حماية أميركية لجبهة إسرائيل الداخلية في مواجهة «مائدة الصواريخ
ظلت التقارير عن مشاركة طائرات أميركية في قصف أهداف في لبنان ابّان عدوان تموز في العام 2006، من ارتفاعات شاهقة، محلّ تشكيك لعدم ظهور أدلة حاسمة. وحتى «نقطة تحول 4» (مناورة الجبهة الداخلية ما قبل الأخيرة)، بقي التعاون العسكري الأميركي المعلن مع إسرائيل في حدود التنسيق والإشراف على إجراءات الجبهة الداخلية من قبل ضباط أميركيين. غير أنّ هذا المستوى من العلاقة بين الطرفين لم يستطع تلبية الحاجات العملانية الإسرائيلية، نظراً لتعاظم التهديدات المحيطة، وبالتالي انتقل من الإشراف إلى التورط الكامل بفعل عاملين رئيسيين: التهديد الإيراني و«حزب الله».
في ما يخصّ الجبهة مع لبنان، تسعى تل أبيب لضمان هدف رئيسي: «استكمال الدفاع الجوي ضد الصواريخ للحؤول دون اضطرار الجيش إلى القيام بعملية اشتباك برية مكلفة»، بحسب تعبير قائد منظومة الحماية الجوية في سلاح الجو الإسرائيلي العقيد شاحر شوخط.
هذا الهدف أفضى إلى إدخال تغييرات في منظومة الدفاع الجوي واستوجب تعزيز التنسيق مع الجيش الأميركي. والمستجدّ في هذا المجال حجم الدور الذي سيؤديه الجيش الأميركي في أي مواجهة إقليمية مقبلة تخوضها تل أبيب، بما يتخطى التنسيق في الكواليس بدرجات، ويلامس حدود العدوان الحقيقي.
اختبارات أميركية في المتوسط
تشير التقارير المواكبة إلى أن سلاح البحرية الأميركي أجرى اختبارات في البحر المتوسط تحت اسم «نداء المحيط» بهدف تحسين قدرة السفن الحربية على رصد التهديدات، وفي مقدمها الطوربيد.
أحد الأمثلة على هذه الاختبارات، حين دخل الطرّاد «يو اس اس لييتي» البحر المتوسط أواخر شباط الماضي عبر مضيق جبل طارق آتياً من المحيط الأطلسي.
تستخدم البحرية الأميركية هذا الطرّاد (الصغير الحجم والوزن نسبياً) تحديداً في المتوسط، لكونه من الصعب على القطع الكبيرة (بوزن يصل إلى 90 ألف طن) الآتية من الأطلسي عبور المضيق الذي يتراوح عمق مياهه ما بين ألف وثلاثة آلاف قدم، فضلاً عن «الاكتظاظ» الناجم عن تواجد سفن أخرى في هذه النقطة من العالم.
عمل طاقم الطرّاد «يو اس اس لييتي»، من خبراء في تقنيات «السونار» (الرادار البحري)، على تجربة تقنية «القتل الناعم» المعروفة باسم «نيكسي» AN|SLQ-25A المخصصة لاعتراض صواريخ طوربيد.
وتعمل هذه التقنية على التأثير على مسار الطوربيد الذي قد يُطلق على أي سفينة من خلال جهاز يُرسل إشارات الكترونية مشابهة لتلك الصادرة عن السفينة، ولكن بقوة أكبر ما يؤدي إلى تعديل الهدف في مجسّات جهاز الإحساس (Sensors ) لدى الطوربيد، علماً أن الجهاز محل الاختبار يعمل تحت عمق معين في الماء، عند الحاجة، بعد إنزاله عبر فتحة خاصة في قعر السفينة.
خلال فترة الاختبارات، واجهت خدمة الانترنت في لبنان عملية تشويش تبيّن أن مصدرها سفينة حربية أميركية ترابط قبالة الساحل شرقي المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن الخبراء في وزارة الاتصالات اللبنانية شهدوا أمراً مماثلاً خلال حرب تموز 2006، حين لاحظوا تشويشاً قوياً على موجات البث المحلية، علماً أن قطعاً من المجموعة الهجومية «انتربرايز» كانت ترابط آنذاك قبالة السواحل اللبنانية، وهي نفسها تنتشر بشكل دوري في البحر المتوسط. ولئن كان سبب التشويش إبّان حرب تموز واضحاً و«منطقياً»، فما الذي يفسّر «التداخل» في الموجات الناجم عن قطع حربية أميركية تتواجد مرة على الأقل كل سنة قبالة الساحل اللبناني؟ (تجري عملية مداورة كل ستة أشهر يتم فيها تبديل القطع البحرية في المتوسط ومياه الخليج). لا يمكن الجزم حول سبب التشويش، ذلك أن التقارير العلنية الصادرة عن البحرية لا تحدد بطبيعة الحال إحداثيات السفن الحربية، بل تنحو إلى الحديث عن مهامها.
ولمزيد من الإضاءة على الموضوع، يجب تقديم شرح تقني مبسّط لعملية التشويش (Jamming ) التي تصيب الموجات اللاسلكية.
تُعرّف عملية التشويش على أنها موجات لاسلكية تنشأ من خارج النظام وتستهدف موجة جهاز إرسال (مثال رادار أو محطة بث) بهدف إبطال عمله. قد يكون التشويش متعمّداً، كما هو الحال في الاستخدامات العسكرية في إطار ما يُعرف بالحرب الالكترونية، وقد يكون غير متعمّد كما في حال التداخل في الموجات أي أن جهازين مختلفين يستخدمان الموجة نفسها للبث.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر الأجهزة تعرضاً للتشويش ضمن اختبار البحرية الأميركية هي تلك العاملة ضمن نطاق C- Band، أي تلك الخاصة بشبكة الانترنت اللاسلكي في لبنان، كذلك هو حال موجات الأرصاد الجوية التي تستخدم عادة تقنية «واي فاي» على موجة 5،4 جيغا هرتز.
بغضّ النظر عن سبب التشويش الذي شهده لبنان، فمن المؤكد أن البحرية الأميركية على علم مسبق بالموجات التي تستخدمها الدولة اللبنانية في تشغيل الشبكات المحلية على اختلاف مجالاتها. عملية التشويش، مهما كان دافعها أو سببها، تطرح علامة استفهام كبيرة حول مدى احترام سفن واشنطن للسيادة اللبنانية.
دمج منظومتي الدفاع الجوي
في كانون الثاني المقبل، سيقوم الجيش الأميركي بمناورات سنوية مشتركة مع نظيره الإسرائيلي تُعرف باسم «جونيبر كوبرا»، أو «كوبرا العرعر»، غير أنها ستكون المرة الأولى التي تُدمج فيها كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة الطبقات (أي حيتس، القبة الحديدية وباتريوت) لتُدار من مركز إدارة نيران واحد تم بناؤه ليباشر العمل الدائم ابتداء من العام المقبل، على أن تنضم إلى هذه المنظومات تباعاً «العصا السحرية» ومنظومة الحماية ضد الصواريخ الثقيلة والصواريخ البحرية، التي خضعت لتطوير مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.
إضافة إلى هذا الإجراء النوعي، سيتخذ الجيش الأميركي مجموعة إجراءات تتعلق بالتهديد الإيراني. واستدعى الاستعداد لـ«جونيبر كوبرا» ارتفاعاً ملحوظاً في دفعات التجنيد داخل سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي منذ مطلع آب الحالي، وذلك لتأمين الموارد البشرية اللازمة للمناورة، كما لتشغيل منظومة «القبة الحديدية»، أمل تل أبيب الوحيد (غير الناجع) في مواجهة الصواريخ القصيرة المدى، والتي نُشر منها حتى الآن أربع بطاريات على أن يُستكمل نصب 10 بطاريات على امتداد الأراضي المحتلة خلال السنوات القليلة المقبلة، بإشراف أميركي مباشر أيضاً، بما يعكس «جدية التزام إدارة الرئيس باراك أوباما حماية إسرائيل من الصواريخ» بحسب تعبير نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون الفضاء فرانك روز.
ما تقدّم أعلاه هو جزء يسير من العون الأميركي لإسرائيل في مجال عسكري واحد محدد (منظومة الدفاع الجوي) الذي بات يستوجب موقفاً سياسياً من قبل الأطراف المهددة إسرائيلياً، ومن بينها الحكومة اللبنانية المدعوّة لاستيضاح طبيعة النوايا الأميركية، بعد أن بات واضحاً مشاركتها المباشرة - حُكماً - في أي عدوان إسرائيلي مقبل.
على أن التصدي الأميركي لحماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية لا يعني أبداً النجاح في معالجة إشكالية الصواريخ، ذلك أن اختبار جهوزية الجبهة الداخلية هو جزء من العوامل التي تحدث عنها أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في الذكرى الخامسة لحرب تموز 2006. هذا الاختبار يتطلّب، إضافة إلى تقييم مدى قدرة «القبة الحديدية» على التعامل مع صواريخ «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية، الخوض مطولاً في عناصر الوقاية داخل «المجتمع الإسرائيلي» بمختلف المستويات:
- الفردية: إذ لا يزال موضوع توزيع الكمامات الواقية على الإسرائيليين محطّ تقصير وقصور.
- الأسرية: لم تفلح حتى الآن خطة الحكومة الإسرائيلية لتدعيم المباني القديمة نسبياً، كما أن المعالجة الموضعية بفرض تطبيق قانون بناء غرفة احتماء داخل كل مبنى تم تشييده بعد العام 1991 غير قادرة على مواجهة واقع الخطر الذي تشكله «مائدة الصواريخ» (في إشارة إلى اللقاء الذي جمع كلاً من الرئيسين الإيراني محمود احمدي نجاد والسوري بشار الأسد والسيد نصر الله في دمشق).
- المؤسساتية: والمقصود هنا مراكز التجمعات البشرية الضخمة كالمدارس والمستشفيات. وهذا المستوى لا يزال محلّ جدل حقيقي بسبب المشاكل المالية المختلفة التي يعاني منها قطاع التعليم والاستشفاء.
- السلامة العامة: الإشكالية الرئيسة في هذا المستوى تكمن في أن الخطة الرسمية تعتمد على السلطات المحلية، هرباً من الكلفة العالية لإدارة وتنفيذ مشاريع وقاية عامة، في مقابل تكثيف الجهد على تأمين الحماية للقواعد العسكرية، انطلاقاً من فرضية أن القواعد والمنشآت العسكرية أهداف أكثر اجتذاباً للصواريخ في أي حرب مفترضة.
في الخلاصة، لم تحقق إسرائيل بعد المستوى اللازم من «المناعة القومية»، ولا تبدو الجبهة الداخلية قادرة على التعامل مع كوارث تقتضي تقنين القدرات وأداء المهام الحياتية اليومية ضمن ظروف استثنائية.
هذا الواقع، عند الحديث عن تقديرات الحرب، لا يعني أبداً استبعاد نشوبها أو التنبؤ بحصولها في المستقبل القريب، ذلك أن تقدير الحرب المفترضة أصبح رهينة معادلة ردع من نوع مستجدّ في تاريخ النزاعات العسكرية، لا يخضع بالضرورة لمعايير تقليدية، وهو بالتحديد ما تلقفته إسرائيل منذ أن بدأت مراجعتها لعبر حرب تموز، وما عكسته السيناريوهات التي أجرت على أساسها مناورة «نقطة تحوّل 5» بالاستناد إلى أن الحرب المقبلة ستقع نتيجة تتالي حوادث صغيرة متدحرجة عدة.
ظلت التقارير عن مشاركة طائرات أميركية في قصف أهداف في لبنان ابّان عدوان تموز في العام 2006، من ارتفاعات شاهقة، محلّ تشكيك لعدم ظهور أدلة حاسمة. وحتى «نقطة تحول 4» (مناورة الجبهة الداخلية ما قبل الأخيرة)، بقي التعاون العسكري الأميركي المعلن مع إسرائيل في حدود التنسيق والإشراف على إجراءات الجبهة الداخلية من قبل ضباط أميركيين. غير أنّ هذا المستوى من العلاقة بين الطرفين لم يستطع تلبية الحاجات العملانية الإسرائيلية، نظراً لتعاظم التهديدات المحيطة، وبالتالي انتقل من الإشراف إلى التورط الكامل بفعل عاملين رئيسيين: التهديد الإيراني و«حزب الله».
في ما يخصّ الجبهة مع لبنان، تسعى تل أبيب لضمان هدف رئيسي: «استكمال الدفاع الجوي ضد الصواريخ للحؤول دون اضطرار الجيش إلى القيام بعملية اشتباك برية مكلفة»، بحسب تعبير قائد منظومة الحماية الجوية في سلاح الجو الإسرائيلي العقيد شاحر شوخط.
هذا الهدف أفضى إلى إدخال تغييرات في منظومة الدفاع الجوي واستوجب تعزيز التنسيق مع الجيش الأميركي. والمستجدّ في هذا المجال حجم الدور الذي سيؤديه الجيش الأميركي في أي مواجهة إقليمية مقبلة تخوضها تل أبيب، بما يتخطى التنسيق في الكواليس بدرجات، ويلامس حدود العدوان الحقيقي.
اختبارات أميركية في المتوسط
تشير التقارير المواكبة إلى أن سلاح البحرية الأميركي أجرى اختبارات في البحر المتوسط تحت اسم «نداء المحيط» بهدف تحسين قدرة السفن الحربية على رصد التهديدات، وفي مقدمها الطوربيد.
أحد الأمثلة على هذه الاختبارات، حين دخل الطرّاد «يو اس اس لييتي» البحر المتوسط أواخر شباط الماضي عبر مضيق جبل طارق آتياً من المحيط الأطلسي.
تستخدم البحرية الأميركية هذا الطرّاد (الصغير الحجم والوزن نسبياً) تحديداً في المتوسط، لكونه من الصعب على القطع الكبيرة (بوزن يصل إلى 90 ألف طن) الآتية من الأطلسي عبور المضيق الذي يتراوح عمق مياهه ما بين ألف وثلاثة آلاف قدم، فضلاً عن «الاكتظاظ» الناجم عن تواجد سفن أخرى في هذه النقطة من العالم.
عمل طاقم الطرّاد «يو اس اس لييتي»، من خبراء في تقنيات «السونار» (الرادار البحري)، على تجربة تقنية «القتل الناعم» المعروفة باسم «نيكسي» AN|SLQ-25A المخصصة لاعتراض صواريخ طوربيد.
وتعمل هذه التقنية على التأثير على مسار الطوربيد الذي قد يُطلق على أي سفينة من خلال جهاز يُرسل إشارات الكترونية مشابهة لتلك الصادرة عن السفينة، ولكن بقوة أكبر ما يؤدي إلى تعديل الهدف في مجسّات جهاز الإحساس (Sensors ) لدى الطوربيد، علماً أن الجهاز محل الاختبار يعمل تحت عمق معين في الماء، عند الحاجة، بعد إنزاله عبر فتحة خاصة في قعر السفينة.
خلال فترة الاختبارات، واجهت خدمة الانترنت في لبنان عملية تشويش تبيّن أن مصدرها سفينة حربية أميركية ترابط قبالة الساحل شرقي المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن الخبراء في وزارة الاتصالات اللبنانية شهدوا أمراً مماثلاً خلال حرب تموز 2006، حين لاحظوا تشويشاً قوياً على موجات البث المحلية، علماً أن قطعاً من المجموعة الهجومية «انتربرايز» كانت ترابط آنذاك قبالة السواحل اللبنانية، وهي نفسها تنتشر بشكل دوري في البحر المتوسط. ولئن كان سبب التشويش إبّان حرب تموز واضحاً و«منطقياً»، فما الذي يفسّر «التداخل» في الموجات الناجم عن قطع حربية أميركية تتواجد مرة على الأقل كل سنة قبالة الساحل اللبناني؟ (تجري عملية مداورة كل ستة أشهر يتم فيها تبديل القطع البحرية في المتوسط ومياه الخليج). لا يمكن الجزم حول سبب التشويش، ذلك أن التقارير العلنية الصادرة عن البحرية لا تحدد بطبيعة الحال إحداثيات السفن الحربية، بل تنحو إلى الحديث عن مهامها.
ولمزيد من الإضاءة على الموضوع، يجب تقديم شرح تقني مبسّط لعملية التشويش (Jamming ) التي تصيب الموجات اللاسلكية.
تُعرّف عملية التشويش على أنها موجات لاسلكية تنشأ من خارج النظام وتستهدف موجة جهاز إرسال (مثال رادار أو محطة بث) بهدف إبطال عمله. قد يكون التشويش متعمّداً، كما هو الحال في الاستخدامات العسكرية في إطار ما يُعرف بالحرب الالكترونية، وقد يكون غير متعمّد كما في حال التداخل في الموجات أي أن جهازين مختلفين يستخدمان الموجة نفسها للبث.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر الأجهزة تعرضاً للتشويش ضمن اختبار البحرية الأميركية هي تلك العاملة ضمن نطاق C- Band، أي تلك الخاصة بشبكة الانترنت اللاسلكي في لبنان، كذلك هو حال موجات الأرصاد الجوية التي تستخدم عادة تقنية «واي فاي» على موجة 5،4 جيغا هرتز.
بغضّ النظر عن سبب التشويش الذي شهده لبنان، فمن المؤكد أن البحرية الأميركية على علم مسبق بالموجات التي تستخدمها الدولة اللبنانية في تشغيل الشبكات المحلية على اختلاف مجالاتها. عملية التشويش، مهما كان دافعها أو سببها، تطرح علامة استفهام كبيرة حول مدى احترام سفن واشنطن للسيادة اللبنانية.
دمج منظومتي الدفاع الجوي
في كانون الثاني المقبل، سيقوم الجيش الأميركي بمناورات سنوية مشتركة مع نظيره الإسرائيلي تُعرف باسم «جونيبر كوبرا»، أو «كوبرا العرعر»، غير أنها ستكون المرة الأولى التي تُدمج فيها كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المتعددة الطبقات (أي حيتس، القبة الحديدية وباتريوت) لتُدار من مركز إدارة نيران واحد تم بناؤه ليباشر العمل الدائم ابتداء من العام المقبل، على أن تنضم إلى هذه المنظومات تباعاً «العصا السحرية» ومنظومة الحماية ضد الصواريخ الثقيلة والصواريخ البحرية، التي خضعت لتطوير مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.
إضافة إلى هذا الإجراء النوعي، سيتخذ الجيش الأميركي مجموعة إجراءات تتعلق بالتهديد الإيراني. واستدعى الاستعداد لـ«جونيبر كوبرا» ارتفاعاً ملحوظاً في دفعات التجنيد داخل سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي منذ مطلع آب الحالي، وذلك لتأمين الموارد البشرية اللازمة للمناورة، كما لتشغيل منظومة «القبة الحديدية»، أمل تل أبيب الوحيد (غير الناجع) في مواجهة الصواريخ القصيرة المدى، والتي نُشر منها حتى الآن أربع بطاريات على أن يُستكمل نصب 10 بطاريات على امتداد الأراضي المحتلة خلال السنوات القليلة المقبلة، بإشراف أميركي مباشر أيضاً، بما يعكس «جدية التزام إدارة الرئيس باراك أوباما حماية إسرائيل من الصواريخ» بحسب تعبير نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون الفضاء فرانك روز.
ما تقدّم أعلاه هو جزء يسير من العون الأميركي لإسرائيل في مجال عسكري واحد محدد (منظومة الدفاع الجوي) الذي بات يستوجب موقفاً سياسياً من قبل الأطراف المهددة إسرائيلياً، ومن بينها الحكومة اللبنانية المدعوّة لاستيضاح طبيعة النوايا الأميركية، بعد أن بات واضحاً مشاركتها المباشرة - حُكماً - في أي عدوان إسرائيلي مقبل.
على أن التصدي الأميركي لحماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية لا يعني أبداً النجاح في معالجة إشكالية الصواريخ، ذلك أن اختبار جهوزية الجبهة الداخلية هو جزء من العوامل التي تحدث عنها أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في الذكرى الخامسة لحرب تموز 2006. هذا الاختبار يتطلّب، إضافة إلى تقييم مدى قدرة «القبة الحديدية» على التعامل مع صواريخ «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية، الخوض مطولاً في عناصر الوقاية داخل «المجتمع الإسرائيلي» بمختلف المستويات:
- الفردية: إذ لا يزال موضوع توزيع الكمامات الواقية على الإسرائيليين محطّ تقصير وقصور.
- الأسرية: لم تفلح حتى الآن خطة الحكومة الإسرائيلية لتدعيم المباني القديمة نسبياً، كما أن المعالجة الموضعية بفرض تطبيق قانون بناء غرفة احتماء داخل كل مبنى تم تشييده بعد العام 1991 غير قادرة على مواجهة واقع الخطر الذي تشكله «مائدة الصواريخ» (في إشارة إلى اللقاء الذي جمع كلاً من الرئيسين الإيراني محمود احمدي نجاد والسوري بشار الأسد والسيد نصر الله في دمشق).
- المؤسساتية: والمقصود هنا مراكز التجمعات البشرية الضخمة كالمدارس والمستشفيات. وهذا المستوى لا يزال محلّ جدل حقيقي بسبب المشاكل المالية المختلفة التي يعاني منها قطاع التعليم والاستشفاء.
- السلامة العامة: الإشكالية الرئيسة في هذا المستوى تكمن في أن الخطة الرسمية تعتمد على السلطات المحلية، هرباً من الكلفة العالية لإدارة وتنفيذ مشاريع وقاية عامة، في مقابل تكثيف الجهد على تأمين الحماية للقواعد العسكرية، انطلاقاً من فرضية أن القواعد والمنشآت العسكرية أهداف أكثر اجتذاباً للصواريخ في أي حرب مفترضة.
في الخلاصة، لم تحقق إسرائيل بعد المستوى اللازم من «المناعة القومية»، ولا تبدو الجبهة الداخلية قادرة على التعامل مع كوارث تقتضي تقنين القدرات وأداء المهام الحياتية اليومية ضمن ظروف استثنائية.
هذا الواقع، عند الحديث عن تقديرات الحرب، لا يعني أبداً استبعاد نشوبها أو التنبؤ بحصولها في المستقبل القريب، ذلك أن تقدير الحرب المفترضة أصبح رهينة معادلة ردع من نوع مستجدّ في تاريخ النزاعات العسكرية، لا يخضع بالضرورة لمعايير تقليدية، وهو بالتحديد ما تلقفته إسرائيل منذ أن بدأت مراجعتها لعبر حرب تموز، وما عكسته السيناريوهات التي أجرت على أساسها مناورة «نقطة تحوّل 5» بالاستناد إلى أن الحرب المقبلة ستقع نتيجة تتالي حوادث صغيرة متدحرجة عدة.