ، وحراس المسجد الاقصى ، ومخفر الشرطة .
تبلغ مساحة المسجد نحو 142 دونما ، ومن سننه أنه من دخل فيه ، فعليه باداء تحية المسجد كبقية المساجد ، اينما اداها أجزأه ، سواء كان ذلك تحت شجرة ، او تحت قبة ، فوق مصطبة ، او عند رواق ، في مسجد قبة الصخرة ، او مبنى المسجد الاقصى المبارك ، ومن ادى ركعة في أي مكان فيه كان كمن ادى خمسمائة ركعة فيما سواه سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف .
لذا ، فلا تفاوت في مقدار اداة الصلاة فيه ، في أي مكان شاء (على ان تحافظ الاناث على المكان المخصص لهن للصلاة).
ولما كان هذا هو المسجد الاقصى المبارك ، فان المبنى الذي تعارف عليه الناس في الجنوبية باسم المسجد الاقصى المبارك سنعرفه باسم مبنى المسجد الاقصى المبارك وذلك للتمييز .
وعن تسميته يقول الحق عز وعلا :
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله …) الاسراء اية1 .
ولقد اتخذ الله تبارك وتعالى اسما للمسجد ، اخذه من صفته وهي البعد عن المسجد الحرام ، والبعد مكانا عن انطلاقه الدعوة الى الله تعالى انذاك .
وقيل في تفسير الاقصى : عدم وجود اماكن عبادة من بعده ، وقيل بعده عن القذائر والخبائث .
وللمسجد الاقصى صفات مشهورة ، اختص بها دون غيره ، فبقي علما يفتخر به :
فهو اولى القبلتين بعد ان فرضت الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اتباع هذا الدين الى يوم الدين ، فمكثوا متجهين صوبه بصلواتهم نحو سبعة عشر شهرا .
وهو ثاني المسجدين بناء بعد المسجد الحرام الذي ارتبط به قرانا ، واستدللنا على ذلك بحديث ابي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه الذي ذكرناه سابقا .
وهو ثالث الحرمين ، بعد المسجد الحرام والنبوي ، تشد اليه الرحال اذ :
"لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد ، الى المسجد الحرام ، والى المسجد الاقصى ، والى مسجدي هذا " الحديث النبوي الشريف .
لكن المسجد الاقصى يختلف عن سابقيه بانهما حرم وهو بغير ذلك ، وهي من رحمة الله تعالى على عباده في اكناف بيت المقدس ، اما هما فقد حرم قتل حيوان فيهما ، او قطع شجر وغيرها من المحرمات ، اما المسجد الاقصى فيسمح فيه ما حظر فيهما ويحظر فيه ما يحظر في المساجد عامة من بيع وشراء ونشد الضالة .
اما تحديد مساحة المسجد فكانت قبل الفتح الاسلامي لا يتعداها الناس (مع العلم انها لم تكن مسورة حدوده من حيث مساكنهم في الجهتين الغربية والشمالية وقسم قليل من الجنوبية في غربها .
اما في الشرقية والجنوبية في شرقها ، فكانت اسوار المسجد هي اسوار المدينة ، ولا يمكن لشخص الانتفاع بها لانحدار الجبل (ولا زال) بشكل شديد …
نعم ، لقد حفظ الله تعالى حدود بيته فلم يتعداه احد ، وقام المسلمون : ايوبيون ومماليك على ترسيخ حدود المسجد ، فاقاموا الاسوار في الجهتين الشمالية والغربية ، وبنوا الاروقة العالية والمدارس الشامخة والمرافق العظيمة .
وخص الله مسجده برحلة الاسراء اليه ، فقد جاءه خير البشر وخاتم الانبياء والمرسلين من ذاك المسجد البعيد العتيق على دابة خاصة ، هي البراق ، وجمع فيه خير الانام ، وادوا صلاتهم لله الواحد الديان بامامة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ومن هذا المسجد الذي انتهت في رحلة الاسراء ، ابتدات رحلة اجل واعظم من هذه البقعة الطاهرة الى سدرة المنتهى في السماوات العلى هي رحلة المهراج ، حيث فرضت الصلاة على المسلمين ، ولم تنته رحلتنا الاسراء والمعرتج ، هذ ولم يبعث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الى مكة المكرمة ، الا بمروره بالمسجد الاقصى المبارك ، تماما كما بدات الرحلة .
ان تاريخنا الحالي لم يخل من مطبات صعبة نالت بيت المقدس عامة والمسجد الاقصى خاصة ، لا سيما ما تقوم به الحفريات الاسرائيلية في المكان ، للبحث عن اثار مزعومة لهيكل قديم مكان المسجد المبارك ، وفي المسالة موضوعان :
1-أ) هيكل سليمان عليه السلام ، المزعوم ، وقد صدرت تصريحات جديدة عبر الصحف اليومية الرسمية مفادها ان سليمان عليه السلام لم يبن هيكلا في حياته قط .
ب) الزعم الثاني ، ان الهيكل –باعتقاد اليهود- انه مكان المسجد الاقصى ، وهو اعتقاد لا اصل له لاعتبارات جمة : اولها من الناحية التاريخية ، وهو ان المسجد الاقصى المبارك ثاني مساجد الدنيا كلها عبادة ، وبناؤه يعود الى عهد ادم ، عليه السلام ، على اقل تعديل ، وهو زمن لا شك انه سحيق ، وبناء الهيكل –على حد زعمهم- يعود الى سليمان ، عليه السلام ، أي اقل من الفي سنة .
ثانيها ، ان مساحتها –وفق تقديرات مهندسيهم- تفوق موقع المسجد الاقصى المبارك .
ثالثهما ، ان لا اثر صغير او كبير للهيكل في مكان المسجد او بجواره ، وهو اعتراف مسؤولة عن الحفريات الاسرائيلية في المكان (ايلات مازار) في البحث عن مكان الهيكل بقولها : اننا لا نعرف عن مكان الهيكل شيئا ولم نصل الى ذلك بتاتا .
وسبب رابع ، ان الحفريات لم تقتصر في البحث عنه في حفرية واحدة او اثنتين ، بل تعدت اكثر من خمس وستين حفرية في المدينة منذ سنة 1387هـ الموافق 1967م وحتى هذه الايام ، وقد عرض معظمها دان باهظ في اطلسه عن القدس مع تواريخها ، ولم تنجم عن ربط بالتاريخ اليهودي القديم والهيكل المزعوم .
سبب خامس ، ان داود وسليمان عليهما السلام عبدا الله تعالى في بيت المقدس ، في مكان غير مضبوط ، وان صح انهما عبدا الله تعالى في هذا المكان ، فلأنه مسجد لله تعالى ، ونحن احق باتباعهما من غيرنا .
2- واما الموضوع الثاني فهو الحفريات ذاتها ، وهي نوعان : ظاهر للناس عامة وخفي عنها ، اشدهما واشملهما ، واما الظاهر فهو النفق الذي افتتح قبل سنة ، وهو الواقع تحت سور المسجد الاقصى الغربي وعلى امتداده ، بدايته من ساحة البراق ، وهو ما يدعوه اليهود بالحائط الغربي لهيكل سليمان ، الذي لا دلالة ظاهرة عليه ، وينتهي شمالي مئذنة الغوانمة ، في طريق المجاهدين "التي تسمى اليوم بطريق الآلام".
واما الحفريات الخفية –على ما يبدو- فهي اوسع رقعة ولا تقل عن الاولى بل تزيدها ، وهي من دون ساحات المسجد الاقصى المبارك من الغرب الى الشرق ، واحدها تجاه مبنى المسجد الاقصى المبارك ، والاخر تجاه مسجد الصخرة المشرفة.
ولهذه الحفريات مخاطر عظيمة مادية ومعنوية اهمها انها تمس بشكل مباشر صلب الحياة الروحانية لدى المسلمين .
والحفريات تشكل خطرا بالغا على مباني المسجد الاقصى المبارك وعلى راسها المسجدين العظيمين ، مبنى المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ، وفيها اجزاء تعد من اقدم الاثار العمرانية العظيمة في العالم بل وقبة الصخرة التي هي اقدم الاثار الاسلامية الكاملة الباقية على الاطلاق .
ولقد قام الاخ الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية داخل الخط الاخضر ورئيس مؤسسةالاقصى لاعمار الاوقاف الاسلامية في ايامنا ، وابو مالك –ناجح بكيرات – عن لجنة التراث المقدسية بزيارة تفقدية لمواطن عديدة في سراديب وحفريات تحت ارضية المسجد الاقصى المبارك وخاصة في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد ، وانفردت صحيفة صوت الحق والحرية ، الناطقة بلسان حال المسلمين في البلاد بتقرير مفصل عما رأياه هناك من حفريات وسراديب ، كان قد دخلها الاسرائليون وجعلوا لاكثرها مغالق حجرية ، حتى لا يتسنى لغيرهم من دخولها . هذه الحفريات سببت انهيارات في داخل الانفاق وهي تشكل على المدى مستقبلي ضعفا لاساسات مباني المسجد الاقصى المبارك ، وبالتالي تشكل خطر انهيار لهذه لمباني ، لا قدر الله
فيما يلي اجمال ما نقله الدكتور احمد العلمي عن الاستاذ روحي الخطيب حول مراحل الحفريات الاسرائيلية ، وقد وضحتها بالتخطيط :
الجولة الأولى الأزرق.
نبدأ جولتنا الأولى من باب الأسباط متجهين غربا، معرفين على ما هو ملاصق لأسوار المسجد من مبان و هي الكائنة في جهاته الأربعة.
أنظر مخطط الجولة الأولى بالون
باب الأسباط
وهو الواقع في زاوية المسجد الأقصى المبارك الشمالية من الشرق .
نقل عارف العارف تاريخ بناء الباب ، من كتابة في داخله ، لم اعثر عليها ، انه عائد الى سنة 1538م ، كما ورمم هذا الباب في سنة 1232هـ الموافق 1817م. ودعي الباب ياسم اخر ، وهو "ستّي مريم" على اسم الكنيسة الكائنة في جهتها ، خارج الأسوار .
والأغلب انه تاريخ تجديد للباب لا تاريخ بناء .
مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية
غلب عليها هذا الاسم ، اذ ان اول إنشائها كان ثانوية محضة ، وذلك في مطلع الثمانينات من القرن الميلادي العشرين ، واليوم عبارة عن مدرسة اعدادية وثانوية ، تعلم فيها العلوم الشرعية .
مئذنة باب الأسباط
تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك ، غربي باب الأسباط المدعوة به .
أنشئت المئذنة سنة 769هـ 1367م ، ابان حكم السلطان الملك الاشرف شعبان بن حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، استدل على ذلك من خلال النقش على المئذنة . صدعها زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م مما اضطر المجلس الاسلامي الأعلى الى هدم القسم العلوي وبنائه من جديد . وعند احتلال إسرائيل للمكان في سنة 1967م ، تضررت المئذنة اثر إصابتها بالقذائف ، وقد جرى ترميمها كاملا .
والمئذنة هذه أجمل مآذن المسجد مظهرا ، أمتنها بناء وأفخمها عمارة ، ولها من الأسماء : مئذنة الصلاحية لكونها واقعة في جهة المدرسة الصلاحية .
المدرسة الغادرية
تقع داخل المسجد الأقصى المبارك ، بنتها مصر خاتون ، في عهد الملك الارف برسباي ، وذلك سنة 836هـ الموافق 1432م .
دعيت بهذا الاسم نسبة الى موقفها وهو زوج التي بنتها ، الأمير ناصر الدين بن دلغادر .
وقد قام قسم الآثار في دائرة الأوقاف الاسلامية مشكورا بتجديدها وقامت حكومة إسرائيل بمنع تتمة السقف ، ولا زالت سقف حتى يومنا هذا .
مطهرة باب حطة
والحقيقة إنها ليست بمطهرة في أصلها ، وقد سمح الإمام الشنتميطي باستعمال المكان مطهرة منذ أواخر العهد العثماني ، واستعملت كذلك ، وأضيف لساحتها الجنوبية محراب في الثلاثيات من القرن الميلادي الحالي ، وهو متهم الآن .
ثم جددت المطهرة في أواخر سنوات السبعينات من هذا القرن الميلادي ، وأضيف اليها مساحة أحرى كذلك ، وجددت بعد هدمها على يد أعضاء مؤسسة الأقصى لاعمار المقدسات الاسلامية في سنة 1416هـ الموافق 1996م ، وذلك برعاية ومباركة دائرة الأوقاف الاسلامية ، وجعل السفلي للإناث والعلوي للذكور .
سبيل باب حطة
يقوم هذا السبيل البسيط جنوبي باب حطة ، على يسار الداخل منه ، يعود انشاء السبيل الى العهد العثماني .
وهو سبيل تعطل عن العمل ، رممه اعضاء مؤسسة الاقصى لاعمار المقدسات الاسلامية ، اثناء بناءها لوحدة المراحيض ، ثم الغي نهائيا بعد ذلك .
باب حطة
يقع في الحائط الشمالي من سور المسجد ، وهو الواقع بين مئذنة باب الأسباط وباب فيصل .
يقول عنه عارف العارف انه من أقدم الأبواب ، وجدد في سنة 617هـ الموافق 1220م ، أي في العهد الأيوبي .
مدارس ورياض الأقصى الاسلامية
تقع هذه الدارس داخل أسوار المسجد الأقصى المبارك في الرواق الشمالي ، وهي التي كانت تدعى بالمدرسة الدوادارية التي بناها وأوقفها الأمير علم الدين سنجر الدوادار فدعيت باسمه ، وذلك سنة 695هـ الموافق 1295م.
وقد حولت إلى مدارس ورياض الأقصى الاسلامية في مطلع الثمانينات من القرن العشرين ، ومدارس الأقصى الاسلامية لها فروع عديدة .
المدرسة الباسطية
تقع هذه المدارس فوق الرواق الشمالي ، مقابل المدرسة الدوادرية ، أوقف المدرسة القاضي زيد الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ، سنة 835هـ الموافق 1431م. والمدرسة عبارة عن قسمين : واحد ماهول ، والاخر تستغله المدرسة البكرية للبنين الواقعة خارج المسجد الأقصى ، والذي جزء منها واقع فوق الرواق الشمالي للمدرسة .
تستعمل المدرسة اليوم مقرا للمدرسة البكرية الأنفة الذكر ، ولها طابق فوق الرواق الشمالي للمسجد الأقصى.
باب الملك فيصل
وهو الواقع غربي باب حطة ، في السور الشمالي للمسجد الاقصى المبارك .
يعود تاريخ تجديده إلى سنة 610هـ الموافق 1213م ، دعي بهذا نسبة إلى فيصل ملك العراق حيث زار المكان فدعاه المجلس الاسلامي الأعلى تخليدا لذكرى تبرعه لعمارة المسجد الأقصى المبارك .
وله من الأسماء : باب شرف الأنبياء ، باب العتم وباب الدوادرية .
المدرسة الأمينية
تقع هذه المدرسة بباب فيصل في الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك (انظر الصورة أعلاه) أوقفها أمين الدين عبد الله ، وهو منشئها سنة 730هـ الموافق 1329م فدعيت به ، إلا أنها مرت بمرحلة تعمير في العهد العثماني ، ولها باب وغرف فوق رواق المسجد الأقصى الشمالي .
وهي عبارة عن بناء ذي أربع طوابق ، وتقع شرقي المدرسة الفارسية ، وكانت تدعى بدار الإمام لسكنى الشيخ الإمام فيها .
المدرسة الفارسية
دعيت بهذا الاسم نسبة الى واقفها الامير فارسي البكي ابن امير قطلو ملك ابن عبد الله وكان وقفها سنة 755هـ الموافق 1353م .
والمدرستان الامينية والفارسية متداخلتان الغرف في الطابق العلوي .
المدرسة الملكية
تقع هذه المدرسة بين الفارسية والاسعردية ، مدخلها مشترك مع الاسعردية ، وهي عبارة عن طابقين ، أضافت عائلة آل الخطيب غرفا صغيرة في العلوي لتناسبها في السكن .
ومدرستنا هذه ، اشتملت على معظم العناصر المعمارية في العهد المملوكي ، وخاصة تبادل ألوان الحجارة التي بنيت بها ، الأحمر والأبيض .
أقيمت سنة 741هـ الموافق 1340م ، في عهد الملك الناصر محمد قلاوون ، أوقفها زوج بانيها ، وهو الحاج آل الملك الجوكندار ، وكان وقفها بعد ذلك بأربع سنوات ، ثم وقفية أخرى في سنة 1356م .
والمدرسة الآن مأهولة من قبل الدجاني ، إذ استأجروها من دائرة الأوقاف .
المدرسة الاسعردية
أوقفها الخواجا مجد الدين عبد الغني الاسعردي ، وبه سميت ، وكان وقفها سنة 770هـ الموافق 1368م . واليوم تستغل المدرسة كسكن لدار البيطار وهي واسعة ، يطل نتوء محراب مسجدها على ساحات المسجد الأقصى من الرواق الشمالي . ومسجدها هذا واسع وجميل المحراب ، وهي عبارة عن طابقين .
المدرسة البكرية
تقع على حد المسجد الاقصى المبارك من الخارج ، تستعمل الان كناد رياضي لبلدية القدس ، مبنى واسع ،ومبناهمن خلف المدرسة الاسعردية ويمتد الى غربها ، ويلاحظ من مبناه حداثته ، وهو ليس من المسجد الاقصى المبارك .
المدرسة الصبيبية
اوقفها علاء الدين علي بن ناصر الدين محمد نائب القلعة الصبيبية وكان ذلك سنة 809هـ الموافق 1406م ، واليوم تشكل جزءا من المدرسة الفخرية بالقدس .
وهي غير كائنة في المسجد الاقصى المبارك ، بل على حدوده .
المدرسة الجاولية
تقع خارج ساحات المسجد الاقصى المبارك ، بل على حدوده في الجهة الشمالية الغربية ، والمدرسة الجاولية هي وقف الامير علم الدين سنجر بن عبد الله الجاولي ، احد امراء الظاهر بيبرس ، رضي الله تعالى عنهما .
بنيت في الاعوام 715-720هـ الموافقة 1315-1320م ، وكانت قد ادت رسالتها نحو قرن واحد فقط .
وفي عهد مجير الدين استعملت سكنا لنواب القدس ، وفي القرن الماضي كانت دارا للحكم وقشلاقا يدعى بالسرايا القجديمة ، وفي عهد بريطانيا حولت الى مدرسة ابتدائية ، حولها المجلس الاسلامي الاعلى في سنة 1355هـ الموالفق 1936م الى مقر لكلية روضة المعارف الوطنية ، بعدها اتخذها الانجليز دارا للشرطة ، واليوم تعتبر جزءا من المدرسة العمرية .
الزاوية الرفاعية
تقع تحت مئذنة الغوانمة ، ويعود بناؤها الى العهد العثماني . وقد استخدم المكان حديثا كارشيف للمسجد الاقصى المبارك ، ومن قبل ذلك استخدمت كدار للحديث النبوي الشريف ، ومن قبل استخدمت كقاعة اجتماعات للائمة ، والان فتحت حديثا كمقر لمفتي الديار الفلسطينية .
مئذنة باب الغوانمة
تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الاقصى المبارك ، شمالي شرق باب الغوانمة المدعوة به ، اقيمت في عهد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين 697-699هـ الموافق 1297-1299م ، وكما وتدعى بمئذنة قلاوون لتجديده لها ، وكان ذلك في سنة 730هـ الموافق 1329م ، كما جاء في نقش على حائطها ودعيت كذلك مئذنة السرايا ، لكونها بقربه ، جددها المجلس الاسلامي الاعلى سنة 1346هـ 1927م .
باب الغوانمة
يقع في شمال السور الغربي دعي بهذا نسبة الى حارة الغوانمة الواصل اليها ، والغوانمة عائلة يعتقد انهم وصلوا البلاد مع صلاح الدين الايوبي رضي الله تعالى عنه ، رمم الباب عام 707هـ الموافق 1307م ، اما بناؤه فهو اقدم من هذا . ويعرف الباب بالاسماء الاتية :
باب الخليل ، باب الغوارمة ، وباب درج الغوانمة .
تعدى عليه يهودي بالبالحرق في سنة 1998م ، وقامت دائرة الاوقاف بترميمه .
وهناك مجموعة بيوت من باب الغوانمة الى نحو باب الناظر ، وكلها خارج المسجد الاقصى المبارك ، منها ما له ابواب من داخل المسجد وهي تظل على ساحة المسجد .
المدرسة المنجكية
تقع هذه المدرسة بباب الناظر ، فوق الرواق الغربي ، انشاها الامير سيف الدين منجك سنة 763هـ الموافق 1361م ، وتستغل اليوم كمقر لدائرة الاوقاف الاسلامية العامة بالقدس ، وهي عبارة عن طابقين ، يصعد اليهما بدرجات .
باب الناظر
يقع في الحائط الغربي من المسجد الاقصى المبارك باتجاه الشمال . اما الباب ، فيصفه مجير الدين بانه قديم العهد ، وكذلك عند صاحب (اتحاف الاخصا بفضائل المسجد الاقصى) . جدد هذا الباب في عهد (الملك عيسى) ، في سنة 600هـ الموافق 1203م ، وتاريخه يدل على قدمه .
للباب اسماء اخرى عرف بها : باب الحبس دعي بهذا ، نسبة الى الحبس الكائن في غربه ، خارج المسجد الاقصى المبارك ، وهذا الحبس تركي العهد ، باب المجلس ، باب ميكائيل، باب علاء الدين البصيري ، وباب الرباط المنصوري .
الزاوية الوفائية
تقع هذه الزاوية جنوبي باب الناظر ، اقل انخفاضا من المدرسة المنجكية (دائرة الأوقاف الاسلامية اليوم) ، وأكثر ارتفاعا من الرواق في جنوبها .
كانت تعرف قديما بدار معاوية، ثم بدار بني أبي الوفا لسكناهم فيها، واليوم معروفة بدار البديري ، الذين يسكنون فيها .
يذكر الدكتور (كامب العسلي) إن تاريخ إنشاء هذه الزاوية ووقفها مجهولان ، ويرجح الأمر انه عائد للقرن الرابع عشر الميلادي . (انظر الصورة أعلاه) .
باب الحديد
يقع في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك ، بين بابي القطانين والناظر .
ذكر عارف العارف انه بناء قديم ، وزاد مجير الدين بقوله باب لطيف محمك البناء).
عرف الباب باسم آخر هو : باب ارغون نسبة إلى مجدده ، وكان قد مات ارغون سنة 758هـ الموافق 1356م ، وارغون كلمة تركية تعني حديد .
باب القطانين
يقع في الجهة الغربية من المسجد الاقصى المبارك ، داخل سوره ، وهو بين بابي المطهرة والحديد .
دعي بهذا نسبة الى سوق القطانين المحاذي له من الجهة الغربية
لم يحصر صاحب كتاب (اتحاف الأخصا بفضائل المسجد الاقصى) سنة بناء الباب ، بل اكتفى بالاشارة الى قدمه ، اما كتاب :"الابنية الاثرية في القدس الاسلامية" ، فانه يذكر ان تاريخ تجديده من قبل محمد قلاوون وكان في سنة 737هـ الموافق 1336م ، مما يدل على قدم بنائه ، وباب القطانين من اجمل واشمخ ابواب المسجد الاقصى المبارك قاطبة ، وهو آية في الاتقان والجمال .
باب المطهرة
يقع في السور الغربي ، جنوبي باب القطانين ، قريبا منه ، وهو باب قديم ، جدد في العهد المملوكي ، على يد الأمير علاء الدين البصيري ، وذلك في سنة 666هـ الموافق 1267م . دعي بهذا الاسم نسبة الى مطهرة المسجد التي يفضي إليها هذا الباب .
المطهرة
تقع غربي باب المطهرة ، يتوصل إليها بطريق خاص ، وعلى بعد نحو خمسين مترا من الباب ، فهي خارج المسجد الأقصى المبارك .
وقد بنيت أول مطهرة في عهد الأيوبيين ، بناها السلطان العادل أبو بكر أيوب ، وأوقفها سنة 1193للميلاد ، ثم جددها علاء الدين البصيري في العهد المملوكي ، ثم عمدت إليها دائرة الأوقاف الاسلامية وأعادت بناءها من جديد في سنوات الثمانينات من هذا القرن الميلادي .
والمطهرة الآن خاصة بالرجال ، على أن تستخدم النساء مطهرة باب حطة .
المدرسة العثمانية
تقع هذه المدرسة فوق باب المطهرة وحتى المدرسة الاشرفية وهي طابقان ، جلهما خارج المسجد الاقصى المبارك ، وقفتها اصفهان شاه خاتون بنت محمود العثمانية في سنة 840هـ في عهد الاشرف بربساي ، والمدرسة طابقان ، ومسجد المدرسة على مستوى ساحات المسجد الاقصى المبارك وقد استولى عليه اليهود واغلقوا شباكه بالحجارة ، وهو مطل على ساحات المسجد الاقصى المبارك .
المدرسة الاشرفية
تقع هذه المدرسة بالقرب من الرواق الغربي للحرم الشريف ، قريبا من باب السلسلة ، في شماله .
بدئ العمل بإنشائها مكان الاشرفية التي هدمها الملك الاشرف قايتباي بسبب عدم إعجابه بها ، وذلك في سنة 885هـ الموافق 1480م ، واستمر العمل فيها ثلاث سنوات ، والمدرسة قسمان : قسم داخل المسجد الأقصى المبارك ، والآخر خارجه ، والذي داخله عبارة عن طابقين : يستخدم الطابق الأرضي –الأول- كمقر لمكتبة المسجد الأقصى ، والثاني متهم السقف ، وهو مسجد المدرسة ، وانهدامه كان اثر زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م ، وهو جميل البناء ، واشتملت عناصره على صفوف الحجارة المشهرة (الملونة باللونين الأحمر والأبيض المتتالية ، وامتازت بغناها بالعناصر المعمارية والزخرفية ووصفت المدرسة بالجوهرة الثالثة في الحرم الثالث) بعد
قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك .
وأما الأول (المكتبة اليوم) فهي مصلى الحنابلة في المسجد الأقصى المبارك في أصله ، ثم جعلت مخزنا حتى سنة 1397هـ الموافق 1967م إلى حين نقل المكتبة إليه ، وفي القسم الجنوبي منها قبر الشيخ الخليلي .
مئذنة باب السلسلة
تقوم المئذنة فوق باب السكينة الكائن بمحاذاة باب السلسلة عن شماله ، وتقع على الحائط الغربي لسور المسجد الأقصى المبارك .
بناها الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الناصري ، في سنة 730 هـ الموافق 1329م ، يقول كتاب "الأبنية الأثرية في القدس الاسلامية" :
"ان بناءها هذا بعد هدم للقديم" . رممت المئذنة في عهد المجلس الاسلامي الأعلى ، فهو سنة 1341هـ الموافق 1922م ، والى عهد قريب تميزت هذه المئذنة عن سائر مآذن المسجد برفع الأذان منها .
باب السكينة
وهوالواق7ع بين بابي المطهرة والسلسلة ، وهو بمحاذاة باب السلسلة في شماله .
والباب مغلق منذ اجل طويل ، ويذكر عارف ان له من الأسماء : الباب المغلق ، وباب والأخير تسمية مملوكية .
يعود تاريخ بناء الباب الى سنة 597هـ الموافق 1200م ، والحقيقة ان هذا التاريخ تاريخ تجديد لا بناء ، اذ ذكره ابن الفقيه وابن عبد ربه في سنوات 291هـ و300هـ الموافقة 903م و 912م على التوالي .
باب السلسلة
وهو الكائن ، للمسجد الأقصى المبارك ، بمحاذاة باب السكينة في الجهة الجنوبي (انظر الصورة أعلاه) ، قديم عهد البناء ، اما كتاب :"الأبنية الأثرية في القدس الاسلامية" فانه يعيده الى سنة 600هـ الموافق 1200م ، والحقيقة انه اقدم من هذا ، فقد ذكر ابن الفقيه وابن عبد ربه في سنوات 291هـ و 300هـ الموافقة 903م و 912م ، على التوالي .
عرف الباب بالأسماء الآتية كذلك :
باب داوود وباب الملك داوود ، وداوود هنا في الحالتين واحد ، وهو نبي الله تعالى ، لم يعترف اليهود بذلك ، فأطلقوا عليه الملك .
المدرسة التنكزية
تقع خارج سور المسجد الأقصى المبارك الغربي ، عدا قسم من أروقتها الراكب لأروقته الغربية ، بوشر العمل بها في سنة 729هـ الموافق 1328م ، دعيت باسم واقفها وهو تنكز الناصريّ .
وهي من المدارس الجميلة ، الواقعة في داخل المسجد الأقصى –قسم منها- ، ولا تزال تتحلى برعة بنائها .
استعملت المدرسة سابقا كمحكمة ثم مقرا للمؤتمر الاسلامي ، ثم مقرا للمعهد الأقصى العلميّ .
قامت قوات الجيش الإسرائيلي بمصادرتها والمرابطة فيها منذ سنة 1969 للميلاد.
حائط البراق
وهو قسم من السور الغربي للمسجد ، الواقع بين باب المغاربة جنوبا ومئذنة باب السلسلة شمالا ، ويبلغ طوله نحو مائة متر وارتفاعه عشرين مترا . دعي بهذا نسبة الى البراق الذي ربطه به محمد صلى الله عليه وسلم ، يوم اسرائه الى المسجد الاقصى المبارك ، فهو من اجزاء المسجد الاقصى المبارك . والحائط من املاك وقف الملك وقف الملك الافضل ابن اخي صلاح الدين الايوبي ، رضي الله تعالى عنهما .
يدعي اليهود انه لهم ، وانه عبارة عن الحائط الغربي لهيكل سليمان الا انها لم تثبت ، بل زاد الشك في كون الهيكل بالمكان ، لان القواطع من الادلة ، وزيارة بعثات الاقار للمكان ، اسرائيلية كانت ام اجنبية ، حالية ام قديمة ، تشير الى نتيجة واحدة : ان لا آثار للهيكل هنا ، اما قول جل الاسرائليين ان مكان الهيكل هنا ، فما هو الا ظن باطل ، ولا يغني الظن من الحق شيئا .
ولا زال اليهود يصلون عنده ، ويبكون بمقربته من الناحية الغربية ، وذلك بعد ان دمروا كل اثر اسلامي في هذه الحارة التي عرفها التاريخ باسم حارة المغاربة ، لسكناهم اياها ، هدم اليهود بيوتها ، وهجروا اهلها ، وهدموا مساجدها ، وذلك بعد الاحتلال للمكان في سنة 1967م .