نحو تفسير أسهل/سورة النازعات/د.عائض القرني

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
نحو تفسير أسهل

الدكتور عائض القرني

سورة النازعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
أقسم الله بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا بقوة وعنف حتى تسحبها من كل أجزاء الجسد، مع ألم ومشقة وعذاب وحسرة.

وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
وأقسم بالملائكة التي تخرج أرواح المؤمنين بلطف ولين وسهولة ورفق، فتكون كالقطرة من فم السقاء يسرا.

وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
وأقسم بالملائكة وهي تنزل من السماء وتصعد ذاهبة آيبة بأوامر الله وأحكامه، كل صنف منهم يعمل لعظمة الملك وقوة السلطان.

فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
وأقسم بالملائكة التي تسبق بأمر الله أرواح المؤمنين إلى مستقرها بمبادرة لتذوق النعيم ولا تتأخر عما أعد الله لها.

فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
وأقسم بالملائكة التي تدبر أمر الله من قطر ورياح وكتابة وحفظ للناس، وتنفيذ لكل أمر من رحمة وعذاب.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
يوم تقع النفخة الأولى تضطرب الأرض، وترجف بأهلها، وتزلزل بمن عليها بحركة عنيفة، وتهتز هزا مذهلا مدهشا.

تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
وتأتي بعدها النفخة الثانية ليقوم الناس لرب العالمين.

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
هناك قلوب شديدة القلق والاضطراب والانزعاج من هول الموقف، تكاد القلوب تخرج من الجنوب لخوف علام الغيوب.

أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
أبصار هؤلاء الخائفين ذليلة حائرة من هول المنظر وفظاعة المشهد، خضعت الأبصار وحارت الأفكار، وعنت الوجوه للواحد القهار.

يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
يقولون: هل نرد بعد الموت إلى الحياة؟ وهذا لا يكون.. فقد مات الآباء والأجداد فما عادوا، فلا رجعة لنا ولا عودة، بل موت بفناء.

أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
أئذا بليت منا العظام، وتفتت الأعضاء، وأصبحنا ترابا نرد إلى الحياة ونعاد من جديد؟! هذا لا يكون أبدا.

قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
يقول من كذب بالبعث: هذه الرجعة إذن خائبة لنا، خاسرة في حقنا، ليست في صالحنا؛ استبعادا لها واستهزاء.

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
فإنما النفخة الثانية صيحة واحدة لا تعب فيها علينا، فإذا وقعت أعدناهم كما بدأناهم، وأحييناهم كما أمتناهم.

فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
فإذا وقعت النفخة الثانية خرج الناس إلى أرض بيضاء لفصل القضاء، فعرضت الأعمال، وعظمت الأهوال، وبرز ذو الجلال، يوم الثواب والنكال.

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)
هل سمعت أو خبرت عن قصة موسى العظيمة، وصبره في مواجهة فرعون، وما لقي من نوائب ملك؟ ففيها أسوة، فاصبر وتعز به.

إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
حين ناداه خالقه ومدبر أمره بالوادي الميمون المبارك المطهر بطور سيناء، فشرف الوادي لأجل التكليم، وتقدس بسبب الوحي.

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
وقال له ربه: سر يا موسى إلى فرعون فادعه إلى التوحيد، فإنه بغى وطغى وتجبر وعصى، وجاوز الحد في الكفر والإلحاد والفسق والفساد.

فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
فقل له بلين، وخاطبه برفق: هل لديك رغبة في أن تتطهر من الكفر وتوحد الله، وتخلص له العبادة وتزكي نفسك بالطاعة؟ فهذا خير لك.

وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
وأدلك على الطريق إلى الله الذي رباك بنعمه، فلعلك تخاف عقابه وتخشى عذابه فتطيع أمره، وتجتنب نهيه.

فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20)
فأرى موسى فرعون المعجزة الكبرى، فانقلبت العصا حية بإذن الله، وهي دليل على صدق موسى وأنه نبي من عند الله.

فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)
فكذب فرعون دعوة موسى وعصى أمره، أو كذب بقوله وعصى بفعله، فمن تكذيبه رفضه للدليل، ومن عصيانه تركه للتوحيد.

ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
ثم أعرض عن الهداية وسعى في الغواية، وصد عن متابعة موسى، وأمعن في الفساد في الأرض قتلا وظلما وإذلالا واستعبادا.

فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
فجمع الناس وأعلن مناديا بباطله صارخا بفريته وكذبته السخيفة من ادعاء الألوهية، قاتله الله.

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
فقال فرعون للناس: أنا ربكم الذي رباكم بالعطايا، وأنا عال فوقكم لا رب فوقي. كذبا منه وزورا. وقصده أن يعبد من دون الله.

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
فنكل الله به غاية التنكيل، وعاقبه أشد العقاب، في الدنيا بالإغراق، وفي الآخرة بالإحراق، أو عاقبه بكلمتيه الكاذبتين.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
إن في عقاب الله لفرعون ومحقه وإهلاكه عظة عظيمة لمن اتقى ربه وخاف مولاه، فهذا مصير كل طاغية، وهذه نهاية كل مجرم جبار.

أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)
أتظنون في تقديركم أنكم أشق في الخلق، وأصعب في الإيجاد، وأعظم في الصنعة من خلق السماء التي بناها الله بإحكام، وسواها بإتقان؟

رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
بناها فرفعها وأعلى سقفها فجعل سمكها في جرمها عاليا كما بين السماء والسماء، فسبحان مجمل هذا البناء.

وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
وجعل الليل مظلما، ومحا الليل بنور الشمس، فغاير بين الوقت، ولم يجعله سرمدا بتوقيت معين، فلم يسبق الليل النهار، ولا النهار الليل.

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
والأرض بعد رفع السماء فرشها للكائنات، ومهدها لعيش الناس، وبسطها مع كرويتها لتقوم على ظهرها الحياة.

أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
وأخرج الماء من الأرض في عيون وآبار وأنهار من بين الصخور، ومن تحت الجبال، وأنبت فيها المرعى الأخضر متاعا للحيوان.

وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)
وثبت الجبال كالأوتاد للأرض فلا تتحرك، ولا تضطرب، ولا تهتز، ووزع الجبال بحكمة على أطراف الأرض؛ لتستقر لمن يعيش على ظهرها.

مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)
وجعل ذلك كله منفعة لكم ومتاعا لأنعامكم، فطاب سكنكم، وقر عيشكم، وقامت حياتكم، فالإنسان والحيوان في نعمة ورغد.

فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
فإذا حان قيام الساعة، وهي الداهية العظمى، والطامة الكبرى، طمت على الأبصار بهولها، وعلى الأسماع بصوتها، وعلى القلوب بخوفها.

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى (35)
حينها يتذكر الإنسان ما عمل من خير وشر وصلاح وفساد، فتعرض عليه حسناته وسيئاته في وقت لا ينفع الندم ولا يجدي التحسر.

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
وأظهرت نار جهنم أمام الناس يراها الجمع لا تخفى على أحد، قد هيئت للفجار، وأعدت للكفار تنتظرهم لإحراقهم.

فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)
فأما من تكبر وتجبر وتعدى الحدود، ونقض العهود، ونكث العقود بالشرك والجحود والخروج عن طاعة الملك المعبود.

وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
وقدم الحياة الدنيا على الآخرة فعمل لها، وفضلها ونسي الآخرة وأهملها، فأحب العاجلة وأنغمس في لذائذها، معرضا عن اليوم الآخر.

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِي الْمَأْوَى (39)
فإن النار له قرار وبئس والله الدار، يأوي إليها، ويقيم بها معذبا خاسئا يذوق الأنكال ويقيد بالأغلال.

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النفس عَنِ الْهَوَى (40)
فمن خاف الله وعظم قدره، وهاب أخذه وخشي بطشه، وكف النفس عن هواها وردعها عن غيها واتباعها شهواتها.

فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِي الْمَأْوَى (41)
فإن جنات النعيم هي مقام هذا المتقي الدائم، يأوي إليها مكرما منعما، تقر فيها عينه، وتسعد فيها نفسه، ويطيب فيها عيشه.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
يسألك المشركون يا محمد متى تقوم الساعة؟ ومتى موعدها؟ ومتى وقت وقوعها؟ ويريدون ذكر تأريخ قيامها استهزاءً.

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
في أي شيء أنت من ذكر الساعة، فليس عندك علم بها لتخبرهم، ولم يطلعك الله على موعدها لتفتيهم، فأنت لا تدري بوقتها.

إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44)
إلى الله وحده نهاية علمها لا يعلمها غيره، ولا يدري بها سواه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)
إنما ينفع نصحك من خشي قيام الساعة فعمل للآخرة، أما المكذب المعرض فهو في لهوه يلعب، وفي ضلاله يسعى، فمهمتك الإنذار بها لا الإخبار بوقتها.

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
كأن هؤلاء الكفار يوم يرون قيام الساعة لم يبقوا في الدنيا إلا مقدار عشية يوم، أو ضحاه؛ لقصر ما مكثوا في هذه الدنيا الفانية، فهي أحلام وأوهام، لا يغتر بها إلا الطغاة، أفمن أجل عشية أو ضحاها يضحون بالآخرة

عن الشرق الأوسط


 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى