نحو تفسير أسهل/سورة عبس/د.عائض القرني

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
نحو تفسير أسهل

الدكتور عائض القرني

سورة عبس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



عَبَسَ وَتَوَلَّى​
(1)
قطب الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه لانشغاله بدعوة كبار الكفار، فأعرض ولم يصغِ لسؤال الأعمى، وخاطبه بالغيبة تلطفا.

أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2)
جاءه الأعمى (ابن أم مكتوم)، فكأن المعنى: هذا مسكين وأعمى وسائل عن العلم وتعرض عنه؛ لإثارة العطف والرحمة.

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
وما ينبئك -أيها النبي- أن هذا الأعمى جاء ليتطهر بهداك من ذنوبه، وبعلمك من آثار جهله.

أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
أو لعله يتعظ بقولك فينتفع ويعمل بما سمع، فالتزكية عمل الطاعات، والتذكر ترك المحرمات، وهما التقوى.

أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
أما من استغنى بماله وجاهه ودنياه عن رسالتك، فهو منغمس في شهواته، منتكس في مخالفاته، لم يعتن برسالتك.

فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
فأنت تقبل عليه وتعتني به وتحييه طمعا في هدايته، هو معرض وأنت مقبل، وهو موغل في ضلالته، وأنت حريص على هدايته.

وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
وليس عليك حرج ألا يتطهر من معصيته، حتى تحرص على هدايته، فدعه ما دام اختار الغواية وترك الهداية، واتركه في رجسه.

وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)
وأما من أتاك ساعيا لطلب الهداية، باحثا عن العلم، سائلا عن الحكمة، حريصا على الفقه في الدين، وأتاك محبّا لك ولدينك.

وَهُوَ يَخْشَى (9)
وهو يخاف عذاب الله ويخشى عقابه، حمله الخوف على السؤال؛ ليعلم الحلال فيعمل به، ويعلم الحرام فيجتنبه، فبالخوف تنال النجاة.

فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
فأنت تتشاغل عنه بغيره، فلا تجيب سؤاله، ولا تسمع كلامه، مع أنه أتى راغبا وأنت تلاحق من ولى هاربا.

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
كلا لا تعُد لمثل هذا العمل -أيها الرسول- فإن هذه موعظة ونصيحة، فعليك أن تعظ من ينتفع بموعظتك.

فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
فمن أحب أن ينتفع بموعظة القرآن فعل، فهذب نفسه بالوحي، وقوَّم سلوكه بالدين، فانتفع من العلم النافع بعمله الصالح.

فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
هذه النصائح من القرآن مسطرة في صحف شريفة، عزيزة المكان، مقدسة الجناب، محترمة المحل لأنها كلام الله عز وجل.

مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
وهي رفيعة الذات والقدر، منزهة عن الدنس، لا يمسها إلا المطهرون، عصم معناها من الزيغ، ونزه فحواها عن الرجس.

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
كتبت بأيدي ملائكة سفراء بالوحي بين الله ورسوله، يبلغون النبي القرآن بأمانة، قد حفظوا ما حملوا، وأدوا ما سمعوا.

كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
ملائكة كرام على ربهم، أعزاء على الله، أطاعوا أمره واجتنبوا نهيه، سلموا من أدران الذنوب، وخلصوا من آثار العيوب.

قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
لعن الله الكافر ما أشد كفره، وأكثر بغيه، وأعظم جحوده، نسي الإحسان، وعصى الرحمن، وأطاع الشيطان، وكذب بالقرآن.

مِنْ أَي شَيْءٍ خَلَقَهُ (18)
لماذا لا يتفكر الكافر في أصل خلقته؟ ومن أي مادة خلقه الله منها، إنها ماء مهين، وأصل حقير، فلو تذكر ما تكبر.

مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
خلقه من ماء ضئيل مهين، فقدر له أوقاتا وأطوارا، طفولة، ثم صبا، ثم كهولة، ثم شيخوخة، وقدر خلقه ورزقه وعمله.

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
ثم سهل ولادته، ويسر له طريق الهداية والضلالة؛ ليختار أحدهما، وأوضح له المحجة، وأقام عليه الحجة، لينقطع عنه العذر.

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
ثم توفاه وأمر بدفنه في القبر، لتمام الستر، وما يدفن إلا الإنسان تكريما له وتمييزا عن الحيوان.

ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
ثم إذا أراد الله أحياه بعد موته ليوم القيامة؛ ليلقى جزاءه ويواجه مصيره، من خير أو شر.

كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
كلا ردعا للإنسان عن الكفر والتكذيب، فالإنسان لم يفعل ما أمره الله على الوجه اللائق إلا القليل، والكثير معرض مكذب.

فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
فليفكر الإنسان كيف خلق الله له طعاما من أنواع مختلفة، ومذاقات متعددة، وأصناف كثيرة؛ لتقوم حياته بها.

أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)
أنا أنزلنا الغيث بغزارة فسكبناه من الغمام، فجاء بماء منهمر فيه البركة والنماء والحياة للإنسان والحيوان والنبات.

ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26)
ثم شققنا تربة الأرض بالنبات؛ ليخرج ساق النبت وفق حجمه، بلا زيادة ولا نقصان، بل بحكمة وإتقان.

فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)
فأخرجنا من الأرض حبا من الحنطة والشعير والذرة؛ غذاء للإنسان والحيوان، بطعوم مختلفة، وأصناف متعددة.

وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
وأخرجنا به شجر العنب الذي هو من أعظم الأشجار نفعا، وله فوائد كثيرة، وكذلك أنبتنا البرسيم للبهائم غذاء لها وقوتا.

وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (29)
وأخرجنا شجر الزيتون صاحب الزيت والثمر؛ زينة وأكلا ودواءً، وكذلك النخل الباسق، أجل الشجر وأعظمها نفعا.

وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
وأنبتنا بساتين كثيرة الأشجار، لذيذة الثمار، ملتفة الأغصان، كثيفة الأفنان في جمال وبهاء، رياض خضر، وخمائل غناء، وبساتين فيحاء.

وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
وخلقنا فاكهة لذيذة الطعم، مختلفة الحجم، بمذاقات شتى وطعوم مختلفة، وألوان بهية تبهج الناظر، وتسر الخاطر، وأوجدنا عشبا للبهائم ومرعى للدواب.

مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
متعناكم بذلك منفعةً لكم وغذاءً ومرعى للحيوان، ومصلحة ذلك لكم حتى متاع الدواب؛ لأن فائدتها عائدة إلى الإنسان.

فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
فإذا قامت القيامة بصيحتها المفزعة المذهلة التي تصخ الآذان، ويرجف لها الجنان، وينخلع من هولها قلب الإنسان.

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
يوم يهرب الإنسان من أخيه على رغم القربى وصلة الرحم والنسب، فلا إخاء ولا معرفة ولا منفعة؛ لأن الأمر أعظم من كل شيء.

وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
ويهرب من أمه وأبيه؛ لهول الموقف، فلا يعطيهم حسنة من حسناته، قد شغل عنهم بما أذهل العقول، وأدهش الأفكار، وغشي الأبصار.

وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
وهرب من زوجته بعد المودة والرحمة وطول العشرة؛ لما اعتراه من خوف مفرط، وفزع هائل، وكذلك هرب من أولاده بعد اللطف والرحمة والحنان، انتهت العلاقة، وتفصمت العرى، وتقطعت الأنساب.

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
لكل إنسان موقف صعب شغل قلبه، وأذهب لبه، فنسي الأحباب وغفل عن الأصحاب، وتشاغل بنفسه عن الأنساب والأحساب.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
وجوه المؤمنين مشرقة متلألئة زاهية بالبشرى، مضيئة بالسرور، باهية بالفرحة، غمرها الإشراق والنور.

ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
ضاحكة لحسن المصير، وطيب المنقلب، ولذة الفوز، مستبشرة بالنجاة وحصول الفلاح، ووقوع الظفر، واكتمال السرور، وتمام الحبور.

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)
ووجوه الكفار عليها غبار، وذلة وصغار، قبح منهم المنظر، وشاهت الوجوه، وساء الحال، وخاب المآل.

تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
تغشاها ظلمة الذنوب، وسواد الخطايا، وكدرة المعاصي؛ لأنهم لما عاينوا العذاب، وشاهدوا العقاب، أصابهم الكدر في المخبر والمظهر.

أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
أصحاب هذه الوجوه المظلمة هم الكفار المكذبون بالكتاب والرسول، الفجار بارتكاب المعاصي والذنوب، فهم جحدوا الرسالة، وسلكوا سبل الضلالة.

عن الشرق الأوسط​

 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى