نحو تفسير أسهل
الدكتور عائض القرني
سورة التكوير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
إذا الشمس دورت ولفت وذهب ضوؤها وطمس نورها، فصارت مكورة سوداء لهول ما حل بها، وفظاعة ما وقع.
وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)
وإذا النجوم تساقطت بعدما ذهب ضوؤها وتهاوت سوداء على الأرض، ووقعت من أماكنها.
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
وإذا الجبال نسفت من أماكنها، ودكت من مراسيها، فتفتتت وذهبت في الهواء هباءً لما تزلزلت الأرض.
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
وإذا النوق الثمينة النفيسة الحوامل أهملت وسيبت؛ لهول المشهد وخطورة الحدث، وضخامة الواقعة.
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
وإذا الوحوش جمعها الله ليوم العرض ليقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها: كوني ترابا؛ فانظر إلى العدل حتى بين الوحوش.
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
وإذا البحار أشعلت فصارت نارا تتلهب، وتتفجر بالبراكين المتقدة التي تتطاير حمما في الجو، فتحول الماء إلى نار بقدرة الجبار.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
وإذا النفوس قرنت أرواحها بالأجساد؛ ليبعث الإنسان بروحه وجسده ليوم الحشر والحساب.
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
وإذا البنت التي دفنت حية سئلت لماذا قتلت؟ وهذا السؤال توبيخ لمن قتلها وتقرير له بظلمه.
بِأَي ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
ما سبب قتلها؟ ما الجرم الذي فعلته؟ وما الظلم الذي ارتكبته وهي البريئة من كل إثم لطفولتها؟
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
وإذا صحف الحسنات والسيئات عرضت للنظر، وفتحت للحساب؛ ليجد كل إنسان عمله مكتوبا أمامه.
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
وإذا السماء خلعت من مكانها، وقلعت كما يقلع السقف، وتشققت فصارت أبوابا، وانتهى بناؤها المحكم.
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
وإذا النار أوقدت وتأججت سعيرا، وأوقدت إيقادا شديدا واضطرمت حتى أكل بعضها بعضا؛ استعدادا للكفار.
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
وإذا الجنة قربت للسعداء، وزينت للأولياء، وأدنيت للمتقين، فصارت منهم قريبة ؛ استعدادا لاستقبالهم.
عَلِمَتْ نفس مَا أَحْضَرَتْ (14)
حينها تعلم كل نفس ما أتت به من خير أو شر، يوم تشاهد عملها، وترى سعيها، وتطالع كتابها، فمن مسرور أو مدحور.
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
فأقسم قسما بالكواكب التي تبدو ليلا وتختفي نهارا إذا طلعت الشمس كأنها ظباء تأوي إلى بيوتها.
الْجَوَارِ الْكُنَّس (16)
التي تسعى في أبراجها، وتدور في أفلاكها، وتستتر في النهار في ضوء الشمس، فهي ذاهبة آيبة، فخنوسها رجوعها، وكنوسها اختفاؤها.
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
وأقسم قسما بالليل إذا أقبل متدرجا في ظلامه، وأدبر متجليا عن سواده فهو في إقبال وإدبار.
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنفس (18)
وأقسم قسما بالصبح إذا أقبل بنوره، وأطل بضيائه، وفاجأ العالم بإشراقه في بهاء وجلال، وسناء وجمال.
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
وجواب القسم أن هذا القرآن أجراه الله على لسان جبريل، وهو رسول من الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم كريم على الله مكرم في منزلته الرفيعة.
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
صاحب قدرة هائلة وطاقة كبيرة، ومنزلة عظيمة، ورتبة عالية، عند الله ذي العرش، وهو كريم على الله عز وجل.
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
وجبريل تطيعه الملائكة في الملأ الأعلى لارتفاع محله وجلالة منزله، وهو أمير على الوحي، حافظ لما يؤدي، صادق فيما يبلغ.
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
وما صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم بمجنون ذاهب العقل كما قلتم، بل هو أعقل العقلاء، وأنتم سميتموه الصادق الأمين، وهو النهاية في الرشد والسداد.
وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِين (23)
ولقد رأى الرسول جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح سد بها الأفق الأعلى جهة السماء.
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
وليس محمد صلى الله عليه وسلم على الوحي المنزل من الله بمقصر بخيل بالتعليم والبلاغ، بل هو الصادق الأمين بلغ الرسالة، وأدى الأمانة على أكمل وجه وما كتم شيئا.
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
وهذا القرآن الحكيم ليس بقول شيطان رجيم، بل هو كلام الرحمن الرحيم، معصوم من الزيادة والنقصان، منزه عن الخطأ، محفوظ من الخلل والزلل.
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
فإلى أي سبيل تذهب بكم عقولكم في التكذيب والغواية، وأي طريق تسلكونها في الشرك والشك، لقد تهتم وضللتم.
إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)
ما هذا القرآن إلا تذكير لكل الناس وعظة لجميع العالم، فهو رسالة ربانية للإنسانية، ووثيقة إلهية للبشرية، فيها الهداية والرشد والفلاح.
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
لمن أراد منكم أن يستقيم على منهج الله، بتحكيم شرع الله في حياته، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ استقامة لا عوج فيها ولا انحراف.
وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
وما تشاءون الاستقامة إلا بعد مشيئة الله، فمشيئتكم تحت مشيئة الله سبحانه؛ لأنه مالك أمركم ومصرف أحوالكم، نواصيكم بيده، لا حول ولا طول لكم إلا بإذنه جل في علاه.
عن الشرق الأوسط
التعديل الأخير: