قبرص: هل أصبح تحقيق المصالحة وشيكاً؟

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0
قبرص: هل أصبح تحقيق المصالحة وشيكاً؟
4382_cypurs-final.jpg
تقف قبرص على مفترق طريق هام حيث يمثل 28 شباط/فبراير 2003 تاريخاً هاماً بالنسبة للجزيرة التي طال انقسامها. ويوافق ذلك التاريخ الموعد النهائي لقبول الخطة التي اقترحتها الأمم المتحدة من أجل تحقيق إعادة التوحيد واحتمال انضمام مجتمعي الجزيرة إلى الاتحاد الأوربي في المستقبل. وتفرض الضغوط الخارجية على الجزيرة بكيانيها التركي واليوناني حل خلافاتها والدخول في مرحلة جديدة في تاريخها القومي. ولكي يستطيع المرء فهم الموقف الحالي على نحو أفضل، ينبغي عليه أولاً النظر في فترة الانقسام التي استمرت في الجزيرة لما يقرب من ثلاثة عقود بالإضافة إلى التيارات الحديثة التي قد تؤدي إلى وقوع تغير واسع النطاق. كانت جزيرة قبرص مقسمة بين المجتمعين التركي واليوناني حيث ظلت مستعمرة بريطانية منذ 1914. وعقب الاستقلال الذي تم نيله في عام 1960، تقاسم الجانبان دستوراً واحداً على الرغم من استمرار التوتر بينهما. وفي عام 1974 بعد فشل انقلاب قاده اليونانيون بهدف توحيد جزيرتهم مع اليونان، اجتاح الجنود الأتراك الشطر الشمالي من البلاد لحماية المجتمع التركي هناك.
وفي أعقاب ذلك، لاذ 160000 من القبارصة اليونانيين بالفرار إلى جنوب الجزيرة، بينما اتخذ 50000 من القبارصة الأتراك من الشمال ملجأً لهم. وعلاوة على ذلك، تم تقسيم الجزيرة وفقاً لأسس عرقية مع قيام تركيا بالسيطرة على الثلث الشمالي. ومنذ ذلك الحين، ترابض مجموعة من "أصحاب القبعات الزرقاء" التابعيين للأمم المتحدة على "الخط الأخضر" بين الكيانين السياسيين. وحتى وقت قريب، ظلت الجهود التي تسعى إلى تحقيق المصالحة في قبرص تبوء بالفشل بدرجة كبيرة. فبدءاً من عام 1980، قامت الأمم المتحدة بإجراء محادثات بين المجتمعين. ومما زاد من حدة الانقسام على الجزيرة أنه في عام 1983 قام الشطر الواقع تحت الحكم التركي، حيث يرابض حالياً 35000 جندي تركي، بإعلان جمهورية شمال قبرص التركية التي لم يعترف بها سوى تركيا فقط (يعرف القسم اليوناني رسمياً بجمهورية قبرص). وظل التوتر مخيماً على الأجواء طوال فترة التسعينات من القرن الماضي. وعلى الرغم من ذلك، وقع حدث جلل في عام 1998 عندما وضع الاتحاد الأوربي قبرص على قائمة الأعضاء المحتمل انضمامهم إلى الاتحاد في المستقبل. إلا أنه في عام 2000، انسحب رؤوف دنكتاش رئيس جمهورية شمال قبرص التركية من محادثات السلام.
وفي حزيران/يونيو 2001، قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتجديد بعثة حفظ السلام التي ظلت في قبرص لمدة 36 عاماً. ولقد ساءت الأمور في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2001 عندما هددت تركيا بضم الجزء الشمالي من قبرص إذا ما انضمت جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوربي قبل التوصل إلى تسوية. ويبدو في الوقت الحالي أنه يمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وذلك بالرغم من كافة العوائق التي لا تزال قائمة. ففي تشرين ثانٍ/نوفمبر 2002، قدم السيد كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة خطة سلام شاملة تتضمن إنشاء اتحاد فيدرالي مكون من جزأين برئاسة مشتركة. وبموجب هذه المبادرة، سيتم رسمياً إعادة توحيد الجزيرة وستكون الإدارة بين إقليمين على غرار الاتحاد السويسري كما سيصبح جزء كبير من الجزيرة منطقة منزوعة السلاح. ولسوف يتخلى مجتمع الأتراك عن بعض أراضيه ولكن لن يستعيد سوى بعض القبارصة اليونانيين، الذين تعرضوا للتشريد في عام 1974، منازلهم في الشمال. ومع اقتراب هذه الخطة وبدعم من علاقة الصداقة الشخصية والروابط التي تمتد إلى فترة الخمسينات من القرن الماضي، تناول جلافكوس كليريديس رئيس جمهورية قبرص العشاء مع دنكتاش في كانون أول/ديسمبر 2001 بمنزل كليريديس وذلك في اجتماع غير مسبوق حيث وافق الزعيمان على استئناف المفاوضات في كانون ثانٍ/يناير 2002.
وفي كانون ثانٍ/يناير 2003، بدأ دنكتاش وكليريديس عقد ثلاثة اجتماعات أسبوعياً سعياً وراء التوصل إلى اتفاق. ما هي الأسباب التي أدت إلى اتخاذ تلك الخطوات التي تهدف إلى تحقيق التقارب؟ وما هي الأطراف التي تدعهما؟ لقد ظل كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي حريصين على الوصول إلى حل للإخفاق التام في الوصول إلى تسوية ما للنزاع القائم على الجزيرة. وفي كانون أول/ديسمبر 2002، دعا أعضاء الاتحاد الأوربي في قمة كوبنهاجن قبرص للانضمام إلى الاتحاد بحلول آيار/مايو 2004 شريطة موافقة الطرفين على برنامج الأمم المتحدة لإعادة التوحيد والذي من المقرر أن يكون 28 شباط/فبراير 2003 الموعد النهائي له. وفي حالة الإخفاق في التوصل إلى اتفاق كهذا، يسمح بانضمام الجزء الجنوبي من الجزيرة فقط إلى الاتحاد الأوربي. ومن جانبها، فإن تركيا التي ظلت تؤيد جمهورية شمال قبرص التركية لفترة طويلة بدأت الآن في تغيير موقفها حيث تسعى جاهدةً إلى الحصول على موافقة بانضمامها إلى الاتحاد الأوربي وكذا تسعى إلى التودد إلى الدول الأعضاء بالاتحاد. ويبدو أن تركيا تعتبر الفوائد التي ستعود عليها من الانضمام إلى الاتحاد الأوربي تتعدى بكثير تلك التي ستعود عليها حال تخليها عن السيطرة على جمهورية شمال قبرص التركية. وعلاوة على ذلك، فإنه في حالة انضمام جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوربي اعتماداً على نفسها، ستعتبر تركيا "قوة محتلة" وهو لقب ترغب تركيا في اجتنابه.
وفي ظل هذا الموقف، قام رجب طيب إردوجان وهو زعيم الحزب التركي الحاكم بحث دنكتاش على إبداء مزيد من المرونة في المفاوضات. وبالإضافة إلى تلك الضغوط الخارجية، فإن المجتمعات القبرصية نفسها يمكنها السيطرة على سير الأحداث. وبالنسبة للقبارصة الأتراك، فإن التطلع إلى الفوز بعضوية الاتحاد الأوربي يعد أمراً مغرياً لمجتمع عانى من الفقر والعزلة السياسية وعقوبات الأمم المتحدة والاضطراب الاقتصادي والسياسي في تركيا. ومن ثم، فالأمل السائد هناك يتمثل في ارتفاع مستوى المعيشة وتوقف تدفق الشباب إلى خارج جمهورية شمال قبرص التركية وذلك في ظل قبرص أعيد تشكيلها من جديد مع انضمامها للاتحاد الأوربي. ويرى البعض أن دنكتاش لا يتفق شعوره وشعور العامة حيال هذا الأمر حيث نُعِت بلقب "ديناصو"، ويذكر أن دنكتاش نفسه كان قد هدد سابقاً بتقديم استقالته مفضلاً ذلك على قبول الخطة بشكلها الحالي. وهناك دلائل واضحة على الشعور بالاستياء إزاء حكمه، ولقد تجلى ذلك في المظاهرة التي جرت في 14 كانون ثان/يناير 2003 عندما قام 50000 من القبارصة الأتراك (ما يقرب من ثلث سكان جمهورية شمال قبرص التركية) بتنظيم مسيرة دعماً لخطة الأمم المتحدة ومعارضةً لدنكتاش. وفي الوقت نفسه، يستعد كليريديس في جمهورية قبرص لخوض الانتخابات لفترة رئاسية أخرى في 16 شباط/فبراير 2003 بينما يتمتع أقوى منافسيه بتأييد هؤلاء الذين يشعرون أن كليريديس قد قدم بالفعل العديد من التنازلات أثناء إجراء المحادثات. ولسوف تؤثر نتيجة هذه الانتخابات إلى حد كبير على سير المفاوضات حيث يسعى الطرفان لإحراز تقدم قبل حلول الموعد النهائي الموافق 28 شباط/فبراير.
ويبدو أن الرأي العام في جمهورية قبرص متفاوت، فلقد كشف استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن 64% من القبارصة الأتراك لديهم شك في قدرة القادة الحاليين على إيجاد حل للأزمة. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم بشكل عام يؤيدون خطة الأمم المتحدة، إلا أن البعض تراوده الشكوك حيث لن يتمكن كل القبارصة اليونانيين من استعادة منازلهم التي كانوا يمتلكونها قبل عام 1974. وفي حالة توصل القادة إلى اتفاق في إطار خطة الأمم المتحدة، سوف يؤيد القبارصة مثل هذا الاتفاق من خلال استفتاء شعبي يجرى في 30 آذار/مارس 2003. ولكن الأحداث الأخيرة تلقي بظلالها على فرص قبرص في الوصول إلى صلح. ففي الانتخابات القبرصية التي تمت في 17 كانون ثانٍ/يناير 2003، تمكن تاسوس بابادوبلوس من إلحاق الهزيمة بمنافسه المحنك كليريديس. ويوافق بابادوبلوس بشكل مبدئي على خطة الأمم المتحدة وإن كان يهدف إلى التفاوض بشأن أجزاء معينة بها، كما يسعى إلى السماح للقبارصة اليونانيين ممن تعرضوا للتشريد بالعودة إلى ديارهم في الشمال.
 
عودة
أعلى